
حول الترشيحات السياسية للسلطة التنفيذية
أراد ترامب أن يبقى مجلس الشيوخ في حالة انعقاد لتسوية التراكم الحاصل في ترشيحاته الرئاسية، لكن الاتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين لتمرير هذه التعيينات انهار.
وغادر أعضاء مجلس الشيوخ إلى عطلتهم الصيفية في أغسطس دون المصادقة على مجموعة من مرشحي ترامب، ما أثار غضب الرئيس.
وكتب ترامب على منصة "تروث سوشيال": "السيناتور تشاك شومر الباكي يطالب بأكثر من مليار دولار من أجل الموافقة على عدد قليل من مرشحينا المؤهلين للغاية، والذين كان يجب أن يكونوا الآن يساهمون في إدارة بلادنا".
وتابع: "هذا الطلب فاضح وغير مسبوق، وسيكون مصدر إحراج للحزب الجمهوري إذا تم قبوله. إنه ابتزاز سياسي، لا أكثر. قولوا لشومر، الذي يرزح تحت ضغط سياسي هائل من داخل حزبه، من مجانين اليسار الراديكالي، أن يذهب إلى الجحيم!".
كان العديد من الجمهوريين يأملون في المصادقة على أكثر من 130 مرشحا من العالقين في القائمة قبل عطلة أغسطس.
وعادة ما تمر هذه النوعية من الترشيحات المدنية بسهولة في مجلس الشيوخ من خلال تصويت صوتي أو إجماع، لكن الديمقراطيين استغلوا قواعد المجلس لتأخير المصادقة بشكل كبير.
واشتكى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ، جون ثيون (جمهوري من ساوث داكوتا)، من أن أي رئيس في التاريخ الحديث لم يواجه مثل هذا الكم من العراقيل.
وقد تفاوض ثيون مع شومر (ديمقراطي من نيويورك) على اتفاق لتجميع مرشحي ترامب والتصويت عليهم دفعة واحدة. وفي إحدى نسخ الاتفاق، كان من المفترض أن يصوّت المجلس على دفعة من المرشحين قبل عطلة أغسطس، ثم على دفعة أخرى عند استئناف جلساته.
لكن يبدو أن الديمقراطيين أرادوا ضمانات من ترامب بإعادة تفعيل بعض التمويلات التي قامت إدارته بقطعها، مثل المساعدات الخارجية وتمويل المعهد الوطني للصحة.
وكتب ترامب: "لا تقبلوا العرض، عودوا إلى منازلكم واشرحوا للناخبين مدى سوء الديمقراطيين، ومدى جودة ما يفعله الجمهوريون، وما أنجزوه من أجل بلدنا. أتمنى لكم عطلة رائعة، ولتجعلوا أمريكا عظيمة من جديد!!!"
ومع تصاعد التوتر، بدأ أعضاء مجلس الشيوخ يشعرون بالضيق من استمرار الجمود، خاصة أنه بدأ يقتطع من عطلتهم.
وقد وافق ثيون على استمرار جلسات المجلس الشكلية (Pro Forma)، وهي جلسات احتفالية تُعقد لمنع الرئيس من إجراء تعيينات خلال العطلة دون مصادقة مجلس الشيوخ.
وقد ناقش بعض الجمهوريين فكرة اللجوء إلى "الخيار النووي"، أي تغيير القواعد التي تتيح للديمقراطيين عرقلة المصادقة، لكن من غير الواضح إن كان الجمهوريون يمتلكون أغلبية تؤيد ذلك، حيث يرغب بعض الجمهوريين المعتدلين في الحفاظ على الأعراف البرلمانية ليستطيعوا هم أيضاً عرقلة ترشيحات الديمقراطيين في المستقبل عندما يصبحون في المعارضة.
وقال ثيون عن مفاوضاته مع شومر: "كانت هناك عدة لحظات شعر فيها كلا الطرفين، أو أحدهما، بأن هناك اتفاقا وشيكا"، مشيرا إلى أنه تم طرح العديد من الأفكار المختلفة.
