
طالبان تجري محادثات مع روسيا والصين بشأن معاملات تجارية
قال القائم بأعمال وزير التجارة الأفغاني إن إدارة طالبان في مرحلة متقدمة من المحادثات مع روسيا بشأن تسوية بنوك من كلا الاقتصادين الخاضعين للعقوبات معاملات تجارية بمئات الملايين من الدولارات بالعملتين المحليتين للبلدين.
وقال نور الدين عزيزي لوكالة رويترز، أمس الخميس، إن الحكومة الأفغانية قدمت مقترحات مماثلة ل لصين.
وأضاف أن بعض المناقشات أجريت مع السفارة الصينية في كابل ، مشيرا إلى أن فرقا فنية من البلدين تعمل على المقترح مع روسيا.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تركّز فيه موسكو على استخدام العملات الوطنية للابتعاد عن الاعتماد على الدولار، في وقت تواجه فيه أفغانستان انخفاضا حادا في موارد البلاد من الدولار بسبب خفض المساعدات.
وقال عزيزي "ننخرط حاليا في مناقشات متخصصة في هذا الشأن، مع الأخذ في الاعتبار وجهات النظر الاقتصادية الإقليمية والعالمية والعقوبات والتحديات التي تواجهها أفغانستان حاليا، وكذلك التحديات التي تواجهها روسيا. المناقشات الفنية جارية".
ولم ترد وزارة الخارجية الصينية ولا البنك المركزي الروسي بعد على طلبات للتعليق.
تبادل تجاري
وحسب المصدر ذاته، فإن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفغانستان حاليا عند نحو 300 مليون دولار سنويا، مرجحا أن يشهد نموا كبيرا مع تعزيز الجانبين للاستثمار.
وقال إن الإدارة في أفغانستان تتوقع زيادة مشتريات البلاد من المنتجات النفطية والبلاستيك من روسيا. وأضاف "أنا واثق من أن هذا خيار جيد للغاية.. يمكننا استخدام هذا الخيار لمصلحة شعبنا وبلدنا".
وتابع "نريد أن نتخذ خطوات في هذا الاتجاه مع الصين أيضا"، مضيفا أن أفغانستان تجري معاملات تجارية بنحو مليار دولار مع بكين كل عام.
وقال عزيزي إنه "تم تشكيل فريق عمل يتألف من أعضاء من وزارة التجارة (الأفغانية) والسفارة الصينية.. والمحادثات جارية".
يشار إلى أن قطاع الخدمات المالية في أفغانستان معزول إلى حد كبير عن النظام المصرفي العالمي بسبب العقوبات المفروضة على بعض قادة حركة طالبان، التي استولت على حكم البلاد في 2021 مع انسحاب القوات الأجنبية.
وتأثر وضع هيمنة الدولار بين العملات العالمية في السنوات القليلة الماضية بسبب منافسة مع الصين وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
المشير وعودة الاعتبار للجيش.. معركة خاطفة تعيد لباكستان هويتها
أن يعلَّق على صدر ضابط رفيع نيشان جديد ليس أمرًا مثيرًا، لكن أن ترافق الترقية زفّة قومية فإنها لا شك رسالة بحد ذاتها.. أقصد هنا ترقية قائد الجيش الباكستاني إلى رتبة مشير، والاحتفاء بها شعبيًا وسياسيًا، ما يعكس إعادة الاعتبار للجيش الذي واجه على مدى عقدين ونصفٍ أزمة ثقة مع شعبه. ولعل المفارقة تكمن في أن من أوصى بترقية الجنرال عاصم منير هو رئيس الوزراء شهباز شريف، وهو شقيق رئيس الوزراء السابق نواز شريف، الذي أهانه الجيش وعائلتَه بانقلاب الجنرال برويز مشرّف عام 1999، ولم تنتهِ محنة العائلة في السجن والإبعاد إلا بعد رحيل الجنرال مشرّف. ولا شك أن مشرّف لم يكن بإمكانه الانقلاب على حكومة منتخبة لولا تراجع شعبية شريف بعد معركة كارغيل مع الهند؛ التي ظهر فيها أن باكستان خسرت على طاولة المفاوضات ما ربحته في المعركة، وذلك بفعل الدور الأميركي الذي أجبر باكستان على الانسحاب من المناطق التي استولت عليها بأعالي كشمير في صيف ساخن. انخرط الجيش في بداية حكم مشرف بأعمال مدنية أثارت حنق الشارع الباكستاني، مثل فرض ضريبة المبيعات البغيضة