
غزة: المدينة المقاوِمة المحارَبة بالتجويع عبر القرون
من حصار الجيوش القديمة، مرورًا بالانتداب البريطاني والنكبة، وصولًا إلى الحصار الإسرائيلي والحرب الأخيرة (2023-2025)، ظل سكان غزة يدفعون ثمن حقهم في المقاومة ونيل الحرية والكرامة حصارًا وقصفًا وجوعًا!
أدت الحروب المصرية- الإسرائيلية، خاصة حرب 1967، إلى انقطاع الإمدادات وظهور مجاعات محدودة داخل المخيمات الفلسطينية، لكن التدخل المصري والأونروا آنذاك حال دون وقوع كارثة كبرى
حصار القوى القديمة
منذ العصور الفرعونية والآشورية والرومانية، كانت غزة نقطة مفصلية للتجارة بين آسيا وأفريقيا. فقد كان الحصار وسيلة شائعة لإخضاع المدن، مما أدى إلى نقص الغذاء.
لكن شُحّ المصادر التاريخية يجعل من الصعب تحديد أرقام دقيقة، وإن كانت المرويات تذكر أن سكان غزة عانوا الجوع في حصارات الصليبيين (القرن 12 للميلاد) حين قُطعت الطرق وأُحرقت المحاصيل.
الحرب العالمية الأولى
شهدت فلسطين في القرن التاسع عشر أزمات غذائية بفعل الضرائب الثقيلة والاضطرابات، لكن الوضع بلغ ذروته في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، إذ تحولت غزة إلى ساحة معركة بين العثمانيين والإنجليز، لتدفع ثمن حرب لم تخترها.
فقد تعرضت لحصار بريطاني مرير، وانقطعت الطرق، وصادر العثمانيون المحاصيل، وليت الأمر توقف عند هذه الكارثة! بل اجتاحت أفواج الجراد أيضًا بلاد الشام ومنها فلسطين عام 1915، فهلكت المزروعات والمحاصيل! وكان من نتائج هذه المجاعة أن انخفض عدد سكان مدينة غزة من 40 ألفًا إلى أقل من 18 ألفًا بحلول 1922!
واضطر الناس إلى أكل الأعشاب، وانتشرت وفيات الأطفال وكبار السن، وصار الأطفال يتصارعون على فتات الخبز الأسود، بل وصل الحال إلى حد أن الليرة الذهبية لم تكن تكفي لشراء رغيفين!
وصلت الإغاثة الدولية آنذاك متأخرة، من الصليب الأحمر والإرساليات الأميركية والفاتيكان، بعد ضغط دولي كبير، ولكن بعدما التهم الجوع عشرات الآلاف في بلاد الشام، بينهم سكان غزة!
منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا، ومنع إدخال السلع الأساسية في فترات التصعيد، ليصبح الغذاء ورقة ضغط سياسي!
من الانتداب البريطاني إلى النكبة
لم تشهد فترة الانتداب البريطاني مجاعة شاملة، لكن ثورة 1936 جلبت حصارًا غذائيًا قاسيًا. ومع نكبة 1948، تدفقت موجات اللاجئين إلى قطاع غزة حتى بلغ عدد سكانه أكثر من 250 ألفًا، لتظهر أزمة إنسانية جديدة. كان الخبز يأتي من وكالة "الأونروا"، وكانت المخيمات تتنفس بالمساعدات.
أدت الحروب المصرية- الإسرائيلية، خاصة حرب 1967، إلى انقطاع الإمدادات وظهور مجاعات محدودة داخل المخيمات الفلسطينية، لكن التدخل المصري والأونروا آنذاك حال دون وقوع كارثة كبرى.
حصار غزة بعد عام 2007
منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا، ومنع إدخال السلع الأساسية في فترات التصعيد، ليصبح الغذاء ورقة ضغط سياسي!
حتى إن الأمم المتحدة وصفت غزة عام 2012 بأنها "غير صالحة للحياة بحلول 2020"! واضطر السكان إلى الاعتماد شبه الكامل على المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى بعض القوافل التي حاولت كسر الحصار؛ مثل "قافلة أسطول الحرية" عام 2010.
كانت غزة على مدار تاريخها، وبفضل موقعها الجغرافي على ساحل البحر المتوسط ومناخها المعتدل، أرضًا خصبة ذات محاصيل وفيرة؛ ولذا كانت دومًا مطمعًا للغزاة. ولأنها بقيت على مرّ العصور تقاوم كل من أراد لها الخنوع والركوع، لجأ الغزاة إلى حصارها وتجويع أهلها كوسيلة لإخماد مقاومتها
الحرب على غزة أكتوبر/ تشرين الأول 2023
شنت إسرائيل حربًا شرسة على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ففرضت حصارًا تامًا، ومنعت دخول الغذاء والدواء والماء الصالح للشرب، وقطعت الكهرباء، وأغلقت البنوك والمصارف. وأعلنت الأمم المتحدة أن غزة دخلت مرحلة "مجاعة كارثية".
انعدم وجود الدقيق وكل أنواع الحبوب والبقوليات والخضراوات والفواكه، بعد تدمير وتجريف آلاف الدونمات من المحاصيل الزراعية أيضًا.
وقد بلغ الجوع بالناس حد تناول طعام البهائم والطيور من الحشائش والعلف والحبوب التي ينخرها السوس وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي، وهلك جوعًا العشرات من الأطفال وكبار السن! وبرغم تدفق بعض المساعدات المحدودة جوًّا وأحيانًا عبر معبر رفح البري، فقد بقيت غير كافية لسد رمق عشرات الآلاف من الجوعى المحاصَرين والنازحين في المخيمات، وفي ظل الفوضى العارمة التي هيّأها الاحتلال لسيطرة اللصوص وتجار الحروب على المشهد الاقتصادي والإنساني المأساوي!
