
إيران تتشدّد تصعيداً وكذلك الحزب
ففي الوقت الذي أقرّ برّاك أن التوقيت الراهن مهم نتيجة إضعاف إيران بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية على منشآتها النووية وبعد إضعاف الحزب بالحرب مع إسرائيل، فإن جزءاً كبيراً من احتمال إبداء الحزب تعاونه مع الدولة اللبنانية لنزع سلاحه وفق ما وافق عليه في اتفاق وقف النار وأكثر وفق ما تطالب به راهناً الولايات المتحدة سيعد إقراراً من إيران ومعها الحزب بالهزيمة فيما أن سردية كل منهما إزاء الهزيمة والانتصار مختلفة.
فإيران أضعفت في شكل كبير ولا تزال وفق مصادر ديبلوماسية تواجه مخاطر داخلية كبيرة في ظل عدم قدرتها على الوصول إلى منشآتها النووية لتقدير حجم الأضرار فعلياً، لكنّها تقاوم بقوة فكرة العودة إلى طاولة المفاوضات بموافقتها على صفر تخصيب على أراضيها حتى مع فقدانها ورقة الدعم الروسي الذي يعد الداعم الرئيسي لإيران دبلوماسياً في ملفها النووي منذ سنوات حين كانت تتحدّث روسيا علناً عن حق إيران في التخصيب، قبل أن يبدّل الرئيس الروسي موقفه ويقول إنه لا يريد أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها.
وأيّاً تكن خلفيات موقف هذا الأخير المتّصلة بأوكرانيا والموقف الأميركي المستجد من استمرار مد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية، فإن الموقف الروسي يضعف الموقف الإيراني. ولذلك هناك ثمة اقتناع بأنّه ما لم تتحرّك الأمور إيجاباً مع إيران التي يعتقد أنّها تشدّدت حيال ما تبقّى من أوراقها الاقليمية لاسيما إزاء ملف نزع سلاح الحزب بما يعنيه ذلك من تغيير لطبيعته وإيدلوجيته، لن تتحرّك الأمور إيجاباً بالنسبة إلى قدرة الدولة اللبنانية على مقاربة هذا الموضوع الذي تأخّرت فيه وأثارت حتى الآن إحباطاً كبيراً داخلياً سبق كل الدخول الأميركي بورقة أفكار لنزع سلاح الحزب.
وحتى الآن، عدت مقاربة برّاك الذي لوّح بها بعصا غليظة جدّاً تتّصل بـ"خطر الوقوع في قبضة القوى الإقليمية ما لم تتحرّك بيروت لمعالجة مخزونات أسلحة الحزب، بأن لبنان بحاجة إلى حلّ هذه القضية وإلا فقد يواجه تهديداً وجودياً معتبراً أن "إسرائيل من جهّة، وإيران من جهّة أخرى، والآن سوريا تتجلّى بسرعة كبيرة، وإذا لم يتحرّك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام من جديد"، مستخدماً الاسم التاريخي للمنطقة السورية، نقطة خطيرة ولو أنّه سعى إلى تصويب ذلك أو التخفيف من وطأته بقوله إنّه لم يسعَ إلى تهديد لبنان. فالنقاط التي أثارها جدّية ومن الاحتمالات التي لا تغادر اللبنانيين. وهو بعدما غادر بيروت، كشف عن المقلب الآخر من تصريحاته الديبلوماسية المراعية جدّاً والتي أعطت دفعاً للسلطة ، لاسيما عندما صرّح بأن لبنان يواجه تهديدات وجودية (هذا صحيح)، وخاصةً اندماجه في بلاد الشام.
