
خبراء روس: ضرب المنشآت النووية الإيرانية تجاوز للخطوط الحمراء
موسكو- أ دانت روسيا بشدة الضربات الأميركية على المنشآت النووية في إيران، ووصفت خارجيتها قرار الضربة بغير المسؤول، وأن مهاجمة أراضي دولة ذات سيادة مهما كانت الحجج المقدمة لذلك، يعتبر انتهاكا صارخا ل لقانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن.
كما شددت الوزارة في بيان لها "أنه من المثير للقلق بشكل خاص، أن هذه الضربات نفذتها دولة عضو دائم في مجلس الأمن التابع ل لأمم المتحدة".
أما نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف ، فكتب عبر قناته على "تلغرام" أن الضربة الأميركية الليلية على إيران لم تحقق أهدافها وحسب، بل أدت فقط إلى تفاقم الوضع، وخلق الظروف المناسبة لصراع جديد.
صراع مسلح جديد
وبحسب ميدفيديف، فإن الهجوم الأميركي لم يلحق أضرارا كبيرة بالبنية التحتية النووية الإيرانية، وسيستمر تخصيب المواد النووية وإنتاج الأسلحة النووية مشيرًا إلى أنه أصبح من الممكن الآن التحدث بشكل مفتوح عن إمكانية قيام إيران بتصنيع سلاح نووي.
وإلى جانب ذلك، أكد أن عددا من الدول أبدت استعدادها لتزويد إيران بالأسلحة النووية، وأن الولايات المتحدة تواجه خطر الانجرار إلى صراع مسلح جديد، وهو ما قد يتصاعد إلى عملية برية.
واعتبر المسؤول ذاته أن النظام السياسي الإيراني لم يتمكن من البقاء فحسب، بل عزز مكانته أيضًا، بينما أثارت تصرفات الولايات المتحدة وإسرائيل ردود فعل سلبية من معظم دول العالم.
وقبل أسبوع واحد من الضربة الأميركية تم إجلاء 14 عالمًا روسيا من إيران إلى باكو عاصمة أذربيجان وهم ممثلون عن الأكاديمية الروسية للعلوم ومعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية ومنظمات علمية شبابية، كانوا قد وصلوا إلى طهران صباح يوم 12 يونيو/حزيران قبل وقت قصير من الهجوم الإسرائيلي.
وفي سياق العلاقات الروسية الإيرانية، فإن المعلومات المتعلقة بوجود خبراء وعلماء نوويين من روسيا في إيران غير متاحة، ولم يتم تأكيدها من قبل مصادر رسمية.
ومن المعروف أن روسيا وإيران تتعاونان في مجال الطاقة النووية وتقدم روسيا المساعدة لإيران في بناء وتشغيل محطة بوشهر للطاقة النووية، ويشمل هذا التعاون توريد المعدات وتدريب الموظفين والتعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا النووية بما في ذلك البحث والتطوير في الطب النووي والأمن ومجالات أخرى.
في حين لا توجد معلومات عامة حول التعاون في مجال الأسلحة النووية بين البلدين.
ويرى خبراء ومراقبون روس بأن الهجمات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية تعني أن الرئيس دونالد ترامب قد خاطر بتورط واشنطن المباشر في صراع طويل الأمد في الشرق الأوسط، فضلًا عن أن رد طهران على الهجمات قد يؤدي إلى انتشار الصراع في المنطقة، حتى لو كان الانتقام الإيراني محدودا.
تجاوز الخطوط الحمراء
مدير مركز التنبؤات السياسية، دينيس كركودينوف، قال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاوز الخطوط الحمراء بالدفع نحو خطر اندلاع صراع عسكري واسع النطاق في المنطقة وقام بتصرف يهدد بإضعاف مكانته حتى داخل الولايات المتحدة.
ويشير، للجزيرة نت، بأن إيران قد تشن هجومًا انتقاميًا على منشآت عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، وبناءً على ذلك، ستشن الولايات المتحدة ضربات جديدة ردًا على الإيرانيين، وهذا يعني جر واشنطن إلى صراع مسلح طويل الأمد.
وحسب المتحدث ذاته، فإن توقف ترامب لمدة أسبوعين "لاتخاذ القرار" تبين أنه جزء من عملية خداع وتمويه وإخفاء معلومات، والقرار قد اتُخذ بالفعل. واعتبر هذه الضربة دقيقة أكثر منها ضخمة، حسب تعبيره.
