
شركات المناولة "متاجرة" بعمال تونس بلا رادع
يلجأ إليها قطاع البنوك والمؤسسات الكبرى ومؤسسات الدولة، وهي ببساطة شركات تختص في مجال توفير اليد العاملة، لكن بطرق غير قانونية، مستفيدة من ثغرات قانونية في مجلة الشغل بتونس، مما يسمح لها بالتهرب من الاستحقاقات المادية والمعنوية للعمال والموظفين من أجل الربح الوفير.
هذا النوع من التشغيل استفز الرئيس التونسي قيس سعيد واعتبره نوعاً من الرق والاتجار بالبشر، واعداً بإنهاء هذا الوضع. وقال سعيد خلال استقباله قبل أيام وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر إن مصطلح المناولة صورة من صور الرق المقنع، مشدداً على ضرورة وضع حد للعقود المحدودة الزمن إلا في حالات استثنائية تتمثل في القيام بأعمال تستوجبها زيادة غير عادية في حجم العمل أو القيام بأعمال موسمية أو التعويض الوقتي لأجل ما.
وأشار سعيد إلى أن كثراً يتناسون أن العمل في تونس حق لكل مواطن وعلى الدولة أن تتخذ التدابير الضرورية لضمانه، موضحاً أن "تنقيح مجلة الشغل سنة 1996 أدى إلى هذا الوضع الذي لا يمكن أن يستمر، وستتم إعادة صياغة جملة من الأحكام التي وردت فيها حتى يغيب نهائياً مصطلح المناولة كما انقرضت بعض الأصناف من الحيوانات"، بحسب تعبيره.
الرئيس التونسي أكد أيضاً أن مشروع التنقيح لا يستهدف أصحاب المؤسسات، قائلاً "كما يسعى صاحب المؤسسة إلى الربح الذي يجب أن يكون شرعياً ومشروعاً فمن حق العامل الأجر العادل والاستقرار. ومن يعمل على أن يضرب حقوق العمال كما حصل منذ 2024 يتحمل المسؤولية كاملة فقطرة عرق من حقوق عامل أمانة في أعناقنا لا بد من حمايتها".
وضع شغلي مسموم
سبق أن نفذ عمال المناولة من مختلف جهات البلاد وقفات احتجاجية للمطالبة بوضع حد للتشغيل غير القانوني في تونس تنفيذاً لتعليمات رئيس الجمهورية الداعية إلى القطع نهائياً مع كل صور التشغيل الهش. وأكد المشاركون في هذه الوقفات الاحتجاجية تمسكهم بالحق في العيش الكريم وإدماج جميع العمالة في أسرع الآجال، مطالبين بإلغاء المناولة كلياً في القطاعين العام والخاص وإدماج كل العاملين ضمن هذه الآلية وفق روزنامة محددة.
وأوضح عضو التنسيقية الوطنية للتشغيل الهش والمناولة مبارك السياري أن الوضعية الاجتماعية لعمال المناولة في تونس "صعبة جداً، خصوصاً أنهم يعملون ضمن منظومة عقود عمل إسداء خدمات منذ أعوام".
وخلق هذا الأمر وضعاً شغلياً وُصف بالمسموم يعاني فيه آلاف العمال في مجالات الحراسة والنظافة والبستنة وغيرها أوضاعاً اجتماعية صعبة، إذ يتعرضون للحرمان من أبسط حقوقهم، مما جعل حكومة ما بعد الثورة تتجه إلى إبرام اتفاق مع كل من الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة يقضي بتسوية وضعية أكثر من 31 ألف عامل وعاملة، لكن هذا الوضع لم يتم القضاء عليه نهائياً. وواصل عديد من الشركات المتخصصة في المناولة العمل مستغلة الثغرات القانونية الموجودة في مجلة الشغل التونسية.
اليوم، ومع انشار هذه الشركات تفاقم الوضع وتزايد عدد العمال الذي ناهز 230 ألف عامل، 80 في المئة منهم بالقطاع الخاص و20 في المئة بالقطاع العمومي. وأصبحت شركات المناولة تلعب دور مكاتب التشغيل في انتداب وتوظيف اليد العاملة على رغم أن القانون يمنع ذلك. وتفتح هذه الشركات صفحاتها الرسمية ومواقع إلكترونية أمام أعين الجميع لنشر عروض العمل والانتداب في مختلف القطاعات والاختصاصات، بخاصة في المؤسسات المالية والبنكية العامة والخاصة.
تناغم مع روح الدستور
أما بخصوص الخطوة التي اتخذها الرئيس التونسي للحد من انشار هذا النوع من التشغيل الهش، فاعتبر المحلل السياسي رياض جراد أن "لقاء رئيس الجمهورية مع وزير الشؤون الاجتماعية مهم جداً بعد التقدم الحاصل والعمل المستمر لإعادة صياغة جملة من أحكام مجلة الشغل للقضاء نهائياً وإلى الأبد على مصطلح المناولة وما خلفه من معاناة واستعباد للناس شأنه في ذلك شأن التشغيل الهش".
