logo
أوهام ترامب الروسية

أوهام ترامب الروسية

القدس العربي منذ يوم واحد

لا التريليونات المخطوفة، ولا «بهلوانيات» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولا «القبة الذهبية» الصاروخية الفضائية، سوف تحقق هدف ترامب في جعل أمريكا الأعظم مرة أخرى، ولا في فرض «السلام الأمريكاني» على طريقة «السلام الروماني» القديم، أو ما يسميه ترامب كثيرا «فرض السلام بالقوة»، ربما السبب في التغيرات الجارية بخرائط العالم، فقد تغير العالم لمرات كثيرة منذ العهد الروماني، وليس واردا أن يصبح «ترامب» إمبراطورا رومانيا جديدا، وقد لا تصح الاستهانة بقوة أمريكا الحربية والتكنولوجية، تماما كما لا تصح الاستهانة بصعود قوى أخرى إلى قمة التطور العالمي، قد تكون الصين أهمها بالمعنى الشامل للقوة، لكن روسيا أيضا تعاود الصعود على طريقتها العسكرية، وجمع القوة الصينية والروسية العسكرية معا، يزيد بكثير على قوة أمريكا، رغم أن أمريكا تنفق عسكريا ما يزيد على التريليون دولار سنويا، وهو ما يزيد بمرتين على ما تنفقه الصين وروسيا معا، لكن المقابل المالي مختلف عن المقابل العيني المرئي لأسباب كثيرة، ويكفي ـ مثلا ـ أن روسيا مع التواضع النسبي لإنفاقها العسكري، تنتج سنويا أربعة أمثال ما تنتجه دول حلف «الناتو» مجتمعة، بما فيها أمريكا من سلاح.
وقد يستطيع ترامب، أن يعقد مؤتمرا صحافيا كل يوم وكل ساعة، وأن يفاخر ـ على عادته ـ بعظمة وروعة الأسلحة الأمريكية، وأن يتمتع شخصيا بإصدار أوامره «البهلوانية» بضم كندا، واحتلال غرينلاند، وقناة بنما، وغزة، وقبلها المكسيك، وأن يتخيل على طريقة مبالغات تلفزيون الواقع، أن أوامره كلها تتحقق فور النطق بها، لكن لا شيء تحقق أو يتحقق، رغم مضى شهور على شطحاته وتبجحاته، ولسبب بسيط لا يدركه في فورة انفعالاته الحماسية، هو أن هناك حدودا للقوة الأمريكية، التي جرى ويجري اختبارها في السنوات الأخيرة، وبالذات في مناطق نفوذ الصاعدين الجدد، وإن أغراه الفوز السريع السهل في مناطق «الربع الخالي»، كما في المنطقة العربية بالذات.
بوتين يدمج ببراعة بين أهدافه في أوكرانيا وأوروبا، وسعيه لإقامة عالم متعدد الأقطاب، يفكك ويفتت الهيمنة الغربية والأمريكية، ويعيد روسيا إلى قلب تفاعلات العالم الأوسع
لكن الأمور لا تمضي كما يتصور في مناطق أخرى ممتلئة بناسها وقواها، وكلنا يتذكر أغرب وعود ترامب، وقوله المتكرر في حملته الانتخابية الصاخبة، أنه يستطيع وقف حرب أوكرانيا في 24 ساعة، ثم زاد المدة قليلا بعد عودته رسميا إلى البيت الأبيض، ثم مضت شهور لاهثة طويلة إلى اليوم، بادر فيها إلى إجراء مكالمات هاتفية مطولة بالساعات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتبرع بانطباعات «بهلوانية» عن جودة وروعة مفاوضاته الهاتفية، وعن أدوار وزرائه ومبعوثيه في الرياض وموسكو، وقدم المغريات تلو المغريات للرئيس الروسي، وكرر موافقته على ضم شبه «جزيرة القرم» والمقاطعات الأوكرانية الأربع إلى موسكو، وتعهده