logo
صحف عالمية: الحقيقة أول ضحايا الحرب والعالم مصدوم من صور غزة

صحف عالمية: الحقيقة أول ضحايا الحرب والعالم مصدوم من صور غزة

الجزيرةمنذ يوم واحد
تناولت صحف ومواقع عالمية أبرز تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة، وخاصة اغتيال الصحفيين وسياسة التجويع المستمرة في القطاع، والمظاهرات العالمية المناوئة للحرب وما يصاحبها من عمليات قمع من طرف بعض الحكومات الغربية.
وجاء في افتتاحية صحيفة الإندبندنت البريطانية أن "إسرائيل تقتل الصحفيين لخنق حرية التعبير، والحقيقة، كما يُقال، هي أول ضحايا الحرب".
ومنعت إسرائيل بشكل غير مسبوق الصحفيين الدوليين -تضيف الافتتاحية- من تغطية الصراع في قطاع غزة ، و"النتيجة هي أن إسرائيل تُتهم بارتكاب جرائم حرب من طرف المحكمة الجنائية الدولية"، وأصبح مصطلح "إبادة جماعية" يُستخدم بشكل متزايد ضدها، في ما يتعلق بحرمان سكان غزة من الغذاء والدواء، تقول الافتتاحية.
وقالت مديرة الأبحاث في منتدى السياسات الإسرائيلي، شيرا إيفرون في مقال لها بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن صور أطفال غزة وهم يتضورون جوعا حازت اهتمام العالم، لكنّ الرواية مختلفة داخل إسرائيل إذ يجري التركيز على قضايا أخرى.
وأضافت أن "إسرائيل مطالبة بتغيير نهجها لأنها المسؤولة عن إحداث هذه الأزمة، واستمرار تجاهلها المتعمد سيؤدي إلى تفاقم الضررِ في غزة وتطرف الفلسطينيين لأجيال قادمة، وزيادة عزلة إسرائيل إقليميا ودوليا".
تكميم الأفواه
ومن جهة أخرى، رأى وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن في مقال بصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أن قرار فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول "صائب أخلاقيا ويعكس إجماعا عالميا"، زاعما أن الاعتراف غير المشروط بفلسطين لن يُسفر عن دولة فلسطينية أو يُنهي المعاناة في غزة.
ويشترط بلينكن أن "يقترن الاعتراف بدولة فلسطينية بضمانات أمنية لإسرائيل".
وندد الكاتب آندي بيكيت، في مقال له بصحيفة الغارديان البريطانية بتعامل الحكومة البريطانية القاسي مع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وقال إن قمع الحركات الاحتجاجية والاعتقالات الجماعية في لندن تُظهر توجها خطِرا نحو تكميم الأفواه.
وأشار الكاتب إلى أن "هناك ازدواجية في التعامل حيث تُقمع الاحتجاجات السلمية في الغرب، ويغض الطرف عن المجازر الوحشية في غزة، ما يُظهر انحيازا سياسيا وأخلاقيا فاضحا".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

محللان: مشروع "معاليه أدوميم" شهادة وفاة لفكرة الدولة الفلسطينية
محللان: مشروع "معاليه أدوميم" شهادة وفاة لفكرة الدولة الفلسطينية

