
"حان الوقت لحماية أمريكا من رئيسها"
تتناول جولة الصحافة لهذا اليوم ثلاثة مقالات تناقش قضايا أمريكية ودولية، من بينها تراجع سيادة القانون في الداخل، واستهداف ناشطين طلابيين بسبب مواقفهم السياسية، إضافة إلى قراءة في تحولات الدور الأمريكي العالمي وصعود قوى آسيوية بديلة.
نبدأ من صحيفة نيويورك تايمز، ومقال للكاتب نيكولاس كريستوف، يرى فيه أن الولايات المتحدة تواجه اليوم اختباراً وطنياً جديداً لا يقل خطورة عن محطات مفصلية مرّت بها سابقاً، مثل الحرب الأهلية، والكساد الكبير وغيرهما، لكنه يؤكد أن هذا التحدي لا يأتي من الخارج، بل من داخل البيت الأبيض نفسه، حيث يتصرف الرئيس دونالد ترامب بطريقة تهدد الدستور والمؤسسات والمجتمع المدني.
كريستوف، الذي قضى سنوات من عمله الصحفي في تغطية الأنظمة الاستبدادية حول العالم، يرى أن ما يشهده في بلاده بات مألوفاً لديه، ويستشهد بلقاء ترامب مع رئيس السلفادور ناييب بوكيلي في البيت الأبيض، واصفاً إياه بـ"المشهد الدافئ بين رجلين يتقاسمان تجاهل حقوق الإنسان"، كما عبّر عن ذلك عنوان نشرته مجلة "رولينغ ستون".
ويضيف أن الطرفين ناقشا - بلا اكتراث - حالة كيلمير أرماندو أبريغو غارسيا، وهو أب لثلاثة أطفال ومتزوج من أمريكية، ورغم صدور قرار قضائي عام 2019 يمنع ترحيله، قامت إدارة ترامب بإبعاده إلى السلفادور، في ما وُصف لاحقاً بـ"الخطأ الإداري"، واليوم، يُحتجز أبريغو غارسيا في سجن قاسٍ، رغم أنه لا يملك أي سجل جنائي، خلافاً لترامب نفسه، كما يشير كريستوف.
وفي تعليقه على القضية، ينقل الكاتب عن قضاة استئناف تحذيرهم من أن موقف الإدارة يمثل "مساراً للفوضى القانونية"، وقد يؤدي إلى وضع تستطيع فيه الحكومة ترحيل أي شخص إلى السجن دون محاكمة.
ويُظهر كريستوف مفارقة لافتة حين يشير إلى أن ترامب يتباهى كثيراً بإطلاق سراح رهائن أمريكيين من سجون أجنبية، لكنه يعجز عن إعادة رجل رحّلته إدارته بشكل غير قانوني، ويضيف أن واشنطن تموّل، في الواقع، سجوناً في السلفادور يُحتجز فيها مبعدون مثل غارسيا.
ويستند الكاتب إلى تحقيق أجرته نيويورك تايمز كشف أن معظم المُرحَّلين إلى السلفادور لم يرتكبوا أي جرائم، ولم يثبت وجود صلات لهم بالعصابات، بل استندت قرارات الترحيل إلى مؤشرات سطحية مثل الوشوم، وسوء تفسيرها.
ويشير كريستوف إلى أن ما يراه في أمريكا اليوم يذكّره بأنظمة استبدادية عرفها عن قرب، من الصين إلى روسيا، ومن فنزويلا إلى كوريا الشمالية، فهناك، كما يوضح، يُسحَق التفكير الحر، وتُحاصَر الجامعات، ويُجبَر المثقفون على ترديد خطاب السلطة.
وفي مقارنة مباشرة، يوضح الكاتب أن الصين، رغم قمعها للجامعات، تحرص على حماية البحث العلمي، بينما إدارة ترامب، في سعيها للانتقام، تدمّر ذلك الجانب أيضاً. ويستشهد بقرار الإدارة تجميد تمويل قيمته 2.2 مليار دولار مخصص لمشاريع علمية في جامعة هارفارد، بعضها يعالج أمراضاً خطيرة مثل السرطان والسكري وأمراض القلب.
