
الأمم المتحدة تحتفي باليوم العالمي للغة السواحلية إقراراً بمكانتها المتفرّدة وانتشارها المتسارع
أ ش أ
تحتفي الأمم المتحدة، اليوم الاثنين، باليوم العالمي للغة السواحلية، والذي يوافق السابع من يوليو من كل عام، إقراراً بمكانتها المتفرّدة وانتشارها المتسارع، وتُجسّد الهوية، وتبني جسور التأثير العالمي، ويأتي احتفاء هذا العام تحت شعار اللغة هي عماد الثقافة، وركن التماسك، وبذرة التنمية.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، فإنه في السابع من يوليو من كل عام، يلتفت العالم إجلالًا إلى اللغة السواحيلية، في يومها العالمي، إذ يتحدث بها ما يزيد على 200 مليون إنسان، فتغدو من أكثر لغات إفريقيا شيوعاً، وأشدّها أثرًا في نسيجها الثقافي والوجداني. وقد غدت لسانًا جامعًا لشعوب شرق ووسط وجنوب القارة، وتبنّتها هيئات إقليمية كبرى ـ الاتحاد الإفريقي ومجموعة تنمية الجنوب الإفريقي والجماعة الإفريقية الشرقيةـ لغة رسمية تعبّر عن طموح الوحدة وروح التكامل.
وأكدت الأمم المتحدة، أن السواحيلية ليست مجرّد وسيلة تواصل، بل كيان نابض يجمع بين الشعوب ويستبطن ذاكرتهم الجمعية، فهي الوعاء الذي يحمل ملامح الهوية الإفريقية ونبض ثقافتها ونداء وحدتها. حضرت في لحظات النضال الكبرى، على ألسنة المناضلين وهتافات التحرر.
وكان للمعلم جوليوس نيريري، أحد أبرز رموزها، دور فاعل في ترسيخها رمزًا للكفاح والكرامة. ثم واصلت رحلتها، فدخلت قاعات التعليم، وارتقت إلى أروقة الدبلوماسية، وصدحت عبر منابر الإعلام، جسرًا للفهم المتبادل، ورسالةً للتآخي بين الشعوب.
وإذ ارتقت هذه اللغة إلى هذا المقام، فقد نالت شرف أن تكون أول لغة إفريقية يُخصص لها يوم دولي، بقرار من منظمة اليونسكو، اعترافًا بما تنهض به من دور في تعزيز التعددية اللغوية، وإشاعة ثقافة التسامح، وترسيخ ركائز التنمية المستدامة. فهي ليست أداة للتفاهم فحسب، بل دعامة للتعليم الرصين، ومرآة تُصان بها الذاكرة الثقافية، ومنصة تنبثق منها الرؤى الاجتماعية والاقتصادية في حاضر القارة ومستقبلها.
كما أكدت الأمم المتحدة، أن السواحيلية جسر حي يصل بين الحضارات، ويسهم في ترسيخ تعليم ذي جودة، وصون التراث الثقافي، وتفعيل التقدّم الاجتماعي والاقتصادي. إنها، في بنيتها وروحها، ليست لسانًا فقط، بل حامل هوية، ومرآة قيم، وعدسة يبصر بها الإفريقيّ موقعه في العالم وتاريخه بين الأمم. وفي تعدّد مفرداتها وثراء صورها تنعكس فسيفساء إفريقيا بكل أطيافها، وتنبثق منها رؤى جامعة تعبر القارات.
وفي هذا السياق، واعترافًا بمكانتها المتنامية على الساحة الدولية، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار A/RES/78/312، مؤكدةً من خلاله الدور المتفرّد الذي تضطلع به هذه اللغة في تعميق التضامن الإنساني، وترسيخ السلام، وتغذية الوعي بالانتماء القاري المشترك، في عالم يشهد تحولات متسارعة ويحتاج إلى ما يعيد وصل ما انقطع بين الشعوب والثقافات.