جراد المساند لمسار الرئيس قيس سعيد تحدث إلى "اندبندنت عربية" عن أن ذلك يمثل تناغماً مع الدستور وروحه وتجسيداً عملياً للثورة التشريعية التي طالب بها التونسيون واستجاب لها الرئيس. وقال "كما يسعى صاحب المؤسسة مهما كان حجمها إلى الربح الذي يجب أن يكون شرعياً ومشروعاً، فمن حق العامل الأجر العادل والاستقرار. فلا استقرار بصورة عامة في أي دولة أو مجتمع من دون عدالة اجتماعية ودون عدل وإنصاف، وهو ما تم أيضاً تأكيده مع وزيرة المالية". وواصل حديثه بتأكيد أن "الإجراءات الاجتماعية والقرارات الكثيرة تعكس إصراراً كبيراً على تعزيز مقومات الدولة الاجتماعية واستعادة دورها، والتي اتخذها رئيس البلاد استجابة لانتظار الشعب وتحقيقاً لمطالبه مباشرة بعد انتخابات السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، أي خلال بضعة أشهر فقط (على رغم تقصير وتقاعس عدد غير قليل من المسؤولين، إما على مستوى مركزي، وإما جهوي أو محلي".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحدث المتخصص في الحماية الاجتماعية بدر السماوي عن ظروف ظهور شركات المناولة في تونس، مشيراً إلى أن "مفهوم المناولة ظهر في تونس أولاً في القطاع العام قبل أن ينتشر في القطاع الخاص، وبسبب شروط صندوق النقد الدولي للتحكم في كتلة الأجور بدأت الدولة في البحث عن مخرج قانوني لسد حاجتها من العمال دون انتداب رسمي". ومضى في حديثه، "بعد صدور الأمر 49 لسنة 1996، والمتعلق بضبط محتوى مخططات تأهيل الإدارة وطريقة إعدادها وإنجازها ومتابعتها، أفسح ذلك المجال أمام الإدارات والمؤسسات والمنشآت العمومية للتخلي عن بعض المهام التي لا تدخل ضمن أنشطتها الأصلية لفائدة شركات خاصة"، مختتماً بقوله، "هذه المهام ضمن أربعة اختصاصات يمكن المناولة فيها، وهي الحراسة والتنظيف والتكوين والتدوير، وكل نشاط آخر، وذلك بحسب نص القانون"، موضحاً "هذا المصطلح فتح المجال أمام تزايد عدد الشركات المتخصصة في المناولة باليد العاملة بصورة كبيرة من أجل توفير طلب الدولة للعمال".
السلم الاجتماعي
بخصوص نيات رئيس الجمهورية التي طرحها منذ عام ونصف العام لتحيين مجلة الشغل ومراجعة التشريع الاجتماعي أكد السماوي أهمية مجلة الشغل وتأثيرها في الجانب الاقتصادي، مؤكداً أنه لم يتم حتى اليوم القيام بتحيين جوهري وشامل لهذه المجلة التي تتضمن عديداً من الجوانب". ولفت إلى أن التغيير الذي أجري في مجلة الشغل سنة 1996 خلق صور التشغيل الهش وشجع على انتشار ما سُمي "شركات المناولة"، مشدداً على ضرورة القيام بتغيير جذري على هذه المجلة.
من جهة أخرى اعتبر بدر السماوي أن الصعوبة تكمن في معالجة مسألة "المناولة" والتخلي عن العقود محدودة الزمن، مبيناً وجود محاولة من أجل ضمان أكثر ما يمكن لإرساء العمل القار والقضاء على التشغيل الهش بما يضمن العلاقة الشغلية بين الأجير وصاحب الشغل من دون الإضرار بمصلحة الطرفين، وذلك لضمان السلم الاجتماعي. ونبه أخيراً إلى أنه لا يمكن التنازل عن عديد من القواعد العامة في هذه المجلة كالحق النقابي والعلاقات الشغلية والسن الدنيا للعمل والمساواة بين المرأة والرجل في الأجر وغيرها من المبادئ التي ينص عليها الدستور التونسي. وخلص بدر السماوي إلى القول، "إذا غاب الاستقرار الاجتماعي لا يمكن أن نحقق نمواً اقتصادياً".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

صحيفة عاجل
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- صحيفة عاجل
هل يمكن نقل كفالة عامل منزلي برقم الحدود؟.. مساند تجيب
ورد استفسار إلى منصة مساند، من أحد المتابعين، نصه: "عامل منزلي عليه بلاغ هروب أثناء الفترة التجريبية برقم الحدود ولم يستخرج إقامة كيف طريقة تصحيح وضعه؟". وأوضحت مساند، عبر صفحتها بموقع إكس، أنه لا يمكن النقل برقم الحدود، ويلزم وجود رقم إقامة سابقة وبلاغ تغيب حتى يتمكن العامل من الاستفادة من المبادرة. وأضافت: "لمزيد من المعلومات يمكن التواصل على الرقم التالي: 920002866". ومبادرة تصحيح أوضاع العمالة المنزلية هي مبادرة تتيح لأصحاب العمل إمكانية نقل خدمات العمالة المنزلية المتغيبة عن العمل لتصحيح أوضاعها من خلال نقل خدماتهم إلى أصحاب العمل كعمالة منزلية ويتم هذا الإجراء من خلال منصة مساند، وإرسال الطلب إلى منصة أبشر لاستكمال الإجراءات اللازمة. وعليكم السلام لمزيد من المعلومات نسعد بتواصلك معنا على الرقم التالي 920002866 يومك سعيد — مساند | Musaned (@Musaned_DL) May 13, 2025 مساند

