logo
الصراع المقبل على سوريا

الصراع المقبل على سوريا

Independent عربية٠٩-٠٥-٢٠٢٥

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أطاح تحالف من فصائل متمردة بقيادة جماعة "هيئة تحرير الشام"، بصورة غير متوقعة، الديكتاتور بشار الأسد الذي حكمت عائلته سوريا على امتداد خمسة عقود. وورث النظام الجديد في دمشق بلداً دمرته حرب أهلية دامت 13 عاماً. وتولى أحمد الشرع، وهو زعيم الجماعة، زمام الأمور في سوريا، وتأمل القوى الأجنبية أن تنجح في توجيه سياساته. واستغلت دولتان جارتان للبلاد، هما إسرائيل وتركيا، فراغ السلطة فيها من أجل ترسيخ وجودهما هناك، وبدأتا بالفعل في التصادم معاً.
وبرزت تركيا كقوة عسكرية مهيمنة في سوريا. فمنذ عام 2019، سيطرت جماعة "هيئة تحرير الشام" على إدلب شمال غربي سوريا، وساعدتها أنقرة بصورة غير مباشرة على امتداد أعوام، من خلال إقامة منطقة عازلة شمال سوريا وفرت الحماية للجماعة من قوات الأسد. والآن تريد تركيا تحقيق مزيد من النفوذ في البلاد حتى تتمكن من سحق أمل الأكراد [السوريين] في نيل الحكم الذاتي، وهو حلم ازدهر في سياق الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية، والقيام بالترتيبات اللازمة من أجل عودة 3 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا.
ومع ذلك، فإن إسرائيل هي الأخرى تريد الحصول على مزيد من النفوذ في سوريا أيضاً. وعلى رغم توقيعها اتفاق فك الارتباط بوساطة أميركية مع سوريا عام 1974 في أعقاب حرب يوم الغفران (تشرين)، فإن الأسد تحالف بصورة وثيقة خلال العقود الأخيرة مع إيران، الخصم الرئيس لإسرائيل. وشكلت سوريا في عهده ممراً حيوياً تدفقت عبره الصواريخ الإيرانية وغيرها من الأسلحة إلى "حزب الله" اللبناني، مما أدى إلى تفاقم التوترات مع إسرائيل.
وباعتبار أن هذا العداء المستفحل موجود منذ عقود، نظر القادة الإسرائيليون إلى إزاحة الأسد على أنها مكسب استراتيجي لم يكن متوقعاً، وراحوا يتسابقون للاستفادة من إطاحته بإنشاء مناطق عازلة ومناطق نفوذ غير رسمية جنوب سوريا. وتشعر إسرائيل بقلق خاص من الوجود التركي في البلاد، خشية أن تشجع أنقرة سوريا على إيواء مسلحين مناهضين لإسرائيل. وحاولت تركيا نشر الإسلام السياسي، كما أن لها تاريخاً من العداء لإسرائيل. على سبيل المثال، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إطار تهنئته بعيد الفطر خلال الـ30 من مارس (آذار) الماضي "[ندعو] الله أن يدمر إسرائيل الصهيونية".
ويتزايد قلق القادة الإسرائيليين من أن طموحات تركيا في سوريا تتجاوز حدودهما المشتركة إلى داخل البلاد. وفي الثاني من أبريل (نيسان) الماضي قصفت إسرائيل عدة مواقع عسكرية سورية، بما في ذلك قاعدة التياس الجوية المعروفة باسم مطار التيفور (T4)، وذلك من أجل منع أنقرة من إقامة أنظمة دفاع جوي هناك. وتبدي إسرائيل اهتماماً بالغاً بأجواء جيرانها، إذ إنها شنت خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023، غارة جوية على إيران عبر المجال الجوي السوري.
على رغم أن مخاوف إسرائيل الأمنية مشروعة، فإنه ينبغي عليها بذل قصارى جهدها بغية تجنب وقوع مواجهة عسكرية مباشرة مع تركيا. ويجب على إسرائيل أن تضمن عدم تحول علاقتها مع أنقرة إلى ضحية لاندفاعها بهدف تعزيز موقعها العسكري في سوريا. ونظراً إلى تشتت قواتها وتراجع سمعتها الدولية، فإن آخر ما تحتاج إليه إسرائيل هو خلق عدو جديد.
المناطق العازلة والتهديدات
خلال تسعينيات القرن الماضي، وفي ظل تصاعد الآمال بالتوصل إلى سلام إسرائيلي-فلسطيني، تمتعت تل أبيب بعلاقات وثيقة مع تركيا، بيد أن صلاتهما تدهورت مع تراجع القوى العلمانية في كلتا الدولتين. وخلال عام 2010، على سبيل المثال، قتل الجيش الإسرائيلي تسعة ناشطين مدنيين وجرح 30 آخرين، توفي أحدهم خلال وقت لاحق، وذلك عندما اعترض سفينة تركية حاولت كسر الحصار البحري المضروب حول قطاع غزة، مما دفع أنقرة إلى خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب. واتهمت تركيا إسرائيل مرة تلو أخرى بارتكاب إبادة جماعية داخل غزة. وفي شهر مايو (أيار) 2024، أعلن أردوغان حظراً على التجارة مع إسرائيل على سبيل الاحتجاج على العمليات التي تقوم بها داخل القطاع. في غضون ذلك، يتهم الإسرائيليون أنقرة بالسماح لقادة حركة "حماس" الفلسطينية المسلحة، مثل نائب رئيس المكتب السياسي السابق للجماعة صالح العاروري، بالتخطيط لشن هجمات ضد إسرائيل من الأراضي التركية. ومع ذلك وعلى رغم كل خلافاتهما لا تريد تركيا ولا إسرائيل أن يعود النفوذ الإيراني إلى سوريا.
