
رؤية أمريكية: حرب الـ12 يوماً تعيد إيران إلى عزلة حرب العراق
قالت صحيفة " جيروزاليم استراتيجيا تريبيون" الأمريكية، اليوم الأربعاء، إن الحرب الأخيرة لطهران اعادت الإيرانيين الى دروس حرب الأعوام الـ 8 مع العراق، مشيراً إلى أن إيران أصبحت مجدداً تحارب وحدها بدرجة كبيرة.
وذكرت الصحيفة في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أن إيران شهدت خلال حرب الأيام الـ 12، نهاية درامية لاستراتيجية الوكلاء التي أمضت 30 عاماً في اتقانها، وما حاولت بجهد أن تتجنبه وهو العزلة الدولية ووقوع ضربات عسكرية مباشرة على أراضيها.
وأوضح التقرير، أن "استراتيجية الوكلاء" ولدت من الصدمة بعدما ألحقت الحرب مع العراق (1980-1988)، الدمار بالمجتمع الإيراني وخلفت جروحا عميقة في نفسية القيادة، مؤكداً أنه من خلال هذه الكارثة توصلت إيران إلى درسين حاسمين سيحددان مسار العقود الثلاثة اللاحقة.
دور "محور المقاومة"
ووفقاً للصحيفة، فإن الدرس الأول هو "لا تقاتلوا وحدكم مرة أخرى"، موضحة أنه خلال الحرب العراقية الإيرانية، فإن معظم الدول العربية والقوى الغربية دعمت صدام حسين، ما ترك إيران معزولة دبلوماسياً، أما الدرس الثاني فهو ضرورة إبعاد الحرب عن الأراضي الإيرانية، حيث أن الحرب جلبت هجمات صاروخية مدمرة على المدن وأسلحة كيميائية وخسائر فادحة في صفوف المدنيين، ولهذا فانه كان من الضروري أن تخوض الصراعات المستقبلية في أماكن اخرى باستخدام قوات الحلفاء في ساحات القتال الأجنبية.
وفي إشارة إلى "محور المقاومة"، أشار التقرير، إلى أن إيران بدأت منذ منتصف التسعينيات ببناء هذا المحور، مضيفاً أن "شبكة الميليشيات هذه أمتدت إلى ما هو أبعد من لبنان من خلال حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة وعشرات الفصائل الشيعية في العراق، ونظام الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن".
كما لفت إلى أن "هذه العلاقة لم تكن مجرد علاقة رعاة وزبائن، حيث أنه كان لكل جماعة مصالحها المحلية الخاصة وتحافظ على استقلالية كبيرة، لكنها خدمت أهداف إيران التي أصبحت بإمكانها الضغط على إسرائيل والقوات الأمريكية في مختلف أنحاء المنطقة مع الحفاظ على قدر معقول من إنكار المسؤولية عن أفعالها".
وتابع التقرير، قائلاً إن إيران بالاضافة إلى وكلائها العسكريين، فانها أبرمت شراكات اقتصادية مع دول معارضة للنفوذ الغربي، وهي مسألة اكتسبت أهمية إضافية بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الاتفاق النووي في العام 2018، وإعادة فرض عقوبات شاملة.
وإلى جانب ذلك، أكد أن "الصين أصبحت شريان الحياة الاقتصادية لإيران، وتحولت مع حلول العام 2021، إلى أكبر شريك تجاري حيث اشترت ما يقرب من 91% من صادراتها النفطية عبر انظمة تتجاوز البنوك وخدمات الشحن الغربية، كما أن البلدين وقعا شراكة استراتيجية لمدة 25 عاما، حددت 400 مليار دولار من الاستثمارات الصينية المحتملة، وهو ما يمثل صفقة ضخمة لإقتصاد متضرر من العقوبات".
وبحسب التقرير، فإن روسيا كانت أقل مركزية في هذه الاستراتيجية، لكنها مهمة، وقد تحولت موسكو إلى خامس أكبر شريك تجاري لإيران وأكبر مستثمر فيها، على الرغم من أن إيران تمثل أقل من 1% من إجمالي حجم تجارة روسيا.