وتابع بأن الولايات المتحدة كانت خائفة في السابق من توجيه مثل هذه الضربة للمنشآت النووية الإيرانية تحسبًا من موجة هائلة من الهجمات الانتقامية من قبل إيران والجماعات المؤيدة لها في المنطقة والعالم، لكن وصول إسرائيل إلى حالة التهديد الوجودي في المنطقة سرع بهذه الخطوة لوقف إيران عن مواصلة هجماتها على إسرائيل.
درس لروسيا
الخبير في الشؤون الدولية، ديمتري كيم، اعتبر ما حصل مع إيران يشكل درسًا لروسيا. فبمجرد أن يرى الغرب مقاومة لإملاءاته، فإن الضربة الغربية بكل قسوتها تصبح حتمية، وهذا هو الجوهر الإمبريالي للغرب الذي يشكل تهديدًا مؤجلًا لروسيا.
وأضاف بأن هناك طريقة واحدة فقط للبقاء على قيد الحياة في مثل هذا العالم، وهي تعزيز سيادة روسيا وقواتها المسلحة وإمكاناتها النووية.
وبخصوص الرد الإيراني رأى أنه من الصعب الجزم بشكله وقوته ضد القوات والمصالح الأميركية، لأن من يتخذون القرارات في إيران أشخاص لديهم وجهة نظرهم الخاصة للأمور، والتي تختلف عن وجهات النظر السائدة في أوروبا أو الولايات المتحدة أو روسيا، لأن لديهم حضارة مختلفة.
ويؤكد، أن ما فعله ترامب سيدفع الكثيرين للاعتقاد بضرورة امتلاك أسلحة نووية خاصة بهم لا سيما في حال امتلكوا الأموال اللازمة لتجهيز العلماء وبناء كل ما تحتاجه.
كما أن البلدان التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية ستعمل على زيادة عدد أسلحتها وتطويرها.
ووفقًا للخبير نفسه، فإن المنطق هنا بسيط: ليبيا والعراق لم يكن لديهما أسلحة نووية وتم تدميرهما، أما كوريا الشمالية فتمتلكها.
ورغم أنه يتم "الصراخ" عليها باستمرار من قبل المنظومة الغربية، فإنه لا أحد يجرؤ على المساس بها، حسب تعبيره.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 19 دقائق
- الجزيرة
تأثير الهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنية التحتية بإيران
طهران- بعد 12 يوما من المواجهة العسكرية مع إسرائيل -وبدعم مباشر من الولايات المتحدة- دخلت إيران مرحلة "هدنة غير مستقرة" كما يصفها مراقبون. وبينما أعلنت القيادة الإيرانية أن الحرب انتهت بـ"نصر تاريخي" لا تزال أصداء القصف والدمار والهواجس الاقتصادية حاضرة في الشارع الإيراني. وفي أول خطاب له عقب إعلان وقف إطلاق النار، وصف الرئيس مسعود بزشكيان ما حدث بأنه "نصر مرهون بوحدة الشعب وصمود القوات المسلحة". وأكد أن الحرب فُرضت على بلاده بسبب ما سماه "مغامرة صهيونية عدوانية، لكنها انتهت بإرادة الشعب". وأشار بزشكيان إلى أن أهداف هذا الهجوم كانت واضحة وهي استهداف المنشآت النووية ، وزعزعة النظام السياسي، وإثارة اضطرابات اجتماعية، مؤكدا أن "جميعها فشلت". وشدد على ضرورة الحفاظ على "الوحدة الوطنية" قائلا إن "كل ما تحقق من انتصار يعود فضله إلى انسجام الدولة والشعب". من جانبها، ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية أن الهجمات الصاروخية الأخيرة و"خاصة القصف الذي استهدف قاعدة العديد الجوية في قطر، كان العامل الحاسم في دفع واشنطن وإسرائيل إلى طلب التهدئة". وأوضحت الهيئة الإيرانية في بيان لها "العدو لم يتوقع هذا الرد الإيراني المباشر، لا من حيث النوعية ولا التوقيت. وقد اضطر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مطالبة إيران بوقف إطلاق النار في خطوة وصفتها وسائل الإعلام المحلية بأنها التماس مهين". وقد تباينت مشاعر المواطنين الإيرانيين بعد وقف إطلاق النار، بين