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

محللان: مشروع "معاليه أدوميم" شهادة وفاة لفكرة الدولة الفلسطينية

يمثل مشروع توسيع مستوطنة معاليه أدوميم -الذي أعلنت عنه إسرائيل اليوم الخميس- إنهاء رسميا لفكرة الدولة الفلسطينية التي يجري الحديث عن إقامتها منذ عقود، وتكريسا للواقع الذي فرضه الاحتلال في الضفة الغربية. فقد أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش انطلاق برنامج استيطاني لربط "معاليه أدوميم" بمدينة القدس المحتلة بعد أكثر من 20 عاما من التأجيل، مؤكدا أن الخطة تحظى بدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ويقضي المشروع بمصادره آلاف الدونمات، وتُستثمر المليارات بهدف إدخال مليون مستوطن إلى الضفة الغربية التي تواصل إسرائيل توسيع الاستيطان فيها. ويكرس هذا المشروع لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها وعزلها كليا عن مدينة القدس ، وفق الصحفي منتصر نصار الذي قال إن الحديث يدور عن بناء أكثر من 3400 وحدة استيطانية جديدة وبناء مزيد من الوحدات في مستوطنة أرئيل. وفي مقابلة مع الجزيرة قال نصار إن عملية بناء توسيع وبناء المستوطنات تجري بسرعة لافتة على الطريق الرابط بين مدينتي الخليل وبيت لحم. وتخطط إسرائيل للاستيلاء على قرى فلسطينية كاملة لخدمة مشاريعها الاستيطانية الجديدة، ومنها قرية النعمان شرقي بيت لحم، والتي أبلغت حكومة الاحتلال كافة سكانها بإخلائها لتوسيع مستوطنة هارحوما في جبل أبو غنيم. وينقسم مشروع "معاليه أدوميم" إلى قسمين تم التصديق على القسم الأول منه المعروف بـ"إي 1″ في 27 يوليو/تموز الماضي، لربط المستوطنة بالقدس الشرقية ، ومن المقرر التصديق على القسم الثاني خلال الشهر الجاري. وبدأ الحديث عن مشروع "إي 1" سنة 1994، وتم التصديق عليه في 1997 عندما كان الحديث دائرا عن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، لكنه بقي مجمدا. لكن إسرائيل واصلت بناء البنى التحتية وأسست طرقا مدنية وأمنية ستخدم المشروع الذي أعلن عنه اليوم، كما يقول الخبير في شؤون المستوطنات خليل التفكجي. ويعني المشروع -وفق التفكجي- سيطرة إسرائيل على 10% من مساحة الضفة الغربية تحت ما تسمى " القدس الكبرى"، مقارنة بـ1.2% هي المساحة الفعلية للمدينة المقدسة. وبموجب هذا التوسع، تكون إسرائيل قد حسمت سيطرتها على مدينة القدس، ولم يعد ممكنا إقامة دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا حتى لو تم الاعتراف بها، نظرا إلى عملية توسيع البنى التحتية للمستوطنات التي يجري العمل عليها. ووفقا للخبير في الشأن الإسرائيلي ساري عرابي، فإن هذا المشروع يعني طمس أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، لأنه سيخلق حاجزا عمرانيا وسكانيا إسرائيليا هائلا في الضفة، كما يعكس المشروع تكريس اليمين المتطرف إسرائيل الكبرى التي تمتد من البحر إلى النهر. وكان رئيس مجلس مستوطنة معاليه أدوميم قال خلال المؤتمر الصحفي إن مشروع التوسعة الجديد "سيقضي على حلم الدولة الفلسطينية"، مشددا على ضرورة "عدم الخضوع للانتقادات الدولية". وأكد رئيس المستوطنة أن "تغيير الواقع على الأرض هو الضمان الحقيقي لأمن إسرائيل"، وأنهم "لن يتراجعوا حتى إحلال السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية".

إعلام إسرائيلي: اتصالات مع دول عدة لمحاولة تهجير الفلسطينيين من غزة
إعلام إسرائيلي: اتصالات مع دول عدة لمحاولة تهجير الفلسطينيين من غزة