من الواضح أن تركيا هي القوة الدافعة وراء النظام السوري الجديد، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى علاقاتها الطويلة مع جماعة "هيئة تحرير الشام"، وهي ساعدت قادة سوريا الجدد في التخطيط لإعادة الإعمار. ويبدو أيضاً أن أنقرة تسعى إلى إبرام اتفاق دفاع مع سوريا من شأنها أن توسع نفوذ تركيا، المتمركز حالياً شمال البلاد، لكي يتمدد إلى بقية البلاد.
تشعر إسرائيل بقلق بالغ إزاء هذا المسار، وبرزت مدرستان فكريتان متنافستان حول كيفية إدارة العلاقات مع النظام السوري الجديد. وترى مجموعة من المسؤولين الإسرائيليين أن على بلادهم اختبار العمل مع الشرع قبل اعتباره عدواً، إلا أن مجموعة أخرى تضم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعتقد أنه من غير المرجح ظهور حكومة سورية مركزية معتدلة بقيادة إسلامية سنية، وأن على إسرائيل الاستعداد [للتعامل مع إدارة ستبدي لها] العداء، من خلال إنشاء مناطق نفوذ غير رسمية.
بعد فرار الأسد من دمشق خلال ديسمبر 2024 سيطرت إسرائيل على منطقة عازلة جنوب غربي سوريا، متاخمة للجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من مرتفعات الجولان. وقصفت إسرائيل منذ ذلك الوقت مئات المواقع العسكرية السورية التي تخشى أن تستخدمها الحكومة الجديدة. وخلال الـ11 من مارس الماضي صرح وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس بأن القوات الإسرائيلية ستبقى في سوريا "لفترة غير محددة"، لحماية التجمعات السكانية شمال إسرائيل.
مراقبة الجوار
يبدو أن الرغبة في تجنب تكرار الأخطاء التي بلغت ذروتها في هجمات السابع من أكتوبر 2023 الدموية، تمثل الدافع الجزئي على توغل إسرائيل في سوريا. ويرى القادة الإسرائيليون الآن أن المناطق العازلة أمر جوهري، ويأملون أن يسهموا بصورة فعالة في تشكيل البيئات الأمنية للدول المجاورة بدلاً من مجرد الرد على التطورات. كما أن كارثة "السابع من أكتوبر" دفعتهم إلى الحذر من العمل مع الإسلاميين من أي نوع. وتسامحت إسرائيل لأعوام عدة مع وجود زعيم "حماس" يحيى السنوار في غزة. وقد بنى لنفسه سمعة بأنه براغماتي في بعض الأحيان من خلال الابتعاد من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي جماعة إرهابية أكثر تشدداً، والسماح لعدد من سكان غزة بالعمل داخل إسرائيل. لكن في النهاية، دبر السنوار أعنف هجوم شهدته إسرائيل على الإطلاق.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبدو أن الدرس الذي استخلصه المسؤولون الإسرائيليون من تلك التجربة أنهم لا يستطيعون التسامح مع وجود أي جهاديين قرب حدودهم. وبعد اشتباك القوات السورية مع المتمردين العلويين الموالين للأسد خلال مارس الماضي، والذي أسفر عن سقوط مئات القتلى، قال كاتس إن الشرع "خلع القناع وكشف عن وجهه الحقيقي، إنه إرهابي جهادي من مدرسة 'القاعدة'". وعلى رغم أن للشرع جذوراً جهادية، إذ إن "هيئة تحرير الشام" بدأت كفرع انبثق عن "القاعدة"، فإنه نبذ التطرف بصورة علنية، مؤكداً أنه لا يسعى إلى مواجهة مع إسرائيل. إلا أن القادة الإسرائيليين الذين يتوقعون أن نظاماً معادياً سيرسخ أقدامه في دمشق، يعتقدون أن الشرع سيقول أي شيء لكي تُخفف العقوبات عن بلاده، ويخشون أن يغير موقفه بعد أن يحسن الأوضاع الاقتصادية المتردية في سوريا.
يرى القادة الإسرائيليون الآن أن المناطق العازلة أمر جوهري
ومع ذلك، فإن "السابع من أكتوبر" ليس سوى جزء من القصة، فقد قال نتنياهو أيضاً إن استراتيجيته مدفوعة برغبة في حماية الأقلية الدينية الدرزية جنوب سوريا. وخلال أواخر أبريل/مطلع مايو الجاري، قتل أكثر من 100 سوري في اشتباكات بين مقاتلين إسلاميين سنة ومسلحين دروز. وفي الثاني من مايو الجاري قصفت إسرائيل دمشق، وأعلن نتنياهو وكاتس أنهما "لن يسمحا بإرسال قوات إلى جنوب دمشق أو بأي تهديد للدروز".
