logo
أحكام الإسلام للحج تراعي حماية البيئة

أحكام الإسلام للحج تراعي حماية البيئة

جريدة الوطنمنذ 3 أيام

أكد الدكتور عبد العظيم أبو زيد، أستاذ التمويل الإسلامي في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة أن الإسلام يحث الفرد على الحفاظ على بيئته وعلى الموارد الطبيعة بشكل عام، وفي موسم الحج يجتمع ملايين الناس في بقعة واحدة، ما يعرض البيئة في تلك المنطقة لبعض التحديات، ولكن الإسلام راعى هذا الأمر.
فشرع أحكاما خاصة للحج تخفف من الخطر الذي يمكن أن تتعرض له البيئة نتيجة اجتماع الناس بأعداد كبيرة في مكان واحد. ومن تلك الأحكام أنه حثّ على النظافة وإماطة الأذى، بحيث لا يترك الناس مخلفاتهم، بل يجعلونها في أماكنها المخصصة لها. ومن ذلك أن الإسلام شرع للناس الاشتراك في الهدي أو في الأضحية، بحيث يمكن أن يجتمع سبعة أشخاص في تقديم حيوان واحد إن كان هذا الحيوان بقرة أو جملاً. ومن تلك الأحكام أيضا إمكان إيصال لحم الهدي والأضاحي إلى المناطق والدول الأكثر فقرا إن زاد ذلك اللحم عن حاجة أهل الحرم، وذلك حتى يُستفاد من اللحم ولا يُترك دون فائدة. وأوضح خلال تصريحات لـالوطن أن كل ما يسهم في حماية البيئة ورعايتها فهو إما واجب وإما مندوب في الإسلام. وذلك يشمل العبادات، فالإسلام مثلا يحض المسلم على التقليل من الماء عند الوضوء ويجعل الإسراف في ماء الوضوء أو الغسل من المكروهات، وكذلك يكره الإسلام الإسراف في الطعام على مائدة الإفطار في رمضان. وبناء على ذلك فإن الأفعال التي تحافظ على الموارد الطبيعية وتقلل استهلاكها من المندوبات في الإسلام، ومن ذلك استخدام أقمشة صديقة للبيئة في صناعة لباس الإحرام، فإن ذلك يلتقي مع مقاصد الشريعة في الحفاظ على الموارد الطبيعية. وأكد أن الاستخلاف، أو الخلافة في الأرض، تقتضي عدم استنزاف الموارد الطبيعية والحفاظ عليها، وذلك ليستمر إمكان الحياة على الأرض، وتستمر خلافة الإنسان عليها. وبناء على ذلك، فأي تصرف يسهم في تحقيق التنمية المستدامة أو يخفف من استهلاك الموارد الطبيعية، فهو تصرف صحيح ومطلوب في الإسلام، ومن ذلك التصرفات والممارسات التي ترتبط بالحج، مثل إعادة تدوير المخلفات الكثيرة التي يتركها الحجيج.
وأشار الدكتور أبو زيد أن التثقيف الشرعي والبيئي أمران ضروريان لتوعية المسلمين بعامة والحجيج بخاصة بالحاجة إلى المحافظة على البيئة ومواردها. فالتثقيف الشرعي الصحيح والمتوازن والمبني على مقاصد الشريعة الإسلامية يجعل الحاج مدركا للمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، ويجعله لا يتوقف عند حدود الاجتهادات الفقهية إن تعارض ذلك مع الأحكام الكلية للشريعة الإسلامية ومقاصدها، فالحاج المثقف إسلاميا وبيئيا الثقافة الصحيحة لا يتمسك بالآراء الفقهية الجزئية التي تحتّم عليه تصرفات تتعارض مع المقاصد الشرعية العامة في الحفاظ على البيئة وعدم استنزاف مواردها، بل يتجاوز تلك الآراء إلى فضاء التيسير والعقلانية المنضبطة بمقاصد الشريعة العامة.
ونوه بأنه لا تشترط الشريعة شروطا مخصوصة للباس الإحرام سوى أن يكون ساترا للعورة وأن يكون غير مخيط. والغاية من اشتراط كونه غير مخيط هي إظهار التواضع والعبودية لله عز وجل، وليكون الناس كلهم سواسية في ذلك المشهد العظيم، وتذكيرا للناس بالموت، حيث يُجعل الميت في كفن غير مخيط كذلك، ومن السنة أن يكون أبيض اللون.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