قد يكون السبب هو الضغط على اللبنانيين، أو ربّما فصل مُحدّث من نهج دين براون بشأن لبنان عام 1976. لا شيء مُشجع، والبعض من الديبلوماسيين تساءل من الأنسب لنا كموفد أميركي مورغان أورتاغوس أم توماس برّاك علماً أن كل الكلام الديبلوماسي الهادىء الذي طبع مواقفه في بيروت لم يحل من دون اعتبار هؤلاء الديبلوماسيين أن أسلوب الرجل مختلف ولكن المضمون واحد بين الموفدين الأميركيين وكل الزوّار الأميركيين على أي مستوى حول ضرورة تحرّك لبنان في شكل عاجل وعدم التباطئ الذي ينعكس سلباً على لبنان.
وهذه النقطة المتعلّقة بالتحرّك العاجل الذي تريده واشنطن أيضاً لاعتباراتها الخاصة يخشى أنّها لن توفّره إيران ولا الحزب للولايات المتحدة ليس فقط من أجل عدم إعطائها الانتصار الذي تريده، بل وفي ظل التهديد بأن هناك مهلة زمنية مرتبطة بعد امتلاك الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصبر للاستمرار في محاولة إنجاح المسعى الأميركي تحت وطأة ترك لبنان لمصيره، فإن لهذه النقطة وجهين: الأول إن لبنان قد يخسر الوساطة أو الرعاية الاميركية من أجل الضغط لانسحاب إسرائيل من لبنان في وقت تفتقد أي من الدول الصديقة هذه القدرة في إقناع إسرائيل أو الضغط عليها. وثانياً أن ايران والحزب قد يستفيدان من انسحاب الولايات المتحدة أو تراجعها من أجل تثبيت "انتصار الحزب" بتراجع أميركا من جهّة ونجاحه في ذلك واحتمال توظيف إيران ذلك من أجل تثبيت قدرتها في إعادة السيطرة على القرار اللبناني فيما أن هذا القرار متعثّر ومتردّد في مقاربة أشد حزماً إزاء الحزب وسلاحه.
فيما أن لا مصلحة للبنان بانسحاب الولايات المتحدة من رعاية اتّفاق يؤدي إلى سحب اسرائيل قوّاتها من لبنان ولا مصلحة للحزب كذلك في ظل اختلاف المقاربات بين 1983 والظروف الراهنة. ولكن كما يرفع الحزب سقوفه التفاوضية وفق ما اعتبر الموفد الأميركي، كذلك تفعل الولايات المتحدة في الوقت الذي وإن بدت الدولة اللبنانية حتى الآن لاعباً أساسياً، وقد أسكرتها إشادة الموفد الأميركي بها على قاعدة إعطائها دفعاً في وجه منتقديها المزايدين عليها في شكل خاص وكذلك إزاء الحزب ومنطقه التهديدي الذي خفّفت مواقف برّاك من غلوائه، ولكن الخشية أن تكون لاعباً سلبياً في ظل طغيان لغة الحزب وخطابه ومفاخرة بتبني الدولة لمقاربته وتهديده للبنانيين كذلك في الوقت نفسه، الأمر الذي لا يحظى بأي رد فعل رسمي على أي مستوى كان لجهة ضبط الخطاب الداخلي وإدارته.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المردة
منذ 4 ساعات
- المردة
أفيقوا أيها اللبنانيّون من سباتكم العميق!