بعدم انضمام أوكرانيا لحلف «الناتو» في أي وقت، واستعداده للقاء بوتين في أي مكان، لكن بوتين ظل يتلاعب بعواطف ترامب، ولم يذهب إلى مفاوضات تركيا، وضيع على ترامب فرصة التقاط صور ترضي غروره، وتركه يعود من غزوته الخليجية إلى واشنطن محبطا من خذلان بوتين لمساعيه، فيما وجه الرئيس الروسي معاونيه بصياغة مذكرة استسلام أوكراني شامل، يتوقع عرضها في اجتماع لاحق بتركيا، وتكون شرطا مسبقا لبحث اقتراحات واشنطن لوقف إطلاق النار، ما زاد في غضب ترامب، إلى أن وصف بوتين أخيرا بالمجنون تماما، وأنه «يلعب بالنار»، ومن دون أن يكلف بوتين نفسه عناء الرد عليه، وإن صدرت عن «الكرملين» تعليقات طريفة لاذعة، من نوع وصف تهجمات ترامب اللفظية بأنها تنفيس عن «عبء عاطفي زائد»، فالمعروف أن ترامب يعاني من خسارة توقعاته، ومن خيبة أمله في تجاوب الرئيس الروسي معه، بعد أن تباهى مرارا وتكرارا بمعرفته العميقة بالرئيس بوتين، وبمحبته الغامرة لطريقة تفكيره، وتلك واحدة من ألغاز بوتين، الذي يثق على ما يبدو في حدود ردود أفعال ترامب، الذي يطالبه معاونوه بالعودة إلى فرض عقوبات جديدة على موسكو، يتشكك ترامب نفسه في جدواها، حتى إن اندفع إليها .
وكما قلنا مبكرا هنا وفي غير مكان، أن ما جرى ويجري بين موسكو وواشنطن، هو لعبة بوتين مع ترامب وليس العكس، وأن هدف بوتين، هو تعميق الفجوة بين واشنطن والحلفاء الأوروبيين في حلف «الناتو»، والسعي لإخراج أمريكا من حرب أوكرانيا، والاستفراد بأعداء موسكو الأوروبيين، وهو ما جرى الكثير منه باندفاعات ترامب، وابتزازه المتكرر للحلفاء الأوروبيين في حلف «الناتو»، وطلبه زيادة بل مضاعفة الإنفاق الأوروبي في ميزانية الحلف، وإلى حدود 5% من إجمالي الناتج القومي لكل دولة أوروبية حليفة، وتخفيض عبء الإنفاق الأمريكي في الميزانية السنوية البالغة 1.6 تريليون دولار، إضافة إلى فتح أسواق أوروبا بلا قيود للمنتجات الأمريكية، وإزالة الاشتراطات والمعايير الأوروبية الصارمة على السيارات والمنتجات الغذائية الأمريكية، فوق مضاعفة واردات أوروبا من البترول والغاز الطبيعي من أمريكا، وكلها شروط أمريكية لا يستطيع الأوروبيون تلبيتها ببساطة، حتى في المفاوضات الجارية في مهلة التسعين يوما بعد تعلية ترامب لسقف الرسوم الجمركية، وكلامه المتكرر عن تناقض المصالح الاقتصادية بين واشنطن والاتحاد الأوروبي، وتخوف الأوروبيين المتزايد من احتمالات سحب مظلة الحماية النووية والقواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا، ما دفع الأوروبيين إلى عودة للبحث في نظام دفاعي أوروبي بحت، وإعلان المفوضية الأوروبية عن خطة لإنفاق 800 مليار يورو لتطوير الإنتاج العسكري الأوروبي حتى 2030، وتخصيص 150 مليار يورو إضافية لدعم أوكرانيا في الحرب مع روسيا، وقد أثبتت سنوات الحرب الثلاث وأكثر الفائتة، أنه ليس بوسع «أوروبا الأطلنطية» مجاراة روسيا، ورغم إنفاق مئات مليارات الدولارات، دعما وتسليحا من جانب أمريكا وأوروبا معا، فإنها لم تستطع