
ترامب والدولة.. وجهاً لوجه
إذا لم يجابه دونالد ترامب، بما يكفي من الكوابح والضوابط، لا سيما على صعيد التقاليد المؤسساتية والتوازن بين السلطات، فمن المحتمل أن لا تنتهي الولاية الرئاسية، إلا وقد طال التغير السلبي بعضاً من أهم معالم استقرار الاجتماع السياسي الأمريكي داخلياً، ومثل ذلك بالنسبة لمكانة الدولة الأمريكية وعلاقاتها ومستوى الثقة في كلمتها خارجياً.
على مدار سنوات ولايته الأولى، لم يكف ترامب عن التلميح إلى أن دولته بحاجة إلى ما يشبه الانتفاض ضد الرتابة التي وسمت مطولاً أنماط تعاملها مع كثير من قضايا الداخل الحيوية. وخص بالذكر حقول الصحة والضمان الاجتماعي والتعليم العالي والبحث العلمي، والضرائب والمال والأعمال والتوظيف والزراعة ونفقات الدفاع والصناعات المدنية والعسكرية المتقدمة، وقبل ذلك وبعده شروط الإقامة والتجنس واستقبال المهاجرين واللاجئين.. وبالتوازي مع إبداء تأففه مما اعتبرها أوضاعاً داخلية بائسة، ذهب إلى أن البلاد تعاني خارجياً من ابتزاز الأصدقاء والحلفاء وجرأة الخصوم والمنافسين.. وكانت المحصلة في تقديره أن الولايات المتحدة مهددة في عظمتها، وعليها أن تستعيد هذه العظمة.. والأهم أنه أضفى على نفسه صفة المخلص الذي ساقه القدر لأداء هذه المهمة.
الانطلاق على أرضية هذه التعميمات، المستقاة من منظورات ترامب لحالة الدولة الأمريكية أثناء ولايته الأولى، وتصرفاته وما عبر عنه من انتقادات وسخريات لأداء الدولة خلال ولاية غريمه الديمقراطي بايدن، ثم وعود حملته الانتخابية للولاية الحالية، يقدم تفسيراً للإجراءات العاصفة التي اضطلع بها فور تسيّده البيت الأبيض.
السرعة القياسية التي غلفت قراراته توحي بأن ترامب دخل في سباق مع الزمن لتحقيق مراداته ورؤاه التي أضمرها وأعلنها منذ وطأت أقدامه عالم السياسة.. غير أن هذا الاستعجال بدا وكأنه جاء على حساب الجودة وحسن التعامل مع كثير قضايا تتطلب التروي ولا تفلح معها أساليب الصدمة والهرولة.
وبالنسبة لبعض هذه القضايا، ظهرت هذه النقيصة بذات السرعة التي اتخذت بها القرارات. ومن ذلك تعليق تطبيق عدد من قرارات رفع التعريفات الجمركية تجاه الواردات الدولية، والقبول بمبدأ التفاوض مع بكين وشركاء تجاريين آخرين، والاضطرار إلى الطأطأة أمام الاعتراضات الصلبة للمؤسسة القضائية، على بعض المواقف والقرارات غير الدستورية، كتلك الموصولة بطرد مقيمين أو طلاب أجانب. ولعل المثل الأبرز في سياق اكتشاف ترامب لغلوه في تقدير إمكاناته يتعلق بالتعقيدات التي حالت ولا تزال دون إنجاز وعده بتسوية مسألة أوكرانيا في يوم واحد فور تسيده البيت الأبيض.. وقال مثل ذلك عن إقرار السلم في غزة، وضم غرانادا والسيطرة على قناة بنما وتحويل كندا إلى ولاية أمريكية!