يتأثر نهج إسرائيل تجاه سوريا أيضاً بالقلق بخصوص استمرار الوجود العسكري الأميركي داخل البلاد. وفي الثامن من ديسمبر 2024، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي أن "سوريا في حال فوضى" وأن [بالأحرف الكبيرة] "الولايات المتحدة لا ينبغي أن يكون لها أية علاقة بها". وفي الـ18 من أبريل الماضي، أعلنت الحكومة الأميركية نيتها خفض عدد قواتها المتمركزة شرق سوريا من نحو 2000 إلى أقل من 1000، وتخشى إسرائيل أن يسمح الانسحاب الأميركي لتركيا بأن تهيمن بصورة أكبر على شمال سوريا، وربما داخل مناطق أبعد من ذلك.
الحوار الصريح أفضل من الحرب
لكن ينبغي على إسرائيل أن تحرص على أن تتفادى تحويل تركيا أو سوريا إلى عدو، وأن تترك مجالاً للحوار. ومن حق القادة الإسرائيليين أن يتعلموا الدروس من الإخفاقات الاستراتيجية التي شهدها "السابع من أكتوبر"، غير أن عليهم أيضاً الموازنة بين الاعتبارات الأمنية من جهة واستراتيجية طويلة المدى من جهة ثانية. قد تضع إسرائيل معايير واضحة لحكومة الشرع في شأن كيفية تعاملها مع الأقليات ومعالجة قضايا كتهريب الأسلحة والتخلص من الأسلحة الكيماوية. وإذا استوفيت هذه المعايير، فيمكن لإسرائيل حينها أن تدرس دعوة الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتخفيف العقوبات على سوريا. كما قد تشجع إسرائيل الدول الأوروبية والخليج على الاستثمار هناك. وعلاوة على ذلك، يتعين على إسرائيل أن تعلن صراحة أنه لا توجد لديها أية أطماع في أراض أو مناطق داخل سوريا، وأن منطقتها العازلة ستكون موقتة ما دام أداء الحكومة الجديدة يحقق معايير معينة. إن استمرار الوجود الإسرائيلي في سوريا من شأنه أن يعزز موقف خصوم إسرائيل الذين يدعون أنها دولة محتلة.
إن علاقة إسرائيل بالحكومة السورية الجديدة لها أهمية حاسمة، إلا أن الأهم من ذلك هو علاقتها بتركيا. فكلا البلدين حليف للولايات المتحدة ويتمتع بقدرات عسكرية قوية. وكان القصف الإسرائيلي لمطار التيفور بمثابة تذكير صارخ بمدى سرعة تصاعد الأمور، ويجدر بالبلدين أن ينظرا في إمكانية وضع خطوط حمراء، ويجب عليهما كحد أدنى الاتفاق على العمل ضمن مناطق نفوذ مختلفة داخل سوريا من أجل تجنب الأعمال العدائية.
يثق ترمب بقدرته على تحسين العلاقات الإسرائيلية التركية، وأخبر نتنياهو أن لديه "علاقة جيدة جداً مع تركيا وزعيمها". يجب على ترمب أن يثني أردوغان عن نشر أنظمة دفاع جوي في سوريا. ويمكن لترمب أيضاً مساعدة إسرائيل وتركيا على إيجاد سبل لخفض التصعيد. وقد يتعاون البلدان، على سبيل المثال، في مواجهة النفوذ الإيراني وتهريب الأسلحة.
من الضروري أن تستخدم إسرائيل قنواتها الدفاعية والاستخباراتية للتواصل مع تركيا، وأن تستعمل وسائل غير مباشرة للتحدث مع السوريين. لقد عقد حتى الآن اجتماع واحد في الأقل معلن بين مسؤولين إسرائيليين وأتراك، وذلك داخل أذربيجان خلال أبريل الماضي. وينبغي على تركيا وإسرائيل البناء على هذا الحوار، ولا سيما أن كلاً منهما يؤكد عدم رغبته في حصول مواجهة عسكرية. لا بد أن يكون هدف إسرائيل هو تأكيد المخاوف الأمنية المشروعة من دون إثارة استياء أنقرة أو دمشق، وهذا التوازن مهم خصوصاً خلال فترة التقلبات الاستثنائية التي تمر بها سوريا، فالنظام الجديد لم يرسخ سيطرته على البلاد بعد، وتبدو مواقفه السياسية مرنة. وفي هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، وبعد إضعاف عدوهما المشترك إيران، يتعين على إسرائيل وتركيا السعي جاهدين من أجل صياغة نظام إقليمي جديد يعود بالفائدة المتبادلة على البلدين، ولا يفضي إلى صراعات.
ديفيد ماكوفسكي مدير مشروع كوريت للعلاقات العربية الإسرائيلية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومحاضر مساعد في دراسات الشرق الأوسط داخل كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز. شغل بين عامي 2013 و2014 منصب مستشار أول للمبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في وزارة الخارجية الأميركية.
سيموني سعيد مهر باحثة مساعدة في مشروع كوريت للعلاقات العربية الإسرائيلية داخل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
مترجم عن "فورين أفيرز"، السادس من مايو (أيار) 2025