إلى كلّ الذين يعوّلون على الولايات المتحدة ورئيسها الهائج، إلى كلّ القادة اللبنانيين، والمسؤولين، والسياسيين، وزعماء الطوائف، والأحزاب، والناشطين، وشرائح أبناء الشعب، نطلق الصيحة بصوت عالٍ، ونقول لكم: إنّ الأميركي الذي تعتمدون عليه، لا يكنّ أيّ اعتبار لكم، ولوطنكم، وسيادتكم، وشعبكم، وأرضكم، ووجودكم! توم برّاك، المبعوث الأميركيّ إليكم، لا يمثل إلا الوجه الأسود لأقبح وأحطّ سياسة خارجيّة حيال الدول المستضعفة، تتبعها دولة عظمى جسّدت في داخلها أقذر سياسات الاستعمار القديم والجديد، وأكثرها نفاقاً، وظلماً، واستبداداً، وقهراً، وغدراً. في كلماته المقتضبة، اختزل برّاك دولة مستقلة، غير عابئ بحكام لبنان وشعبه، ولا بالذين ارتموا في أحضان واشنطن، وراهنوا عليها، واستنجدوا بها، واعتبروها «المخلّص» العتيد، و»الوسيط النزيه»، وهي التي لا تعرف إلا مصالحها، وإنْ أدّى ذلك إلى سحق دول، وإلحاق القهر، والفقر، والاستبداد، والجوع بشعوبها. متى يدرك اللبنانيون، كلّ اللبنانيين، لينهضوا، وينتفضوا بقادتهم، وأحزابهم، وطوائفهم، وقواعدهم الشعبيّة، وهم أمام خطر يهدّد وجودهم في الصميم، ويضعهم أمام تحدّ كبير، واستحقاق مصيريّ، جراء ما تحضره وتبيّته كلّ من واشنطن وتل أبيب، وعملاؤهما في المنطقة للبنان واللبنانيّين؟! بريطانيا بلفور، بسياستها القذرة، ووعدها المشؤوم، وإرثها اللاأخلاقي، واللاإنساني اختزلت عام 1917 فلسطين وشعبها، لحين أن شهد العالم العربي نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948! وعد بريطانيّ جاء بعد اتفاق السيّئي الذكر سايكس وبيكو عام 1916، الذي قسّم دول المشرق بين الدولتين الاستعماريّتين، بريطانيا وفرنسا، ورسم حدودها. ها هي الولايات المتحدة بعد مئة عام بقليل تريد أن تعيد رسم خريطة جديدة لدول المنطقة التي تصوّب عليها منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، بما يخدم أهدافها الاقتصاديّة، والطاقويّة، والأمنيّة، والاستراتيجيّة، ويلبّي أهداف «إسرائيل»، ومطامعها التوسعية! مَن يستعرض سياسات الولايات المتحدة وتدخلها السافر في العديد من دول العالم، يجد أنّ الحلّ السياسيّ الذي نفذته على دولة ما، لم يترك وراءه إلا الفوضى، والانقسامات، والخلافات، والأحقاد بين الشعب الواحد. إذ لا يهمّ الولايات المتحدة، من يحكم الدول، ولا يهمّها نوع أنظمتها، أكانت ديمقراطية أو دكتاتورية، أو عائلية، أو أوتوقراطية، أو ثيوقراطية، طالما أنّ حكامها يسيرون في الفلك الأميركي. في كلّ بلد تدخلت فيه الولايات المتحدة، غرق لاحقاً في الفوضى العارمة، لتتركه بعد ذلك عن عمد، يتخبّط في حالة من عدم الاستقرار السياسي، مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والمعيشية، والمالية فيه! أنظروا إلى أفغانستان، والصومال، واليمن، وليبيا، والسودان، والعراق، ولبنان، وسورية! هنري كيسينجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق قال يوماً: «ليس من صالح الولايات المتحدة أن تحلّ مشكلة في العالم. من صالحها أن تمسك بخيوط المشكلة، وتدير هذه الخيوط وفق مصالحها الأمنية والاستراتيجية». للبنانيين نقول: اعلموا أنّ خيوط المشكلة في لبنان يمسكها الأميركي، لكن ليس لحلها، وإنما ليديرها وفق المصالح الأمنية والاستراتيجية لواشنطن وتل أبيب! لا يهمّ الولايات المتحدة و»إسرائيل» إنْ بقي لبنان أو قسّم، أو أزيل عن خريطته السياسية! ألم تقسّم بولندا قبيل بداية الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية عملاً باتفاقية مولوتوف – ريبنتروب السرية عام 1939، التي بموجبها احتلّ السوفيات ثلث أراضي بولندا، والألمان الثلثين الباقيين. ألم تختفِ بولندا عن الخريطة السياسية لأوروبا بسبب ثلاثة تقسيمات متتالية أعوام 1772، و1793، و1795؟! ألم تسلخ الولايات المتحدة عام 1904 مقاطعة بنما عن كولومبيا، لتعترف بها كدولة مستقلة، ما أتاح لواشنطن في ما بعد التحكّم بها، والسيطرة على قناة بنما؟! هل يتوهّم اللبنانيون في هذا الظرف الحرج الذي يتقرّر فيه مصيرهم، أنّ واشنطن حريصة على لبنان، دولة، وسيادة، وأرضاً، وشعباً؟! هل يدرك اللبنانيون حقاً، وهم في مستنقع خلافاتهم، وتناحرهم ونكاياتهم، واستخفافهم بما يُحاك ضدّهم، أنهم جميعاً مستهدفون، وأنّ حلّ المشاكل الشائكة، والتسويات الكبرى، لا تتمّ إلا على حساب الضعفاء، والمغفلين، والمشرذمين، والمنقسمين على أنفسهم، الباحثين وهماً عن مصالحهم ومصالح وطنهم في أحضان الأميركان! لا تدعوا سايكس بيكو يتجدّد ويتكرّر على يد ترامب – نتنياهو، كلاهما يجسّدان مفهوم التسلط، والعنجهية، والاستبداد، والسيطرة، والاستغلال، مفهوم مبني على استخدام القوة الغاشمة، وسياسة الإكراه والابتزاز، والتسويف، وإنً أدى ذلك إلى تقسيم الدول، وقتل شعوبها، وتشتيتها، وتهجيرها ومحوها من على خريطتها الجغرافية والسياسية والديموغرافية! إنّ الدولة اللبنانية بكلّ قياداتها وشعبها، وطوائفها، مدعوة اليوم، كي تقف وقفتها التاريخية بكلّ جرأة ومسؤولية وطنية عالية، لاتخاذ قرار شجاع، وأن تهبّ هبة رجل واحد للوقوف في وجه المؤامرة الكبرى لإجهاضها، والتي يبشر بها ويمهّد لها المبعوث الأميركي بكلّ خبث ووقاحة، غير مكترث مطلقاً بوجود لبنان ودولته، وسيادته، وغير مبال بقياداته وأحزابه وشعبه. لو كانت الولايات المتحدة تتصف فعلاً بالنزاهة، والصدقية، والأخلاقية، لأعلنت على الملأ أنها حريصة على سيادة لبنان وشعبه، وأنها لن تسمح مطلقاً بالاعتداء على لبنان، أو تغيير هويته، وحدوده، أو سلخ أجزاء منه وضمّها للآخرين. الدولة والزعماء والشعب اللبناني برمّتهم أمام مسؤوليتهم الوطنية والتاريخية، فلا مجال أمامهم بعد الآن، تجاهل ما يخطط للبنان، أو استمرارهم في تراشقهم السياسي، وسجالاتهم العقيمة، وخلافاتهم الداخلية المدمّرة، إذ انّ الحفاظ على وجود لبنان وبقاء شعبه مسؤولية الجميع دون استثناء، لأنّ الأميركي والإسرائيلي كلاهما يريدان معاً ترسيم الشرق الأوسط الجديد انطلاقاً من لبنان وسورية، برعاية أميركية كلية، حتى يصبّ الترسيم الجديد للبلدين في خدمة ومصالح واشنطن، وتل أبيب وأنقرة، ويمهّد في ما بعد، إلى تعديل وترسيم حدود الدول الأخرى في المنطقة، ووضعها على مشرحة التقسيم، وإنْ كانت تدور في الفلك الأميركي! «إذا لم يتحرّك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام»، جملة متفجّرة قالها برّاك ومشى، دون أن يوضح ما تخبّئه واشنطن للبنان. هل الولايات المتحدة خيال المآتة في هذا الشرق حتى يترك لبنان للعودة القسرية إلى بلاد الشام؟! وهل هذا سيتمّ بفعل فاعل، بعيدة عنه الولايات المتحدة كلّ البعد؟! وهل يحصل هذا دون موافقة ومباركة مسبقة، مشبعة بالخبث، والتواطؤ، والنفاق، والخداع من قبل الإمبراطورية المستبدة، التي نصّبت نفسها زوراً على العالم، كحامية لسيادة الدول، وحرية شعوبها، وحقوقها، وتقرير مصيرها؟! الدولة اللبنانية برئيس جمهوريتها، وحكومتها، ومجلس نوابها وشعبها على المحك، وهم جميعاً أمام الله والتاريخ. هل يجرؤ حكام لبنان، على رفع الصوت عالياً في وجه القرصان العالمي، ويتوحّدوا كي يحبطوا ما يهدّد وجودهم، وأرضهم، وحتى لا يشهد لبنان مأساة نكبة كبرى كمأساة نكبة فلسطين! الولايات المتحدة تريد ابتزاز لبنان وتخيّره بين اثنين: إما الاعتراف بـ «إسرائيل» والتطبيع الكامل معها، دون قيد أو شرط، وإما البديل بإزالة لبنان عن الخريطة السياسيّة للمنطقة، وضمّه إلى مَن ترعاهم واشنطن، وترعرعوا في أحضانها! إلى كل الذين عاهدوا واشنطن وراهنوا عليها، واعتمدوا على سياساتها، و»صدقيّتها» و»غيرتها» عليهم وعلى لبنان، علهم يتّعظون من كلام توم برّاك، الذي لخص موقف الولايات المتحدة المستقبلي من لبنان، بكلمات تهزّهم هزاً، وتهزّ معهم «السيادة» التي يتبجّحون بها ليلاً ونهاراً. ترى ماذا هم فاعلون حيال واشنطن حتى لا يتحوّل كلّ لبنان إلى حائط مبكى تذرف عليه دموع الخانعين، المتخاذلين، وما هو خيارهم بعد اليوم؟! أبالقبول بشروط الأمر الواقع الأميركي – الاسرائيلي، أم بالنحيب على حائط البيت الأبيض الأميركي، أم بالوقوف وقفة رجل واحد يستميت في الدفاع عن الوطن النهائي لأبنائه، وإحباط المؤامرة الكبرى، وإنقاذ وطن من براثن المحتلين ! كلام براك. يؤكد مرة أخرى، أنّ الدبلوماسية لا تكفي وحدها لتحرير لبنان من المحتلين، ومواجهة ما يُحاك من مشاريع تقوّض وجوده، دون قوة السلاح التي يجب أن تكون في قبضة جيش، ومقاومة شعب لتحرير الأرض، ومواجهة المعتدين، وإحباط مشاريعهم المدمّرة بحق لبنان ووجوده. *وزير الخارجية والمغتربين الأسبق


النهار
منذ 5 ساعات
- النهار
لبنان والتّهديد الوجودي بين ما حاوله محور الممانعة والبعث السّوري وتحذيرات توم براك
التصريح الأخير للموفد الأميركي توم براك بشأن الخطر الوجودي الذي يداهم لبنان نتيجة إصرار "حزب الله" على الاحتفاظ بسلاحه وربط مصيره بإيران يجب أن يؤخذ على محمل الجد، لا بسبب وجود مؤامرة عالمية لإزالة لبنان عن الخريطة، بل نتيجة التطورات الكبيرة التي شهدتها المنطقة، ولا تزال، منذ أحداث 7 أكتوبر 2023. فمحاولة "حزب الله"، بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني، إعادة عقارب الساعة للوراء ومنع التغيير الجارف الذي أحدثته الضربات الكبيرة لمحور الممانعة، وتحديداً سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ستأتي بعواقب كارثية على لبنان عامةً وشيعته خاصةً. لطالما تحدث خبراء ومسؤولون في لبنان والمنطقة عن خطر إعادة ترسيم حدود الدول التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو قبل أكثر من قرن من الزمن، خاصة في ضوء ما شهدته بعض ساحات الشرق الأوسط من حروب أهلية، وصراعات مذهبية، وعرقية، وأيديولوجية. إلا أن حدود هذه الدول لم تتغير خارج إطار الصراع العربي-الإسرائيلي والفلسطيني-الإسرائيلي، وما أسفرت عنه حروب 1967، و1973 و1982. ثمة من كان يتحدث عن سوريا الكبرى من منطلق تنظيري، فيما سعى لذلك البعض الآخر، كما كانت الحال مع "حزب البعث العربي" في سوريا الذي لم يخف نياته عن ضم لبنان، لكن بعد مواجهة معارضة كبيرة من القوى العظمى، اكتفى بالسيطرة عليه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً من عام 1976 حتى خروج قواته عام 2005، إذ انتقلت السيطرة يومها لإيران التي أبقت على بعض النفوذ لنظام الأسد في لبنان. قوى الإسلام السياسي السني والشيعي سعت دائماً لإزالة حدود الدول تحت شعار إعادة إحياء الدولة الإسلامية. فشهدنا محاولة "داعش" إنشاء دولته من حمص والرقة باتجاه الموصل. كما شهدنا بعدها كيف استغل الحرس الثوري ذلك لإنشاء هلال شيعي عبر نشر التشيع في سوريا وتهجير ملايين عدة من سنّة سوريا بهدف تنفيذ مشروع تغيير ديموغرافي بإحضار عشرات آلاف المواطنين الشيعة من باكستان وأفغانستان والعراق إلى سوريا، وتجنيسهم. طبعاً لم تمانع القوى الحاكمة في لبنان خلال العشرين سنة الماضية عمليات الضم الخفي بإشراف من النظامين السوري والإيراني عبر محاولات التغيير الديموغرافي في سوريا، في وقت هاجر عشرات آلاف المسيحيين من لبنان وسوريا، واغتيل الزعيم السني اللبناني المعتدل والقوي رفيق الحريري، ما أثر بالطائفة وجعلها بحالة ضعف لم يتمكن التوريث وما تلاه من إخراجها منه. ولقد ساعدت نظرية حكم الأقليات التي ساهم بنشرها زعامات، ومنها مسيحية، محور الممانعة بتنفيذ مخططه بلبنان، إذ ارتكزت هذه النظرية على أن الخطر الأكبر الذي يواجه الطوائف في سوريا ولبنان هو المد السني الكبير، وأفضل طريقة لمواجهته هو عبر تحالف الأقليات: الشيعة، والعلويين، والمسيحيين، والدروز. والسيطرة العلوية على الحكم في دمشق سهلت ذلك. وهذا كان يناسب الدولة العبرية، وهي أقلية في المنطقة. أما اليوم، ومع وصول إدارة جديدة للحكم في سوريا من كنف الإسلام السياسي السني، وقرار إسرائيل والقوى الغربية والعربية إنهاء أذرع إيران، تغير الوضع. فنظرية حكم الأقليات لم تعد قابلة للتطبيق. وما يزيد الوضع تعقيداً هو فتح خط المفاوضات بين إسرائيل وحكام دمشق الجدد للوصول لاتفاق سلام برعاية دولية. فلبنان يتأثر كثيراً بنظام الحكم في سوريا، وهذا النظام اليوم لن يقبل باستمرار وجود قوى شيعية أيديولوجية مسلحة كـ"حزب الله" على حدوده، شاركت بالحرب ضده ويعتبرها معادية له وتستمر بنشاطاتها العسكرية وتنادي بمحاربة إسرائيل في وقت هو يتجه للتطبيع معها. رفض "حزب الله" تسليم السلاح وإصراره على التبعية لقرار طهران، سيؤديان حتماً لعودة الحرب الإسرائيلية، حسب تقديرات مسؤولين كثر، ومنهم براك. ويتوقع المراقبون أن تكون بشراسة حرب غزة، وقد تدفع إسرائيل لتوسيع احتلالها في جبل عامل الشيعي وربما أجزاء من البقاع. وتجدد الاشتباكات ذات الطابع المذهبي على الحدود الشرقية مع سوريا قد يدفع بعمليات توغل داخل لبنان. هذا تحديداً الخطر الذي يتحدث عنه براك. ولن تتدخل واشنطن لوقف أي عمليات ضد "حزب الله" لأن هدف إزالة خطر أذرع إيران عن حدود إسرائيل قد اتخذ. فإما أن يلحظ قادة لبنان الذين وصلوا بدعم خارجي وزعماء الطائفة الشيعية هذا الخطر الداهم ويتحركوا بسرعة لحصر السلاح بيد الدولة وفرض سلطتها، أو يواجه البلد خطر الزوال أو فقدان بعض محافظاته بعمليات تبادل للأراضي قد تحدث ضمن اتفاق للسلام بين سوريا وإسرائيل.