ويحذّر الكاتب من أنّ تعطُّش ترامب للسلطة والانتقام قد يُقاس مستقبلاً بعدد الأرواح التي ستُفقد بسبب تعطيل البحث العلمي.
ويختم كريستوف مقاله بالقول إن ما يجري في الولايات المتحدة اليوم ليس فقط استبداداً سياسياً، بل تخريب لمشروع وطني بأكمله، ولهذا - كما يقول - "فإن هذا الظرف هو اختبار لقدرتنا على الدفاع عن عظمة أمريكا... من رئيسها".
"إذا لم تكن أمريكياً فلن تكون حقوقك محمية"
إلى الكاتب شادي حامد الذي كتب مقالاً في واشنطن بوست حول استهداف ترامب للناشطين الطلابيين، إذ يقول حامد إن ما يجعل دونالد ترامب رئيساً استثنائياً، ليس أيديولوجيته، التي يفتقر إليها أساساً، بل افتخاره بتعامله البراغماتي مع السياسة، ويتأرجح - أحياناً بشكل كبير - بين المواقف حسب مزاجه ومصالحه.
ويذكّر حامد بأن ترامب كان ديمقراطياً في السابق، وأنه خلال حملة 2024 تبنّى موقفاً أكثر تساهلاً بشأن الإجهاض، وهاجم الجمهوريين الآخرين بسبب مواقفهم المتشددة، كما أنه رغم لهجته المتشددة حيال إيران لسنوات، أصبح اليوم يسعى إلى مفاوضات مباشرة مع قادة النظام الإيراني لعقد اتفاق نووي.
لكن، وعلى الرغم من التقلّب الذي يميز مواقفه، فإن لترامب، وفق الكاتب، تمسكاً ثابتاً بقضيتين: الهجرة (خاصة الترحيل من دون إجراءات قانونية) والتجارة (وتحديداً الرسوم الجمركية)، وهاتان، كما يرى الكاتب، من أسوأ القضايا التي يمكن التشبث بها أيديولوجياً، لما تسببه من أضرار للاقتصاد الأمريكي وسمعته.
ويشير حامد إلى أنه في مقال سابق له في واشنطن بوست، اعتبر أن اعتقال محمود خليل، المقيم الدائم قانونياً، بسبب تعبيره عن مواقف مؤيدة للفلسطينيين، شكّل نقطة تحوّل تؤكد أن الولاية الثانية لترامب ستكون أسوأ مما كان يُتوقع، كما يعرض الكاتب حالة روميساء أوزتورك، الطالبة الدولية في جامعة تافتس، التي اعتقلتها عناصر مقنّعة أمام منزلها بزعم دعمها لحركة حماس.
ويبين بأن "الدليل" الوحيد الذي استُند إليه كان مقالاً مشتركاً في صحيفة طلابية ينتقد الحرب الإسرائيلية على غزة، ويعلّق بأن هذا يشير إلى أن إدارة ترامب تعتبر أي انتقاد لإسرائيل دعماً للإرهاب، وفق الكاتب.
وفي تطور آخر، يذكر حامد أن محسن مهداوي، الحاصل على الإقامة الدائمة منذ 10 سنوات، توجّه إلى مقابلة التجنيس، ليجد نفسه معتقلاً من قبل سلطات الهجرة، كان مهداوي طالباً في جامعة كولومبيا، وناشطاً في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين.
ويشير الكاتب إلى أن مهداوي عبّر عن مواقف معتدلة، حيث قال في مقابلة مع برنامج (60 دقيقة): "النضال من أجل حرية فلسطين ومناهضة معاداة السامية مترابطان، لأن الظلم في أي مكان يشكل تهديداً للعدالة في كل مكان".
ويشير الكاتب إلى أن القاسم المشترك بين خليل وأوزتورك ومهداوي هو أنهم مارسوا حقهم الدستوري في حرية التعبير والتجمع، وهي من القيم التي تميز المجتمع الأمريكي. ولم تتهمهم الإدارة بارتكاب جرائم فعلية.
ويقول حامد إن الالتزام بالقانون واحترام الدولة لم يعد كافياً، إذا لم تكن مواطناً، فلن تتمتع بحقوق محمية، ويمكن أن تقرر الحكومة اعتقالك فقط بسبب رأيك السياسي.