فئات عبّرت عن الفخر وارتياحها لما تعتبره "صمودا وطنيا" وأخرى تخشى تداعيات الحرب على الاقتصاد والأمن، في حين أبدت أصوات شكوكا في نوايا إسرائيل بخصوص الهدنة. وقال حسين وهو موظف من تبريز "هذا النصر ثمرة وحدة شعبنا. كانوا يظنون أننا سنتراجع، لكن إيران أثبتت أنها ما زالت قوية". وكذلك عبّرت ليلى (معلمة من طهران) عن ارتياحها، قائلة "منذ أسبوعين تقريبا ونحن مرتعبون من أصوات القصف والدفاعات الجوية. الآن فقط أستطيع أن أتنفس". أما مجتبى (صاحب متجر في شيراز) فأكد أن "الحرب توقفت، لكن الأسعار مستمرة في الارتفاع. أخشى أزمة اقتصادية جديدة بسبب كل ما حدث". وقالت زهراء، طالبة دراسات عليا من أصفهان، إن "الهدنة خطوة جيدة، لكن هل نثق بإسرائيل؟ لا أظن. هذه ليست نهاية القصة". ووفق مصادر رسمية، فإن قوات الحرس الثوري والجيش "ما زالوا على أهبة الاستعداد" ويجري تقييم شامل للأداء القتالي والتنسيق الدفاعي. وشددت مصادر عسكرية على أن إيران "لم تستخدم كل ما في جعبتها" وهي قادرة على "الردع المستدام" في حال تجدد العدوان. خسائر بشرية ومادية وأعادت إيران تأكيد تمسكها ببرنامجها النووي كمسألة "كرامة وسيادة وطنية". وعلى خلفية استهداف مواقع نووية خلال الحرب، صعّد البرلمان الإيراني من موقفه تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال إبراهيم رضائي المتحدث باسم لجنة الأمن القومي "سنرد بحزم في حال أقدم العدو الإسرائيلي على أي عدوان جديد. البرلمان وافق على قرار يلزم الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة (الدولية للطاقة الذرية) ويجب مقاضاة مديرها العام بسبب تقاريره الكاذبة وتجسس بعض مفتشيه على منشآتنا". وفي خضم هذه الحرب التي اندلعت في 13 يونيو/حزيران الجاري، شهدت إيران موجة من الهجمات الجوية والصاروخية استهدفت ليس فقط مواقع عسكرية، بل أيضا مراكز مدنية حساسة مما أدى إلى خسائر بشرية ومادية. وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة أن نحو 90% من الضحايا من المدنيين. وقد تعرض مستشفى فارابي في كرمانشاه لأضرار كبيرة بعد انفجار ناجم عن هجوم على مركز مجاور، أدى لتدمير أجزاء من الأجنحة الطبية، مما تسبب في توقف مؤقت عن استقبال المرضى. كما أُصيب عدد من المرضى والعاملين، وسط استنكار واسع من قبل منظمات حقوقية اعتبرت هذا الهجوم خرقا واضحا لاتفاقيات حماية المنشآت الطبية. وفي سجن إيفين (شمالي العاصمة طهران) أصابت ضربة جوية مدخل السجن وبعض المباني الإدارية، مما أدى إلى أضرار هيكلية وسقوط عدد من الضحايا. ودعت منظمات حقوقية دولية إلى وقف مثل هذه الهجمات التي تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني. وفي إحدى أكثر الهجمات إثارة للجدل، استهدفت ضربات جوية مقر مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بطهران، مما أدى لمقتل اثنين من كبار مسؤولي الإعلام وتعطيل بث بعض القنوات الرسمية. وهو ما اعتبرته إيران "محاولة لإسكات صوت المقاومة" بينما رأى محللون أن استهداف الإعلام يمثل تصعيدا في حرب المعلومات. حملة ممنهجة أما في قطاع الطاقة، فقد تعرضت منشآت حيوية في عسلويه (جنوبي إيران) لضربات متكررة، تسببت في اندلاع حرائق كبيرة وأدت إلى انقطاعات في التيار الكهربائي أثّرت على حياة ملايين المواطنين. وتعرض مخزن وقود رئيسي في طهران لهجوم صاروخي أدّى لاندلاع حريق ضخم تسبب في تدمير كميات كبيرة من الوقود مخزنة فيه، كما أدى