
بريطانيا: الشعبويون قادمون!
انتهت انتخابات المجالس المحلية في بريطانيا خلال الأسبوع الماضي، وصدقت استبيانات الرأي العام وتنبؤات المعلقين السياسيين. وكما هو متوقع، اعتلى حزب الإصلاح الشعبوي بقيادة زعيمه نايجل فاراج منصة التتويج، يليه حزبا الأحرار الديمقراطيين والخُضر. واكتفى الحزبان الرئيسان -«العمال» الحاكم و«المحافظين»- بلعق الجراح.
نهاية الانتخابات البلدية هذه المرّة، وبالنتائج التي أظهرتها، تعني بداية مرحلة جديدة في المسيرة نحو الانتخابات النيابية المقبلة. وتتعلق بالحزبَيْن الرئيسَيْن -«العمال» و«المحافظين»- كونهما فعلياً صارا مهددَيْن، على نحو غير مسبوق، بحزب شعبوي يتمدد على حسابهما، وبسرعة غير عادية، في كل الاتجاهات.
أهمية النتائج الأخيرة للانتخابات، أن «العمال» و«المحافظين» يتحتم عليهما، منذ الآن وصاعداً، السير للأمام بعيون تنظر إلى الخلف، خشية أن يلحقهما ويتجاوزهما خصم من نوعية ترمبية.
أبانت النتائج أن الناخبين العماليين، ممن ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، ويصنّفون عادة تحت خانة اليسار الليبرالي؛ انقسموا إلى نصفَيْن غير متساوييْن. قسم صغير اختار البقاء في البيوت احتجاجاً، وقسم أكبر غادرها نحو مراكز الاقتراع، وأدلى بأصواته لحزبي الأحرار الديمقراطيين والخُضر، تعبيراً عن سخطهم من سياسات السير كير ستارمر في الحكم.
أنصار حزب العمال من الطبقة العمالية، خصوصاً في شمال إنجلترا، وقفوا طوابير في مراكز الاقتراع ليدلوا بأصواتهم لنايجل فاراج وحزبه. أنصار حزب المحافظين من التيار اليميني المتشدد المناوئ لأوروبا وللمهاجرين، هرعوا هم أيضاً إلى حزب الإصلاح.
هل يعني ذلك أن بريطانيا ستسقط بين أيدي الشعبويين كما سقطت قبلها أميركا؟ النتائج الانتخابية الأخيرة أبانت أن حزب الإصلاح الشعبوي وزعيمه نايجل فاراج يقتربان من تحقيق الحلم. نجاحهما يتزايد ويتراكم بسبب تخبط سياسات حزب العمال الحاكم، وانقسام حزب المحافظين.
بروز حزب الإصلاح، وما حققه في سنوات قليلة من نتائج على مستوى الانتخابات البرلمانية الماضية، أو على مستوى المجالس البلدية مؤخراً، يُعدّ، من زاوية أخرى، مؤشراً على اتساع الهوّة بين الناخبين والحزبَيْن الرئيسَيْن اللذَيْن تبادلا حكم بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
حزب العمال الحاكم، على سبيل المثال، انجرَّ إلى تبني سياسات يدرك مسبقاً أنها لا تتفق وتوجهات أنصاره من الليبراليين فيما يُشبه التجاهل المتعمد لهم، على أمل قطع الطريق أمام منافسة حزب الإصلاح الشعبوي.
وفي الجانب الآخر، يمكن للمراقب ملاحظة ما يحدث في حزب المحافظين من انقسام منذ عام 2016 عقب نجاح حملة المطالبين بالخروج من الاتحاد الأوروبي. إذ بمرور الوقت اتسعت الهوة بين التيار المعتدل والمتشدد. أربعة رؤساء حكومات محافظين تولوا الحكم منذ عام 2016 وحتى عام 2024. الزعيمة الحالية للحزب ديمي بادنوك تمكنت من الوصول إلى الزعامة بدعم من التيار المتشدد. وهي منذ انتخابها لم تتمكن حتى الآن من تأكيد حضورها سواء في الحزب أو في الساحة عموماً. ويرى بعض المعلقين أنها لن تتمكن من البقاء وقيادة الحزب في الانتخابات النيابية المقبلة. إذ شهد الحزب في الآونة الأخيرة تحول الكثير من كبار رجال الأعمال الداعمين له بالأموال إلى دعم حزب الإصلاح.
في حزب الأحرار الديمقراطيين، تسير الأمور من حسن إلى أحسن. ذلك أن الحزب يقتحم معاقل المحافظين في جنوب إنجلترا ويتقدم في أراضيهم من دون مقاومة تُذكر. ولذلك، تمكنوا من استعادة وجودهم في البرلمان خلال الانتخابات الماضية، وحققوا نتائج جيدة جداً في الانتخابات البلدية مؤخراً. كما تمكنوا من استقطاب الكثير من أنصار حزب العمال إليهم، خصوصاً من التيار الليبرالي. وعلى الرغم من ذلك، فإن ما حققه الحزب من نجاحات انتخابية لا يُعد ضمانة لتجعل منه بديلاً عن المحافظين في المعارضة.