بداية الانهيار
في غضون ذلك، أضاف التقرير، أن "كل شيء بدأ بالانهيار" بعد 7 اكتوبر/تشرين الاول العام 2023، حيث لم تكتف إسرائيل بالرد على حماس، بل استهدفت الشبكة باكملها، بما في ذلك استهداف القوات الإيرانية ووكلائها في سوريا بشكل أكثر عدوانية، وذلك في إطار رسالة واضحة مفادها أنه "ما من مكان آمن".
إلا أن الضربة الحاسمة، كما قال التقرير، فهي انهيار نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، وهو ما لم يكن مجرد هزيمة اخرى لأحد الوكلاء، لان هذا الحدث تسبب في قطع طرق الامداد لحزب الله في لبنان، وقضى على الحلقة الرئيسية في شبكة إيران الإقليمية.
وتابع أنه مع حلول أواخر العام 2024، "كانت شبكة الوكلاء في حالة خراب"، مبيناً أن حزب الله التزم بالصمت بدرجة كبيرة، وحماس دمرت، والحوثيون اضعفوا، وأصبح المجال الجوي السوري منطقة مفتوحة للعمليات الإسرائيلية، بينما اطلقت الفصائل العراقية تهديداتها إلا أنها لم تتخذ أي إجراء، وعندما تعرضت إيران نفسها لهجوم إسرائيلي مباشر، لم يحضر "محور المقاومة" الذي كان من المفترض أن يكون بمثابة الرادع المعبأ ايديولوجيا، لصالح إيران.
ووفقاً للتقرير، فإن الشركاء الاقتصاديين لإيران، لم يظهروا رغبة في مواجهة الولايات المتحدة أو إسرائيل بشان إيران، حيث أنه بينما اتبعت الصين سياستها المعتادة في عدم التدخل، فإن روسيا كانت منشغلة بأوكرانيا، مضيفاً أن بكين وموسكو كانتا على استعداد للتعاون التجاري مع إيران وتوفير الدعم الاقتصادي، لكن أيا منهما لم يكن مستعداً للمجازفة بمواجهة أوسع نطاقا مع الغرب بالنيابة عن إيران.
العودة إلى البداية
وأضاف التقرير الأمريكي، أن إيران تواجه اليوم السيناريو نفسه الذي أعدت استراتيجيتها لما بعد الحرب مع العراق لتجنبه، موضحاً أن عزلتها الدبلوماسية تتزايد، وشبكة وكلائها الإقليميين جرى تحييدها بدرجة كبيرة، في حين أن شركائها التجاريين الرئيسيين ليسوا مستعدين لتقديم دعم مثمر خلال الأزمات.
لكن التقرير، لفت إلى أن الأكثر أهمية من كل ذلك، أن القوات الاسرائيلية نفذت هجمات مباشرة على الأراضي الإيرانية، وهو أمر لم يحدث منذ الحرب "الإيرانية العراقية"، مشيراً إلى أن التداعيات الاستراتيجية عميقة لأن الإيرانيين أمضوا 3 عقود في بناء ما يبدو كنظام ردع ضخم، لكنهم بالغوا في تقدير قدراتهم، حيث أظهرت هجمات 7 اكتوبر/تشرين الاول وتداعياتها، نقاط الضعف الجوهرية في استراتيجية إيران الإقليمية وحدود الحرب بالوكالة في مواجهة خصم، هو إسرائيل، يتمتع بقدرات عسكرية متفوقة.
