
من حرب النجوم إلى القبة الذهبية.. مرحلة جديدة في «عسكرة الفضاء»
محمد الطماوي
في لحظة تعيد للأذهان أجواء "حرب النجوم" في ثمانينيات القرن الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشروع دفاعي جديد تحت مسمى "القبة الذهبية"، يستهدف حماية الأراضي الأمريكية من التهديدات الخارجية باستخدام تكنولوجيا فضائية متقدمة، هذا الإعلان لم يكن مجرد خطوة عسكرية أو تقنية، بل مثّل تحوّلاً استراتيجياً يعكس تصاعد سباق التسلح في الفضاء، ويفتح باباً جديداً من أبواب الصراع الجيوسياسي بين القوى الكبرى.
فالولايات المتحدة، التي لطالما سعت للهيمنة على الفضاء التكنولوجي والعسكري، تدخل الآن طوراً جديداً من المواجهة، قد يعيد تشكيل موازين القوى العالمية، ويُشعل فتيل سباق تسلح فضائي قد لا يكون أقل تكلفة أو خطورة من الحرب الباردة الأولى. المشروع، بحسب مراقبين، ليس إلا تجسيداً لحلم قديم راود الرئيس الأسبق رونالد ريجان، لكنه اليوم يعود بثوبٍ أكثر تطوراً وبتكلفة تفوق الخيال.
السؤال المحوري الذي يطرحه هذا المشروع، هل تمثل "القبة الذهبية" تحولاً دفاعياً ضرورياً لحماية الأمن القومي الأمريكي؟ أم أنها بداية مرحلة جديدة من عسكرة الفضاء ستدفع العالم إلى صراع استراتيجي مفتوح تهتز له خرائط الاقتصاد والأمن الدوليين؟ هذا ما يجيب عليه الخبراء الذين استطلعت «الأهرام العربي» آراءهم.
تفاصيل المشروع
في البداية، قال اللواء الطيار محمد الصمادي، الخبير العسكري والاستراتيجي الأردني، إن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان أطلق في عام 1983 برنامج الدفاع الصاروخي الأمريكي الذي تطور لاحقًا إلى نظام "حرب النجوم" المعروف اختصارًا بـ (Strategic Defense Initiative – SDI)، موضحًا أن هذا النظام تعرض آنذاك لانتقادات واسعة، سواء من حيث الجدوى التقنية أو التكلفة العالية، مما حال دون تطبيقه بالكامل، ليتم لاحقًا تطويره إلى برنامج الدفاع الصاروخي القومي (National Missile Defense).
وأضاف الصمادي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقّع في 27 يناير 2025 مرسومًا رئاسيًا يقضي بإنشاء قبة حديدية دفاعية متطورة مضادة للصواريخ، مشيرًا إلى أن ترامب أعلن في 20 مايو 2025 عن هذا النظام الدفاعي الجديد، الذي يهدف إلى حماية كامل الأراضي الأمريكية من أي هجمات صاروخية محتملة، تنفيذًا لوعد قطعه خلال حملته الانتخابية في عام 2024، حيث يتوقع أن يكون البرنامج جاهزًا قبل نهاية عام 2029.
وأوضح الصمادي أن ترامب وصف هذا المشروع بأنه نظام متطور من الجيل الجديد، يشمل أجهزة استشعار ومقاومات قادرة على العمل في الفضاء، لمجابهة واعتراض التهديدات الجوية والأقمار الصناعية التي قد تنفذ هجمات إلكترونية أو تصطدم بأقمار صناعية أخرى، بالإضافة إلى مجابهة أنواع متطورة من الصواريخ، مثل الصواريخ العابرة للقارات، والصواريخ المجنحة، والمدارية، وتلك التي قد تُطلق من الفضاء، فضلًا عن صواريخ كروز، والصواريخ الباليستية، والفرط صوتية الصينية والروسية، وصواريخ كوريا الشمالية، إلى جانب الطائرات المسيّرة.
