
تضليل بلا حدود
قبل ظهور الإنترنت وانتشار وسائل التواصل عبرها وتطور الهواتف إلى «هواتف ذكية» متصلة بالإنترنت كانت هناك أيضاً حملات كذب وتلفيق وتضليل للرأي العام من خلال الدس المعلوماتي في وسائل الإعلام التقليدية. كما كانت هناك الإشاعات المغرضة التي تتضخم بتناقلها بين الناس لتحقيق هدف صرف الأنظار أو تشكيل وعي مزيف لأهداف محددة.
صحيح أن مستوى الصدق بين السياسيين والمسؤولين ربما كان أفضل قليلاً من وضعنا الحالي، لكن هناك في الخطاب الرسمي أيضاً «أنصاف الحقائق» وحتى ما تسمى الآن تجميلاً ل «الحقائق البديلة». كل ذلك كان يبلغ أوجه في أوقات الأزمات والحروب، ومن هنا جاءت المقولة الشهيرة بأن «أول ضحية في أي حرب هي الحقيقة».
هناك تصور، لا أعتقد أنه صحيح تماماً، بأن التطور التكنولوجي والوفرة المعلوماتية وسهولة نقل الأخبار والمعلومات إلى مئات الملايين في لحظة عبر الإنترنت ساعد على تفادي الكذب والتضليل وأفشل طرق «التعبئة والتحشيد» السابقة ببيانات مغلوطة. بل ربما كان العكس بالعكس، وإن كانت وسائل التواصل الحديثة أوسع انتشاراً بقدر هائل عن السابق إلا أنها أيضاً أصبحت وسيلة تزييف وتلفيق وترويج لنظريات المؤامرة.
إن نظريات المؤامرة الآن والكذب المتعمد يكتسبان قدراً كبيراً من الدقة، بحيث «تبلعهما» أغلبية الجماهير دون تفكير أو تدقيق.
يحدث في الأزمات غالباً، وأكثر في حالات الحرب، أن يكون الخطاب الرسمي غير دقيق تماماً، سواء لرفع الروح المعنوية لدى جماهير كل طرف من أطراف الصراع، أو لتقديم صورة مجافية للحقيقة لتحقيق أهداف معينة. وفي السنوات الأخيرة زادت وتيرة التلفيق في الخطاب الرسمي حتى في أوقات السلم، وكلما واجهت حكومة ما مشكلة حتى لو كانت تتعلق بأزمة مياه وصرف صحي – كما حدث في بريطانيا مؤخراً.
كان الإعلام التقليدي في السابق، الملتزم بقدر معقول من المهنية، يفند تلك التلفيقات في الخطاب الرسمي من خلال التحقيقات الصحفية الموضوعية.
وكانت القوانين تحمي الصحفيين الباحثين عن الحقيقة في الوقت الذي تعاقب فيه أي تجاوز من باب التشهير أو السب والقذف. كل ذلك كان ضمن منظومة تضمن إلى حد ما وصول الجماهير إلى المعلومات والأخبار الصحيحة وتقليل كمية التلفيق والتضليل في الإعلام.
ربما كان يتم تجاوز تلك المعايير أيضاً في حالات الحروب، لكن ذلك كان يتم أيضاً تحت سقف معين تضمن النظم والقوانين ألا يتم تجاوزه. ولعلنا نتذكر مطلع الثمانينات من القرن الماضي حين دخلت بريطانيا حرباً مع الأرجنتين حول جزر الفوكلاند كانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تستخدم في تغطيتها «العدوان البريطاني على الأرجنتين». وثارت ثائرة رئيسة الوزراء وقتها مارغريت تاتشر ولو كان بيدها لأغلقت «بي بي سي» تماماً، لكنها لم تستطع وقف التغطية المتوازنة نسبياً للمؤسسة. ولا يعني ذلك أن المؤسسة محايدة تماماً، لكنها كانت تحافظ على قدر من الموضوعية باعتبارها مؤسسة إعلامية تعمل لصالح الجمهور وليس للحكومة، وهي ميزة فقدتها الآن إلى حد بعيد.