المركزية
منذ 5 ساعات
- المركزية
بين صبر ترامب المحدود والتهديد بالحرب الأهلية... ماذا ينتظر لبنان؟
انضم في الأيام الأخيرة كل من السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو والسفير المصري علاء موسى إلى دعم الخطاب الأميركي في ما يتعلق بورقة الأفكار التي حملها الموفد الأميركي توم براك إلى بيروت. يعكس ذلك ليس موقفا موحدا للجنة الخماسية فحسب، بل رسالة موحدة توجه إلى لبنان وتعطي زخما من جهة وتضغط من جهة أخرى على المسؤولين اللبنانيين من أجل عدم التعامل بخفة مع الموقف الأميركي والمماطلة في تنفيذ حصرية السلاح في يد الدولة وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وتلاقي هذه المواقف المعلنة مواقف مباشرة ينقلها الزوار الديبلوماسيون وفي مقدمهم الجانب السعودي. إذ يستمع السفراء المعنيون في استطلاعاتهم إلى آراء مختلف القوى السياسية والمخاوف من تمييع قسري أو طوعي لتنفيذ كل ما هو مطلوب، وتقديرهم بضرورة ضخ جرعات تحذيرية علنية للبنان وعدم الاكتفاء بما ينقلونه مباشرة إلى المسؤولين، فضلا عن تحذير الحزب من مخاطر عدم التعاون، فيما التصريحات المتعددة التي أدلى بها الموفد الأميركي انطوت بالنسبة إلى أوساط سياسية مختلفة على أمرين مقلقين: الأول هو ما تحدث عنه عن "صبر" الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يمكن أن ينفذ سريعا، علما أن السياسيين المخضرمين لا يرون في ذلك خاصية لصيقة بترامب تحديدا، بمقدار ما هي لصيقة بالواقعية السياسية الأميركية في مختلف الإدارات المتعاقبة. وهذا عامل يمكن استغلاله وتوظيفه بسهولة من جانب الحزب، بحيث يسهل إبعاد الولايات المتحدة عن الاهتمام بلبنان كما يحصل راهنا. وابتعاد الولايات المتحدة أو ضمان تأمينها أمن اسرائيل ومصالحها فحسب كفيل بترك لبنان وحده بعد ذلك. ومن هنا الكلام على فرصة حقيقية للبنان معطوفة على فرصة توظيف ما حصل من إضعاف لكل من "حزب الله " وإيران والتغييرات الكبيرة في المنطقة. ولن ينجح لبنان في الانتقال إلى مرحلة جديدة من دون التزام أميركي متواصل يضغط على اسرائيل كما على الدولة اللبنانية. الأمر الآخر ينطبق عليه أيضا منطق التوظيف، وهو ما أثاره براك نقلا عن الرئيس جوزف عون إزاء مخاوفه من حرب أهلية محتملة إذا تمت مقاربة موضوع نزع سلاح الحزب بالقوة. وهذه نقطة أثارت جدلا سياسيا داخليا، فيما الموقفان المذكوران هما بمثابة ألغام قد تساهم في تحديد الاتجاهات ازاء ما هو مطلوب من لبنان. السرية إزاء الأفكار الأميركية والرد اللبناني عليها، والتي برر بها الموفد الأميركي وصفه هذا الرد ب"المذهل"، هي نفسها التي تثير