وخلص تقرير صحيفة "جيروزاليم استراتيجيا تريبيون"، حديثه بالقول إنه بينما تصارع إيران هذا الواقع الجديد، فإن دروس الحرب "الإيرانية – العراقية" التي اشتعلت قبل 4 عقود تبدو نبوئية الطابع، حيث أن إيران تواجه مجدداً الاعداء وحيدة بدرجة كبيرة، كما أن الحرب عادت مجددا، إلى داخل الوطن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اذاعة طهران العربية
منذ 22 دقائق
- اذاعة طهران العربية
الحية: لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الإبادة
وخاطب 'الحية' أهالي قطاع غزة، في كلمة له مساء الأحد،: 'كنتم الأعزة عندما هان كل شيء، وعلوتم وسموتم عندما سقط العالم في ظلمات سحيقة من الصمت والخذلان. لا أجد من الكلمات ما يوفيكم حقكم علينا، وصرخاتكم ومعاناتكم وآهاتكم كلها أمانة في أعناقنا، ولن نفرط فيها'. وأضاف: 'لا نقبل أن يكون شعبنا ومعاناته ودماء أبنائه ضحية لألاعيب الاحتلال التفاوضية وتحقيق أهدافه السياسية'. وصرح بأنه: 'لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الإبادة و التجويع والحصار لأطفالنا ونسائنا وأهلنا في قطاع غزة، وإدخال المساعدات الغذائية والإنسانية فورًا وبطريقة كريمة لشعبنا هو التعبير الحقيقي عن جدوى استمرار المفاوضات'. نجاح المقاومة وإفشال 'عربات جدعون' وأكد أن ما تقوم به فصائل المقاومة في غزة، لا سيما كتائب القسام وسرايا القدس، من عمليات بطولية فاقت كل تصور، وأعجزت العالم عن فهمها، أذاقت العدو المجرم جزاء ما يرتكبه من إرهاب وعدوان، بينما أفشلت سلسلة عمليات 'حجارة داود' ما يسمى 'عربات جدعون'. واستطرد: 'لقد أصبح رئيس أركان العدو يستجدي قيادته السياسية بالإذن له لسحب قواته من قطاع غزة، ويغطي على فشله بالإبادة الجماعية، و التجويع لشعبنا، والقتل لأطفالنا'. وجدد رئيس 'حماس' في غزة، التأكيد على أن قيادة المقاومة سخرت كل ما لديها من أدوات وعلاقات على مدار 22 شهرا، في سبيل وقف العدوان على غزة وأهلها. وبيّن: 'خضنا مفاوضات شاقة، نضع فيها مصلحة شعبنا وحقن دمائه نصب أعيينا، وقدمنا في سبيل ذلك كل مرونة ممكنة، لا تتعارض مع ثوابت شعبنا، وتجاوبنا مع الوسطاء في كل المحطات فيما عرض علينا'. واستدرك: 'في جولة التفاوض الأخيرة، حققنا تقدما واضحا وتوافقنا إلى حد كبير مع ما عرضه علينا الوسطاء خاصة في ملف الانسحاب والأسرى ودخول المساعدات، ونقلوا لنا ردود إيجابية من الاحتلال الصهيوني، إلا أننا فوجئنا بأن الاحتلال ينسحب من المفاوضات، ويتساوق معه مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ويتكوف'. خطوة أمريكية إسرائيلية لحرق الوقت وقال إن الخطوة الأمريكية الإسرائيلية 'مفضوحة مكشوفة، تهدف لحرق الوقت، والمزيد من الإبادة لشعبنا، ثم يقدمون لنا ملاحظات على ما توصلنا إليه، فيما يخص إدارة توزيع المساعدات، بقضم دور المؤسسات الأممية والمحلية'. ونبه: 'يصرّ العدو على أن تبقى آلية المساعدات التي حولها لمصائد الموت والتي تسببت في قتل وجرح الآلاف من أبناء شعبنا، كذلك يصر على أخذ منطقة واسعة من رفح لإقامة منطقة عزل للنازحين'. وحذر من أن ذلك 'يُمهد الطريق لعملية تهجير لشعبنا الفلسطيني، عبر مصر أو عبر البحر، في مخطط مكشوف ومفضوح يمهد لتصفية قضيتنا'. لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الإبادة وأكد الحية: 'نقول بوضوح لا معنى لاستمرار المفاوضات تحت الحصار والإبادة و التجويع لأطفالنا ونسائنا وأهلنا في قطاع غزة'. مستطردًا: 'ولن نسمح للاحتلال بتحقيق أهدافه السياسية على حساب شعبنا. وأشار إلى أن 'إدخال الغذاء والدواء فورا وبطريقة كريمة لشعبنا، هو التعبير الجدي والحقيقي عن جدوى استمرار المفاوضات، ولن نقبل أن يكون شعبنا