أما الآن، فإن مواقع وتطبيقات التواصل تكتظ بقدر مهول من التزييف والكذب الذي يجعل من الصعب على أغلبية الجماهير تصفيته وتنقية الصحيح من الملفق. ليس فقط باستخدام صور وفيديوهات قديمة من مواقع أخرى والادّعاء بأنها نتيجة الحروب الحالية في المنطقة، إنما أيضاً ما تسهله برامج الكمبيوتر من تزييف الصوت بحيث تسمع الإنترنت ما لم يقله أحد.
مفهوم أن هناك «لجاناً إلكترونية» تستخدمها أطراف الصراع لترويج ما يخدم مصالحها وأهدافها بالكذب والتضليل أو على الأقل بالمبالغات وتضخيم الأمور. كما أن هناك جماعات متشددة ومتطرفة تعتمد نظريات المؤامرة وتروج لها بإتقان يخدع أغلب الناس لأهداف انتهازية مريضة أحياناً. لكن الأمر الآن تجاوز كل ذلك، وأصبح حجم الزيف والتلفيق وترويج نظريات المؤامرة يفوق بأضعاف مضاعفة أي معلومة صحيحة أو رأي متوازن.
المشكلة الأساسية أن الناس أصبحوا يميلون أكثر لنوع من «الاستسهال»، إما لأنها تريد أن ترى وتسمع ما يرضيها أو لأنها لا ترغب في بذل أي جهد للتحقق والتدقيق. بل يمكن القول إن هذا الفيضان الهائل من المعلومات والآراء وسهولة الوصول إليها على هاتفك الذكي جعل عمل العقل لفرز الغث من السمين أمراً مستبعداً في أغلب الأحيان.
لذا نرى كثيراً ممن نعتبرهم «عقلاء» وعلى قدر من المعرفة والثقافة يعيدون نشر تغريدات ومنشورات لا يمكن أن يقبل بها العقل دون أي تحقق أو تدقيق. وتصبح مهمة التنبيه بأن هذا «خبر كاذب» أو تلك «صورة ملفقة» مسألة مضنية تماماً، وفي الأغلب الأعم لا تفيد، لأن انتشارها أقل بكثير من انتشار الزيف والتضليل.
لا يقتصر الخطر من هذا التضليل بلا حدود على سوء تفسير أي تصرف من قبل أي طرف استناداً إلى ما ترسخ في وعي الجماهير من زيف معلوماتي. إنما سيؤدي ذلك في النهاية إلى مزيد من الكوارث في المجتمعات وعلاقات الدول وغيرها. ولا أتصور أن أي تنظيم أو تقنين لما ينشر ويبث على وسائل التواصل والإنترنت عموماً قادر الآن على وقف هذه الموجة الكارثية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 3 ساعات
- البيان
أوروبا تضغط لإيلام روسيا وترامب يدرس دعم أوكرانيا
وقال ميرتس أمام صحافيين في لاهاي: لن يكون هناك حل عسكري لهذا الصراع، فعلينا أن نزيد من الضغط الاقتصادي على موسكو. وأوضح أنه أعرب لترامب، عن الرغبة الملحة في أن يتخذ الأمريكيون خطوات إضافية لفرض مزيد من العقوبات على روسيا. مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي سيقر بشكل نهائي حزمة العقوبات الثامنة عشرة ضد روسيا خلال القمة، التي ستُعقد في بروكسل، بدءاً من اليوم الخميس. وتابع ميرتس: «لكن ذلك وحده لن يكون كافياً. نحن بحاجة أيضاً إلى تعزيز المشاركة الأمريكية في هذه العقوبات». وأشار ميرتس إلى أن من المحتمل أن يتم طرح حزمة عقوبات مماثلة للتصويت في مجلس الشيوخ الأمريكي خلال الأيام المقبلة. إلى ذلك، قال ترامب إنه يدرس إرسال المزيد من بطاريات صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا لمساعدة كييف في صد الهجمات الروسية. وأضاف ترامب بعد محادثات مع نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن من الصعب للغاية الحصول على الصواريخ المضادة للصواريخ لكن «سنرى ما إذا كان بوسعنا توفير بعضها. وأشار في مؤتمر صحفي أن زيلينسكي سيفضل إنهاء الحرب. وقال ترامب إنه سيتحدث إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الأمر قريباً. وأضاف: بوتين عليه حقاً أن ينهي الحرب. بدوره، اعتبر وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أن فرض مزيد من العقوبات على روسيا، تنفيذاً لرغبة كييف والاتحاد الأوروبي وبرلمانيين أمريكيين، قد يمنع واشنطن من الاحتفاظ بقدرتها على التفاوض من أجل وقف إطلاق النار في أوكرانيا. وقال روبيو في مقابلة مع موقع بوليتيكو الإخباري: «يجب أن يدرك الجميع أنه بفرض عقوبات إضافية على روسيا سنكون قد قمنا بما ينتظره الجميع، ولكن سنفقد على الأرجح قدرتنا على مناقشة وقف إطلاق النار معهم.. وحينها، من سيتحدث معهم؟ إنهم لا يتكلمون مع أي شخص آخر يقف في صفنا في العالم، ويرى الأمور مثلنا». وأكد روبيو أن الرئيس ترامب يعرف الوقت والمكان المناسبين لاتخاذ قرار بشأن فرض عقوبات جديدة محتملة، مضيفاً: «لقد قال إن بإمكانه ذلك، ولكن إن فعل فسيكون الأمر بمثابة اعتراف بأنه لن تكون هناك مفاوضات، لذلك يريد أن يمنح نفسه كل الفرص للتأثير على الاتحاد الروسي من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار. إنه الخيار الذي يحاول الحفاظ عليه، لأنه خيار السلام. قد يحدث ذلك. لقد ناقشنا معهم كيفية هيكلة خطوتهم، بما يمنح ترامب مرونة كافية في حال قرر فرض عقوبات». وذكرت وزارة الدفاع الروسية في منشور على تطبيق تلغرام، أن وحداتها دمرت ما يصل إلى 40 مسيرة أوكرانية خلال الليل فوق عدة مناطق روسية وشبه جزيرة القرم. وجرى إسقاط سبع طائرات مسيرة فوق منطقة روستوف. وقال يوري سليوسار، حاكم روستوف، عبر تلغرام، إنه لم تقع إصابات جراء الغارات، لكن الهجوم تسبب في نشوب حريق في مجمع رياضي وألحق أضراراً بمدرسة ثانوية، ومبنيين سكنيين في مدينة تاجانروج. وأضاف أن الهجوم ألحق أضراراً بمستودع لتخزين حبوب ومنشأة صناعية في بلدة آزوف المطلة على نهر الدون على بعد نحو 16 كيلو متراً من بحر آزوف، ولم يتطرق إلى التفاصيل. وأوردت عدة قنوات روسية وأوكرانية غير رسمية تقارير عن وقوع هجوم بطائرات مسيرة محتمل على منشأة الطائرات المسيرة (أتلانت - إيرو) الروسية في تاجانروج. وذكر ألكسندر جوسيف، حاكم منطقة فورونيج الروسية، أنه جرى تدمير ما يربو على 40 طائرة مسيرة فوق المناطق الحضرية، وبالقرب من الحدود مع أوكرانيا، دون وقوع إصابات.