صحيفة عاجل
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- صحيفة عاجل
هل يقتصر نقل خدمات المتغيبين عن العمل على جنسيات محددة؟.. توضيح من مساند
تم النشر في: ورد استفسار إلى الحساب الرسمي لخدمات العمالة المنزلية في المملكة العربية السعودية مساند، من أحد المتابعين، نصه: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل يشمل نقل خدمات المتغيبين عن العمل العاملات الأندونيسيات؟". وأوضحت منصة مساند، عبر صفحتها بموقع إكس، أن القرار يطبق على جميع العمالة المنزلية، مضيفًة أنه لمزيد من المعلومات يمكن التواصل على الرقم التالي: 920002866. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلا بك يطبق القرار على جميع العمالة المنزلية. ولمزيد من المعلومات نسعد بتواصلك معنا على الرقم التالي 920002866 يومك سعيد — مساند | Musaned (@Musaned_DL) May 9, 2025 وتتيح منصة «مساند» إمكانية تصحيح وضع العمالة المنزلية المتغيبة عن العمل أو التي انتهت رخص إقامتها، وهي خدمة متاحة لأصحاب الأعمال. وأوضحت منصة مساند، أن خدمة تصحيح وضع العمالة المتغيبة تتيح للعمالة المنزلية المتغيبة عن العمل أو التي انتهت رخص إقامتها بتصحيح أوضاعها من خلال نقل خدماتهم إلى أصحاب عمل آخرين كعمالة منزلية، ويتم هذا الإجراء من خلال منصة مساند. ويمكن لأصحاب العمل عبر منصة مساند نقل خدمات العمالة المنزلية المتغيبة عن العمل لتصحيح أوضاعها من خلال نقل خدماتهم إلى أصحاب العمل كعمالة منزلية.

العربية
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- العربية
باكستان تحث الشركاء على المساعدة في التهدئة مع الهند
وسط تبادل الاتهامات والمسؤوليات بين الهند وباكستان وتجدد الاشتباكات الحدودية بين البلدين النوويين، حثت الحكومة الباكستانية المجتمع الدولي على المساعدة في التهدئة. وناشد قسم الشؤون الاقتصادية بالحكومة في منشور على منصة إكس، اليوم الجمعة، الشركاء الدوليين، بما في ذلك البنك الدولي، تقديم المزيد من القروض، مشيراً إلى "الخسائر الفادحة التي تكبدتها البلاد على يد العدو"، في أعقاب الضربات العسكرية الهندية يوم الأربعاء الماضي. كما أضاف قائلا "في ظل تصاعد الحرب وانهيار أسواق الأسهم، نحث الشركاء الدوليين على المساعدة في تهدئة الأوضاع". فيما أوضح سفير باكستان لدى الولايات المتحدة رضوان سعيد أن البلدين أجريا اتصالات على مستوى مجلسي الأمن القومي لكل منهما. لكنه رأى في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، أن مسؤولية تهدئة التوترات تقع على عاتق الهند بعد اشتباكات على مدى يومين. "لم نخسر طائرات" من جانبه نفى وزير الإعلام الباكستاني، التقارير التي أشارت إلى تضرر أو خسارة القوات الجوية الباكستانية طائرات من طراز إف-16 أو جيه إف-17 ، مؤكدا "ألا أساس لها من الصحة على الإطلاق". كما أكد في تصريحات اليوم أن بلاده لم تنفذ أي هجمات في كشمير الهندية، نافيا بذلك "الادعاءات الهندية"، وفق ما نقلت وكالة رويترز. في المقابل، أكد الجيش الهندي في منشور على إكس أن القوات المسلحة الباكستانية شنت هجمات متعددة باستخدام طائرات مسيرة وذخائر أخرى على طول الحدود الغربية للهند ليل الخميس الجمعة. وكانت كل من إسلام آباد ونيودلهي تبادلتا خلال الساعات الماضية الاتهامات بشن هجمات عبر طائرات مسيرة خلال اليومين الماضيين. في حين حذر وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف من أن الرد "بات مؤكدا بشكل متزايد"، وذلك في اليوم الثاني من الاشتباكات العنيفة بين الجارتين النوويتين. يشار إلى أن القتال والمواجهات المستمرة بين الجانبين منذ يومين أدت إلى مقتل نحو 40 شخصا. وبدأ التصعيد الأخير في 22 أبريل عندما قتل مسلحون 26 شخصا في الشطر الذي تديره الهند من كشمير. فاتهمت نيودلهي إسلام آباد بالوقوف وراءه وهو ما نفته الأخيرة ودعت إلى إجراء تحقيق محايد.