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في حرب الرمل، ما خفي أعظم؟! (1)
في حرب الرمل، ما خفي أعظم؟! (1)

سودارس

timeمنذ 15 دقائق

  • سودارس

في حرب الرمل، ما خفي أعظم؟! (1)

الجميل الفاضل ليس حدثًا عابراً إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة بغرب كردفان. فقد ودّع الدعم السريع بالفعل، كما يقول قادته، "الفوج الخامس" إلى خطوط الرمل الأمامية. أما الآن، فلو أن نملة نابهة أخرى قالت: "يا معشر النمل، ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم ابن حمدان وجنوده"، فقد صدقت أيضاً. بمظنة أن أفواجاً بعد، حبّات رمل كردفان، في طريقها لأن تنخرط في أتون هذه الحرب. إذ إن من يدمي الرمال بذبح أطفال ونساء "الحمادي" وشبّان "الخوي"، سيدمي لا محالة قلبه بجراح لن تبرأ قريبًا. وأقول: سبحان الذي استدرج أقدام "الإخوان" إلى أودية الرمل البعيدة، ليُلبي بعد نحو خمس سنوات رغبة من قالوا: "أي كوز ندوسو دوس... ما بنخاف، ما بنخاف". إن من نادوا بهذا "الدوس" في الخرطوم يومئذ، كانوا يقولون "جيبوه"، وليس "اذهبوا به إلى حيث أرشد مغنّون آخرون حين قالوا: لو داير البل تعال لدار حمر". وبالطبع، ف"البل" على رمال الصحارى المفتوحة ليس كغيره من "البل". فعندما تتحرك الرمال تحت قدميك، يجب أن تعرف أين أنت بالضبط، وإلى أين تجرفك هذه الرمال، أو تجرّ أقدامك. ثم، قبل أن تردّد الأهازيج الحمرية ذاتها: "يا حليل الفكي الجاب ليكم العرقي"، تذكّر أن ذلك "الفكي" ربما أتى لتلاميذه ب"عرقي" الانقلاب المعتّق قبل بضع وثلاثين سنة، قبل أن يتوسّد الآن "الباردة". على أية حال، فإن هؤلاء "الكُرْدافة" ليسوا فقط أولئك الناس "القيافة"، كما كنا نظن. فانظر إلى ناظرهم عبد القادر، هذا الأسد الرابض في عرينه يأبى أن يهرب من قدر الله إلى قدر الله. اختار أن يواجه كلا الاحتمالين: احتمال الموت، أو احتمال النجاة، من مكانه. إذ إن من يُدرك طبيعة الرمل، يدع الرمل يمشي، ولا يمشي هو. وهكذا يفعل أيضاً من يُدرك أن إرادة الرمال أقوى دائماً من إرادة الأقدام التي تدبّ وتسعى عليها. بل ربما هذا ما بات يُدركه سليل بيت الإدارة الأهلية الكبير، بيت الناظر منعم منصور. فالإنسان كائن متجدّد بطبعه، لا يمكن اختزاله أو اعتقاله في لحظة هاربة من تاريخه وماضيه. والتاريخ، قربًا أو بعدًا، ليس قفصًا حديديًا يُرهن له الناس حاضرهم ومستقبلهم. إذ لكل لحظةٍ حاضرة قانونها الخاص، الذي هو أقوى وأمضى من كافة صور الماضي، ومن تصوراتنا حوله. وبالعودة للتاريخ أيضا، فقد سقط بين كثبان هذه الرمال نفسها جنرال إنجليزي كبير، سقط في متاهة زحفها؛ إنه الجنرال "هكس"، الذي ظن أن "غابة شيكان" مجرد غابة من شجر، وأن الرمل لا يتحرك تحتها، ناهيك أن يصعد فوق هامات شجرها.