على الشعب والتجار، لكنها لم تكن كافية للإطاحة به من البرج الذي يعتليه، باعتباره حامي البلاد وقلعتها الحصينة، بل إن قلة قليلة من الشعب الباكستاني كانت قادرة على تحدي دور الجيش في الحياة السياسية، وتحالفه المتين مع الولايات المتحدة، حتى إن ساسةً وكتابًا مقربين من الجيش دأبوا على الترويج لقناعاتهم بأن حياة باكستان مرهونة بثلاث قوى؛ الله والجيش وأميركا، ويختصرونها بالإنجليزية بـ"AAA" (Pakistan survived by triple As: Allah, Army and America). الحرب على الإرهاب إعلان انحدار شعبية الجيش بدأت مع إعلان الجنرال مشرف انضمامه للحرب على "الإرهاب" في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن، متحديًا المشاعر الشعبية الرافضة للدخول في حرب لا ناقة لباكستان فيها ولا جمل. ولعل مشرف كان يدرك جيدًا محرمات الشارع الباكستاني الثلاث، وهي المساس بالجيش والسلاح النووي وكشمير، والتي استند إليها في التضحية بطالبان ونظامها، وما كان يصفه مفكّرون باكستانيون بالعمق الإستراتيجي لبلادهم في صراعها مع الهند، واستند إلى ثلاثة أسباب لانضمامه للتحالف الأميركي الغربي الجديد، هي وعود أميركية غربية بحل جذري لقضية كشمير، والحفاظ على السلاح النووي، وإنقاذ الاقتصاد. لكن الحرب على "الإرهاب" سرعان ما ارتدّت على الداخل الباكستاني، ووجد الجيش نفسه يخوض حروبًا عبثية، لا سيما في مناطق القبائل المحاذية لأفغانستان، وأصبحت حكومة مشرف تروّج بأن التهديد الذي تتعرض له باكستان داخلي وليس خارجيًا، وعليها تطهير البلاد من المنظمات الإرهابية. وتبين لكثير من الباكستانيين أن ادعاءات التهديد الداخلي لم تكن إلا ذريعة للانحناء أمام العاصفة، وعلى حساب مكانة الجيش ودوره؛ فلم تُحلّ قضية كشمير، ولم يتحسن الاقتصاد، وبقي تهديد التجريد من السلاح النووي قائمًا. لقد اعترف الجنرال مشرف في مذكراته "على خط النار" بأن الحرب على الإرهاب والاقتصاد أطاحتا بشعبيته، وجسدهما في اقتحام الجيش للمسجد الأحمر في إسلام آباد وانهيار قطاع الكهرباء، ما تسبب بهروب المستثمرين المحليين والأجانب، وقال إنهما حولاه من بطل إلى لا شيء (From Hero to Zero). وتبدد ادعاء المصلحة الوطنية العليا في الانضمام للحرب على الإرهاب، وثبت أن الانضمام للحرب لم يكن خيارًا، وإنما بسبب تهديدات أميركية صريحة بإعادة باكستان إلى العصر الحجري، وفقًا لم ذكره مشرف في كتاب "على خط النار". كشمير واختبارات بالنار تراجعت المناوشات عبر خط المراقبة الفاصل بين شقي كشمير، وخمدت جذوة حراك الحرية في القسم الذي تسيطر عليه الهند، لكن المواجهات تحولت من الأرض إلى الجو بدءًا من عام 2019، حيث هاجمت مقاتلات هندية في فبراير/ شباط ما وصفته بمعاقل المنظمات الإرهابية، بحسب تصنيفها للمنظمات الكشميرية، بينما قالت باكستان إن سلاح الجو تعقب طائرات هندية وأجبرها على الفرار، وفي يونيو/ حزيران أسقطت المقاتلات الباكستانية طائرة هندية وأسرت قائدها. يبدو أن نيودلهي نجحت في اختبار مدى ردة الفعل الباكستانية، فقررت إلغاء الوضع الخاص بكشمير في 5 أغسطس/ آب، وشطب المادة 73 من الدستور، وفرض إجراءات عززت قبضتها على القسم الذي تسيطر عليه من كشمير وشعبها. وبعد 6 سنوات، كان جيش باكستان على موعد مع مواجهة جديدة في سماء كشمير، قلبت المعادلة وأعادت له مجده الشعبي، كيف لا وقد حسم المعركة بتوجيه ضربة قاضية لسلاح الجو الهندي في 8 مايو/ أيار، إذ قال إنه أسقط خلال ساعة احدة 5 من أحدث الطائرات المقاتلة من صناعة فرنسية وروسية، إضافة إلى تدمير عشرات الطائرات المسيرة من صناعة