وقف التقدم العسكري الروسي، الذي تصاعدت وتيرته في الشهور الأخيرة، مع استعادة الروس لكامل مقاطعة «كورسك» الروسية، واستمرار موسكو في القضم المتدرج لما تبقى من المقاطعات الأوكرانية الأربع (دونيتسك ولوغانسيك وزاباروجيا وخيرسون)، وما عجزت عنه حرب أمريكا وأوروبا معا، لا يتصور أحد أن تنجح فيه أوروبا وحدها، بعد نجاح بوتين في استثمار اندفاعات ترامب، وخلخلة الموقف الأمريكي الداعم لأوكرانيا ورئيسها زيلينسكي، وإهانات ترامب الشهيرة للرئيس الأوكراني في لقاء المكتب البيضاوي، وتصميمه على تقديم أوكرانيا لتنازلات كبيرة من أراضيها لصالح الروس، وفتور حماسه لتقديم مزيد من المعونات العسكرية في حرب الميدان الأوكراني، وهو ما ظهر في ضعف نظام الدفاعات الجوية في الداخل الأوكراني، وبما زاد في إفساح المجال لهجمات المسيرات الانتحارية والصواريخ الروسية، وفي توسع الهجمات البرية الروسية داخل مقاطعتي خاركيف وسومي، إضافة للمقاطعات الأربع المستهدفة أصلا، ما يضاعف من ذعر الأوروبيين، الذين يخشون من امتداد الحرب الروسية إلى مقاطعات أوكرانيا غرب نهر دنيبرو، وربما إلى دول البلطيق الصغيرة الثلاث (لاتفيا واستونيا وليتوانيا) المنضمة سابقا لحلف «الناتو»، خصوصا مع تخطيط موسكو لإرسال مئة ألف جندي إضافي إلى بيلاروسيا، تحت غطاء إجراء مناورات، وتضاعف معدلات حروب موسكو الهجينة تحت مياه بحر البلطيق، وقطع كابلات الاتصال والطاقة باستخدام أساطيل الظل الروسية، وزيادة الحشد العسكري الصاروخي والنووي في مقاطعة كالينينغراد المنفصلة بريا عن الأراضي الروسية، والتي تبدو على الخرائط كخنجر نافذ في قلب أوروبا الغربية، علما أن أراضي البر الرئيسي الروسي الأوروبي تشكل 40% من كل مساحة أوروبا، وبينما تبدو التحركات الروسية كإجراء احترازي يرد على توسع حلف «الناتو» وضمه لفنلندا والسويد، ما يزيد من هلع الأوروبيين، ويدفعهم إلى اتخاذ إجراءات مضادة ضد روسيا، على طريقة إعلان المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس عن فك قيود استخدام أوكرانيا للصواريخ بعيدة المدى في العمق الروسي، وربما توريد ألمانيا لصواريخ «تاوروس» إلى أوكرانيا، إضافة لصواريخ «ستورم شادو» البريطانية و»سكالب» الفرنسية، التي لم تحقق تغيرا فارقا في موازين الحرب، لا هي ولا مثيلتها «أتاكمز» الأمريكية، فالروس يتكيفون مع المستجدات الحربية بسرعة لافتة، ولديهم الدواء لكل داء حربي مستجد، وقد يهزمون ويتراجعون أحيانا، لكنهم ينتصرون في النهاية ويستنزفون الأعداء الغربيين، وهو ما اعترف به «ترامب» نفسه مرات، وقال إنه لا يمكن تصور هزيمة روسيا .
ويبقى في الحساب المفتوح، أن بوتين لاعب الشطرنج المتمكن سياسيا وعسكريا، لا يبدو قابلا لخداع جديد، وليس مستعدا لخسارة تحالفه القوي مع الصين، ويدمج ببراعة بين أهدافه في أوكرانيا وأوروبا، وسعيه لإقامة عالم متعدد الأقطاب، يفكك ويفتت الهيمنة الغربية والأمريكية، ويعيد روسيا إلى قلب تفاعلات العالم الأوسع.
كاتب مصري

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قصف عنيف وحماس تسلّم ردها حول مقترح ويتكوف
قصف عنيف وحماس تسلّم ردها حول مقترح ويتكوف

العربي الجديد

timeمنذ 4 ساعات

  • العربي الجديد

قصف عنيف وحماس تسلّم ردها حول مقترح ويتكوف

تعرضت المناطق الشرقية لمدينة غزة وشرق جباليا البلد ، شمالي القطاع، لقصف مدفعي عنيف من قوات الاحتلال الإسرائيلي ، فيما استهدف الاحتلال مسجد الشهيد جمال أبو حمد داخل بلدة عبسان الكبيرة شرق خانيونس، جنوبي القطاع. وأكدت بلدية غزة اليوم السبت أنّ استمرار نزوح مئات الآلاف من المواطنين من شرق مدينة غزة إلى غربها ومن محافظة شمال القطاع يفاقم الكارثة وينذر بانهيار وشيك لمنظومة الخدمات الأساسية في المدينة. بدورها أعلنت بلدية خزاعة شرق مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، السبت، البلدة "منطقة منكوبة بالكامل" جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر والمتواصل الذي طاول مختلف مكونات الحياة فيها، ضمن حرب الإبادة الجماعية المتواصلة للشهر العشرين. في الأثناء، أكد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، اليوم السبت، أن إيقاف المجاعة الجماعية الحالية في غزة يتطلب إرادة سياسية. وقال إن المساعدات التي تُرسل الآن تسخر من المأساة الجماعية في قطاع غزة. وبدوره، حذّر أجيث سونغاي، ممثل مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أنّ الآلية الأميركية الإسرائيلية لتوزيع مساعدات إنسانية بقطاع غزة "غير مستدامة" وتنطوي على "إذلال" يفاقم معاناة الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة متواصلة منذ أكثر من 20 شهراً. وفي مقابلة مع وكالة الأناضول بجنيف، تحدث سونغاي عن مخاطر هذه الآلية، مشيراً إلى أنها تحمل "إذلالاً" يضاعف من المعاناة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع الفلسطيني، و"تفتقد للإنصاف والحياد والاستقلالية"، كما أنها "غير مستدامة". ويأتي ذلك فيما يتواصل الحراك الدبلوماسي للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، إذ أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 ، أمس الجمعة، عن اعتقاده بأن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في غزة "أصبح قريباً جداً"، وقال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض: "إنهم قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق بشأن غزة. سنبلغكم بذلك خلال اليوم أو ربما غداً. ولدينا فرصة لذلك". وبدوره، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اليوم السبت، أنّ بلاده ستستمر في جهود التسوية، بالتعاون مع الولايات المتحدة وقطر، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وشدد عبد العاطي، خلال استقباله الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، على ضرورة ضمان النفاذ الآمن والمستدام للمساعدات الإنسانية للقطاع، فضلاً عن دعم الأفق السياسي لحل الدولتين. وأعلنت حركة حماس مساء اليوم السبت أنها سلّمت الوسطاء ردّها على مقترح المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف ، الذي يتضمن وقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً وإطلاق سراح 28 من المحتجزين الإسرائيليين من الأحياء والأموات خلال الأسبوع الأول، مقابل إطلاق سراح 125 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالمؤبد، ورفات 180 من الفلسطينيين الشهداء. كذلك يتضمن المقترح إرسال مساعدات إلى غزة فور التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، إضافة إلى إفراج الحركة عن آخر 30 محتجزاً بمجرد سريان وقف إطلاق نار دائم.