إلى تعطيل إمدادات الوقود بعدة مناطق حيوية من المدينة، مما أثّر على حركة النقل وتزويد المحطات وفاقم حدة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة أصلا جراء الحرب. وأكدت السلطات الإيرانية أن هذا الاستهداف يندرج ضمن حملة ممنهجة لتقويض البنية التحتية الحيوية، في محاولة للضغط على الحكومة والشعب الإيراني. كما نددت به منظمات دولية معتبرة أن استهداف مرافق الطاقة والوقود يشكل انتهاكا لقوانين الحرب التي تحظر ضرب المنشآت المدنية التي تؤثر على حياة المدنيين. ومن جهة أخرى، تعرضت عدة أحياء سكنية شمال طهران وضواحي كرج وأصفهان لقصف صاروخي وطائرات بدون طيار، مما أدى إلى دمار واسع في المنازل وممتلكات المدنيين، وتسجيل عشرات القتلى والجرحى، إضافة لتشريد مئات العائلات، مع ارتفاع حالات النزوح الداخلي وسط موجة من الخوف وعدم الاستقرار. واستهدفت الهجمات أيضا مراكز بحثية وعلمية في ضواحي طهران وأصفهان، حيث لقي ما لا يقل عن 14 عالما وباحثا مصارعهم، بينما تعرضت المختبرات والمرافق العلمية لأضرار كبيرة. وأثارت هذه الخسائر استنكارا واسعا داخل الأوساط العلمية الإيرانية والدولية. وتعرضت مكتبة مركز وثائق الخارجية الإيرانية بالعاصمة لأضرار جسيمة أدت إلى تدمير أرشيفات تاريخية ودبلوماسية "لا تقدر بثمن". وأدانت هذا الهجوم جهات دولية مثل منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات، معتبرة أن تدمير الممتلكات الثقافية يشكل انتهاكا صارخا لاتفاقيات حماية التراث الثقافي خلال النزاعات المسلحة. ويؤكد خبراء القانون الدولي أن استهداف المرافق المدنية والبنية التحتية الحيوية يُعد خرقا لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها، وقد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب، خاصة مع ارتفاع نسبة الضحايا المدنيين. ودعت منظمات حقوقية دولية إلى تحقيقات مستقلة وشفافة للكشف عن ملابسات هذه الهجمات وضمان محاسبة المسؤولين عليها.


الجزيرة
منذ 36 دقائق
- الجزيرة
كود الردع: الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل
شهدت الساحة السيبرانية في يونيو/ حزيران 2025 تصعيدًا حادًّا بين إيران وإسرائيل، عكس تحولًا جديدًا في طبيعة الاشتباك غير المعلن بين الطرفين؛ فقد تعرضت هواتف إسرائيلية لاختراق واسع النطاق، فيما اختُرِق البث التلفزيوني الرسمي الإيراني، وتلا ذلك إنذار عاجل بإخلاء مقري قناتي 12 و14 الإسرائيليتين. وفي هجوم آخر، شلّت عملية سيبرانية بنك "سبه" الحكومي في طهران، وقد أعلنت مجموعة تُدعى "العصفور المفترس" مسؤوليتها عنها، مؤكدةً "تدمير كافة بيانات البنك". لا يمكن قراءة هذه الحوادث بمعزل عن السياق الأوسع لصراع طويل الأمد؛ يتجاوز الحدود الجغرافية، ويُخاض عبر كودات وشبكات خفية. هذا الصراع، الذي يُعد نموذجًا أوليًّا لحروب القرن الحادي والعشرين، يختزل في جوهره ما يمكن تسميته بـ"كود الردع". تنشط مجموعات غير رسمية ذات طابع أيديولوجي أو قومي، مثل "حنظلة" و "الشبح العربي" و"عصا موسى"، في تنفيذ عمليات اختراق علنية تتسم بالجرأة والوضوح الإعلامي يشهد الصراع السيبراني بين إسرائيل وإيران تطورًا متسارعًا، يعكس تحوّلًا عميقًا في شكل النزاعات الحديثة، حيث بات الفضاء السيبراني لا مجرد ساحة خلفية للمواجهة، بل ميدانًا رئيسيًّا يؤثر في ميزان القوى ويعيد تعريف مفاهيم الردع والسيادة. لم يعد اختراق البنية التحتية أو تعطيل شبكة كهرباء أو