إسرائيلية. توقفت الحرب بتدخل أميركي، اعتبره الباكستانيون إنقاذًا للهند من هزيمة محققة، وإنقاذًا لسمعة السلاح الفرنسي والإسرائيلي التي أطاحت بها الصناعة الصينية.. واستعاد الجيش هيبته. لا شك أن جزءًا من صراع الساسة والجيش هو انقسام على الهوية، لا سيما أن الجماعات الإسلامية واسعة النفوذ الشعبي تكافح من أجل تحقيق أهداف مبدئية، مرتبطة بفكرة تأسيس باكستان على العقيدة الإسلامية وفق نظرية الأمتين سياسة ودين يبدو أن حسم الجولة الأخيرة مع سلاح الجو الهندي لصالح باكستان جمّد الصراع العلني بين السياسيين والجيش أو أجّله، لا سيما بعد انقسام واسع في المجتمع الباكستاني، خلّفه صراع حركة الإنصاف (حزب عمران خان) مع الجيش والقوى السياسية المتوافقة معه، وانتهى بزج خان في السجن، وتوافق الخصوم السابقين في حكومة واحدة ممثلين بعائلتي شريف وبوتو مع الجيش. ولا شك أن جزءًا من صراع الساسة والجيش هو انقسام على الهوية، لا سيما أن الجماعات الإسلامية واسعة النفوذ الشعبي تكافح من أجل تحقيق أهداف مبدئية، مرتبطة بفكرة تأسيس باكستان على العقيدة الإسلامية وفق نظرية الأمتين، التي ترى أن الأمة الإسلامية في شبه القارة الهندية لا يمكنها القبول بالحياة تحت ثقافة وعقيدة هندوسية، وقد استعاد الجنرال منير نظرية الأمتين في تجييشه للمواجهة الأخيرة. وخلافًا لعهد "الحرب على الإرهاب"، الذي حاول طمس الهوية الإسلامية لأول جمهورية أطلقت على نفسها وصف "الإسلامية"، ظهر مؤخرًا خطاب ديني في السياسة الباكستانية، ابتداءً بتفاخر الجيش بقائده الذي يحفظ القرآن وأنه ابن عالم دين، وتطعيم الجنرال خطاباته بتلاوة قرآنية سليمة، وانتهاءً بتسمية العملية "البنيان المرصوص" في مواجهة عملية "سندور" الهندية. يعود هذا الخطاب الديني بالذاكرة إلى عهد مغازلة قيادة باكستان للولايات المتحدة؛ فقد دشنت حكومة الرئيس مشرف فعاليات واسعة، تشجع النساء على التبرج لإظهار انفتاح المجتمع الباكستاني، وغيرها من البرامج والأنشطة الرياضية والاجتماعية التي تتوافق مع تلك المرحلة. وفي مقابل خطابات قادة باكستانيين (عسكريين ومدنيين) في المواجهة الأخيرة، جسدها ما وُصف بخطاب النصر لشهباز شريف والقول إن بلاده دافعت عن "لا إله إلا الله"، يجدر التذكير بتسجيل فيديو سُرّب من اجتماع للحكومة ترأسه رحمان ملك، وزير الداخلية في حكومة مشرف، وظهر فيه يتلعثم ويخطئ مرات عدة في قراءة سورة الإخلاص، وعندما سألتُ من يعرفون الوزير من قرب أكدوا أنه من أسرة معروفة بتدينها، ويستحيل أن يخطئ بسورة "قل هو الله أحد"، إحدى أقصر السور في القرآن الكريم. قد تكون السياسة اقتضت تضليل القوى الغربية -خاصة الأميركيين- في نفق، كان لا بد لباكستان أن تسلكه في ظل قوة مهيمنة على العالم، وكلفت باكستان وجيشها الكثير.. أما في المواجهة مع الهند، فإن أي قيادة لا يسعها إلا أن تستدعي السياسة التي قامت عليها باكستان في قرار تأسيسها، الذي اتُّخذ باجتماع لاهور في 23 مارس/ آذار 1940.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
الاتحاد الأوروبي يطلب توضيحا بشأن تهديد ترامب بفرض رسوم بنسبة 50%