لماذا تعارض دول الخليج ضرب طهران؟
لماذا تعارض دول الخليج ضرب طهران؟

العربي الجديد

timeمنذ 5 ساعات

  • العربي الجديد

لماذا تعارض دول الخليج ضرب طهران؟

وصفت السلطة القضائية الإيرانية، الثلاثاء 26 مايو/ أيار الحالي، إلقاء السعودية القبض على عالم الدين الإيراني علام رضا قاسميان بـ"غير المبرّر". وكان قاسميان نشر مقطعاً مصوّراً ينتقد فيه سياسات المملكة الأحدث لتخفيف قيود اجتماعية عديدة، في إطار سعيها لفتح الاقتصاد أمام السياحة والشركات الغربية. وأطلقت الرياض سراح قاسميان، الذي اعتقل في اليوم السابق، في أثناء وجوده في المملكة لأداء مناسك الحج، وأفادت وكالة مهر للأنباء، بأنه بحسب الصفحة الرسمية للبرنامج القرآني، جرى "إطلاق سراح حجّة الإسلام بفضل الجهود الحثيثة التي بذلتها القنصلية الإيرانية في المملكة، وهو في طريق عودته إلى بلاده". خبر لا بدّ وأن يتوقف عنده المتابع، لأنه يبرز مدى الاختلاف بين الرياض وطهران، كما ويؤكّد أن هناك "هشاشة" في العلاقة المستجدة بين البلدين. وإن توقيف الشيخ وإطلاق سراحه يحملان رسائل سعودية واضحة إلى الجانب الإيراني، على اعتبار أن العلاقة، رغم التقدم الحاصل على المستوى الدبلوماسي، تحمل الكثير من نقاط الاستفهام بشأن جدّيًتها واستمراريتها. وجاء قرار إطلاق سراح قاسميان، بالتزامن مع ما كشفته القناة 12 العبرية في تقريرها أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمر بوقف التنسيق العسكري مع إسرائيل، خشية أن يعرقل هجومها المحتمل على منشآت إيران النووية المحادثات الجارية مع طهران. وبحسب التقرير، أجرى ترامب اتصالاً هاتفيّاً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حذره خلاله "بلهجة حادّة"، من القيام بهجوم منفرد على هذه المنشآت. ولا جديد في هذا الخصوص، سيما وأن الرجل أطلق من ضمن حملاته الانتخابية تعهدات بوقف الحروب المنتشرة، في أوكرانيا كما في الشرق الأوسط. إذ على ما يبدو، اختلفت سياسات ترامب تجاه المناطق الساخنة، لا بل اختلف في نظرته إلى جعل أميركا قائدة للعالم، فهو يريدها "عظيمة" وليست قائدة. الجديد في تصريح ترامب أخيراً تأكيدُه على أن قادة السعودية والإمارات وقطر أبلغوا ترامب، في زيارته المنطقة، "رفضهم أي هجوم عسكري على إيران"، وتشجيعهم على التوصل إلى اتفاق نووي جديد عبر السبل الدبلوماسية، فهل فعلًا قرار ترامب بوقف التنسيق أتى استجابة لمطالب دول الخليج العربي؟ أم هناك غاية في نفس يعقوب؟ في العمق، يدفع ترامب نحو إيجاد قوة متنوعة في مناطق النفوذ في العالم، تعمل على فرض التوازن والأمن. ولهذا توجه إلى دول الخليج في زيارته الأولى ليؤكد أنّ المنطقة يحدّد أمنها "التوازن الإقليمي بين دولها". تريد واشنطن في المنطقة لعب دور الضابط الأمني، فلطالما بنيت استراتيجيّتها على مبدأ توزيع القوى بين اللاعبين الأربعة الرئيسيين في المنطقة، الخليجي والإسرائيلي والتركي والإيراني. فإن أي خللٍ ترتكبه واشنطن في هذا الإطار يعطي أفضلية الهيمنة لفريق على الآخرين، الأمر الذي يعرّض حضورها للخطر، لا بل يجعل مصالحها في المنطقة عرضة "للابتزاز" من الفريق المهيمن. قرار العودة الخليجية القوية إلى لبنان وسورية دليل على أنّ هذه الدول تعمل على ضبط جنوح نتنياهو والقوة الإقليمية الأخرى، من تركيا وإيران وتتعرّض العلاقة بين ترامب ونتنياهو لاهتزازاتٍ كثيرة، سيما وأن لا حدود لوقاحة نتنياهو حتى داخل دوائر القرار الأميركي، وهذا ما بات يزعج ترامب. لهذا، يعمل الأخير على ضبط جنوح نتنياهو كي لا تستيقظ الإدارة الأميركية يوماً وتجد عسكرها في خضم المعركة الإقليمية، لهذا اتخذ ترامب منفرداً قرار وقف الهجمات على اليمن، بعدما أخذ ضمانات بعدم تعرّض قواته لأي هجوم صاروخي. لا يتوقف الأمر عند ما يريده الأميركي من المنطقة، بل أيضاً لدول الخليج رؤية استراتيجية ترتبط أولاً بمصالحها المرتبطة بالممر النفطي الرئيسي عبر باب المندب الذي يقع تحت نيران الإيراني وجماعاته، فإن دول الخليج تدرك جيّداً أن أي تدهور عسكري في المنطقة سيرتدّ مباشرة على أمن ممراتها النفطية في موضوع التصدير، هذا ما يهدّد موازناتها التي ترتكز بشكل رئيسي على العائدات النفطية. كما في الأمن النفطي كذلك الأمر يتعلق بالخوف الخليجي من اهتزاز الصعود الاستثماري في مجالي التحوّلات الرقمية والسياحة، فهذه البلدان الخليجية تعمل على إيجاد بيئة آمنة بعيدة عن التوترات العسكرية، لأنها تسعى إلى أن تكون دولا مستقطبة للاستثمارات الدولية، وهذا يحتاج حتماً إلى تفاهماتٍ سياسية. لقد ادركت تلك الدول أن الأمن والاستقرار لا يمكن فرضهما عبر القوة العسكرية، بل يفرض عبر الأطر السياسية بما يتضمن التفاهمات وبناء الشراكات، وما إطلاق الشيخ الإيراني إلا دليل على رفض المواجهة مع إيران. لدول الخليج رؤية استراتيجية ترتبط أولاً بمصالحها المرتبطة بالممر النفطي الرئيسي عبر باب المندب الذي يقع تحت نيران الإيراني وجماعاته لدى دول الخليج قراءة مختلفة أيضاً للموضوع، بعيداً عن لغة القوة الاستعراضية التي يحاول نتنياهو إظهارها في المنطقة، فأي عمل عسكري تجاه طهران سيرفع من منسوب "نشوة" الانتصار عند نتنياهو، الذي لا يترك مناسبة إلا ويعبر فيها عن صناعته لشرق أوسط جديد، فهذا الرجل الذي رفع شعار تغيير خريطة المنطقة، بعد 7 أكتوبر (2023) لن يتوانى إن أقدم على ضرب ايران في فرض شروط حكومته ذات الطابع اليميني المتطرّف في وضع رسم جديد لخريطة المنطقة، وهذا ما تخشاه دول الخليج. قرار العودة الخليجية القوية إلى لبنان وسورية دليل على أنّ هذه الدول تعمل على ضبط جنوح نتنياهو والقوة الإقليمية الأخرى، من تركيا وإيران. هناك أيضاً إشكالية جوهرية، لا تستطيع دول الخليج التعامي عنها، وهو إقامة دولة فلسطينية، حيث يريد نتنياهو إزالة القضية من الذاكرة والوجود. ولهذا رفعت هذه الدول ورقة التحدّي امام التعنّت الإسرائيلي عبر التركيز على حل الدولتين الطريق الأمثل لتحقيق السلام في المنطقة. لا تستطيع الدول الخليجية وحيدةً وقف العدوان على غزّة وبناء حل الدولتين، لأنّ الموضوع يرتبط بالقدرة على فرض التأثير على الجانب الإسرائيلي. لقد وجدت بتقاطع المطلب في الاعتراف بدولة فلسطينية عنواناً آخر للتقارب الحذر مع الإيراني، رغم الاختلاف، في جوهر القضية، إذ ترفض طهران حلّ الدولتين، لكنّ من الأفضل أن يبقى السبيل لربط الصراع في هذه المرحلة بينهما، إلا أن السؤال يبقى إلى أي مدىً ستستمر سياسة "ربط النزاع" مع الإيراني، وهل قضية قاسميان عابرة أم سيبنى عليها؟

المحكمة العليا تمنح ترامب "انتصاراً" يتيح ترحيل 500 ألف مهاجر
المحكمة العليا تمنح ترامب "انتصاراً" يتيح ترحيل 500 ألف مهاجر

العربي الجديد

timeمنذ 12 ساعات

  • العربي الجديد

المحكمة العليا تمنح ترامب "انتصاراً" يتيح ترحيل 500 ألف مهاجر

سمحت المحكمة العليا الأميركية، اليوم الجمعة، لإدارة الرئيس دونالد ترامب بإلغاء برنامج الحماية المؤقتة الذي يمنح نحو 500 ألف مهاجر من كوبا وهايتي وفنزويلا ونيكاراغوا حقّ الإقامة والعمل المؤقت في الولايات المتحدة . وجاء قرار المحكمة العليا ليوقف أمراً قضائياً سابقاً أصدرته محكمة أدنى، كان قد حال دون تنفيذ قرار الحكومة بإلغاء هذه الحماية، التي تُمنح بموجب برنامج "الإفراج المشروط المؤقت" ريثما تُبت القضية أمام القضاء. ويعد هذا الحكم ثاني انتصار قضائي لإدارة ترامب خلال الأسابيع الأخيرة في ملف الهجرة، إذ سبق للمحكمة العليا أن أيّدت في وقت سابق من هذا الشهر قراراً بإنهاء الحماية المؤقتة الممنوحة لنحو 350 ألف مهاجر فنزويلي. وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد منحت "إفراجاً مؤقتاً مشروطاً" لآلاف المهاجرين من أربع دول، ممن استوفوا معايير معينة، ما أتاح لهم الحصول على تصاريح عمل وحماية قانونية لمدة عامين. ومع تولي ترامب الرئاسة، أصدر أمراً تنفيذياً بإلغاء تلك القرارات، وهو ما استجابت له وزارة الأمن الداخلي، لتبدأ المواجهة القضائية التي انتهت بقرار المحكمة العليا. قضايا وناس التحديثات الحية قاض أميركي ينتقد قرار تعليق ترحيل مهاجرين ويعكسُ هذا القرار سعيَ إدارة ترامب إلى تنفيذ أوسع حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة، إذ تستهدف ترحيل أكبر عدد ممكن من المهاجرين غير النظاميين. وصوّت لصالح القرار سبعة قضاة من أصل تسعة، فيما عارضته القاضيتان كيتانجي براون جاكسون وسونيا سوتومايور، من الجناح الليبرالي في المحكمة، واعتبرتا أن "تبعات القرار ستكون كارثية على المتضرّرين". وكانت محكمة فيدرالية قد أصدرت في إبريل/نيسان الماضي حكماً يمنع الحكومة من إلغاء الإفراج المشروط جماعياً، مؤكدة أن القانون يسمح بإلغاء الحالات فردياً فقط، وأيّدت محكمة الاستئناف ذلك القرار، قبل أن تتدخل المحكمة العليا بطلب من إدارة ترامب. وفي تعليق رسمي عقب صدور القرار، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، أبيغيل جاكسون: "نحن واثقون من قانونية إجراءاتنا الهادفة إلى حماية الشعب الأميركي، ونتطلع إلى المزيد من القرارات المؤيدة من المحكمة العليا". ويُذكر أن إدارة ترامب تواجه أكثر من 250 دعوى قضائية بسبب أوامرها التنفيذية، ويمنحها هذا القرار دفعة جديدة في مساعيها لترحيل ما يقرب من 900 ألف مهاجر كانوا قد حصلوا على تصاريح إقامة وعمل مؤقتة في عهد بايدن.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store