
ترامب يُبكي الأوروبيين
ما حدث في ختام الدورة 61 لمؤتمر ميونيخ للأمن الجمعة 14 فبراير الماضي خير تعبير عن العلاقة الحالية بين الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، وأوروبا، وقد يكون بداية لحظة فراق استراتيجي بينهما. رئيس المؤتمر الألماني، كريستوف هيوسجن، بكى بدموع حارة، خلال كلمته الختامية في المؤتمر.
نعم، بكى فعلاً وليس مجازاً، وتبارت وسائل الإعلام خصوصاً المرئية في نقل هذا الفيديو، لكن لماذا بكى هذا المسؤول الألماني الذي يعبر إلى حد كبير عن الموقف الأوروبي شديد الصعوبة في هذه الأيام؟
في هذا المؤتمر تحدث نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، بفوقية وعجرفة غير مسبوقة، ووجه انتقادات حادة للأوروبيين.
حيث قال: إن على أوروبا أن تزيد من الإنفاق العسكري، وأن تعتمد على نفسها في مجال الأمن، وتحد من الهجرة، بل وشبه زعماء القارة الأوروبية بالمفوضين السوفييت قبل تفكك بلدانهم في بداية تسعينيات القرن الماضي، والأخطر أنه قال: «التهديد الذي يقلقني أكثر من أي شيء آخر، فيما يتصل بأوروبا ليس روسيا ولا الصين، ولا أي طرف خارجي ما يقلقني هو التهديد من الداخل، تراجع أوروبا عن بعض قيمها الأساسية، خصوصاً حرية التعبير وضرورة إزالة جدران الحماية، والاستماع لمواطنيهم».
والسؤال ماذا يقصد بذلك؟ الإجابة ببساطة أنه يطالب الحكومات الأوروبية بالحوار والنقاش مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، والسماح لها بحرية الحركة والعمل، وبالذات مع حزب «البديل من أجل ألمانيا» المتطرف، الذي زادت مقاعده بالبوندستاج في الانتخابات البرلمانية، التي جرت الأسبوع الماضي، وشهدت تفوق اليمين بكل مستوياته.
ومن الواضح أن كلام دي فانس هو صدي كلام ترامب نفسه، لأن الأخير وصف الخطاب بعد نهايته بساعات قليلة بأنه رائع، مضيفاً: «لقد سمعت خطابه، لقد تحدث عن حرية التعبير، وأعتقد أنه صحيح، في أوروبا يفقدون حقهم الرائع في حرية التعبير».
حينما انتهى خطاب دي فانس، وفى الكلمة الختامية للمؤتمر، لم يملك كريستوف هيوسجن أن يمسك دموعه وهو يقول: «المبادئ المشتركة مع الأمريكيين لم تعد مشتركة، كما كنا نعتقد. علينا أن نكون حذرين من أن قاعدة المبادئ المشتركة لم تعد مشتركة بعد اليوم بين الدول الغربية».
هيوسجن أشاد بموقف القادة الأوروبيين، الذين انتقدوا وعارضوا خطاب دي فانس، ثم فقد السيطرة على مشاعره، وتساقطت دموعه بطريقة مؤثرة أمام الحضور. كلمات وتصريحات دي فانس وصفها البعض بأنها حرب أيديولوجية جديدة ليست بين الشرق والغرب أو بين الرأسمالية والاشتراكية، كما كان البعض يعتقد لفترات طويلة في الماضي، بل بين أمريكا وأوروبا الغربية، وهما الطرفان اللذان ظلا حلفاء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحتى دخول ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي.
وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، انتقد تصريحات دي فانس وقال: «لا أحد يستطيع فرض نموذجه على أوروبا»، والرئيس الفرنسي ماكرون قال: إن أوروبا عليها ألا تخضع لأمريكا.
والمستشار الألماني المنتهية ولايته، أولاف شولتز، رفض التصريحات بشدة خصوصاً قول فانس بشأن جدران الحماية والمقصود بها التصدي للأحزاب اليمينية المتطرفة في القارة، وقال شولتز: «ألمانيا لن تقبل أن يتدخل الغرباء في ديمقراطيتنا، وفى انتخاباتنا، وفى التشكيل الديمقراطي للرأي العام»، وفى الإجمال وصف شولتز خطاب دي فانس بأنه غير مفهوم ومحبط.