مآخذ سياسية في الدرجة الأولى على قاعدة عدم وجود شفافية إزاء اطلاع مجلس الوزراء ومجلس النواب عليها، كما أن الغموض حولها وما تكشفه بعض التسريبات الجزئية يزيد حجم الانقسامات والتفسيرات المتضاربة، ربما في انتظار أن تكشف إسرائيل عن المداولات الجارية كما دأبت على كشف كل مجريات الحرب وتفاصيل استهدافاتها. فهناك منطق واقعي يفيد بأن التفاوض لا يحصل علنا بل في غرفة مغلقة، إلا أن التحذيرات الديبلوماسية الخارجية المتوالية علنا وضمنا تفيد بأن ثمة مخاوف حقيقية لا تتم ملاقاتها . فلا يستهان ديبلوماسيا بكل السردية التي يسوقها الحزب رفضا لنزع سلاحه أو تأكيدا لاستعادة قواه والتي تقدم ذرائع لإسرائيل للاستمرار في احتلالها مواقع في جنوب لبنان او لاستهداف الحزب. فالأمر في القفز فوق نتائج الحرب على الحزب، ما أدى إلى إضعافه يشبه ما تذهب اليه ايران من اصرارها على رفض مبدأ التخلي عن تخصيب اليورانيوم على اراضيها التزاما لموقفها ما قبل حرب 12 يوما عليها في منحى تشديد أكثر. وفي مكان ما، وعلى رغم إصرار الدولة اللبنانية على أن الحزب التزم اتفاق وقف النار ولم يطلق النار على اسرائيل ، فهذا لن يعني انه لن يحاول استغلال ما ورد في اتفاق وقف النار في وقت ما لجهة أن لكل من البلدين "الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس"، فيما يزعم الحزب انه لن يضبط نفسه للابد، ولم يقدم اي شيء فعليا لتقوية موقف رئيس الجمهورية ازاء الاميركيين وازاء من يعتبرهم مزايدين داخليين . لا يستهان كذلك بحجم الانقسام الداخلي وعدم قدرة السلطة على الجمع بين المتناقضات السياسية، فيما المطلوب هو قرار موحد يتيح الذهاب الى حصرية السلاح وفق جدول زمني مطلوب، ووضعه والتزامه بين جميع المكونات في مجلس الوزراء ، كما لقرار موحد يتيح الاصلاحات، وهذا غير متوافر . فهناك فرصة ودعم مستمران من الخارج للسلطة على قاعدة اعطاء فرصة لاقتراحاتها ومنطقها في التفاوض بينها وبين الحزب، لكن لا وتيرة السلطة في التحرك ولا مقاربتها كانت مريحة ايضا، في حين أن المراعاة الكبيرة للحزب وموقفه يخشى انها قد تساهم في احسن الاحوال في اجراءات لشراء الوقت على طريقة طمأنة الولايات المتحدة بعض الشيء وطمأنة اسرائيل الى امنها كذلك واتاحة البدء في اعادة الاعمار على خلفية انه لا بد من اعطاء شيء لبيئة شيعية تستعاد من خلاله من يد الحزب، فيما الواقع قد لا يعكس سوى ازاحة هذه الضغوط الكبيرة راهنا عن لبنان ورمي ما تبقى من مشكلات جدية بكنسها تحت السجادة اي اخفاء ما هو مطلوب بشكل جدي على أمل ألا يكتشفه الآخرون والا يتم رؤيته او غض النظر عنه كذلك مع الوقت .