تسريب بيانات، مجرد حوادث منفصلة، بل تحوّلت إلى أدوات إستراتيجية تُستخدم بوعي بالغ لإعادة تشكيل قواعد الاشتباك الإقليمي، من دون اللجوء إلى الحرب التقليدية. يعتمد النموذج الإيراني في هذا الصراع على بنية مرنة ومتشعبة، تستند إلى ما يمكن وصفه بـ'اللامركزية المنظمة'، حيث تتداخل الأذرع الرسمية مع الجهات غير الرسمية في شبكة عمل منسقة، تُخفي آثارها ضمن الضجيج الرقمي العالمي. الفرق الحكومية، مثل APT34 وAPT39، تؤدي أدوارًا استخباراتية طويلة المدى، تستهدف البنية المعلوماتية للخصوم، وتعمل على بناء قواعد بيانات متقدمة حول الأهداف الإستراتيجية. في الوقت ذاته، تنشط مجموعات غير رسمية ذات طابع أيديولوجي أو قومي، مثل "حنظلة" و "الشبح العربي" و"عصا موسى"، في تنفيذ عمليات اختراق علنية تتسم بالجرأة والوضوح الإعلامي. هذه المجموعات لا تحرص على الإخفاء بقدر ما تسعى إلى إرسال رسائل مباشرة، سواء عبر تلغرام أو عبر تسريبات على مواقع مفتوحة، ما يضيف بُعدًا نفسيًّا للهجمات، ويخلق حالة من القلق العام داخل الدولة المستهدفة. طبيعة هذه الجماعات تُتيح لإيران هامش مناورة كبيرًا؛ فهي تنفي رسميًّا علاقتها بها، لكنها في الواقع تستفيد منها سياسيًّا وأمنيًّا، وتوظفها في حروب رمادية يصعب تتبع مصدرها بدقة. هذا النمط من الهجمات يجعل من الصعب تحميل المسؤولية لأي جهة محددة، ويفتح المجال أمام ما يشبه 'الاشتباك المستدام' دون عتبة صريحة للحرب. على الجانب الآخر، تتبنى إسرائيل نهجًا شديد المركزية والانضباط، يعتمد على بنى أمنية عالية التنظيم والتقنية، تتصدرها 'الوحدة 8200'، المعروفة بكونها واحدة من أرفع وحدات الاستخبارات السيبرانية عالميًّا. العمليات الإسرائيلية غالبًا ما تُنفَّذ في صمت، وتُصمم لتكون دقيقة وفعّالة، وتُدار وفق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى، ليس فقط لإحباط مخططات آنية، بل لتقويض القدرة المستقبلية للخصم على العمل. الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل عادة ما تتسم بالطابع النوعي، مثل اختراق أنظمة التحكم الصناعية، أو تعطيل الشبكات النووية، أو ضرب مراكز اتصالات حرجة في عمق الأراضي الإيرانية. تبرز "دودة ستوكسنت" بوصفها العلامة الفارقة في هذا المسار؛ فهي لم تكن مجرّد هجوم سيبراني، بل سابقة نوعية غيّرت وجه الحروب الرقمية. القدرة على إلحاق ضرر مادي ببنية نووية من خلال كود رقمي وحده، دون أي تدخل ميداني، أعادت تعريف معنى السلاح، وكسرت المعادلة التقليدية التي تربط الأثر العسكري بالقوة النارية. لقد فتحت "ستوكسنت" الباب أمام عصر جديد، يمكن فيه لدولة أن تعطل مشروعًا إستراتيجيًّا معاديًا وهي لا تزال خارج دائرة الاتهام الرسمي، بل وقد تظل غير مرئية بالكامل. بعد تصاعد التوتر في مناسبات متتالية، خاصة بعد عملية 'الأسد الصاعد'، أصبح الصراع السيبراني أكثر جرأة واستهدافًا للبنية الداخلية للدولة. محاولات تعطيل نظام 'تسوفار'، المعني بإنذار السكان في حالات الطوارئ، وكذلك استهداف البنية الإعلامية وشركات الطاقة، كل ذلك يشير إلى تحول نوعي في تفكير الفاعلين السيبرانيين: لم يعد الهدف فقط تجميع المعلومات أو استنزاف موارد الخصم، بل التأثير في القدرة على إدارة الدولة ذاتها في لحظات الأزمات، ما يعني أن السيبرانية أصبحت أداة لـ'تعطيل الدولة' وليس فقط إرباكها. وعلى خط موازٍ، أصبحت الحرب السيبرانية أيضًا قناة لحرب نفسية مديدة. تقوم إيران، وفق نمط