سعت المفوضية الأوروبية إلى الحصول على توضيح من الولايات المتحدة بعد أن أوصى الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الجمعة بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات من الاتحاد الأوروبي بداية من الأول من يونيو/حزيران المقبل. وستُجرى مكالمة هاتفية بين المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش ونظيره الأميركي جيميسون جرير اليوم. وقالت المفوضية التي تشرف على السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة إنها لن تعلق على تهديد الرسوم الجمركية إلا بعد المكالمة الهاتفية. وفي وقت سابق اليوم الجمعة، ذكر ترامب على منصته تروث سوشيال أن "التعامل مع الاتحاد الأوروبي -الذي تشكل بالأساس لاستغلال الولايات المتحدة من الناحية التجارية- صعب جدا، مناقشاتنا معهم لا تفضي إلى أي نتيجة". وتراجعت الأسهم الأوروبية بعد تعليقات ترامب، وتخلى اليورو عن بعض المكاسب، في حين انخفض العائد على السندات الحكومية بمنطقة اليورو بوتيرة حادة. ويواجه الاتحاد الأوروبي بالفعل: رسوما جمركية أميركية بنسبة 25% على صادراته من الصلب والألمنيوم والسيارات. ما تسمى "الرسوم المضادة" بنسبة 10% على جميع السلع، وهي رسوم من المقرر أن ترتفع إلى 20% بعد مهلة مدتها 90 يوما أعلنها ترامب وتنتهي في 8 يوليو/تموز المقبل. إعلان وتقول واشنطن إن الرسوم الجمركية تهدف إلى معالجة العجز التجاري للسلع مع الاتحاد الأوروبي، والذي بلغ وفقا لوكالة يوروستات نحو 200 مليار يورو (226.48 مليار دولار) العام الماضي. لكن الولايات المتحدة لديها فائض تجاري كبير مع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتجارة الخدمات. وقالت مصادر مطلعة إن واشنطن أرسلت إلى بروكسل الأسبوع الماضي قائمة من المطالب لتقليص العجز، بما في ذلك ما تسمى الحواجز غير الجمركية، مثل اعتماد معايير سلامة الأغذية الأميركية وإلغاء الضرائب على الخدمات الرقمية. وردّ الاتحاد الأوروبي بمقترح يعود بالنفع على الطرفين يمكن أن يشمل انتقال الجانبين إلى رسوم جمركية صفرية على السلع الصناعية وشراء الاتحاد الأوروبي مزيدا من الغاز الطبيعي المسال وفول الصويا، فضلا عن التعاون في قضايا مثل الطاقة الإنتاجية الزائدة للصلب، والتي يُلقي الجانبان باللوم فيها على الصين. باريس في أوائل يونيو/حزيران المقبل. وقال ميخائيل بارانوفسكي نائب وزير الاقتصاد البولندي -الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي- إن التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% يبدو أنه حيلة تفاوضية. وصرح بارانوفسكي لصحفيين على هامش اجتماع في بروكسل بأن "الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتفاوضان، بعض المفاوضات تُجرى خلف أبواب مغلقة، وبعضها أمام الكاميرات"، مضيفا أن المفاوضات قد تستمر حتى أوائل يوليو/تموز المقبل". وأكدت المفوضية الأوروبية مرارا أنها تفضل التوصل إلى حل عبر التفاوض، لكنها مستعدة لاتخاذ إجراءات مضادة في حال فشل المحادثات. من جهتها، دعت فرنسا اليوم الجمعة إلى "احتواء التصعيد" في قضية الرسوم الجمركية عقب تهديدات الرئيس الأميركي، مؤكدة في الوقت نفسه أن الاتحاد الأوروبي مستعد "للرد". وقال الوزير الفرنسي المنتدب للتجارة الخارجية لوران سان مارتين على منصة إكس إن "تهديدات ترامب الجديدة بزيادة الرسوم الجمركية لا تجدي خلال فترة المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، نحن نحافظ على النهج نفسه: احتواء التصعيد، لكننا مستعدون للرد". أما في ألمانيا فقد انتقد وزير خارجيتها يوهان فاديفول اليوم الجمعة تهديدات دونالد ترامب ، محذرا من أن مثل هذه الإجراءات ستكون ضارة على جانبي الأطلسي. وقال فاديفول في مؤتمر صحفي ببرلين "مثل هذه الرسوم الجمركية لا تخدم أحدا، بل تضر فقط باقتصادات السوقين". وأضاف "نواصل الاعتماد على المفاوضات" التي تجريها المفوضية الأوروبية ، في حين اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن المناقشات الحالية "تراوح مكانها".


