logo
هندسة التجويع كمنهج إبادة

هندسة التجويع كمنهج إبادة

الميادين٢٨-٠٧-٢٠٢٥
لم يتوقف الاحتلال منذ عقود عن ممارسة التجويع ضد سكان قطاع غزة ومنع إدخال العديد من البضائع والأصناف التي كانت تعتبر مواد خطرة، ذلك لأن فصائل المقاومة -بحسب ادعائه- تقوم باستثمارها في صناعة الصواريخ والوسائل القتالية الأخرى، كما كان يقوم بتحديد عدد الشاحنات التي تدخل القطاع، وتأخير إدخال أخرى، الأمر الذي يكلف التجار الفلسطينيين الكثير من المال؛ نظرًا لاستئجار أرضيات وبركسات داخل الموانئ المحتلة، إضافة إلى تلف معظم تلك البضائع المحتجزة نتيجة تعرضها للشمس لفترة طويلة، ما ينعكس على حركة البيع والشراء، لأن الضرر يصيب التاجر فيقوم الأخير برفع الأسعار لاحقًا، ورغم ذلك استطاع سكان القطاع تجاوز بعض المعضلات بتهريب تلك البضائع من الأراضي المصرية عبر الأنفاق.
ورغم ما جرى سابقًا، لم يشعر الفلسطينيون بحجم الكارثة إلا مع الإبادة التي تحدث اليوم أمام مرأى العالم، حيث جرى إغلاق معبر رفح المصري والمعابر الأخرى على سكان القطاع، تحديدًا معبري كارني وكرم أبو سالم، ثم أخذ جيش الاحتلال يتحكم في طريقة عبور المساعدات الإنسانية، متجاهلًا البروتوكول الإنساني المستحدث بين المفاوضين والقوانين الدولية وحقوق الإنسان وكذلك جميع الشرائع الدينية.
ولعل المعضلة الكبيرة التي حدثت مؤخرًا ليست في تجويع الأطفال والمجتمع بأكمله، بل في هندسة التجويع لتحويل غزة إلى غابة، القوي فيها يأكل الضعيف، وتمزيق المجتمع المتعاضِد الذي فشلت كل أدوات الاحتلال في اختراقه رغم حجم الكارثة والدماء التي تنزف بشكل يومي؛ مستندة بذلك إلى ظهير عربي يمنع إدخال البضائع بوضع عراقيل وحجج واهية، وكذلك تجار متخابرين مع الاحتلال يرفعون الأسعار بشكل فاحش، وعملاء على الأرض يفتعلون الأزمات كعدم التعامل ببعض الأوراق النقدية وغيرها، لدرجة أن وصل الحال بالقطاع أن يصبح قبراً ضخماً يتسع لكل الأطفال، في الوقت الذي يفتح فيه بعض دول الطوق أبوابه لجنود ومستوطني دولة الاحتلال كي يتنقلوا بحرية وسلام إلى دول العالم المختلفة، ويعملوا على إدخال البضائع إلى المستوطنات والمدن المحتلة مع إغلاق الحوثي لحركة الملاحة المتوجهة نحو دولة الاحتلال، في مفارقة لن يغفرها التاريخ لتلك الأنظمة. اليوم 10:09
27 تموز 11:46
وإزاء ذلك كان لا بد من محاربة هندسة التجويع التي نشأت مع وجود مؤسسة المساعدات الأميركية (GHF) والتي تقوم بشكل يومي باستهداف الشبان حيث صارت منطقة زيكيم ونيتساريم وكذلك بعض مناطق رفح المنكوبة إلى شِباك لاصطياد الشبان وقتلهم بالقنص أو القصف، إذ وصل عدد الشهداء إلى أكثر من ألف شهيد في مشهد دموي متكرر، وفي ظل منع تأمين الشاحنات من خلال استهداف رجال الأمن عشرات المرات، كي تُسرق البضائع ويجري استغلالها من طرف اللصوص والعملاء؛ بينما يتفرج المشاهد العربي، وتشرع أقلام النخبة في الدفاع عن الأنظمة التي عجزت عن إدانة التجويع.
ولأن الكتابة ليست مجرد نقل للتاريخ أو توثيق للحدث فقط، بل لصناعته في المواقف الأخلاقية كما يقول مارتن لوثر كينج، خصوصًا مع تسجيل مستشفيات قطاع غزة أكثر من 122 حالة وفاة نتيجة سوء التغذية خلال الأيام القليلة الماضية، كان لا بد من الإشارة إلى أن هناك العديد من السبل التي يمكنها أن تؤجج الرأي العام العالمي، للوقوف عند مسؤولياته الرسمية الأممية والأخلاقية، من خلال تنفيذ الفعاليات التضامنية، الفردية والجماعية، المحلية والدولية، المهم أن تكون منظمة معتمدةً في وسائل التواصل الاجتماعي كصرح إعلامي ملهم، خصوصًا منصة تويتر أو ما يعرف اليوم بمنصة (X).
ويجب أن تبدأ تلك الفعاليات بالقرع على الأواني، كأن يخرج الناس إلى شرفات منازلهم أو في التظاهرات ويقرعون الصحون والطناجر تعبيرًا عن الجوع والغضب، ولتكن دعوة عالمية في توقيت واحد، إضافة إلى فعاليات صرخة من أجل غزة، إذ من المهم أن تصرخ البلاد كلها في الميادين، الأطفال والنساء، ثم توثيق الحدث في وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تنظيم وقفات احتجاجية للأطفال في المدارس والمعاهد والجامعات؛ ويمكن عرض موائد فارغة في الساحات العامة، كرمز لغياب الطعام في غزة.
عدا عن الخيام التي يجب أن تحاصر السفارات الأميركية والغربية، وإعلان يوم صيام تضامني مع غزة، مع عمل "هاشتاقات" عالمية للتركيز على الإبادة أيضًا والتجويع الممنهج، وليس هذا وحده؛ إذ يمكن عمل وقفات ليلية بالشموع ورسم جداريات فنية أو تعليق أكياس طعام فارغة على أبواب البيوت، يكتب عليها "كلنا غزة" أو "أنقذوا غزة". إضافة إلى العروض الفنية الصامتة واستثمار السينما والمسرح؛ ثم بث وإرسال رسائل جماعية للمؤسسات الدولية والسياسيين.
إن غزة اليوم تقرع جدران الخزان، لأجل نفسها والعالم؛ لأن الأخير سيدفع ثمن هذا التجويع واستمراء القتل، لأن العدوى ستنتشر في كل ردهة من ربوعه، ولا حل إلا بتحرك عملي حقيقي ضد الاحتلال، يبدأ بالاعتراف بدولة فلسطين ونبذ دولة الاحتلال ومحاكمتها ومنع تصدير البضائع والأسلحة إليها، ثم أخيرًا الانفجار في وجه من يحمي ذلك الكيان الغاصب، كي تستعيد الأمة عافيتها وحضورها البهي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزير الدفاع الإسرائيلي‭:‬ الجيش "سينفذ باحترافية" السياسات المتعلقة بغزة
وزير الدفاع الإسرائيلي‭:‬ الجيش "سينفذ باحترافية" السياسات المتعلقة بغزة

