
اللاحرب
يعرف الرئيس عون أن الوضع الداخلى فى لبنان لا يتحمل تبعات إبرام اتفاق سلام ليس له من اسمه نصيب، أيًا ما كانت الضغوط الأمريكية عليه. وعلاوة على أن مثل هذا الاتفاق لا يُحقَّق سلامًا حقيقيًا، كما ثبت فى اتفاقات عدة أبرمتها دول عربية مع الكيان الإسرائيلى، فالتطبيع ليس إلا وصفة لحرب أهلية لبنانية جديدة. قطاع واسع من الشعب اللبنانى يرفض أى تطبيع مع الكيان الإسرائيلى. لا يقتصر هذا الرفض على حزب الله وأنصاره الكُثُر فى الطائفة الشيعية بالأساس، بل يشمل أحزابًا وتيارات سياسية تختلف فيما بينها على قضايا كثيرة، ولكنها تتفق على أن التطبيع مع الكيان الإسرائيلى خط أحمر. وما الحديث عن أن حزب الله هو الذى يقف ضد هذا التطبيع، إلا حرمان لأحزاب وتيارات شتى من شرف رفض الانصياع للضغوط الأمريكية ومقاومة أى علاقة مع الكيان، الذى ترتكب حكومته جرائم إبادة شاملة غير مسبوقة فى التاريخ الحديث.
كما أن الوضع بين لبنان والكيان الإسرائيلى لا يتطلب أكثر من اتفاق أمنى قد يتضمن تنسيقًا عسكريًا فى المناطق الحدودية، وليس أكثر من ذلك، لتجنب نشوب حرب جديدة. ولذا أصاب الرئيس عون عندما قال إن السلام بالنسبة إلى لبنان هو اللاحرب. وفى تاريخ الصراع العربى-الصهيونى حالة قريبة ولكنها ليست مشابهة، وهى حالة «اللاسلم واللاحرب» التى كان الراحل الكبير محمد حسنين هيكل أول من كتب عنها فى فبراير 1972 فى «الأهرام» لوصف الوضع بين مصر والكيان الإسرائيلى عقب حرب الاستنزاف. لكن حالة «اللاسلم واللاحرب» تلك كانت مؤقتة انتهت بعد 20 شهرًا من بدء الحديث عنها. أما حالة اللاحرب التى يسعى إليها الرئيس اللبنانى فقد تستمر إلى أجل غير مسمى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب اليوم
منذ ساعة واحدة
- العرب اليوم
الاختيارات الإسرائيلية
الظاهر من الحالة الإسرائيلية نوع من النشوة والإحساس بالنصر على كل الجبهات. منذ هجوم حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر، تضافرت أحداث لإزالة القيود التى كانت تُثقل كاهلها، ومكّنها من المضى قدمًا فى احتلال غزة والخلاص من سكانها، بينما إيران تُسابق الزمن نحو تحقيق اختراق نووي. كان الحدث الأول هو الحملة الناجحة والمدمرة فى أغسطس وسبتمبر للقضاء على القيادة العليا لحزب الله، وتدمير معظم مخازن صواريخه المتطورة. أدى الجمع بين القوة الجوية والاستخباراتية إلى تحييد قدرات حزب الله الهجومية. كان الافتراض السائد فى الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن الحرب مع حزب الله قد تكون ضرورية، لكنها ستكون باهظة التكلفة. النجاح غير المتوقع قلل من حذر إسرائيل من شن حملة ضد إيران، رغم توقعات رد إيرانى عنيف. سار ذلك على جبهات عديدة تغير فيها الوضع «الجيو سياسى» الإسرائيلى أدى إلى تغيير الأوضاع فى الضفة الغربية، وفى الجبهة الشمالية السورية، جرت الاجتماعات على طريق السلام مع سوريا فى باكو الأذربيجانية. ربما كان التغير الاستراتيجى الأكبر الذى حدث لإسرائيل هو العلاقات مع الولايات المتحدة مع تولى ترامب الرئاسة. كان معلوما أن البيت الأبيض هو شريك لإسرائيل؛ ولكن الشراكة درجات، وكانت إسرائيل تحرص على أن تواجه بمفردها خصومها الكثر دون تدخل أمريكى مباشر. حرب الاثنى عشر يوما مع إيران أحرزت تحولا مهما حيث أصبحت واشنطن على جبهة قتال واحدة تخص السلاح النووى الإيرانى، وقبلها كانت مواجهة الحوثيين المباشرة فى البحر الأحمر. محصلة ذلك كله أن الاختيار الإسرائيلى قد بات استغلال الواقع الحالى رغم أنه لا يزال العداء باقيا مع العرب والمسلمين مواكبا لتصاعد العداء للسامية اليهودية، وهو مركب جعل كثيرين يغادرون إسرائيل ليس خوفا من العرب، وإنما أسف على النزعة الدينية المتطرفة؛ بينما يعزف يهود آخرون - الحريديم - عن الخدمة العسكرية. النصر لم ولن يحقق لإسرائيل السلام الذى تنشده ولا يزال الباب مفتوحا لجولات أخرى.