ويشير إلى أن الأمر لا يقتصر على ما يحدث الآن، بل ينذر بما هو أخطر.
"الولايات المتحدة تساهم في انهيار النظام الليبرالي الدولي"
إلى صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، ومقال للكاتبة كريستين لوه، تناقش فيه مسألة النظام الدولي، والتحوّلات جراء سياسة إدارة الرئيس الأمريكي ترامب.
وترى كريستين لوه أن النظام العالمي الذي كان يوماً ما يعد بحرية التجارة، وانفتاح الحدود، والرخاء المشترك، قد بدأ بالتصدع، فالترتيب الليبرالي الدولي، الذي أُسّس بعد الحرب العالمية الثانية وتضاعف زخمه بعد الحرب الباردة، يشهد اليوم حالة من الانحلال، وفق الكاتبة.
وتضيف أن ما يساهم في هذا الانهيار، هو الدولة نفسها التي أنشأته: الولايات المتحدة.
وتشير إلى أن إدارة ترامب بنسختها الثانية تتراجع بوضوح عن دعم الأسواق المفتوحة والقيم الليبرالية، وتوضح لوه أن هناك توافقاً حزبياً في واشنطن على أن العولمة، بصيغتها السابقة، لم تعد تخدم المصالح الأمريكية.
وتوضح أن الولايات المتحدة لم تعد تروّج لفكرة عالم ليبرالي بلا حدود، بل تروّج اليوم لمفاهيم الأمن، والسياسة الصناعية، ومبدأ "صُنع في أمريكا"، من أجل استعادة العظمة الوطنية.
ولفهم هذا التحول، تستدعي الكاتبة ما يعرف بـ"معضلة رودريك الثلاثية" التي صاغها الاقتصادي داني رودريك من جامعة هارفارد، والتي تنص على أن الدول لا يمكن أن تحافظ في الوقت نفسه على السيادة الوطنية الكاملة، والعولمة الاقتصادية العميقة، والديمقراطية السياسية؛ إذ يمكن الجمع بين اثنتين فقط منها.
وتقول لوه إن الولايات المتحدة، في مواجهة اتساع الفجوة الاقتصادية، وتراجع قطاع التصنيع، وتزايد التململ الشعبي، اختارت الديمقراطية الشعبوية والسيادة الوطنية على حساب العولمة. وبوصفها الدولة التي كانت في طليعة دعاة الأسواق المفتوحة، تعيد واشنطن اليوم صياغة القواعد لحماية صناعاتها، بينما تتراجع لغة "الأسواق الحرة" لصالح مفاهيم "المنافسة الاستراتيجية"، خاصة في مواجهة الصين التي أصبحت قوة صناعية رئيسية.
وتضيف أنه، بينما تنسحب الولايات المتحدة، تتقدم قوى أخرى وفقاً لأولوياتها الخاصة، وتلفت إلى أن مجموعة "بريكس"، التي كانت تُعتبر سابقاً تكتلاً فضفاضاً يضم البرازيل وروسيا والهند والصين، باتت تطمح اليوم إلى دور أكبر.
وتوضح أن المجموعة، مع انضمام أعضاء جدد، بدأت في بناء مؤسسات بديلة تتجاوز الهيمنة الغربية، مثل التجارة بالعملات المحلية، وبنك التنمية، ومبادرات الدفع عبر الحدود، ما يشكّل تحدياً مباشراً لهيمنة الدولار الأمريكي والمؤسسات التي تقوم عليها.
وتشير إلى أن رودريك كان قد حذّر من قدوم هذه اللحظة، موضحة أن معضلته لم تكن مسألة أيديولوجية، بل تتعلق بقيود هيكلية، فالنظام الليبرالي الدولي لم يكن ممكناً إلا عندما كانت العولمة تحقق مستويات معيشية متصاعدة لعدد كافٍ من الناس بهدف تأمين القبول الشعبي. وعندما تراجع هذا العقد، أصبح رد الفعل أمراً متوقعاً.
وما يميز المرحلة الحالية، كما تقول لوه، هو تعدد القوى التي تسعى إلى صياغة رؤاها الخاصة للاقتصاد العالمي، وفي حين تحاول الولايات المتحدة إعادة بناء صناعاتها المحلية، تسعى الصين إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال استراتيجيتها "الدورة المزدوجة"، وتردّ بالرسوم الجمركية.