‫ أطلقها «ثقافي بن زيد» للجاليات المسلمة : محاضرات حول تهذيب السلوك في مواسم الطاعات
‫ أطلقها «ثقافي بن زيد» للجاليات المسلمة : محاضرات حول تهذيب السلوك في مواسم الطاعات

العرب القطرية

timeمنذ يوم واحد

  • العرب القطرية

‫ أطلقها «ثقافي بن زيد» للجاليات المسلمة : محاضرات حول تهذيب السلوك في مواسم الطاعات

الدوحة_العرب نفذ مركز الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود الثقافي الإسلامي بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سلسلة من المحاضرات الدينية والتوعوية الموجهة للجاليات المسلمة بمختلف لغاتها خلال الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، بهدف تعزيز الوعي الديني والأخلاقي، وتأكيد أهمية تزكية النفس وتهذيب السلوك في مواسم الطاعات. شهدت المحاضرات مشاركة واسعة من الجاليات المسلمة الناطقة بالتاميلية والإنجليزية والأمهرية، حيث ركّزت السلسلة على مفاهيم التقوى، واستشعار مراقبة الله، والثبات على الإيمان في مواجهة التحديات المعاصرة، بما يعزز من القيم الدينية والأخلاقية التي تمثل جوهر رسالة الإسلام. وقد استضاف المركز الداعية مجيب الرحمن، الذي قدّم سلسلة متميزة من المحاضرات حضرها 365 شخصاً، تناولت مواضيع تزكية النفس والتأمل في معاني العبادة والتقوى، مستندًا في الطرح إلى تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، مع تقديم توجيهات عملية لزيادة الإيمان والتعامل الأخلاقي الحسن. كما أطلق المركز سلسلة متخصصة باللغة الإنجليزية بعنوان «تزكية النفس»، تتناول الوسائل العملية لتزكية النفس عبر القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والأذكار، وقيام الليل، والدعاء، وتسعى إلى تعزيز الصلة بين المسلم ومصادر التزكية الروحية، وتشجيع الجاليات الناطقة باللغة الإنجليزية على التأمل الذاتي والارتقاء الروحي، وجعل هذه السلسلة مصدر إلهام لتحقيق السعادة الإيمانية في حياتهم اليومية. كما نظم المركز محاضرة للجالية الإثيوبية الناطقة بالأمهرية حول موضوع «الحج المبرور»، تم خلالها شرح معاني الحج الصحيح، وبيان كيف أن الأخلاق القويمة والسلوك المهذّب هما جزء لا يتجزأ من قبول الحج، مؤكدًا أن الحج ليس فقط شعائر، بل تحول داخلي في النفس وسلوك يعكس التزام المسلم بقيمه في حياته. يأتي هذا البرنامج التوعوي في إطار رسالة المركز في خدمة الجاليات المسلمة في دولة قطر، والعمل على تعزيز الهوية الإسلامية وربط المسلمين من مختلف الثقافات بمبادئ الإسلام، من خلال برامج دعوية وثقافية تراعي اللغة والسياق الثقافي لكل جالية، وتقدم محتوى دينياً مبسطاً وموثوقاً يُسهم في تقوية الوعي الديني وتعزيز الارتباط بالقيم الإسلامية في أجواء من المحبة والتسامح والتعايش.

كيف تعيد شعائر الحج بناء الأمة وتذيب خلافاتها؟
كيف تعيد شعائر الحج بناء الأمة وتذيب خلافاتها؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