في تقديري فإن خطاب دي فانس ليس مجرد خطاب عادي، بل قد يدخل هذا الخطاب التاريخ باعتباره نقطة فاصلة وفارقة في علاقة أمريكا بأوروبا، بمعنى أنها بداية الافتراق التدريجي بين الطرفين اللذين ظلا في علاقة وثيقة داخل حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، لكن السؤال المهم هو كيف سيسير سيناريو العلاقة بين الشريكين علي ضفتي الأطلسي، في ظل اللغة الهجومية التي يتبناها ترامب الذي قال: إن الاتحاد الأوروبي تأسس للإضرار بالمصالح الأمريكية؟
نعلم ونعرف أن ترامب يطالب أوروبا بأن ترفع نسبة مساهمتها في ميزانية حلف شمال الأطلنطي من 2 إلى 5 %، ما يعنى مزيداً من الأعباء الاقتصادية، علماً بأن معظم بلدانها تعانى من مشاكل وأزمات اقتصادية خانقة حتى في ظل نسب مساهمتها المتدنية في ميزانية الحلف.
إحدى الأزمات الوجودية التي تواجه أوروبا مع ترامب أنه يريد أن يحل الأزمة الأوكرانية بصورة ترى أوروبا أنها تجامل روسيا كثيراً على حساب أوكرانيا، وعلى حساب الأمن الأوروبي، بل ومستقبل القارة، والدليل هو أن ترامب بدأ التفاوض مع روسيا بشأن أوكرانيا من دون مشاورة أوروبا، بل وحتى أوكرانيا، ويريد أن يحصل من أوكرانيا على كل ما حصلت عليه من إدارة جو بايدن.
السؤال المهم، هل تتمكن أوروبا من الدفاع عن نفسها بعيداً عن الحماية الأمريكية؟ نعلم أن فرنسا وبعض دول القارة يريدون تكوين جيش مستقل بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، لكن كل هذه التجارب تعثرت في الماضي، فهل يدفع الافتراق الأوروبي الأمريكي في إعادة إحياء الفكرة، وهل سيسمح ترامب ومعه الدولة العميقة الأمريكية في أن تكون أوروبا مستقلة بعيداً عن المظلة الأمريكية، الأمر الذي قد يصب في النهاية بمصلحة كل من روسيا والصين، ويجعل أمريكا منعزلة فعلياً عن التأثير في هذه المنطقة الحيوية من العالم؟
دموع رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن لم تكن مجرد غضب من مسؤول أوروبي على تصريحات رآها غريبة ومستهجنة من مسؤول أمريكي، بل هي تعبير أصيل وجوهري عن حجم الأزمة بين أوروبا وأمريكا، وعن حجم التراجع الأوروبي الذي ظن أنه ما يزال قوياً ومؤثراً، ثم استفاق إلى أن ترامب يتعامل مع هذه القارة، وكأنها دولة أو مجموعة دول تنتمي إلى العالم الثالث المختلف!