خبرني
منذ 10 ساعات
- خبرني
هل كان لبنان جزءاً من سوريا الكبرى؟
خبرني - عاد مصطلح "بلاد الشام" ليثير الكثير من الجدل بعد التصريح الذي أدلى به مؤخراً المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان، توماس باراك، الذي حذر من "عودة لبنان إلى بلاد الشام" في حال لم يسارع إلى حل مشكلة سلاح حزب الله، مشيرا إلى حقيقة تغير النظام الحاكم في سوريا. ورغم أن باراك سرعان ما شدد لاحقا على أنه يعتقد أن قادة سوريا الجدد "لا يريدون سوى التعايش والازدهار المتبادل مع لبنان"، إلا أن هذا لم يحل دون عاصفة النقاش حول تصريحات المبعوث الأمريكي ومصطلح بلاد الشام. فما الذي يعنيه مصطلح بلاد الشام؟ وما تاريخ التقسيم السياسي لتلك المنطقة؟ ساحة صراع بلاد الشام هو مصطلح جغرافي وتاريخي كان يُستخدم لوصف مناطق واسعة تشمل اليوم سوريا ولبنان والأردن وفلسطين التاريخية، وأحياناً كان يشمل أجزاء من جنوب تركيا وشمال السعودية وشبه جزيرة سيناء في مصر. خضعت هذه المنطقة، الواقعة في غرب آسيا، لسيطرة العديد من الإمبراطوريات الكبرى عبر التاريخ، مثل المصرية القديمة، والآشورية، والبابلية، والفارسية، والإغريقية، والرومانية. ونظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، كانت هذه الرقعة الشاسعة من الأرض مسرحاً لصراعات كبرى بين قوى وإمبراطوريات متنافسة، مثل المواجهات بين المصريين القدماء في عهد تحتمس الثالث وشعوب كنعانية في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أو الحرب بين الإمبراطورية البيزنطية (الرومانية الشرقية) والإمبراطورية الساسانية (الفارسية) في القرن السابع الميلادي، وهي الحرب التي ورد ذكرها في القرآن في سورة الروم. وفي القرن السابع الميلادي، ومع انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية، انطلقت حملات الفتح الإسلامي التي بسطت سيطرتها على مساحات واسعة من آسيا وأفريقيا، وامتدت لاحقاً إلى أجزاء من أوروبا. ومع انتشار الإسلام واللغة العربية، بدأ يترسخ مصطلح "بلاد الشام" في الأدبيات العربية. وهناك عدة تفسيرات لإطلاق اسم الشام على تلك المنطقة من الأرض، فمنها ما يربط بين التسمية واشتقاقات قديمة قد تكون مرتبطة بالسماء في بعض اللغات السامية ، كذلك هناك ما يربط بينها وشخصية سام بن نوح المذكورة في التوراة، كما يرجع البعض التسمية إلى كون تلك المنطقة تقع على يسار(شِمال) مكة من جهة شروق الشمس بينما يقع اليمن على اليمين. أما في المصادر الغربية، فكانت تُعرف بعدة مصطلحات من بينها "ليفانت" (Levant) و"سوريا"، وهو الاسم الذي ورد في كتابات قديمة، مثل كتاب التاريخ للمؤرخ اليوناني هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد. ازدادت أهمية المنطقة بعد أن اتخذ الأمويون من دمشق عاصمةً لدولتهم التي استمرت نحو تسعين عاماً. وبعد سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين إلى الحكم، نُقلت عاصمة الخلافة الإسلامية إلى بغداد، فتراجعت المكانة السياسية لدمشق لصالح العاصمة الجديدة. ومع ذلك، شهد العصر العباسي، الذي امتد قروناً، صعود مدينة حلب كمركز سياسي وثقافي بارز، نافس دمشق على