سكاي نيوز عربية
منذ 4 ساعات
- سكاي نيوز عربية
ترامب: أميركا أنقذت إسرائيل والآن ستنقذ نتنياهو من المحاكمة
وقال ترامب في منشور على منصة "تروث سوشال"، إن "الولايات المتحدة أنقذت إسرائيل ، والآن ستكون هي من ينقذ بيبي نتنياهو"، كما يحب أن يسمي رئيس الوزراء الإسرائيلي. وكتب ترامب: "صدمت لسماع أن دولة إسرائيل، التي شهدت للتو واحدة من أعظم لحظاتها في التاريخ، والتي يقودها بقوة نتنياهو، تواصل حملتها السخيفة ضد رئيس وزرائها في زمن الحرب العظمى". وتابع: "مررت أنا وبيبي بجحيم معا. نقاتل عدوا قديما عنيدا وذكيا لإسرائيل وإيران، ولم يكن بيبي أفضل أو أكثر حدة أو أقوى في حبه للأرض المقدسة الرائعة. أي شخص آخر كان سيعاني الخسائر والإحراج والفوضى". ووصف ترامب نتنياهو بأنه "كان محاربا، ربما لا يشبه أي محارب آخر في تاريخ إسرائيل، وكانت النتيجة شيئا لم يتخيله أحد، وهو القضاء التام على أحد أكبر وأقوى الأسلحة النووية في العالم". وتابع الرئيس الأميركي: "كنا نقاتل، حرفيا، من أجل بقاء إسرائيل، ولا يوجد في تاريخ إسرائيل من قاتل بشجاعة أو كفاءة أكبر من بيبي نتنياهو. رغم كل هذا، علمت للتو أن بيبي تم استدعاؤه إلى المحكمة يوم الإثنين لمواصلة هذه القضية طويلة الأمد". واعتبر ترامب أن القضية التي يحاكم بها نتنياهو "ذات دوافع سياسية، تتعلق بالسيجار ودمية باغز باني والعديد من التهم غير العادلة الأخرى، من أجل إلحاق ضرر كبير به. إن مثل هذه الملاحقة لرجل أعطى الكثير أمر لا يمكن تصوره بالنسبة لي. إنه يستحق أفضل بكثير من هذا، وكذلك دولة إسرائيل". وقال: "يجب إلغاء محاكمة بيبي نتنياهو على الفور، أو منح العفو لبطل عظيم، فعل الكثير من أجل الدولة. ربما لا يوجد أحد أعرفه كان بإمكانه العمل في انسجام أفضل مع رئيس الولايات المتحدة ، أنا، من بيبي نتنياهو". وختم ترامب منشوره قائلا: "لقد أنقذت الولايات المتحدة إسرائيل، والآن ستكون هي من ينقذ بيبي نتنياهو. لا يمكن السماح بهذه المهزلة (العدالة)!".


صحيفة الخليج
منذ 6 ساعات
- صحيفة الخليج
تضليل بلا حدود
قبل ظهور الإنترنت وانتشار وسائل التواصل عبرها وتطور الهواتف إلى «هواتف ذكية» متصلة بالإنترنت كانت هناك أيضاً حملات كذب وتلفيق وتضليل للرأي العام من خلال الدس المعلوماتي في وسائل الإعلام التقليدية. كما كانت هناك الإشاعات المغرضة التي تتضخم بتناقلها بين الناس لتحقيق هدف صرف الأنظار أو تشكيل وعي مزيف لأهداف محددة. صحيح أن مستوى الصدق بين السياسيين والمسؤولين ربما كان أفضل قليلاً من وضعنا الحالي، لكن هناك في الخطاب الرسمي أيضاً «أنصاف الحقائق» وحتى ما تسمى الآن تجميلاً ل «الحقائق البديلة». كل ذلك كان يبلغ أوجه في أوقات الأزمات والحروب، ومن هنا جاءت المقولة الشهيرة بأن «أول ضحية في أي حرب هي الحقيقة». هناك تصور، لا أعتقد أنه صحيح تماماً، بأن التطور التكنولوجي والوفرة المعلوماتية وسهولة نقل الأخبار والمعلومات إلى مئات الملايين في لحظة عبر الإنترنت ساعد على تفادي الكذب والتضليل وأفشل طرق «التعبئة والتحشيد» السابقة ببيانات مغلوطة. بل ربما كان العكس بالعكس، وإن كانت وسائل التواصل الحديثة أوسع انتشاراً بقدر هائل عن السابق إلا أنها أيضاً أصبحت وسيلة تزييف وتلفيق وترويج لنظريات المؤامرة. إن نظريات المؤامرة الآن والكذب المتعمد يكتسبان قدراً كبيراً من الدقة، بحيث «تبلعهما» أغلبية الجماهير دون تفكير أو تدقيق. يحدث في الأزمات غالباً، وأكثر في حالات الحرب، أن يكون الخطاب الرسمي غير دقيق تماماً، سواء لرفع