الآن، وبعد ظهور النتائج الانتخابية مؤخراً لن يكون بمقدور أيّ من الحزبين أو الثلاثة الرئيسية تجاهل التهديد المتمثل في حزب الإصلاح وزعيمه نايجل فاراج، وهو تهديد حقيقي، كفيل -إن واصل تقدمه على هذا النحو- بتغيير أسس المعادلة السياسية القائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وربما يكون حزب المحافظين أكثر المستهدفين بالتهديد؛ لأن نايجل فاراج لا يتوقف عن التصريح والتهديد برغبته في أن يقضي حزبه على حزب المحافظين، ويكون الممثل الوحيد لليمين البريطاني.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ ساعة واحدة
- سواليف احمد الزعبي
'حماس': دعوة نائب أمريكي لقصف غزة نوويا تحريض على الإبادة وجريمة ضد الإنسانية
#سواليف أعربت حركة ' #حماس ' عن إدانتها لتصريحات #عضو_الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري #راندي_فاين، التي دعا فيها إلى #قصف_غزة بالسلاح النووي. واعتبرت الحركة هذه 'الدعوة المتطرفة جريمة مكتملة الأركان، ودليلا على العنصرية الفاشية التي تحكم تفكير بعض الساسة الأمريكيين، وهو ما يستوجب الإدانة من الإدارة الأمريكية ومن الكونغرس، الذي بات منصة لتبرير #جرائم_الاحتلال وتشجيعها، عندما استقبل #مجرم_الحرب #نتنياهو'. وأضافت: 'تمثل هذه التصريحات انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، وتحريضا علنيا على استخدام #أسلحة_الدمار الشامل ضد أكثر من مليوني مدني'. وأكد أنه 'ورغم هذه الدعوات الوحشية، فإنها لن تُضعف عزيمة شعبنا، ولا إيمانه بعدالة قضيته، بل تفضح مجددا الوجه الحقيقي للاحتلال وداعميه'. ووصف فاين في وقت سابق القضية الفلسطينية بـ'الشريرة'. وقال: 'في الحرب العالمية الثانية، لم نتفاوض على استسلام مع النازيين، ولم نتفاوض مع اليابانيين. لقد استخدمنا #القنابل_النووية مرتين ضد اليابان من أجل تحقيق استسلام غير مشروط'. وأضاف: 'ينبغي أن يكون الموقف ذاته في هذا السياق، فهناك خلل عميق جداً في هذه الثقافة ويجب القضاء عليه'.


رؤيا
منذ 5 ساعات
- رؤيا
ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأمريكية
ترمب: رسوم جمركية ستفرض على شركات الهواتف التي لا تصنع في الولايات المتحدة نهاية حزيران المقبل ترمب يؤكد أنه "لا يسعى للتوصل إلى اتفاق" تجاري مع الاتحاد الأوروبي وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الجمعة، مجموعة من الأوامر التنفيذية تهدف إلى دعم قطاع الطاقة النووية في الولايات المتحدة، من بينها إلغاء بعض القيود التنظيمية المرتبطة بتقنيات لا تزال موضع نقاش واسع. وقال ترمب خلال مراسم التوقيع التي جرت في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض: "نوقع اليوم أوامر تنفيذية ضخمة ستجعل من الولايات المتحدة قوة رئيسية في هذه الصناعة". قال ترمب إن الطاقة النووية آمنة، وستقوم الولايات المتحدة بتشييد عدد من المنشآت الجديدة. كما أعلن أنه سيتم فرض رسوماً جمركية على شركات الهواتف التي لا تصنع في الولايات المتحدة بحلول نهاية يونيو المقبل. وأكد ترمب للصحافيين في البيت الأبيض ردا على سؤال حول سعيه للحصول على تنازلات من أوروبا: "لا أسعى إلى اتفاق. أعني أننا حددنا الاتفاق. إنه بنسبة 50%".


خبرني
منذ 7 ساعات
- خبرني
عضو كونغرس أميركي يدعو لقصف غزة نووياً ويبرر: كما فعلنا باليابان
خبرني - ذكرت قناة كان الإسرائيلية أن عضو الكونغرس الأميركي رندي فاين من الحزب الجمهوري طالب بقصف قطاع غزة بقنبلة نووية، ردا على مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن. وخلال مقابلة مع قناة فوكس الأميركية قال النائب عن ولاية فلوريدا في منشور على حسابه منصة "إكس" -حيث عرّف بنفسه بأنه "يهودي صهيوني ويفتخر"- "لم نتفاوض على استسلام مع اليابانيين، قصفناهم بالسلاح النووي مرتين للحصول على استسلام غير مشروط، يجب أن نفعل الشيء نفسه هنا، فأميركا وإسرائيل لن تختلفا يوما على إبادة الفلسطينيين". وليس فاين أول من دعا إلى ضرب غزة بالسلاح النووي، فقد سبقه آخرون، بينهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي قارن العدوان على قطاع غزة بقرار الولايات المتحدة إسقاط قنابل ذرية على اليابان في الحرب العالمية الثانية. وقال غراهام "عندما واجهنا الدمار كأمة بعد هجوم بيرل هاربور وقاتلنا الألمان واليابانيين قررنا إنهاء الحرب بقصف هيروشيما وناغازاكي بالأسلحة النووية، وكان هذا هو القرار الصحيح". وفي إسرائيل أيضا، دعا متطرفون كثر -بينهم وزير شؤون القدس والتراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو- مطلع العام الماضي إلى إسقاط سلاح نووي على قطاع غزة.