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

إعلام إسرائيلي: اتصالات مع دول عدة لمحاولة تهجير الفلسطينيين من غزة

قالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن تل أبيب تُجري اتصالات مع 4 دول إضافة إلى إقليم أرض الصومال، لمحاولة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إليها، الأمر الذي يواجه رفضا عربيا وإسلاميا ودوليا واسعا لانتهاكه القانون الدولي والإنساني. وزعمت القناة في تقرير نشر أمس الأربعاء أن هناك تقدما في المباحثات بهذا الشأن مع إندونيسيا وإقليم أرض الصومال (لا يتمتع باعتراف رسمي منذ إعلانه الانفصال عن الصومال عام 1991). وذكرت أن الدول التي تُجري إسرائيل اتصالات معها هي إندونيسيا وليبيا وأوغندا، وجنوب السودان وإقليم أرض الصومال. ونقلت القناة عن مصدر إسرائيلي -لم تذكر اسمه- زعمه أن بعض الدول تبدي انفتاحا أكبر من ذي قبل لاستيعاب الفلسطينيين المهجرين من قطاع غزة. وأشارت إلى أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد مع أي من هذه الدول، في حين لم يصدر تعقيب بهذا الشأن من الدول المذكورة سوى جنوب السودان التي نفت الأمر. وأول أمس الثلاثاء، ذكرت وكالة أسوشيتد برس الأميركية في تقرير نقلا عن 6 مصادر وصفتها بالمطلعة أن إسرائيل تبحث مع جنوب السودان إمكانية تهجير فلسطينيين من غزة إليها. وغداة نشر التقرير قالت وسائل إعلام إسرائيلية بينها قناة "آي 24" إن شارين هاسكل نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي ستبدأ زيارة إلى دولة جنوب السودان الأربعاء، وذلك على خلفية تقارير تتحدث عن إجراء مباحثات مع جوبا لتهجير فلسطينيين من قطاع غزة إليها. من جهتها، قالت صحيفة جيروزاليم بوست أول أمس الثلاثاء إن وفدا إسرائيليا يخطط لزيارة جنوب السودان، لبحث إمكانية إقامة مخيمات تمهيدا لتهجير فلسطينيين من غزة. نفي من جنوب السودان في المقابل، نفت وزارة خارجية جنوب السودان أمس الأربعاء مزاعم إجراء حكومة جوبا مناقشات مع إسرائيل بشأن توطين مواطنين فلسطينيين من غزة في أراضيها. وقالت الخارجية في بيان إنها تنفي بشكل قاطع التقارير الإعلامية الأخيرة التي تزعم أن حكومة جمهورية جنوب السودان تُجري مناقشات مع دولة إسرائيل بشأن توطين مواطنين فلسطينيين من غزة في جنوب السودان. وأضاف البيان أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، ولا تعكس الموقف الرسمي أو سياسة حكومة جمهورية جنوب السودان. وفي منتصف مايو/أيار الماضي نفت السفارة الأميركية في العاصمة الليبية طرابلس الأنباء التي أفادت بأن الإدارة الأميركية تعكف على خطة لنقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى ليبيا. وقالت السفارة الأميركية في منشور على منصة إكس"التقرير بشأن خطط مزعومة لنقل سكان غزة إلى ليبيا عار عن الصحة". وتتمسك إسرائيل بمخطط أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقت سابق لتهجير فلسطينيي غزة قسريا، لكنه يواجه رفضا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ودوليا واسعا لانتهاكه القانون الدولي والإنساني. وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها. وخلّفت الإبادة الإسرائيلية 61 ألفا و722 شهيدا و154 ألفا و525 مصابا من فلسطينيا -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 9 آلاف مفقود ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 235 شخصا، بينهم 106 أطفال.

أنس الشريف ضد نيويورك تايمز.. القاتل فقط هو من يملك الحقيقة
أنس الشريف ضد نيويورك تايمز.. القاتل فقط هو من يملك الحقيقة

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

أنس الشريف ضد نيويورك تايمز.. القاتل فقط هو من يملك الحقيقة

في مساء الأحد العاشر من أغسطس/آب الجاري، قصف الطيران الإسرائيلي خيمة للصحفيين في باحة مستشفى الشفاء في مدينة غزة. استهدف الصاروخ أنس الشريف ، الصحفي الفلسطيني الذي لم يتم عامه التاسع والعشرين بعد، ومعه زملاؤه صحفيو الجزيرة ومصوروها الشباب محمد قريقع ومحمد نوفل ومؤمن عليوة وإبراهيم ظاهر فقتلهم جميعا في جريمة حرب مركّبة. لم تحاول إسرائيل إخفاء جريمتها ولم تموّه كما فعلت في أول الحرب مع قصف المستشفيات والصحفيين، ففي خلال أقل من ساعة كانت حسابات الجيش بالعبرية والإنجليزية تنشر متفاخرة نجاح عملية اغتيال أنس الشريف. كانت العملية جريمة اغتيال مع سبق الإصرار والترصد، وتمت بعد حملة تحريضية ضد الشريف، استمرت أشهرا قادتها حسابات إسرائيل ومؤيديها على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة مساء في لندن، ولم تزل بعد حوالي الرابعة عصرا في الساحل الشرقي الأميركي. ومع ذلك، توالت الأخبار العاجلة والإدانات من مؤسسات الدفاع عن الصحفيين، وبعض الجهات الأممية، وبعض وكالات الأنباء العالمية في كل العالم. فأنس ورفاقه لم يكونوا أول الصحفيين الشهداء، والطريقة التي أعلنت بها إسرائيل جريمتها ترجح أنه مع استمرار حرب الإبادة لن يكونوا آخرهم. كانت معظم التغطيات الغربية متساهلة مع ادعاءات إسرائيل، لكنها مع ذلك نقلت الخبر بشيء من الدقة وبسرعة معقولة. فمؤسسات مثل رويترز، وأسوشيتد برس، وفرانس 24، ويورو نيوز والغارديان قدمت الخبر على حقيقته: إسرائيل قتلت صحفيين عاملين، في مقر إعلامي معروف لإسرائيل، وداخل مستشفى! يمكن القول إن معظم هذه المنصات الإعلامية بدأت تغطياتها بفقرات تجيب على أسئلة الصحافة الأساسية: ما الجريمة؟ ومن الجاني؟ ومن الضحية؟ وأين تمت؟ ولماذا يهمّ الأمر؟ تحدثت بعض المنصات الأخرى، مثل صحيفة الغارديان، عن القانون الدولي، وحق الصحفيين في الحماية، ووصفت الغضب العالمي، وفي افتتاحيتها لاحقا حذرت من أن "إسرائيل تبيد الشهود". كصحفي أعتمد في عملي على متابعة المصادر الأجنبية، أستخدم اشتراكا مدفوعا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، ومن ضمن الخدمات التي أستخدمها باستمرار هي خدمة الأخبار العاجلة والتي تصل إلى هاتفي بمجرد نشر خبر جديد مهم في القضايا التي أهتم بها. خدمة مفيدة، لكنها مع نيويورك تايمز كانت دليل إدانة، واستثناء للمثل السائر: أن تاتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا. فبعد 24 ساعة تقريبا، وفي مساء الاثنين، أرسل تطبيق نيويورك تايمز إشعارا بعنوان "مقتل خمسة من صحفيي الجزيرة في غارة إسرائيلية، حسب الشبكة". دعنا من التأخر المقصود في إرسال "الخبر العاجل"، لكن الطريقة التي كُتب بها الخبر وغيره من المتابعات التي غطت بها نيويورك تايمز جريمة مقتل أنس الشريف ورفاقه تجعلنا نشير بأصابع الاتهام إلى سياسات الجريدة الأميركية الأوسع انتشارا، لا التساؤل بشأن نواياها كما فعل الكثيرون لسنوات طويلة، وخصوصا منذ بدء الحرب الإسرائيلية الحالية في غزة والإقليم. خلاف هذا الخبر، تحدثت نيويورك تايمز عن الجريمة بالفعل، لكن في إطار أبعد ما يكون عن المهنية، أو عن حق الصحفيين في العمل الآمن والحصانة في الحروب. في البداية، قدمت نيويورك تايمز الخبر لا باعتباره جريمة قتل لصحفي، بل كأزمة دبلوماسية محتملة بين الدوحة وتل أبيب! ففي أحد العناوين، قالت التايمز "تصاعد التوتر بين إسرائيل وقطر بعد مقتل صحفيين من الجزيرة على يد إسرائيل"، لتضع التداعيات السياسية في صدارة العنوان، لتجعل فعل القتل، قتل الصحفيين في المستشفى(!)، كجملة استطرادية ثانوية. يتسق هذا الاختيار التحريري المتعمد مع مذكرة داخلية مسربة نشرها موقع ذي إنترسبت تأمر فيها المؤسسة صحفييها ومحرريها بتجنب استخدام أي مصطلحات واضحة، مثل "إبادة جماعية"، أو "تطهير عرقي"، أو "الأراضي المحتلة"، بل وحتى الحذر من استخدام كلمات مثل "مخيمات اللاجئين"، وأخيرا، وليس آخرا: "فلسطين". فإذا كانت غرفة الأخبار تقوض بشكل منهجي استخدام المصطلحات الوصفية الصحيحة، فمن الطبيعي أن تأتي تغطية مقتل صحفيين فلسطينيين مركزة على الروايات الرسمية والاعتبارات الجيوسياسية، بدلا من إدانة سياق الاحتلال أو الارتكاز على قوانين حرية الصحافة وحقوق الإنسان. لكن العنوان لم يكن الدليل الوحيد على الانحياز الصارخ للاحتلال، حتى ضد أبناء المهنة؛ فبنية الخبر تظهر ما يمكن تسميته بإزاحة السردية، فمن المرجح أن تدّعي إدارة تحرير نيويورك تايمز أنها قدمت مساحة لعرض موقف الجزيرة، أو عمل أنس الشريف ورفاقه، أو الرواية الفلسطينية بشكل ما، لكن الأمر أعمق من ذلك. ففي السطور الأولى من الخبر، تذكر الصحيفة مزاعم الجيش الإسرائيلي بأن أنس الشريف "إرهابي يتبع الجناح المسلح لحركة حماس"، قبل أن تعرض أي خلفية قانونية حول حماية الصحفيين، أو ذكر أي إدانة دولية من التي نُشرت قبل ساعات طويلة من نشر التقرير. بهذا الترتيب، تمنح نيويورك تايمز الرواية الإسرائيلية موقع الانطلاق، وتهمش رواية الضحايا، لتبدو -حتى مع ذكرها- كدفاع لاحق لا باعتبارها الإطار الأصلي للجريمة والحدث. وفي غالب تغطيتها، تغيب المصادر الرقابية المستقلة مثل تعليقات لجنة حماية الصحفيين، أو "مراسلون بلا حدود"، وهو ما يخرج الحدث من سياقه الحقوقي ويترك المجال مفتوحا أمام القارئ لاعتبار الجريمة جزءا من نزاع سياسي أو أمني بين دولتين، أو قوتين على قدم المساواة، لا باعتباره انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني. فضلا عن ذلك، ابتعدت معظم صياغات الأفعال عن ذكر الفاعل، فلا يُقال "قتلت إسرائيل"، بل تستخدم تراكيب مبنية للمجهول وعبارات مخففة مثل "قُتلوا في غارة"، أو "استهداف". ورغم ما في هذا الأسلوب اللغوي من إيحاء بالحياد، يتحول -مع اعتراف الجيش الإسرائيلي بنفسه عن مسؤوليته- إلى إغماض عن الحقيقة، ومع اختلال القوة فهو يؤدي إلى طمس المسؤولية المباشرة لإسرائيل عن جريمة بهذا الحجم. وقد وثقت العديد من دراسات تحليل الخطاب كيف تستخدم مؤسسات صحفية كبرى، مثل "بي بي سي"، و"واشنطن بوست"، و"وول ستريت جورنال"، وبالطبع نيويورك تايمز هذه الألفاظ كنمط لضمان عدم إغضاب إسرائيل وحلفائها وداعميها، حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة. ليصبح التقرير الصحفي تواطؤًا مع القاتل أو ما يشبه التواطؤ. وبالنظر إلى سياق الإبادة، فإن هذه الصياغة لا يقتصر أثرها على خبر جريمة مقتل الصحفيين فحسب، بل ترسخ تصورا عاما لدى الجمهور الواسع لنيويورك تايمز وغيرها أن جرائم مثل قتل الصحفيين الفلسطينيين يمكن النظر إليها باعتبارها حدثا قابلا للنقاش، أو محل شك، لا انتهاكا صريحا للقوانين الدولية وحقوق الإنسان. "ما يجب أن تعرفه عن