أما مجموعة بريكس، فتعمل على بناء نظام تجاري ومالي ما بعد غربي، والنتيجة، كما تقول، هي عالم قائم على قواعد متنافسة وتكامل اقتصادي مجزَّأ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ ساعة واحدة
- شفق نيوز
أكبر عملية تبادل للأسرى بين أوكرانيا وروسيا منذ غزو 2022
سلمت كل روسيا وأوكرانيا 390 جندياً ومدنياً في أكبر عملية تبادل للأسرى منذ بدء الغزو الروسي الشامل في عام 2022. أعاد الطرفان 270 جندياً و120 مدنياً من الحدود الأوكرانية مع بيلاروسيا، في إطار الاتفاق الوحيد الذي جرى التوصل إليه خلال محادثات مباشرة في إسطنبول قبل أسبوع. وقد اتفق الجانبان على تبادل ألف سجين، وأكدا إجراء المزيد من عمليات التبادل في الأيام المقبلة. ولم تشمل أي عملية تسليم أخرى هذا العدد من المدنيين، على الرغم من إجراء عشرات عمليات التبادل على نطاق أصغر. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الأسرى المفرج عنهم بينهم عسكريون ومدنيون، منهم الذين أسرتهم القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الحدودية الروسية خلال هجوم كييف في الأشهر الأخيرة. وتحدثت الوزارة عن وجودهم حالياً على الأراضي البيلاروسية، ومن المقرر نقلهم إلى روسيا للخضوع لفحوصات طبية وتلقي العلاج. وعلى منصات التواصل الاجتماعي، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "نعيد مواطنينا إلى ديارهم"، مضيفاً أن السلطات الأوكرانية تتحقق "من كل اسم عائلة، والتفاصيل المتعلقة بكل فرد". وأفاد مقر تنسيق أسرى الحرب الأوكراني بأن الجنود الأوكرانيين الـ270، قاتلوا في مناطق شرق وشمال البلاد، من كييف وتشرنيغوف وسومي إلى دونيتسك وخاركيف وخيرسون. وأفاد مسؤولون بوجود ثلاث سيدات بين الأسرى المطلق سراحهم يوم الجمعة، وبأن بعض الجنود كانوا محتجزين منذ عام 2022. BBC ونشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهنئته على منصة "تروث سوشيال" التابعة له، وتحدث عن اكتمال عملية التبادل متسائلاً: "هل هذا قد يُفضي إلى أمرٍ كبير؟؟؟". وتجمعت عائلات الجنود الأوكرانيين المحتجزين لدى روسيا في شمال أوكرانيا، يوم الجمعة، على أمل أن يكون أبناؤهم وأزواجهم من بين المفرج عنهم. وصرحت ناتاليا، التي أُسر ابنها يليزار خلال معركة مدينة سيفيرودونيتسك قبل ثلاث سنوات، لبي بي سي بأنها تعتقد أنه سيعود، لكنها لا تعرف متى. BBC وقالت (أولها) إن حياتها توقفت منذ أسر ابنها فاليري مع خمسة جنود آخرين في الشرق، لأنها لا تعرف إن كانوا على قيد الحياة، موضحة: "لقد أُسروا قبل شهرين في لوغانسك. اختفوا في إحدى القرى". واتُفق على تبادل الأسرى في تركيا قبل أسبوع، عندما التقى وفدان من أوكرانيا وروسيا على مستوى منخفض التمثيل وجهاً لوجه لأول مرة منذ مارس/آذار 2022، على الرغم من أن الاجتماع لم يستمر سوى ساعتين، ولم يُحرز أي تقدم نحو وقف إطلاق النار. وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة، بوجود جولة ثانية من المحادثات، وبأن موسكو ستسلم "مذكرة" إلى الجانب الأوكراني. وقال ترامب في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن روسيا وأوكرانيا ستبدآن "فوراً" التفاوض من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، بعد مكالمة هاتفية استمرت ساعتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومنذ ذلك الحين، اتهم زيلينسكي بوتين بـ"محاولة كسب الوقت" لمواصلة الحرب. وأيدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اقتراح ترامب بأن يتوسط الفاتيكان في محادثات للتفاوض على وقف إطلاق النار، لكن لافروف قال إن هذا "خيار غير واقعي". وكرر وزير الخارجية الروسي ادعاءً لا أساس له، بأن زيلينسكي ليس زعيماً شرعياً، مقترحاً إجراء انتخابات جديدة قبل توقيع أي اتفاق سلام مستقبلي محتمل. وعندما سُئل لافروف عن مدى استعداد روسيا لتوقيع اتفاق، أجاب: "أولاً، نحتاج إلى اتفاق. وعندما يُتفق عليه سنقرر. ولكن، وكما قال الرئيس بوتين مراراً، لا يتمتع الرئيس زيلينسكي بالشرعية". وقال: "بعد إتمام الاتفاق، ستعرف روسيا مَن مِن بين أصحاب السلطة في أوكرانيا يتمتع بالشرعية". وأضاف: "المهمة الرئيسية الآن هي إعداد اتفاق سلام موثوق به، يوفر سلاماً طويل الأمد مستقراً وعادلاً، دون أن يُشكل تهديداً أمنياً لأحد. وفي حالتنا، نحن قلقون بشأن روسيا".