وقد واجه شومر ضغوطا متواصلة من القاعدة التقدمية لحزبه لتصعيد المواجهة مع ترامب، وخرج لاحقاً ليعلن النصر.
وقال شومر عبر منصة X: "دعوني أوضح ما حدث: حاول دونالد ترامب فرض إرادته على مجلس الشيوخ لتمرير مرشحيه الذين لا يملكون المؤهلات اللازمة تاريخياً. لكن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لم يسمحوا له بذلك".
ثم أضاف شومر ساخرا: "أسلوب دونالد ترامب: المراوغة، التملق، ضرب القدم بالأرض... ثم الاستسلام".
وقد اقترح بعض أعضاء مجلس الشيوخ إجراء تغييرات في القواعد عند استئناف المجلس جلساته في سبتمبر، قبل الدخول في معركة تمويل الحكومة وتجنب إغلاقها جزئياً.
وقد غادر المجلس في وقت أبكر قليلا من الموعد المقرر لمواجهة هذا الاستحقاق، بعد أن مرّر 3 من أصل 12 مشروع قانون تمويل حكومي مطلوبة، في حين أن حوالي نصف المشاريع المتبقية كانت قد اجتازت اللجان المختصة.
وهذه هي المرة الأولى منذ عام 2018 يمر فيها مجلس الشيوخ بمشاريع قوانين تمويل الحكومة قبل عطلة أغسطس، وفقا لما ذكرته رئيسة لجنة المخصصات، السناتور سوزان كولينز (جمهورية من مين).
وإذا لم يتخذ الكونغرس إجراء بحلول 1 أكتوبر، فإن الحكومة ستدخل في حالة إغلاق جزئي.
Previous Next
جوجل نيوز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 22 دقائق
- نافذة على العالم
أخبار العالم : رأي.. سلمان الأنصاري يكتب: لبنان ولعنة التدخل في شؤون الآخرين
نافذة على العالم - هذا المقال بقلم سلمان الأنصاري، باحث سعودي في العلاقات الدولية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN. يمر لبنان في الوقت الراهن بمرحلة دقيقة من تاريخه السياسي، أشبه بمخاض عسير يعيد تشكيل ملامح الدولة وموازين القوى فيها. ورغم تعدد التحديات وتعقيد المشهد الداخلي، إلا أن هناك حالة من التفاؤل النسبي بشأن إمكانية استعادة السيادة اللبنانية الكاملة، بعد سنوات من الارتهان لميليشيا تابعة للمشروع الإيراني. هذه الميليشيا، المتمثلة في "حزب الله"، لم تكتفِ بشلّ عمل المؤسسات الدستورية وتعطيل تشكيل الحكومات، بل ورّطت الدولة اللبنانية في صراعات إقليمية من خلال تدخلات عسكرية مباشرة في سوريا والعراق واليمن، في انتهاك صريح لمبدأ "النأي بالنفس" الذي أقرّه اللبنانيون أنفسهم. لقد أدى هذا الارتهان إلى نتائج كارثية على مختلف الأصعدة. أصبح لبنان يُستخدم كمنصة للابتزاز الإقليمي، مما زاد من عزلته الدولية والعربية، وتراجع ثقة المستثمرين فيه، وتدهور اقتصاده بصورة غير مسبوقة. ووفقًا للبنك الدولي، فإن الانهيار الاقتصادي في لبنان يُعدّ من بين أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتجاوز 58% منذ عام 2019. أما معدل الفقر، فقد بلغ نحو 44% من السكان بحسب تقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2024، أي أن واحدًا من كل ثلاثة لبنانيين يعيش اليوم تحت خط الفقر، في ظل تدهور العملة المحلية، وتآكل القوة الشرائية، وغياب شبكات الأمان الاجتماعي. أما معدل البطالة، فقد بلغ 29.6% وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية لعام 2023، بينما تجاوزت بطالة الشباب 47%، وهو من أعلى المعدلات في العالم العربي، ما يعكس حجم التحدي أمام أي إصلاح اقتصادي جاد. صحيح أن "حزب الله" يمر بأضعف مراحله منذ تأسيسه، نتيجة ضغوط داخلية وخارجية وتراجع في تمويله، إلا أنه