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
يوم حوّلت بكين الحرب الأوكرانية إلى مكسب إستراتيجيّ
عندما اندلعت الشرارة الأولى للحرب الروسية- الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، كان العالم ينظر إلى الصين على أنّها "طرف ثالث" قد يأخذ دور الوسيط. ولكن مع مرور الأشهر، كشفت بكين عن إستراتيجية أكثر تعقيدًا تخدم مصالحها الجيوسياسية بعيدًا عن الأضواء.. لم تكن بكين مجرد متفرج، بل لاعبًا رئيسيًا في هذه الأزمة، وإن كان يتحرك بخفّة ظلّ محسوبة. الاقتصاد: سلاح الصين الصامت في سوق النفط العالمية، نفّذت الصين واحدة من أذكى الخطوات الاقتصادية في العقد الأخير؛ إذ بينما كانت أوروبا تحاول تجفيف مصادر تمويل الحرب الروسية عبر العقوبات، كانت الشركات الصينية تشتري النفط الروسي بخصومات تصل إلى 35%، وفقًا لبيانات وكالة الطاقة الدولية. لم تكن هذه صفقة تجاريّة عادية، بل ضربة إستراتيجية بثلاثة أبعاد: تأمين احتياجاتها الطاقية بأسعار زهيدة. إنقاذ الاقتصاد الروسي من الانهيار. إضعاف تأثير العقوبات الغربية. الأرقام تتحدث عن نفسها: فقد قفزت واردات الصين من النفط الروسي من 7% قبل الحرب إلى 18% في 2023، بحسب تقرير نشرته صحيفة "فيننشال تايمز" في حينه. ووفقًا لتقرير صادر عن "معهد بروكينغز" في العام 2023، فإنّ "الصين تحوّلت إلى المشتري الأكبر للنفط الروسي بخصومات وصلت في حينه إلى 30%، ما وفر لموسكو مليارات الدولارات سنويًا". كما ازدادت التجارة الثنائية بين البلدين بنسبة 30% في عام 2023، حيث كشفت "وكالة بلومبرغ" في العام نفسه أنّ "بكين تستفيد من احتياجات روسيا الملحة لتعويض الأسواق الغربية". في ساحات القتال الأوكرانية، كان للبصمة الصينية حضور غير مرئي لكنّه حاسم! تقارير "حلف شمالي الأطلسي" تشير إلى أنّ 60% من الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجيش الروسي هي من إنتاج شركات صينية "حرب الظلّ".. التكنولوجية ولكن الأكثر إثارة هو ما كشفه تحقيق في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن شركات صينية، وفّرت لموسكو مكونات إلكترونية حساسة عبر دول ثالثة مثل ماليزيا وسنغافورة. في ساحات القتال الأوكرانية، كان للبصمة الصينية حضور غير مرئي لكنّه حاسم! تقارير "حلف شمالي الأطلسي" (الناتو) تشير إلى أنّ 60% من الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجيش الروسي هي من إنتاج شركات صينية، خصوصًا طرازات "دي جي آي". الأكثر إثارة للقلق -بحسب تحليل معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"- كان توريد قطع غيار لصواريخ "كاليبر" الروسية عبر قنوات تجارية معقدة. الذكاء الصيني تجلى في طريقة التعامل مع هذه الاتهامات؛ فبدلًا من الإنكار المطلق، تبنت بكين خطابًا مفاده أن "التجارة المدنية يجب ألا تتأثر بالصراعات السياسية"، كما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان في مؤتمر صحفي شهير. لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فمع