logo
غزة: المدينة المقاوِمة المحارَبة بالتجويع عبر القرون

غزة: المدينة المقاوِمة المحارَبة بالتجويع عبر القرون

الجزيرة٢٠-٠٧-٢٠٢٥
لم تكن المجاعة في غزّة حدثًا عابرًا، بل مأساة تكرّرت بأشكال مختلفة عبر القرون. فموقع غزة الجغرافي الإستراتيجي جعلها ساحةً دائمةً للحروب والصراعات، وكانت المجاعة دائمًا الوجه الأكثر قسوةً لهذه الأزمات.
من حصار الجيوش القديمة، مرورًا بالانتداب البريطاني والنكبة، وصولًا إلى الحصار الإسرائيلي والحرب الأخيرة (2023-2025)، ظل سكان غزة يدفعون ثمن حقهم في المقاومة ونيل الحرية والكرامة حصارًا وقصفًا وجوعًا!
أدت الحروب المصرية- الإسرائيلية، خاصة حرب 1967، إلى انقطاع الإمدادات وظهور مجاعات محدودة داخل المخيمات الفلسطينية، لكن التدخل المصري والأونروا آنذاك حال دون وقوع كارثة كبرى
حصار القوى القديمة
منذ العصور الفرعونية والآشورية والرومانية، كانت غزة نقطة مفصلية للتجارة بين آسيا وأفريقيا. فقد كان الحصار وسيلة شائعة لإخضاع المدن، مما أدى إلى نقص الغذاء.
لكن شُحّ المصادر التاريخية يجعل من الصعب تحديد أرقام دقيقة، وإن كانت المرويات تذكر أن سكان غزة عانوا الجوع في حصارات الصليبيين (القرن 12 للميلاد) حين قُطعت الطرق وأُحرقت المحاصيل.
الحرب العالمية الأولى
شهدت فلسطين في القرن التاسع عشر أزمات غذائية بفعل الضرائب الثقيلة والاضطرابات، لكن الوضع بلغ ذروته في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، إذ تحولت غزة إلى ساحة معركة بين العثمانيين والإنجليز، لتدفع ثمن حرب لم تخترها.
فقد تعرضت لحصار بريطاني مرير، وانقطعت الطرق، وصادر العثمانيون المحاصيل، وليت الأمر توقف عند هذه الكارثة! بل اجتاحت أفواج الجراد أيضًا بلاد الشام ومنها فلسطين عام 1915، فهلكت المزروعات والمحاصيل! وكان من نتائج هذه المجاعة أن انخفض عدد سكان مدينة غزة من 40 ألفًا إلى أقل من 18 ألفًا بحلول 1922!
واضطر الناس إلى أكل الأعشاب، وانتشرت وفيات الأطفال وكبار السن، وصار الأطفال يتصارعون على فتات الخبز الأسود، بل وصل الحال إلى حد أن الليرة الذهبية لم تكن تكفي لشراء رغيفين!
وصلت الإغاثة الدولية آنذاك متأخرة، من الصليب الأحمر والإرساليات الأميركية والفاتيكان، بعد ضغط دولي كبير، ولكن بعدما التهم الجوع عشرات الآلاف في بلاد الشام، بينهم سكان غزة!
منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا، ومنع إدخال السلع الأساسية في فترات التصعيد، ليصبح الغذاء ورقة ضغط سياسي!
من الانتداب البريطاني إلى النكبة
لم تشهد فترة الانتداب البريطاني مجاعة شاملة، لكن ثورة 1936 جلبت حصارًا غذائيًا قاسيًا. ومع نكبة 1948، تدفقت موجات اللاجئين إلى قطاع غزة حتى بلغ عدد سكانه أكثر من 250 ألفًا، لتظهر أزمة إنسانية جديدة. كان الخبز يأتي من وكالة "الأونروا"، وكانت المخيمات تتنفس بالمساعدات.
أدت الحروب المصرية- الإسرائيلية، خاصة حرب 1967، إلى انقطاع الإمدادات وظهور مجاعات محدودة داخل المخيمات الفلسطينية، لكن التدخل المصري والأونروا آنذاك حال دون وقوع كارثة كبرى.
حصار غزة بعد عام 2007
منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا، ومنع إدخال السلع الأساسية في فترات التصعيد، ليصبح الغذاء ورقة ضغط سياسي!
حتى إن الأمم المتحدة وصفت غزة عام 2012 بأنها "غير صالحة للحياة بحلول 2020"! واضطر السكان إلى الاعتماد شبه الكامل على المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى بعض القوافل التي حاولت كسر الحصار؛ مثل "قافلة أسطول الحرية" عام 2010.
كانت غزة على مدار تاريخها، وبفضل موقعها الجغرافي على ساحل البحر المتوسط ومناخها المعتدل، أرضًا خصبة ذات محاصيل وفيرة؛ ولذا كانت دومًا مطمعًا للغزاة. ولأنها بقيت على مرّ العصور تقاوم كل من أراد لها الخنوع والركوع، لجأ الغزاة إلى حصارها وتجويع أهلها كوسيلة لإخماد مقاومتها
الحرب على غزة أكتوبر/ تشرين الأول 2023
شنت إسرائيل حربًا شرسة على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ففرضت حصارًا تامًا، ومنعت دخول الغذاء والدواء والماء الصالح للشرب، وقطعت الكهرباء، وأغلقت البنوك والمصارف. وأعلنت الأمم المتحدة أن غزة دخلت مرحلة "مجاعة كارثية".
انعدم وجود الدقيق وكل أنواع الحبوب والبقوليات والخضراوات والفواكه، بعد تدمير وتجريف آلاف الدونمات من المحاصيل الزراعية أيضًا.
وقد بلغ الجوع بالناس حد تناول طعام البهائم والطيور من الحشائش والعلف والحبوب التي ينخرها السوس وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي، وهلك جوعًا العشرات من الأطفال وكبار السن! وبرغم تدفق بعض المساعدات المحدودة جوًّا وأحيانًا عبر معبر رفح البري، فقد بقيت غير كافية لسد رمق عشرات الآلاف من الجوعى المحاصَرين والنازحين في المخيمات، وفي ظل الفوضى العارمة التي هيّأها الاحتلال لسيطرة اللصوص وتجار الحروب على المشهد الاقتصادي والإنساني المأساوي!
كانت غزة على مدار تاريخها، وبفضل موقعها الجغرافي على ساحل البحر المتوسط ومناخها المعتدل، أرضًا خصبة ذات محاصيل وفيرة؛ ولذا كانت دومًا مطمعًا للغزاة. ولأنها بقيت على مرّ العصور تقاوم كل من أراد لها الخنوع والركوع، لجأ الغزاة إلى حصارها وتجويع أهلها كوسيلة خسيسة لإخماد مقاومتها ومصادرة حقها في الحياة الحرة الكريمة.
صبرت غزة على الجوع مرارًا، لكن الجوع الأخير له مذاق مُرٌّ وأليم؛ مذاق بطعم الخذلان العربي والإسلامي، وتواطؤ دولي لا ينتفض إلا لجوع قطة أو عطش جرو ضال!
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