لا يزال يحاول إعادة ترتيب أوراقه من خلال اتباع سياسة "خفض الرأس"، بانتظار مرور العاصفة. ومن الخطأ الاعتقاد بأنه سيتخلى طوعًا عن مفاتيح النفوذ؛ بل على العكس، سيسعى بكل وسائله للحفاظ على سيطرته على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي، مستغلاً هشاشة الدولة والفراغ المؤسساتي المستمر. التحدي الأكبر أمام الحكومة اللبنانية هو حسم مسألة السلاح غير الشرعي. فطالما بقيت الميليشيات تحتفظ بسلاحها خارج إطار الدولة، فلن تكتمل السيادة ولن تقوم نهضة حقيقية. فالدولة لا يمكن أن تنهض على أرض غير متساوية، فيها فريق يحتكر السلاح ويستخدمه كورقة ضغط داخلية وخارجية. وأي محاولة لتأجيل هذا الملف ستكون بمثابة تكريس لواقع الدولة المعطّلة والمنقوصة السيادة، حتى وإن توقف حزب الله مؤقتًا عن مغامراته العسكرية الخارجية. من جهة أخرى، بدأت إيران، الداعم الأساسي لحزب الله، تدرك فشل استراتيجيتها الميليشياوية. فقد أنفقت، بحسب تقارير متعددة من الكونغرس الأمريكي ومراكز بحثية دولية، ما يتراوح بين 50 إلى 80 مليار دولار على تمويل الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن خلال العقود الأربعة الماضية. غير أن هذه الاستثمارات لم تحقق أهدافها الاستراتيجية، بل تسببت في إنهاك الاقتصاد الإيراني وزيادة عزلة طهران على الساحة الدولية. في المقابل، أصبح "حزب الله" يبحث عن مصادر تمويل بديلة لتعويض الانكماش الإيراني، من خلال نشاطات إجرامية مثل تهريب المخدرات وغسيل الأموال عبر شبكات تمتد من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا وأوروبا، وهو ما أكدته تقارير الخزانة الأمريكية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC). التحدي الثاني أمام الحكومة اللبنانية يتمثل في كيفية التعامل مع "سوريا الجديدة"، التي بدأت تتعافى تدريجيًا من أزمتها رغم استمرار التعقيدات السياسية والأمنية. التدخلات السابقة لبعض القوى اللبنانية في الشأن السوري، من دعمٍ وتمويلٍ وتحريضٍ، أسهمت في توتير العلاقة بين البلدين، وتحديدًا بين مكونات الشعب السوري والحكومة اللبنانية. إن أي تجاهل لهذه الملفات، أو عدم معالجتها بمسؤولية قانونية وسياسية، قد يؤدي إلى تداعيات وخيمة على استقرار لبنان نفسه، خصوصًا في ظل واقع ديموغرافي معقد ووجود أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري على أراضيه. إن ما حصل مع سوريا ليس استثناء، بل هو انعكاس لتراكمات طويلة جعلت من لبنان وكأنه مصاب بـ"لعنة التدخل في شؤون الآخرين"، حيث كثيرًا ما تحوّل من دولة منكوبة إلى طرف في أزمات غيره، ومن ضمنها ما حدث في السويداء. هذا التدخل لم يأتِ من موقع قوة، بل من موقع الضعف والارتهان، مما أضاع البوصلة السياسية وأدى إلى نتائج عكسية، إذ ارتدت تلك السياسات على الداخل اللبناني بمزيد من العزلة والانهيار. خلاصة القول، إن لبنان يقف اليوم على مفترق طرق حاسم. فإما أن يعيد بناء دولته على أسس من السيادة الحقيقية، والمواطنة المتساوية، والقرار المستقل، أو أن يبقى أسيرًا لحزبٍ يتعامل مع الوطن كقاعدة انطلاق لمشروع خارجي لا يخدم إلا المصالح الإقليمية للنظام الإيراني. المطلوب ليس فقط حكومة فاعلة، بل إرادة وطنية جامعة تفرض هيبة الدولة وتستعيد الثقة الداخلية والخارجية، وتفتح صفحة جديدة في تاريخ لبنان، بعيدًا عن ثنائية السلاح والسيادة المنقوصة.

مصرس
منذ 22 دقائق
- مصرس
شبكة أسترالية: ألبانيز طلب محادثة نتنياهو لتأكيد دعمه لحل الدولتين
ذكرت "شبكة إس بي إس" الأسترالية اليوم الإثنين، أن رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، طلب التحدث مباشرة مع نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الأيام المقبلة لتجديد التزام بلاده بحل الدولتين ،وعلمت الشبكة أن طلب إجراء مكالمة هاتفية من ألبانيز إلى نتنياهو قد تم تقديمه رسميًا إلى إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية، ولم يُحدد موعد حتى الآن. وأكد مساعد وزير الخارجية والتجارة الأسترالي، مات ثيستل سويت خلال تصريحات صحفية ، أنه يجري متابعة الاتصال الهاتفي مع نتنياهو.وقال ألبانيزخلال مؤتمر صحفي إن نتنياهو "أدلى بتصريحات لا تتوافق بالتأكيد مع حل الدولتين"، مضيفًا أن الحكومة "انتقدت" بعض تصرفات إسرائيل في غزة ،وأشار إلى قرار إسرائيل بقطع إمدادات المساعدات عن القطاع في مارس الماضي، مما دفع منظمات الإغاثة الدولية إلى إصدار عدد من التحذيرات من مجاعة وشيكة .. ثم أعادت إسرائيل فتح الإمدادات في مايو الماضي، ولكن مع قيود جديدة.وقال ألبانيز "ستكون رسالتي في السر، كما كانت في الماضي، هي نفسها الرسالة العلنية"، موضحا :" سبق لي أن قلتُ لرئيس الوزراء نتنياهو، سرًا، وكما قلتُ علنًا منذ زمن طويل، إنني أؤيد حل الدولتين، ولا يمكن أن يتحقق السلام والأمن في الشرق الأوسط دون إحراز تقدم في هذا الحل" ،ويأتي ذلك في الوقت الذي انضم فيه ما يُقدر بنحو 90 ألف شخص، وفقًا للشرطة، إلى مسيرة مؤيدة للفلسطينيين عبر جسر ميناء سيدني "لإنقاذ غزة"، وفي الوقت الذي يواجه فيه ألبانيز ضغوطًا متزايدة للاعتراف بدولة فلسطينية.ووصف ألبانيز مسيرة سيدني بأنها "سلمية"، قائلاً إنه لم يُفاجأ "بتأثر هذا العدد الكبير من الأستراليين"، وأراد التعبير عن قلقه بشأن "حرمان الناس من الطعام والماء والخدمات الأساسية" ،وقال: "في ظل الديمقراطية، من الجيد أن يُعبّر الناس عن آرائهم سلمياً، كانت مسيرة الأمس سلمية، وكانت فرصة للناس للتعبير عن قلقهم إزاء ما يحدث في غزة، والصور التي شاهدناها" ،كما يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الأسترالية عن تقديم مساعدات إضافية بقيمة 20 مليون دولار للمنظمات الإنسانية في غزة، داعية إسرائيل إلى السماح "بوصول فوري ودون عوائق للمساعدات".اقرأأيضا :رئيس وزراء أستراليا: إسرائيل تنتهك القانون الدولي بحجب المساعدات عن غزةووفقًا لبيان للحكومة ، يهدف هذا التمويل الإضافي إلى دعم المنظمات التي تتمتع "بالقدرة والكفاءة على الاستجابة السريعة لتوصيل الغذاء والإمدادات الطبية للمستشفيات الميدانية وغيرها من أشكال الدعم المنقذ للحياة للنساء والأطفال في غزة"، وأضاف البيان أن الحكومة قد خصصت أكثر من 130 مليون دولار كمساعدات إنسانية للمدنيين في غزة ولبنان منذ 7 أكتوبر 2023.

مصرس
منذ 39 دقائق
- مصرس
حظر التيك توك.. جدل مستمر
لا يكاد يمر يوم فى مصر إلا وقد تم القبض على صاحب أو صاحبة محتوى على منصة «تيك توك»، لأسباب مختلفة تتفاوت بين الفعل الفاضح، ونشر الرذيلة، وبث الشائعات.. وكل ذلك بغرض تحقيق مكسب سريع يتهافت عليه روّاد تلك المنصة. منذ إطلاقه خارج الصين قبل أقل من عشر سنوات، تحوّل تطبيق «تيك توك» إلى أحد أبرز أيقونات عصر الفيديوهات القصيرة، ومنصة يقصدها ملايين المستخدمين فى الشرق والغرب. إلا أن هذا الانتشار السريع واكبه موجة من التشريعات المقيِّدة، وحظر الاستخدام فى عدة دول مؤثرة، حيث لم تعد الشعبية ضمانًا كافيًا للحماية، بل تحوّلت إلى مؤشر على التهديد، خاصةً عندما يكون مصدر هذا النجاح شرقيًا من الصين. تُعدّ الهند أول قوة إقليمية كبرى بادرت إلى الحظر الشامل ل"تيك توك" فى يونيو 2020، وذلك بعد مواجهة عسكرية دامية مع القوات الصينية فى وادى جالوان. لم يأتِ الحظر من منطلق أخلاقى أو ثقافى إذن، بل بوصفه ضربة تقنية استباقية ضمن صراع سيادة أوسع. شمل قرار المنع 59 تطبيقًا صينيًا، وأُرفق به تصريحات تؤكد أن «المساس بالسيادة الرقمية للهند لا يقل خطرًا عن المساس بأراضيها». عزت الحكومة الهندية قرار الحظر إلى مخاوف من قيام شركات خاضعة للقوانين الصينية بجمع بيانات المستخدمين الهنود، معتبرة ذلك تهديدًا للأمن القومى. ولم تعد هذه المخاوف حكرًا على الهند، بل أصبحت جزءًا من نقاش عالمى أوسع حول مستقبل الرقابة على الفضاء السيبرانى، يتجاوز التطبيق محل الجدل ليطال بنية النظام الرقمى العالمى ذاته. وفى عام 2024، صادق الكونجرس الأمريكى على قانون يُلزم شركة «بايت دانس» الصينية ببيع تطبيق «تيك توك» إلى مستثمرين أمريكيين خلال مهلة لا تتجاوز تسعة أشهر، وإلا فسيُحظر التطبيق بالكامل داخل الولايات المتحدة. لم يكن هذا التحرّك الأمريكى فذًّا، لكنه كان الأكثر حسمًا فى سلسلة من الإجراءات التشريعية التى بدأت فى عهد الرئيس ترامب، وتواصلت تحت إدارة بايدن، بما يعكس توافقًا نادرًا بين الحزبين على اعتبار التطبيق الصينى مصدر تهديد للأمن القومى.• • •خلف المبررات المُعلنة للحظر، يقف "تيك توك" فى قلب مواجهة رقمية باردة بين واشنطن وبكين، مدارها بسط النفوذ على البيانات، والقدرة على تشكيل سلوك المستخدمين. وترى الصين فى المساعى الأمريكية لحظر التطبيق محاولةً متعمَّدة لتقويض منصة رقمية صاعدة تنافس بقوة نظيراتها الغربية، وتشكل - فى نظرها - دليلًا على اهتزاز احتكار الغرب للهيمنة الرقمية العالمية.فى المقابل، تبنّت دول الاتحاد الأوروبى نهجًا أخف حدة وأكثر انضباطًا من الناحية القانونية، بعيدًا عن قرارات الحظر والمنع التام. بدلًا من الإقصاء الكامل، لجأت تلك الدول إلى فرض غرامات مالية على «تيك توك»، كما فعلت أيرلندا حين غرّمت التطبيق 345 مليون يورو، بسبب مخالفات تتعلق بخصوصية بيانات الأطفال. أما المفوضية الأوروبية، فاكتفت بحظر استخدام التطبيق على الأجهزة الرسمية لموظفيها، دون أن تمنعه من السوق الأوروبية، انطلاقًا من قناعة بأن التنظيم القانونى أكثر فاعلية واستدامة من الحظر السياسى، الذى قد تتجاوز تبعاته الانتقامية ما يمكن احتماله. وقد ساهمت لائحة حماية البيانات العامة (GDPR) فى ترسيخ هذا التوجّه، حيث بات من شبه المستحيل لأى منصة رقمية العمل فى أوروبا دون الالتزام الصارم بمعايير الشفافية، والحصول على موافقة المستخدم، وضمان حقوقه الرقمية. وفى هذا الإطار، واجه «تيك توك» تحديات متعددة اضطرته إلى افتتاح مراكز بيانات داخل القارة، وتعديل خوارزمياته لتتواءم مع المتطلبات الأوروبية.أما فى جنوب آسيا، فقد لجأت دول مثل باكستان وإندونيسيا إلى حظر مؤقت أو تهديد بمنع كامل للتطبيق، على خلفية «مخالفات أخلاقية ودينية». فى باكستان، وُصف التطبيق بأنه منصة ل«المحتوى الفاحش»، بينما أرجعت إندونيسيا الحظر المؤقت فى 2018 إلى شكاوى تتعلق ب«القيم الإسلامية»، غير أن التطبيق عاد للعمل فى الدولتين بعد وعود والتزامات بتعديلات تنظيمية. فى أغلب دول إفريقيا جنوب الصحراء، لم تُسجَّل أى خطوات واضحة تجاه «تيك توك»، سواء من حيث الحظر أو التنظيم. غياب الإمكانات الفنية، وضعف المؤسسات الرقابية، والانشغال بقضايا اقتصادية وأمنية أكثر إلحاحًا، يجعل هذه الدول أكثر عرضة للتأثر بالتوجهات الدولية دون قدرة على صياغة استراتيجياتها الخاصة.تكمن المفارقة فى أن «تيك توك» نفسه غير متاح فى الصين! إذ تخضع نسخته المحلية (المسماة «دويين») لرقابة مشددة، وتقدّم محتوى موجّهًا خاضعًا للضبط، حيث تفرض السلطات قيودًا زمنية صارمة على استخدام الأطفال والمراهقين للتطبيق، كما تحظر بشكل كامل بعض الموضوعات الحساسة. بهذا النهج، تقدم بكين نموذجًا مزدوجًا: فمن ناحية تحكم السيطرة على المشهد الرقمى الداخلى بشدة، ومن ناحية أخرى تصدّر نسخة أكثر انفتاحًا وحرية للسوق العالمية. هذه الاستراتيجية تعكس رؤية الصين للسيادة الرقمية، التى تختلف جذريًا فى توجهاتها بين الداخل والخارج.• • •أظهرت دراسات حديثة نُشرت فى عام 2024، من بينها دراسة صادرة عن Journal of Adolescent Health، أن الإفراط فى استخدام تطبيق "تيك توك" يرتبط بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، لا سيما بين المراهقين والمراهقات. وتشير نتائج هذه الدراسات إلى أن متوسط الوقت اليومى الذى يقضيه المراهقون على التطبيق يتجاوز ساعتين، وهى مدة ثبت ارتباطها بتدهور جودة النوم، وضعف الصورة الذاتية، وتراجع القدرة على التركيز والانتباه. كما خلصت دراسات سريرية يونانية إلى أن الإفراط فى استخدام «تيك توك»، يسبب تراجعًا فى جودة النوم، ويزيد من النعاس أثناء النهار.وفى دراسة تجريبية أخرى، تراجع أداء الذاكرة المستقبلية لدى المشاركين الذين استخدموا فيديوهات قصيرة مشابهة لتلك التى يقدّمها التطبيق، ما يشير إلى ضرر معرفى محتمل ناجم عن التبدّل السريع للمحتوى. وبحسب دراسة إسبانية أُجريت على مراهقين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عامًا، فإن الاستخدام المكثف ل«تيك توك» بين الفتيات ارتبط بارتفاع معدلات القلق، وتراجع احترام الذات، وتزايد الضغوط النفسية الناتجة عن المقارنة الاجتماعية. المحتوى المرئى الكثيف حول معايير الجمال المثالية يزيد فُرص الإصابة باضطرابات سلوكية، خاصة ما يتعلق بالنظام الغذائى والانطواء الاجتماعى.كذلك كشفت دراسة تحليلية لتفاعلات المستخدمين على تطبيق «تيك توك» - نُشرت عام 2024 فى دورية Computers in Human Behavior - عن نمط متزايد من التعرض لمحتويات تُحفّز على سلوكيات خطرة، مثل المبالغة فى السخرية والتنمر، أو الترويج لمضامين جنسية، أو تبنّى أفكار متطرفة. وأظهرت الدراسة أن خوارزميات المنصة مصمّمة للاستجابة التلقائية لأنماط التفاعل، ما يعنى أن كل «إعجاب» أو تعليق أو مشاهدة طويلة يُسهم فى تعزيز عرض نوع معين من المحتوى، وبالتالى يُفاقم احتمالات الانزلاق التدريجى نحو دوائر مغلقة من المضامين المؤذية.• • •على الرغم من التحذيرات السابقة، يصعب إنكار أن «تيك توك» قد شكّل، فى كثير من الحالات، مساحة للتعبير الفنى والدعم النفسى، خاصة بين فئة الشباب. فقد حقق الوسم #teenmentalhealth ما يقرب من 144 مليون مشاهدة، وتفاعل معه آلاف المستخدمين من خلال مشاركات تناولت تجاربهم الشخصية مع الاكتئاب والقلق والعزلة. ويرى بعض المختصين فى هذا التوجّه بارقة أمل لفتح نقاش عام حول قضايا الصحة النفسية، إلا أنهم يعربون فى الوقت ذاته عن قلقهم من غياب الإشراف العلمى، مما قد يؤدى إلى تطبيع بعض السلوكيات الضارة أو تقديم نصائح مضللة.ليس المطلوب أن ينحصر النقاش فى ثنائية المنع أو السماح، بل أن ينتقل إلى سؤال أكثر عمقًا: هل تملك الدولة القدرة على التنظيم الفعّال؟ فالدول التى تلجأ إلى حظر «تيك توك» دون أن تطوّر بدائل رقمية محلية، أو تضع تشريعات صارمة لحماية الأطفال والمستخدمين، قد تنجح فى تقليص الخطر لفترة وجيزة، لكنها تترك فراغًا قد تملؤه منصات أكثر غموضًا وتأثيرًا. فى المقابل، فإن الدول التى تعتمد أطرًا تنظيمية شفافة، وتستثمر فى التربية الرقمية، وتدعم إنتاج محتوى محلى جذاب، تكون الأقدر على حماية سيادتها الرقمية دون أن تنزلق نحو العزلة أو المراقبة غير المنضبطة.قضية «تيك توك» تتجاوز التطبيق ذاته، لتُجسّد أزمة عالمية أعمق، عنوانها اختلال التوازن بين الابتكار التكنولوجى والمساءلة المجتمعية. وهى تضع الدول العربية، وسائر دول الجنوب العالمى، أمام سؤال وجودى: هل نكتفى بدور المستهلك السلبى لمنصات رقمية عابرة للحدود، أم نمتلك القدرة على بناء سياسات رقمية تحمى الخصوصية، وتحرّر المجتمعات من فوضى البيانات؟