كيف تعيد شعائر الحج بناء الأمة وتذيب خلافاتها؟

لا تُختزل عشر ذي الحجة في كونها تمهيدًا ليوم النحر، بل هي فضاء زماني موصول بالقداسة والتكليف، تفتح أمام الأمة أبوابًا استثنائية للتجديد الروحي والنهضوي. وقد رفع الله شأنها في كتابه الكريم بقَسَمه الجليل: {والفجر وليالٍ عشرٍ} [الفجر: 1–2]، وهو قسم لا يأتي إلا لما هو عظيم الشأن، عميق الأثر، وأجمع المفسرون على أن هذه الليالي هي عشر ذي الحجة، التي تُعدّ من أعظم الأزمنة منزلةً في ميزان الشرع. ولعل من أبرز خصائصها أنها: أيام التفضيل المطلق: فقد ثبت عن النبي ﷺ قوله: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"…، وهو تصريح نبوي يضع هذه العشر في صدارة فرص العمر للتزود الإيماني والسمو الأخلاقي. ملتقى أركان الإسلام العملية: ففيها تجتمع الشهادتان (تجديدًا للنية والولاء)، والصلاة (وهي الحبل اليومي بالله)، والزكاة (من خلال الهدي والنحر)، والصيام (لا سيما يوم عرفة)، والحج (ذروة السنام). وفي ظل عالم يموج بالاستقطابات السياسية، والانقسامات المذهبية، والتشرذم الجغرافي، تتقدم فريضة الحج كمعجزة توحيدية متجددة، ومشهد حيّ لتجسيد وحدة الأمة. إنها ليست مجرد عبادة طقسية، بل هي ورشة عمل كونية تُعيد عبرها الأمة اكتشاف ذاتها، وترميم مفهومها الحضاري المشترك، بعيدًا عن الهويات الضيقة والنزاعات المصطنعة. يتجاوز الحج البعد الروحي الفردي ليكون منبرًا سنويًّا لإحياء مفهوم "الأمة الواحدة"؛ فموقف عرفة يُمكن أن يتحول إلى منصة للمصالحات، وحاضنة لحوار مذهبي يضبطه أدب الخلاف وأخوة العقيدة أولًا: الحج هو تجسيد حي لوحدة الأمة المفتقَدة يُعد الحج في جوهره أكثر من مجرد أداء شعائر مفروضة؛ إنه تجسيد عملي ومعنوي لوحدة الأمة الإسلامية في أبهى صورها، تلك الوحدة التي باتت في واقعنا المعاصر مطلبًا غائبًا وأملًا مؤجلًا. ففي مشهد يوم عرفة، يقف ملايين الحجاج على صعيد واحد، بلباس واحد، في زمان ومكان موحدين، مجرَّدين من كل امتياز دنيوي. وقد جسَّد النبي ﷺ هذه المعاني في خطبة الوداع حين قال "يا أَيها النّاس: إن ربكم واحد، وإنّ أَباكم واحد، أَلا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، إنّ أكرمكم عند اللَّه أتقاكم، ألا هل بلَّغت؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قَال: فليُبلّغ الشاهد الغائب" (أخرجه البيهقي). هذا الإعلان النبوي ليس مجرد خطاب ديني فحسب، بل هو إعلان عالمي للمساواة الإنسانية وتحييد الهويات القومية والطبقية لصالح الهوية الإيمانية الجامعة. وتأتي رمزية الإحرام لتُعزز هذا المعنى؛ فالتجرد من اللباس المخيط، وتجرد القلب من التعلقات الدنيوية، يوحد الجميع أمام الله في شعيرة تؤسس للمساواة، لا كشعار بل كواقع معيش. ويوم عرفة ذاته هو يوم التأسيس الشرعي للعدالة الاجتماعية والحقوقية، كما أكده الرسول ﷺ في خطبته العظيمة، التي وضع فيها قواعد وأسس العدالة الاجتماعية في الأموال والدماء والحقوق الأسرية، وعظَّم فيه الحرمات، فكان مما قاله عليه الصلاة والسلام فيها: "فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت". ويتجاوز الحج البعد الروحي الفردي ليكون منبرًا سنويًّا لإحياء مفهوم "الأمة الواحدة"؛ فموقف عرفة يُمكن أن يتحول إلى منصة للمصالحات بين الفصائل الإسلامية المتنازعة، وحاضنة لحوار مذهبي يضبطه أدب الخلاف وأخوة العقيدة، في مشهد يتجاوز الحواجز النفسية والتاريخية بين الفرقاء. ولعل في شعيرة التكبير الجماعي، الذي يتردد في أرجاء الحرم، تذكيرًا بوحدانية الله التي هي أصل الدين، ووحدة الكلمة التي ينبغي أن تسري في الأمة. وقد أشار الإمام القرطبي إلى هذه المعاني في تفسيره لقول الله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم…}، معتبرًا أن التكبير في أيام الحج شعيرة ظاهرة، تُعيد ضبط البوصلة العقدية والاجتماعية للأمة. ويمكن البناء على هذه الرمزية لتأسيس برامج توعوية جماعية في أيام عشر ذي الحجة، تُبثّ في المساجد والساحات ومنصات التواصل، لخلق شعور جمعي بالانتماء الإسلامي يتجاوز النزعات الإقصائية المُمَنهجة إعلاميًّا. كما يمكن تطوير مؤسسات الأضاحي في المملكة لتكون أداة إغاثية إستراتيجية تُرسل لحظيًّا إلى بؤر الأزمات والمجاعات في العالم الإسلامي، كفلسطين واليمن والسودان وغيرها من البلدان الإسلامية، بما يُعيد صياغة الشعيرة كجسر عملي للتكافل والتلاحم. ثم يأتي الطواف حول الكعبة، لا كحركة جسدية فحسب، بل كرمز للانضباط الكوني الدائم، واتساق حركة العابد مع حركة الملائكة حول البيت المعمور، كما أوضح الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين"، حين بيَّن أن الطواف ليس حركة البدن حول البيت، بل طواف القلب حول رب البيت! إنه تعبير عن مركزية الله في الوجود، ومركزية القيم العليا في نظام الأمة. إن الحج، بهذا المعنى المركّب، يُعلّمنا أن المقاصد أسبق من الأشكال، والمعاني أعمق من الحركات؛ فهو نموذج للديناميكية الجماعية التي يمكن استلهامها لتوحيد جهود الأمة، لا في مجال العبادة فحسب، بل في إطلاق مشروعات إستراتيجية مشتركة في مجالات التعليم، والاقتصاد، والصناعة، والدفاع، بروح التكامل لا التنافس، وبمنطق البناء لا التفكك. مشهد ملايين البشر من كل حدب وصوب، مختلفي الألوان والألسنة والطبقات، مجتمعين في مكان واحد، في وقت واحد، بلباس واحد، يؤدون مناسك واحدة، يرددون ذكرًا واحدًا، هو أبلغ دليل على وحدة الأصل البشري ثانيا: دور روحانية الحج في معالجة أزمات الواقع مواجهة التفرقة السياسية: يُستلهَم من مشهد الوقوف بعرفة نموذجٌ وحدوي فريد، تتلاشى فيه الفوارق الطبقية والسياسية، حيث لا تعلو سلطة على الجميع إلا سلطة الشريعة، بما يُشكّل دلالة رمزية على أولوية المرجعية الشرعية فوق كل مرجعية بشرية. ومن ثمّ، يُعدّ هذا المشهد تجريدًا عمليًّا لشرعية الأنظمة التي تُكرّس التفرقة والتمزق بين المسلمين. تجسير الهوة المذهبية: يُقدِّم الحج نموذجًا عمليًّا للتعايش المذهبي، حيث يُمارس كل حاجٍّ عبادته وفق مذهبه دون نزاع، ما يؤسس لإمكان تعميم هذا النموذج في المجال العام، كصيغة وحدة في ظل التنوع. مكافحة العنصرية والطبقية: يُجسِّد الإحرام وحدة المظهر والمقصد، مانحًا الإنسان قيمته بمعيار التقوى لا النسب أو المال، بما يُلغي الطبقية ويمحو الحدود العرقية في الوعي الجمعي. بناء منصات حوار دائمة: استلهامًا من لقاءات منى وعرفة، يُقترح تأسيس هيئة فكرية دائمة تجمع علماء الأمة ومفكريها، لتكون منبرًا للتشاور في قضايا المسلمين وتوليد حلول مشتركة. رسالة سلام عالمية: الحج إعلان سنوي لقدرة الإسلام على صناعة مشهد إنساني جامع، تتعايش فيه ملايين النفوس بسلام رغم التوترات الجيوسياسية المحيطة. تجديد الهوية: في مواجهة ضغوط الذوبان الثقافي، يُعيد الحج ترسيخ هوية المسلم كعضو في أمة تتجاوز القوميات والهويات القُطرية، مستندة إلى وحدة العقيدة والقبلة. قوة الروح: تحمُّل ملايين الحجاج مشاقَّ المناسك شهادة عملية على الطاقة الروحية الكامنة في الإيمان، وقدرته على تجاوز حدود الجسد والنفس. حوار الحضارات: يُمثل الحج ملتقى حضاريًّا فريدًا، تتفاعل فيه ثقافات وأعراق متعددة ضمن أجواء من الاحترام والتلاقي، حول مقصد روحي موحد. المشهد الكوني: مشهد ملايين البشر من كل حدب وصوب، مختلفي الألوان والألسنة والطبقات، مجتمعين في مكان واحد، في وقت واحد، بلباس واحد، يؤدون مناسك واحدة، يرددون ذكرًا واحدًا، هو أبلغ دليل على وحدة الأصل البشري (يا بني آدم) وقدرة الإسلام على جمع الشتات تحت مظلة التوحيد. محو الفوارق: ينصهر الجميع في الحج دون امتيازات؛ لا تمييز بين حاكم ومحكوم، غني وفقير، ذكر وأنثى، في مشهد نادر للمساواة المطلقة أمام الله. التضامن والتعاون: يتجلى التكافل الاجتماعي في الحج بشكل عملي، من مشاركة الماء والطعام، إلى مساعدة الضعيف والمرهق، إلى إرشاد التائه.. إنها مدرسة عملية في التعايش السلمي والإيثار والرحمة. في زمن التمزق والتشظي، تبقى المعادلة الجوهرية في قدرتنا على الانتقال من وحدة الشعائر إلى وحدة الشعور، ومن وحدة المظهر إلى وحدة المشروع، ومن اجتماع الأجساد في المشاعر إلى اجتماع القلوب على مصير مشترك كما أن الحج، بمناسكه المنظّمة، يشكّل دستورًا روحيًّا عمليًّا يصل العبد بربّه، فإنه يُمثّل أيضًا دستورًا اجتماعيًّا ضمنيًّا لإعادة تشكيل وعي الأمة وتحصين وحدتها. إعلان إن التغافل عن الرسائل التوحيدية العميقة التي يتضمنها الحج، يُعدّ تفريطًا سنويًّا في أكبر فرصة إصلاحية شاملة تُمنَح للأمة عبر مشهد حي وواقعي؛ فالحج ليس طقسًا عابرًا يُختتم بذبح الهدي، بل هو مؤتمر تأسيسي سنوي يعيد التأكيد على مركزية الكعبة، ووحدة القبلة كرمزية لوحدة المصير. وفي زمن التمزق والتشظي، تبقى المعادلة الجوهرية في قدرتنا على الانتقال من وحدة الشعائر إلى وحدة الشعور، ومن وحدة المظهر إلى وحدة المشروع، ومن اجتماع الأجساد في المشاعر إلى اجتماع القلوب على مصير مشترك.. تلك بعض الرسالة الكونية للحج، فهل نستجيب لندائها؟

في الحج.. نهوض الأمة بالحياة كلها إلى الله أسوة برحلة الحج
في الحج.. نهوض الأمة بالحياة كلها إلى الله أسوة برحلة الحج

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

في الحج.. نهوض الأمة بالحياة كلها إلى الله أسوة برحلة الحج

الحج منهج حياة لا موسم عبادة فقط؛ فهو ليس مجرد شعيرة وطقوس ومناسك وأعمال بدنية حركية، بل مدرسة عظيمة تعلمنا كيف نبني أهدافنا في الحياة، وكيف نرتّب أولوياتنا، وكيف نتحرك نحوها بخطى ثابتة وزادٍ كافٍ ونفس متجردة؛ إنه نموذج حي لكيفية صنع القصد والتوجه الصحيح، وكيفية إدارة الحياة بكفاءة. معنى الحج وارتباطه بالواقع الشامل الدائم للحياة المعنى العام للحج: هو القصد والتوجّه والنية نحو الغاية العظمى والأهداف الصحيحة. المعنى الخاص للحج: تمثله رحلة الحج كنموذج للحج؛ بالقصد والتوجه إلى بيت الله الحرام لتحقيق فريضة وركن من أركان الإسلام الخمسة، هو نموذج عملي لكيفية توجه الإنسان بحياته كلها إلى الله تعالى. أعمال الحج كلها برنامج شامل يوضح متطلبات ومهارات ومراحل بناء الحياة بكل تفاصيلها، ويربي على تحقيق الأهداف بطريقة جماعية عالمية، ضمن أمة واحدة لا فرق فيها بين أعجمي وعربي، ولا بين أبيض وأسود أعمال الحج تعلم كيفية إدارة كل شؤون الحياة الحج يعلّم المسلم كيف يخطط ويعمل ويوفر متطلبات الحياة بأموال حلال، وكيف يتزود بالزاد المعين من العلم والتقوى والرفقة الصالحة (توفير نفقات ومتطلبات الحج)؛ وكيف يقرر الوجهة والقصد ويحدد موعد الانطلاق (أشهر الحج)؛ وكيف يقرر البداية ويبدأ بالنية والتطهر، ويحَّرم على نفسه ما حرمه الله تعالى، وينفك عن الدنيا ويتخلص من العادات والمألوفات (النية والإحرام)؛ وكيف يمارس التلبية والاستجابة الكاملة لله، تعالى، والخضوع الكامل له وحده بلا شريك ولا أغراض دنيوية (التلبية: لبيك اللهم لبيك)؛ وكيف يخرج وينطلق ويسير في الطريق الموصل، وكيف يحسن التعرف على الأماكن والمواقيت (الالتزام بالمواقيت). الحج يربي على كيفية تحقيق الأركان وتنفيذ الخطة المحددة وفق النظام، وذلك من خلال: تكرار التمحور نحو الهدف المقصود عبر الطواف بأشواط عديدة (الطواف حول الكعبة). ثم استمداد مصادر الخير والصلاح والنهل من منابع البركات (الشرب من زمزم). ثم السعي وبذل الجهد والطاقة لأشواط عديدة لاستجلاب العون ممن يملك العون سبحانه؛ ببذل الجهد العملي المتكرر في دروب الحياة، والأمل الدائم المقرون بالحركة حتى الوصول للمبتغى (السعي بين الصفا والمروة). ثم التروية للجسد والروح للتمكن من استكمال الرحلة والمسير؛ بالاستعداد الذهني والروحي والجسمي لبذل أقصى الطاقات (يوم التروية بمنى). ثم الوقوف لتجديد المعرفة والتعرف والمراجعة والمحاسبة لتجديد التوبة وفتح صفحة جديدة (الوقوف بعرفة). ثم النفير للازدلاف والتقرب إلى الله تعالى (المبيت بمزدلفة). ثم الانطلاق لتحقيق المنى والأماني؛ برجم الشر ورأس الفتنة ومصدر المهددات، والتخلص من العقبات بمراحلها الثلاث، الصغرى والوسطى والكبرى (رمي الجمرات بمنى). وتعلم التضحية والفداء بالنفس والأبناء في سبيل المبادئ؛ بالإقامة في المكان الذي استعد فيه الابن للذبح وأطاع الأب واستجابت الأم واتفقت الأسرة كلها على أمر الله تعالى (الإقامة في منى يومين أو ثلاثة). وذبح الأنانية والانحراف والخلل، والتضحية بالشهوات التي تعيق السير في الطريق، والتضحية بالمال لله (ذبح الهدي). والتخلص من بعض المظاهر الشكلية والزينة الزائفة، التي كثيرًا ما تعيق عن المسير (حلق الشعر). محطة للترويح وتجديد النشاط؛ للانطلاق إلى مرحلة جديدة بعد غسل الروح وتجديد العهد مع الله تعالى (التحلل من الإحرام). الحج مدرسة كبيرة تعلم الأمة كلها، وتصنع القادة الكبار، وهذا يتطلب بذل الجهود من الإعلام ومناهج التعليم والآباء والأمهات والمربين، لترسيخ التربية على معاني الحج ودروسه في بناء الفرد والأسرة والمجتمع والأمة والعالم، لتكون حياتهم كلها لله الحج نموذج حضاري كامل أعمال الحج كلها برنامج شامل يوضح متطلبات ومهارات ومراحل بناء الحياة بكل تفاصيلها، ويربي على تحقيق الأهداف بطريقة جماعية عالمية، ضمن أمة واحدة لا فرق فيها بين أعجمي وعربي، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين قائد وجندي، أو وزير وغفير، أو عالم وعامي.. أمة واحدة بغاية واحدة، بأهداف مشتركة واحدة، وبوصلة واحدة؛ تعظم الشعائر، وترتبط بالمشاعر، وتشهد المنافع، وتعتمر لتعمر النفوس وتعمر بيت الله الحرام وتعمر الأرض كلها بمنهج الله تعالى. الحج مدرسة كبيرة تعلم الأمة كلها، وتصنع القادة الكبار، والأطفال الصغار، والرجال والنساء القاصدين الله، العاملين له، المضحين من أجله، الراسخين في الطريق نحوه سبحانه. وهذا يتطلب بذل الجهود من الإعلام ومناهج التعليم والآباء والأمهات والمربين، لترسيخ التربية على معاني الحج ودروسه في بناء الفرد والأسرة والمجتمع والأمة والعالم، لتكون حياتهم كلها لله؛ بدوام قصده، والعمل بمنهجه، ونصرة دينه، والحج إليه سبحانه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store