الروح المعنوية لدى جماهير كل طرف من أطراف الصراع، أو لتقديم صورة مجافية للحقيقة لتحقيق أهداف معينة. وفي السنوات الأخيرة زادت وتيرة التلفيق في الخطاب الرسمي حتى في أوقات السلم، وكلما واجهت حكومة ما مشكلة حتى لو كانت تتعلق بأزمة مياه وصرف صحي – كما حدث في بريطانيا مؤخراً. كان الإعلام التقليدي في السابق، الملتزم بقدر معقول من المهنية، يفند تلك التلفيقات في الخطاب الرسمي من خلال التحقيقات الصحفية الموضوعية. وكانت القوانين تحمي الصحفيين الباحثين عن الحقيقة في الوقت الذي تعاقب فيه أي تجاوز من باب التشهير أو السب والقذف. كل ذلك كان ضمن منظومة تضمن إلى حد ما وصول الجماهير إلى المعلومات والأخبار الصحيحة وتقليل كمية التلفيق والتضليل في الإعلام. ربما كان يتم تجاوز تلك المعايير أيضاً في حالات الحروب، لكن ذلك كان يتم أيضاً تحت سقف معين تضمن النظم والقوانين ألا يتم تجاوزه. ولعلنا نتذكر مطلع الثمانينات من القرن الماضي حين دخلت بريطانيا حرباً مع الأرجنتين حول جزر الفوكلاند كانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تستخدم في تغطيتها «العدوان البريطاني على الأرجنتين». وثارت ثائرة رئيسة الوزراء وقتها مارغريت تاتشر ولو كان بيدها لأغلقت «بي بي سي» تماماً، لكنها لم تستطع وقف التغطية المتوازنة نسبياً للمؤسسة. ولا يعني ذلك أن المؤسسة محايدة تماماً، لكنها كانت تحافظ على قدر من الموضوعية باعتبارها مؤسسة إعلامية تعمل لصالح الجمهور وليس للحكومة، وهي ميزة فقدتها الآن إلى حد بعيد. أما الآن، فإن مواقع وتطبيقات التواصل تكتظ بقدر مهول من التزييف والكذب الذي يجعل من الصعب على أغلبية الجماهير تصفيته وتنقية الصحيح من الملفق. ليس فقط باستخدام صور وفيديوهات قديمة من مواقع أخرى والادّعاء بأنها نتيجة الحروب الحالية في المنطقة، إنما أيضاً ما تسهله برامج الكمبيوتر من تزييف الصوت بحيث تسمع الإنترنت ما لم يقله أحد. مفهوم أن هناك «لجاناً إلكترونية» تستخدمها أطراف الصراع لترويج ما يخدم مصالحها وأهدافها بالكذب والتضليل أو على الأقل بالمبالغات وتضخيم الأمور. كما أن هناك جماعات متشددة ومتطرفة تعتمد نظريات المؤامرة وتروج لها بإتقان يخدع أغلب الناس لأهداف انتهازية مريضة أحياناً. لكن الأمر الآن تجاوز كل ذلك، وأصبح حجم الزيف والتلفيق وترويج نظريات المؤامرة يفوق بأضعاف مضاعفة أي معلومة صحيحة أو رأي متوازن. المشكلة الأساسية أن الناس أصبحوا يميلون أكثر لنوع من «الاستسهال»، إما لأنها تريد أن ترى وتسمع ما يرضيها أو لأنها لا ترغب في بذل أي جهد للتحقق والتدقيق. بل يمكن القول إن هذا الفيضان الهائل من المعلومات والآراء وسهولة الوصول إليها على هاتفك الذكي جعل عمل العقل لفرز الغث من السمين أمراً مستبعداً في أغلب الأحيان. لذا نرى كثيراً ممن نعتبرهم «عقلاء» وعلى قدر من المعرفة والثقافة يعيدون نشر تغريدات ومنشورات لا يمكن أن يقبل بها العقل دون أي تحقق أو تدقيق. وتصبح مهمة التنبيه بأن هذا «خبر كاذب» أو تلك «صورة ملفقة» مسألة مضنية تماماً، وفي الأغلب الأعم لا تفيد، لأن انتشارها أقل بكثير من انتشار الزيف والتضليل. لا يقتصر الخطر من هذا التضليل بلا حدود على سوء تفسير أي تصرف من قبل أي طرف استناداً إلى ما ترسخ في وعي الجماهير من زيف معلوماتي. إنما سيؤدي ذلك في النهاية إلى مزيد من الكوارث في المجتمعات وعلاقات الدول وغيرها. ولا أتصور أن أي تنظيم أو تقنين لما ينشر ويبث على وسائل التواصل والإنترنت عموماً قادر الآن على وقف هذه الموجة الكارثية.