متكرر، باختراق قواعد بيانات وشركات إسرائيلية، ثم تسريبها مع تعليقات دعائية تهدف إلى زعزعة ثقة الجمهور بقيادته، وإظهار هشاشة منظومته الأمنية. تستخدم في ذلك أدوات متطورة: روبوتات اجتماعية، وحملات مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، ونشر منظم للروايات المضللة. والهدف ليس التأثير الآني فقط، بل نحت صورة نفسية طويلة الأمد مفادها أن الخصم مخترَق وضعيف، حتى وإن لم تسقط عليه قذيفة واحدة. تشهد الساحة السيبرانية حاليًّا سباقًا محمومًا نحو تطوير "أسلحة سيبرانية- جيل رابع" تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ما يضيف طبقات جديدة من التعقيد لمعادلة الردع. كما برزت ظاهرة "الوكلاء السيبرانيين" كعنصر محوري في إستراتيجية التصعيد المحدود، حيث تتيح للدول تنفيذ عمليات معقدة مع الحفاظ على قابلية الإنكار. يشكل الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل نموذجًا أوليًّا لشكل جديد من أشكال التنافس الجيوسياسي، حيث تتحول الأصفار والآحاد إلى عملة جديدة للقوة والنفوذ الإشكال الأكبر، الذي يُضفي على هذا الصراع بعدًا غير تقليدي، هو غياب أية قواعد دولية ناظمة.. لا توجد اتفاقيات تحدد ما يشكّل "عدوانًا سيبرانيًّا"، ولا آليات محاسبة فعالة، ولا خطوط حمراء مُعترف بها عالميًّا. وهذا ما يجعل من الفضاء السيبراني منطقة شبه خارجة عن القانون، تُمارس فيها الدول ما تشاء، طالما أنها لا تُمسك متلبسة. هذا الغموض القانوني يوفر غطاءً مثاليًّا لكل من يريد أن يضرب خصمه دون أن يتحمل كلفة سياسية مباشرة، ويُغري بالمزيد من التصعيد التدريجي الذي يراكم التوتر دون أن يفضي بالضرورة إلى الحرب، لكنه في الوقت ذاته يقربها باستمرار. البعد السيبراني بات يضاف إلى عنصر مركزي في معادلة الردع، يكمّل القوة العسكرية، ويتجاوزها في بعض الحالات؛ فبينما تحتاج الصواريخ والطائرات إلى إذن سياسي وكلفة دبلوماسية، فإن الهجمات السيبرانية يمكن أن تُنفَّذ دون ضجيج، وتُحدث أثرًا بالغًا دون الحاجة إلى إعلان حالة حرب. وقد بات واضحًا أن كل طرف من الطرفين، إيران وإسرائيل، يعمل بوتيرة متسارعة على تعزيز ترسانته السيبرانية الهجومية والدفاعية، باعتبار أن الجولة القادمة من الصراع قد لا تُحسم في الجو أو البحر، بل في أعماق الكود، ومن خلال شبكات لا تُرى، لكنها تصوغ ملامح الأمن الإقليمي بعمق لا يقل عن أي معركة في الميدان. ختاماً، يشكل الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل نموذجًا أوليًّا لشكل جديد من أشكال التنافس الجيوسياسي، حيث تتحول الأصفار والآحاد إلى عملة جديدة للقوة والنفوذ. هذا التحول لا يعيد تعريف أدوات الردع فحسب، بل يطرح إشكاليات عميقة حول طبيعة الأمن القومي في القرن الحادي والعشرين. ويعكس في الوقت ذاته نموذجًا جديدًا للصراع، يتسم باللامركزية والغموض وعدم التماثل، يجسد ما يمكن تسميته "كود الردع" في العلاقات الدولية المعاصرة.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
خلاف أميركي حول تقييمات استخباراتية بعدم تعطل نووي إيران من القصف