موقع كتابات
منذ 7 ساعات
- موقع كتابات
ظاهرة ارتفاع أسعار بورصة بطاقة الناخب في الانتخابات البرلمانية العراقية؟
على الجميع اليوم تحمل مسؤولية وطنية وأخلاقية في فضح ممارسات الأحزاب السياسية والتي تستغل الإسلام والطائفة والمذهب كغطاء لتحقيق مآربها الانتخابية. هذه الأحزاب وكما فعلت في السابق , تُعدّ الآن خططًا مدروسة لتوظيف المال السياسي وموارد الدولة للترويج لمرشحيها وقوائمها الانتخابية، في محاولة لتكريس الفساد وخداع الناخبين. لذا هناك واجب أخلاقي ووطني على الجميع ، بكل شفافية ونزاهة وكفاءة ، بكشف نقاط الفساد ووضعها أمام الرأي العام لفضح هذه الممارسات المخيبة للآمال. والأهم من ذلك، توعية الناخب بأهمية اختيار صوته الانتخابي بعناية لمن يستحق، ولدعم المرشحين الذين يمتلكون القدرة والنزاهة والكفاءة لتحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم. وكذلك التنبيه بانه ينبغي على الناخب، حتى في ظل الحاجة الماسة والملحة للمال، أن يرفض بيع بطاقته الانتخابية، لأن هذا الفعل ليس فقط غير قانوني، بل هو انتهاك صارخ للأخلاق والمسؤولية الوطنية وحتى عقيدته الدينية. وفي مشهد يثير الغثيان ويدمي القلب، تتكشف لنا في العراق ظاهرة بيع بطاقات الناخب، تلك الجريمة الأخلاقية التي تنسف أسس الديمقراطية وتحول إرادة الشعب إلى سلعة رخيصة تُباع وتُشترى في سوق سوداء للأصوات. مؤخرا ومن خلال البرامج الحوارية في مختلف الفضائيات العراقية الاخبارية التي تتناول في برامجها الحوارية الانتخابات البرلمانية القادمة يؤكد معظمهم بأن أسعار بطاقات الناخب وصلت إلى 150 دولارًا ومع توقعات بارتفاعها إلى 500 دولار خلال الأسابيع القادمة والتي قد تبلغ ذروة اسعارها وقبل أيام من موعد الانتخابات البرلمانية المقررة 11 نوفمبر 2025، الى مبالغ خيالية تفوق أسعار شرائها في الانتخابات السابقة وحتى قد تتجاوزها , أنها ليست مجرد أرقام ، بل هي وصمة فساد صارخة على جبين النظام الانتخابي والسياسي العراقي، ودليل ساطع لا لبس فيه على ما وصل إليه انحطاط القيم والمثل وتفشي الفساد المالي الانتخابي. إن هذه الظاهرة المدانة ليست مجرد فعل غير قانوني، بل هي خيانة لكل مواطن عراقي يحلم بمستقبل أفضل. بيع بطاقة الناخب ليس سوى صفقة شيطانية يقايض فيها المواطن صوته، الذي هو أمانة ومسؤولية، ليُسلم مصيره ومصير بلده إلى تجار السياسة. هؤلاء الذين يشترون الأصوات ليسوا سوى مافيا احزاب منظمة تستغل عوز و فقر الناس وحاجتهم، لتضمن مقاعد برلمانية تمنحهم حصانة تحولهم إلى أباطرة الفساد، ينهبون ثروات العراق تحت غطاء القانون والحصانة البرلمانية التي تمنح لهم . نواب البرلمان الذين يفترض أن يكونوا ممثلي الشعب وصوت المظلومين، يتحولون إلى تجار أصوات يدفعون مئات الدولارات لشراء كراسيهم. هؤلاء ليس هدفهم خدمة المواطن، بل الإثراء غير المشروع، مستغلين الحصانة البرلمانية كدرع يحميهم من المساءلة. أي ديمقراطية هذه التي تبنى على صفقات مشبوهة؟ وأي شرعية لبرلمان يتشكل من نواب اشتروا مقاعدهم بدماء آمال الشعب وفقره؟ إن هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد لوثت انتخابات سابقة كما في 2014 و 2018، حيث تراوحت أسعار بطاقات الناخب بين 150 ووصلت في ذروتها الى 1500 دولار . حتى المرجعية الدينية، ممثلة بالسيد علي السيستاني، اضطرت في حينها لإصدار فتوى دينية ملزمة تحرم هذه الممارسة عام 2014 ، لكن يبدو أن ضمائر البعض قد ماتت، وأن جشعهم للسلطة والمال قد تجاوز كل الحدود الأخلاقية والدينية ونرى تصعيدًا في هذا العبث السياسي، حيث يتحول المواطن الناخب إلى سلعة في مزاد علني، والبرلمان إلى سوق لتجارة الحصانات من المسائلة القانونية لهم . إن هذا الفساد الانتخابي يهدد أسس الديمقراطية ويرسخ انعدام الثقة بالنظام السياسي. فكيف يمكن لمواطن أن يثق ببرلمان يتشكل من نواب اشتروا مقاعدهم؟ وكيف يمكن لنائب دفع مئات من الدولارات لكل صوت أن يخدم الشعب بصدق، بينما هو مدين لجيوبه الخاصة ولمن سانده في هذا المزاد ؟ إن هؤلاء النواب لن يكونوا سوى أدوات لتكريس نفوذ الفساد، يستغلون مناصبهم لتعويض ما أنفقوا ولجمع المزيد من الثروات غير المشروعة، بينما يعاني المواطن العراقي من الفقر وانعدام الخدمات. والأشد إيلامًا هو صمت الجهات المسؤولة وتخاذلها عن مواجهة هذه الظاهرة. أين المفوضية العليا المستقلة للانتخابات؟ أين القضاء؟ أين الإجراءات الحازمة لمحاسبة من يشترون الأصوات ومن يبيعونها؟ إن غياب المحاسبة يشجع على استمرار هذا العبث، ويجعل من الانتخابات مسرحية هزلية لا تعبر عن إرادة الشعب، بل عن جشع قلة من المتنفذين. إن هذه الظاهرة ليست مجرد انتهاك قانوني، بل هي طعنة في قلب الديمقراطية العراقية. إنها خيانة لتضحيات ملايين العراقيين الذين يحلمون بوطن يحترم إرادتهم. إن بيع بطاقة الناخب هو بيع للضمير، وبيع لمستقبل الأجيال، وبيع للأمل في عراق أفضل. وعلى المواطن العراقي أن يدرك أن صوته ليس سلعة، بل سلاح للتغيير. وعلى الأحزاب والمسؤولين أن يتحملوا مسؤوليتهم الأخلاقية والقانونية لوقف هذا العبث، وإلا فإن البرلمان القادم لن يكون سوى نادٍ لتجار الحصانة، يعبثون بمصير العراق وثرواته. هذه الممارسة تشكل تهديدًا حقيقيا لنزاهة العملية الانتخابية، حيث تعكس بصورة واضحة طرق احتيالية وعمليات نصب واسعة النطاق باستخدام المال السياسي للتأثير على النتائج، مما يعزز انعدام الثقة بالنظام السياسي، خاصة مع نسبة المشاركة المنخفضة (41% في انتخابات 2021) والتي كانت بمشاركة فعالة ومؤثرة من قبل التيار الصدري في حينها والذي حصل على 73 مقعدآ , ولكن اليوم ومع الانسحاب التيار الوطني الشيعي الصدري من هذه الانتخابات القادمة فما هو المتوقع من نسبة المشاركة الحقيقية والتي يتوقع ألا تصل بأحسن الأحوال الى 30 % او حتى اقل. لذا فإن ظاهرة بيع بطاقات الناخب هي وصمة فساد واضح وصريح ستبقى و تطبع على جبين العملية السياسية في العراق. إنها ليست مجرد جريمة، بل هي انتحار للديمقراطية وخيانة للشعب. فلنقل لا لهذا الفساد، ولنحافظ على صوتنا كأمانة ومسؤولية، لا كسلعة تُباع في سوق النخاسة السياسية. إن العراق يستحق برلمانًا يمثل إرادة شعبه، لا جشع احزاب الاسلام السياسي وتجارة مرشحيهم .


