logo
إمبراطورية إيلون ماسك تئن تحت وطأة مشاكله السياسية

إمبراطورية إيلون ماسك تئن تحت وطأة مشاكله السياسية

الاقتصاديةمنذ 4 أيام
كان عدم الانتباه إلى الكدمة تحت عين إيلون ماسك أسهل مما يجب، ربما بسبب ظل قبعته أو لأنه كان يلوي عنقه كما لو أنه خرج لتوّه من أبرع جلسة تدليك في العالم أو لأن الأنظار كانت مركزة على دونالد ترمب. وربما اجتمعت كل تلك الأسباب. على أي حال، انقضت 40 دقيقة قبل أن يسأل أحد السؤال الواضح: ما الذي أصاب وجهه؟
غزا ماسك ذلك إلى حادثة بين أب وابنه. قال مشيراً إلى ولده إكس الذي بلغ من العمر 5 سنوات: "قلت: هيا اضربني على وجهي، ففعلها… لم أشعر بشيء يُذكر حينها. ثم أعتقد أن التورم بدا".
كان التفسير، الذي جاء في 30 مايو خلال ما كان من يفترض أن يكون حفل توديع ماسك في المكتب البيضاوي، مطمئناً لأي شخص قلق بشأن سلامة ماسك. في وقت سابق من ذلك اليوم، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً، نفاه ماسك، أشارت فيه مصادر مجهولة إلى أن استخدامه لعقاقير مخدرة كان يساهم في نمط من السلوك غير المنتظم. من ناحية أخرى، جاءت خشونة ماسك مناسبة لاستعارة تصف عمله القصير والفوضوي في مؤسسة السياسة الرئاسية.
كان أثرى رجال العالم يغادر البيت الأبيض وقد تسبب لنفسه بإصابة جسدية، وربما بعض الإصابات النفسية.
كان الأمر على وشك أن يزداد سوءاً. وسرعان ما سيجد نفسه ومصالحه التجارية في مرمى نيران ترمب ويراها تتقهقر. بدأ ماسك عمله مع إدارة ترمب الثانية بالقرب من قمة العالم كما قد يكون حال أي شخص لديه ثروة بمئات مليارات الدولارات. وقد عيّن نفسه رئيساً لما يُسمى بوزارة الكفاءة الحكومية، وهي جهد يهدف لخفض التكاليف جعله لفترة وجيزة أحد أقوى الأشخاص في واشنطن، ووفر خلفيةً لنوع سريالي من فن الأداء السياسي.
كان يتجول في المكتب البيضاوي كما لو كان في عزبته. وقد سخر من موظفي الخدمة المدنية وخفض تمويل بنوك الطعام وتفاخر بإرسال وكالات اتحادية بأكملها "إلى مفرمة الخشب". كما طالب بالوصول إلى خطط عسكرية حساسة وكميات كبيرة من البيانات الشخصية، وحصل على كثير منها.
محاباة ماسك وشركاته
منح قادة دول أخرى يخطبون ود ترمب، تراخيص لشركة صواريخ ماسك 'سبيس إكس' كما عاود المعلنون الذين تركوا شبكة ماسك الاجتماعية بعد نوباته المعادية للسامية شراء إعلانات على "إكس". ارتفعت القيمة السوقية لشركة "تسلا"، وكذلك ارتفعت قيم شركات ماسك الخاصة، ومنها 'سبيس إكس' و'إكس إيه آي'، اللتان بدأتا تجمعان الأموال.
كان وراء ارتفاع صافي ثروة ماسك شعورٌ لدى كثير من المستثمرين بأنه والرئيس، الذي أنفق 300 مليون دولار ليساعده على العودة إلى البيت الأبيض، قد دمجا مصالحهما.
نشر ماسك في فبراير: "أحب دونالد ترمب بقدر ما يحب رجلٌ مستقيمٌ رجلاً آخر". وفي مارس، حضر اجتماعاً للإدارة معتمراً قبعةً كُتب عليها: "كان ترمب مُحقاً في كل شيء!". وما انفك يثني على نفسه جرّاء التخفيضات التي أحدثتها وزارة الكفاءة الحكومية، حتى مع استياء الجمهور منها.
أسعد هذا الحماس ترمب، على الأقل لفترة من الوقت، لكن تباهي ماسك كلفه غالياً. دخل ماسك معترك السياسة في 2024 كرجل أعمال يحظى بإعجاب واسع. بعد عام، أظهرت استطلاعات الرأي أن صافي شعبيته كان -20%، أي أنه أقل شعبية بكثير من ترمب ومعظم الشخصيات السياسية الوطنية الرئيسية الأخرى.
ووضع بعض ملّاك سيارات "تسلا" ملصقات مناهضة لماسك على سياراتهم الكهربائية؛ بينما فضّل آخرون شراء سيارات أخرى. في الربع الأخير، أعلنت 'تسلا" أن تسليماتها من السيارات الكهربائية كانت أقل بنسبة 13% مقارنةً مع العام الماضي برغم نمو في السوق الإجمالية للسيارات الكهربائية. انخفض سهم "تسلا" بأكثر من 30% منذ بلغ ذروته بعد الانتخابات.
لن يبدو أي من هذا ضاراً بشكل خاص إذا تمكن ماسك من الحفاظ على علاقاته الوثيقة مع ترمب، الذي كان يحث أتباعه على شراء سيارات "تسلا" والذي كانت إدارته في وضع جيد لتخفيف اللوائح التي تؤثر على "تسلا" وتحويل العقود إلى "سبيس إكس".
هجوم لاذع على ترمب
لكن بعد أيام من ظهوره في المكتب البيضاوي بكدمة تحت عينه، انفجر ماسك في نوبة غضب عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانت ملحمية حتى وفقاً لمقاييسه. من بين أمور أخرى، قال إن ترمب لم يكن ليُنتخب أبداً لولاه. ثم ادعى (بلا دليل) أن ترمب كان متواطئاً في جرائم جيفري إبستين وزعم (دونما دليل) أن ترمب قد غطى عليها.
ودعا ماسك لعزل ترمب واستبداله بنائب الرئيس جيه دي فانس لهذا السبب. ورد ترمب بالتهديد بإلغاء جميع عقود "سبيس إكس". هدأت حدة الخلاف. وحذف ماسك ادعاءاته بشأن إبستين وقدم ما يشبه الاعتذار، إذ كتب: 'أنا نادم على بعض منشوراتي". ثم استأنف انتقاداته لمشروع قانون ترمب "وان بيغ بيوتيفل"، الذي، بالإضافة إلى تمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017، يخفض أيضاً الدعم الذي تستفيد منه "تسلا". سأل ترمب في مؤتمر صحفي في الأول من يوليو: "هل تعرف ما هي وزارة الكفاءة الحكومية؟ إنها هو الوحش الذي قد يضطر إلى العودة والتهام إيلون ماسك".
تهديد ترمب ليس خيالياً بقدر ما يبدو. إن ثراء ماسك ورقي وبلغ صافي ثروته حوالي 360 مليار دولار، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات. لكنه أيضاً فقير من حيث حيازاته النقدية، ويعتمد إلى حد كبير على سعر سهم 'تسلا'، وعلى استمرار العلاقات الجيدة مع الحكومة الأميركية، وعلى قدرته المستمرة على جمع مبالغ تكاد لا تُحصى من مستثمرين يوافقونه على أي شيء يقوله.
تبدو أرجل هذا الكرسي أكثر اهتزازاً من أي وقت مضى، فقد انخفض سعر سهم 'تسلا' بشدة، وبات ترمب وماسك يتبادلان الاتهامات علناً، وحتى بعض أشد المستثمرين المؤيدين لماسك يصدرون تحذيرات غامضة حول الحاجة إلى تدخل مجلس إدارة "تسلا".
كما أن شركات ماسك متشابكة مالياً، فيصعب بذلك احتواء الأضرار الجسيمة. وهناك كثير من الأسلحة الأخرى التي يمكن أن يستخدمها ترمب ضد مصالح ماسك التجارية، لو كان متحمساً جداً.
انتقام اليد الخفية
تساءل عضو مخضرمٌ في الحزب الجمهوري، تحدث شريطة عدم كشف هويته لأنه غير مخول بالحديث علناً: "ماذا لو جاءت قاعدة جديدة أو أمر تنفيذي غير منطقيين؟… إنها بيئة تنظيمية لا يمكن البتة توقع تطوراتها". أضاف أن هناك أيضاً خطر "انتقام اليد الخفية" ضد ماسك من خلال أحد التحقيقات المفتوحة التي يواجهها بالفعل لدى وكالاتٍ اتحادية، ومنها هيئة الأوراق المالية والبورصات والإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة.
في أواخر مايو، صرّح ماسك بأنه "عاد إلى العمل على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع". لقد فعل ذلك من قبل، مُركزاً عادةً على هدف واحد. هذه المرة ذكر عدة أهداف: تواجه كل من 'تسلا" و'سبيس إكس' و'إكس إيه آي' تحديات مُلحة. ثم يأتي الانتقام. أعلن ماسك في 4 يوليو عن حزب سياسي ثالث سمّاه "حزب أميركا"، وهو يهدف كما قال لانتخاب مُشرّعين مستقلين على حساب الأغلبية الجمهورية في الكونغرس. في أول يوم تداول تلا ذلك، انخفضت القيمة السوقية لشركة "تسلا" بنحو 70 مليار دولار.
ماسك، الذي لم يُجب على طلبات التعليق، لديه قدرة خارقة على ابتكار طرق للخروج من المآزق. كادت "تسلا" أن تُفلس مرتين على الأقل، وشارفت 'سبيس إكس' على الإفلاس قبل أن يصل صاروخها الأول إلى مداره. لكن رهانات ماسك الحالية -سيارة أجرة آلية، وصاروخ جديد لم يُحلّق بأمان بعد، وشركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تخسر أكثر من مليار دولار شهرياً- بعيدة المنال مقارنةً بأي شيء حاول أن يفعله حتى الآن.
كل منها، كما سترى في دراسات الحالة الثلاث التالية، يُمكن القول إنها جزء مما... وضع إمبراطوريته على أرض مهتزة.
لدى الرئيس الأميركي حدة المزاج والقدرة على الإضرار بإمبراطورية ماسك. ولكن في قائمة عوامل الخطر التي تهدد هذه الإمبراطورية، يأتي ترمب في المرتبة الثانية بعد ماسك نفسه.
ماسك و"تسلا"
في 22 يونيو، وصل حوالي اثني عشر مؤثراً من مؤثري "تسلا" إلى أوستن لحضور ما وصفه ماسك بأنه فجر عصر جديد في التنقل. وأخيراً، أصبح لدى "تسلا" سيارة أجرة ذاتية القيادة لتعرضها.
أعلن هربرت أونغ، وهو مستثمر ومؤثر عبر 'يوتيوب'، في بداية بث مباشر لمدة أربع ساعات يوثق بعض الرحلات الأولى أن "هذا يوم تاريخي… هذا رائع! ها نحن ذا نبدأ". ما تلا ذلك كان سلسلة تأخيرات وعثرات منها أن السيارة قادت نفسها إلى مكان مختلف، فاضطر أونغ لأن يهرول لعدة مربعات في المدينة ليلحق بها. أخيراً، ركب سيارة "تسلا" موديل (Y) معدلة وركب في المقعد الخلفي في رحلة مدتها 12 دقيقة كانت ستبدو مملة لأي شخص استخدم 'ويمو' (Waymo) في السنوات القليلة الماضية. ثم كان مزيد من الانتظار، وست رحلات أخرى.
بطريقة ما، كان طرح روبوتاكسي من "تسلا" ملحمياً فعلاً، وهو ثمرة سلسلة طويلة جداً من الوعود الجامحة. في 2015، أخبر ماسك المستثمرين أن سياراته ستكون قادرة على القيادة الذاتية في غضون ثلاث سنوات. عندما جاء هذا الموعد النهائي وانقضى، قال إن السيارات ذاتية القيادة ستأتي في الواقع في 2019، ولما حل 2019، أعلن أن الخدمة شبه مكتملة ووعد بمليون سيارة روبوتاكسي من "تسلا" بحلول عام 2020. واستمر الأمر على هذا النحو لست سنوات أخرى.
ومع ذلك، استمر المستثمرون يرفعون سعر سهم "تسلا". كان بعضهم من هواة جمع 'الميم' ومن المعجبين بماسك، لكن كثيراً من المستثمرين المحترفين (وأبرزهم كاثي وود، مؤسسة شركة 'إيه آر كيه إنفستمنت مانجمنت' (ARK Investment Management) اقتنعوا برؤيته لمستقبل الروبوتات.
غرائب "تسلا"
إيضاحاً للسياق، تتمتع "تسلا" بقيمة سوقية أكبر بنحو 20 مرة من قيمة شركة 'جنرال موتورز'، التي تبيع ثلاثة أضعاف عدد السيارات. هناك تفسيران محتملان لهذا التناقض: إما أن "تسلا" مبالغ في قيمتها بشكل كبير مقارنة مع شركات صناعة السيارات الأخرى، أو أنها على وشك تحقيق نمو هائل.
في الوقت الحالي، "تسلا" في تراجع. فقد أعلنت عن أول انخفاض في مبيعاتها السنوية في يناير وأبلغت عن انخفاض في تسليم السيارات في الربعين التاليين. لقد فشلت شاحنتها'سايبرترك' (Cybertruck) منذ إصدارها في 2023، إذ بيع ما يقرب من 5000 منها في الربع الأخير، وفقاً للنشرة التجارية (Electrek). توقع ماسك مبيعات سنوية تتراوح بين 250000 و500000؛ وتشير الوتيرة الحالية إلى أن 20000 قد تكون أكثر واقعية.
في العام الماضي، بدا أن ماسك تخلى عن خطط إنتاج سيارة منخفضة السعر وكان كثير من المحللين يعتمدون عليها لجذب زبائن جدد، واختار بدلاً من ذلك خفض سعر تشكيلة الشركة الحالية.
في الوقت نفسه، يبدو أن تحوله اليميني ينفّر كثير من مشتري السيارات المتحمسين الذين كانوا في السابق أكبر معجبي "تسلا". انخفضت ارتياد متاجر "تسلا" بشكل كبير في الخريف، إذ أصبح وجود ماسك السياسي أوضح، وبدأت مخزونات السيارات غير المبيعة تتراكم.
قال ماثيو لابروت، مدير المبيعات السابق الذي استقال من الشركة احتجاجاً عبر بودكاست "إيلون إنك" التابع لمجلة بلومبرغ بيزنس ويك في مايو إنه يعتقد أن مبيعات سيارة السيدان موديل (Y) ذات التصميم الجديد كانت سيئة لأن التصميم الجديد يفضح تاريخ شرائها. قال: "لا يمكنك وضع الملصق الذي يقول: اشتريت هذا قبل أن يصيبه الجنون! على إحدى هذه السيارات… فقد كان مجنوناً' لدى شرائها.
لقد خلقت الدراما داخل "تسلا" طبقة إضافية من التعقيد بالنسبة لماسك. غادر عدة قياديين كبار في الأشهر الأخيرة، ومنهم أوميد أفشار (نائب ماسك الرئيسي)، وميلان كوفاك (رئيس هندسة برنامج الروبوت البشري في "تسلا")، وديفيد لاو (رئيس هندسة البرمجيات) وجينا فيروا (رئيسة الموارد البشرية في منطقة الولايات المتحدة). لم تشرح الشركة هذه المغادرات لمعظم العاملين لدى"تسلا"، وقد علم الموظفون عنها من خلال المنشورات عبر 'إكس'.
توجيه الأنظار إلى روبوتاكسي
حاول ماسك تجاهل كل هذا، وقال خلال مكالمة أرباح "تسلا" في أبريل: "الحقيقة هي أنه في المستقبل، لن يشتري معظم الناس سيارات". بمعنى آخر، عليكم أن تفكروا في 'روبوتاكسي'.
في مايو، كان منخرطاً في تفاصيل وتوقيت حدث إطلاق أوستن، وفقاً لشخصين مطلعين على عمليات "تسلا"، وقد تحدثا بشرط عدم كشف هويتيهما لأنهما غير مخولين بالتحدث علناً عن ذلك. قالا إن خطة ماسك كانت الكشف عن خدمة محدودة لتأجير السيارات لمجموعة صغيرة من المستخدمين كنوع من إثبات المفهوم مع الضغط من أجل القواعد الاتحادية التي من شأنها أن تسمح نظرياً لـ"تسلا" تقديم رحلات 'روبوتاكسي' على مستوى البلاد.
طورت "تسلا" سيارة روبوتاكسي ذات مقعدين وقال ماسك إنها ستكون جاهزة لتكون على الطرق في وقت ما من العام المقبل. لكنه قد يواجه صعوبة في إقناع عدوه الرئاسي الجديد بهذه الخطة.
خلال الحملة الانتخابية، انتقد ترمب السيارات الكهربائية وقال في تجمع في نادي ديترويت الاقتصادي إنه سيمنع المركبات ذاتية القيادة من العمل على الطرق الأميركية. وبرغم أن ترمب كان سعيداً بوضع ماسك على رأس وزارة الكفاءة الحكومية، إلا أن مشروع قانون الضرائب الذي أقره حديثاً يبدو كارثياً على مالية "تسلا". يلغي مشروع القانون اعفاءً ضريبياً قدره 7500 دولار يشمل معظم السيارات الكهربائية المصنوعة في أميركا، ومن تلك معظم سيارات "تسلا"، ما سيجعل هذه المركبات أغلى بكثير بدءاً من الخريف.
كما أنه يلغي العقوبات المفروضة على شركات صناعة السيارات التي تفشل في تلبية المعايير الاتحادية للاقتصاد في استهلاك الوقود، وهي جزء من برنامج الاعتمادات التنظيمية الذي قدم لشركة "تسلا" مكاسب هائلة على مر السنين. (في العام الماضي، باعت "تسلا" لشركات أخرى ما يقارب 3 مليارات دولار من الاعتمادات التنظيمية).
في مايو، توقع محلل من 'جيه بي مورغان تشيس' أن هذه الضربة المزدوجة ستكلف "تسلا" حوالي نصف أرباحها السنوية. قال ترمب في مؤتمر صحفي في 1 يوليو، في إشارة إلى الإعانات: "إنه مستاء من فقدان تفويضه للسيارات الكهربائية. قد يخسر أكثر من ذلك بكثير".
إطلاق خائب يهبط بالسهم
ارتفع سهم "تسلا" 8% خلال اليوم الأول من التداول بعد الإصدار في أوستن، لكنه فقد كل هذه المكاسب خلال الأيام القليلة التالية مع اتضاح حدود تقنيتها، إذ أبلغ بعض المستخدمين الأوائل عن فرملة مفاجئة وغير مبررة. وقد تخطت إحدى سيارات "تسلا روبوتاكسي' خطاً أرضياً مزدوجاً وسارت في المسار الخطأ؛ واصطدمت أخرى بسيارة متوقفة.
قال المسؤولون التنفيذيون إن خطة "تسلا" تتمثل في العمل على هذه "الحالات الطارئة" ثم توسيع نطاق الخدمة في عمق أوستن، وفي النهاية، إلى مدن أخرى. الهدف المعلن الأخير هو مئات الآلاف من سيارات الأجرة الآلية بحلول نهاية 2026، الأمر الذي يتطلب من ماسك معرفة كيفية تشغيلها بأمان دون كل المساعدة التي تتطلبها حالياً.
في الوقت الحالي، يتكون أسطول سيارات الأجرة الآلية من "تسلا" بين 10 و20 سيارة فقط، وهي محدودة في جزء من أوستن. كانت رحلة أونغ، مثل جميع رحلات سيارات الأجرة الآلية حتى الآن، تحت إشراف موظف من الشركة في مقعد الراكب، وكان موجوداً لإيقاف السيارة أو الإمساك بعجلة القيادة في حالات الطوارئ.
بدأ أونغ رحلته بسؤال سائق الأمان عن اسم السائق، فأجاب المراقب دون أن ينظر إلى الوراء: "هذا ليس مهماً". كما صرحت "تسلا" أن رحلات سيارات الأجرة الآلية المبكرة الخاصة بها تُراقب عن بُعد بواسطة مشغلين يمكنهم تولي الأمر إن برزت مشكلة.
بمعنى آخر، لكل سيارة من سيارات "تسلا" التي يُفترض أنها ذاتية القيادة سائقين جاهزين على الأقل. قالت ميسي كامينغز، مديرة مركز القيادة الذاتية والروبوتات بجامعة جورج ماسون والمستشارة السابقة للإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة: "في تاريخ القيادة الذاتية، لم أرَ قط شركة سيارات تحتاج إلى هذا القدر من الدعم الخارجي'.
مظاهر لإخفاء الإخفاق
لدى 'ويمو' مساعدين عن بُعد جاهزين لمساعدة سياراتها، لكنها تُشغّل 1500 سيارة أجرة ذاتية القيادة بدون سائقي السلامة داخل السيارة في خمس مدن منها أوستن. مثل كثير من خبراء السيارات ذاتية القيادة الآخرين الذين حاورتهم بيزنسويك لإعداد هذا التقرير، وقالت كامينغز إنه لا يوجد سبب وجيه ليجلس مراقب السلامة في مقعد الراكب بدل أن يكون خلف عجلة القيادة. شرحت: 'إنه المظهر… لا يريدون الاعتراف بما هو اضح: إنه هنالك إنسان'.
كان شخص آخر، طلب عدم كشف عن هويته لأنه ما يزال يعمل في قطاع يسيطر عليها ماسك، أكثر صراحةً، فقد قال: "إنه مزيف. لكن الجمهور، وحتى بعض المحللين، سينبهرون".
ماسك و"سبيس إكس"
لطالما كانت 'سبيس إكس' أكثر شركات ماسك استقراراً، فلديها خط إنتاج مهيمن وإدراك واضح لمهمتها، وعلى النقيض من "تسلا"، بها نائب واحد مُفوض. تشرف الرئيسة التنفيذية للعمليات، غوين شوتويل، التي عملت مع ماسك منذ الأيام الأولى للشركة، على شركة وضعت 84% من جميع الأقمار الصناعية في المدار العام الماضي، بالإضافة إلى إمدادات وطاقم محطة الفضاء الدولية.
على الرغم من أن ناسا لديها خيار آخر لإرسال البضائع إلى محطة الفضاء مثل مركبة الفضاء 'سينغوس' (Cygnus) التابعة لشركة 'نورثروب غرومان' (Northrop Grumman)، فلا يوجد منافسون حقيقيون لشركة 'سبيس إكس' في الولايات المتحدة لمهام رواد الفضاء.
لم تقم 'بوينغ'، التي لديها أيضاً عقداً مع وكالة ناسا لنقل الطواقم، بمهمة ناجحة لبرنامجها 'ستارلاينر' (Starliner)، الذي أطلق رحلة في 2024 بعد سنوات من التأخير وتعطلت بعض محركات الدفع وعانت من تسرب الهيليوم، فاضطرت ناسا إلى إعادتها إلى الأرض فارغة. وكان على رائدي الفضاء الأميركيين الانتظار تسعة أشهر في محطة الفضاء إلى أن أعادتهما كبسولة 'سبيس إكس' (SpaceX) إلى الأرض.
من ناحية أخرى، فإن التناقض بين محاولات 'سبيس إكس' و'بوينغ' لنقل رواد الفضاء هو شهادة على ما حققه ماسك. لكن لسنوات، جادل منافسو 'سبيس إكس'، بالإضافة إلى ثلة من المسؤولين الحكوميين الأميركيين، بأن اعتماد الحكومة على ماسك يمثل نقطة ضعف، ما يمنح مليارديراً يفتقر للانضباط نفوذاً على أحد الأصول العسكرية الأساسية.
ازدادت حدة الانتقادات في 2023، بعدما أفاد كاتب السيرة والتر إيزاكسون أن ماسك رفض طلباً من الجيش الأوكراني بتشغيل خدمة الإنترنت 'ستارلينك' التابعة لشركة 'سبيس إكس' للمساعدة في هجوم مخطط له في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا.
في سبتمبر، كتبت مجموعة من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي رسالة إلى وزير الدفاع آنذاك لويد أوستن تقترح أن الحكومة يجب أن تطور أنظمتها الخاصة وأن الاعتماد على 'سبيس إكس' يشكل "مخاطر جسيمة على الأمن القومي'.
في فبراير التالي، ذكرت مجلة فوربس أن مايك غالاغر، الذي كان آنذاك ممثلاً جمهورياً عن ولاية ويسكونسن، أرسل رسالة إلى ماسك يشكو فيها من أن 'ستارلينك' ترفض تقديم الخدمة إلى تايوان، وهو ما اقترح أنه قد يعرّض عقود 'سبيس إكس' العسكرية للخطر.
أنكرت 'سبيس إكس' العمل ضد المصالح الأميركية أو الأوكرانية وقالت إنها لا تعمل في تايوان لأن الحكومة لم تمنحها ترخيصاً. احتفظت الشركة بعقودها، وهدأت الانتقادات، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن صواريخ ماسك لديها معجبون أكثر بكثير من المنتقدين داخل الحكومة.
شهر عسل "سبيس إكس"
بدا أن ترمب يُعدّ نفسه من بين المعجبين، خاصةً بعد أن أصبح ماسك أكبر داعميه الماليين. خلال خطابات حملته الانتخابية في الخريف، كان ترمب يخاطب جمهوره بعبارات مختلطة وهو يصف تجربة مشاهدة هبوط 'سبيس إكس' على التلفزيون. قال في نوفمبر: "هبطت هذه المركبة الفضائية، ورأيت لهيب محركاتها… لهذا السبب أحبك يا إيلون".
تضمن برنامج الحزب الجمهوري لعام 2024 خططاً "لتعزيز الشراكات" مع شركات الفضاء التجارية، وذكر ترمب تكراراً أن إدارته ستمول مهمة إلى المريخ، ملمّحاً إلى أن شركة ماسك ستتولى الأمر.
بعد الانتخابات، رشّح ترمب بريندان كار رئيساً للجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC)، واضعاً حليفاً مقرباً من ماسك في موقع يُمكّنه من مساعدة 'ستارلينك' في الحصول على دعم حكومي لخدمة النطاق العريض.
أما بالنسبة لرئاسة ناسا، فقد رشّح جاريد إسحاقمان، وهو رائد أعمال في مجال المدفوعات وسبق أن موّل (وسافر على متن) رحلتين لـ'سبيس إكس'. كل هذا أوحى بأن شركة ماسك ستكون الخيار الأمثل لمزيد من العقود- حتى توترت علاقته بترمب. في أواخر مايو، بعدما اشتكى ماسك من مشروع قانون الضرائب، سحب ترمب ترشيح إسحاق مان، مشيراً إلى "مراجعة شاملة للروابط السابقة"، في إشارة إلى تبرعات إسحاق مان للمرشحين السياسيين الديمقراطيين.
استمرت شكاوى ماسك بشأن مشروع القانون على قناة 'إكس'، فقد كتب أن ذلك"عملٌ مقززٌ"، وفي أوائل يونيو، سأل أحد المراسلين ترمب عنها. قال ترمب إن ماسك غاضبٌ من إلغاء قروض "تسلا" للسيارات الكهربائية. كما بدا وكأنه يُلمّح إلى تضارب محتمل في المصالح، مشيراً إلى أن إسحاق مان وماسك كانا مقربين، وهو ما "لم أرَه مناسباً".
تهديد من عيار ثقيل
ثم أطلق ماسك تهديداً أسوأ بكثير، على الأقل من منظور الأمن القومي، من أي شيء قاله عن ترمب وإبستاين. كتب ماسك: "في ضوء تصريح الرئيس بشأن إلغاء عقودي الحكومية، ستبدأ 'سبيس إكس' في إيقاف تشغيل مركبة 'دراغون' الفضائية فوراً". كان التهديد واضحاً: بدون دراغون، ستواجه الولايات المتحدة صعوبة في الوصول إلى محطة الفضاء الدولية إلى أن تُصلح 'بوينغ' مشكلات 'ستارلاينر'، التي من غير المقرر أن تُستأنف رحلاتها قبل عام 2026 على أقرب تقدير. أما الخيار الآخر فهو طلب المساعدة من روسيا.
سرعان ما تلقت عدة شركات قائمة وناشئة تعمل في مجال الصواريخ مكالمات من البنتاغون للتحقق من تقدمهم- وهي علامة، وفقاً لأشخاص مطلعين على المكالمات، على أن إدارة ترمب قد تحولت إلى فكرة أنها بحاجة إلى إيجاد المزيد من البدائل لـ'سبيس إكس'.
في 13 يونيو، نقلت بلومبرغ نيوز أن ترمب قد تدخل في نزاع بين الحكومة الأميركية وشركة 'إيكو ستار'، وهي شركة تنافس 'سبيس إكس'، وكان يحث على تسوية. ارتفعت أسهم 'إيكو ستار'، التي كانت تتأرجح على حافة الإفلاس، بنحو 80% منذ ذلك الحين.
إن قرار رعاية منافسي 'سبيس إكس' أمر منطقي برأي لوري غارفر، نائب مدير ناسا السابق في عهد الرئيس باراك أوباما الذي كان أحد أهم حلفاء ماسك في واشنطن قبل عقد.
قال غارفر لبلومبرغ نيوز في يونيو: "غير المقبول أن يهدد الرئيس التنفيذي لشركة مقاولات دفاعية وجوية رئيسية بإغلاق الخدمات التي تعاقدت الحكومة معها لأدائها". تراجع ماسك مجدداً وكتب عبر 'إكس': "حسناً، لن نوقف تشغيل (دراغون)'، ملمحًا بشكل منفصل إلى أن 'سبيس إكس' لم تكن تعتمد على التمويل الحكومي على أي حال لأن إيراداتها تتجاوز بكثير ما تحصل عليه من ناسا.
ستارلينك مصدر دخل ثانوي
هذا صحيح ولكنه مضلل بعض الشيء أيضاً، لأن جميع إيرادات 'سبيس إكس' من القطاع الخاص تقريباً تأتي من "ستارلينك"، وهو خط عمل أحدث قد لا يكون مربحاً. كانت 'ستارلينك' تأمل في إعادة توجيه الأموال من برنامج النطاق العريض الريفي للرئيس جو بايدن البالغ 42 مليار دولار، والذي صُمم لدفع أموال للولايات لمد كابلات الألياف.
يزيد الخلاف مع ترمب احتمالية سعي الولايات للالتزام بمشاريع الألياف، التي تؤدي إلى البناء وخلق فرص العمل، بدل الاعتماد على ستارلينك، كما بيّن بلير ليفين، رئيس موظفي لجنة الاتصالات الفيدرالية السابق.
قال ليفين، الذي يعمل الآن مستشاراً للسياسات في شركة 'نيو ستريت ريسيرش'، إن نجاح 'ستارلينك' سيعتمد على الأرجح على قدرة ماسك على بيع الخدمة في أجزاء من العالم لا تغطيها خدمة النطاق العريض بما يكفي، لأن معظم الأميركيين لديهم بالفعل اتصال إنترنت موثوق.
يعتمد نمو 'سبيس إكس' المستقبلي أيضاً على صاروخ 'ستارشيب'، وهو صاروخ أكبر بكثير مُوِّل بعقود مع ناسا بقيمة 4 مليارات دولار. يأمل ماسك أن يكون 'ستارشيب' قابلاً لإعادة الاستخدام بالكامل، ما يجعل طيرانه أرخص بكثير من أي صاروخ آخر في السوق، وأن تستخدمه ناسا في نهاية المطاف في مهمة إلى المريخ.
لكن 'ستارشيب' متأخر بسنوات عن الجدول الزمني الذي وضعه ماسك في الأصل، ويعتمد على عدد من التقنيات غير المُجرَّبة، بما في ذلك نظام إعادة التزود بالوقود الذي يعتبره بعض النقاد تكهنات جامحةً، والذي سيتطلب من الشركة إطلاق عدة صواريخ بتتابع سريع. (صرح ماسك أن العدد لا يتجاوز أربع رحلات إعادة تزود بالوقود؛ بينما أشار مسؤولون حكوميون إلى أنه قد يتطلب 16 رحلة أو أكثر).
كما يجب على الشركة إيجاد طريقة لتصميم ألواح درع حرارية لا تنكسر أو تتساقط أثناء إعادة الدخول، وهي مشكلة عانت منها آخر مركبة إطلاق قابلة لإعادة الاستخدام تابعة لناسا، وهي مكوك الفضاء.
مرحلة التجارب لم تنتهِ
قبل إطلاق الشركة الأخير لمركبة 'ستارشيب' في مايو، أخبر ماسك الصحفي المتخصص في مجال الفضاء إريك بيرغر أن دراسة أداء غلاف المركبة عند إعادة الدخول كانت العنصر "الأهم" في رحلة الاختبار. قال ماسك: "لدينا ما نحو 12 تجربة للغلاف أو أكثر… نحن نجرب طلاءات مختلفة على الغلاف. نحن نجرب تقنيات تصنيع مختلفة وتقنيات ربط مختلفة'.
لسوء الحظ، لم تنجح أي من تجارب الغلاف هذه لأن 'سبيس إكس' فقدت السيطرة على المركبة، التي انفجرت أثناء عودتها إلى الغلاف الجوي للأرض. كان هذا هو فشل الإطلاق الثالث على التوالي. كما يبدو أن جهود ماسك الواضحة لقتل صاروخ منافس -نظام الإطلاق الفضائي التابع لشركة بوينغ، الصاروخ الذي تخطط ناسا لاستخدامه لإطلاق مهمتها القمرية القادمة- قد باءت بالفشل.
في الخامس من يونيو، وهو نفس اليوم الذي بدأ فيه خلافه مع ترمب، أضاف السيناتور تيد كروز، الجمهوري من تكساس، بنداً إلى مشروع قانون الضرائب خصص 4.1 مليار دولار لتمويل نظام الإطلاق الفضائي (SLS) التابع لشركة 'بوينغ؛، مما يضمن استمرار منافس 'ستارشيب' الرئيسي لفي العمل.
بعد أسبوعين، ومع احتدام خلاف ماسك مع ترمب، خسرت الشركة صاروخ 'ستارشيب' آخر. انفجر هذا الصاروخ خلال ما كان من المفترض أن يكون اختباراً روتينياً، وأدى إلى إتلاف منصة الاختبار بشكل بالغ وإرسال كرة نارية هائلة إلى السماء. قال ماسك ساخراً عبر 'إكس': "مجرد خدش".
منصة إكس والذكاء الاصطناعي
ظهرت أحدث حيل ماسك الاستعراضية في وقت متأخر من 9 يوليو، عندما أعلن عن أحدث إصدار من 'إكس إيه آي'، المشروع الذي دمجه مع 'إكس' في وقت سابق من هذا العام. إذا كانت 'سبيس إكس' الصخرة التي يستند إليها ماسك، فإن 'إكس إيه آي' هي، حتى الآن، أكبر مصادر خسائره إضافة إلى أنها المشروع الذي لفت انتباهه أكثر من غيره.
وصف ماسك روبوت الدردشة الجديد 'غروك 4' (Grok 4) التابع لشركة 'إكس إيه آي'، بأنه "أذكى ذكاء اصطناعي في العالم" وادعى أنه أكثر كفاءة من "معظم حاملي الدكتوراه"، برغم اعترافه بأنه "قد يفتقر في بعض الأحيان إلى الحس السليم... إنه لم يخترع بعد تقنيات جديدة أو فيزياء جديدة، ولكن هذه مجرد مسألة وقت'.
يصعب أخذ هذه التفاخرات على محمل الجد، لكن مستثمري 'إكس إيه آي' متفائلون، ويجادلون بأن كنز 'إكس' الهائل من المنشورات المحدثة يمثل ميزة كبيرة لها عن برامج الدردشة الأخرى.
من ناحية أخرى، يعرف أي شخص استخدم 'إكس' حديثاً أنه مصدر لأكثر من مجرد معلومات آنية. في الأيام التي سبقت حدث 'غروك'، لاحظ المستخدمون أن برنامج الدردشة كان يُدرج اعتيادياً أفكاراً وميمات معادية للسامية في ردود أسئلتهم. رداً على استفسارات المستخدمين حول الفيضانات في تكساس، انتقد 'غروك' "الكراهية المعادية للبيض" وأشار إلى أن أدولف هتلر يعرف كيف يتعامل معها.
الرئيسة التنفيذية لمنصة "إكس" تغادر منصبها
في ردود أخرى، طرح 'غروك' أن اليهود كانوا يضطهدون البيض -وهي نظرية مؤامرة أيدها ماسك شخصياً غير مرة قبل أن يعتذر في النهاية- كما ربط برنامج الدردشة تكراراً عبارة "في كل مرة لعينة" بالميمات المعادية للسامية التي يستخدمها على نطاق واسع المؤثرون المعادون للسامية الذين عادوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي منذ اشترى ماسك 'تويتر' وجعل إسمها 'إكس'.
ألقى باللوم على المستخدمين لتلاعبهم بـ'غروك' لكنه اعترف لاحقاً بأنه كافح لمنع برنامج الدردشة من التعبير عن آراء متطرفة. كتب: "يصعب بشكل مدهش تجنب كل من الليبرالي المتشدد للصحوة وميكاهتلر المتعصب".
أعادت الموجة الأخيرة من ترهات الذكاء الاصطناعي العنصرية صدى حادثة سابقة بدأ فيها 'غروك' بالرد على أسئلة حول مواضيع عادية بمطولات انفعالية حول "الإبادة الجماعية للبيض" في جنوب أفريقيا، وهي إحدى هواجس ماسك العنصرية. ألقت الشركة باللوم على "تعديل غير مصرح به" أعده أحد الموظفين، وقالت إنها صححته.
في أواخر يونيو، جمع ماسك 10 مليارات دولار عبر الاقتراض وأسهم شركة 'إكس إيه آي'، مع خطط لجمع 10 مليارات دولار أخرى بسرعة. قال إن الخطة هي "إعادة صياغة كامل مجموعة المعرفة البشرية'.
كجزء من جهود جمع التبرعات، أبلغت 'إكس إيه آي' المستثمرين أن 'غروك' تخطط لحرق 13 مليار دولار هذا العام بينما لا تحصل إلا على 500 مليون دولار من الإيرادات. وبعدما نشرت بلومبرغ نيوز التفاصيل المالية، وصف ماسك التقرير بأنه 'هراء".
من ناحية أخرى، عرضت الشركة خصماً خلال جمع التمويل بالديون، ويشمل تمويل الأسهم ملياري دولار من 'سبيس إكس'. وقال ماسك إنه سيطلب من مجلس إدارة "تسلا" المساهمة أيضاً في احتياجات 'إكس إيه آي' الرأسمالية.
"تسلا" تنافس "إكس إيه آي"
بالطبع، ترى "تسلا" نفسها أيضاً كشركة ذكاء اصطناعي، وتتنافس الآن مع 'إكس إيه آي' على المواهب الهندسية وكذلك على وقت ماسك، الذي أشار أحياناً إلى أن برامج الذكاء الاصطناعي لدى"تسلا" ضرورية لمستقبلها، وفي أحيان أخرى ألمح إلى أنه قد ينقلها إلى 'إكس إيه آي'، حيث يمتلك مزيداً من الأسهم.
في 27 يونيو، قال إنه "كان يعمل بجد على (غروك) طوال الليل مع فريق (إكس إيه آي)". في 8 يوليو، بعد عطلة نهاية أسبوع أمضي معظمها في الترويج لحزبه السياسي الجديد، أرسل أحد هؤلاء المستثمرين، دان آيفز، من شركة 'ويدبوش سيكيوريتيز'، مذكرة إلى العملاء حملّها ذعره.
كتب آيفز: "يجب على مجلس إدارة "تسلا" أن يتحرك". كانت الرسالة صارمة وكتب فيها إيفز، الذي يُعتبر على نطاق واسع المحلل الأكثر تفاؤلاً في وول ستريت بشأن مستقبل "تسلا"، أن الأنشطة السياسية للرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" "تتعارض تماماً مع ما يرغب به مساهمو "تسلا" وتُعرّض الشركة للخطر فيما "تتجه إلى إحدى أهم مراحل دورة نموها".
لكن بدلاً من المطالبة باستبدال ماسك، كان لدى إيفز فكرة مختلفة. اقترح على مجلس الإدارة زيادة تعويضات ماسك بشكل كبير، ما يمنحه حوالي 100 مليار دولار إضافية على هيئة أسهم، وقال إن هذا قد يشجع ماسك على دمج 'إكس إيه آي' مع "تسلا"، وأن يوم الدفع يجب أن يأتي مع قواعد تُلزم بالإشراف على أنشطة ماسك السياسية وحد أدنى من الوقت الذي يجب أن يقضيه في العمل على "تسلا".
سخر المتشائمون والمراهنون على انخفاض أسهم 'تسلا"، وهم مجتمع إلكتروني قوي استعاد حيويته حديثاً، من الاقتراح ووصفوه بأنه مفرط السخاء. لماذا نجزي سلوك الرئيس التنفيذي المُدمّر للذات بمكافأة مالية ضخمة؟.
كان رد ماسك مختلفاً، إذ أوضح أنه يعتزم الاستمرار في نهجه مهما كلف الأمر. كتب: 'اخرس يا دان". وأمضى فترة ما بعد الظهر يغرد مجدداً عن جيفري إبستين وترمب، ثم فتح بثّاً ظهر فيه وهو يمارس ألعاب الفيديو. بعدها أغلق سعر سهم "تسلا" على ارتفاع 1%.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بوتين يعرض وقف الحرب مقابل شرق أوكرانيا.. وترمب يتحدث عن تبادل أراضٍ
بوتين يعرض وقف الحرب مقابل شرق أوكرانيا.. وترمب يتحدث عن تبادل أراضٍ

الشرق السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق السعودية

بوتين يعرض وقف الحرب مقابل شرق أوكرانيا.. وترمب يتحدث عن تبادل أراضٍ

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، إنه سيلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين قريباً، مشيراً إلى إمكانية حدوث تبادل للأراضي بين موسكو وكييف "بما يخدم مصلحة الطرفين"، فيما تحدَّث مسؤولون أوروبيون وأوكرانيون عن اقتراح للرئيس الروسي بـ"وقف الحرب مقابل شرق أوكرانيا". وأضاف ترمب للصحافيين: "سألتقي قريباً جداً بالرئيس بوتين. وسيجري الكشف عن مكان اللقاء قريباً. كان من الممكن أن يكون اللقاء أبكر، لكن أعتقد أن هناك ترتيبات أمنية يضطر البعض، للأسف، إلى اتخاذها". ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان سيتعين على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التنازل عن المزيد من الأراضي، أجاب ترمب: "سنستعيد بعض الأراضي. وسنُجري بعض التبديلات. سيكون هناك تبادل في الأراضي بما يخدم مصلحة الطرفين". "وقف الحرب مقابل شرق أوكرانيا" نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، عن مسؤولين أوروبيين وأوكرانيين قولهم، إن الرئيس الروسي قدّم إلى إدارة ترمب اقتراحاً لوقف شامل لإطلاق النار في أوكرانيا، يتضمن مطالب إقليمية كبيرة من كييف، ودفعاً للاعتراف الدولي بمطالب موسكو. أعرب مسؤولون أوروبيون عن تحفظات جدية تجاه المقترح الروسي الذي يتطلب من أوكرانيا التنازل عن منطقة دونباس في شرق البلاد، دون أن تقدم موسكو التزامات تُذكر سوى وقف القتال. وأثار العرض، الذي نقله بوتين إلى المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف خلال اجتماع في موسكو الأربعاء، جدلاً دبلوماسياً واسعاً. وأعرب المسؤولون الأوروبيون والأوكرانيون -الذين أُطلعوا على المقترح خلال سلسلة اتصالات مع ترمب وويتكوف- عن قلقهم من أن يكون العرض مجرد مناورة روسية لتجنب العقوبات والرسوم الأميركية الجديدة، مع مواصلة الحرب على الأرض. ورغم وصف ترمب لمقترح بوتين بأنه "ليس اختراقاً"، إلا أنه قال إنه كافٍ لبدء الترتيب لقمة محتملة قد تُعقد الأسبوع المقبل، ما يشير إلى تغير في الموقف الروسي، الذي كان يطالب سابقاً بالسيطرة الكاملة على جبهات القتال الممتدة، بما يتجاوز منطقة دونباس. وبحسب مصادر مطلعة على الاتصال، أخبر بوتين المبعوث الأميركي أنه سيوافق على وقف شامل لإطلاق النار إذا انسحبت القوات الأوكرانية بالكامل من إقليم دونيتسك شرقي أوكرانيا، وهو ما يعني أن روسيا ستسيطر على دونيتسك ولوجانسك، إلى جانب شبه جزيرة القرم، التي ضمتها عام 2014 وتسعى للاعتراف الدولي بها كجزء من أراضيها. وشارك ترمب بنفسه في الاتصال الأول، إلى جانب ويتكوف، ونائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو. فيما شارك في الاتصال الثاني، الخميس، الفريق نفسه دون ترمب، وانضم إليهم المبعوث الخاص لأوكرانيا كيث كيلوج. وفي اتصال ثالث الجمعة، قال ويتكوف لمسؤولين أوروبيين إن المقترح الروسي يتألف من مرحلتين: تنسحب أوكرانيا في الأولى من دونيتسك ويتم تجميد خطوط القتال، يلي ذلك اتفاق سلام نهائي بين بوتين وترمب، يتم التفاوض عليه لاحقاً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. "مسارات محتملة للسلام" من جانبها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن ترمب وفريقه للأمن القومي يناقشون "مسارات محتملة للسلام" مع نظرائهم الأوكرانيين والأوروبيين. وأضافت ليفيت: "احتراماً لحساسية المشاورات الدبلوماسية مع روسيا وأوكرانيا وحلفائنا الأوروبيين، لن يعلّق البيت الأبيض على ما تردد في وسائل الإعلام بشأن تفاصيل المقترح". ولم يتناول المقترح الروسي بشكل مباشر مساعي أوكرانيا للحصول على ضمانات أمنية، من ضمنها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأكد بوتين أن حكومته ستمرر تشريعات تتعهد بعدم مهاجمة أوكرانيا أو أوروبا، وهو تعهد قوبل بتشكيك كبير من قِبَل المسؤولين الأوروبيين، وفق "وول ستريت جورنال". وخلال سلسلة اتصالات مع حلفاء أوروبيين هذا الأسبوع، قال ويتكوف إن العرض الروسي يمثل "تحركاً حقيقياً نحو السلام"، حتى وإن بدا أن الاتفاق النهائي قد يختلف عن الصيغة الحالية. من جهته، أعلن الكرملين الجمعة، أن بوتين أطلع قادة الهند والصين وبيلاروس وجنوب إفريقيا ودول أخرى على تفاصيل اجتماعه مع ويتكوف، فيما أجرى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اتصالاً بنظيره التركي هاكان فيدان، في إطار المساعي لتوسيع الدعم الدولي للمقترح.

ترامب: اتفاق بين روسيا وأوكرانيا سيشمل "تبادل أراض"
ترامب: اتفاق بين روسيا وأوكرانيا سيشمل "تبادل أراض"

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

ترامب: اتفاق بين روسيا وأوكرانيا سيشمل "تبادل أراض"

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس الجمعة إن اتفاقا لإنهاء النزاع بين روسيا وأوكرانيا سيتضمن تبادل أراض، من دون إعطاء أي تفاصيل. خلال قمة سلام عقدها في البيت الأبيض مع رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، قال ترمب "سيكون هناك بعض من تبادل الأراضي لصالح الطرفين". وقال ترمب أمس الجمعة إنه سيلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين "قريباً جداً" في مسعى لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأضاف ترمب خلال قمة ثلاثية مع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان ورئيس أذربيجان إلهام علييف أنه سيجري الكشف عن مكان اللقاء قريبا. وأوضح "سألتقي الرئيس بوتين قريباً جداً، كان من الممكن أن يحدث اللقاء في وقت أقرب، لكن يبدو أن هناك ترتيبات أمنية يتعين أن تجرى".

"اللعبة الكبرى" في منطقة القطب الشمالي
"اللعبة الكبرى" في منطقة القطب الشمالي

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

"اللعبة الكبرى" في منطقة القطب الشمالي

"النزاع على منطقة القطب الشمالي مع ما تحويه من مصادر وافرة سيمثل اللعبة الجديدة الأعظم في القرن الـ 21"، وجاء هذا الكلام في مقابلة أجريت خلال فبراير (شباط) الماضي مع كبير المستشارين الإستراتيجيين للرئيس ترمب خلال ولايته الرئاسية الأولى ستيف بانون، إذ إن صراع القوى المتكشف اليوم في أقصى الشمال العالمي يحاكي إلى حد كبير فعلاً "اللعبة الكبرى" الأصلية، أي التنافس الذي دار في القرن الـ 19 بين القوتين العظميين آنذاك الإمبراطوريتين البريطانية والروسية، من أجل تأمين طريق وصول إلى المنطقة ذات القيمة الإستراتيجية والاقتصادية الكبرى في آسيا الوسطى، وفي إطار المنافسة الراهنة تقوم كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة ببذل جهود متماثلة بغية تحقيق توسع على الأرض والنفوذ، وتظهر القوى الحديثة مرة أخرى توقاً للوصول إلى الثروات الاقتصادية وإنشاء المناطق العازلة والدفاعية، وفي حال اشتدت هذه المنافسة واستعرت بين القوى المذكورة فقد تنتهي المغامرات العسكرية للاعبين الأساس الذين يقومون بها على النحو الذي انتهت به المغامرات السابقة، حاصدة الفشل والخيبة جراء الطقس البارد. وفي هذا الإطار وإزاء انبعاث ديناميكيات القوى التي كانت سائدة في القرن الـ 19 ومعاودة ظهورها من جديد، يأتي كتاب الدبلوماسية الأميركية السابقة ماري تومبسون – جونز، المنشور حديثاً بعنوان: "أميركا في القطب الشمالي" (America in the Arctic)، ليقدم سردية مفيدة وفي وقتها عن كيفية وصول الولايات المتحدة إلى مكانتها كقوة عظمى في القطب الشمالي ومحافظتها على تلك المكانة، لكن تومسون – جونز تحذر في السياق ذاته من أن الولايات المتحدة، وبعد تجربتها الناجحة عموماً في القطب الشمالي، لا تولي اليوم اهتماماً كافياً بالمنطقة المذكورة التي غدت محور اهتمام القوى العظمى العالمية، فحتى خلال الفترة القصيرة التي تلت ظهور كتاب "أميركا في القطب الشمالي" حصلت تطورات جديدة رفعت الأخطار وزادت من وتيرة المنافسة، فترمب بعد وصوله إلى الرئاسة مرة ثانية راح يصبو إلى توسع إضافي محتمل في منطقة القطب الشمالي، مصدراً إشارات متكررة وخلافية بحق كندا التي ارتأى أنها يجب أن تصبح "الولاية (الأميركية) الـ51"، وبحق غرينلاند، المنطقة الدنماركية ذات الحكم الذاتي، التي تعهد بأن بفرض السيطرة الأميركية عليها "بطريقة أو بأخرى". في المقابل، وخلال وقت متزامن، راح التعاون ما بين روسيا والصين يشهد نمواً منذ إعلانهما عام 2022 "شراكة غير محدودة"، الأمر الذي ترجم في منطقة القطب الشمالي بعمليات مشتركة بينهما في الصعد العلمية والفضائية والعسكرية، بما في ذلك إجراء عمليات خفر سواحل ودوريات بحرية مشتركة، ثم جاءت محاولات واشنطن الأخيرة للتواصل مع موسكو لتطرح عرضاً مفاده: إن أسفرت المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا عن صفقة كبرى ما فإن المشهد الجيوسياسي الذي سينتج من ذلك قد يغير قواعد اللعبة برمتها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لكن بغض النظر عن النتيجة التي ستتأتى من هذا العرض يبقى التنافس على المعادن النادرة والممرات المائية وحقول الصيد البحري ومناجم القيعان واتصالات الأقمار الاصطناعية في طريقه إلينا، والولايات المتحدة غير مستعدة له، أما روسيا والصين في المقابل فتقومان منذ أعوام بالاستعداد للاستفادة من طرق الشحن البحري الجديدة في منطقة القطب، كما تعملان على تحسين قدراتهما العسكرية والعلمية تحت سطح المياه وتعملان على تطوير تكتيكاتهما في الحرب الهجينة، فيما يبقى تركيز الأميركيين على مكان آخر، وكي تتمكن الولايات المتحدة من المنافسة في هذا الإطار عليها وعلى نحو دراماتيكي أن تزيد حضورها العسكري والاقتصادي والعلمي والدبلومسي في منطقة القطب الشمالي بتنسيق وثيق مع حلفائها، وإن لم تقم واشنطن سريعاً بحل مسألة التقصير والتناقض بإستراتيجيتها المتعلقة بهذه المنطقة القطبية فقد تصحو على خسارتها "اللعبة الكبرى" الجديدة. فريق المتنافسين تقدم تومبسون – جونز في كتابها سردية تاريخية غنية لتجربة الولايات المتحدة في منطقة القطب الشمالي، وهذا يشمل الدور الأميركي الفعال في رسم السياسات القطبية لكل من كندا والدنمارك (من خلال غرينلاند) وفنلندا وآيسلندا والنروج وروسيا والسويد، كما تُضمن المؤلفة سرديتها وقائع معينة لا تنسى حصلت في كل دولة من دول هذه المنطقة. وتعبر تومبسون – جونز، الدبلوماسية الأميركية السابقة التي عملت في كندا، عن احترامها العميق لشعوب منطقة القطب وتقديرها لتأثيرات التغير المناخي المستمر في حياتها ورغبتها في الأمن والاستقرار، مدركة في السياق ذاته قيمة الأصدقاء والحلفاء "حين ينكسر الجليد"، وفق تعبير المثل الشائع عند شعب الإنويت (من شعوب القطب الشمالي)، ليختم الكتاب بنقد صارم ودقيق لغياب الطموح الأميركي في السياسات القطبية. وتوصي تومبسون - جونز التي ألفت كتابها قبل الانتخابات الأميركية العام الماضي، بأن يزيد القادة المستقبليون تركيزهم على مسائل تغيّر المناخ والدبلوماسية متعددة الأطراف في سياق إستراتيجية موسعة لمنطقة القطب الشمالي، لكن تلك التوصية لسوء الحظ سرعان ما تقادمت مع عودة ترمب إلى الرئاسة. ومن الأفكار التي قد تلقى استحسان الرئيس الأميركي دعوة الكاتبة إلى تبني "لحظة لونغيير"، في إشارة إلى الصناعي الأميركي جون لونغيير الذي أبحر عام 1901 إلى أرخبيل سفالبارد شمال النرويج، حيث رأى إمكانات صناعية كبيرة، وفي عام 1906 أسس لونغيير "شركة القطب الشمالي للفحم" (Arctic Coal Company) وسعى إلى إنشاء واستدامة حضور صناعي في منطقة القطب الشمالي بدعم أساس من حكومة الولايات المتحدة، وترى تومبسون – جونز أن ذلك المشروع مثل "تحولاً مفهومياً عميقاً" في المقاربات الأميركية لمنطقة القطب الشمالي وآذن ببدء عصر طموحات كبرى. واليوم بعد مضي أكثر من قرن تحتاج الولايات المتحدة مرة أخرى إلى السعي خلف "الاحتمالات الكبيرة" في القطب الشمالي إن أرادت التنافس مع غريمتيها روسيا والصين، فاللاعبون الثلاثة أولئك يقومون بالاستثمار في المنطقة لكن بطرق مختلفة، وبالنسبة إلى روسيا التي تسيطر على مساحات شاسعة من القطب الشمالي، تمثل المنطقة مجالاً حيوياً لديمومتها العسكرية والاقتصادية، وبالنسبة إلى الصين يمثل القطب الشمالي فرصة لتنويع مصالحها الاقتصادية الدولية وإغنائها، أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي ضمنت وجودها في القطب الشمالي حين اشترت من روسيا عام 1867 أراضي ألاسكا، عملية الشراء التي وصفها ديمتري روغوزين الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس الوزراء الروسي بأنها "خيانة لمكانة روسيا"، فإن المنطقة تمثل خط دفاع شمالي. وإلى هذا تسهم منطقة القطب الشمالي بإنعاش إستراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجيوسياسية، فالرجل يسعى إلى تطوير ممر مائي هو "طريق بحر الشمال" الذي يمر عبر مياه سواحل روسيا الشمالية ويحفل ببنى مرافق وموانئ جديدة تتصل بمناطق البلاد القريبة من القطب الشمالي عبر خطوط السكة الحديد، ويمكن لأسطول روسي جديد من كاسحات الجليد أن يرافق السفن التي تسجل عبورها في هذا الطريق البحري مما سيسهل تصدير الموارد الطبيعية الروسية ومرور البضائع الصينية من الشرق إلى الغرب، وفي كتابها تلاحظ تومبسون – جونز في المشروع الضخم هذا أصداء من ماض ثقيل: الحملة الضارية التي جردها الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين لإنشاء البنى التحتية في القطب الشمالي، والتي جرى خلالها إنشاء الطرق والسكك الحديد والمناجم عبر تسخير سجناء وعمال قسريين مات كثير منهم أثناء العمل، وقد عرفت إحدى الطرق المنشأة في إطار تلك الحملة بـ "طريق العظام" لأن عمالاً كثيرين ماتوا خلال إنشائها ودفنوا في أساساتها لدرجة أن "هناك جثة في كل متر من الطريق". وما يقوم به بوتين في هذه المنطقة من تحشيد اقتصادي وعسكري يبقى أقل قسوة وضراوة من أساليب ستالين لكنها لا تقل عنه طموحاً، مدفوعة بشعور روسيا المزمن بانعدام الأمن والخوف من فقدان السيطرة على أراضيها، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي أُغلقت قواعد عسكرية قطبية وتُركت البنية التحتية مهملة وهاجر كثير من السكان بسبب توقف الدعم الحكومي، واليوم تحاول السلطات الروسية منع مزيد من التدهور في أعداد ساكني القطب الشمالي عبر تأخير البت بطلبات يقدمها سكان يودون مغادرة المنطقة. إلى هذا تشكل معسكرات القطبية الإجبارية [سجون خاصة] أماكن مفضلة بالنسبة إلى الدولة لإيداع السجناء السياسيين الذين يمثلون خطراً على الحكومة، أمثال زعيم المعارضة أليكسي نافالني الذي قضى في ظروف مريبة داخل أحد تلك السجون عام 2024، وتقوم روسيا راهناً ببناء وتجديد القواعد العسكرية في القطب الشمالي، وذاك يرتبط بجزء منه بمسألة تحسين قدراتها على المراقبة في المنطقة مع تزايد الأنشطة التجارية على امتداد "طريق بحر الشمال". ويرصد في السياق ظهور مفاجئ للرايات الروسية وشعارات الصليب والكهنة الأرثوذكسيين، ليس فقط في المنطقة الروسية من القطب الشمالي بل أيضاً، وعلى نحو مقلق، في أعالي الشمال النروجي، وذاك يشكل إعلاناً صريحاً عن ملكية روسيا للمنطقة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. وقد انضمت الصين حديثاً من جهتها إلى لعبة القطب الشمالي هذه، فهي على رغم افتقارها إلى مناطق وأراض خاصة بها في المنطقة أعلنت نفسها دولة "محاذية للقطب الشمالي" استناداً إلى خرائط من القرن الـ 15 وإلى مصالحها واهتماماتها بإدارة تلك المنطقة القطبية، وبدأت بكين جهودها القطبية عام 2004 عندما أنشأت أول محطة أبحاث لها في أرخبيل سفالبارد واستخدمت التعاون العلمي كوسيلة لتوسيع معرفتها وحضورها في المنطقة، ولاحقاً سعت إلى دخول شراكات تجارية مع كندا والدول الإسكندنافية إلا أن تلك الدول أبدت تحفظاً على شروط الاستثمار الصينية، تحت ضغط غير مباشر من واشنطن، وقيدت تدريجاً قدرة بكين على الوصول، ثم سنحت فرصة أخرى للصين مع اجتياح روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، ففيما راحت موسكو تواجه خسارة أسواقها الأوروبية ونهاية تعاونها مع شركات الطاقة الغربية وتضاؤل موازنتها في زمن الحرب، أبدت في المقابل ترحيباً بالاستثمارات الصينية كوسيلة لسد الفجوة، وقامت الصين في السياق بزيادة تمويل مشاريع الغاز المسال الطبيعي الروسية في القطب الشمالي، كما شاركت في تطوير البنى التحتية على امتداد "طريق بحر الشمال" موسعة حضورها التجاري في المنطقة. من جانبها لطالما كانت الولايات المتحدة قوة اقتصادية في القطب الشمالي منذ أن اشترت ألاسكا عام 1867 من أجل الوصول إلى الموارد الطبيعية، وحاولت شراء غرينلاند في العام التالي ثم أعادت المحاولة في أعوام 1910 و1946 و2019 بدوافع اقتصادية وأمنية، وبعد الحرب العالمية الثانية وسّعت واشنطن حضورها في القطب من خلال تحالفات إقليمية ومشاريع بنية تحتية، ففي خمسينيات القرن الماضي أنشأت "خط الإنذار الباكر البعيد"، وهو سلسلة من محطات الرادار تمتد عبر ألاسكا وكندا وغرينلاند وآيسلندا وجزر فارو، وظلت نشطة حتى 1993 لرصد أي هجوم سوفياتي محتمل، كما تعاونت مع كندا لبناء "طريق ألاسكا السريع" وشاركت في نظام الدفاع الجوي المتكامل المعروف باسم "نوراد" NORAD، ومع حلفائها في الـ "ناتو" قامت القوات الأميركية بدوريات في شمال الأطلسي، وبخاصة حول غرينلاند وآيسلندا والمملكة المتحدة لكشف الغواصات والقاذفات النووية السوفياتية، ولاحقاً الروسية. وتبقى منطقة القطب الشمالي اليوم منطقة حيوية بالنسبة إلى المصالح الاقتصادية والأمنية الأميركية، فتضم مدينة أنكوريج، في ألاسكا، رابع أكبر مطارات الشحن ازدحاماً في العالم، كما تتمركز في ولاية ألاسكا مجمل أنظمة الرادار والصواريخ الاعتراضية الأرضية الأميركية تقريباً، والتي يسهم موقعها هناك عند خط عرض مرتفع بكشف باكر للتهديدات المحتملة، وقد جاء توقيع اتفاقات الدفاع الثنائية الأخيرة مع جميع دول الشمال الخمس وانضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي تباعاً خلال عامي 2023 و2024 ليعززا الدفاع الجماعي المشترك في منطقة القطب الشمالي، بيد أن واشنطن لا تزال تهمل قدراتها الذاتية هناك في تلك المنطقة، إذ غالباً ما ينتقد المسؤولون العسكريون الأميركيون واقع الافتقار إلى البنى التحتية الملائمة للموانئ والمطارات وكاسحات الجليد والأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار ومعدات التدريب والطقس البارد الضرورية للدفاع عن منطقة القطب الشمالي. رقعة اللعبة الجائزة التي تسعى إليها كل من روسيا والصين والولايات المتحدة في هذه المنطقة تتمثل بالسيطرة عليها كما علّق الطيار الأميركي بيلي ميتشل عام 1935 ساخراً بأن "من يستحوذ على ألاسكا سيستحوذ على العالم"، والسيطرة على منطقة القطب الشمالي توفر كثيراً من المزايا، فالعبور فوق المناطق القطبية يقصر المسافات التي ينبغي على سفن الشحن والطائرات والكابلات البحرية أو الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أن تقطعها للوصول إلى وجهاتها وأهدافها، وتضم المنطقة محطات أرضية للأقمار الاصطناعية ومواقع إطلاق مدارية مهمة للعمليات المدنية والعسكرية على حد سواء، كما أن البنى التحتية للمواصلات الموجودة في موقع خطوط عرض مرتفعة، وعلى رغم محدوديتها، تؤدي دوراً حيوياً في عمليات تتبع السفن ورصد أحوال الطقس ودمج أنظمة المراقبة، وكذلك تحوي أراضي القطب الشمالي وقيعان بحاره كميات هائلة من المعادن الحيوية النادرة ومصادر الطاقة، وقد غدت مياه القطب الشمالي مع الوقت على نحو متزايد مصدراً مهماً للغذاء العالمي، إذ يؤدي ارتفاع درجات حرارة المحيطات إلى إجبار الأسماك على التوجه شمالاً سعياً إلى المياه الأبرد. ومن هنا فإن خطوط المعركة الرئيسة ستتركز وترسم على طول امتداد قيعان المياه القطبية وفي المياه الدولية والطرف المؤدي إلى الفضاء الخارجي، فالغواصات النووية الأميركية والروسية تراقب بالفعل مناطق تمر فيها الكابلات البحرية التي تربط أوروبا بالولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تزداد الإجراءات الأمنية مع استهداف السفن الروسية والصينية لكابلات جديدة، وكذلك ستسعى الدول أيضاً إلى ضمان الوصول إلى المعادن النادرة والحيوية في تلك المناطق، وقد أصدرت هيئة مرتبطة بـ "اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار" (UNCLOS) عام 2023 توصيات تدعم معظم مزاعم روسيا التي تبرر توسعة عمليات جرفها القاري الخارجية لتصل إلى عمق القطب الشمالي (سيكون على روسيا في نهاية المطاف التفاوض مع كندا والدنمارك لحل مسألة تداخل المزاعم). والممكن أن يؤدي استخراج المعادن من قيعان المياه في هذه المنطقة إلى زيادة الحضور الروسي التجاري والعسكري في المياه الدولية، ومن المرجح أن تستمر النزاعات حول وضع طريقين بحريين في القطب الشمالي: طريق البحر الشمالي الروسي ونظيره الكندي، الممر الشمالي الغربي، إذ تعتبر كل من روسيا وكندا هذه الممرات مياهاً داخلية، بينما ترى الولايات المتحدة ودول أخرى أنها مياه دولية وبالتالي لا تخضع للقوانين أو القيود الوطنية، ومع ذوبان الجليد القطبي قد يُفتح طريق ثالث عابر للقطب يقع بالكامل تقريباً في مياه دولية غير متنازع عليها، وستحتاج الولايات المتحدة إلى بنية تحتية بحرية ورقابية إضافية استعداداً لاستخدامه المتزايد، فالصين من جهتها بدأت بالفعل في اختبار جدوى هذا المسار الإضافي وقد أرسلت كاسحة جليد عبره عام 2012. وأخيراً فإن مسألة تحديد مواقع المحطات الأرضية للأقمار الاصطناعية ومحطات الإطلاق في المدار القطبي ستمثل جبهة أساسية في سباق الفضاء، فكما أظهرت روسيا في حربها ضد أوكرانيا فإن البلد الذي يسيطر على أنظمة الملاحة الدولية والقادر على تعطيل الأقمار الاصطناعية عند خصومه سيتمتع بمزايا عسكرية هائلة. اللعب من أجل الفوز انطلاقاً مما ذكر تبدو الولايات المتحدة غير مستعدة أبداً لهذه المنافسة التي تطل برأسها، فعلى رغم الجهود المبذولة في الكونغرس، وخصوصاً من قبل وفود وممثلين من ألاسكا وماين وواشنطن، لدفع إدارات الرؤساء المتعاقبين إلى تأمين الموارد اللازمة للمنطقة القطبية الشمالية، تبقى المسألة خارج سلّم أولويات الدوائر الدفاعية الأميركية، ويؤدي شح التمويل وقلة الاهتمام بمنطقة القطب الشمالي إلى خلق حلقة مفرغة تنتج منها إستراتيجيات بليدة تفتقر إلى الموازنات الملائمة والهياكل القيادية الواضحة، وبالتالي فكي تعود الولايات المتحدة للعبة ستحتاج إلى تكثيف وجودها العسكري والاقتصادي في منطقة القطب، والعمل على نحو وثيق مع حلفائها لتعزيز شبكاتها العلمية والرقابية في المنطقة لرصد الأخطار والتهديدات ومواجهتها على نحو أفضل، والدليل الأبرز على قصر استعدادات الولايات المتحدة في تلك المنطقة القطبية يتمثل بأسطول كاسحات الجليد الأميركي المتقادم، إذ إن قوات البحرية الأميركية تفتقر إلى السفن القادرة على التقدم في مسطحات مائية صلبها الجليد، أما "خفر السواحل" الأميركي فلا يملك سوى ثلاث كاسحات جليد تعمل منها اليوم اثنتان، وعليهما خدمة منطقتي القطب الشمالي والقطب الجنوبي بالتزامن، ولدى الولايات المتحدة سفينة واحدة فقط عمرها 50 عاماً يمكنها الاختراق والتقدم عبر سبعة أمتار من الجليد، وفي عام 2024 اشترت واشنطن السفينة الثالثة، وهي كاسحة جليد تجارية بنيت عام 2012، لكنها تحتاج إلى تعديلات وتحسينات قبل التمكن من الدخول في الخدمة العام المقبل كما هو متوقع، وهذه السفينة القادرة على كسر جليد بسماكة نحو 1.5 متر ستكون بمثابة دعم موقت حتى يتم الانتهاء من كاسحة جليد أقوى طلبتها إدارة ترمب عام 2019، والمقرر أن تُسلّم عام 2030 بعد تأخيرات سببها تغييرات متكررة في التصميم وتراجع خبرة أحواض بناء السفن الأميركية التي لم تنتج كاسحة ثقيلة منذ السبعينيات. والمشكلة الأساس هنا تتخطى تماماً مسألة توفر كاسحات الجليد، إذ إن الولايات المتحدة تفتقر إلى الوجود العسكري الملائم والبنى الأساس البحرية الوافية، مثل موانئ أعماق البحار، للدفاع عن مساحات شاسعة في منطقة القطب الشمالي، فالقوات الأميركية قادرة على تشغيل "قاعدة بيتوفيك الفضائية" في الساحل الشمالي من غرينلاند مثلاً، لكنها غير قادرة على تأمين الجزيرة برمتها، كما أن إدارة ترمب في هذا الإطار تقوم أيضاً بتهديد تحالفات أساس في منطقة القطب الشمالي وتعرضها للخطر، وقد دفعت هذه العدوانية كندا والدنمارك إلى تعزيز قدراتهما، إذ أعلنت كندا هذا العام خططاً لبناء كاسحتي جليد جديدتين وثلاث قواعد عسكرية جديدة في القطب الشمالي، كما أعلنت الدنمارك في يناير (كانون الثاني) الماضي زيادة بقيمة ملياري دولار على الإنفاق الأمني، وخصصت في أبريل (نيسان) الماضي مبلغاً آخر بقيمة 600 مليون دولار لبناء سفن مراقبة، لكنها تهدد بالإضرار بعلاقاتها مع الولايات المتحدة على المدى الطويل، وإن كانت واشنطن تنوي منافسة الصين وروسيا فهي تحتاج إلى أن يكون جميع أصدقائها في منطقة القطب الشمالي إلى جانبها بالكامل. وكذلك على واشنطن أن تبدأ بتخصيص تمويل فعلي لتنمية وتطوير قدرات الولايات المتحدة في القطب الشمالي، فلقد تحدث ترمب مراراً عن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة القطبية، ويسعى الكونغرس منذ عام 2021 إلى تأمين تمويل لأعوام عدة ضمن موازنة الـ "بنتاغون" يغطي مبادرة تعزيز الأمن في القطب الشمالي، ولقد حان الوقت اليوم لتطبيق هذه الخطة وجعلها أمراً واقعاً، فالبحرية الأميركية تحتاج إلى سفن قادرة على الإبحار في المياه الجليدية، ولقد دعا ترمب مرات عدة إلى بناء 40 كاسحة جليد، غير أن هذا العدد ليس ضرورياً ولا واقعياً، فقوات خفر السواحل أعلنت حاجتها لثماني كاسحات أو تسع، وتحقيق هذا العدد ضمن إطار زمني معقول يحتاج حتى إلى تنفيذ معظم أعمال الإنشاء في أحواض بناء سفن أجنبية، وفي السياق ذاته ينبغي إصلاح واستدامة عمل مرافق المدرّجات (للطائرات) وأنظمة الرادار والمنشآت العسكرية الأخرى المتضررة بفعل ذوبان الجليد (والتربة الصقيعية)، كما أن مسائل مثل نشر الأفراد والقاذفات بعيدة المدى وتأمين مزيد من المرافق المرفئية والرقابية على طول سواحل غرينلاند وتحسين الموجود منها، وتطوير الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية والمسيرات العاملة في أعماق المياه، وعمليات توقيع الخرائط في قاع البحار، تعد من المسائل الضرورية لرصد ومراقبة منطقة القطب الشمالي ومساحاتها الشاسعة بغية كشف النشاط العسكري الروسي أو الصيني، على نحو خاص، فكما قال رئيس القيادة الشمالية الأميركية، الجنرال غريغوري غويلوت، في شهادته أمام الكونغرس في فبراير الماضي، فإن "الانتصار على ما لا نراه أمر مستحيل". وأيضاً على الجيش الأميركي العمل على ترشيد مسؤولية العمليات في منطقة القطب الشمالي وحصرها بقيادة إقليمية واحدة للمنطقة، ففي البنية القيادية الحالية التي طورت عام 2011 تنقسم مسؤوليات العمليات بين القيادة "العسكرية الأميركية في أوروبا" التي تغطي المنطقة الأوروبية من القطب الشمالي، وبين "القيادية الأميركية الشمالية" وإطار "نوراد" (NORAD) الأميركي - الكندي، وهما القيادتان اللتان تغطيان معاً أميركا الشمالية، فيما تقوم "قيادة المحيطين الهندي والهادئ الأميركية" في الوقت عينه بإدارة شؤون وقدرات قوات الجيش الأميركي المتمركزة في ألاسكا بمسائل التعامل مع الطقس البارد وتنفيذ العمليات المحمولة جواً، ومع تركيز كل واحدة من هذه الهيئات القيادية على منطقتها الخاصة فإننا نفتقر إلى جهة قيادية واحدة تعمل على مراقبة منطقة القطب الشمالي برمتها، وحتى السواحل الشرقية والغربية لغرينلاند تقع تحت صلاحيات هيئتين (قيادتين) عسكريتين منفصلتين، بينما سيؤدي وجود قيادة أميركية موحدة وما دون إقليمية (أو شبه إقليمية) في منطقة القطب الشمالي إلى الكشف الباكر عن أنشطة الخصوم والرد عليها، ودعم المراكز القيادية في المنطقة. كذلك ثمة خطوات واضحة يمكن للولايات المتحدة اعتمادها للوصول إلى المعادن الحيوية في منطقة القطب الشمالي، وتتمثل إحدى تلك الخطوات بأن تقوم وزارتا الطاقة والخارجية بإطلاق مبادرة مخصصة للقطب الشمالي بناء على اتفاق "شراكة تأمين المعادن" (القائم منذ عام 2022 والذي يضم 14 بلداً إضافة إلى الاتحاد الأوروبي) من أجل تعزيز الاستثمار العام والخاص في عمليات التعدين المستدامة وفي البنى الأساس المرتبطة بها في ألاسكا وغرينلاند وغيرهما من مناطق القطب الشمالي، وهناك خطوة ثانية تتمثل بتوسعة المنطقة الأميركية في القطب الشمالي، لا من خلال شراء غرينلاند أو ضم كندا بل عبر توسيع الجرف القاري الخارجي للولايات المتحدة في بحر بيرينغ والمحيط المتجمد الشمالي، وكانت إدارة بايدن بدأت هذه العملية عام 2023 من خلال وضع خريطة بمساحة 151700 ميلاً بحرياً مربعاً كإمتداد لكتلة أرض ألاسكا، وفق تحديد "اتفاق الأمم المتحدة لقانون البحار" (UNCLOS)، فعلى رغم عدم توقيع الولايات المتحدة على المعاهدة المذكورة تبقى واشنطن قادرة على المطالبة أمام لجنة الأمم المتحدة المرتبطة بها بملكية هذه المساحات المائية، لكن على الولايات المتحدة أيضاً المصادقة على تلك المعاهدة التي وقعتها الصين وروسيا، وذلك بغية تشكيل إدارة مستقبلية لعمليات استخراج المعادن من قاع البحار واستخدام شروطها لإلزام بكين وموسكو بالقانون البحري وتحميلهما مسؤولية أي انتهاك يقومان به. لقد قامت واشنطن على مدى العقدين الماضيين بوضع عشرات الخطط الإستراتيجية المتعلقة بالقطب الشمالي فيما كانت تسمح بضمور وتراجع قدراتها هناك، وها هي في الآونة الأخيرة تتسبب بتنفير حلفائها في هذه المنطقة، بيد أن الوقت حان الآن للقيام بعمل متضافر ومنسق، فالصين وروسيا باشرتا فعلاً خطواتهما الأولى هناك، أما الولايات المتحدة فعليها أن تقتدي بما جاء في رواية روديارد كبلينغ "كيم" عام 1901، والتي دارت أحداثها في آسيا الوسطى، حين قال "يجب أن تذهب بعيداً وبعيداً في الشمال وتلعب اللعبة الكبرى". هيذر كونلي باحثة بارزة غير مقيمة في معهد "أميريكان إنتربرايز" وتولت سابقاً رئاسة "صندوق مارشال الألماني للدعم" وشغلت بين عامي 2001 و2005 منصب نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أوروبا والشؤون الأوروبية. مترجم عن "فورين أفيرز"، 24 يونيو (حزيران)، 2025

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store