
هالة الطعام الصحي.. كيف تخدعنا العبارات التسويقية؟
لكن الواقع يكشف أن العديد من هذه المنتجات لا تحقق بالضرورة الفوائد الصحية المرجوة، بل قد تحتوي على مكونات خفية أو بدائل ضارة تعوض العناصر التي تم تقليلها. وهو ما يجعل الكثير من المستهلكين عرضة للتأثر بحيل تسويقية مصممة بعناية لاستغلال الوعي الصحي دون تقديم قيمة غذائية حقيقية.
خلال العقود الأخيرة شهد العالم ارتفاعا كبيرا في الوعي الصحي، كما أدى ازدياد معدلات الأمراض المرتبطة بنمط الحياة كالسكري والسمنة إلى اتجاه الكثير من الأفراد للبحث عن خيارات غذائية صحية وهو ما ترك أثره على السوق. وفقا للتقارير فقد بلغ حجم مبيعات الأطعمة الصحية عالميا أكثر من 594 مليار دولار أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 859.43 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030. أما في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فقد حقق سوق الأطعمة الصحية أكثر من 16 مليون دولار في عام 2024، مع توقعات بنمو سنوي مركب يبلغ 9.5% حتى عام 2031.
كيف يخدعنا التسويق؟
رغم ما تروّج له شركات الأغذية من حرص على صحة المستهلك، فإن الهدف الأساسي لكثير منها يظل تحقيق الأرباح، وهو ما يدفعها إلى استخدام إستراتيجيات تسويقية متعددة، من أبرزها ما يُعرف بـ"تأثير هالة الصحة" (Health Halo Effect).
تُشير هذه الظاهرة النفسية إلى ميل المستهلكين لتقييم المنتجات على أنها صحية لمجرد احتوائها على كلمات أو إشارات إيجابية مثل "طبيعي" أو "غني بالألياف"، دون التحقق من مكوناتها الفعلية أو قيمتها الغذائية الكاملة. وغالبًا ما تبرز هذه العبارات جانبًا إيجابيًا جزئيًا وتتجاهل الجوانب السلبية، مما يؤدي إلى ثقة زائفة بالمنتج.
يرتبط هذا التأثير بعدة انحيازات إدراكية، من بينها "التحيز التأكيدي"، الذي يجعل الأفراد يبحثون فقط عن المعلومات التي تدعم معتقداتهم المسبقة، و"تحيز المظهر"، حيث يُفترض أن المنتج الذي يبدو صحيا من الخارج لا بد أن يكون مفيدا بالفعل.
أظهرت دراسة نُشرت في عام 2022 بعنوان "تسويق الأغذية وأثره على تصور الأشخاص للصحة" أن أكثر من 60% من المشاركين أعادوا تقييم مدى صحّة المنتجات الغذائية بعد الاطلاع على عبواتها. هذا التحوّل في الانطباع يؤكد التأثير القوي للعناصر البصرية في التصميم التسويقي، مثل الكلمات المستخدمة والألوان، على إدراك المستهلكين واتخاذهم للقرار الشرائي.
غالبًا ما تحمل المصطلحات التسويقية دلالات مضللة لا تعكس بالضرورة القيمة الغذائية الحقيقية للمنتج. فعلى سبيل المثال، لا يعني وصف منتج بأنه "قليل الدسم" أنه منخفض السعرات الحرارية، إذ تلجأ بعض الشركات إلى تعويض الدهون المزالة بإضافة كميات أكبر من السكر أو النشويات لتحسين الطعم، مما قد يجعل المنتج أقل فائدة من النسخة الكاملة الدسم.
كذلك، فإن وصف المنتجات بأنها "عضوية" لا يضمن بالضرورة أنها أكثر صحة. فالزراعة العضوية تهدف بشكل أساسي إلى حماية النظم البيئية وتقليل استخدام المواد الكيميائية، وهي أهداف بيئية نبيلة، إلا أن وجود هذا الوصف على عبوة منتج لا يعني بالضرورة أنه مغذٍ أو أفضل من الناحية الصحية مقارنةً بغيره.
أما كلمة "طبيعي"، فهي من أكثر المصطلحات شيوعا وغموضا، إذ تستخدم دون ضوابط واضحة، وغالبًا ما تغفل حقيقة احتواء المنتج على مكونات مثل الفركتوز بنسب عالية، كما هو الحال في بعض العصائر التي تحمل هذا الوصف.