ومعاناته ودماء أبنائه ضحية لألاعيب الاحتلال التفاوضية'. وعبّرت حركة 'حماس' عن رفضها 'المسرحيات الهزلية؛ التي تسمى بعمليات الإنزال الجوي، والتي لا تعدو عن كونها دعاية للتعمية على الجريمة، ولا أدل على ذلك أن كل 5 عمليات إنزال جوي تساوي شاحنة صغيرة'. واعتبر القيادي خليل الحية، أن الخطوة الحقيقية هي فتح المعابر ودخول المساعدات بطريقة كريمة، 'وهذا ما كفلته القوانين الدولية حتى في وقت الحرب'. رسالة للأمة العربية وفي رسالة للأمة العربية والإسلامية، قال 'الحية': 'شعبنا الفلسطيني يشعر بحالة كبيرة من الخذلان، في الوقت الذي يلاقي فيه الأهوال والمجازر و التجويع الذي فاق كل تصور، (..)، وأمام هذا كله لا يتفهم أحد من شعبنا، أن تبقى أمتنا العظيمة التي تملك الكثير من القدرات والمقدرات عاجزة أمام حرب الإبادة والتجويع'. واستدرك: 'كما لا يمكنُ أن نتقبّل هذه الحالةَ من الخُذلان لشعبنا، وأمتُنا تشاهد وتتابع شعبنا وهو يُذبح ويُجوّعُ ويُقتلُ ويُبادُ على الهواء مباشرة، في أبشع محرقة نازية في العصر الحديث'. وتساءل: 'أما آنَ الأوانُ لتتحركَ الأمةُ عملياً لكسرِ الحصارِ عن غزة، لإيصالِ الطعام والماءِ والدواء لأهلكم وإخوانكم؟! أليس من المؤلم بل ومن المفجع، أن يحصل المحتلُ المجرمُ الصهيونيُ على دعم لا محدود، فيما لا تمتدُ لشعبنا يدٌ تدعمُه، حتى لو بالطعام ومقوماتِ الحياة؟!'. ودعا، دول ومكونات الأمة العربية والإسلامية، إلى قطعِ كافة أشكالِ العلاقاتِ السياسيةِ والدبلوماسيةِ والتجاريةِ مع الكيان الصهيوني. مطالبًا بالتعبير عن الغضبِ الكامن في صدورهم بكل الوسائل والسبل، جرّاء ما يجري في غزةَ الحرة. نداء للزحف نصرة لفلسطين وحضّ شعوب الدولِ المجاورةِ لفلسطين، إلى الزحفِ نحوَ فلسطين براً وبحراً، وحصارِ السفاراتِ وتفعيلِ المقاطعةِ الاقتصادية والسياحية، لكل ما يتعلق بالعدو ومصالِحِه، والعملِ على عزله وملاحقةِ قادتِه وجنودِه ومجرميه في المحافل القانونية. وتابع: 'إن فلسطين تناديكم، غزةُ وأهلُها يناشدون فيكم نخوةَ العرب وأصالةَ الإسلام، وينتظرون منكم فعلاً لا قولاً، فالصمتُ اليوم جريمة وليس عجزاً'. وخاطب علماء وأحرار الأمة: 'هذا العدوُ المجرمُ يُمعنُ في القتل والإهانة، أما سمعتم صراخَ حرائرَ غزةَ يستنجدون بكم؟!'. وأردف: 'إنَّ الأمانةَ في أعناق علماءِ هذه الأمة كبيرةٌ وعظيمة؛ لذا فإننا ندعو علماءَ أمتِنا لأخذِ دورهم الحقيقيِ في قيادة الجماهير لمواجهة هذا العدو المجرم'. وفيما يخص الأردن، نوه القيادي خليل الحية، إلى أن أهالي غزة 'يتطلعون لأرض الحشد والرباط بكثير من الأمل والأخوّة، كما جدتم بأرواحكم ودمائكم، وارتقى شهداؤكم على حدود فلسطين، واصلوا هبتكم الشعبية، وكثفوا جهودكم لتوقفوا هذه الجريمةَ البشعة، ضد أشقائكم ومقدساتكم'. وخاطب مصر، بمكانتها السياسيةِ والاجتماعيةِ في الأمة العربية والإسلامية، وفي الساحةِ الدولية، 'ندرك أنكم تتألمون لألم أهلكم وإخوانكم في غزة. يا أهل مصر أيموت إخوانكم في غزة من الجوع وهم على حدودكم، وعلى مقربة منكم؟!'. ولفت النظر إلى أن 'الاحتلال حوّل معبر رفح، معبراً للموت والقتل والتجويع، لتنفيذ مخططه في تهجير شعبنا، بعد أن كان شريانَ حياة لشعبنا'. واستدرك: 'لذا نتطلعُ بكل ثقة، لمصرَ العظيمةَ أن تقول كلمتَها الفاصلة: إن غزة لن تموت جوعاً، ولن تقبل أن يُبقيَ العدوُ معبرَ رفح، مغلقاً أمام حاجات أهل غزة'. وأشاد 'الحية' بالمسيرةَ العالميةَ نحو غزة، وقافلةَ الصمودِ الأولى التي خرجت من تونسَ والجزائر وليبيا، وساندتْها مجموعاتٌ من دولٍ أخرى. وأكمل: 'كلُ أولئك رفضوا جرائم الاحتلال، وقرروا كسرَ حالةِ العجز، ليقولوا نحن معكم يا أهل غزة، ولا مستحيل مع الإرادة'.


موقع كتابات
منذ 8 ساعات
- موقع كتابات
الاحتلال الناعم والهيمنة الغربية في العراق : من الاستعمار العسكري إلى إدارة الفساد السياسي
المقدمة منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، خضعت الشعوب العربية، وفي مقدمتها العراق، لمراحل متتالية من السيطرة الأجنبية، تارةً عبر الاحتلال العسكري المباشر، وتارةً عبر الانتداب والوصاية ؛ وثالثة عبر أدوات خفية تمثلت في وكلاء سياسيين واقتصاديين واجتماعيين… ؛ وقد بات واضحًا أن ما يُطلق عليه 'الاحتلال الناعم' ليس مجرد نظرية سياسية، بل هو نظام عمل شامل، تقوده قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بهدف بسط النفوذ ونهب الموارد والتحكم بمصير الدول دون الاضطرار لدخول حرب تقليدية. في هذه المقالة ، نحاول تفكيك آليات هذا الاحتلال الناعم في العراق، وبيان كيف تحوّلت أدوات السيطرة من الدبابة إلى البنك، ومن الضابط العسكري إلى السياسي العميل، ومن الاستعمار الكلاسيكي إلى الاستتباع الإداري-المالي الذي تلبّس ثوب الديمقراطية والاستثمار والرأسمالية . أولًا: من الاستعمار الكلاسيكي إلى الاستعمار المعولم منذ أن غزت بريطانيا العراق في الحرب العالمية الأولى، وحتى تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، شكّل العراق ساحة اختبار للسياسات الاستعمارية البريطانية… ؛ تم تتويج الملك فيصل بن الحسين كحلّ انتقالي تحت وصاية البريطانيين، ولكن دون تمكين فعلي للشعب العراقي… ؛ وعلى الرغم من أن العراق نال 'استقلاله الرسمي' في عام 1932، إلا أن القرار السياسي ظل مرتهنًا للقوى الأجنبية، بشكل مباشر أو غير مباشر. (1) وبعد الحرب العالمية الثانية، ومع تراجع الاستعمار التقليدي، لجأت القوى الغربية إلى إعادة إنتاج سيطرتها من خلال أنظمة حليفة، واتفاقيات اقتصادية طويلة الأمد، وتدخلات استخباراتية، ما بات يُعرف لاحقًا بـ'الاستعمار الجديد' أو النيوليبرالية الاستعمارية.(2) ثانيًا: الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 كنموذج للهيمنة الناعمة حين غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، تحت ذريعة 'أسلحة الدمار الشامل'، كانت الحقيقة أن الغزو كان يهدف إلى فرض نظام إقليمي جديد يضمن السيطرة الأميركية على مفاصل الدولة العراقية: أمنًا، واقتصادًا، وإعلامًا، وتشريعًا. وقد كان بول بريمر، الحاكم المدني الأمريكي، هو الممثل العملي لهذا المشروع، إذ أصدر عشرات القرارات التي أسست لبنية سياسية واقتصادية تتوافق تمامًا مع مصالح واشنطن، من أبرزها: حلّ الجيش العراقي… ؛ خصخصة الاقتصاد… ؛ إنشاء مجلس الحكم الطائفي… ؛ وضع أسس الدستور بطريقة تُكرّس المحاصصة والانقسام … الخ . (3) وقد اعترف بريمر نفسه في مذكراته بأن تشكيل الطبقة السياسية العراقية الجديدة تم بتوصيات استخبارية وضغوط أميركية وبريطانية. (4) الفساد