الجزيرة" لم تنته التغطية المريبة لنيويورك تايمز عند حد نقل رواية الاحتلال بشأن الشهيد الصحفي أنس الشريف والاعتماد عليها، بل ذهبت لما هو أبعد من ذلك. ففي أحد أبرز التقارير التي قُرئت في نيويورك تايمز في إطار تغطية جريمة الاغتيال كان العنوان: "ما الذي يجب معرفته عن قناة الجزيرة، المؤسسة الإعلامية التي استهدفتها إسرائيل"، والذي يقدم مثالا محرجا على كيف يمكن للإطار الخبري أن يحرف المسؤولية بعيدا عن الجاني ليزرع الشك في رواية الضحية، بل وتجريده من شرعيته وإنسانيته! يمثل هذا البناء السردي نموذجا مثاليا لمعرفة الطريقة التي تعمل بها صحيفة نيويورك تايمز في تغطية الإبادة في إسرائيل، فمن ضمن النقاط التي يمكن ملاحظتها بوضوح: إعادة توجيه القصة بعيدا عن الحدث نفسه نعم، ظهر خبر اغتيال أنس الشريف والزملاء الصحفيين في المقدمة، لكن محرر الصحيفة سرعان ما يدفنه تحت ركام من الجدليات المرتبطة بشبكة الجزيرة، لينتقل تركيز القارئ بشكل مباشر من جريمة القتل -واضحة المعالم- إلى الاتهامات الموجهة للشبكة، والتي تمتلئ بالإثارة وانعدام اليقين الذي يحفز القراءة كما نرى في تغطيات الصحف الصفراء ومجلات الأرصفة. إعطاء الأولوية لمزاعم إسرائيل لا تفكر الصحيفة في عرض بروفايل لقصة شاب من جيل زد، وُلد في مخيم للاجئين، وعاش في مساحة تناهز مساحة حي من أحياء نيويورك، وعاصر انتفاضة وحروبا عدة، وفقد من رفاقه أكثر ممن بقي منهم، لينتهي به المطاف صحفيا شديد النباهة والشجاعة والحضور ولتقتله إسرائيل قبل أن يتم عقده الثالث. بدلا من ذلك، تتحدث الصحيفة عن الوثائق التي قدمتها إسرائيل وتدّعي فيها انتماءه إلى كتائب القسام أو اعتباره إرهابيا. ولا تنسى الصحيفة التذكير بحيادها من خلال القول إنها "لم تتحقق بشكل مستقل" من صحة الوثائق المقدمة. مذنب لأنه يعمل في شبكة مشاغبة، أو تأكيد الذنب بالارتباط! في تقريرها، تسرد نيويورك تايمز بشكل مطول محاولات حظر قناة الجزيرة أو انتقادها من قبل حكومات أخرى، وهو ما يهيئ القارئ للنظر إلى الشبكة، وبالتالي لكل المتعاونين معها، من خلال عدسة أمنية بدلا من الحقيقة المباشرة في أنهم مدنيون، صحفيون مهنيون، يحميهم القانون الدولي، وتتحمل مسؤولية قتلهم إسرائيل بلا مواربة. يجسد هذا التسلسل التحريري ما يصفه إدوارد سعيد في مقاله المنشور عام 1984 "الإذن بالسرد"، فقبل أن يُسمح للأصوات الفلسطينية بالكلام، وقبل أن تقص حكاياتها، يجب أن تمر من خلال روايات خصومها. عمليا، وصحفيا، يعكس هذا الشكل من التحرير عبء الإثبات، إذ يدعو القارئ للتساؤل عما إذا كان الضحايا يستحقون مصيرهم، بدلا من التساؤل عما إذا كان الاغتيال انتهاكا للقانون. ففي التقرير، تقول نيويورك تايمز "أثارت قناة الجزيرة، التي قالت إن خمسة من صحفييها قُتلوا في غارة إسرائيلية، غضب حكومات … تتهمها بأنها تعطي منبرا للإرهابيين". في جملة شديدة الرداءة، تجعل الموضوع هو المؤسسة لا جريمة الاغتيال، وتحول التركيز من الضحايا إلى منتقدي الشبكة من الحكومات الشريكة للولايات المتحدة والتي تُكثر الصحيفة من نشر التقارير الإيجابية حولها. مرة أخرى، لم تشر الصحيفة إلى القانون الدولي الذي يحمي الصحفيين، ولا إلى تصريحات المنظمات الحقوقية والإدانات الدولية، ولم تذكر أن الحادثة تمثل حلقة في سلسلة بدأتها إسرائيل في غزة لتجعل من العام الجاري أكثر الأعوام دموية بالنسبة للصحفيين على الإطلاق. بهذا يصبح حدث مقتل الصحفيين خيطا واحدا ضمن نسيج متداخل من الاتهامات إيابا وذهابا، ليخرج القارئ بانطباعات تبتعد عن الحقيقة المباشرة. وللمقارنة السريعة، يكفي النظر إلى صياغة جريدة بريطانية عريقة مثل الغارديان، والتي عنونت خبرها الأول "صحفي بارز في الجزيرة تقتله غارة إسرائيلية في غزة"، وفي مقدمة الخبر تقول: "أنس الشريف قُتل في غارة إسرائيلية قتلت أيضا أربعة من زملائه". في تغطية الغارديان يبدو واضحا استخدام المبني للمعلوم، ووضع الضحايا في المركز، وذكر الجاني، والتركيز على مهنة الضحية ما يقدم الجريمة على حقيقتها كانتهاك مباشر لحرية الصحافة والتعبير والحق في الحياة. أما في اليوم التالي، فقد نشرت الصحيفة تقريرا بعنوان "الصحفيون الفلسطينيون يُقتلون، والأجانب يُمنعون، في حرب إسرائيل على السردية في غزة". وفي البداية تقول الصحيفة بشكل مباشر "تقتل إسرائيل الصحفيين الفلسطينيين في غزة بينما ترفض السماح للمراسلين الأجانب بدخول القطاع"، وتستمر على هذا المنوال في فضح الإستراتيجية الإسرائيلية في التعتيم على الإبادة المستمرة منذ 22 شهرا. الحق في السرد لا يوهب، بل يُنتزع عودة إلى إدوارد سعيد، الذي كتب مطولا عن تعامل الإعلام الغربي مع قضية فلسطين ومع المسلمين. في كتابيه، الاستشراق، والذي نُشر لأول مرة عام 1978، و "تغطية الإسلام"، الذي نُشر بعده بسنوات قليلة، يتحدث سعيد عن أن الإعلام الغربي في مجمله لا يكتفي بعرض ما يراه واقعا عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، بل يشارك فعليا في صنعه. ويكون المنتج النهائي متسقا تماما مع السرديات الإمبريالية، وهو ما يراه أداة هيمنة شديدة القوة. هذه الطريقة في السرد والهيمنة تحذف بشكل متعمد كل سياق يرتبط بالتاريخ الاستعماري والاعتداءات الخارجية، وبالتالي يظهر رد الفعل الذي تقدمه حركات المقاومة، سواء دينية أو غيرها، باعتباره تعديا غير مبرر، وإرهابا بلا سبب. بالنسبة للإعلام الغربي في مجمله، بحسب سعيد، يقدَّم المسلمون والعرب في صورة تهديد، أو مشكلة تحتاج للتعامل معها. والأمر نفسه أكده في مقالته "الإذن بالسرد" التي وصف فيها كيف يُحرم الفلسطينيون من الحق في حكاية قصتهم إلا ضمن الإطار الذي يجيزه أصحاب الهيمنة والنفوذ. وهذا بالضبط ما نراه الآن في تغطية نيويورك تايمز، عندما تقدم السردية الحكومية، بغض النظر عن كونها سردية احتلال مدان دوليا، على حساب القضايا الأخلاقية شديدة الوضوح والحدية. لم يكن اغتيال أنس الشريف وصحفيي الجزيرة في غزة سوى اختبار صارخ لقدرة الإعلام الغربي على الالتزام بمعاييره. وقد فشلت النيويورك تايمز في الالتزام بتلك المعايير، فلم تفعل أكثر من إعادة إنتاج سردية الاحتلال عبر منصة أقوى. إن ما حذّر منه إدوارد سعيد قبل عقود يتجسد اليوم بوضوح: الفلسطينيون لا يُسمح لهم بالسرد إلا عبر قوالب أعدّها المتنفذون والاحتلال. إن من شأن هذا الانحراف عن المهمة الصحفية ألا يشوه واقع ما يحدث في غزة فحسب، بل تقويض سلامة وحماية الصحفيين في كل مكان. لأن صاحب القوة عندما لا يمنح "الإذن بالسرد"، فهو يعني أن كل ناقل لسردية أخرى سيكون هدفا مستباحا للقتل. ما كان يقوله أنس الشريف عن غزة كانت ضد ما تقوله نيويورك تايمز عن غزة. كان أنس الشريف يقف ضد نيويورك تايمز حين حكى قصة شعبه بلا إذن بالسرد، وهذه بالتحديد كانت جريمته.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store