النفوذ في بلاد الشام. وتشير كتب التاريخ الإسلامي إلى أن بلاد الشام في العهد العباسي لم تكن تُدار كوحدة سياسية موحدة تحت سلطة والٍ واحد، بل قُسمت إلى كيانات إدارية متعددة، مثل ولايتي دمشق وحمص، وكان لكل منهما والٍ مستقل. ومع تراجع نفوذ الخلافة العباسية، برزت في بلاد الشام إمارات وممالك محلية، بعضها تمتع باستقلال شبه تام، وبعضها الآخر خضع للخلافة اسمياً فقط، بينما خضعت أجزاء من الشام لسيطرة الفاطميين، الذين نافسوا العباسيين في الشرعية الدينية والسياسية. كذلك شهدت فترة الخلافة العباسية خسارة المسلمين للسيطرة على مناطق مختلفة في بلاد الشام كما حدث أثناء الحروب الصليبية، التي امتدت نحو مئتي عام. وبعد رحيل الصليبيين عن الشرق عام 1291، آلت السيطرة على بلاد الشام إلى دولة المماليك في مصر، التي واصلت تقسيم المنطقة إلى عدة وحدات إدارية، كانت في الغالب ستّ وحدات، عُرفت بـ'نيابات' أو 'ممالك'، من بينها دمشق وحلب وحماة وطرابلس وصفد والكرك. وكانت صيدا وبيروت تتبعان نيابة دمشق. جاء القرن السادس عشر الميلادي حاملاً معه صعود قوة جديدة. فالأتراك العثمانيون هزموا المماليك ليؤسسوا إمبراطورية ستهيمن لقرون على أغلب بلدان العالم الإسلامي، ومن بينها منطقة بلاد الشام. وبحسب المؤرخ اللبناني شارل الحايك، في مقابلة مع بي بي سي عربي، فإن المنطقة الجغرافية التي تعرف باسم بلاد الشام كانت مقسمة في زمن العثمانيين إلى عدة وحدات سياسية تغير شكلها وترتيبها كثيراً، لكن لأطول وقت كان هناك أربع وحدات إدارية كبرى (إيالات) - وهي إيالة حلب، وإيالة دمشق، وإيالة طرابلس، وإيالة صيدا. وكانت كل إيالة تتشكل من وحدات إدارية أصغر يُطلق عليها "سنجق". فبيروت مثلا ظلت لفترة طويلة زمن العثمانيين سنجق تابعا لولاية صيدا. وبمرور الزمن بدأ نفوذ الدولة العثمانية في التراجع، ليفسح المجال أمام تنامي النزعات الاستقلالية، كما حدث في عهد والي مصر محمد علي (1805–1848)، حين سيطرت قواته على بلاد الشام فيما عُرف بالحكم المصري ( 1831- 1841). ثم جاءت الأحداث الكبرى التي شهدها القرن التاسع عشر لتلقي بظلالها على التقسيم الإداري لتلك المنطقة. فبداية من عام 1850 وقعت أعمال عنف طائفية دموية في حلب، ثم في جبل لبنان ودمشق بعد 10 سنوات، راحت ضحيتها أعداد كبيرة من المسيحيين، ما أثار موجة غضب في أوروبا. وعقب تلك الأحداث الدموية، وتحت ضغوط أوروبية، قررت السلطة العثمانية إحداث تغييرات في النظام الإداري للوحدات التي كانت تتشكل منها منطقة المشرق، فبدأت بإنشاء وحدة إدارية هي متصرفية جبل لبنان، التي كانت تتمتع بنوع من الحكم الذاتي يحكمها زعيم مسيحي ليس من أبناء منطقة الجبل. ثم في عام 1864، تم تأسيس ولاية سوريا التي ضمت الكيانات الإدارية لدمشق وطرابلس وصيدا. ويقول شارل الحايك إن إطلاق اسم سوريا على الولاية الجديدة يعكس وعياً تاريخياً لدى النخب المحلية التي اقترحت هذا الاسم. وبحسب كتاب المؤرخ البريطاني يوجين روغان "أحداث دمشق: مذبحة عام 1860 وتشكيل الشرق الأوسط الجديد"، فإن دمشق وبيروت تنافستا على نيل شرف أن تكون إحداهما عاصمة ولاية سوريا بشكلها الجديد، قبل أن يستقر