لم يكن 'نتيجة عرضية' لفشل الدولة العراقية، بل هو أداة استعمارية معتمدة، تُستخدم لخلق طبقة سياسية تابعة، ضعيفة، وسهلة الابتزاز. تُقدّر الأموال المنهوبة من العراق بعد 2003 بما يزيد عن 400 مليار دولار، ذهبت أغلبها إلى حسابات خارجية في مصارف غربية، بموافقة ضمنية من القوى الدولية التي تراقب كل حركة مالية في العراق. (5) بل إن الإدارات الأميركية نفسها تمتلك معلومات دقيقة عن الفاسدين، وتتحكم بها كورقة ضغط. والدليل أن أي تحقيق دولي في الفساد غالبًا ما يتوقف عندما يقترب من رجال السياسة المحسوبين على واشنطن. (6) رابعًا: الوجود الاستخباراتي والتحكم بالقرار السيادي المخابرات الأميركية تمتلك قدرة لا تُضاهى في تتبع الحوالات المالية، ورصد الاجتماعات السرية، والتجسس على الأجهزة الحكومية… ؛ ومع ذلك، لم يُسجَّل أي تدخل جاد من قبلها لوقف عمليات تهريب الأموال أو تصفية الفاسدين، ما يُشير إلى أنها تغضّ الطرف عنهم لأسباب استراتيجية.(7) فمن الواضح أن الولايات المتحدة لا تسعى لإصلاح النظام، بل لضمان بقائه فاسدًا وخاضعًا لها، لأنها تعلم أن الإصلاح الحقيقي سيُنتج طبقة سياسية وطنية لا يمكن التحكّم بها. من خلال صناديق الاقتراع و'الديمقراطية الموجهة'، تم إنتاج مشهد سياسي هشّ، قائم على:المحاصصة الطائفية… ؛ التبعية الاقتصادية… ؛ التدخل الخارجي في تعيين رؤساء الوزراء والوزراء… ؛ تبنّي أجندات لا تمثّل الشعب العراقي … . (8) هذه 'الدمى السياسية – واقصد الفاسدين والعملاء والفاشلين والمنكوسين منهم- ' التي تحكم العراق اليوم، ليست أكثر من أدوات تُحرّكها قوى خارجية، وتُسند لها مهمة إفراغ الدولة من معناها، وتثبيت الاحتلال الناعم. ما لم يُدرَك الشعب العراقي أن ما يعانيه من فشل سياسي وفساد مالي وتخبط اقتصادي، ليس مجرد إخفاق محلي، بل هو نتيجة احتلال ناعم مُحكم التخطيط، ستبقى أي حلول جزئية عاجزة عن التغيير. والخلاص يبدأ من الاعتراف بأن الديمقراطية المستوردة ليست وطنية، وأن السيادة لا تُشترى من واشنطن، وأن الفاسد ليس سوى واجهة لمشروع أعمق وأكثر خطورة: مشروع الهيمنة الغربية الممتدة عبر أدوات محلية. [1] حنا بطاطو، 'الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية'، الجزء الأول، ص. 112. [2] Kwame Nkrumah, 'Neo-Colonialism: The Last Stage of Imperialism', 1965. [3] Coalition Provisional Authority Orders, No. 1 to No. 100, 2003–2004. [4] L. Paul Bremer, 'My Year in Iraq: The Struggle to Build a Future of Hope', 20. [5] Transparency International Reports on Iraq, 2004– 2023. [6] مقابلة مع الخبير القانوني طارق حرب، قناة العراقية الإخبارية، 2020. [7] تقرير 'ذي انترسبت' The Intercept ، حول نشاط وكالة NSA في العراق، 2015. [8] مركز كارنيغي – تقرير: 'عشر سنوات على ديمقراطية العراق'، 2013.