تحوّل الصناعة الغربية عمومًا -والأوروبية خصوصًا- نحو إنتاج الأسلحة لدعم أوكرانيا، تراجعت قدرتها التنافسية في قطاعات أخرى.. استغلت الصين هذا الفراغ، وزادت صادراتها إلى أوروبا، خصوصًا في المجالات التكنولوجية والصناعية. إذ ذكرت مجلة "ذا إكونومست" في تقرير خلال عام 2023 أنّ الشركات الصينية "تملأ الفراغ الذي تركته الصناعات الأوروبية المنشغلة بالأزمة الأوكرانية وتبعاتها". المعركة الدبلوماسية الخفية على طاولة الأمم المتحدة، مارست الصين ما يمكن تسميته "الدبلوماسية المزدوجة"؛ فبينما امتنعت عن التصويت ضد بعض القرارات المتعلقة بأوكرانيا، استخدمت حق النقض (الفيتو) لحماية المصالح الروسية الأساسية. المحلل السياسي لي جينغ أوضح أنّ الصين كانت في حينه تتبع إستراتيجية "القناع الذهبي"، إذ تبدو محايدة ظاهريًا لكنّها تقدم دعمًا جوهريًا خلف الكواليس. تايوان.. الفوز بالوكالة ربما كان أكبر كسب إستراتيجي للصين هو تحييد التهديد الغربي في ما يتعلق بجزيرة تايوان؛ ففي تقرير لمركز "CSIS" الأميركي كشف أنّ 78% من القادة العسكريين الأميركيين يعتقدون أنّ القدرة على الردع في المحيط الهادئ تأثرت سلبًا بسبب الاستنزاف الأوكراني. أما الأرقام الأكثر دلالة على ذلك فكانت أن مخزون الولايات المتحدة من صواريخ "جافلين" انخفض بنسبة 70%، وأنظمة "هايمارس" بنسبة 65%، وفقًا لوزارة الدفاع الأميركية. كما أنّ الحرب قد أجبرت الغرب على تحويل مليارات الدولارات من ميزانياته لدعم أوكرانيا، ما أثّر على قدرتها في الصناعات العسكرية. ووفقًا لـ"مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" (CSIS) فإنّ الولايات المتحدة ودول أوروبا أصبحت عاجزة عن مواجهة تهديدات متعددة في وقت واحد، ما عزّز موقف الصين في المحيط الهادئ". بينما يركز الغرب على ساحات القتال في دونباس، تكتب الصين فصولًا جديدة من تاريخ الهيمنة العالمية، ليس عبر الدبابات والطائرات، بل عبر عقود الطاقة، وشرائح السيليكون، ومناورات الدبلوماسية الذكية نظام عالمي جديد على أنقاض أوكرانيا إذًا، فإنّ ما بدأ كـ"صراع إقليمي" تحول إلى "مختبر" لتجربة "النظام العالمي الجديد".. الصين اختبرت نموذجها الخاص لهيمنة لا تعتمد على القوة العسكرية المباشرة، بل على 3 ركائز: التحالفات الاقتصادية المرنة. التكنولوجيا القابلة للتكيف مع الأغراض العسكرية. الدبلوماسية متعددة المستويات. وقد كتب المحلل الإستراتيجي روبرت كابلان في مجلة "فورين أفيرز": "الحرب الأوكرانية علمتنا أنّ الصين قد تفوز بالمعركة العالمية من دون إطلاق رصاصة واحدة". أما اليوم، وبينما يركز الغرب على ساحات القتال في دونباس، تكتب الصين فصولًا جديدة من تاريخ الهيمنة العالمية، ليس عبر الدبابات والطائرات، بل عبر عقود الطاقة، وشرائح السيليكون، ومناورات الدبلوماسية الذكية. قد تكون روسيا هي التي تخوض الحرب في أوكرانيا، لكن الصين هي التي تعدّ العدة لمعركة القرن الحقيقي: معركة تشكيل النظام العالمي المقبل.