العثمانيون على دمشق. ثم عاد العثمانيون وعدلوا من شكل التقسيم الإداري لمنطقة الشرق العثماني، فأعلنوا تأسيس متصرفية القدس، ثم لاحقاً أسسوا وحدة إدارية جديدة هي ولاية بيروت، التي ضمت الأراضي التي كانت ضمن ولايتي صيدا وطرابلس. الحرب العالمية الأولى وتأسيس لبنان وسوريا مثلما كان للقرن التاسع عشر تأثير كبير على منطقة المشرق العثماني، فإن القرن العشرين بدوره حمل الكثير من رياح التغيير. فالدولة العثمانية انخرطت في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) بجانب ألمانيا وإمبراطورية هابسبورغ (التي كانت تضم أساساً النمسا والمجر) ضد معسكر بريطانيا وفرنسا وروسيا، ولاحقاً الولايات المتحدة، لتشهد منطقة الشرق الأوسط معارك عنيفة. ومن بين الأحداث الكبرى، الانتفاضة التي قادها حاكم مكة، الشريف حسين، ضد العثمانيين، مدعوماً من قبل بريطانيا. ومع انتهاء الحرب وسيطرة بريطانيا وفرنسا على الأراضي التي كانت تابعة للعثمانيين، بدت منطقة الشرق الأوسط على أبواب تغيير كبير، خاصة في ظل الوعود المتضاربة التي قطعتها الدول المنتصرة، خاصة بريطانيا، خلال الحرب. فبريطانيا تعهدت للشريف حسين بدعمه في تأسيس دولة عربية مستقلة، كما أبرمت اتفاقاً سرياً مع فرنسا وروسيا القيصرية (اتفاق سايكس-بيكو) على تقسيم مناطق النفوذ في الشرق العثماني، بجانب وعد بلفور الخاص بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وفي خضم هذه الأحداث المتلاحقة، ظهرت تيارات سياسية في منطقة المشرق تباينت مواقفها حيال مستقبل المنطقة. فأنصار الاستقلال كانت تحذوهم الكثير من الآمال والتطلعات لمبدأ حق تقرير المصير الذي تبناه الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون. ومما يدل على قوة هذه الآمال أن أحد أبرز رموز السلفية المعاصرة، الشيخ محمد رشيد رضا، المولود في القلمون بطرابلس، كتب مقالاً يمتدح فيه بشدة ويلسون، بحسب ما جاء في كتاب "كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب" للمؤرخة إليزابيث تومسون. في المقابل، ظهرت في جبل لبنان أصوات، خصوصا في الأوساط المارونية، تدعو إلى قيام كيان مستقل عن باقي ولايات الشام، بدعم من فرنسا. وفي عام 1920 أعلن عن إنشاء مملكة سوريا على أجزاء من ولايتي دمشق وحلب تحت حكم الأمير فيصل (الملك فيصل لاحقا). لكن تجربة المملكة السورية الوليدة لم تدم سوى لأشهر، إذ تعارضت مع تفاهمات دولية تم الاتفاق عليها في مؤتمر سان ريمو، وتم تطبيقها لاحقاً بالقوة العسكرية، لتخضع الأراضي الواقعة حالياً في سوريا ولبنان لسلطة الانتداب الفرنسي، بينما خضعت فلسطين لسلطة الانتداب البريطاني. وفي عام 1920، أعلنت فرنسا إنشاء لبنان الكبير، الذي ضم، بجانب جبل لبنان، مناطق متعددة من بينها بيروت وطرابلس وصيدا، وهو لبنان الذي نعرفه بشكله الحالي. أما في سوريا، فقد تم تقسيم المنطقة إلى عدة دويلات: دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة الساحل، ودولة جبل العرب. وفي عشرينيات القرن العشرين، اندلعت ثورة في المناطق السورية ضد الانتداب الفرنسي، قبل أن يتم إعلان دولة سورية موحدة عام 1930. وبعد استقلال لبنان وسوريا