اذاعة طهران العربية
منذ 11 ساعات
- اذاعة طهران العربية
الجيش الإيراني: واقفون في طليعة الدفاع عن أرض الوطن
أصدر جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية بياناً بمناسبة ذكرى عملية مرصاد المنتصرة وهجوم العدو البعثي على موقع "سوباشي" غرب البلاد، جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم إنّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِى جَهَنّمَ جَمِيعاً منذ انتصار الثورة الإسلامية، تعرضت الأمة الإيرانية العظيمة لمؤامرات وفتن وأهداف خبيثة من أعداء الداخل والخارج، وتشعر بطعنة غدر من زمرة المنافقين المكروهين في خاصرتها. إن تاريخ الدفاع المقدس القوي عن الأمة الإيرانية دليل على أن الاستكبار العالمي قد مُني بهزيمة نكراء في حرب السنوات الثماني المفروضة، أمام تضحيات مجاهدي الإسلام، وشهد على تحقق وعد الله الصريح بانتصار الحق على الباطل. وكان آخر فصول مؤامرة العدو في الأيام الأخيرة من الدفاع المقدس هو استخدام عناصره المكروهة والوكيلة، منظمة المنافقين الإرهابية، ضد الأمة الإيرانية. ففي 26 يوليو 1988، صوّب أولئك الذين أداروا ظهورهم لشعبهم، رغم قبول إيران للقرار الاممي بوقف اطلاق النار مع العراق، صوبوا بمساعدة صدام حسين اللعين والاستكبار العالمي، أسلحتهم النارية نحو الأمة الإيرانية، كاشفين عن ذروة شرورهم وعدائهم تجاه الأمة الإسلامية الشامخة. لكن هذه المؤامرة أدت أيضًا، بفضل الله، وبفضل يقظة وإيثار القوات المسلحة للبلاد، بما فيها الجيش وحرس الثورة والباسيج، إلى هزيمة ساحقة لمنظمة المنافقين. بفضل حضور القوات الشعبية الوافرة، والدعم الحاسم والفريد من مروحيات سلاح الجو ومقاتلي الجيش، ضاق الخناق على الغزاة الحائرين، وبفضل القيادة الحكيمة والحاسمة للشهيد الفريق علي صياد شيرازي، دحر جيش مرتزقة العدو. أشعل هذا القائد العبقري في معركة مرصاد المنتصرة نيران غضب الشعب الإيراني والقوات المسلحة للبلاد ضد منظمة المنافقين لوضع حد لشر هؤلاء القتلة الأعداء. في هذه الأيام أيضًا، نهض شهداء موقع "سوباشي" الراداري التسعة عشر المجيدين، في مهمتهم الأخيرة، باذلين أرواحهم في امام الهجوم الجوي الجبان للعدو البعثي، وبتضحيتهم بأرواحهم للشعب البطل، أثبتوا خبث صدام حسين، ناقض المعاهدات، وزيف وعد الغرب الكاذب بوقف إطلاق النار المزعوم. خلال الحرب العدوانية الاخيرة التي شنها الكيان الصهيوني البغيض ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أصبح جدار المقاومة الشامخ هذا، والعين الثاقبة لإيران الفخورة في غرب البلاد، هدفًا للغزو الوحشي للنظام الصهيوني الغاشم، ليشهد التاريخ على ملحمة الأمة الإيرانية العظيمة والثورية، وليُسمّي سوباشي بوابة الصمود حتى الشهادة. لقد أثبت صمود أبطال سوباشي في وجه هجوم الكيان الصهيوني البغيض، وشهداء الدفاع المقدس الأخير، أن محاربي إيران الإسلامية لن يستسلموا أبدًا للدفاع عن وحدة أراضيها وأمن وراحة مواطنيها الأعزاء. إن جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ يُخلّد ذكرى شهداء الثورة والدفاع المقدس، ومدافعي الحرم، وشهداء الوطن، وخاصة شهداء عمليتي مرصاد وسوباشي، يُعلن أنه، بقيادة قائد الثورة الإسلامية الحكيم، الإمام الخامنئي (حفظه الله)، يقف بثبات في الخطوط الأمامية للدفاع عن الوطن، ومستعد للتضحية بحياته من أجل رفع راية إيران الإسلامية ورفعة الأمة الإيرانية، وسيحمي مجد وسلامة هذا الحرم الشريف بتضحياته.