شهيدان بالخليل والاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة
شهيدان بالخليل والاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

شهيدان بالخليل والاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة

استشهد فلسطينيان أحدهما برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي والثاني برصاص مستوطنين في الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، بينما شنت قوات الاحتلال فجر اليوم الثلاثاء حملة اعتقالات واسعة في عدة مناطق بالضفة، من بينهم أسرى محررون في صفقة التبادل الأخيرة. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان إن الهيئة العامة للشؤون المدنية (جهة الاتصال مع الجانب الإسرائيلي) أبلغتها "باستشهاد الشاب محمد سامر سليمان الجمل (27 عاما) برصاص الاحتلال عند مدخل مدينة الخليل الشمالي". وادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي ، في بيان، أن فلسطينيا ألقى حجرا باتجاه قواته خلال "نشاط عملياتي" في مدينة الخليل، مضيفا أن الجنود أطلقوا النار عليه بزعم "إزالة التهديد"، دون وقوع إصابات في صفوفهم. وسبق ذلك استشهاد فلسطيني برصاص مستوطنين خلال اعتدائهم على قرية أم الخير بمسافر يطا جنوب الخليل جنوبي الضفة الغربية. وقال تلفزيون فلسطين الرسمي إن "الشاب عودة محمد خليل الهذالين (31 عاما)، استشهد جراء هجوم شنّه مستوطنون على القرية". وأشار إلى أن الهذالين يعمل مدرسا في مدرسة الصرايعة الثانوية في البادية بمسافر يطا، وهو أب لـ3 أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر 6 سنوات. وأوضحت أنه شارك في التصدي للمستوطنين مع الأهالي أثناء أعمال تجريف إسرائيلية في أراضٍ فلسطينية بخربة أم الخير، حيث أطلق أحد المستوطنين النار عليه وقتله، في حين أُصيب فلسطيني آخر بعد أن اعتدى عليه مستوطن باستخدام "شاكوش"، وفق المصدر ذاته. وفي وسط الضفة الغربية، ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية أن مستوطنين مسلحين هاجموا منطقتي "المناطير" و"الكسارة" شرق بلدة كفر مالك شرق رام الله ، ومزارع دجاج على أطراف البلدة، وتصدى لهم شبان عُزّل من القرية، قبل أن يطلق المستوطنون الرصاص، مما أدى إلى إصابة شاب فلسطيني برصاصة في يده. ووفق معطيات هيئة مقاومة الجدار و الاستيطان الفلسطينية (حكومية)، فقد نفذ المستوطنون خلال النصف الأول من العام الجاري 2153 اعتداءً، تسببت في استشهاد 4 مواطنين. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صعد جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، مما أدى إلى استشهاد 1008 فلسطينيين على الأقل، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، وفق معطيات فلسطينية. اعتقالات واسعة وفي سياق متصل، قالت مصادر فلسطينية للجزيرة إن قوات الاحتلال اعتقلت عشرات الفلسطينيين، بينهم أسرى محررون في صفقة التبادل، خلال مداهمات بمناطق عدة في الضفة. وأضافت المصادر أن قوات الاحتلال اقتحمت مخيم الفوار جنوب الخليل بالضفة الغربية ونفذت حملة اعتقالات واسعة. وفي رام الله، قال المركز الفلسطيني للإعلام إن "قوات الاحتلال اعتقلت الأسير المحرر إبراهيم عبد الله صالح وعمرو موسى صالح وعلاء محمد العاروري بعد اقتحام منازلهم في عارورة شمال غرب رام الله فجر اليوم". واقتحمت قوات الاحتلال مخيم الجلزون للاجئين شمال المدينة وشرعت بعمليات دهم واعتقال وتفتيش عدة منازل. كما اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر الثلاثاء، 12 شابا من حاجز عسكري قرب مفرق قرية دير نظام شمال غربي رام الله. وفي طولكرم ، اعتقلت قوات الاحتلال الشقيقين براء وهمّام فتحي قرعاوي من مخيم نور شمس. وفي بيت لحم ، اعتقلت قوات الاحتلال الشاب مهدي احمد طقاطقه، بعد دهم منزل ذويه وتفتيشه. كما اعتقلت قوة خاصة من جيش الاحتلال في نابلس الشاب عماد الحبش بعد اقتحام منزله في منطقة رأس العين. وتعتقل إسرائيل في سجونها نحو 10 آلاف و800 فلسطيني، بينهم قرابة 450 طفلا و50 أسيرة، و3629 معتقلا إداريا، وفق معطيات رسمية فلسطينية، لا تشمل آلاف حالات "الإخفاء القسري" لمعتقلين من قطاع غزة.