ومن الجوانب التي يغفلها كثير من المستهلكين أيضا محتوى المنتج من الصوديوم، فرغم التركيز الشائع على السعرات الحرارية والدهون والسكريات، فإن الصوديوم غالبًا ما يُدرج في نهاية ملصق القيم الغذائية ويصعب على المستهلك العادي فهم تأثيره، رغم ارتباطه المباشر بمشكلات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
تشير دراسة حديثة من جامعة ليفربول إلى أن 5 دقائق فقط من مشاهدة إعلانات الأطعمة السريعة كافية لدفع الأطفال لاستهلاك نحو 130 سعرة حرارية إضافية، حتى إن لم تتضمن الإعلانات طعامًا معينًا، بل مجرد شعارات تجارية.
لكن التأثير لا يقتصر على الأطفال؛ فاليوم تتخفى الإعلانات داخل محتوى يبدو توعويًا أو تجريبيًا على وسائل التواصل، مما يجعل المستهلكين عرضة للتأثر دون وعي. لم تعد الشركات تعتمد فقط على نجوم الفن، بل تلجأ إلى مؤثرين وأخصائيي تغذية لنقل صورة صحية عن منتجاتها، مما يدفع البعض لشراء منتجات لمجرد أن "الجميع يمدحها" على المنصات الرقمية، دون التحقق من قيمتها الغذائية الحقيقية.
كيف تؤثر علينا هالة الصحة؟
يتجاوز التأثير النفسي لهالة الصحة قرار الشراء ليؤثر على كميات الطعام التي نتناولها، حيث يؤدي اعتقاد المستهلك بأن هذا المنتج صحي في بعض الأحيان إلى دفعه لتناول كميات أكبر منه دون قلق، كما وجد أن الأشخاص الذين يعتقدون أن وجبتهم صحية كانوا أكثر عرضة لإضافة الأطباق الجانبية والمشروبات والتحلية وهو ما يقود إلى العديد من المخاطر، من بينها تفاقم مشاكل السمنة وأمراض القلب والسكري بين المستهلكين الذين ينخدعون بالمظهر الصحي للمنتجات.
ولا يقتصر تأثير هالة الصحة على العبارات المكتوبة على الملصقات فقط، على سبيل المثال قد يعتمد أحيانا على سمعة الشركة ومدى مشاركتها في المسؤولية المجتمعية، فبعض المستهلكين يفترضون أن الشركات المسؤولة اجتماعيا تصنع منتجات أفضل وصحية أكثر، وهو ما يجعلهم يتجاهلون التدقيق في محتوى منتجاتها.
اقرأ الجهة الخلفية من العبوة: لا تعتمد فقط على العبارات البارزة على وجه المنتج، بل تحقق من جدول القيم الغذائية والمكونات.
تعلم قراءة الملصقات الغذائية: فهمك للمعلومات المكتوبة سيساعدك في اتخاذ قرارات صحية ومدروسة.
احذر العبارات العامة مثل "طبيعي" أو "عضوي": فهي لا تعني بالضرورة أن المنتج مفيد للصحة، وغالبًا ما تُستخدم كأدوات تسويقية.
وازن بين السعرات والقيمة الغذائية: فبعض الأطعمة منخفضة السعرات تفتقر إلى العناصر الغذائية المفيدة، والعكس صحيح.
راقب الكمية التي تستهلكها: فحتى المنتجات "الصحية" قد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا تم تناولها بكثرة.
تجنب الأطعمة فائقة المعالجة: فهي غالبًا ما تحتوي على نسب عالية من السكر، والدهون، والملح.
ابتعد عن المنتجات التي تحتوي على:
دهون متحولة
زيوت مهدرجة
نكهات وألوان صناعية
محليات مضافة
مواد حافظة
يبقى الوعي هو خط الدفاع الأول للمستهلك. فاختيار الغذاء الصحي لا ينبغي أن يُبنى على الشعارات البراقة، بل على المعرفة الدقيقة والتحقق من الحقائق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مستشفى شهداء الأقصى: المجاعة في قطاع غزة بلغت المرحلة الخامسة
قال المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى الدكتور خليل الدقران إن المجاعة في قطاع غزة دخلت المرحلة الخامسة، مؤكدا أن الأوضاع الصحية تزداد تفاقما في ظل سياسة تجويع متعمدة ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي ، ومع غياب المساعدات الفعلية التي تصل للمواطنين المحاصرين. وأشار الدقران، في مداخلة مع قناة الجزيرة، إلى أن أعداد ضحايا سوء التغذية في ازدياد مستمر، لافتا إلى تسجيل 175 حالة وفاة بسبب المجاعة، بينها 6 حالات خلال 24 ساعة فقط، إلى جانب آلاف الحالات المرضية التي تستقبلها المستشفيات يوميا. وأوضح أن ما يُروّج له الاحتلال بشأن إدخال مساعدات غذائية وطبية "عارٍ من الصحة"، مضيفا أن ما يدخل فعليا هو كميات محدودة لا تلبي جزءا يسيرا من احتياجات السكان، وغالبا ما يتم الاستيلاء عليها عند المعابر من قِبل مجموعات خارجة عن القانون. واتهم المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى المؤسسة الأميركية المسماة "غزة الإنسانية" بتوفير مراكز تحوّلت إلى "مصائد موت"، قائلا إن جيش الاحتلال يفتح نيرانه بانتظام على المدنيين المتجمعين قرب تلك المراكز، ما يتسبب في سقوط أعداد كبيرة من الجرحى والشهداء. وكانت مصادر طبية أكدت للجزيرة أن 50 فلسطينيا استُشهدوا منذ فجر الأحد في مجازر متفرقة، بينهم 22 من الباحثين عن الطعام قرب مراكز تحكم بالمساعدات في رفح والنصيرات، حيث دأبت قوات الاحتلال على استهداف التجمعات المدنية حولها. نسبة إشغال مضاعفة وتابع الدقران أن سياسة الاحتلال تسببت في انهيار تام للمنظومة الصحية، إذ تجاوزت نسبة إشغال الأَسِرّة في المستشفيات 300%، ما اضطر الكوادر الطبية إلى فرش الممرات والساحات لاستيعاب تدفق المصابين. وبحسب المتحدث، فإن المستشفيات لم تعد قادرة على استقبال المزيد من الحالات، نظرا للعدد الهائل من المرضى، وخاصة من فئة الأطفال وكبار السن، وهم الشريحتان الأكثر تضررا من سوء التغذية وانتشار الأمراض المزمنة والمعدية. ونوّه إلى أن أقسام الأطفال في مستشفيات غزة تشهد اكتظاظا غير مسبوق، حيث يُضطر الأطباء إلى تنويم 3 إلى 4 أطفال على السرير الواحد، وسط بيئة صحية متدهورة وانتشار واسع للجرذان والحشرات في أماكن النزوح والمخيمات. ومنذ تولي مؤسسة "غزة الإنسانية" التحكم في تدفق المساعدات في مايو/أيار الماضي، استشهد أكثر من 1500 فلسطيني وأصيب أكثر من 10 آلاف آخرين بنيران جيش الاحتلال والمتعاقدين الأجانب مع المؤسسة، وفق الأمم المتحدة ووزارة الصحة بالقطاع المنكوب. ويأتي هذا التصعيد بعد يومين من زيارة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف لأحد مراكز المساعدات برفح، في وقت يرى مراقبون أن تلك الزيارات باتت تشكّل غطاء سياسيا لاستمرار الفتك بالمواطنين تحت غطاء إنساني زائف.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
الاحتلال يمنع 22 ألف شاحنة مساعدات من دخول غزة
قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة اليوم الأحد إن الاحتلال الإسرائيلي يواصل هندسة التجويع والحصار، ويمنع دخول 22 ألف شاحنة مساعدات متكدسة على المعابر. وحملت حكومة غزة الاحتلال الإسرائيلي، والدول المنخرطة بالصمت أو التواطؤ، المسؤولية الكاملة عن تفاقم الكارثة الإنسانية، وما يترتب عليها من نتائج كارثية نتيجة حرمان السكان من الغذاء والدواء والوقود. وطالبت بإدخال فوري وآمن ودائم لكل الشاحنات المحتجزة، وفتح المعابر دون قيد أو شرط، وضمان تدفق المساعدات لإنقاذ أرواح المدنيين في قطاع غزة قبل فوات الأوان. وفي ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر، أعلنت وزارة الصحة أن عدد ضحايا التجويع في غزة ارتفع إلى 175، بينهم 93 طفلا. في حين، ذكرت قناة القاهرة الإخبارية التابعة للدولة المصرية اليوم الأحد أن شاحنتي وقود محملتين بما يصل إلى 107 أطنان من الوقود على وشك دخول غزة. وحذرت وزارة الصحة في القطاع مرارا من أن نقص الوقود يعطل خدمات المستشفيات، مما يجبر الأطباء على الاقتصار على علاج المرضى ذوي الحالات الحرجة أو المصابين فقط. ولم يصدر تأكيد بعد على دخول الشاحنتين بالفعل إلى غزة. وأصبح دخول الوقود إلى غزة نادرا منذ مارس/ آذار، عندما فرضت إسرائيل قيودا على تدفق المساعدات والبضائع إلى غزة. ضحايا المساعدات وأمس السبت، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة دخول 36 شاحنة مساعدات فقط للقطاع، مؤكدا أن أغلبها تعرض للنهب والسرقة نتيجة الفوضى الأمنية التي يكرسها الاحتلال الإسرائيلي. وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت تل أبيب منذ 27 مايو/أيار الماضي تنفيذ خطة توزيع مساعدات عبر ما يعرف بمؤسسة غزة الإنسانية ، وهي جهة مدعومة إسرائيليا وأميركيا لكنها مرفوضة أمميا. ويؤكد الفلسطينيون أن آلية توزيع مساعدات عبر مؤسسة غزة الإنسانية تهدف إلى تجميعهم وإجبارهم على التهجير من أراضيهم، تمهيدا لإعادة احتلال غزة. وفي وقت سابق السبت، قالت وزارة الصحة بغزة إن حصيلة الضحايا المجوّعين من منتظري المساعدات بلغت 1422 شهيدا، وأكثر من 10 آلاف إصابة منذ 27 مايو/أيار الماضي. وخلّفت الإبادة، بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 209 آلاف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
غزة تلفظ أنفاسها جوعا
بعد مرور اثنين وعشرين شهرا على العدوان الوحشي على قطاع غزة وتفاقم الأوضاع الإنسانية المتردية، حيث يرتفع عدد الشهداء والجوعى والجرحى والمشردين بصورة متزايدة، عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا على مستوى المندوبين الدائمين، برئاسة أمينها العام أحمد أبو الغيط، لبحث خطورة الوضع الإنساني المتدهور في القطاع. ويبدو هذا الاجتماع محاولة لإنقاذ ماء الوجه في مواجهة هذه الفاجعة، بعد أن تجاوزت الأوضاع حدود الكارثة لتصل إلى ما يشبه المجازر الصامتة الناتجة عن الجوع والخذلان المستمر. وفي بيان مقتضب، أوضحت الجامعة أن الاجتماع يأتي في ظل التدهور الخطير للوضع الإنساني في غزة، حيث فاقم الحصار والإغلاق الكامل للمعابر من المجاعة، وتسبب في سقوط المزيد من الضحايا المدنيين الذين يلاقون حتفهم جوعا، في مشهد يُعد وصمة عار على جبين العالم والإنسانية جمعاء. بينما يجتمع المندوبون العرب في القاهرة، كانت أعداد الضحايا في مستشفيات غزة تتزايد بصورة مروعة. ففي غضون 24 ساعة فقط، استشهد 99 فلسطينيا وأصيب أكثر من 650 آخرين، نتيجة استهداف مباشر للمدنيين أثناء سعيهم للحصول على المساعدات الغذائية. وبذلك، ارتفع إجمالي ضحايا "لقمة العيش" إلى ما يزيد على ,1020 شهيدا و6.511 مصابا، حسبما أفادت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة. الجوع