كانت غزة على مدار تاريخها، وبفضل موقعها الجغرافي على ساحل البحر المتوسط ومناخها المعتدل، أرضًا خصبة ذات محاصيل وفيرة؛ ولذا كانت دومًا مطمعًا للغزاة. ولأنها بقيت على مرّ العصور تقاوم كل من أراد لها الخنوع والركوع، لجأ الغزاة إلى حصارها وتجويع أهلها كوسيلة خسيسة لإخماد مقاومتها ومصادرة حقها في الحياة الحرة الكريمة.
صبرت غزة على الجوع مرارًا، لكن الجوع الأخير له مذاق مُرٌّ وأليم؛ مذاق بطعم الخذلان العربي والإسلامي، وتواطؤ دولي لا ينتفض إلا لجوع قطة أو عطش جرو ضال!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 12 دقائق
- الجزيرة
هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر: الأجهزة الأمنية قدمت للقيادة السياسية خطة عسكرية لتطويق غزة
هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر: الأجهزة الأمنية قدمت للقيادة السياسية خطة عسكرية لتطويق غزة هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر: الخطة التي قدمتها الأجهزة الأمنية تتضمن تقسيما إضافيا واسع النطاق لقطاع غزة هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر: هدف الخطة استنزاف حماس وسكان قطاع غزة التفاصيل بعد قليل..


الجزيرة
منذ 15 دقائق
- الجزيرة
مظاهرات في مدن عربية تضامنا مع غزة واعتقالات بالأردن
خرجت العديد من المظاهرات في مدن عربية تضامنا مع قطاع غزة وتنديدا بالمجازر الإسرائيلية وسياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال وراح ضحيتها عدد من الفلسطينيين، خاصة الأطفال. وفي السودان، وعلى الرغم مما يشهده من حرب وظروف إنسانية صعبه فإن مدنا عدة شهدت مظاهرات عقب صلاة الجمعة، وكانت مدن القضارف وأم درمان وبورتسودان قد شهدت تجمعات دعت لها مجموعة "سودانيون ضد التطبيع" للوقوف إلى جانب غزة. ووفقا لمراسلي الجزيرة نت نزار عبد الله وإيمان كمال، فقد حمل المتظاهرون صورا لأهل غزة ولافتات حملت عبارات الدعم والمؤازرة لأهالي القطاع. ودعا المتظاهرون إلى التعبير عما يتعرض له أهل غزة من مجاعة ووضع إنساني مأساوي. وقال رئيس تجمّع "سودانيون ضد التطبيع" المظفر الدقيل في تصريح خاص للجزيرة نت "إن القضية في السودان وقضية فلسطين لا تنفصل، نحن جميعا نعاني من محاولات استعمار، فنحن جميعا نعيش في ظل خذلان عربي وعالمي كبير"، على حد قوله. الأردن.. اليمن، لبنان.. المغرب..موريتانيا من جهة أخرى، خرجت في الأردن مظاهرات بمناطق عدة في العاصمة الأردنية عمّان بعد صلاة الجمعة، واعتقل الأمن الأردني عددا من المتظاهرين الداعمين لغزة. كما خرجت مظاهرة مليونية في ساحة السبعين بالعاصمة اليمنية صنعاء، وأكد المتظاهرون على استمرار الدعم اليمني لغزة. وفي لبنان، خرجت مظاهرة حاشدة بمدينة صيدا دعما للقطاع ورفضا لسياسة التجويع الإسرائيلية تجاه أهالي غزة. وفي المغرب، شارك الآلاف في وقفات تضامنية مع غزة للأسبوع الـ86 على التوالي، تم تنظيمها تحت شعار "لا للتجويع، لا للحصار، لا للتطبيع"، وجرى تنظيم هذه الوقفات في عدة مدن، وردد المحتجون هتافات من بينها "تحية مغربية لغزة الأبية"، و"من المغرب لفلسطين شعب واحد وليس اثنين". وفي موريتانيا، فتظاهر آلاف المواطنين بالعاصمة نواكشوط في مسيرات انطلقت تحت شعار "أوقفوا المجاعة وارفعوا الحصار". ورفع المتظاهرون العلمين الموريتاني والفلسطيني، وصورا لعدد من قادة حركة حماس، أبرزهم القياديين البارزين الشهيدين إسماعيل هنية، ويحيى السنوار. وخلال المظاهرات، حمّل المشاركون الولايات المتحدة مسؤولية استمرار حرب الإبادة الجماعية والتجويع في قطاع غزة.


الجزيرة
منذ 15 دقائق
- الجزيرة
شبكة الجزيرة الإعلامية: جيش الاحتلال والناطقون باسمه يصعدون تحريضهم ضد صحفيينا خصوصا الزميل المراسل أنس الشريف
شبكة الجزيرة الإعلامية: جيش الاحتلال والناطقون باسمه يصعدون تحريضهم ضد صحفيينا خصوصا الزميل المراسل أنس الشريف. نعرب عن استنكارنا وتنديدنا بالحملات التحريضية ضد كوادرنا منذ بدء تغطية حرب غزة. نعتبر الحملة التحريضية محاولة خطيرة لتبرير استهداف صحفيينا في قطاع غزة. نحمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن سلامة كوادرنا في قطاع غزة. ندعو الدول الفاعلة والمنظمات الدولية إلى توفير الحماية لجميع الصحفيين في قطاع غزة..