
قصة الكتاب الذي مهد للجدل حول الإسلام والعلمانية في مصر
هل ينبغي أن تكون الدولة مدنية علمانية أم دينية؟ سؤال يثير منذ عقود جدلا واسعا بين المثقفين والمهتمين بالسياسة في العالم العربي، حيث يطرح كل فريق حججه التي غالبا ما لا تُقنع الطرف الآخر، في مشهد تكرر كثيرا في سياقات متباينة، وإن كان يمكن تتبع تاريخه إلى مئة عام.
ففي أبريل/ نيسان عام 1925 صدر في مصر كتاب يحمل عنوان 'الإسلام وأصول الحكم' للشيخ الأزهري علي عبد الرازق، الذي سعى للترويج لفكرة الدولة المدنية قائلا إن الإسلام كرسالة دينية لم يحدد شكل الحكم السياسي الأمثل، ومشددا على أن مؤسسة الخلافة التي هيمنت على مصير المسلمين لمئات السنين ليست من أصول العقيدة الإسلامية.
الكتاب أثار معركة فكرية كبيرة في مصر وخارجها، وتسبب في فصل صاحبه من الأزهر وتعرضه للكثير من الاتهامات وصلَت إلى درجة أن البعض ادعى أن علي عبد الرازق ليس هو المؤلف الحقيقي للكتاب. فمن هو علي عبد الرازق؟ وما الأفكار التي طرحها؟ وما الظروف التي نُشر فيها الكتاب؟
إلغاء الخلافة
جاء توقيت صدور الكتاب في عام 1925 ليزيد من حدة النقاشات حوله. إذ صدر بعد عام واحد فقط من إلغاء البرلمان التركي مؤسسة الخلافة، وهي التي كانت مجرد منصب شرفي منذ عام 1909.
وخلال تلك الفترة، كان العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، خاضعا خلال تلك الفترة بشكل أو آخر لقوى استعمارية غربية بعد أن ظل لمدة قرون تابعا للعثمانيين. وكانت نخب تلك البلدان المثقفة تتطلع إلى تأسيس دول حديثة قائمة على أفكار الديمقراطية والفصل بين السلطات وإجراء الانتخابات، فيما بدا تأثرا بالأنظمة السياسية الغربية.
كانت مصر في قلب تلك التحولات الكبرى، فثورة عام 1919 التي طالبت بالاستقلال عن الاستعمار البريطاني، أسفرت عن استقلال صوري غير كامل ودستور جديد وانتخابات برلمانية أفضت عام 1924 إلى تولي سعد زغلول، زعيم حزب الوفد، رئاسة أول حكومة منتخبة في تاريخ البلاد.
لكن 'حكومة الشعب' لم تستمر طويلا إذ استقالت بعد أقل من عام على تشكيلها، لتتشكل حكومة من أحزاب وشخصيات مقربة من الملك من دون أن يكون لها نفس شعبية حزب الوفد، ومن بين تلك الأحزاب، حزب الأحرار الدستوريين، الذي سيكون له فيما بعد له دور مهم في المعركة التي دارت حول الكتاب.
وفي نفس الفترة التي تعرضت فيها التجربة الديمقراطية المصرية الوليدة لانتكاسة كبيرة، بدأت تظهر دعوات تطالب باستعادة الخلافة، وطُرح اسم الملك فؤاد من بين المرشحين لكي يكون خليفة محتملا للمسلمين.
وفي تلك الأجواء خرج كتاب 'الإسلام وأصول الحكم' إلى النور ليتحول صاحبه من مجرد قاض شرعي في مدينة المنصورة إلى محور جدل ونقاشات استمرت لعشرات الأعوام بعد وفاته.
حزب الأحرار الدستوريين
وُلِدَ علي عبد الرازق لعائلة من كبار ملاك الأراضي الزراعية في محافظة المنيا بصعيد مصر عام 1887 وتلقى تعليما أزهريا ثم سافر إلى إنجلترا للدراسة في جامعة أوكسفورد، قبل أن يعود إلى مصر وينضم إلى سلك القضاء الشرعي.
كان عبد الرازق ينتمي فكريًا إلى حزب الأحرار الدستوريين، وهو حزب ضم العديد من الباشوات وأفراد الطبقة الثرية، وكان يميل إلى معسكر الملك في خصومته مع حزب الوفد ذي الشعبية الجارفة.
ومن اللافت أن حزب الأحرار الدستوريين كان وقتها يضم ويحظى بدعم أسماء بارزة في عالم الثقافة المصرية بجانب علي عبد الرازق، كطه حسين، الذي كان هو الآخر محور جدل مشابه في عام 1926 بسبب كتابه 'في الشعر الجاهلي'، ومنصور فهمي، ومحمد حسين هيكل، ومصطفى عبد الرازق، شقيق علي عبد الرازق.
لكن ما أبرز الأفكار التي جاءت في الكتاب وأثارت ضجة كبيرة؟
الكتاب
يستهل عبد الرازق كتاب 'الإسلام وأصول الحكم – بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام' بالإشارة إلى أن الأبحاث التي قام بها حول القضاء الشرعي هي التي دفعته إلى تأليف الكتاب.
والفكرة الأساسية للكتاب أن النبي محمد 'لم يكن إلا رسولا لدعوة دينية خالصة لا تشوبها نزعة ملك أو حكومة'.
كما يقول عبد الرازق إنه لا توجد نصوص دينية إسلامية تؤيد الحديث عن وجوب الخلافة.
ويستشهد عبد الرازق بنصوص تاريخية لتأكيد حديثه عن أن الخلافة 'لم ترتكز إلا على أساس القوة الرهيبة، وإن تلك القوة كانت – إلا في النادر – قوة مادية مسلحة'.
كما يشير إلى أن تفرق المسلمين إلى ممالك ودويلات في زمن ضعف الخلافة لم يسفر عن ضياع الدين أو توقف المؤمنين عن ممارسة شعائر عقيدتهم.
ويدعو عبد الرازق المسلمين في الكتاب إلى بناء قواعد ملكهم ونظام حكومتهم 'على أحدث ما أنتجت العقول البشرية'.
المعركة
كانت الأفكار التي حملها الكتاب غير تقليدية بشكل أثار عاصفة من الجدل والانتقادات خاصة في ظل إلغاء مؤسسة الخلافة. فالكاتب الإسلامي البارز محمد رشيد رضا شن هجوماً عنيفاً على الكتاب ومؤلفه في مجلة المنار، واصفاً الأفكار التي جاءت فيه بـ'البدعة' التي ظهرت في وقت تتضافر فيه الجهود إلى عقد مؤتمر إسلامي عام لإحياء منصب الخلافة.
كذلك صدرت كتب عدة تتعرض لـ'الإسلام وأصول الحكم' وتنتقد ما جاء فيه، لعل من أبرزها كتاب الشيخ محمد الخضر حسين- الذي تولى منصب شيخ الأزهر بعد ذلك بأكثر من 25 عاماً – 'نقد الإسلام وأصول الحكم'.
وسعى الرافضون لأفكار علي عبد الرازق إلى طرح حجج مضادة لما جاء في 'الإسلام وأصول الحكم' مستلهمين هم أيضاً نصوصاً دينية وتاريخية.
تتسم العديد من الكتابات المعارضة لعلي عبد الرازق باتهامه إما بـ 'الجهل بحقيقة الإسلام' أو 'التضليل المتعمد' أو 'تقليد الغرب بشكل كامل'.
لم تقتصر قائمة منتقدي عبد الرازق على الشيوخ وأصحاب التوجهات الإسلامية المطالبة بعودة الخلافة، فقد كان لافتاً أن الزعيم الوفدي سعد زغلول استنكر بشدة ما جاء في الكتاب ووجه نقداً لاذعاً لصاحبه، بحسب ما جاء في دراسة الكاتب محمد عمارة 'الإسلام وأصول الحكم: دراسة ووثائق'.
في المقابل، نشرت صحف مصرية العديد من المقالات التي يدافع أصحابها عن علي عبد الرازق وآرائه، كمحمد حسين هيكل، وسلامة موسى.
كذلك دافع عباس العقاد – وهو الذي كان وقتها مؤيداً لحزب الوفد – عن حق الكاتب في التعبير عن رأيه سواء كان مصيباً أو مخطئاً.
المحاكمة
المعركة حول الكتاب لم تكن قاصرة على الصحف والمجلات بل وصلت إلى أروقة الأزهر. إذ انعقدت هيئة كبار علماء الأزهر في شهر يوليو/تموز عام 1925 ووجهت إلى علي عبد الرازق سبع 'تهم' من بينها حديثه عن كون الإسلام شريعة روحية محضة وقوله إن حكومة أبي بكر ومن خلفه كانت حكومة لادينية.
وفي أغسطس/ آب مثل علي عبد الرازق أمام الهيئة التي قررت بالإجماع إخراجه من زمرة العلماء ومحو اسمه من سجلات الأزهر وعدم أهليته للقيام بأي وظيفة عمومية دينية كانت أو غير دينية، وهو ما تبعه قرار حكومي بفصله من وظيفته كقاض شرعي.
السياسة
لم يشكل قرار فصل عبد الرازق من الأزهر نهاية المعركة حول الكتاب بل كان أحد تبعاتها. فكثير من الكتابات والدراسات التاريخية التي تناولت القضية لاحقاً، تظهر أن الأزمة كانت مرتبطة أيضاً بالسياسة كما كانت متعلقة بالأفكار التي طرحها، كما جاء في كتاب محمد عمارة 'الإسلام وأصول الحكم – دراسة ووثائق'، وكتاب الكاتب الصحفي المصري أحمد بهاء الدين 'أيام لها تاريخ'.
فالكتاب بحسب هذا الفريق كان بمثابة صرخة احتجاج ضد مساعي الملك فؤاد مواصلة الاستبداد بالحكم عبر ادعاء لقب الخليفة بما له من ثقل ديني.
وتشير الأكاديمية سعاد علي في كتابها 'A Religion, Not a State: Ali 'Abd al-Raziq's Islamic Justification of Political Secularism' إلى أن عبد الرازق استخدم في الكتاب لفظتي ملك وسلطان ومرادفتهما نحو 150 مرة. فالملك فؤاد، عند هذا الفريق من الباحثين، لعب دوراً في التنكيل بصاحب كتاب 'الإسلام وأصول الحكم'، بل أن عدداً ممن هاجموا الكتاب كان من بين دوافعهم إرضاء ملك مصر. فبينما قال عبد الرازق في مقدمة كتابه إنه 'لا يخشى سوى الله. له القوة والعزة. وما سواه ضعيف ذليل'، نجد الشيخ محمد الخضر حسين يهدي كتابه إلى 'إلى خزانة حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر المعظم'.
أما الحزب الذي ينتمي إليه عبد الرازق فكرياً، حزب الأحرار الدستوريين، فهو لم يكن حزباً جماهيرياً بل وارتضى المشاركة في حكومات غير ديمقراطية موالية للملك وصلت إلى الحكم من دون أن يكون لها ظهير شعبي كبير. لكن المفارقة أن الحزب نفسه وقف إلى جانب علي عبد الرازق لينتهي الأمر بأزمة سياسية أسفرت في النهاية عن خروج وزراء الحزب من الحكومة.
أسئلة مشابهة
ومع مرور السنوات توارى علي عبد الرازق عن الأنظار لفترة طويلة قبل أن يقرر الأزهر إعادته إلى زمرة علمائه في الأربعينات خلال تولي شقيقه مصطفى عبد الرازق منصب شيخ الأزهر. ثم أسند إليه منصب وزير الأوقاف في إحدى حكومات الأقليات في نهاية الأربعينيات.
أما جهود إعادة إحياء الخلافة الإسلامية فسرعان ما باءت بالفشل. وبدا بعد فترة ليست بالكبيرة أن الانشغال بقضايا الاستقلال والديمقراطية طغى على حماس الكثير من عناصر النخبة المصرية لمناقشة قضية مشروع الخلافة. وليس أدل من ذلك التغير تلك الأزمة التي جرت في عام 1937 خلال الإعداد لتتويج الملك فاروق، نجل الملك فؤاد.
فمصطفى النحاس، رئيس الوزراء المنتخب وخليفة سعد زغلول في زعامة حزب الوفد، أجهض خطة طرحها مقربون من الملك لإضفاء صبغة دينية على حفل التتويج.
لكن في المقابل، فإنه وبعد ثلاث سنوات من صدور كتاب 'الإسلام وأصول الحكم' سيؤسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تدعو إلى مواجهة التغريب والعودة إلى الأصول الدينية للمجتمعات الإسلامية حتى يصير من الممكن 'إحياء الخلافة المفقودة'.
ومع مرور الزمن أمسى الكتاب مثار نقاشات حادة بين أنصار العلمانية والمدافعين عن الحكم ذي الطابع الإسلامي، وأعيد طبعه أكثر من مرة.
تجدر الملاحظة أن كلمة 'علمانية' لم ترد في الكتاب، فعلي عبد الرازق كان يدافع عن حكم مدني في مقابل المطالبين بعودة نظام الخلافة.
وبعد مرور قرن على صدور 'الإسلام وأصول الحكم'، لا تزال الأسئلة التي أثارها علي عبد الرازق وأنصاره ومنتقديه حاضرة بقوة في النقاش العربي المعاصر: هل الدين يحدد شكل الدولة؟ هل يمكن التوفيق بين المرجعية الإسلامية والدولة المدنية؟ وهل الجدل حول 'الخلافة' انتهى فعلًا، أم أنه يعاود الظهور بأشكال جديدة؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سيدر نيوز
منذ 5 ساعات
- سيدر نيوز
من هو توم فليتشر الذي يقود مطالب الأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى غزّة؟
قبل أيام، أطلّ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، على شاشة بي بي سي محذّراً من تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة. وقال في تصريحه الذي لاقى انتشاراً واسعاً: 'هناك 14 ألف طفل سيموتون خلال الـ48 ساعة القادمة إذا لم نتمكن من الوصول إليهم'. التصريح أثار موجة تفاعل واسعة، ولاحقاً أوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA) أنّ الرقم لا يشير إلى وفيات محتملة خلال 48 ساعة، بل إلى عدد الأطفال المعرضين لسوء تغذية حادّ خلال عام كامل، استناداً إلى تقديرات شراكة تصنيف الأمن الغذائي المرحلي (IPC)، وهي مبادرة دولية تعنى بتحليل مستويات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في الدول المتأثرة بالنزاعات والكوارث. واليوم، دخلت أول قافلة مساعدات إلى القطاع، مؤلفة من 87 شاحنة، بعد 82 يوماً من منع السلطات الإسرائيلية إدخال المساعدات، مبرّرة قرارها باتهام حركة حماس بالاستيلاء على الشحنات. هو دبلوماسي بريطاني، عمل مستشاراً للسياسة الخارجية في رئاسة الحكومة البريطانية، وسفيراً لدى لبنان بين عامي 2011 و2015. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، عُيّن وكيلاً للأمين العام ومنسقاً للإغاثة في حالات الطوارئ، خلفاً لمارتن غريفيث. ووفق بيان التعيين، خدم فلتشر خلال مسيرته في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. يجمع بين العمل الدبلوماسي والأكاديمي، وشغل منذ عام 2020 منصب عميد كلية هيرتفورد في جامعة أوكسفورد. كما عمل إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق غوردون براون على قضايا تعليم اللاجئين، ودرّس في جامعة نيويورك والأكاديمية الدبلوماسية الإماراتية. وقبل عمله في لبنان، شغل فليتشر مناصب في بعثات دبلوماسية في نيروبي وباريس، وكان سكرتيراً خاصاً لوزراء الخارجية في الحكومة البريطانية. فليتشر المولود في عام 1975، يحمل إجازة وماجستير في التاريخ الحديث من جامعة أوكسفورد (1998). يتقن اللغة الإنجليزية والفرنسية، ويملك معرفة عملية جيدة بالعربية والسواحيلية. وقد اشتهر بلقب 'الدبلوماسي العاري'، وهو عنوان كتابه عن تجربته في لبنان. ووصفته صحيفة 'عرب نيوز' بأنه 'مناهض للدبلوماسية'، في إشارة إلى كسره للأعراف التقليدية. من أبرز مبادراته الرمزية في بيروت، ارتداؤه زيّ عاملة مهاجرة إثيوبية تدعى كالكيدان، وتبادله المهام معها ليوم واحد لتسليط الضوء على أوضاع العاملات الأجنبيات. في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، نشر رسالة بعنوان 'عزيزي لبنان' بمناسبة مرور 70 عاماً على تأسيس الدولة، قال فيها: 'تتحمّلون المشقّات كأنها اعتياد، لكنكم نادراً ما تواجهون أسبابها. تستثمرون في تعليم الشباب، لكنهم يشعرون بأن لا صوت لهم. لطالما كنتم منارة لحقوق المرأة، لكن تمثيلها النيابي لا يعكس ذلك'. وختم برسالة واضحة: 'ابدأوا بتجاهل النصائح، بما في ذلك نصيحتي. هذا بلدكم'. في يوليو/تموز من العام نفسه، كتب رسالة وداعية بعنوان 'يلا باي' لخّص فيها مشاهداته في لبنان، وجاء فيها: 'رصاص وبوتوكس، ديكتاتوريون ومطربات، أمراء حرب وواسطة، أسلحة وجشع وإيمان، حقوق الإنسان وحقوق الحمص…' وتابع: 'السياسة عندكم مضنية، ليست فقط للسفراء بل لكل المواطنين. بعض الأوليغارشيين يوافقون على التغيير، لكنهم يعجزون عن تنفيذه، ويفاقمون التعقيدات عبر نظريات المؤامرة والمكائد'. وأشار إلى أن بريطانيا قدّمت خلال فترة عمله دعماً مالياً وعسكرياً، وساهمت في مشاريع تعليمية وتجارية، مضيفاً: 'حتى إننا ساعدنا وليد جنبلاط على الانضمام إلى تويتر'. وفي ختام مهمته، كرّمه النائب وليد جنبلاط في قصر المختارة قائلاً: 'بعد وصفك الأورويلي للبنان وحكّامه الأوليغارشيين، وأنا أحدهم، لا أزال قادراً على التغريد… بفضلك'. بعد بعد خروجه من السلك الدبلوماسي، ألّف فلتشر عدة كتب، من بينها 'الدبلوماسي العاري: فهم القوة والدبلوماسية في العصر الرقمي' (2016)، و'عشر مهارات للبقاء في عالم متغير' (2022)، إلى جانب روايتين سياسيتين: 'السفير' (2022) و'القاتل' (2024). كما أسّس في عام 2018 مبادرة 'مؤسسة الفرصة' (Foundation for Opportunity) لدعم الشباب وتمكينهم. وفي عام 2023، قدّم سلسلة وثائقية عبر بي بي سي بعنوان 'المعركة من أجل الديمقراطية الليبرالية'، تناولت التحديات التي تواجه الأنظمة الديمقراطية حول العالم. في أبريل/نيسان 2024، شارك فليتشر مع دبلوماسيين بريطانيين سابقين في تقرير انتقد بنية وزارة الخارجية البريطانية، واعتبرها نخبوية وعاجزة عن مواكبة التحديات، داعيًا إلى إعادة هيكلتها وتنظيمها. فليتشر متزوّج من لويز فلتشر، ولهما ولدان. يعرف بحبه للتاريخ السياسي والكريكيت والجبال


الديار
منذ 7 ساعات
- الديار
الإخوان المسلمون في مرمى ماكرون
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعا أمنيا رفيع المستوى في قصر الإليزيه لمناقشة تقرير حكومي يحذر من تزايد نفوذ الإخوان المسلمين وانتشار الإسلام السياسي في فرنسا. وأعد التقرير المكون من 73 صفحة موظفان حكوميان رفيعان بتكليف من وزارة الداخلية الفرنسية في مايو 2024، واستند بشكل أساسي إلى مذكرات أجهزة الاستخبارات الداخلية، ووفقاً للتقرير تشكل جماعة "الإخوان المسلمين" تهديداً "تخريبياً" لقيم الجمهورية الفرنسية، من خلال استراتيجية "الاختراق التدريجي" للمجتمع عبر التأثير على المؤسسات المحلية، مثل البلديات، الجمعيات الخيرية، المدارس، والأندية الرياضية. وأشار التقرير إلى أن الجماعة التي تأسست في مصر قبل أكثر من 90 عاماً تتبنى نهجاً "مناهضا للجمهورية" يهدف إلى تغيير القواعد المحلية والوطنية تدريجياً، خاصة فيما يتعلق بالعلمانية والمساواة بين الجنسين. وركز التقرير على دور منظمة "مسلمو فرنسا" (سابقاً اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا) التي وُصفت بأنها "الفرع الوطني لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا"، حيث تدير حوالي 139 مكان عبادة وتُعتبر 68 أخرى قريبة منها، أي ما يمثل 7% من أماكن العبادة الإسلامية في البلاد. وأوضح التقرير أن الجماعة لا تسعى لفرض "الشريعة الإسلامية" بشكل مباشر أو إقامة دولة إسلامية في فرنسا، لكنها تتبع نهجاً "خفيا وتدريجيا" يهدف إلى زعزعة التماسك الاجتماعي من خلال "إسلام بلدي" يؤثر في الحياة العامة والسياسات المحلية. وأشار إلى أن الجماعة، التي تفقد نفوذها في العالم العربي، تركز الآن جهودها على أوروبا، وخاصة فرنسا التي تستضيف أكبر جالية مسلمة في الاتحاد الأوروبي إلى جانب ألمانيا. وأعلن قصر الإليزيه أن الحكومة ستقترح إجراءات لمواجهة هذا التهديد، بعضها سيُعلن عنه ، بينما سيبقى آخر سرياً لدواع أمنية، ومن بين المقترحات التي أثارت جدلاً، اقتراح حزب "النهضة" الذي يتزعمه ماكرون، حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة للفتيات دون سن 15 عاماً، معتبراً أن الحجاب "يعيق المساواة بين الجنسين وحماية الأطفال". وأثارت نتائج التقرير الصادم وتوصياته جدلاً واسعاً، ونددت منظمة "مسلمو فرنسا" بما وصفته بـ"الاتهامات الباطلة"، محذرة من "الخلط الخطير" بين الإسلام والتطرف، مؤكدة التزامها بالقيم الفرنسية، رافضة أي اتهامات بمحاولة فرض مشروع سياسي أجنبي أو استراتيجية "الاختراق". من جهته شدد الإليزيه على أهمية عدم الخلط بين المسلمين ككل وبين جماعة الإخوان، وقال مسؤول في الرئاسة: "نقاتل ضد الإسلاموية وتطرفها وليس ضد المسلمين"، مضيفا أن الهدف هو "رفع الوعي" داخل الاتحاد الأوروبي حول هذا التهديد. يأتي هذا التقرير في وقت تشهد فيه فرنسا نقاشات محتدمة حول الهوية الوطنية والإسلام، مع تزايد شعبية اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، كما أن فرنسا التي تعرضت لسلسلة هجمات إرهابية منذ عام 2015 تسعى لمنع انتشار الأفكار المتطرفة، مما يجعل هذا التقرير جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز الأمن القومي.


النهار
منذ يوم واحد
- النهار
صدمة ترامب والشرع... هل تعيد الإخوان في مصر إلى سباق السلطة؟
أعاد لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في السعودية، خلط أوراق المشهد السياسي في المنطقة، وأشعل من جديد أحلام تيارات الإسلام السياسي، وفي طليعتها جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر. فبين بيان غامض عن حلّ الجماعة وتجميد عملها السياسي ونقاشات خفية في أروقة التنظيم، بدأت مؤشرات تُقرأ على أنها محاولة لاقتناص لحظة دولية مربكة تعيد الجماعة إلى السلطة. وكان ترامب قد أثنى على الرئيس السوري خلال جولته الخليجية، كما وصف ماضيه بأنه "قوي". وقد أثار هذا الوصف تحديداً سجالات حادّة، لا سيما أن ماضي الشرع، المعروف سابقاً بـ"أبو محمد الجولاني"، مرتبط بأخطر التنظيمات الإرهابية في العالم؛ فبعدما قاتل في صفوف "داعش"، تركها لتأسيس "جبهة النصرة" بدعم من "القاعدة"، قبل أن تتحوّل لاحقاً إلى "هيئة تحرير الشام" التي قادت هجوم إسقط نظام بشار الأسد في أيلول / سبتمبر الماضي ثم سيطرت على الحكم في دمشق. شهية مفتوحة يرى الدكتور عمرو عبد المنعم، الباحث الأكاديمي المتخصص في حركات الإسلام السياسي، أن "شهية بعض تيارات الإسلام السياسي انفتحت بالفعل من جديد للوصول إلى السلطة". ويقول لـ"النهار" إنّ البيان المنسوب لـ"الإخوان" يمثل أحد المؤشرات إلى هذا الانفتاح، وهو محاولة لجسّ نبض النظام الحاكم في مصر من قِبل ما يُعرف بـ"جناح لندن"، أحد أجنحة "الإخوان" في الخارج، التي أجرت مراجعات وتسعى للعودة إلى المشهد السياسي المحلي. ويضيف: "البيان صدر عن أحد كوادر جناح لندن المعروف باسم أحمد مالك، وأعتقد أن الهدف منه هو اختبار مدى استعداد السلطة في مصر لتقبّل عودة عناصر الجماعة، باعتبارهم شخصيات وطنية يمكن التعامل معهم كمواطنين عاديين". من جهته، يؤكد الباحث الإيطالي المتخصص في الجماعات المتطرفة في أوروبا جيوفاني جياكالوني، لـ"النهار"، وجود "خطر من أن تبدأ جماعة الإخوان أنشطة جديدة في شمال أفريقيا، وخصوصاً في مصر، حيث تنتمي تاريخياً ولها جذور عميقة". أما المحللة السياسية الأميركية إيرينا تسوكرمان، فترى أن "احتضان ترامب لأحمد الشرع أحدث هزّات تتجاوز حدود سوريا. الإسلاميون من القاهرة إلى إسطنبول رأوا في ذلك فرصة، وقد فسّر الإخوان تصريحات ترامب كمؤشر إلى أن الإسلام السياسي بات مقبولاً مجدداً في واشنطن". وتضيف: "إشادة ترامب بدور الشرع في تحقيق الاستقرار لا تمثل تحولاً صريحاً في موقف الجمهوريين، الذين يتسمون تقليدياً بالتشكيك في حكم الإسلاميين. وعلى عكس إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، التي أبدت اهتماماً أيديولوجياً بالإسلام السياسي كمحرّك للديموقراطية، فإن الترامبية تفتقر لأي عقيدة فكرية واضحة، إذ لا تتعامل مع الأفكار، بل مع موازين النفوذ". كذلك، تشير إلى "اختراق بعض العناصر الموالية للجماعة" الإدارة الأميركية الجديدة، بالإضافة إلى تنامي نفوذ بعض الكيانات المرتبطة بـ"الإخوان" في الولايات المتحدة، وعلى رأسها "كير". النفوذ كشرط من جانبه، يقول الباحث في شؤون الأمن الإقليمي مصطفى كمال إن "القراءة الدقيقة للتطورات الأخيرة تُظهر أنها لا تصب في مصلحة الإسلام السياسي، بل تعكس توجهاً متزايداً نحو تعزيز نموذج الاستبداد الوظيفي، الذي يقدّم الأمن والاستقرار كشرط أساسي للشراكة الدولية، حتى لو كان ذلك على حساب التعددية أو الديموقراطية". ويضيف: "ترامب، الذي حاول في السابق تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، لا يُقدّمهم اليوم كشريك محتمل، بل يوظّف لقاءه مع الشرع في سياقين متوازيين: داخلياً، لتعزيز صورته كرجل صفقات قادر على إعادة تشكيل التحالفات؛ وخارجياً، للتأكيد على أن واشنطن الجديدة لا ترى بأساً في التحالف مع الأنظمة السلطوية، طالما أنها تخدم مصالحها الاستراتيجية". ويتابع: "الحديث عن آمال جديدة دبت في أوصال تيارات الإسلام السياسي نتيجة هذا اللقاء، قراءة تتجاهل عمق التحولات التي مرّت بها المنطقة منذ عام 2013. فالإخوان اليوم يعانون من تراجع تنظيمي حاد، وصراع داخلي مرير بين جبهات متناحرة، وغياب شبه كامل للفاعلية السياسية أو المجتمعية، سواء داخل مصر أو في المهجر. كما أن خطابهم السياسي فقد جاذبيته، والمظلّة الأيديولوجية التي كانت تحشد الشباب باتت محلّ تساؤل ونقد علني من داخل قواعدهم السابقة".