وذكرت الأمم المتحدة، أن اللغة السواحيلية تحمل في طيّاتها تاريخًا عريقًا صاغته أجيال متعاقبة من التفاعل بين ثقافات شتى. ويُجمع الباحثون على وجود روايتين تفسّران نشأتها، إحداهما ترى فيها لغة بانتوية الأصل، نمت على سواحل إفريقيا الشرقية بين القرنين الأول والخامس للميلاد، فكانت لسانًا مشتركًا ساعد شعوب البانتو على التفاهم مع التجار القادمين من شبه الجزيرة العربية وآسيا، حتى أصبحت مع الوقت لغةً راسخة في مضمار التجارة والتبادل الثقافي والعلاقات الدولية.
أما الرواية الأخرى وفقاً للأمم المتحدة، فترى في التأثير العربي عاملًا جوهريًا في تبلور اللغة السواحيلية، واسمها ذاته مشتق من اللفظ العربي سواحلي، أي المنتمي إلى الساحل، وهو ما يعكس عمق الروابط التاريخية بين شعوب الساحل الشرقي لإفريقيا والتجار العرب.
ومع مرور الزمن، أغنت المفردات العربية، وأنماط الكتابة، والأساليب النحوية هذه اللغة، فازدهرت بها المجتمعات الساحلية، حتى غدت السواحيلية لغة حيّة تنبض بالحضور في الشأن المحلي والعالمي على السواء.
وتُعد السواحيلية اللغة الأوسع انتشارًا في إفريقيا جنوب الصحراء، وهي لسان التفاهم في أكثر من 14 بلدًا إفريقيًا، تتيح إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي خدمات إخبارية باللغة السواحيلية، كانت اللغة تُكتب في الأصل بالأحرف العربية قبل أن يُستقر لاحقًا على استخدام الأبجدية اللاتينية، تمتاز السواحيلية ببنيتها الصوتية المنطقية والسلسة، مما يجعلها من أسهل اللغات الإفريقية تعلّمًا للناشئين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة ماسبيرو
منذ 30 دقائق
- بوابة ماسبيرو
سلمان إسماعيل: الوضع في غزة تجاوز حد الكارثة
قال سلمان إسماعيل الكاتب المتخصص في حقوق الإنسان إن تقرير الأمم المتحدة يوثق انتهاكات خطيرة في غزة منذ 21 شهرًا تشمل استهدافًا ممنهجًا للمنشآت المدنية من مدارس ومستشفيات وجامعات وخيام للنازحين بالإضافة إلى انتهاكات صارخة للقانون الدولي واتفاقيات جنيف. وأشار إلى أن تجديد ولاية المقررة الأممية ألبانيز يثير غضب إسرائيل وأمريكا وهناك محاولات أمريكية – إسرائيلية لإبعادها عن المنصب وتوقع أن يكون هناك رفض إسرائيلي و أمريكي للتقارير الأممية. وكشف إسماعيل النقاب عن الأجندة الخفية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أزمة غزة خلال لقاء له ببرنامج (حوار اليوم) مؤكدا زيف ادعاءات ترامب بكونه "راعي للسلام" بينما يدعم الإبادة الجماعية فهو يسعى لجائزة نوبل للسلام عبر مسرحيات سياسية فأمريكا لديها القدرة على إيقاف الحرب خلال دقيقة واحدة إذا أرادت ذلك . وأوضح الكاتب أن لمصر دورًا بارزًا في دعم القضية الفلسطينية والوصول لوقف إطلاق النار كما تقوم بوساطة نشطة منذ اليوم الأول للأزمة وترفض بشكل قاطع مخططات التهجير كما أن لمصر التزاما تاريخيا بالقضية الفلسطينية منذ 1948، ولفت إلى أن مصر توفر 80% من المساعدات الداخلة لقطاع غزة من مختلف الجهات المصرية سواء حكومية أو مجتمع مدني أو تبرعات شعبية والتي تكذب الادعاءات الإسرائيلية لمصر بعرقلة المساعدات ، كما قام بدعوة المجتمع الدولي لتحريك الضمير العالمي من أجل وقف "الإبادة الجماعية" وتحمل مسئوليته الأخلاقية والقانونية تجاه ما يحدث بغزة. كما أوضح أن ما تقوم به إسرائيل تحت غطاء المساعدات الإنسانية هو "مصائد موت" وأدى إلى مئات الجرحى والقتلى أثناء محاولة استلام الغذاء والدواء وتحولت المساعدات الإنسانية إلى ساحات قتل ممنهجة ، مشيرًا إلى تورط منظمات أمريكية في هذه الجرائم تحت شعار الإغاثة. وأشار إلى أن حماس أوضحت من خلال مفاوضات الهدنة أنها مستعدة لتسليم الإدارة إلى حكومة تكنوقراط ، وتم توحيد غير مسبوق للفصائل الفلسطينية في المفاوضات خلف حماس ولكن هناك رفض قاطع لتسليم السلاح استناداً لخبرات تاريخية مع إسرائيل. برنامج حوار اليوم يذاع على شاشة النيل للأخبار.


خبر صح
منذ ساعة واحدة
- خبر صح
تقرير الأمم المتحدة يكشف العلاقة بين حكومة الشرع وتنظيم القاعدة
كشف تقرير غير منشور للأمم المتحدة، أن مراقبي عقوبات الأمم المتحدة لم يلاحظوا أي 'روابط نشطة' هذا العام بين تنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية التي تقود الحكومة السورية المؤقتة، مما قد يعزز من مساعي الولايات المتحدة المرتقبة لرفع عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على سوريا. تقرير الأمم المتحدة يكشف العلاقة بين حكومة الشرع وتنظيم القاعدة مقال مقترح: مصدر من حماس يؤكد رفض الحركة لمقترح وقف إطلاق النار من المتوقع أن يُنشر هذا التقرير، الذي اطلعت عليه رويترز يوم الخميس، في وقت لاحق من هذا الشهر. هيئة تحرير الشام تُعتبر هيئة تحرير الشام الذراع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا، وقد تم فك هذا الارتباط في عام 2016، وقادت الهيئة، التي كانت تعرف سابقاً باسم جبهة النصرة، الحراك الذي أسقط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في هجوم ديسمبر الماضي. هذا الحراك أدى إلى تولي زعيم الهيئة أحمد الشرع رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية. شوف كمان: خامنئي يتمسك بمواصلة تخصيب اليورانيوم ويرفض الاقتراح النووي الأمريكي رفع عقوبات الأمم المتحدة عن سوريا يأتي التقرير في وقت يُتوقع فيه أن تسعى الولايات المتحدة لرفع عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على هيئة تحرير الشام وعلى الشرع الذي يعبر عن رغبته في بناء سوريا ديمقراطية تشمل الجميع. كما أشار التقرير إلى أن 'العديد من الأفراد في المناصب التنفيذية لديهم آراء أكثر تطرفاً من الشرع ومن وزير الداخلية أنس خطاب، اللذين يُعتبران بشكل عام براغماتيين أكثر من كونهما أيديولوجيين'. منذ مايو 2014، تخضع هيئة تحرير الشام لعقوبات الأمم المتحدة، تشمل تجميد الأصول وحظر عالمي على الأسلحة، كما يواجه عدد من أعضائها عقوبات مثل حظر السفر وتجميد الأصول، بما في ذلك الشرع الذي تم إدراجه على قائمة العقوبات منذ يوليو 2013. خوف من أعضاء الهيئة أشار مراقبو الأمم المتحدة في تقريرهم لمجلس الأمن إلى قلق بعض الدول الأعضاء من أن العديد من أعضاء هيئة تحرير الشام والأفراد المتحالفين معها، وخاصة أولئك الذين يشغلون مناصب تنفيذية أو تم دمجهم في الجيش السوري الجديد، لا يزالون مرتبطين أيديولوجياً بتنظيم القاعدة. إجراءات أمريكية تجاه سوريا في مايو الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، ووقع أمراً تنفيذياً لتفعيل هذا الرفع في نهاية يونيو، كما ألغت واشنطن تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية أجنبية هذا الأسبوع، مما يُشير إلى تحول كبير في السياسة الأمريكية. خطوة نحو تحقيق رؤية ترامب لسوريا تأتي قرارات الرئيس ترامب كخطوة نحو تحقيق رؤية الولايات المتحدة لسوريا مستقرة وموحدة، حيث صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لرويترز بأن الولايات المتحدة 'تراجع تصنيفات الإرهاب المتبقية المتعلقة بهيئة تحرير الشام وسوريا ووضعها على قائمة عقوبات الأمم المتحدة'. إعادة بناء الاقتصاد السوري شدد دبلوماسيون ومنظمات إنسانية ومحللون إقليميون على أن رفع العقوبات سيساهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري المنهار، ويبعد البلاد عن مسار الاستبداد، ويقلل من قدرة الجماعات المتطرفة على اجتذاب العناصر.

مصرس
منذ ساعة واحدة
- مصرس
رحلة إلى بلاد الخوميني وحوار مع رئيس جمهورية في المعارضة (الحلقة الأولى )
«إن العلاقة بين البلدين زادت توثُّقًا عندما انضم بعض الإسرائيليين بشكل سرى إلى جهاز الاستخبارات المركزية للمساعدة فى تنظيم، وترشيد جهاز الأمن الإيرانى، وتمت هذه الخطوة كلية فيما يُسمى «تحت المائدة»، أى عملية سرية بالضرورة، لكنها كانت بمثابة دعم كبير للإيرانيين». بهذه الروح، قمت بالمغامرة الإيرانية.في شتاء عام ألفين، كدت أقفز فى الهواء انتشاء بعد أن تلقيت دعوة إلى زيارة طهران، عاصمة الدولة المخيفة المحاصرة، المتهورة، الحالمة بإمبراطورية فارسية على رأسها عمامة شيعية.فرصة ربما لا تتكرر لرؤية دولة ممزقة بين زمانين منفصلين بينهما مسافة تقاس بالقرون.دولة ترفع شعارات سامية، لكنها تمارس سياسة قمعية ساحقة.دولة تشك فى نفسها، ترى الأجنبى جاسوسًا، وترى المواطن الذى يقترب منه خائنًا، حتى تحكم الصمت فى الجميع، لا تكسره إلا نظرة عين لها مغزى، وإشارة من بعيد أصبحت لغة تفاهم.كانت الدعوة من اتحاد الصناعات فى القاهرة.فى ذلك الوقت من شتاء عام ألفين، بدا واضحًا أن الفرصة سانحة لترميم الجسور المحترقة بين مصر وإيران، فى وجود رئيس جمهورية قادر على التحرش بالسلطة الدينية القابضة المتشددة، هو «محمد خاتمى».وصل «محمد خاتمى» إلى السلطة بسبعين فى المائة من الأصوات، ببرنامج دعا فيه إلى التوافق والتسامح وحوار الحضارات، والتخلص من أساليب القمع والقهر وغسل الدماغ، واستجابت الأمم المتحدة لدعوته وخصصت يومًا للحوار العالمى.ولكن ما إن جلسنا إليه حتى شعرنا أنه يختنق بمشنقة من حبال خشنة وضعها المرشد الأعلى للثورة «على خامئني» حول رقبته، حتى يتخلص من دعوته «الإصلاحية» التى وُصفت بأنها دعوة «إباحية».وبدا واضحًا أن مكتبه ملغم بأجهزة التنصت، فانتقلنا إلى حجرة جانبية، يطمئن إلى جدرانها.فى ذلك اليوم، سجلت على لسانه:«حاولت رد الاعتبار للحرية بعد أن نشف حلقها من شدة العطش، وتجمد دمها من شدة الخوف، وتورمت أقدامها من شدة الضرب، وتفتت عظامها من كثرة النوم على البلاط البارد، لكنى فشلت».فيما بعد بالتحديد فى ربيع عام 2009 التقيت به مرة أخرى بدعوة من «محمد حسنين هيكل» وجهها إلى مجموعة من المثقفين والسياسيين والصحفيين المصريين، تعبر عن شتات الاتجاهات من اليسار إلى الإخوان.ونشرت على لسانه:«لو كانت السياسة تفرق فإن الثقافة توحد».«تعيش النظم الرائعة بالكلمة، والصورة، والقصيدة، والأغنية، والمسرحية، والسيمفونية، ولا تعيش بالبندقية».كانت المرة الأولى التى نرى فيها «رئيس جمهورية» فى المعارضة، لكننا فى دولة دينية «خومينية»، لا كلمة تعلو فوق كلمة المرشد الأعلى.وتصل هذه التراجيديا إلى أقصاها، حين عاد «محمد خاتمى» إلى بلاده ليجد اسمه ممنوعًا من النشر فى «الميديا»، وممنوعًا من التداول فى المنتديات الجامعية، وممنوعًا من الهمس به فى المؤسسات الرسمية التى تحت أمره.ما إن دعا إلى الانفتاح الحضارى، حتى أصبح عدو الدولة، وهو رئيسها.هنا تذكرت «بوستر» شاهدته على جدار مدينة «فيينا»، عليه صورة «آية الله الخومينى»، وكتب تحتها: «الرجل الذى حرم الموسيقى».ولو كان لنا أن نلصق بوستر بديل، عليه صورة «محمد خاتمى»، لكتبت عليه: «الرجل الذى أسقطته الموسيقى».الحقيقة أن «آية الله الخوميني» لم يحرم النغمة والسيمفونية والأغنية فقط، وإنما حرّم الحب، والحث، والحلم، والحس أيضًا.وفى عام 1962، عارض حق النساء فى التصويت والترشيح، ومنذ ذلك الوقت نال سمعة «عدو المرأة»، مصرًا على ألا يستجيب لحقائق ثبتت، وحقوق استقرت.والحقيقة أن المرأة الإيرانية تنشر حولها جاذبية تسحق فى لحظة واحدة كتيبة من الرجال، فكيف يمكن معاداتها؟حدث أن توقفت فى متجر للفاكهة الجافة، مشدودًا لجمال امرأة أزاحت الشادور الأسود عن شعرها، وكأنى مراهق فى بداية البلوغ.وبعيدًا عن المرأة، تكررت فتاوى «الخومينى» فى أدق تفاصيل الحياة، فأُطفئ نور التطوير والتحديث فى العقول، وأُشعلت نار الغِلّ والغضب فى القلوب.وكلما حاول الإيرانيون نسيانه، وجدوا ما يذكرهم به.ما إن اقتربت الطائرة من مطار طهران حتى سمعنا أننا سنهبط فى مطار يحمل اسمه، وما إن دخلنا صالة الوصول حتى صدمتنا صورة كبيرة له يصعب تجاهلها.صورة رجل بدا «مثل رصاصة انطلقت من القرن السابع واستقرت فى قلب القرن العشرين»، على حد وصف «محمد حسنين هيكل» فى كتابه «مدافع آية الله».«شكلًا وموضوعًا، بدا وكأنه شخصية من شخصيات الفتنة الكبرى فى الإسلام، عادت بمعجزة إلى الحياة، لتقود معسكر الإمام على بعد ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، وصلت فيها البشرية إلى مئات الاختراعات والاكتشافات، وعرفت مليارات من المعلومات، ونالت الكثير من الحريات».جاء الرجل من زمن غابر بعيد، ليفرض حكمه على عالم يجهل ما فيه.فهو لا يعرف شيئًا عن غزو الفضاء، وتفتيت الذرة، وجينات الخلايا، والحرب الباردة، وحقوق المرأة، وعلمانية الدولة، وسيادة التشريعات الوضعية، وطبيعة العلاقات الدولية.ولم يستوعب التناقض بين الديانة برحابتها وثباتها وقداستها، والسياسة بقصورها وتغيرها وفسادها.ولم يعرف كيف تصبح الثورة دولة؟ وفشل فى تأليف قلوب أمة متعددة القوميات والديانات. ولو لم يؤمن بأفكاره، أجبر بالشدة عليها.وكان من السهل عليه أن يهدم ما وجد من تنظيمات ومؤسسات وهيئات قائمة، ولكن لم يعرف كيف يشيد عليها كيانات بديلة.فى الثمانين من عمره، أصبح مطاعًا مقدسًا، بعد أن منح نفسه لقب «الولى الفقيه»، متصورًا أن عباءته السوداء لو فرشها، ستكون ظل الله على الأرض.ولكنه أُجبر على إنهاء الحرب بينه وبين العراق، وفى تلك اللحظة بث خطابًا يمكن تلخيصه فى جملة واحدة بالفارسية: «نوشيدون جام زهر»، ومعناها «إنه تجرع السم الملوث» بقبول القرار.حرب استمرت ثمانى سنوات، وبلغت خسائرها 400 مليار دولار ومليون قتيل، وخلفت وراءها أرامل فى سن الشباب، لم يجدن سوى زواج متعة مؤقتٍ ولو لعدة أيام ليعوضن بعضًا من حرمان جسد جف من طول إهمال.هبطت «طهران» بعد 12 سنة من نهاية الحرب.لكن كان الإهمال نوعًا من السرطان، انتشر فى شوارع المدينة المخنوقة بأكوام القمامة، والمزدحمة بنحو عشرة ملايين نسمة.ويتجسد الانهيار بوضوح فى فندق «الاستقلال» الذى كان أكثر الفنادق رفاهية عندما كانت تديره شركة «هيلتون رويال» ولكن نجومه الخمس طارت بعيدًا، وأقسمت ألا تعود إليه.لم يكن فى المطعم سوى طبق واحد دائم، فيه قليل من الدجاج وكثير من الأرز.وبدت جملة «خدمة الغرف» أو «روم سيرفيس» كلمة غائبة عن قاموس الفندق.وغالبًا ما تلامست الأسلاك مع بعضها البعض فى غرفتى بسبب أجهزة التنصت التى زُرعت فيها، فلو طرق أحد الباب، رن جرس التليفون، وما أن ترفع سماعة التليفون حتى تسمع رنين جرس الباب.وتلامس الأسلاك ليس له سوى تفسير واحد، هو تداخل وسائل التنصت التى زرعتها أجهزة أمنية متعددة، لم تكن لتملك الخبرة الفنية.لم أصدق ما رأيت، فأنا أعرف أن جهاز «سافاك» كان متطورًا، متحكمًا، ومرعبًا، حتى إن الإيرانيين كانوا يخشون أن يدعوا الله فى سرهم حتى لا يسمعهم ويعاقبهم، فما الذى جرى لأجهزة استخبارات الثورة؟وسافاك اختصار «سازمان اطلاعات وامنيت كشور»، وتعنى «منظمة الاستخبارات والأمن الوطنية».وليس صحيحًا ما نشره هيكل أن «سافاك» اسم أشهر شعراء فارس.أعدمت الثورة الجنرال «نعمت الله ناصري»، آخر من رأس سافاك، وقتل رميًا بالرصاص، رغم اعترافاته الكاملة عن الجرائم التى ارتكبها نظام الشاه.وفككت الثورة سافاك، لكنها أنشأت تسعة سافاك.وفى الوقت الذى أخرست فيه تلك الأجهزة الأصوات، ودمرت، وعذبت، وسحقت، وسجنت، ولفقت قضايا التخابر لمئات من الأبرياء سنويًا، فإنها تركت «الموساد» يخترقها ويعبث بها، بتجنيد كم هائل من العملاء من مستويات اجتماعية وسياسية ودينية مختلفة، لم تعرفه دولة أخرى فى العالم منذ أنشئت أجهزة الاستخبارات.انكشف ذلك فيما بعد، عندما بدأت إسرائيل حربها على إيران فى صيف 2025، حيث سبقها جواسيس الموساد فى تحديد مواقع إقامة قيادات الجيش، والاستخبارات، والحرس الثورى، مما سهل اغتيالهم.