تسبب نشر تقييمات استخباراتية -عن حجم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني- في نشوب خلافات بالولايات المتحدة وصلت إلى إطلاق اتهامات بـ"الخيانة". وذكرت شبكة "إن بي سي" أن تقييما سريا للهجمات الأميركية على إيران -أحيل للكونغرس واطلع عليه أعضاء مجلس الشيوخ سرا- كشف أن القصف أخر برنامج إيران النووي لأشهر لكنه لم يعطله. وبدورها، قالت وكالة أسوشيتد برس إن تقريرا لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية خلص إلى أن الضربة الأميركية التي استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية الإيرانية "ألحقت أضرارا كبيرة بتلك المواقع لكنها لم تؤد إلى تدمير كامل لها". وقدر معدو التقرير أن جزءا من اليورانيوم عالي التخصيب الإيراني "نُقل من المواقع قبل الضربات، وبالتالي نجا منها، كما أن معظم أجهزة الطرد المركزي لم تتعرض لأضرار". وبشأن منشأة فوردو، التي تقع داخل نفق أسفل جبل على عمق يراوح بين 80 و90 مترا، أشار التقرير الأميركي إلى أن مدخلها انهار وتضررت بعض البنى التحتية، إلا أن الهيكل الداخلي تحت الأرض لم يُدمر. ولفت مصدر تحدث إلى أسوشيتد برس إلى أن تقييمات سابقة كانت قد حذرت من محدودية فعالية أي ضربة ضد منشأة فوردو النووية. وجاءت تلك النتائج مخالفة لتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اللذين تحدثا عن أن البرنامج الإيراني "دُمر بالكامل". ونقل موقع أكسيوس الأميركي عن السيناتور كريس فان هولن قوله إنه قلق للغاية بسبب "تحريف ترامب للمعلومات الاستخباراتية وتلاعبه بها". وردا على تلك التسريبات، قال المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إن الشخص الذي سرب معلومات استخباراتية بشأن الضربات في إيران "ارتكب خيانة ويجب أن يعاقب". ومن جانبه، وصف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو التقارير الإعلامية التي تحدثت عن تقييمات استخباراتية جديدة بأنها "كاذبة" وأكد في تصريحات نقلتها مجلة بوليتيكو أن إيران أصبحت أبعد بكثير عن بناء الأسلحة النووية بعد الضربة الأميركية. ومن جانبه، رفض البيت الأبيض -بشدة- نتائج تقرير وكالة استخبارات الدفاع، ووصفها بأنها "خاطئة تماما". وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت في بيان "تسريب هذا التقييم المزعوم محاولة واضحة للنيل من الرئيس ترامب والتقليل من نجاح الطيارين الذين نفذوا المهمة بدقة كاملة لتدمير البرنامج النووي الإيراني". وأضافت ليفيت "الجميع يعلم أن إسقاط 14 قنبلة بزنة 30 ألف رطل على الأهداف يعني دمارا شاملا". وفي تصريحات متكررة خلال الأيام الماضية، قال ترامب إن الضربة الأميركية على مواقع فوردو ونطنز وأصفهان "دمرتها تماما" وإن إيران "لن تتمكن أبدا من إعادة بناء منشآتها النووية". ومن جانبه، قال نتنياهو في خطاب متلفز أمس الثلاثاء "وعدتكم لعقود بأن إيران لن تمتلك سلاحا نوويا، وبالفعل.. لقد دمرنا برنامج إيران النووي". وفي 13 يونيو/حزيران الجاري، شنت إسرائيل بدعم أميركي حربا على إيران استمرت 12 يوما، شمل مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، وأسفر عن 606 قتلى، و5 آلاف و332 مصابا، وفق وزارة الصحة الإيرانية. وردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية ومسيّرات، اخترق عدد كبير منها منظومات الدفاع، مما خلف دمارا وذعرا غير مسبوقين، فضلا عن 28 قتيلا، و3 آلاف و238 جريحا، حسب وزارة الصحة ووسائل إعلام إسرائيلية. ومع رد إيران الصاروخي على إسرائيل وتكبيدها خسائر كبيرة، هاجمت الولايات المتحدة منشآت نووية بإيران مدعية "نهاية" برنامجها النووي، وردت طهران بقصف قاعدة العديد العسكرية في قطر، ثم أعلنت واشنطن في 24 يونيو/حزيران وقفا لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران.