
علي عبيد الهاملي: لا معنى للحياة أو الكتابة بلا شغف
> تصف كتابك بأنه محطةٌ من المحطات حياة عشتها، هل تجد بعد هذه السنوات الطويلة أن الشغف بعالمي الإعلام والأدب ما زال ينبض في داخلك رغم ظهور التقنيات التكنولوجية الباردة في عالمنا؟
- عنوان كتابي هو «وما زال الشغف.. حياة بين الإعلام والثقافة»، وهذا يعني أن عنوان حياتي كلها هو الشغف المستمر بهذا العالم الساحر الذي دخلته وأنا طالب على مقاعد الدراسة. أتطلع إلى استكشاف أسرار الحياة التي حولي، وهي حياة تزخر بالكثير والكثير من الأشياء التي كان يمكن أن تجذبني إليها، مثل عالم المال والأعمال والاقتصاد على سبيل المثال، خصوصاً وأنني وُلِدت وعشت مراحل طفولتي الأولى ونشأت في دبي، ودبي كما هو معروف للقاصي والداني هي مدينة المال والأعمال والاقتصاد الأولى على هذا الساحل. لقد انجذبت بدايةً إلى مجلة «أخبار دبي» التي صدر عددها الأول في منتصف الستينات من القرن الماضي في إمارة دبي. يتضح هذا في العبارة التي ختمت بها كتابي: «وما زال الشغف... فلا معنى للحياة إذا غاب عنها الشغف».
> اندرج صدور كتابك ضمن سلسلة تجارب السيرة، فهل هذا الكتاب هو عن سيرتك الذاتية بالفعل؟
- هو جزء من سيرتي الذاتية وليس كلها. فهو يرصد عدداً من محطات حياتي بين الإعلام والثقافة، ليس كل المحطات، ولكن أهم المحطات التي لها علاقة بمسيرة الإعلام والثقافة في بلدي. لا أدعي أنني شملت كل المحطات، لكن أهمها. فهناك محطات من الصعب الحديث عنها لأسباب عديدة، وهناك مواقف وأحداث، كنت شاهداً عليها، لم أستطع إيرادها لحساسيتها التي تجعل الحديث عنها صعباً وشائكاً، وهناك محطات وأحداث ومواقف تركت الحديث عنها لوقت آخر. ربما يأتي هذا الوقت وربما لا يأتي لأسباب تتعلق بمجريات الأمور ورحلة العمر الذي لا نملك التحكم فيها. من يعلم؟
أنا محظوظ لأنني من الجيل الذي وُلَد قبل قيام دولة الاتحاد بعقد ونيّف تقريباً. جيل تفتح وعيه في مرحلة الإرهاصات التي سبقت إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي هذه المرحلة كان تفتح الوعي لديّ، وخلالها تكونت شخصيتي. لذلك فإن كل ما أتى بعدها في رحلة حياتي كان انعكاساً لتلك الظروف التي نشأت فيها، وهي ظروف انطبعت تفاصيلها في الذاكرة لتتشكل منها مرجعياتي وأفكاري وقيمي وممارساتي، فالمقارنة بين ما قبل الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 1971 وما بعده مهمة، لأن هذا التاريخ رسم خطاً فاصلاً بين الحلم والحقيقة. وقد كان الحلم كبيراً جداً، وكانت الحقيقة بحجم الحلم وروعته وجماله. هذا هو ما حاولت أن أسجله في كتابي، وأتمنى أن أكون قد وُفّقت إلى ذلك.
> لاحظت عند قراءة كتابك أنه عبارة عن مزيج من الإعلام وروحية الأدب، كقولك في بداية الكتاب إن طفلاً يُولد على ساحل البحر هو طفل عاشق للخيال دون شك، وأنت الذي كتبت قصصاً قصيرة، ولك إصدار في هذا الحقل، فهل تؤمن بأن لا انفصال بين الإعلام والأدب أثناء الكتابة؟
- هناك انفصال بالطبع، فليس كل إعلامي أديباً، ولا كل أديب إعلامي. قليلون هم الذين جمعوا بين الإعلام والأدب في حياتهم. عن نفسي، أنا أحببت الأدب وانبهرت بالإعلام منذ بداية تفتح الوعي لدي، فكان هذا المزيج الذي تكونت منه شخصيتي. الإعلام بطبيعة الحال يتعامل مع الواقع، والواقع هو نقيض الخيال، كما يقال، والأدب يتعامل مع الخيال، والخيال هو هروب من الواقع كما يقال. ومن هذا المزيج، وليس الصراع، حاولت أن أسير قريباً من الإعلام غير بعيد عن الأدب. حتى عندما أكتب في السياسة كنت لا أبتعد عن الأدب. وهنا تحضرني كلمة الصديق العزيز الأستاذ محمد الخولي، عليه رحمة الله: «أنت تؤدب السياسة». لا أعرف إلى أي مدى كلامه كان صحيحاً، لكنني أعترف بعدم استطاعتي الابتعاد عن الأدب وأنا أكتب في أي موضوع.
> ما مقدار الخيال وما مقدار الواقع في كتابك «وما زال الشغف: حياة بين الإعلام والثقافة»؟
- أعتقد أن كل من قرأ الكتاب، أو سيقرؤه، سيدرك مقدار الخيال ومقدار الواقع فيه. الخيال يظهر في حجم الطموح الذي كنا نسعى إلى تحقيقه في بلد يحاول أن يلحق بركب التعليم والنهضة والحضارة الذي سبقنا إليه إخوة وأشقاء، بعضهم في منطقتنا وبعضهم الآخر في الوطن العربي الكبير الذي ننتمي إليه، وفي العالم البعيد الذي يبدو لنا اللحاق به ضرباً من المستحيل. لكن من يرى ما تحقق على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة خلال نصف قرن من الزمان، يدرك أن المعجزة يمكن أن تتحقق في عصرنا هذا.
> في الكتاب استذكار للصحف والمجلات التي عملت بها، وكذلك الانتقال إلى الصحافة، فهل أثّر عملك في ميدانين مختلفين؛ الصحافة الورقية والتلفزيون المرئي في كتابتك؟
- من يقرأ الكتاب يجد أن شغفي بدأ بالصحافة الورقية، حيث بدأت الكتابة عام 1971 وأنا في سن مبكرة جداً، وأنا طالب على مقاعد الدراسة، وبعد ثلاث سنوات انتقلت إلى عالم التلفزيون فعملت مذيعاً في تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من دبي عام 1974م، دون أن أترك الكتابة تماماً، بل كانت تجربتي الكتابية تنضج فأواصل الكتابة في أكثر من جريدة من الجرائد التي كانت تصدر في دبي وقتها، حيث ساهمت في إصدار مجلة «الأهلي» عام 1972م، وكتبت فيها، كما كتبت في مجلة «المجمع» عام 1974م وأنا أعمل في التلفزيون. ثم ذهبت لدراسة الإعلام في مصر وتخصصت في مجال الإذاعة والتلفزيوني لأعود من هناك للعمل في تلفزيون الإمارات العربية من أبوظبي. وبعد 18 عاماً من العمل في التلفزيون عدتُ مرة أخرى إلى العمل في الصحافة.
> ما هو تأثير مصر في مسيرتك؟ نعلم أنت التقيت الرئيس المصري الراحل حسني مبارك... ما مدى تأثير ذلك اللقاء في تبلور عملك الإعلامي؟
- درست في مصر خلال الأعوام من 1975 إلى 1979م. وهي مرحلة مهمة، ليس في تاريخ مصر وحدها، بل في تاريخ الأمة العربية كلها، إذ شهدت زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات للقدس، وتوقيعه بعد ذلك لاتفاقيات السلام مع إسرائيل في كامب ديفيد. أما اللقاء الذي أجريته مع الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك فكان تجربة مفيدة ومحطة من محطات عملي الإعلامي التي أعتز بها، وقد تحدثت عنه بالتفصيل في الكتاب.
> نعيش مع كتابك جميع المراحل التي مرّت بالإمارات من أحداث سياسية وثقافية، كنتَ فيها شاهداً على تاريخها، خصوصاً في عهد الشيخ زايد، حكيم العرب. ما هي الصورة التي يمكن أن تنقلها لنا عن هذا القائد باني الإمارات؟
- عملت في تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من أبوظبي خلال الأعوام من 1980 وحتى نهاية عام 1997م. وهي سنوات سميتها «سنوات الألق»، وأفردت لها صفحات في الكتاب. كانت قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة في الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تولي الإعلام، وعلى وجه الخصوص التلفزيون، اهتماماً خاصاً، فقد كان يتابع كل ما يعرض على الشاشة، ويبدي ملحوظاته، ويوجه المسؤولين للتركيز على القضايا التي تهم الوطن في تلك المرحلة، ويهتم بالتراث كثيراً. وغطيت هذه الزيارات والمؤتمرات ونقلتها للمشاهدين في الإمارات بصوتي، ولمست عن قرب حكمة هذا القائد العربي الملهم، فهو «حكيم العرب» بحق.
> في الجزء الثاني من الكتاب، تخوض في عالم الثقافة وخاصة إسهاماتك في ندوة الثقافة والعلوم ومجلس دبي الثقافي، وغيرها من المؤسسات والمهرجانات الثقافية والمجلات، هل كان ذلك يعبّر عن شغفك الحقيقي؟
- عندما بدأت تأليف كتابي اخترت له عنواناً «وما زال الشغف... سيرة إعلامية». وكلما أوغلت في الكتابة عن السيرة الإعلامية كنت أشعر أن هناك خطّاً آخر موازياً يدعوني للكتابة عنه، فأنا دخلت الإعلام من باب الثقافة عندما استضافوني في تلفزيون دبي الأبيض والأسود عام 1974 للتحدث عن واقع القصة القصيرة في الإمارات، لأن بدايتي كانت بكتابة القصة القصيرة، التي أتاحت لي مجالاً للتواصل مع أسرة تحرير مجلة «أخبار دبي» التي نشرت فيها قصصي الأولى.
> عملت مع ثلاثة وزراء، ما الذي أضافته لك هذه التجربة؟
- عملت مع ثلاثة وزراء إعلام هم حسب الترتيب الزمني الشيخ أحمد بن حامد، أول وزير إعلام وثقافة في الإمارات بعد قيام الدولة، ومعالي خلفان بن محمد الرومي، ثاني وزير إعلام وثقافة، ومع الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ثالث وزير إعلام وثقافة في دولة الإمارات، قبل انتقاله إلى وزارة الخارجية، وهو يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة. ساهموا جميعاً في نهضة الإعلام الإماراتي ووضعه على قمة الإعلام العربي الفاعل والمتطور.
> لا يُخفى توجهك الأدبي، هل ثمة إصدار أدبي مجموعة قصصية أو رواية تعد بها القارئ؟
- أعمل الآن على تجهيز ديوان شعري، هو الأول الذي أتمنى أن أنتهي منه وأدفع به إلى المطبعة قريباً. كما أن لدي مشاريع كتب مؤجلة حالت ظروف العمل دون إنجازها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عنه.. نائب أمير مكة يحضر الحفل الختامي لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ونيابة عنه، يحضر نائب أمير منطقة مكة المكرمة الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، بعد غدٍ (الأربعاء)، الحفل الختامي لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره في دورتها الخامسة والأربعين، التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في رحاب المسجد الحرام. ويأتي الحفل تتويجا للتصفيات النهائية التي استمرت ستة أيام متواصلة في رحاب المسجد الحرام، جمعت عددا من حفظة كتاب الله من مختلف قارات العالم، وبإشراف لجنة تحكيم دولية متخصصة. وسيتم خلال الحفل تكريم الفائزين الأوائل في فروع المسابقة الخمسة، إلى جانب تكريم أعضاء لجنة التحكيم، في أجواء إيمانية تليق بمكانة هذه المسابقة الدولية، التي تُجسد دور المملكة الريادي في خدمة القرآن الكريم ورعاية أهله. وتُعدُّ هذه المسابقة من أعرق المسابقات القرآنية على مستوى العالم، وتشرف على تنظيمها الوزارة بمتابعة من وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ المشرف العام على المسابقات القرآنية المحلية والدولية. وجاءت الدورة الحالية الأضخم عالميا بمشاركة (179) متسابقا من (128) دولة، كأكبر عدد من الدول المشاركة منذ انطلاقتها، تنافسوا في خمسة فروع قرآنية بإجمالي جوائز مالية تجاوزت أربعة ملايين ريال، ما يجعلها من أكبر المسابقات من حيث حجم المشاركات وقيمة الجوائز. أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
تحت رعاية خادم الحرمين.. نائب أمير مكة يحضر ختام مسابقة الملك عبدالعزيز لحفظ القرآن
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ونيابة عنه -حفظه الله-، يحضر صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة، بعد غدٍ الأربعاء، الحفل الختامي لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره في دورتها الخامسة والأربعين، التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في رحاب المسجد الحرام. ويأتي الحفل تتويجًا للتصفيات النهائية التي استمرت ستة أيام متواصلة في رحاب المسجد الحرام، جمعت عددًا من حفظة كتاب الله من مختلف قارات العالم، وبإشراف لجنة تحكيم دولية متخصصة. وسيتم خلال الحفل تكريم الفائزين الأوائل في فروع المسابقة الخمسة، إلى جانب تكريم أعضاء لجنة التحكيم، وذلك في أجواء إيمانية تليق بمكانة هذه المسابقة الدولية، التي تُجسد دور المملكة الريادي في خدمة القرآن الكريم ورعاية أهله. وتُعدُّ هذه المسابقة من أعرق المسابقات القرآنية على مستوى العالم، وتشرف على تنظيمها الوزارة بمتابعة من معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ المشرف العام على المسابقات القرآنية المحلية والدولية، حيث جاءت الدورة الحالية الأضخم عالميًا بمشاركة (179) متسابقًا من (128) دولة، كأكبر عدد من الدول المشاركة منذ انطلاقتها، تنافسوا في خمسة فروع قرآنية بإجمالي جوائز مالية تجاوزت أربعة ملايين ريال؛ مما يجعلها من أكبر المسابقات من حيث حجم المشاركات وقيمة الجوائز.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
علي عبيد الهاملي: لا معنى للحياة أو الكتابة بلا شغف
«وَمَا زَالَ الشَّغَفُ...» بهذه الكلمات، يبدأ الكاتب والإعلامي علي عبيد الهاملي كتابه الجديد الذي وثق فيه مسيرته بين الإعلام والثقافة، هو الذي شهد مراحل تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان مشاركاً في نسج حكايتها وشغفها الذي تُرجِم إنجازاً ونهضة. هنا حوار معه عن الكتاب، ونتاجه الثقافي: > تصف كتابك بأنه محطةٌ من المحطات حياة عشتها، هل تجد بعد هذه السنوات الطويلة أن الشغف بعالمي الإعلام والأدب ما زال ينبض في داخلك رغم ظهور التقنيات التكنولوجية الباردة في عالمنا؟ - عنوان كتابي هو «وما زال الشغف.. حياة بين الإعلام والثقافة»، وهذا يعني أن عنوان حياتي كلها هو الشغف المستمر بهذا العالم الساحر الذي دخلته وأنا طالب على مقاعد الدراسة. أتطلع إلى استكشاف أسرار الحياة التي حولي، وهي حياة تزخر بالكثير والكثير من الأشياء التي كان يمكن أن تجذبني إليها، مثل عالم المال والأعمال والاقتصاد على سبيل المثال، خصوصاً وأنني وُلِدت وعشت مراحل طفولتي الأولى ونشأت في دبي، ودبي كما هو معروف للقاصي والداني هي مدينة المال والأعمال والاقتصاد الأولى على هذا الساحل. لقد انجذبت بدايةً إلى مجلة «أخبار دبي» التي صدر عددها الأول في منتصف الستينات من القرن الماضي في إمارة دبي. يتضح هذا في العبارة التي ختمت بها كتابي: «وما زال الشغف... فلا معنى للحياة إذا غاب عنها الشغف». > اندرج صدور كتابك ضمن سلسلة تجارب السيرة، فهل هذا الكتاب هو عن سيرتك الذاتية بالفعل؟ - هو جزء من سيرتي الذاتية وليس كلها. فهو يرصد عدداً من محطات حياتي بين الإعلام والثقافة، ليس كل المحطات، ولكن أهم المحطات التي لها علاقة بمسيرة الإعلام والثقافة في بلدي. لا أدعي أنني شملت كل المحطات، لكن أهمها. فهناك محطات من الصعب الحديث عنها لأسباب عديدة، وهناك مواقف وأحداث، كنت شاهداً عليها، لم أستطع إيرادها لحساسيتها التي تجعل الحديث عنها صعباً وشائكاً، وهناك محطات وأحداث ومواقف تركت الحديث عنها لوقت آخر. ربما يأتي هذا الوقت وربما لا يأتي لأسباب تتعلق بمجريات الأمور ورحلة العمر الذي لا نملك التحكم فيها. من يعلم؟ أنا محظوظ لأنني من الجيل الذي وُلَد قبل قيام دولة الاتحاد بعقد ونيّف تقريباً. جيل تفتح وعيه في مرحلة الإرهاصات التي سبقت إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي هذه المرحلة كان تفتح الوعي لديّ، وخلالها تكونت شخصيتي. لذلك فإن كل ما أتى بعدها في رحلة حياتي كان انعكاساً لتلك الظروف التي نشأت فيها، وهي ظروف انطبعت تفاصيلها في الذاكرة لتتشكل منها مرجعياتي وأفكاري وقيمي وممارساتي، فالمقارنة بين ما قبل الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 1971 وما بعده مهمة، لأن هذا التاريخ رسم خطاً فاصلاً بين الحلم والحقيقة. وقد كان الحلم كبيراً جداً، وكانت الحقيقة بحجم الحلم وروعته وجماله. هذا هو ما حاولت أن أسجله في كتابي، وأتمنى أن أكون قد وُفّقت إلى ذلك. > لاحظت عند قراءة كتابك أنه عبارة عن مزيج من الإعلام وروحية الأدب، كقولك في بداية الكتاب إن طفلاً يُولد على ساحل البحر هو طفل عاشق للخيال دون شك، وأنت الذي كتبت قصصاً قصيرة، ولك إصدار في هذا الحقل، فهل تؤمن بأن لا انفصال بين الإعلام والأدب أثناء الكتابة؟ - هناك انفصال بالطبع، فليس كل إعلامي أديباً، ولا كل أديب إعلامي. قليلون هم الذين جمعوا بين الإعلام والأدب في حياتهم. عن نفسي، أنا أحببت الأدب وانبهرت بالإعلام منذ بداية تفتح الوعي لدي، فكان هذا المزيج الذي تكونت منه شخصيتي. الإعلام بطبيعة الحال يتعامل مع الواقع، والواقع هو نقيض الخيال، كما يقال، والأدب يتعامل مع الخيال، والخيال هو هروب من الواقع كما يقال. ومن هذا المزيج، وليس الصراع، حاولت أن أسير قريباً من الإعلام غير بعيد عن الأدب. حتى عندما أكتب في السياسة كنت لا أبتعد عن الأدب. وهنا تحضرني كلمة الصديق العزيز الأستاذ محمد الخولي، عليه رحمة الله: «أنت تؤدب السياسة». لا أعرف إلى أي مدى كلامه كان صحيحاً، لكنني أعترف بعدم استطاعتي الابتعاد عن الأدب وأنا أكتب في أي موضوع. > ما مقدار الخيال وما مقدار الواقع في كتابك «وما زال الشغف: حياة بين الإعلام والثقافة»؟ - أعتقد أن كل من قرأ الكتاب، أو سيقرؤه، سيدرك مقدار الخيال ومقدار الواقع فيه. الخيال يظهر في حجم الطموح الذي كنا نسعى إلى تحقيقه في بلد يحاول أن يلحق بركب التعليم والنهضة والحضارة الذي سبقنا إليه إخوة وأشقاء، بعضهم في منطقتنا وبعضهم الآخر في الوطن العربي الكبير الذي ننتمي إليه، وفي العالم البعيد الذي يبدو لنا اللحاق به ضرباً من المستحيل. لكن من يرى ما تحقق على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة خلال نصف قرن من الزمان، يدرك أن المعجزة يمكن أن تتحقق في عصرنا هذا. > في الكتاب استذكار للصحف والمجلات التي عملت بها، وكذلك الانتقال إلى الصحافة، فهل أثّر عملك في ميدانين مختلفين؛ الصحافة الورقية والتلفزيون المرئي في كتابتك؟ - من يقرأ الكتاب يجد أن شغفي بدأ بالصحافة الورقية، حيث بدأت الكتابة عام 1971 وأنا في سن مبكرة جداً، وأنا طالب على مقاعد الدراسة، وبعد ثلاث سنوات انتقلت إلى عالم التلفزيون فعملت مذيعاً في تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من دبي عام 1974م، دون أن أترك الكتابة تماماً، بل كانت تجربتي الكتابية تنضج فأواصل الكتابة في أكثر من جريدة من الجرائد التي كانت تصدر في دبي وقتها، حيث ساهمت في إصدار مجلة «الأهلي» عام 1972م، وكتبت فيها، كما كتبت في مجلة «المجمع» عام 1974م وأنا أعمل في التلفزيون. ثم ذهبت لدراسة الإعلام في مصر وتخصصت في مجال الإذاعة والتلفزيوني لأعود من هناك للعمل في تلفزيون الإمارات العربية من أبوظبي. وبعد 18 عاماً من العمل في التلفزيون عدتُ مرة أخرى إلى العمل في الصحافة. > ما هو تأثير مصر في مسيرتك؟ نعلم أنت التقيت الرئيس المصري الراحل حسني مبارك... ما مدى تأثير ذلك اللقاء في تبلور عملك الإعلامي؟ - درست في مصر خلال الأعوام من 1975 إلى 1979م. وهي مرحلة مهمة، ليس في تاريخ مصر وحدها، بل في تاريخ الأمة العربية كلها، إذ شهدت زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات للقدس، وتوقيعه بعد ذلك لاتفاقيات السلام مع إسرائيل في كامب ديفيد. أما اللقاء الذي أجريته مع الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك فكان تجربة مفيدة ومحطة من محطات عملي الإعلامي التي أعتز بها، وقد تحدثت عنه بالتفصيل في الكتاب. > نعيش مع كتابك جميع المراحل التي مرّت بالإمارات من أحداث سياسية وثقافية، كنتَ فيها شاهداً على تاريخها، خصوصاً في عهد الشيخ زايد، حكيم العرب. ما هي الصورة التي يمكن أن تنقلها لنا عن هذا القائد باني الإمارات؟ - عملت في تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من أبوظبي خلال الأعوام من 1980 وحتى نهاية عام 1997م. وهي سنوات سميتها «سنوات الألق»، وأفردت لها صفحات في الكتاب. كانت قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة في الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تولي الإعلام، وعلى وجه الخصوص التلفزيون، اهتماماً خاصاً، فقد كان يتابع كل ما يعرض على الشاشة، ويبدي ملحوظاته، ويوجه المسؤولين للتركيز على القضايا التي تهم الوطن في تلك المرحلة، ويهتم بالتراث كثيراً. وغطيت هذه الزيارات والمؤتمرات ونقلتها للمشاهدين في الإمارات بصوتي، ولمست عن قرب حكمة هذا القائد العربي الملهم، فهو «حكيم العرب» بحق. > في الجزء الثاني من الكتاب، تخوض في عالم الثقافة وخاصة إسهاماتك في ندوة الثقافة والعلوم ومجلس دبي الثقافي، وغيرها من المؤسسات والمهرجانات الثقافية والمجلات، هل كان ذلك يعبّر عن شغفك الحقيقي؟ - عندما بدأت تأليف كتابي اخترت له عنواناً «وما زال الشغف... سيرة إعلامية». وكلما أوغلت في الكتابة عن السيرة الإعلامية كنت أشعر أن هناك خطّاً آخر موازياً يدعوني للكتابة عنه، فأنا دخلت الإعلام من باب الثقافة عندما استضافوني في تلفزيون دبي الأبيض والأسود عام 1974 للتحدث عن واقع القصة القصيرة في الإمارات، لأن بدايتي كانت بكتابة القصة القصيرة، التي أتاحت لي مجالاً للتواصل مع أسرة تحرير مجلة «أخبار دبي» التي نشرت فيها قصصي الأولى. > عملت مع ثلاثة وزراء، ما الذي أضافته لك هذه التجربة؟ - عملت مع ثلاثة وزراء إعلام هم حسب الترتيب الزمني الشيخ أحمد بن حامد، أول وزير إعلام وثقافة في الإمارات بعد قيام الدولة، ومعالي خلفان بن محمد الرومي، ثاني وزير إعلام وثقافة، ومع الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ثالث وزير إعلام وثقافة في دولة الإمارات، قبل انتقاله إلى وزارة الخارجية، وهو يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة. ساهموا جميعاً في نهضة الإعلام الإماراتي ووضعه على قمة الإعلام العربي الفاعل والمتطور. > لا يُخفى توجهك الأدبي، هل ثمة إصدار أدبي مجموعة قصصية أو رواية تعد بها القارئ؟ - أعمل الآن على تجهيز ديوان شعري، هو الأول الذي أتمنى أن أنتهي منه وأدفع به إلى المطبعة قريباً. كما أن لدي مشاريع كتب مؤجلة حالت ظروف العمل دون إنجازها.