عثمان ميرغني يكتب: المايسترو..
قال البرهان إن الوزير، بعد توليه المنصب، يفرط في توزيع الوظائف على أقاربه أو أصدقائه، دون ارتباط بين حاجة العمل أو الكفاءة ومؤهلات الشخص الذي يشغل الوظيفة أو قدراته. وللدلالة على استشراء هذه الظاهرة، أشار البرهان إلى أن مدراء المكاتب يفعلون الشيء ذاته، لدرجة أن بعض الوحدات الرسمية تحولت إلى مؤسسات عائلية، رغم أنف قواعد الخدمة المدنية وقوانينها.
لا أحد ينكر أن ما قاله البرهان صحيح وشائع في مختلف مستويات الدولة، بل ربما أصبح مسلكًا طبيعيًا لا يرفع حاجب الدهشة لفرط انتشاره. لكن، بالضرورة، يطرح ذلك سؤالًا مهمًا: إذا كان أعلى هرم السلطة يدرك هذه الظاهرة، وتحت سمعه وبصره، ومع ذلك لا يجد من يمارسها خوفًا ولا حتى حرجًا في تفضيل أقربائه وعشيرته بالوظائف، فهل الخطورة على الدولة تكمن في شغل هذه الوظائف بغير المستحقين، أم في أن يمارس الوزراء والمدراء ذلك بعلم الرئيس؟
لكل دولة في عالم اليوم "عقل مركزي" يديرها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها. لا أقصد ب"العقل المركزي" سيطرة شخص أو هيئة أو حزب بالمعنى الذي قد يُفسَّر ضرباً من الدكتاتورية، بل أعني خلاصة الرؤية والغايات العليا وقوة الدفع المعنوية التي تشكل قوام الحركة والسكون في الدولة.
الدولة جسم له عقل يفكر به، وقلب نابض يضخ الحياة والعافية فيه. غياب "العقل المركزي" يجعل الدولة جسماً بلا عقل ولا قلب ينبض، فيتحول إلى مجرد كتلة صماء بلا وعي حقيقي بما يجب أن يكون أو لا يكون.
"العقل المركزي" هو المايسترو الذي يحافظ على إيقاع ونبضات قلب الدولة، أقرب إلى مفهوم "وحدة المعالجة المركزية" في الحاسوب. لا تسيطر على كل الوظائف والأعمال، لكنها تفرض حالة منظمة لمختلف النشاطات لتحقيق أهداف محددة. تتشارك وحدات الحاسوب في العمل حسب وظائفها، وتشرف البرمجيات على تحديد هذه الوظائف وطريقة عملها، وتلتزم الجميع بإيقاع ساعة موحدة للتوافق في خطوات العمل، فيتحقق الناتج النهائي حسب الأهداف المخطط لها وبمنتهى الدقة.
ولضمان أعلى كفاءة ل"العقل المركزي"، فإنه ملزم بمقاييس محددة تضبط عمله وتمنح القدرة على قياس التقدم أو التأخر أو حتى العطب. إذا غاب "العقل المركزي" عن الدولة، فكأنما تحول الحاسوب إلى قطعة حديد باردة، مهما دارت فلن تحقق غاية.
الدولة السودانية تعاني من غياب "العقل المركزي"، وتتعايش مع حالة موات فعلي لا تلتزم بأهداف ولا مقاييس.. تأكيد ذلك من مقارنة مع بعض النماذج في عالم اليوم.
مثلا:
سنغافورة.. وهي نموذج بارز لدولة لديها "عقل مركزي" يتمثل في رؤية حكومية واضحة تركز على التنمية الاقتصادية، التعليم، ومكافحة الفساد. منذ استقلالها في 1965، وضعت خططًا طويلة الأمد (مثل خطط التنمية الخمسية) مع التركيز على الكفاءة والشفافية.
و يظهر "العقل المركزي" في مقاييس واضحة.. مثل نظام اختيار الموظفين العموميين الذي يعتمد على الكفاءة والجدارة، مع رواتب تنافسية للحد من الفساد.
و تخطيط اقتصادي دقيق، حول سنغافورة إلى مركز مالي عالمي..و قوانين صارمة وشفافة تُطبق على الجميع، مما يمنع المحسوبية.
فمثلا هيئة التنمية الاقتصادية (EDB) تعمل كوحدة تنسيق مركزية تجذب الاستثمارات وتدير المشاريع الوطنية.
و مثال آخر باهر: دولة كوريا الجنوبية..التي تحولت من دولة فقيرة بعد الحرب الكورية (1950-1953) إلى واحدة من أقوى الاقتصادات العالمية في فترة قصيرة بفضل رؤية إدارية مركزية تركزت على التعليم، الصناعة، والتكنولوجيا.
يظهر "العقل المركزي" لدولة كوريا الجنوبية في خطط تنمية اقتصادية طويلة الأمد (الخطط الخمسية في الستينيات والسبعينيات).. ودعم الشركات الكبرى (مثل سامسونغ وهيونداي) مع توجيه مركزي لتطوير الصناعات الاستراتيجية.. و نظام تعليمي صارم ينتج كفاءات عالية تلبي احتياجات السوق.
و مكافحة المحسوبية -التي تحدث عنها الرئيس البرهان-بأنظمة اختيار الموظفين تعتمد على الكفاءة، مع رقابة صارمة تمنع توزيع الوظائف على أساس القرابة أو الصداقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سودارس
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- سودارس
عثمان ميرغني يكتب: المايسترو..
قال البرهان إن الوزير، بعد توليه المنصب، يفرط في توزيع الوظائف على أقاربه أو أصدقائه، دون ارتباط بين حاجة العمل أو الكفاءة ومؤهلات الشخص الذي يشغل الوظيفة أو قدراته. وللدلالة على استشراء هذه الظاهرة، أشار البرهان إلى أن مدراء المكاتب يفعلون الشيء ذاته، لدرجة أن بعض الوحدات الرسمية تحولت إلى مؤسسات عائلية، رغم أنف قواعد الخدمة المدنية وقوانينها. لا أحد ينكر أن ما قاله البرهان صحيح وشائع في مختلف مستويات الدولة، بل ربما أصبح مسلكًا طبيعيًا لا يرفع حاجب الدهشة لفرط انتشاره. لكن، بالضرورة، يطرح ذلك سؤالًا مهمًا: إذا كان أعلى هرم السلطة يدرك هذه الظاهرة، وتحت سمعه وبصره، ومع ذلك لا يجد من يمارسها خوفًا ولا حتى حرجًا في تفضيل أقربائه وعشيرته بالوظائف، فهل الخطورة على الدولة تكمن في شغل هذه الوظائف بغير المستحقين، أم في أن يمارس الوزراء والمدراء ذلك بعلم الرئيس؟ لكل دولة في عالم اليوم "عقل مركزي" يديرها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها. لا أقصد ب"العقل المركزي" سيطرة شخص أو هيئة أو حزب بالمعنى الذي قد يُفسَّر ضرباً من الدكتاتورية، بل أعني خلاصة الرؤية والغايات العليا وقوة الدفع المعنوية التي تشكل قوام الحركة والسكون في الدولة. الدولة جسم له عقل يفكر به، وقلب نابض يضخ الحياة والعافية فيه. غياب "العقل المركزي" يجعل الدولة جسماً بلا عقل ولا قلب ينبض، فيتحول إلى مجرد كتلة صماء بلا وعي حقيقي بما يجب أن يكون أو لا يكون. "العقل المركزي" هو المايسترو الذي يحافظ على إيقاع ونبضات قلب الدولة، أقرب إلى مفهوم "وحدة المعالجة المركزية" في الحاسوب. لا تسيطر على كل الوظائف والأعمال، لكنها تفرض حالة منظمة لمختلف النشاطات لتحقيق أهداف محددة. تتشارك وحدات الحاسوب في العمل حسب وظائفها، وتشرف البرمجيات على تحديد هذه الوظائف وطريقة عملها، وتلتزم الجميع بإيقاع ساعة موحدة للتوافق في خطوات العمل، فيتحقق الناتج النهائي حسب الأهداف المخطط لها وبمنتهى الدقة. ولضمان أعلى كفاءة ل"العقل المركزي"، فإنه ملزم بمقاييس محددة تضبط عمله وتمنح القدرة على قياس التقدم أو التأخر أو حتى العطب. إذا غاب "العقل المركزي" عن الدولة، فكأنما تحول الحاسوب إلى قطعة حديد باردة، مهما دارت فلن تحقق غاية. الدولة السودانية تعاني من غياب "العقل المركزي"، وتتعايش مع حالة موات فعلي لا تلتزم بأهداف ولا مقاييس.. تأكيد ذلك من مقارنة مع بعض النماذج في عالم اليوم. مثلا: سنغافورة.. وهي نموذج بارز لدولة لديها "عقل مركزي" يتمثل في رؤية حكومية واضحة تركز على التنمية الاقتصادية، التعليم، ومكافحة الفساد. منذ استقلالها في 1965، وضعت خططًا طويلة الأمد (مثل خطط التنمية الخمسية) مع التركيز على الكفاءة والشفافية. و يظهر "العقل المركزي" في مقاييس واضحة.. مثل نظام اختيار الموظفين العموميين الذي يعتمد على الكفاءة والجدارة، مع رواتب تنافسية للحد من الفساد. و تخطيط اقتصادي دقيق، حول سنغافورة إلى مركز مالي عالمي..و قوانين صارمة وشفافة تُطبق على الجميع، مما يمنع المحسوبية. فمثلا هيئة التنمية الاقتصادية (EDB) تعمل كوحدة تنسيق مركزية تجذب الاستثمارات وتدير المشاريع الوطنية. و مثال آخر باهر: دولة كوريا الجنوبية..التي تحولت من دولة فقيرة بعد الحرب الكورية (1950-1953) إلى واحدة من أقوى الاقتصادات العالمية في فترة قصيرة بفضل رؤية إدارية مركزية تركزت على التعليم، الصناعة، والتكنولوجيا. يظهر "العقل المركزي" لدولة كوريا الجنوبية في خطط تنمية اقتصادية طويلة الأمد (الخطط الخمسية في الستينيات والسبعينيات).. ودعم الشركات الكبرى (مثل سامسونغ وهيونداي) مع توجيه مركزي لتطوير الصناعات الاستراتيجية.. و نظام تعليمي صارم ينتج كفاءات عالية تلبي احتياجات السوق. و مكافحة المحسوبية -التي تحدث عنها الرئيس البرهان-بأنظمة اختيار الموظفين تعتمد على الكفاءة، مع رقابة صارمة تمنع توزيع الوظائف على أساس القرابة أو الصداقة.


العربية
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- العربية
فيتنام في قلب الحرب التجارية بين واشنطن وبكين
برزت فيتنام في السنوات الأخيرة كنجم صاعد في سلاسل التوريد العالمية، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا، مستفيدة من النزاع التجاري بين أميركا والصين. ولكن مع تصاعد التوترات مجددًا، تجد الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا نفسها على خط النار. بدأت رحلة فيتنام نحو التحول إلى مركز تصنيع تكنولوجي عالمي منذ عام 2008 مع دخول "سامسونغ"، ولكن الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الصين في 2018 أعطت فيتنام دفعة هائلة، بحسب تقرير نشره موقع "restofworld" واطلعت عليه "العربية Business". سعت الشركات العالمية إلى تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيدًا عن الصين، لتجد في فيتنام أرضًا خصبة، أيدٍ عاملة رخيصة، موقع جغرافي استراتيجي، ودولة مرحبة بالاستثمارات. بحلول منتصف العقد، تحولت مدن مثل باك نينه إلى مراكز إنتاج لشركات مثل"أبل"، و"فوكسكون"، و"إنتل"، و"نينتندو"، وغيرها. وسرعان ما أصبحت "إستراتيجية الصين +1" مرادفًا لفيتنام. ضغوط جديدة من واشنطن لكن هذه النجاحات لم تأتِ من دون ثمن، في زيارة مثيرة للجدل، وقع الرئيس الصيني شي جين بينغ اتفاقيات استراتيجية مع فيتنام لتعزيز التعاون في سلاسل التوريد والبنية التحتية، في وقت تتصاعد فيه النزعة الحمائية من جانب واشنطن. وصف الرئيس ترامب الاجتماع بين شي ونظيره الفيتنامي بأنه خدعة ضد أميركا. لاحقًا، فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 46% على الواردات من فيتنام، قبل أن يمنحها مهلة تفاوضية لمدة 90 يومًا. هذه الرسوم تهدد واحدة من أكثر ركائز الاقتصاد الفيتنامي حيوية، حيث تُصنّع معظم هواتف "سامسونغ" الذكية هناك، إلى جانب منتجات متعددة لشركات أميركية. نمو سريع وهشاشة مقلقة ورغم هذا النمو، لا تزال الصناعة الفيتنامية شديدة الحساسية للتقلبات. ففي عام 2023، تسببت أزمة الطلب العالمي في موجة تسريحات ضخمة، فقد خلالها أكثر من 45 ألف عامل وظائفهم. ومع تحسن الأوضاع، واجهت المصانع تحديًا من نوع آخر، وهو نقص الأيدي العاملة. لجأت الشركات إلى حوافز سخية، بل وحتى حملات دعائية على "تيك توك" لاستقطاب العمال. وتعكس هذه الديناميكية هشاشة نموذج التصنيع الفيتنامي، القائم بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية وسلاسل التوريد العابرة للحدود. فيتنام بين المطرقة والسندان يقول الباحث هانه نغوين، المتخصص في اقتصاد وأمن جنوب شرق آسيا، إن فيتنام تواجه مأزقًا معقدًا. فبينما تستفيد من النزاع الأميركي-الصيني على المدى القصير، فإن فرض رسوم جمركية عليها أو على شركائها التجاريين - كالصين التي تُزود فيتنام بالمكوّنات الإلكترونية - يهدد بعرقلة النمو. ويضيف: "الاستراحة المؤقتة من التعريفات الجمركية ليست ضمانًا طويل الأمد. وتظل فيتنام بحاجة ماسة إلى موازنة علاقتها مع بكين وواشنطن، دون خسارة أحد الطرفين". يعتبر تحوّل فيتنام من بديل للصين إلى لاعب أساسي في سلاسل التوريد العالمية وضعها في قلب صراع العمالقة. وبين التنافس الجيوسياسي والتقلبات الاقتصادية، سيكون على فيتنام أن تتقن فن التوازن الدقيق لتستمر في لعب دورها المحوري دون أن تصبح ضحية للصراع.


رواتب السعودية
٢٧-٠٣-٢٠٢٥
- رواتب السعودية
ترامب يعلن فرض رسوم جمركية على السيارات المستوردة ويثير قلقاً عالمياً
نشر في: 27 مارس، 2025 - بواسطة: خالد العلي أعلن الرئيس الأمريكي، من البيت الأبيض، فرض رسوم جمركية على جميع السيارات غير المصنعة في الولايات المتحدة، مؤكداً دخولها حيز التنفيذ في الثاني من أبريل، على أن يبدأ تحصيلها في الثالث منه. وأوضح أن هذه الخطوة تهدف إلى إلزام الدول التي تستفيد تجارياً من السوق الأمريكية بدفع مقابل لذلك. وأثارت هذه القرارات ردود فعل دولية واسعة، حيث ندد رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، بالقرار، واصفاً إياه بأنه ..هجوم مباشر على العمال الكنديين..، مؤكداً أن بلاده ستدافع عن حقوقها وصناعاتها. وفي اليابان، التي تمثل صادرات السيارات ربع إجمالي صادراتها إلى الولايات المتحدة، حذر رئيس الوزراء من اتخاذ إجراءات مضادة، فيما وصفت حكومته هذه الرسوم بأنها تهديد للعلاقات الاقتصادية والنظام التجاري العالمي. وتسببت هذه الإجراءات بتراجع أسهم كبرى شركات السيارات اليابانية والكورية، مثل تويوتا وهيونداي، في البورصة، فيما وصف اتحاد صانعي السيارات الألمان القرار بأنه ..إشارة قاتلة للتبادل الحر..، محذراً من آثاره السلبية على سلاسل الإمداد والمستهلكين. وفي الولايات المتحدة، أعربت جمعية شركات صناعة السيارات عن قلقها من تأثير الرسوم على الأسعار، مطالبة بتطبيقها بطريقة تحافظ على تنافسية القطاع في أمريكا الشمالية. كما حذّر إيلون ماسك، كبير مستشاري ترامب والرئيس التنفيذي لشركة تسلا، من أن القرار سيزيد تكاليف إنتاج سيارات ..تسلا.. بسبب ارتفاع كلفة قطع الغيار المستوردة. ويأتي هذا القرار ضمن نهج اقتصادي يتبعه ترامب يعتمد على فرض رسوم جمركية مكثفة، حيث من المقرر أن يعلن في الثاني من أبريل عن تطبيق رسوم جديدة على جميع السلع المستوردة تحت مسمى ..الرسوم المتبادلة..، والتي ستتطابق نسبتها مع الرسوم التي تفرضها الدول الأخرى على الصادرات الأمريكية، كما هدّد بفرض رسوم إضافية على الاتحاد الأوروبي وكندا في حال تعاونهما لإلحاق ضرر اقتصادي بالولايات المتحدة. المصدر: عاجل