من كان يخوّفنا بسوريا وليبيا... صار أضحوكة لهما!
من كان يخوّفنا بسوريا وليبيا... صار أضحوكة لهما!

سودارس

timeمنذ 15 دقائق

  • سودارس

من كان يخوّفنا بسوريا وليبيا... صار أضحوكة لهما!

وأنا أطالع منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، صادفتُ تغريدة لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، جاء فيها: (بناءً على توجيهات فخامة الرئيس أحمد الشرع، سنُرسل فريقًا خاصّاً إلى السودان للوقوف على أوضاع السوريين في ظلّ الظروف الراهنة. وسيُقدِّم الفريق الدعم اللازم، ويعمل على إجلائهم وتوفير سُبل الأمان لهم). توقفتُ أمام تغريدة الشيباني، وعادت بي الذاكرة إلى الوراء، وفتحت جُرحًا عميقًا في دواخلي، إذ استحضرتُ تلك الحقبة المشؤومة من الشراكة مع عبد الفتاح البرهان وجيشه – لا أعادها الله- تلك المرحلة التي لم يُدَّخر فيها الرجل جهدًا للانقضاض على السلطة، وتحطيم أحلام الشعب، وإعادة الكيزان إلى سدّة الحكم من جديد. لم يترك مناسبةً، رسميةً كانت أو غير رسمية، بل ولا حتى مناسبة اجتماعية عابرة: أفراحًا أو مآتمَ أو خِتانًا أو عقيقة، إلا وانبرى فيها – وهو الخائن المتآمر على الشعب وحكومته، بل وعلى بلاده أيضًا- محذّرًا، وهو الكذّاب فطرةً وخُلقًا، من مغبّة إدخال السودان في نفق سوريا أو ليبيا. وهاتان الدولتان كانتا النموذج المفضَّل لديه لتجسيد الفشل، لا يكفّ عن ترديدهما أمام كل حشد وجمع، وعند كل حوار أو لقاء، يهاتي بهما كذبًا في الصباح وفي الغلس. وقد بلغ الرجل مبلغًا بائسًا في العمالة لصالح كيزانه، والارتهان للخارج ضد مصالح بلاده وشعبه، خدمةً لدول لا يزعجها ولا يُقعدها شيء أكثر من السودان القوي. ولهذا، تستخدمه وتستخدم جيشه أداةً لحماية مصالحها على حساب وطنه، دون أدنى ذرة من حياء أو خجل – دعك من وطنية-. ولهذا السبب، ظلت تسعى ولا تزال تعمل جاهدةً لإعادة الكيزان إلى السلطة بأي حيلة من حيلها، إذ لا يوجد نظام يعمل ضد بلاده وسيادتها كما يفعل نظامهم. لم يكن الرجل يعي ما يقول، بل كان يردّد ما يُملى عليه لتخويف شعبه وترويعه. وها هي ليبيا اليوم تحتضن مئات الآلاف من السودانيين الفارين من جحيمه وجحيم كيزانه، تؤمِّن لهم الأمن والسكينة وسبل العيش الكريم، وتُخرجهم من الخوف والفقر والمسغبة والمرض. وفي المقابل، تمضي سوريا قُدمًا نحو استعادة الاستقرار، إلى الحد الذي باتت فيه تستعد لاستقبال رعاياها من الدول الفاشلة. ولا توجد دولة على هذا الكوكب أكثر فشلًا وبؤسًا من دولة الكيزان، التي يسعى البرهان إلى إقامتها من بورتسودان. هكذا صارت ليبيا وسوريا ، فأين وصل من كان يتخذهما فزّاعةً ضد شعبه؟ ذاك الذي لا يزال يركل ويتخبّط هنا وهناك كالحصان المجنون، يمضي من فشل إلى آخر، ويعيش وحيدًا، معزولًا، منبوذًا، بعد أن أشعل الحرب ضد شعبه، ودمّر بلاده، وشرّد أكثر من 12 مليونًا من شعبه إلى الخارج، ومثلهم إلى معسكرات التشرد والنزوح الداخلي – وهو رقم لم تبلغه لا سوريا ، ولا ليبيا، ولا أي دولة أخرى – ولم يفعله أي عسكري أخرق سواه في هذا العالم، بشهادة الأمم المتحدة ، التي صنّفت الأوضاع في بلادنا كإحدى أكبر الكوارث الإنسانية في العصر الحديث. ولهذا، صار الجميع يفرّون منه فرار السليم من الأجرب، حتى بعض كيزانه، مثل ذلك السفير الذي عيّنه قبل نحو أسبوعين رئيسًا لوزراء سلطته غير الشرعية، فرفض الرجل المنصب، وفضّل البقاء سفيرًا في المملكة العربية السعودية. وها هو الرجل يبدأ من جديد رحلة البحث عن بديل، من المرجّح أن تنتهي إلى كامل إدريس، ذلك الفاسد والمزوِّر المعروف، ربيب الكيزان، الباحث الدائم عن منصبٍ في أي حكومة منبوذة، والذي تتخذه الحكومات الكيزانية خرقةً تمسح بها قاذوراتها إلى حين، وهو راضٍ بهذا الدور المكرور، وكأنما خُلق من أجله. إن عبد الفتاح البرهان لا يريد دولة محترمة، ولا حكومة قوية، لأنه لا يعمل لمصلحة بلاده أو شعبه، بل لمصالح دول أخرى، نصيبه منها أن يظلّ حارسًا لمصالحها على رأس السلطة، مقدّمًا أنموذجًا باهرًا من العمالة: وهي (عمالة البوّاب)، ذاك الذي يخون جميع سكان العمارة مقابل أن تسمح له أجهزة الأمن بالعمل عند بابها .. بوّابًا عليها! إنه دور يليق برجل باع نفسه ووطنه!

أمام الملك .. أصحاب السمو الأمراء يؤدون القسم عقب صدور الأوامر الملكية بتعيينهم في مناصبهم الجديدة
أمام الملك .. أصحاب السمو الأمراء يؤدون القسم عقب صدور الأوامر الملكية بتعيينهم في مناصبهم الجديدة

موجز 24

timeمنذ 25 دقائق

  • موجز 24

أمام الملك .. أصحاب السمو الأمراء يؤدون القسم عقب صدور الأوامر الملكية بتعيينهم في مناصبهم الجديدة

تشرف بأداء القسم أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ، في قصر السلام بجدة، اليوم، أصحاب السمو الأمراء، الذين صدرت الأوامر الملكية بتعيينهم في مناصبهم الجديدة. وأدى القسم كل من صاحب السمو الأمير ناصر بن محمد بن عبدالله بن جلوي نائب أمير منطقة جازان، وصاحب السمو الأمير فهد بن سعد بن فيصل بن سعد نائب أمير منطقة القصيم، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان، قائلين: (أُقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لديني، ثم لمليكي وبلادي، وأن لا أبوحَ بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أُؤدّيَ أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص والعدل). حضر أداء القسم، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، ومعالي نائب السكرتير الخاص لخادم الحرمين الشريفين الأستاذ تميم بن عبدالعزيز السالم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store