شفق نيوز
منذ 8 ساعات
- شفق نيوز
بأوامر تنفيذية.. ترامب يسرّع من وتيرة الإنتاج النووي الأمريكي
شفق نيوز/ وقع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يوم الجمعة، عدة أوامر تنفيذية بهدف تعزيز إنتاج الطاقة النووية في الولايات المتحدة. وأمر ترامب اللجنة التنظيمية النووية المستقلة في البلاد، بتقليص اللوائح التنظيمية، وتسريع إصدار التراخيص الجديدة للمفاعلات ومحطات الطاقة، سعيا لتقليص الفترة الزمنية لعملية تستغرق عدة سنوات إلى 18 شهراً. جاء ذلك ضمن مجموعة أوامر تنفيذية وقعها ترامب، الجمعة، لدعم إنتاج الطاقة النووية وسط طفرة في الطلب من مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي. ووقع الرئيس الأمريكي، 4 أوامر تنفيذية تهدف، بحسب مستشاره، إلى إطلاق "نهضة" في الطاقة النووية المدنية في الولايات المتحدة، مع طموح بزيادة إنتاجها أربع مرات خلال السنوات الـ25 المقبلة. ويريد الرئيس الأمريكي الذي وعد بإجراءات "سريعة للغاية وآمنة للغاية"، ألا تتجاوز مدة دراسة طلب بناء مفاعل نووي جديد 18 شهرا، ويعتزم إصلاح هيئة التنظيم النووي، مع تعزيز استخراج اليورانيوم وتخصيبه. وصرح ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي: "الآن هو وقت الطاقة النووية"، فيما قال وزير الداخلية دوغ بورغوم، إن التحدي هو "إنتاج ما يكفي من الكهرباء للفوز في مبارزة الذكاء الاصطناعي مع الصين". ونقلت وكالة فرانس برس عن مسؤول كبير في البيت الأبيض: "نريد أن نكون قادرين على اختبار ونشر المفاعلات النووية" بحلول كانون الثاني/يناير 2029. وتظل الولايات المتحدة أول قوة نووية مدنية في العالم، إذ تمتلك 94 مفاعلا نوويا عاملا، ومتوسط أعمار هذه المفاعلات ازداد حتى بلغ 42 عاما. ويمكن أن يستغرق إصدار تراخيص المفاعلات في الولايات المتحدة أكثر من 10 سنوات في بعض الأحيان، وهي عملية تهدف إلى إعطاء الأولوية للسلامة النووية، لكنها لا تشجع المشاريع الجديدة. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير في البيت الأبيض، قوله إن التحركات تشمل إصلاحات جذرية للجنة التنظيمية النووية تتضمن النظر في مستويات التوظيف، وتوجيه وزارتي الطاقة والدفاع للعمل معا لبناء محطات نووية على الأراضي الاتحادية. وأضاف المسؤول، أن الأوامر تسعى أيضا إلى تنشيط إنتاج اليورانيوم وتخصيبه في الولايات المتحدة. وبعد توليه الرئاسة في كانون الثاني/يناير، أعلن ترامب حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة، قائلا إن الولايات المتحدة لديها إمدادات غير كافية من الكهرباء لتلبية احتياجات البلاد المتزايدة، خاصة لمراكز البيانات التي تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي.