
دوافع ودلالات صفعة قائد تمارة
بداية وجب إدانة أي اعتداء جسدي أو نفسي أو معنوي ماس بكرامة المواطنين أو سالب لحرياتهم ولحقوق الانسان وحقوق المواطنة مهما كان سببه أو مصدره.
صفعة بتمارة 19 مارس 2025، التي ظهر جزء مبتور وغير كامل من المعلومات عنها يوم 23 مارس 2025، وقعت بالحي الشعبي المسيرة 2 هذا الحي الذي تقطنه فئات واسعة من المواطنين في وضعية هشة.
وجب بداية وضع الحادثة في سياقها السياسي والاجتماعي العام، ليس لتبرير الأفعال وردودها الصادرة عن أي كان بل لاستخلاص الدروس والعبر خاصة من الدولة المغربية وحكومتها. نذكر منها أساسا سياقان:
الأول، بعده اجتماعي، حيث تفشي البطالة في صفوف الشعب المغربي بشكل مقلق، والأرقام الصادرة من المندوبية السامية للتخطيط تفيد أن معدل البطالة ارتفع إلى 13.3 في المئة خلال سنة 2024 مقارنة مع 13 في المئة خلال سنة 2023 بحيث انضاف 58 ألفا مواطن لشعب المعطلين عن العمل في السوق الوطنية، وبذلك يصبح عدد العاطلين بالمغرب مليون و638 ألفا وهذا رقم ضخم جدا وغير مسبوق ومخيف.
أما في الوسط الحضري، حيث مسرح حادثة الصفعة، فنسبة العاطلين عن العمل بلغت 16.9 في المئة سنة 2024، ومع هشاشة الحي الشعبي المسيرة 2 بتمارة فغالبا ما قد تكون النسبة مضاعفة. أما وسط الشباب في سن ما بين 15 و 24 سنة فالاحصائيات الرسمية بنفسها تقول بنسبة 36.7 في المئة فماذا عن حي شعبي كالمسيرة 2؟.
من جهة أخرى، لم توفر حكومة وكلاء النيوليراليين المفترسين بالمغرب غير 82 ألف فرصة عمل خلال سنة 2024 ، في حين الحكومة التزمت مع المواطنين بخلق مليون فرصة شغل صافية خلال ولايتها يعني ذلك خلق 200 ألف منصب شغل كل سنة، مما يفيد تخلفها ب أزيد من 118 ألف منصب.
السياق الثاني وهو الأخطر ينذر بانفجار اجتماعي شعبي، يتعلق بنزع ملكية المواطنين دون وجود منفعة عامة معلنة في غالب الأحيان، يشمل ذلك جل مدن المغرب وجهاته، تم ذلك في ظروف بالغة التعسف والظلم بالضغط على المواطنين لبيع عقاراتهم بأثمان بخسة، والرأي العام يتحدث عن تفويت العقارات المنزوعة للوبيات داخلية أو لجهات أجنبية بمبرر الاستثمار. استثمار أصدرت له حكومة 'المال والأعمال' ميثاقا في دجنبر 2022 وعجلت، في ظرف شهرين بإصدار مرسوم تفعيله للاستثمارات الإستراتيجية التي تفوق 2 مليار درهم والاستثمارات الكبرى التي تفوق 50 مليون درهم، في حين بقي مرسوم تفعيل نطاق الاستثمار للمقاولات الصغرى والمتوسطة بالرفوف لمدة تفوق 25 شهرا لحد اليوم. وهنا تتجلى الحرب الحكومية على الطبقات الشعبية الفقيرة وعلى المقاولات الصغرى والمتوسطة.
الأرقام الرسمية تؤكد بشكل مخيف مستوى البطالة، ولا شيء أقوى وأظلم من البطالة، فالشباب المعطل ليس أمامه سوى ثلاثة حلول لا رابع لها، الهجرة السرية خاصة أو 'الديباناج' بعمل موسمي هش في القطاع غير المهيكل أو السري حتى، أو ممارسة العنف والكريساج، وجميعها ظواهر اجتماعية سلبية يجب مواجهتها بإيجاد الحلول الناجعة وليس بالمقاربة الأمنية.
عودة لصفعة/'تصرفيقة' تمارة لـ 19 مارس 2025، حادثة لا يجب الاستهانة بها، لأنها تتعلق بالكرامة قبل كل شيء، فنظيراتها أحدثت زلازل سياسية كبيرة في عدة مناطق بالمغرب وببلدان أخرى، وهنا وجبت الإشارة إلى حادثتين أساسيتين، الأولى بالحسيمة حين تم حجز شحنة سمك من الشاب محسن فكري ومصادرتها وانتهت بطحنه وسلعته في حاوية الأزبال وكانت الحادثة بمثابة الشرارة الأولى لاندلاع الحراك الشعبي للريف في 28 أكتور 2016 وما تلاه من قمع واعتقالات واسعة لساكنة بكاملها. وبالمناسبة نجدد المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين الستة بسجن طنجة ناصر الزفزافي ومحمد جلول ومحمد الحاكي ونبيل أحمجيق وزكرياء أضهشور وسمير إغيد ونتمنى العفو عنهم بمناسبة عيد الفطر القادم دون شروط.
كما تجدر الإشارة إلى أن مصادرة سلطات تونس لعربة خضر وفواكه الشاب محمد البوعزيزي يوم 4 يناير 2011 أدت إلى إضرام النار في جسده احتجاجا، ليس فقط على مصادرة مصدر رزقه بل أيضا للتنديد برفض السلطات قبول شكواه ضد شرطية صفعته أمام الملأ وصاحت في وجهه بعبارة dégage'إرحل' وهي العبارة التي أصبحت شعار الربيع الديمقراطي وامتداداته.
وبمناسبة حادثة الصفعة الحالية بتمارة، وجب الإشارة إلى نموذج من نماذج عنف السلطات من خلال حادثتتين قامت السلطات بإهانة الناس. يتعلق الأمر بحادثة وقعت بجماعة المنزه بإقليم الصخيرات تمارة في سياق حملة مسعورة للسلطات لهدم مئات المنازل بدوار أولاد، مبارك حين أمر قائد هذه الجماعة بانتهاك حرمة منزل في ملكية الرفيق المناضل الجمعوي مصطفى الحجاجي والاعتداء جسديا عليه ونفسيا على زوجته وطفله بعد الزج به في السجن لمدة شهر ومباشرة بعدها بشهرين بتهم ملفقة من رجل السلطة نفسه وإشهاد أعوانه من مقدمين وشيوخ، بالمناسبة كان ذلك ل من بين مئات المنازل المهددة بالهدم بدوار أولاد مبارك.
الحادثة الثانية تتعلق بتسبب قائد سابق في وفاة زوجة مواطن بفاس ( عبد العالي بريك) عبر عن ذلك لمرات عبر تدوينات ولايفات بوسائط التواصل الاجتماعي، كان ذلك سنة 2003، ومر الحادث دون أدنى مساءلة وعقاب.
قصة المقاطعة 7 بالمسيرة 2 حافلة بالعنف والاعتداءات السلطوية، ليس فقط اليوم، فلقد سبق تعيين القائد الأسبق المعروف بملفات إجرام وعنف السلطة وشططها، هذا القائد سبق وأن تسب بعنفه الوحشي في وفاة مواطن بإحدى جماعات إقليم الراشيدية، توبع على إثرها قضائيا وطوي الملف في النهاية. لم يثنيه ذلك عن الاستمرار في ممارسة سلوكه العدواني أينما حل وارتحل، إذ بعد انتقاله لجماعة عين عودة أقدم على الاعتداء، ضربا، على مواطن عامل كادح ( جلايجي) لينقل، مغمى عليه، مباشرة من ورش البناء للمستشفى الإقليمي سابقا سيدي لحسن بتمارة، حينها أصدر فرع تمارة للحزب الاشتراكي الموحد بيانا تنديديا طالب من خلاله إجراء تحقيق في الحادثة ومعاقبة المعتدي دون جدوى.
إن ' الهيبة ' التي ما فتئت تتحدث عنها بعض الأبواق الإعلامية وغيرها من الأصوات المسخرة لا يمكن أن تغطي الشمس بالغربال، فالهيبة تكتسب بتطبيق القانون والمساطر واحترام مواطنة وحقوق الناس وقبل كل شيء بحفظ كرامتهم وليس بالقهر والتسلط وهدر الحقوق.
فعنف السلطات يعلمها الجميع، هناك كيل بمكيالين في مثل هذه الحوادث .. يجب ان يكون القانون فوق الجميع
فالقائد، الجدير فعليا بمهمة 'القيادة' اليوم، كمسؤول إداري للسلطة، هو في المطاف، المسؤول الأول والأخير الواجب عليه إدراك مسؤوليته وأهمية وحساسية وظيفته كقائد القرن 21، صونا وحفاظا على هيبتها وتجنب تمريغها في الوحل، ليس بالعجرفة والتسلط والكيل بمكيالين والفساد الإداري. من هذه الزاوية يجب أن يساءل ويعاقب، لا أن يترقى أو ينقل فحسب، وهنا تتجلى مهمة وزارة الداخلية وأجهزتها وخاصة المفتشية العامة للإدارة الترابية.
قد يذهب العقل السلطوي، لاستثمار هذه الحادثة، لمعاقبة المتهمة بالصفع شر عقاب، لإعطاء الدرس للآخرين لكي لا يجرؤ أحد على تكرار نفس الفعل، ولإرسال رسالة عامة تكرس التركيع والإذلال في نفوس وأذهان عموم المواطنين، وهذا من جوهر وطبائع الاستبداد المخزني. لكن هذا التوجه الممكن والمحتمل وقوعه كما العادة ينم عن قصر النظر السلطوي المزمن، فكرامة الناس مقدسة لا تهان. القضية بيد القضاء، الجلسة الأولى بدأت يوم 25 مارس 2025 لتؤجل ليوم 3 أبريل القادم، وجب المطالبة بمحاكة تتوفر فيها شروط العدالة والعدل والانصاف.
ولنا في حكاية الضابط البريطاني عبرة حين صفع مواطنا هنديا ليرد عليه بصفعة أقوى. اشتكى الضابط لدى المقيم العام للاحتلال البريطاني بالهند، أمره المقيم بالذهاب إليه بمال وافر من خزينة الاحتلال وطلب الاعتذار. عبر الضابط عن عدم رضاه بدعوى إهانته واعانة المقيل العام وملكة الإمبراطورية البريطانية آنذاك لكنه، في الأخير، استجاب لأمر المقيم. ومرت السنون، ليأمر المقيم الضابط بالذهاب لصفع المواطن الهندي أمام الملأ، لكنه تردد خوفا من من ردة فعل ثانية أقوى وأعنف من المواطن، لكنه في الأخير امتثل وذهب وصفع المواطن الهندي بقوة، لم يصدر منه حينها أي رد فعل. لأن المواطن كان يملك كرامة دفعته لرد الصفعة دفاعا عنها والتي اهينت أول الأمر، أما اليوم فقد جرده المال من كرامته.
إن تصرفيقة تمارة، كانت في مواجهة 'تصرف عنفي مزدوج' فهي، من جهة، ناتجة عن التصرفات المتكررة في إهانة كرامة الناس التي يجب أن تتوقف، وعن سلب ممتلكاتهم وعقاراتهم ومنقولاتهم/سلعهم بعنهجية وجفاء وقهر وبدون بدائل وحلول، و ليس موجهة للقائد كشخص وكمواطن ولا حتى كموظف ممثل للسلطة، كما ليست عارضة وعابرة، بل نقطة نظام عميقة الدلالة وعلامة على الاهتزاز والهشاشة.
العلمي الحروني – قيادي بالحزب الاشتراكي الموهد
تمارة في 27 مارس 2025

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عبّر
منذ 2 ساعات
- عبّر
ذبح الأضاحي ألغي…واللهفة باقية
رغم القرار الملكي الحكيم الذي الغى شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام، حفاظا على القطيع الوطني في ظل ظروف مناخية صعبة، عجت الأسواق المغربية بحمى شراء اللحوم، وكأن القرار لم يصدر، أو كأن التضامن ظرفي وليس مبدأ. اسعار اللحوم ارتفعت بسرعة قياسية، ولامست ' الكرشة ' في بعض المناطق 700 درهم بينما الكبدة لوحدها تبقى من النوادر، في مشهد وصفه نشطاء بأنه 'مخالف لروح القرار الملكي ولجوهر الشريعة الإسلامية التي توازن بين الفرض والتعقل'. وعبر ناشطون عن أسفهم حيال هذا التهافت غير المبرر، مشيرين إلى أن ضعف التواصل المؤسساتي وغياب اليقظة من بعض السلطات ساهم في خلق هذه الفوضى، حيث تحول بعض 'السماسرة' إلى تجار أزمة، مستغلين لهفة المواطن وغياب الرقابة. وتساءل نشطاء في الفضاء التواصلي، كيف يمكن إقناع الناس بالتضامن، إذا كانت السلوكيات في الأسواق تناقض روح التوجيهات الرسمية والدينية، وهل يكفي قرار من القمة، إن لم ترفقه حزم من الأسفل. الواقع يكشف عن حاجة إلى تربية مجتمعية جديدة، تعيد تعريف المفهوم الخقيقي للشعائر، وتزرع ثقافة الطمأنينة بدل ثقافة التهافت، فالتضحية لا تكون دائمًا بسكين، بل قد تكون أيضا بكبح جماح الرغبة أمام مصلحة الوطن. يبدو من المظاهر التي نراها في الأسواق الوطنية، وكثرة الطلب على اللحوم و'الدوارة' يستشف منها بكون سلوكيات الغالبية من فئات المجتمع لا تزال رهينة العادة لا المصلحة. فبين قرار ألغي، ولهفة لم تلغ، يظل السؤال الأهم معلقا، متى ينتصر العقل على العادة، والوطن على الرغبة.


هبة بريس
منذ 8 ساعات
- هبة بريس
حين يعود السند إلى أرض الوطن ؟ماذا أعددنا لمتقاعدي الجالية المغربية؟
سعيد الحارثي.مدريد أكثر من مليون مغربي مقيم بالخارج سيبلغ سن التقاعد خلال 10 سنوات… فهل نحن مستعدون ؟ في مختلف بقاع العالم، من أوروبا إلى أمريكا، ومن الخليج إلى إفريقيا وآسيا، يقف آلاف المغاربة كل صباح ليكسبوا قوت يومهم بشرف، ويحولوا جزءا منه إلى وطن لم ينسوه يومًا. لقد ظلت الجالية المغربية، رغم بعد المسافات، على صلة قوية ببلدها، تغذي اقتصاده بتحويلات مالية تتجاوز سنويا عتبة المئة مليار درهم، مما يجعلها من أهم مصادر العملة الصعبة إلى جانب الصادرات الوطنية الكبرى. لكن خلف هذه الأرقام البراقة، يكمن واقع إنساني صعب. فالكثير من هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في المصانع، والموانئ، و الحقول،وقطاعات الخدمات، يقتربون من نهاية مشوارهم المهني، ويتطلعون إلى العودة إلى أرض الوطن لقضاء ما تبقى من العمر بين الأهل والذكريات. وهنا يطرح السؤال الحتمي: ماذا أعددنا لهم؟ يرجع الآلاف من المتقاعدين المغاربة إلى أرض الوطن بخبرة السنين، ووجع الغربة، وأمل العيش الكريم. لكنهم يصطدمون بواقع يفتقر إلى الحد الأدنى من التقدير والتهيئة. فالحكومة لا تميزهم بسياسات خاصة، والخدمات لا تراعي خصوصياتهم العمرية والاجتماعية، وغالبًا ما يشعرون بأن الوطن الذي ظلوا أوفياء له، لم يستعد بعد لاحتضانهم كما يجب. من الاستثمار في الإنسان إلى الاستثمار في الكرامة إن تعاملنا اليوم مع ملف متقاعدي الجالية سيكون بمثابة اختبار أخلاقي وسياسي للحكومة المغربية. فالمسؤولية لا تقتصر فقط على وزارات الخارجية أو الجالية، بل تتطلب تدخلاً حكوميًا موحدًا يشمل الصحة، الداخلية،النقل والثقافة من الضروري التفكير في إنشاء بطاقة خاصة بمتقاعدي الجالية المغربية، تمكنهم من الاستفادة من تخفيضات مهمة في وسائل النقل العمومي، والعلاجات الأساسية، والولوج إلى الأنشطة الثقافية، والأندية الرياضية. كما ينبغي توفير وسائل نقل مريحة وميسرة لهذه الفئة، سواء بالمجان أو بتكلفة رمزية، لتسهيل تنقلهم داخل المدن وبين الجهات ،أما على المستوى السكني، يُستحسن اعتماد حوافز ضريبية تشمل تخفيضات أو إعفاءات على السكن الرئيسي، مع تسهيلات في تسوية الوضعية القانونية للعقارات. ولتعزيز اندماجهم داخل المجتمع، يستحسن أيضا إحداث مراكز استقبال لائقة، تحتضن أنشطة ترفيهية وثقافية، وخدمات صحية واجتماعية، إلى جانب فضاءات للتوجيه والمواكبة القانونية ، وفي ظل تعقيد المساطر الإدارية، تصبح رقمنة الخدمات ضرورة لتسهيل الولوج إلى الوثائق والتعويضات والتغطية الصحية. وأخيرًا، سيكون من المفيد تأسيس هيئة تمثيلية دائمة تعنى بقضايا هذه الفئة، وتساهم بصوتها في بلورة السياسات العمومية ذات الصلة، بما يضمن الإنصاف ويعزز شعورهم بالانتماء والكرامة ، فالكرامة لا تُمنح في آخر العمر، بل تبنى عبر سياسات تنصف الإنسان قبل أن يرهقه الزمن


أريفينو.نت
منذ 10 ساعات
- أريفينو.نت
المغرب يستعد لتوجيه ضربة موجعة للشناقة؟
أريفينو.نت/خاص في مبادرة تشريعية هامة تهدف إلى إعادة هيكلة سوق الوساطة التجارية وإرساء قواعد أكثر عدالة اقتصادية، تقدم الفريق الحركي بمجلس النواب بمقترح قانون يسعى لتأطير مهنة الوسيط التجاري، أو على الأقل ما يقوم مقامها حاليًا. وتستهدف هذه الخطوة بشكل خاص دوائر تسويق المنتجات القادمة من المناطق القروية والجبلية والبحرية، والتي شهدت أسعارها ارتفاعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، وهو تضخم لا يُعزى فقط إلى الجفاف المستمر، بل أيضًا إلى جشع بعض الوسطاء المتعطشين لتحقيق أرباح باهظة على حساب القدرة الشرائية للمواطنين. صرخة من مؤسسات الحكامة… الفوضى في أسواق الوساطة تُلهب الأسعار! تأتي هذه المبادرة، وفقًا للمذكرة التقديمية المرفقة بالنص، استجابةً للتوصيات الصادرة عن مختلف مؤسسات الحكامة، التي دقت ناقوس الخطر إزاء الانتشار غير المنظم للوسطاء ضمن سلاسل التوزيع. ويمارس هؤلاء تأثيرًا متزايدًا على الأسعار النهائية التي يتحملها المستهلكون، وذلك على حساب المنتجين الأصليين وتوازن السوق. ويستند المقترح، الذي قدمه خمسة نواب من الفريق الحركي يوم الاثنين 19 مايو 2025، إلى ضرورة إخضاع مهنة الوسيط لمجموعة واضحة من القواعد القانونية والتنظيمية. ويتمثل الهدف المعلن في التحكم في هوامش الربح والحد من ممارسات الاحتكار والمضاربة، التي تؤدي إلى ارتفاع غير مبرر في الأسعار، دون أن يستفيد منها المنتجون الفعليون. شروط صارمة وتراخيص إلزامية… هل يُغلق الباب أمام 'سماسرة' الأزمات؟ يشدد النص على الدور المحوري الذي يلعبه الوسطاء في تكوين الأسعار، حيث يسيطرون على حلقات استراتيجية في دوائر التوزيع. هذه القدرة على تحديد الأسعار، في غياب إطار قانوني صارم، تفتح الباب أمام ممارسات تجارية قد تضر بحسن سير السوق وبمصلحة المستهلك. ففي الوقت الراهن، لا تخضع مهنة الوسيط لأي تنظيم قانوني دقيق، مما يشجع على تراكم التدخلات على طول السلسلة التجارية، حيث تضاف أرباح جديدة في كل مرحلة، مما يساهم في تضخم مصطنع لأسعار البيع النهائية. وينص مقترح القانون على إلزام كل وسيط بالحصول على اعتماد رسمي تسلمه السلطات المختصة في القطاعات المعنية – سواء الفلاحة أو الصيد البحري أو الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وسيكون الحصول على هذا الاعتماد مشروطًا باحترام دفتر تحملات دقيق، يحدد شروط التخزين والنقل، والقواعد المنظمة للمنافسة، وآليات الرقابة لمنع حالات الاحتكار. ومن بين الشروط المطلوبة لمزاولة هذا النشاط المقنن، ينص المقترح على أن يكون طالب الاعتماد مغربي الجنسية، وأن لا تكون له سوابق قضائية تمس بالشرف أو النزاهة، وأن يكون مسجلاً قانونيًا كشركة أو تاجر. وفي هذا السياق، تم التنصيص على مسك محاسبة مطابقة لمقتضيات مدونة التجارة والخضوع للرقابة الضريبية كالتزامات أساسية لضمان الشفافية والإنصاف في المعاملات التجارية. إقرأ ايضاً عقوبات رادعة للمخالفين… من سحب الاعتماد إلى الغرامة ومصادرة السلع! يتضمن مشروع القانون، المكون من 11 مادة، بُعدًا ردعيًا هامًا، ففي حالة ثبوت ممارسات احتكارية أو مضاربة، أو تجاوز هوامش الربح المسموح بها، يتعرض الوسيط لسحب اعتماده بشكل نهائي. وأخيرًا، فإن الممارسة غير القانونية للمهنة، دون الحصول على ترخيص مسبق، تعرض المخالفين لعقوبات مالية تتراوح بين 10,000 و50,000 درهم. وفي حالة العود، ينص المقترح أيضًا على مصادرة السلع المعنية.