وأشار إلى أن النظام سيتم نشره على البر والبحر وفي الفضاء، مؤكدًا أن ترامب يأمل في تحقيق نسبة نجاح تبلغ 100% في الحماية، بالنظر إلى أن التكنولوجيا المتاحة حاليًا باتت أكثر تطورًا مما كانت عليه في العقود السابقة.
وتابع الصمادي أن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيت صرّح بأن القدرات التكنولوجية المتقدمة المتوفرة اليوم قد تجعل من الممكن تحقيق الرؤية القديمة، مضيفًا أنه تم تكليف الجنرال مايكل غيتلاين، نائب رئيس العمليات في قوة الفضاء الأمريكية (U.S. Space Force)، بقيادة المشروع والإشراف عليه.
وحول ردود الفعل الدولية، أوضح الصمادي أن البرنامج أثار انتقادات من العديد من الدول التي تخشى من أن يؤدي إلى عسكرة الفضاء والمزيد من سباقات التسلح بين الدول، وهو ما قد يُسهم في زعزعة الأمن العالمي، مشيرًا إلى أن الصين أعربت عن قلقها البالغ من هذا المشروع، واعتبرته انتهاكًا لمبدأ الاستخدام السلمي للفضاء، وحذرت من أنه قد يهز أسس الأمن الدولي ويُطلق سباق تسلح جديد.
وأكد أن روسيا بدورها عبرت عن مخاوفها من أن يؤدي هذا المشروع إلى زعزعة الاستقرار الاستراتيجي العالمي، محذرة من أنه قد يُخل بتوازن الردع النووي القائم.
واستطرد الصمادي قائلًا إن التكلفة الأولية للبرنامج تُقدَّر بـ175 مليار دولار، من بينها 25 مليارًا كاستثمار أولي، بينما تتراوح الكلفة الكلية على مدار عشرين عامًا بين 500 و830 مليار دولار، وقد تتجاوز هذه التقديرات وفقًا لبعض الدراسات، موضحًا أن الكونجرس الأمريكي يواجه صعوبات في الموافقة على الميزانية المقترحة بسبب التكلفة الباهظة، في ظل احتمالية مشاركة كندا في المشروع.
وأضاف أن تنفيذ المشروع خلال الإطار الزمني المحدد يبدو صعبًا، بسبب التعقيدات التقنية والتمويلية، فضلًا عن احتمالية تجاوز الكلفة المتوقعة بكثير، مؤكدًا أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن جدوى التكنولوجيا الحالية في تحقيق الأهداف الطموحة التي حددها المشروع.
وأشار الصمادي إلى أن التحديات الاستراتيجية لا تتوقف عند الجانب التقني، بل تشمل أيضًا إمكانية أن يُثير البرنامج سباق تسلح فضائي بين القوى الكبرى، لافتًا إلى أن من أبرز نقاط الضعف المحتملة ضعف فعالية النظام في حال وقوع هجوم شامل، وعدم قدرته على التعامل مع هجمات متعددة ومتزامنة، إلى جانب احتمالية استهداف مكوناته بأنظمة مضادة للأقمار الصناعية.
ومضى موضحًا أن المشروع يواجه أيضًا انتقادات داخلية، حيث يشكك عدد من المشرعين الديمقراطيين في جدوى المشروع وفعاليته من الناحية العملية.
وتابع الصمادي بأن نظام القبة الذهبية يتكون من ثلاث طبقات حماية رئيسية، موضحًا أن الطبقة الأولى هي الطبقة الفضائية، والتي تعتمد على ألف قمر استطلاعي لمراقبة حركة الصواريخ عالميًا من لحظة إطلاقها
وحتى مراحل طيرانها المختلفة، إلى جانب 200 قمر هجومي مزود بصواريخ اعتراضية وأسلحة ليزر متطورة لتعطيل أو تدمير التهديدات دون الحاجة إلى صواريخ اعتراضية تقليدية، فضلًا عن صواريخ اعتراضية فضائية قادرة على إسقاط الأهداف خلال لحظات من إطلاقها.
وأشار إلى أن الطبقة الثانية تتمثل في الطبقة الجوية والبحرية، وتشمل منصات إطلاق منتشرة عبر الجغرافيا الأمريكية، إلى جانب أنظمة بحرية متمركزة على الزوارق والغواصات الحربية.
وأكد أن الطبقة الثالثة هي الطبقة الأرضية، وتشمل أنظمة دفاع صاروخي أرضية متطورة، قابلة للتكامل مع الأنظمة الأمريكية الدفاعية القائمة.
وحول التقييم العام للمشروع، أكد الصمادي أن "القبة الذهبية" تُجسد رغبة الولايات المتحدة في استعادة الردع وهيبتها العسكرية، وتمثل في الوقت ذاته رؤية ترامب لإنشاء نظام دفاع صاروخي شامل يحمي الولايات المتحدة من جميع التهديدات الصاروخية المحتملة.
وختم الصمادي تصريحه قائلاً إن ترامب يروج لهذا المشروع بوصفه إنجازًا تقنيًا وأمنيًا غير مسبوق على المستوى الاستراتيجي، إلا أن هناك العديد من المخاوف الجيوسياسية والتحفظات والأسئلة والانتقادات، التي تتعلق بجدواه التقنية، وتكلفته العالية، والتداعيات المحتملة على الأمن الدولي، متسائلًا في الوقت ذاته: "هل يمكن أن تتحقق رؤية ترامب عمليًا على أرض الواقع خلال الإطار الزمني المحدد، في ظل التحديات التقنية والمادية؟ أم أنه سيواجه نفس مصير برنامج حرب النجوم؟".
الردع النووي
من جانبه، قال العميد الدكتور عمر الرداد، العميد السابق في المخابرات الأردنية والخبير الأمني والاستراتيجي، إن المشروع الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يُعد في جوهره إعادة إنتاج لمشروع "حرب النجوم" الذي طرحه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان في عام 1983، موضحاً أن الهدف الرئيسي من ذلك المشروع كان يتمثل في إنشاء نظام دفاع صاروخي لحماية الولايات المتحدة من هجمات الصواريخ النووية الباليستية، ولا سيما من قبل الاتحاد السوفييتي آنذاك.
وأوضح الرداد أن المشروع اعتمد حينها على استخدام تقنيات متطورة ومفاهيم جديدة، مثل أشعة الليزر وحزم الجسيمات في الفضاء الخارجي، لاعتراض وتدمير الصواريخ المعادية في مراحل مختلفة من مسارها، بما يجعل نشوب حرب نووية أمراً مستحيلاً، ويُلغي عملياً سياسة الردع المتبادل التي كانت سائدة خلال فترة الحرب الباردة.
وأضاف أن مشروع "القبة الذهبية"، في حال تم تنفيذه، من المرجح أن يقابل بردود فعل قوية تؤدي إلى سباق تسلح، لا سيما من قبل روسيا والصين، مشيراً إلى أن هذا المشروع من شأنه أن يزعزع مقاربة الردع النووي القائمة حالياً، حيث سبق أن أعربت كل من موسكو وبكين، كل على حدة، عن معارضتهما لتوسع الدفاعات الصاروخية الأمريكية، معتبرتين أن مثل هذه الخطوات تُخل بتوازن الردع الاستراتيجي القائم.
وأشار إلى أن الدولتين – روسيا والصين – قد أرسلتا إشارات واضحة بشأن عزمهما على تطوير أسلحة فرط صوتية أو أنظمة جديدة قادرة على اختراق الدفاعات الأمريكية والتغلب عليها، مؤكداً أن هذا المسار سيُسهم في تسريع وتيرة سباق التسلح العالمي.
وتابع الرداد قائلاً إنه في حال أقدمت الولايات المتحدة على نشر هذه الأنظمة في مناطق مثل آسيا أو أوروبا، فإنها قد تُقابل بردود فعل من دول مجاورة، مثل كوريا الشمالية أو إيران، أو حتى من بعض الحلفاء الذين قد يطالبون بالحصول على أنظمة مماثلة، مما يُعزز من فرص اندلاع سباق تسلح على المستويين الإقليمي والدولي.
ومضى مضيفاً أن دولاً في منطقة الشرق الأوسط، على سبيل المثال، سبق أن أعلنت نيتها امتلاك سلاح نووي في حال امتلكته إيران، وهو ما يعني أن المشروع الأمريكي قد يشجع قوى إقليمية أخرى على السعي لتطوير قدراتها العسكرية، مشدداً على أن مناطق النزاعات الدولية في آسيا وأمريكا اللاتينية قد تشهد بدورها اندفاعاً مماثلاً لتطوير ترساناتها.
وحول الجدية المحتملة للرئيس ترامب في تنفيذ هذا المشروع، أوضح الرداد أن الأمر لا يزال غير واضح حتى الآن، لكنه لفت إلى أن الفارق في الإمكانيات التقنية، وخاصة فيما يتعلق بتطورات الذكاء الاصطناعي، بين فترة طرح الفكرة سابقاً وبين المرحلة الراهنة، ربما يجعل من مشروع "القبة الذهبية" مشروعاً قابلاً للتطبيق بشكل أكبر.
واستطرد قائلاً إن الكلفة المالية المقدرة للمشروع، والتي تصل إلى نحو 170 مليار دولار، لا تبدو كبيرة بالنسبة للرئيس ترامب، الذي يُولي اهتماماً خاصاً بالعوائد السياسية والاستراتيجية، مشيراً إلى أن هذا المشروع قد يُحقق لواشنطن ضمانات أكبر لاستمرار تفوقها وريادتها على المستوى العالمي.
العقيدة الدفاعية
قال العميد المتقاعد سعود الشرفات، مدير مركز شرفات للدراسات وبحوث العولمة، إن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشروع "القبة الذهبية"، يشكل تحولاً لافتاً في العقيدة الدفاعية الأمريكية، حيث يستهدف المشروع بناء نظام دفاعي فضائي متكامل لحماية الأراضي الأمريكية من التهديدات الخارجية.
وأوضح الشرفات أن "القبة الذهبية تمثل نقلة نوعية في التفكير العسكري الأمريكي، لأنها تعتمد على تقنيات متقدمة تشمل الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والطائرات بدون طيار، لخلق درع دفاعي ضد الصواريخ الباليستية والهجمات الإلكترونية والفضائية".
وأشار إلى أن "المشروع أثار جدلاً واسعًا حول العالم، بين من يعتبره خطوة ضرورية لتعزيز الأمن القومي الأمريكي، ومن يراه مقدمة حقيقية لعسكرة الفضاء وسباق تسلح فضائي خطير"، مؤكدًا أن "الجدل لا يدور فقط حول التقنيات، بل حول التداعيات السياسية والعسكرية على النظام الدولي برمته".
وأكد أن "المشروع في حال نجاحه قد يوفر، نظرياً، حماية فعالة للأراضي الأمريكية من التهديدات الخارجية، لكنه يظل مرهونًا بقدرة التكنولوجيا المستخدمة على مواجهة تحديات معقدة، إضافة إلى طبيعة ونوعية التهديدات المحتملة في المستقبل".
وفي هذا السياق، لفت الشرفات إلى أن "هناك مخاوف حقيقية من أن يفتح مشروع القبة الذهبية الباب واسعًا أمام عسكرة الفضاء، ما قد يؤدي إلى زيادة التوترات بين الدول العظمى، مثل الصين وروسيا، وربما يطلق شرارة سباق تسلح فضائي يشبه الحرب الباردة، ولكن على مستوى الكواكب".
وأضاف أن "الصين أعربت رسميًا عن قلقها، واعتبرت أن المشروع قد يؤدي إلى حرب فضائية ويهدد بمسح مبدأ الاستخدام السلمي للفضاء من المعادلة الدولية، وهو ما من شأنه زعزعة استقرار النظام الأمني العالمي"، مشيرًا إلى أن "روسيا من جانبها، ورغم حديثها عن حق الدول في حماية مصالحها الفضائية، إلا أنها حذرت من أن المشروع قد يخل بتوازن الردع النووي القائم".
ورأى الشرفات أن "القبة الذهبية تعيد إلى الأذهان مشروع (حرب النجوم) الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في ثمانينيات القرن الماضي، بهدف بناء نظام دفاعي ضد التهديدات النووية آنذاك، لكن لم يكتب له النجاح الكامل"، معتبرًا أن "ترامب يحاول اليوم إحياء الحلم ذاته، ولكن بأدوات وتقنيات أكثر تقدمًا وحداثة".
واختتم الشرفات تصريحاته بالقول: "القبة الذهبية مشروع أمريكي طموح يحمل أبعادًا استراتيجية كبيرة، وقد يوفر حماية للأراضي الأمريكية على المدى الطويل، لكنه أيضًا ينطوي على مخاطر كبيرة تتعلق بالأمن العالمي، الكرة الآن في ملعب واشنطن، التي ستواجه اختبارًا حقيقيًا في كيفية تنفيذ المشروع دون تفجير توازنات القوة الدولية، أو دفع العالم إلى حافة سباق فضائي جديد".
تداعيات اقتصادية
قال الدكتور عمر أحمد البستنجي، الخبير الأردني في الاقتصاد السياسي الدولي، إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مشروع "القبة الذهبية" يمثل لحظة مفصلية في مسار العلاقات الدولية، مشيرًا إلى أن هذا المشروع يعيد رسم خرائط الصراع الجيوسياسي في سياق أكثر خطورة وتعقيدًا من أي وقت مضى.
وأكد البستنجي أن "المشروع لا يقتصر في رمزيته ومضمونه على كونه مجرد مظلة دفاعية صاروخية، بل يعكس انتقالاً واضحًا من مرحلة الحرب الباردة الثانية بصيغتها التجارية، إلى صراع مركب يشمل – ولأول مرة منذ عقود – البعد التسليحي، وربما أبعادًا أخرى لاحقًا، قد تحوله إلى صراع متعدد الجبهات لا يقتصر على الاقتصاد أو التكنولوجيا فقط، بل يطال أيضًا التوازنات الاستراتيجية العالمية".
وأضاف: "شهد العالم خلال العقد الأخير تصاعدًا مضطردًا في حدة التوتر بين الولايات المتحدة من جهة، وكل من الصين وروسيا من جهة أخرى، لكنه ظل محصورًا في نطاق الحرب التجارية والتكنولوجية، عبر الرسوم الجمركية والسيطرة على الأسواق وهيمنة الشركات. أما اليوم، فإن إعلان القبة الذهبية يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة الأولى، وما تلاها من سباق تسلح نووي استنزف الموارد وأربك النظام الاقتصادي العالمي".
وأشار البستنجي إلى أن "تجارب التاريخ القريب مهمة جدًا في هذا السياق، حيث قدّرت مجلة 'TopTenz.net' أن كلفة الحرب الباردة الأولى بلغت نحو 10 تريليونات دولار، منها 5.8 تريليون دولار تحملتها الولايات المتحدة وحدها، واليوم يُقدّر أن تصل الكلفة الأولية لمشروع القبة الذهبية إلى 175 مليار دولار، مع توقعات بتجاوزها حاجز 540 مليار دولار وفقًا لتقديرات وزارة الخزانة الأميركية، نتيجة لتسارع التطوير وتعقيد البنية التحتية للمشروع".
وتابع: "الخطورة الاقتصادية الأهم لا تكمن فقط في التكاليف المباشرة، بل في التموضع الاقتصادي للدول المعنية بالصراع. فحين تمثل الولايات المتحدة بمفردها نحو 26% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتتشكل الصين وروسيا معًا من 19%، فإن هذه الدول الثلاث تسيطر على قرابة نصف اقتصاد الكوكب. وهذا يجعل أي تصعيد فيما بينها تهديدًا مباشرًا للأمن الاقتصادي العالمي".
وشدد البستنجي على أن "التشابك العميق بين هذه الاقتصادات وسلاسل التوريد العالمية يزيد من خطورة أي مواجهة، خصوصًا أن هذه الدول تُعد شرايين حيوية لحركة التجارة والإنتاج العابرة للحدود. وتقرير صندوق النقد الدولي الصادر مطلع عام 2024 أكد أن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين وحدها أسفرت عن تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.5%، أي ما يعادل 2.5 تريليون دولار، مع احتمال بلوغ الخسائر 7 تريليونات دولار إذا استمر الصراع دون تدخل عقلاني".
وأضاف: "اليوم دخل الصراع طورًا جديدًا عنوانه سباق التسلح الفضائي، وهذا يعني أن وتيرة الخسائر والتكاليف مرشحة للتصاعد، ليس فقط على الدول الكبرى، بل على الاقتصاد العالمي بأسره، في ظل اندماج الأسواق العالمية بدرجة غير مسبوقة".
وأوضح الخبير الأردني أن "درجة التشابك الاقتصادي الدولي اليوم تتجاوز 60%، مقارنة بـ24% فقط خلال الحرب الباردة الأولى، مما يعني أن أي هزة في مراكز القوى ستنتقل كالزلزال عبر الأسواق، مسببة أزمات مالية وتباطؤًا في النمو وركودًا يصعب احتواؤه".
كما أشار إلى بعد إضافي يزيد من تعقيد المشهد، قائلاً: "لم يعد الصراع الحالي ثنائيًا كما كان بين واشنطن وموسكو في القرن العشرين، بل باتت الساحة الدولية تضم قوى ناشئة ذات ثقل اقتصادي وعسكري متنامٍ، ما قد يؤدي إلى تفكك منظومة عدم الانحياز التقليدية، ويطلق تحالفات جديدة تعقّد من المشهد العالمي، وتحول الصراع من ثلاثي الأقطاب إلى شبكة متداخلة من النزاعات الجيوسياسية يصعب ضبطها".
واختتم الدكتور عمر البستنجي تصريحاته بالتأكيد على أن "مشروع القبة الذهبية لا يمثل مجرد تحول في العقيدة الدفاعية الأميركية، بل يشكل نقطة ارتكاز جديدة لصراع دولي معقد قد يرسم ملامح النظام العالمي لعقود قادمة"، محذرًا من أن "غياب صوت عاقل داخل المجتمع الدولي يعيد توجيه الموارد نحو التنمية ويوازن العلاقات الاقتصادية، سيقود إلى مرحلة خطيرة تطغى فيها لغة القوة على منطق المصالح المشتركة، ويكون الجميع فيها خاسرًا".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ ساعة واحدة
- مصرس
أسوشيتد برس: إيلون ماسك يغادر إدارة ترامب بعد جهود مضطربة لخفض حجم الحكومة
قالت وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية، أن رجل الأعمال إيلون ماسك غادر منصبه في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد فترة شهدت جهودًا متعثرة لخفض حجم الحكومة وإعادة هيكلة عدد من الوكالات الفيدرالية. إيلون ماسك يغادر إدارة ترامب ويشكر الرئيس مع قرب انتهاء مهمته الحكوميةأعلن ماسك انتهاء مهامه ضمن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث شغل منصبًا كموظف حكومي خاص في إطار برنامج يهدف إلى تعزيز كفاءة الحكومة وتقليص حجمها.وكتب ماسك على منصة إكس: "مع اقتراب انتهاء فترة عملي المجدولة كموظف حكومي خاص، أود أن أشكر الرئيس ترامب على منحي الفرصة للمساهمة في تقليص الإنفاق غير الضروري".

مصرس
منذ ساعة واحدة
- مصرس
ترامب: يسعدني ترشيح بول إنجراسيا لرئاسة مكتب المستشار الخاص في الولايات المتحدة
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أنه يسره ترشيح بول إنجراسيا لرئاسة مكتب المستشار الخاص للولايات المتحدة، جاء ذلك حسبما ذكرت وسائل إعلام أمريكية. إيلون ماسك يغادر إدارة ترامب بعد جهود مضطربة لخفض حجم الحكومةقالت وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية، أن رجل الأعمال إيلون ماسك غادر منصبه في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد فترة شهدت جهودًا متعثرة لخفض حجم الحكومة وإعادة هيكلة عدد من الوكالات الفيدرالية.إيلون ماسك يغادر إدارة ترامب ويشكر الرئيس مع قرب انتهاء مهمته الحكوميةأعلن ماسك انتهاء مهامه ضمن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث شغل منصبًا كموظف حكومي خاص في إطار برنامج يهدف إلى تعزيز كفاءة الحكومة وتقليص حجمها.وكتب ماسك على منصة إكس: "مع اقتراب انتهاء فترة عملي المجدولة كموظف حكومي خاص، أود أن أشكر الرئيس ترامب على منحي الفرصة للمساهمة في تقليص الإنفاق غير الضروري".

مصرس
منذ ساعة واحدة
- مصرس
آخر قراراته فرض رسوم 50% على الاتحاد الأوروبي.. ترامب يشعل الحرب العالمية الجمركية
دخلت العلاقات التجارية عبر الأطلسي مرحلة جديدة من المواجهة بعد إعلان الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» عن خطط لفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 50% على جميع منتجات الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من أول الشهر المقبل. يأتى هذا التصعيد عقب انهيار المفاوضات بين واشنطن وبروكسل، مما يمثل تصعيدًا ملحوظًا للنزاع التجارى المستمر بين اثنين من أكبر اقتصادات العالم، ما يثير تساؤلات حول الدوافع وراء تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية، ورد الاتحاد الأوروبى، وتداعيات ذلك على الأسواق العالمية، والمسارات المحتملة للعلاقات التجارية المستقبلية.■ الرسوم الجمركية لترامب قد تعرقل سلاسل التوريد◄ بروكسل تستعد بتدابير انتقامية ضد الصادرات الأمريكيةينبثق قرار الرئيس ترامب باقتراح فرض رسوم جمركية بنسبة50% على سلع الاتحاد الأوروبي من إحباط عميق مما وصفه بممارسات الاتحاد الأوروبي التجارية «غير العادلة» وتعثر المفاوضات. مستشهدًا بعجز تجارى سنوى أمريكى قدره 250 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبى، يتهم ترامب الاتحاد الأوروبي بنشر «حواجز تجارية هائلة، وضرائب على القيمة المضافة، وعقبات تجارية غير نقدية، وتلاعب بالعملة، ودعاوى قضائية ظالمة ضد الشركات الأمريكية»، وفقًا لموقع «ذى هيل».ويصف الاتحاد الأوروبى بأنه مصمم هيكليًا «بشكل رئيسى لاستغلال الولايات المتحدة تجاريًا.» أدى فشل هذه المحادثات فى التوصل إلى تنازلات ذات معنى إلى العودة إلى موقف متشدد، حيث تُمثل الرسوم الجمركية بنسبة تصعيدًا حادًا يهدف إلى الضغط على الاتحاد الأوروبى لتقديم شروط تجارية أكثر ملاءمة.اتسم رد فعل الاتحاد الأوروبي بالمقاومة الحازمة، إلى جانب دعوات إلى «الاحترام» والحوار. وأكد مفوض التجارة الأوروبى، «ماروس سيفكوفيتش»، استعداد الاتحاد للدفاع عن مصالحه، مشيرًا إلى أن بروكسل تعتبر تهديد الرسوم الجمركية تحديًا خطيرًا لنظام التجارة الدولى القائم على القواعد.