عن فرنسا في أربعينيات القرن العشرين، شهدت العلاقات بين البلدين العديد من التطورات الهامة التي أسفرت عن تداخل كبير في مصائرهما، فخلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية وما أعقبها، كان لسوريا نفوذ سياسي وعسكري كبير في لبنان. وفي عام 2005 انسحب الجيش السوري من لبنان بعد تنامي الضغوط الدولية على دمشق، خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. كذلك، فإن حزب الله اللبناني شارك بجانب قوات الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في الصراع ضد المعارضة المسلحة، وهو الصراع الذي انتهى في عام 2024 بسقوط حكم الأسد. لكن هل يمكن لهذا التاريخ الثري والمتداخل لتلك المنطقة أن يبرر الحديث عن عودة سياسية لبلاد الشام؟ يقول المؤرخ اللبناني شارل الحايك إن أصحاب هذا الطرح يعتمدون على "قراءات خيالية ليس لها علاقة بالتاريخ. فالمغالطة هنا تكمن في اعتبار بلاد الشام مصطلحاً يدل على كيان سياسي، وهو أمر غير صحيح. فلبنان وسوريا لم ينشآ كدولتين بالمعنى الحديث إلا بعد الحرب العالمية الأولى".


العرب اليوم
منذ يوم واحد
- العرب اليوم
بارّاك يسابق "الزمن السوري" لإنجاز مهمة "نزع السلاح"
تبدو واشنطن في عجلة من أمرها لانتزاع سلاح حزب الله، وفقاً لجداول زمنية ضيقة للغاية، لكأنها في سباق مع "الزمن السوري" الذي تثير تطوراته تحولات في نظرة الرأي العام اللبناني للسلاح ووظيفته... ذلك أن مشاعر الخوف والقلق على مستقبل المكونات اللبنانية أخذ يتفاقم منذ أحداث الساحل، وخصوصاً بعد ما جرى، ويجري، في السويداء وأطرافها. الذين ناهضوا "السلاح" باعتباره تمرداً على "الدولة الوطنية"، شيعاً وقبائل... بعضهم يريد نزعه بأي ثمن، بل وربما يفضّل عليه "الميركافا" و"الأف 35" الإسرائيليتين، جُلّهم سبقوا حكمت الهجري بسنين طويلة في البحث عن الحماية والملاذ الإسرائيليين... هؤلاء لا شفاء لهم من أمراضهم المستعصية، هم ثابتون على مواقفهم، حتى وهم يتابعون على الهواء صور الدمار الذي لحق بكنيسة العائلة المقدسة في غزة، وكنيسة مار إلياس في دمشق... لديهم دائماً ما يمنون به النفس سوى رهاناتهم الخائبة. لكن ليس كل من يدعو لحصرية السلاح بيد الدولة ينتمي إلى هذه المدرسة... ثمة فريق من اللبنانيين، اتسع مؤخراً في ضوء نتائج حربي "الإسناد" و"أولي البأس"، ينطلق في مقاربته من الحاجة لمنح لبنان متنفساً وفسحة من الوقت للتعافي وإعادة البناء، وسط قناعة متزايدة بأن هذا السلاح لم يعد قادراً على القيام بوظائفه الثلاث في مواجهة "إسرائيل": الحماية، الردع، والتحرير... هؤلاء، وبصرف النظر عن مدى صحة مقارباتهم من عدمها، يستحقون الانتباه، وجديرون بالحوار وصولاً إلى بناء تفاهمات وطنية أعمق وأعرض. على أن تطورات المشهد السوري، في فصلها الأخير، قرعت أكثر من "ناقوس خطر" في أوساط أكثر من مكوّن لبناني، ليس الدروز وحدهم، بل المسيحيون والعلويون والشيعة، و"سنّة" الحواضر وأنصار البيوتات التي تعاقبت على قيادة وتمثيل "السنّية السياسية"، وبدأنا نرى مقاربات أقل حدّة في نظرة هذا الفريق إلى مسألة "السلاح"، تسللت حتى إلى أوساط "المارونية السياسية"، بدءاً