ستارمر سيكشف عن خطته للاعتراف بدولة فلسطينية
ستارمر سيكشف عن خطته للاعتراف بدولة فلسطينية

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

ستارمر سيكشف عن خطته للاعتراف بدولة فلسطينية

قالت صحيفة تلغراف اليوم الثلاثاء إن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر سيكشف هذا الأسبوع عن خطته بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، وسط ضغوط كبيرة يتعرض لها داخل حزب العمال الحاكم لاتخاذ قرار في هذا الاتجاه. وأضافت الصحيفة أن ستارمر سيقدم تصورا مفصلا بشأن ما يجب أن يحدث لتعترف بريطانيا بدولة فلسطينية. وأشارت إلى أن من المتوقع أن يكون هذا الإعلان في خطاب أو مؤتمر صحفي. وقالت التلغراف إن الاعتراف بدولة فلسطينية سيكون مشروطا بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى المحتجزين في غزة. وأوضحت أن الإعلان المرتقب من جانب ستارمر قد لا يستجيب لمطالب ثلث نواب حزب العمال الحاكم وأعضاء في الحكومة يطالبون باعتراف فوري بدولة فلسطينية. ونقلت الصحيفة عن نائب بحزب العمال أن هناك خشية داخل الحزب من أن تأخير الاعتراف بدولة فلسطينية سيخدم الحزب اليساري الجديد للنائب جيريمي كوربين. اجتماع طارئ من جانبها، قالت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا) إن رئيس الوزراء البريطاني سيعقد اليوم اجتماعا طارئا لمجلس الوزراء في محاولة لوضع خريطة طريق لتحقيق السلام في غزة. وأضافت الوكالة أن ستارمر سيستدعي الوزراء البارزين لحضور الاجتماع بشأن الوضع في غزة. وكان رئيس الوزراء البريطاني ندد مرارا في الأيام الماضية بحرب التجويع التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة ودعا لوقف إطلاق النار. وذكر متحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية أن ستارمر سيركز هذا الأسبوع على إيجاد طريق نحو السلام يضمن إغاثة فورية للمدنيين في غزة، ويقود إلى حل دائم على أساس الدولتين. إعلان وقال ستارمر مساء يوم الجمعة الماضي إن "الحكومة لن تعترف بدولة فلسطينية إلا في إطار اتفاق سلام تفاوضي"، مما خيب آمال كثيرين في حزب العمال. وكان 221 نائبا بريطانيا من مختلف الأحزاب وقعوا يوم الجمعة الماضي رسالة مشتركة تطالب رئيس الوزراء بالاعتراف بدولة فلسطين، وذلك عقب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتزامه القيام بخطوة مماثلة قريبا. وأثار قرار ماكرون تنديدا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. يذكر أن عدة دول أوروبية بينها إسبانيا وأيرلندا والنرويج أعلنت العام الماضي اعترافها بالدولة الفلسطينية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store