ونُشر أنه قُبض على سبعمائة جاسوس استخدموا عشرة آلاف مسيرة، ساهمت فى القتل، والتدمير، والتخريب، والتضليل.قطعًا هناك مئات غيرهم لم يُقبض عليهم.وفى ملفات الاستخبارات الإيرانية، قضايا تجسس لصالح الموساد، تتجاوز فيها الدراما البشرية الخائنة حدود الخيال.إنهم نجوم أثاروا شهية الميديا لكشف حقيقتهم بكل لغات الدنيا، والمؤكد أنهم سيدخلون تاريخ الخيانة على سجادة حمراء من دماء الذين تسببوا فى اغتيالهم.وفى اللحظة المناسبة، سنستمتع برواية أشهرهم وأغربهم.لكن السؤال الملح هو: ما سر هذا الاختراق الذى جعل فى الثوب الإيرانى ألف رقعة ورقعة؟هناك سبب أول، هو التمييز فى المعاملة بين القوميات.وهناك سبب ثان، هو تزايد نسبة الفقر سنة بعد أخرى.وهناك سبب ثالث أهم، هو القهر الذى يعيش فيه الإيرانيون، خاصة الذين فقدوا بالتعذيب أهلهم.وهناك سبب رابع يصعب إغفاله، هو التعاون الذى كان بين سافاك والموساد، وهذه قصة تستحق أن تُروى.تبدأ القصة بتولى الدكتور «محمد مصدق» رئاسة الحكومة فى إيران، بعد أن فاز حزبه بالأغلبية فى الانتخابات التشريعية يوم 19 أبريل 1951، ولكن قبل أن يكمل الشهر، أُجبر الشاه «محمد رضا بهلوى» على توقيع قرار تأميم شركات البترول.وضعته شركات البترول فى حرجٍ، فلم تدفع التزاماتها للخزانة، وعجزت الحكومة عن صرف الرواتب للموظفين، ثم توقف تكرير البترول، وحملت بريطانيا القضية إلى محكمة العدل الدولية، التى حكمت مرتين لصالحها، لكن الحكم لم يُنفذ.ووجدتها وكالة الاستخبارات المركزية فرصة لتزيد من النفوذ الأمريكى على أماكن النفوذ البريطانية، وأرسلت رجلها المسؤول عن الشرق الأوسط «كيرميت روزفلت» ليطيح بحكومة الدكتور «محمد مصدق».فى كتابه «الانقلاب المضاد»، جدد «كيرميت روزفلت» صلاته القديمة بالصحفيين، والسياسيين، ورجال الدين الذين جندهم من قبل.وأمام إغراء المال هاجم رجال الدين «محمد مصدق» على المنابر، وهاجمه الصحفيون فى جرائدهم، وأشاع الجنرالات أنه شيوعى تحت سيطرة موسكو.وفى 19 أغسطس 1953، نزل الجيش إلى الشارع بحجة حماية النظام من العصابات المتشاجرة فيه، ولكنها فى الحقيقة كانت متجهة إلى «محمد مصدق»، واعتقلته، وأغرقت زنزانة سجنه بالمياه حتى أصيب بأمراض لم يحتملها، وبعد ثلاث سنوات أفرج عنه ليموت وحيدًا منبوذًا.عُرفت هذه العملية باسم «أجاكس»، وتكلفت 18 مليون دولار، وعاد الشاه بعدها إلى قصر «نيافاران» ليعلن أنه مدين بالحكم للولايات المتحدة.الحقيقة أن الشاه بسبب طبيعته الخجولة، المفتقدة الثقة بالنفس، لم يُدر أزمته، وإنما تولتها شقيقته التوأم الأميرة «أشرف» التى وُصفت بأنها امرأة مُسترجلة، وإن تزوجت من ثلاثة رجال كان أحدهم موظفًا كبيرًا فى مصر الملكية.