بحزب الكتائب أو بعض رموزه على أقل تقدير. وكان من تداعيات الحدث السوري، منذ الثامن من ديسمبر، أن تنامى دور "السنيّة الدينية"، ذات الطابع السلفي (وليس الجهادي فقط)، لا في لبنان وحدها، إنما في عموم المشرق العربي. وكان لدخول العشائر العربية على خط أزمة السويداء، أن أنذر بصعود لاعب جديد لم يكن يُحسب له قدر كافٍ من الحساب من قبل، ولا سيما أن البيئة القبلية والعشائرية هي الأقرب إلى السلفية، وغالباً ما كانت حاضنة لها، باعتبار السلفية في مدارسها الأوسع انتشاراً أقرب إلى "فقه البداوة". وليس مصادفة أبداً أن خرائط انتشار السلفية الجهادية تكاد تتماهى مع خرائط انتشار القبائل والعشائر في معظم المناطق الساخنة وعلى امتداد خطوط التماس بين هؤلاء وخصومهم من دول وحركات. وليس خافياً على أحد أن لبنان هو الأكثر "هشاشة" من بين دول المشرق، حين يتصل الأمر بتلقي تداعيات وتأثيرات الحدث السوري لاعتبارات التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، وبالنظر إلى هشاشة الدولة ومؤسساتها، وغلبة الهويات الفرعية على الهوية الوطنية الجامعة... الأمر الذي يفسر تفشي القلق ويبرره، ويعيد ترتيب سلم الأولويات لدى مختلف الأطراف، وسيفضي لا محالة، إلى إعادة نظر في خرائط التحالفات والاصطفافات، ولعل من السابق لأوانه التكهن كيف ستجري هذه العملية أو كيف ستتطور. واشنطن معنية باحتواء الوضع في السويداء على شكل تسويات وتهدئات تمكنها من إدارة الأزمة من منظور أوسع يقيم قدراً من التوازن بين المصالح المتضاربة لحلفائها في الإقليم، ولا سيما في سوريا وحولها، بخلاف "إسرائيل"، التي لم يعد لديها ما تعرضه على الأطراف، سوى الخضوع والخنوع لمنطق القوة الباغية، والاستسلام لدورها المهيمن في الإقليم، ما يثير قدراً من التباين بين الحليفتين الاستراتيجيتين، لا على الأهداف والمآلات الكبرى لاستراتيجيتهما المشتركة، بل حول "المعدلات" و"السرعة" التي سيجري بها إنفاذ مرامي هذه الاستراتيجية وأهدافها الكبرى. وتجد المقاربة الأميركية لسوريا دعماً من قبل حلفاء عرب وأتراك وازنين، كما أنها تحظى بترحيب وقبول من قبل الإدارة السورية الجديدة، وذلكم أمر مستهجن تماماً، ولا سيما أن الولايات المتحدة في عهد ترامب لم تكف عن قول الشيء ونقيضه، فحديث توم بارّاك عن وحدة سوريا لا يجافي تصريحات واشنطن الداعية لـ"فيدرالية الطوائف والأقوام"، وواشنطن التي تكتفي بـ"التسريبات" للتعبير عن انزعاجها من أداء رئيس الوزراء الإسرائيلي (الطفل سيئ السلوك)، لا تبذل جهداً على الإطلاق لكبح جماحه، ولا تمارس أي ضغوط جدية لمنعه من المضي في سلوكيات العربدة والاستباحة، وتوفر المظلة والحماية له، حين ينبري المجتمع الدولي لإدانة السلوك الإسرائيلي والتنديد به. ما الذي نستخلصه من كل ذلك؟ وما علاقة لبنان و"السلاح" به؟ الخلاصة الأهم، أن سوريا، وحتى إشعار آخر، ليست مرشحة للاستقرار، ولا مصلحة "لإسرائيل" في تعافي سوريا، أو عودة الدولة الوطنية السورية إلى الحياة من جديد... معنى ذلك أن واشنطن، وإن اختلفت مع "تل أبيب" حول "فقه الأولويات"، لن تبادر إلى ممارسة ما يكفي من الضغوط عليها أو تحميلها وزر أفعالها كما يشتهي ويراهن عربٌ كثيرون. والأخطر أن دمشق، في عهدها الجديد، تظهر مرة أخرى أنها لا تتوفر على الأدوات الناعمة لضمان إدارة رشيدة للمرحلة الانتقالية وفتح نظامها السياسي الجديد لمشاركة مختلف الكيانات والمكونات، وأن السلطة الجديدة في دمشق تبدو منقسمة على ذاتها، فإن هي ذهبت بعيداً في مشوار التكيف مع مقتضيات المرحلة، واجهت مقاومة من داخلها، وإن هي استأخرت الحلول والمعالجات، ستواجه تحديات و"مقاومة" من خارجها، ناهيك بالطبع بضعف الكفاءة وقلة الاحتراف اللذين يطبعان أداءها. أما كيف سينعكس ذلك على لبنان؟ فمن الواضح تماماً أن الانقسام الدرزي السوري الداخلي قد انتقل إلى دروز لبنان، وإن بدرجة أقل من الحدة، وأن يقظة العشائر السورية ستترك بصمات ثقيلة على توازنات القوى داخل الطائفة السنيّة، وأن اندلاع الفوضى على الحدود الشرقية والشمالية قد يصيب لبنان في عمقه، وليس على أطرافه فقط، والخطر هنا سيحدق بمختلف الطوائف والكيانات والمكونات. لهذا السبب، يسابق توم باراك الزمن لانتزع قرار لبنان بنزع سلاح الحزب، مستفيداً من "التهدئة" على جبهة السويداء، لأن مهمته في إقناع اللبنانيين والضغط عليهم لفعل ما يريد، أو بالأحرى، ما يريد الإسرائيلي، ستكون أصعب بكثير، إذا ما تغلب سيناريو الفوضى الذي تحركه "إسرائيل" وتغذيه، وسيجد بعضاً من محاوريه اللبنانيين، المتحمسين لنزع السلاح، وقد باتوا أقل حماسةً. "إسرائيل" بالطبع تتابع المشهد من كثب، ولديها حساب ثقيل مع حزب الله وسلاحه تبدو مصممة على إغلاقه، والأرجح أنها لن تفوّت فرصة البناء على "المكاسب" التي حققتها في حربها الأخيرة على لبنان وتعميقها... ستدخل عسكرياً على الخط، لا بالضربات الجوية المؤلمة والمدمرة فحسب، بل ربما، بتسجيل اختراقات على جبهة البقاع ضد معاقل حزب الله، لعلّها بذلك تكسر قدرته على ردع خصوم متربصين خلف الحدود الشرقية، فتشجعهم على تكرار سيناريو "الهجري" وميليشياته التي وفرت لها الحماية والغطاء، وتلحق لبنان بسيناريو الفوضى السورية. ولا أحسب أن واشنطن ستكون قلقة من تطور كهذا، حتى وإن وجدت نفسها في موقف المعارض والمتحفظ على السلوك الإسرائيلي... فإدارة ترامب ستدعم سيناريو كهذا، إن كان بديله بقاء حزب الله واحتفاظه بسلاحه... وهي ستدعم توغلاً وتغولاً سوريين على لبنان، الذي هدد توم باراك بضمه إلى "بلاد الشام"، وستُحمّل الطبقة السياسية اللبنانية المسؤولية عن التدهور والانهيار، بذريعة أنها أظهرت مراوحة وتردداً في الاستجابة لمطلب حصرية السلاح، حتى وهي تمتنع عن تقديم أي ضمانات من أي نوع بأن هذه الحصرية ستتلازم وتتزامن مع انسحاب "إسرائيل" من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإعادة الأسرى والمخطوفين، ووقف التعديات والانتهاكات اليومية المتكررة للأجواء والأراضي اللبنانية. مسألة نزع السلاح، المعقّدة أصلاً، باتت أكثر تعقيداً في ضوء تداعيات الأزمة السورية المفتوحة على شتى الاحتمالات، وتداخل مواقف ومصالح لاعبين كثر، وفي مقدمتها الطرف الإسرائيلي، الأكثر تأثيراً وتوحشاً، وفي ظل توجه أميركي متماهٍ مع المصالح والأهداف الأبعد لحكومة اليمين الفاشي في "تل أبيب"