لا يفرق بين صغير وكبير، رجل أو امرأة، فوفقا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني حوالي 90 ألف طفل وامرأة من سوء تغذية حاد، مما يعكس صورة مفزعة لأزمة غذاء حادة تتفاقم باستمرار، وأكد البرنامج أن نحو ثلث سكان القطاع لا يجدون طعاما لأيام متتالية، الأمر الذي ينذر بمجاعة شاملة، وكشف صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقريره الأخير عن وجود نحو 55 ألف امرأة حامل في غزة، بينهن ما لا يقل عن 11 ألفا يواجهن خطر المجاعة وسوء التغذية الحاد، مما قد يتسبب في مضاعفات تهدد حياة الأمهات وأجنتهن على حد سواء. إعلان على الرغم من أن شبح المجاعة يخيم بوضوح على غزة، يظل التحرك العربي باهتا وفاترا، وربما يتسم باللامبالاة والعجز. لم يعد الخذلان العربي مجرد غياب عن الفعل، بل تحول إلى صمت رسمي حيال أبشع الجرائم التي تُرتكب في القرن الحادي والعشرين. فلا تحرك دبلوماسيا فعَّالا، ولا ضغوط على القوى الفاعلة انتظرت الجامعة العربية إعلان برنامج الأغذية العالمي عن بلوغ غزة مرحلة غير مسبوقة من التدهور لتدعو إلى اجتماع طارئ، وذلك رغم وضوح مؤشرات الكارثة منذ شهور، مع توقف المساعدات الدولية، واستهداف قوافل الإغاثة من قبل "إسرائيل"، وارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 4000%. وفي هذا السياق، أعربت وكالة الأونروا عن تلقيها رسائل يائسة من موظفيها داخل فطاع غزة، تؤكد أن سكان غزة يتضورون جوعا، بينما تُمنع قوافل الإغاثة من الوصول منذ مارس/ آذار الماضي، كما حذرت الوكالة من أن أسعار السلع الأساسية تضاعفت أربعين مرة، في ظل غياب أي آلية فعالة لفك الحصار أو تأمين المساعدات. لم يعد الخذلان العربي مجرد غياب عن الفعل، بل تحول إلى صمت رسمي حيال أبشع الجرائم التي تُرتكب في القرن الحادي والعشرين. فلا تحرك دبلوماسيا فعَّالا، ولا ضغوط على القوى الفاعلة، ولا حتى مواقف حازمة في المحافل الدولية، وكأن غزة خارج الخريطة، أو خارج نطاق الإحساس. على الرغم من أهمية الاجتماع الطارئ كمؤشر متأخر لإدراك خطورة الموقف، فإن مصداقيته تبقى مرتبطة بنتائجه. فهل ستكتفي الجامعة بإصدار بيان إدانة جديد؟ أم سيشهد العالم أخيرا موقفا عربيا موحدا يضغط بفاعلية لفك الحصار، ووقف المجاعة، وإدخال المساعدات؟ وهل ستبقى الشعوب غير العربية وحدها في الشوارع، بينما تكتفي الأنظمة العربية بالاجتماعات؟ يبدو أن الموت جوعا في غزة لم يكن كافيا لتحريك ضمائر بعض الحكومات العربية، التي فضّلت التطبيع والصمت على اتخاذ مواقف تنقذ حياة الأبرياء، والنتيجة، جثث الأطفال في الشوارع، وأرحام النساء خاوية، ومستشفيات بلا أدوية أو غذاء. آمل ألا يكون الاجتماع الطارئ للجامعة العربية مجرد خطوة أخرى من الخطوات المعهودة التي لم تغير شيئا من الواقع. فهل سيشهد العالم تغييرا حقيقيا في التعاطي العربي مع كارثة غزة؟ أتخيل أن هذا الاجتماع سينضم إلى السلسلة الطويلة من القمم والبيانات التي لم تمنع مجزرة، ولم توقف مجاعة، ولم تنقذ إنسانا. غزة ليست بحاجة إلى مزيد من الكلام والبيانات، فقد اكتفت من الخذلان حتى التخمة، ما تحتاجه غزة هو قرار حاسم لإجبار الاحتلال على وقف عدوانه ومجازره، وموقف واضح مقرون بأفعال ملموسة تتجسد في إدخال المساعدات وإعادة الإعمار وإنقاذ الأرواح، غزة بحاجة أيضا إلى وقف التطبيع وقطع العلاقات المتعددة مع هذا الكيان المجرم، وطرد السفراء وإغلاق السفارات في الدول العربية، وإلى أن يتحقق ذلك، سيظل الجوع سلاحا إسرائيليا، والخذلان العربي شريكا في حرب الإبادة والتجويع.