قد لا يصح التشكيك في توجه ترامب حول إنقاذ العظمة الأمريكية، بيد أنه من الصحيح والمنطقي تماماً مقاربة هذا التوجه من الناحية التطبيقية وفق الاعتقاد بأن الطريق إلى المشاكل يكون أحياناً مفروشاً بالنوايا الحسنة. القراءة المعمقة لسياسات ترامب توجب الحذر من وقوعه تحت طائلة هذا الاعتقاد.. ظاهر الكثير من هذه السياسات يدعونا لاستنتاج أن الرجل يود أن يسجل باسمه أو باسم بمرحلته وزعامته تاريخاً جديداً.. وهذا مرتقى صعب إن لم يكن مستحيلاً في دولة بهذا الحجم والمقام.. ولنا أن نلحظ كيف أن جانباً معتبراً من الإجراءات التي يظنها تمهد لعودة العظمة تتعارض كلياً في التحليل النهائي مع إنجاز هذه الغاية الحميدة.
من تجليات هذا التناقض، نزوع كثير من الأكاديميين والعلماء إلى مغادرة مواقعهم في الجامعات ومراكز البحث، جراء استشعار التضييق عليهم وتقييد حريات الرأي والبحث العلمي، واستخدام التمويل وسيلة للي الألسنة والعقول. والمدهش أن قوى أخرى تلقفت هذا المشهد بشيء من الانتهازية المشروعة، حيث أطلقت الجامعات الأوروبية والكندية مبادرات مغرية لاستقطاب هؤلاء.. وعليه فإن ترامب ينحو إلى الانتقاص من أسباب عظمة بلاده وتغذية أسباب عظمة الآخرين من حيث أراد العكس.
رب مجادل بأنه من المبكر إصدار تقييم قاطع بشأن المنافع والأضرار.. لكن هناك من الشواهد الآن ما يؤكد بأن استمرار انطلاق حبل الرجل على غاربه، وعدم تفعيل آليات الضبط وتصحيح المسار، سيفضي بعد 4 أعوام إلى ترجيح كفة الأضرار والخسائر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سكاي نيوز عربية
منذ 35 دقائق
- سكاي نيوز عربية
ترامب يواجه احتجاجات لوس أنجلوس بألفي عنصر من الحرس الوطني
وكان ترامب حذر السبت من أن الحكومة الفدرالية قد تتدخل للتعامل مع الاحتجاجات المتصاعدة، ضد المداهمات التي تنفذها سلطات الهجرة بحق المهاجرين غير النظاميين في لوس أنجلوس. وكتب ترامب على منصته "تروث سوشال": "إذا لم يتمكن حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم ورئيسة بلدية لوس أنجلوس كارين باس من أداء واجبيهما، وهو أمر يعلم الجميع عجزهما عنه، فإن الحكومة الفدرالية سوف تتدخل لحل مشكلة أعمال الشغب والنهب بالطريقة التي يجب أن تحل بها". وتستمر منذ الجمعة الاحتجاجات في لوس أنجلوس ، التي ندد بها نائب كبير موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر ووصفها بأنها "تمرد" ضد الولايات المتحدة. والسبت اشتبك أفراد أمن مع المحتجين في مواجهات متوترة بمنطقة باراماونت جنوب شرقي لوس أنجلوس، حيث شوهد أحد المحتجين يلوح بالعلم المكسيكي وغطى بعضهم أفواههم بأقنعة تنفس. وأظهر بث مباشر العشرات من أفراد الأمن بالزي الأخضر وهم يرتدون أقنعة واقية من الغازات، ويصطفون على طريق تتناثر فيه عربات تسوق مقلوبة، بينما تنفجر عبوات صغيرة في سحب الغاز. وانطلقت الجولة الأولى من الاحتجاجات مساء الجمعة، بعد أن قام عملاء وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بتنفيذ عمليات في المدينة واعتقلوا 44 شخصا على الأقل بتهمة ارتكاب انتهاكات مزعومة لقوانين الهجرة. وقالت وزارة الأمن الداخلي في بيان لها إن "ألف شخص من مثيري الشغب حاصروا مبنى اتحادي لإنفاذ القانون واعتدوا على الأفراد التابعين لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة و الجمارك ، وثقبوا إطارات السيارات وتشويه المباني والممتلكات الممولة من دافعي الضرائب". ولم تتمكن "رويترز" من التحقق من روايات وزارة الأمن الداخلي. وكتب ميلر، وهو من المتشددين في مجال الهجرة، عى منصة "إكس"، إن احتجاجات الجمعة كانت "تمردا ضد قوانين وسيادة الولايات المتحدة". وتضع الاحتجاجات مدينة لوس أنجلوس التي يديرها الديمقراطيون ، حيث تشير بيانات التعداد السكاني إلى أن جزءا كبيرا من السكان من أصول لاتينية ومولودين في الخارج، في مواجهة البيت الأبيض الجمهوري الذي يقوده ترامب، الذي جعل من اتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة سمة مميزة لولايته الثانية. وتعهد ترامب بترحيل أعداد قياسية من الأشخاص الموجودين في البلاد بشكل غير قانوني، و إغلاق الحدود الأميركية المكسيكية، إذ حدد البيت الأبيض هدفا لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك باعتقال ما لا يقل عن 3 آلاف مهاجر يوميا. لكن الحملة الشاملة على الهجرة شملت أيضا الأشخاص المقيمين بشكل قانوني في البلاد، بما في ذلك بعض الأشخاص الذين يحملون إقامة دائمة، وأدت إلى طعون قانونية. وفي بيان صدر السبت حول الاحتجاجات في باراماونت، قال مكتب مأمور مقاطعة لوس أنجلوس: "يبدو أن أفراد إنفاذ القانون الاتحاديين كانوا في المنطقة، وأن أفرادا من الجمهور كانوا يتجمعون للاحتجاج". وأظهرت لقطات تلفزيونية في وقت سابق من الجمعة، قوافل من المركبات والشاحنات الصغيرة ذات الطراز العسكري غير المرقمة والمحملة بمسؤولين اتحاديين بالزي الرسمي تتدفق في شوارع لوس أنجلوس، في إطار عملية لإنفاذ قوانين الهجرة.

سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
فضيحة البيت الأبيض.. تقرير عن "لكمات" بين ماسك ووزير الخزانة
وكان ماسك حتى وقت قريب مسؤولا عن إدارة الكفاءة الحكومية الأميركية، قبل رحيله عنها وتدهور علاقته مع ترامب. ووفقا للصحيفة، فقد "تسببت تكتيكات ماسك الوحشية، ونقص الحنكة السياسية، والخلافات الأيديولوجية مع قاعدة (اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) في تدهور علاقته بكبار مسؤولي الإدارة، وفي النهاية مع الرئيس". وقالت "واشنطن بوست": "رغم التوتر، انحاز ترامب ونائب رئيس موظفيه ستيفن ميلر ، إلى جانب ماسك". وفي 2 أبريل الماضي، عندما طرح ترامب "الرسوم الجمركية التي تهدف إلى إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي ، لجأ ماسك إلى منصة (إكس) للتعبير عن استيائه من الرسوم". وفي منتصف أبريل، أدت الخلافات حول تفضيلات ماسك و بيسنت لاختيار مفوض دائرة الإيرادات الداخلية بالإنابة، إلى تبادل اللكمات بينهما. وقالت الصحيفة: "بعد أن غادرا المكتب البيضاوي، حيث دعم ترامب اختيار بيسنت، بدأ الرجلان في تبادل الإهانات، حيث دفع ماسك كتفه في صدر بيسنت، ورد الأخير بلكمة ووصفه بأنه محتال". ووفقا لبانون، تدخل عدة أشخاص لفض الشجار ، وفي وقت لاحق علق ترامب على الحادث قائلا إن "هذا كثير جدا".


سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
وسط الخلاف مع ترامب.. ماسك يتحدث عن تأسيس حزب جديد
هناك حاجةٌ إلى إنشاء حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة... تصريح لافت من الملياردير الأميركي إيلون ماسك وسط استمرار الخلاف الحادِّ بينه وبين الرئيس دونالد ترامب.