وفى كتابه «الانقلابات المضادة»، ينسب «كيرميت روزفلت» حفيد الرئيس «تيودور روزفلت» أن والد الشاه احتج أكثر من مرة على مقدرات الطبيعة الذى خلط الأمور فى رحم زوجته «تاج الملك»، فأصبحت «أشرف» الولد، وأصبح «محمد رضا» البنت.بسيطرة «كيرميت روزفلت»، خرجت واشنطن فائزة بنصيب الأسد فى النفط، ونصّبت الشاه شرطيًا على الخليج، وتقاسمت معه حكم إيران.ووجدها الموساد فرصة، فراح يدعم سافاك بخبرات التنصت، وعمليات الاغتيال، ووسائل الاستجواب، وأساليب تحرير الرهائن، وتجنيد العملاء، مما جعل الموساد يعرف نقاط ضعف أجهزة الاستخبارات الإيرانية التى تربت على يديه، وهو يُغرى مئات من الإيرانيين بالتعاون معه كما انكشف فيما بعد.فى ذلك الوقت، كانت العلاقة قوية بين إيران وإسرائيل، رغم أنها كانت علاقة خفية وليست علاقة رسمية.ونقل «هيكل» عن الصفحة التاسعة من كتاب «كيرميت روزفلت» الذى سحبته الاستخبارات الأمريكية بعد نشره:«إن العلاقة بين البلدين زادت توثُّقًا عندما انضم بعض الإسرائيليين بشكل سرى إلى جهاز الاستخبارات المركزية للمساعدة فى تنظيم، وترشيد جهاز الأمن الإيرانى، وتمت هذه الخطوة كلية فيما يُسمى «تحت المائدة»، أى عملية سرية بالضرورة، لكنها كانت بمثابة دعم كبير للإيرانيين».لكن دعم المخابرات الإسرائيلية، والبريطانية، والأمريكية لنظام الشاه لم يمنع الثورة الخومينية من إسقاطه.ولسنوات طوال، ظلت القوى الجديدة فى إيران تخشى أن تلقى المصير نفسه الذى أطاح بالدكتور «محمد مصدق».وكان كثير من الطلبة الثوريين يتداولون كتاب «كيرميت روزفلت» رغم سحبه من مكتبات العالم كله.وكان البعض منهم قد أبدى ترحيبه ليصحبنى فى زيارة للسفارة الأمريكية، طلبتها من الرجل الذى عينه اتحاد الصناعات الإيرانى ليسهل علينا الزيارة.ورغم دهشته مما طلبت، فإن سلطات القرار رحبت بعد أن عرفت أننى مؤلف كتاب «سيد قطب من القرية إلى المشنقة» الذى ترجمه «على خامئني» نفسه، وإن لم أقبل ما عُرض عليّ من حقوق الطبعة الفارسية تجنبًا لأوهام سرعان ما تتحول إلى اتهام.كانت السفارة الأمريكية مسرحًا مكشوفًا لصراع بين نظام ثيوقراطى (دينى) جديد يتصور أن الجنة ستكون من نصيبه، ونظام أمريكى رأسمالى يتجسد فيه «الشيطان الأكبر» سيلقى حتفه فى الجحيم.وما إن اقتربت من مبنى السفارة الأمريكية فى وسط العاصمة، حتى شعرت أننى فى خيالى أقرأ لافتة لا وجود لها مكتوبًا عليها جملة كثيرًا ما نتداولها تؤكد أن «الداخل مفقود، والخارج مولود».وبتلك الزيارة، وجدت نفسى وراء خطوط حمراء.وما وجدته يستحق أن ننتظرَه.