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 33 دقائق
- صحيفة الخليج
روسيا تعلن تبادل 270 عسكرياً و120 مدنياً مع أوكرانيا
موسكو-أ ف ب أعلنت روسيا، الجمعة، أنها استعادت 270 عسكرياً و120 مدنياً كانوا أسرى لدى أوكرانيا، مقابل تسليم عدد مماثل من الأشخاص كانت موسكو تحتجزهم، وذلك في إطار عملية تبادل أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق. وقالت وزارة الدفاع الروسية عبر «تيليغرام»: «عاد 270 عسكرياً روسياً و120 مدنياً، بينهم مدنيون من منطقة كورسك أسرتهم القوات المسلحة الأوكرانية، من الأراضي التي يسيطر عليها نظام كييف. وفي المقابل، تم تسليم 270 أسير حرب من القوات المسلحة الأوكرانية و120 مدنياً». وأعلن ترامب الجمعة، عملية تبادل «كبيرة» للأسرى بين أوكرانيا وروسيا، مهنئاً البلدين وطارحاً إمكان أن تفضي هذه الصفقة إلى «أمر مهم»، في إشارة محتملة إلى مفاوضات بين الطرفين المتحاربين. وكتب ترامب على منصته «تروث سوشال»: «اتفاق للتو على عملية تبادل أسرى كبيرة بين روسيا وأوكرانيا»، مؤكداً أنه «سيدخل حيّز التنفيذ قريباً». وأضاف: «تهانينا للطرفين على هذه المفاوضات. هل يُفضي هذا إلى أمرٍ مهم؟»، من دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل. ويُعتبر هذا النوع من التبادل حساساً جداً بين دولتين في حالة حرب، وعادة ما يبقى سرياً حتى اكتماله، وقد يستغرق الأمر ساعات. واتفق الروس والأوكرانيون في 16 أيار/مايو على تبادل ألف أسير من كل جانب خلال محادثات في إسطنبول هي الأولى المباشرة بينهما منذ عام 2022، ولكن من دون التوصل إلى هدنة. ويحتجز البلدان آلاف أسرى الحرب جراء القتال المتواصل منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن عددهم المحدد غير معروف. وقال مفوض أوكرانيا لشؤون المفقودين أرتور دوبروسردوف في نيسان/إبريل الماضي «لدينا تأكيد بوجود نحو 10 آلاف أسير لدى روسيا». وأكد مسؤول أوكراني رفيع طالباً عدم الكشف عن اسمه أن روسيا تقدم معلومات قليلة جداً عن مصير الأسرى الأوكرانيين وأن كل عملية تبادل تحمل مفاجآت. وأضاف: «في كل تبادل تقريباً، يكون هناك أشخاص لا يعرف أحد عنهم شيئاً. أحياناً يعيدون إلينا أشخاصاً مدرجين ضمن قائمة المفقودين أو اعتبروا متوفين». وتشكل قضية أسرى الحرب أحد الملفات القليلة التي تمكنت كييف وموسكو من التوصل إلى اتفاقات بشأنها منذ بدء الحرب، مما أدى إلى عمليات محدودة لتبادل الأسرى.


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
جامعة هارفرد تقاضي ترامب بعد إلغائه حقها في تسجيل الطلاب الأجانب
نيويورك-أ ف ب رفعت هارفرد دعوى قضائية ضد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة، بسبب إلغائها حق الجامعة المرموقة في تسجيل واستضافة الطلاب الأجانب، بحسب ما أظهرت وثائق قضائية. وجاء في ملف الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الفيدرالية في ولاية ماساتشوستس أن «هذه هي أحدث خطوة تتخذها الحكومة في انتقام واضح من ممارسة هارفرد لحقوقها التي يكفلها لها التعديل الأول لرفض مطالب الحكومة بالسيطرة على إدارة هارفرد ومنهجها الدراسي وأيديولوجيا هيئة التدريس والطلاب». وألغت إدارة ترامب حقّ جامعة هارفرد في تسجيل الطلاب الأجانب، ما يعرض مستقبل آلاف الطلاب للخطر، فيما انتقدت الصين الجمعة «تسييس» التبادلات العلمية. ويهدد القرار الذي أعلنته الإدارة الأمريكية، الخميس، بتكبيد الجامعة المرموقة خسائر مالية ضخمة. وسارعت الجامعة ومقرها مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس إلى انتقاد القرار ووصفته بأنه «غير قانوني»، وقالت إنه سيضر بها وبالولايات المتحدة، في حين قالت طالبة إنها وزملاءها «يشعرون بالذعر». ولا يخفي ترامب، غضبه إزاء جامعة هارفرد التي تخرج منها 162 من حائزي جائزة نوبل، وذلك لرفضها طلبه الخضوع للرقابة على القبول والتوظيف بعدما اتهمها بأنها معقل لمعاداة السامية و«أيديولوجيا اليقظة» (ووك). وستكون خسارة الطلاب الأجانب الذي يشكلون أكثر من ربع طلابها مكلفة لجامعة هارفرد التي تتقاضى من كل منهم عشرات الآلاف من الدولارات سنوياً في شكل رسوم دراسية. وجاء في رسالة وجّهتها وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نويم إلى رابطة «آيفي ليغ» التي تضم ثماني من أشهر جامعات البلاد: «بمفعول فوري، تم إبطال الترخيص الممنوح لبرنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب في جامعة هارفرد»، في إشارة إلى النظام الرئيسي الذي يُسمح بموجبه للطلاب الأجانب بالدراسة في الولايات المتحدة. وقالت نويم في بيان منفصل: إن «هذه الإدارة تحمّل هارفرد مسؤولية تعزيز العنف ومعاداة السامية والتنسيق مع الحزب الشيوعي الصيني في حرمها الجامعي». ويشكل الطلاب الصينيون أكثر من خمس إجمالي عدد الطلاب الدوليين المسجلين في هارفرد، وفقاً لأرقام الجامعة، وقالت بكين إن القرار «لن يؤدي إلا إلى الإضرار بصورة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية». وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ: «لطالما عارض الجانب الصيني تسييس التعاون التعليمي». بدورها، انتقدت وزيرة البحث العلمي الألمانية دوروثي بير، الجمعة، قرار الحكومة الأمريكية، وقالت خلال اجتماع مع نظرائها الأوروبيين في بروكسل: «إنه قرار سيّئ للغاية. آمل بأن يتم إلغاؤه».

البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
روسيا وأوكرانيا تشرعان في تبادل لأسرى الحرب
قال مصدر عسكري أوكراني إن روسيا وأوكرانيا بدأتا اليوم الجمعة عملية تبادل كبيرة لأسرى الحرب بينهما، في عملية جرى الاتفاق عليها خلال أول محادثات مباشرة بينهما منذ أكثر من ثلاث سنوات. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن العملية اكتملت بالفعل، لكن كييف وموسكو لم تؤكدا ذلك، في حين قال المصدر العسكري الأوكراني إنها لا تزال جارية. اتفقت روسيا وأوكرانيا خلال محادثات استمرت ساعتين في إسطنبول الأسبوع الماضي على تبادل 1000 أسير، لكنهما لم تتفقا على وقف إطلاق النار الذي اقترحه ترامب. وكان تبادل الأسرى هو الخطوة الملموسة الوحيدة نحو السلام التي اتفق عليها الجانبان في محادثاتهما في إسطنبول. وكتب ترامب في منشور على موقع تروث سوشيال: "تهانينا للجانبين على هذه المفاوضات.. هل يمكن أن تفضي إلى أمر كبير؟". يُعتقد أن مئات الآلاف من الجنود من كلا الجانبين أصيبوا أو قتلوا في أعنف حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، لكن لم ينشر أي من الجانبين أرقاماً دقيقة لخسائره في الأرواح. ولقي أيضاً عشرات الألوف من المدنيين الأوكرانيين حتفهم نتيجة حصار القوات الروسية وقصفها للمدن الأوكرانية. وتقول أوكرانيا إنها مستعدة على الفور لوقف إطلاق نار لمدة 30 يوماً لكن روسيا، التي بدأت الحرب بغزو جارتها في 2022 وتحتل الآن نحو خُمس أوكرانيا، إنها لن توقف هجماتها حتى تلبى شروطها أولاً.. ووصف أحد أعضاء الوفد الأوكراني هذه الشروط بأنها "غير قابلة للتنفيذ". كان ترامب، الذي غير السياسة الأمريكية من دعم أوكرانيا إلى قبول نوع منا بالرواية الروسية للحرب، قد قال إنه قد يشدد العقوبات على روسيا إذا عرقلت موسكو اتفاقاً للسلام. لكن بعد حديثه مع بوتين يوم الاثنين، قرر عدم اتخاذ أي إجراء في الوقت الحالي. وتقول موسكو إنها مستعدة لمحادثات سلام بينما يستمر القتال، وتريد مناقشة ما تسميها "الأسباب الجذرية" للحرب، بما يشمل مطالبها بتنازل أوكرانيا عن المزيد من الأراضي ونزع سلاحها ومنعها من التحالفات العسكرية مع الغرب. وتقول كييف إن ذلك يعادل الاستسلام وسيتركها بلا دفاع في مواجهة أي هجمات روسية في المستقبل.