◄ اقرأ أيضًا | «راسل»: صبر ترامب نفد تجاه نتنياهو.. وضغوط دولية متزايدة على إسرائيل◄ تدابير انتقاميةأعد الاتحاد الأوروبى تدابير انتقامية تستهدف ما يصل إلى 95 مليار يورو من الصادرات الأمريكية، بما فى ذلك السيارات والسلع الصناعية والمنتجات الزراعية، مُظهرًا استعداده للتصعيد إذا لزم الأمر. تعكس هذه الديناميكية القائمة على مبدأ «العين بالعين» الضرورة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبى لحماية سوقه الداخلية والحفاظ على نفوذه فى المفاوضات. تعكس هذه التحركات مخاوف المستثمرين من احتمال نشوب حرب تجارية شاملة، وتعطيل سلاسل التوريد، وزيادة التكاليف على الشركات والمستهلكين على جانبى المحيط الأطلسى. تهدد الرسوم الجمركية المقترحة بتفاقم الضغوط التضخمية من خلال رفع أسعار الواردات وتعقيد شبكات التصنيع العالمية التى تعتمد بشكل كبير على التجارة عبر الأطلسى. تواجه الشركات متعددة الجنسيات حالة من عدم اليقين بشأن قرارات الإنتاج والتوريد، مما قد يؤدى إلى تأخير الاستثمار والتوظيف، وفقًا لصحيفة economic times . علاوة على ذلك، قد يعانى الاقتصاد العالمى الأوسع نطاقًا، حيث تمثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى معًا ما يقرب من ثلث التجارة العالمية.ويهدد الصراع التجاري المطول بإبطاء النمو الاقتصادى العالمى وتقويض الثقة فى أطر التعاون الدولى.يُعدّ التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة50% ورقة مساومة بقدر ما هو إجراء عقابى. يهدف موقف ترامب العدوانى إلى إجبار الاتحاد الأوروبى على تقديم تنازلات على جبهات متعددة، بما فى ذلك، خفض أو إزالة الحواجز غير الجمركية، مثل المعايير الصحية ومعايير الصحة النباتية بالإضافة إلى إلغاء الضرائب الرقمية التى تفرضها بعض دول الاتحاد الأوروبى وزيادة مشتريات السلع الأمريكية، بما فى ذلك الغاز الطبيعى المسال ومنتجات التكنولوجيا.مع ذلك، فإن موقف الاتحاد الأوروبى الحازم واستعداده للرد يوحى بأن أى تنازلات ستكون صعبة المنال ومحدودة. إن خطر التصعيد إلى حرب تجارية مدمرة كبير، حيث يوازن كلا الجانبين الضرر الاقتصادى بالمصالح السياسية والاستراتيجية. يشكل اقتراب الموعد النهائى فى الأول من يونيو ضغطًا على المفاوضين، ولكنه يضيق أيضًا آفاق التسوية.◄ تدابير حمائيةوقد يؤدي الفشل فى التوصل إلى اتفاق إلى ترسيخ الرسوم الجمركية، وتعطيل الأسواق، وتفكيك التحالف عبر الأطلسى، فى وقتٍ تتطلّب فيه التحديات الجيوسياسية التعاون. تبرز هذه الحادثة هشاشة نظام التجارة العالمى الحالى. ويعكس تراجع دور منظمة التجارة العالمية وتصاعد الرسوم الجمركية الأحادية تراجعًا عن التعددية نحو دبلوماسية قائمة على الصفقات والقوة.وقد يشجع النزاع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى دولًا أخرى على اعتماد تدابير حمائية مماثلة، مما يؤجج دوامة من الصراعات التجارية التى تهدد النظام الاقتصادى الليبرالى لما بعد الحرب العالمية الثانية. كما يُثير تساؤلات حول مستقبل سلاسل التوريد العالمية، وتدفقات الاستثمار، والقواعد التى تنظم التجارة الدولية.وتمثل توصية الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة50% على واردات الاتحاد الأوروبى تصعيدًا حادًا فى التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، مدفوعة بالإحباط من تعثر المفاوضات. وقد مهد رد الاتحاد الأوروبى الحازم واستعداده للرد الطريق لمواجهة تجارية قد تكون مدمرة ذات عواقب اقتصادية واسعة النطاق.