LBCI

timeمنذ ساعة واحدة

  • LBCI

وزير الدفاع الإسرائيلي‭:‬ الجيش "سينفذ باحترافية" السياسات المتعلقة بغزة

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش الإسرائيلي "سينفذ باحترافية" السياسات المتعلقة بغزة التي قد يتم تحديدها عقب اجتماع مجلس الوزراء اليوم. وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن نتنياهو يميل إلى شن هجوم موسع والسيطرة على القطاع بأكمله بعد 22 شهرا من الحرب.

الحرُّ حرٌّ وأنت الصوت كالنهر
الحرُّ حرٌّ وأنت الصوت كالنهر

الميادين

timeمنذ 3 ساعات

  • الميادين

الحرُّ حرٌّ وأنت الصوت كالنهر

(مهداة إلى المناضل جورج إبراهيم عبد الله) ** القيدُ ذُلِّلَ في كفّيكَ بالصّبرِ فالحُرُّ حرٌّ وإنْ في غيهب القهرِ كأنما السّجنُ للأحرار منجمُهم رصيدُكَ اليومَ أطنانٌ من الفخرِ لو شَكّل العدلُ ميزاناً ومحكمةً يُدانُ سجّانُكَ المجبولُ بالعُهرِ العُرب في سجنهم مليار منبطحٍ فلا تنادِ على الأموات في القبرِ آمنت بالسيف في كفٍّ مقاومةٍ فلا تنادِ على الأشباه في مصرِ الغربُ سجنٌ كبيرٌ لا حدودَ لهُ ينجو الصموتُ وأنتَ الصوتُ كالنّهرِ وأنتَ "عبدٌ لربٍّ" ما ركعتَ لهم وأنتَ ضدٌّ لغربٍ ضلَّ بالكفرِ وأنتَ سيفٌ فلم تضعف به ظُبةٌ وأنتَ حرفٌ سقاه المجدُ من حبرِ لما خرجتَ رأتكَ الشمسُ فابتسمتْ لما نطقتَ صدعتَ الحقَّ بالجهرِ

"Responsible Statecraft": كيف تجاهل الإعلام الغربي جريمة التجويع في غزة؟
"Responsible Statecraft": كيف تجاهل الإعلام الغربي جريمة التجويع في غزة؟

الميادين

timeمنذ 4 ساعات

  • الميادين

"Responsible Statecraft": كيف تجاهل الإعلام الغربي جريمة التجويع في غزة؟

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر تقريراً تناول تجاهل الإعلام العالمي، خاصة الأميركي، في تغطية سياسة التجويع الممنهجة في غزة. فرغم أنّ التحذيرات من المجاعة بدأت منذ أواخر 2023، تجاهلت وسائل الإعلام الكبرى القضية أو همشتها، ولم تُبرزها كأولوية إلا بعد تفاقم الكارثة وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا، معظمهم أطفال. أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية: العناوين الإخبارية تزداد قتامة: - "طفل يموت بسبب سوء التغذية مع تفاقم المجاعة في غزة". ("سي إن إن" في 21 تموز/يوليو 2025) - "أكثر من 100 منظمة إغاثة تحذر من مجاعة في غزة مع مقتل 29 في غارات إسرائيلية". ("أسوشيتد برس" في 23 تموز/يوليو 2025). - "لا حليب صناعي، لا طعام: الأمهات والرضع يتضورون جوعاً معاً في غزة". ("إن بي سي" في 25 تموز/يوليو 2025). - "رضيع عمره خمسة أشهر يموت بين أحضان أمه في غزة، ضحية جديدة لأزمة مجاعة متصاعدة". ("سي إن إن" في 26 تموز/يوليو 2025). - "أطفال غزة يبحثون في القمامة لتجنب الموت جوعاً". ("نيويورك تايمز" في 28 تموز/يوليو 2025). هذه التغطية عاجلة وضرورية، لكنها جاءت متأخرة للغاية. منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فرضت "إسرائيل" قيوداً صارمة على المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مستخدمةً التجويع كسلاح حرب، وهي جريمة حرب اتهمت بها المحكمة الجنائية الدولية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت. ففي 9 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلن غالانت حصاراً شاملاً: "لن يكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا وقود... كل شيء مغلق". اليوم 10:09 اليوم 08:53 حذّرت منظمات الإغاثة مبكراً من خطر المجاعة في أجزاء من غزة بحلول كانون الأول/ديسمبر 2023. وبحلول نيسان/أبريل 2024، أكدت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سامانثا باور أنّ بعض مناطق غزة، خصوصاً شمالها، تعاني بالفعل من المجاعة. خلال وقف إطلاق النار مطلع 2025، سُمح بدخول كميات محدودة من المساعدات، لكن في 2 آذار/مارس 2025، أعاد نتنياهو فرض الحصار الشامل. وأعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير: "لا سبب لدخول جرام واحد من الغذاء أو المساعدات إلى غزة". بعد أكثر من شهرين، سمحت "إسرائيل" في 19 أيار/مايو بدخول مساعدات شحيحة عبر مراكز "مؤسسة غزة الإنسانية" الأميركية/الإسرائيلية، والتي استُهدف بعض طالبيها برصاص القناصة، وهي مساعدات غير كافية على الإطلاق. وحذرت اليونيسف في 27 تموز/يوليو الفائت من أنّ سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وأنّ واحداً من كل ثلاثة أشخاص لم يتناول طعاماً منذ أيام، و 80% من وفيات الجوع هم من الأطفال. ووفق وزارة الصحة في غزة، توفي ما لا يقل عن 147 شخصاً بسبب سوء التغذية منذ بداية الحرب، معظمهم خلال الأسابيع الأخيرة. حتى بعض السياسيين في الغرب، بمن فيهم دونالد ترامب، أقرّوا بوجود "مجاعة حقيقية" في غزة، لكن المراقبين يرون أنّ هذا الاعتراف جاء متأخراً جداً. يقول جيريمي كونينديك، رئيس منظمة اللاجئين الدولية: "أخشى أنّ المجاعة في غزة تجاوزت الآن نقطة اللاعودة، وسنشهد وفيات جماعية جراء الجوع. احتواء الكارثة سيتطلب جهداً إغاثياً هائلاً وسيستغرق شهوراً". وسائل الإعلام الأميركية الكبرى تتحمل جزءاً من المسؤولية عن استمرار الكارثة. فرغم أنّ خطر المجاعة معروف منذ أكثر من عام، لم يُعامل باعتباره أولوية إخبارية. بحث في قاعدة بيانات "MediaCloud" أظهر أنّه منذ إعلان الحصار الشامل في 2 آذار/مارس 2025، وهو إجراء فاقم المجاعة بسرعة، لم يزد الاهتمام الإعلامي سوى قليلاً في أيار/مايو، حين أعلنت الهيئة العالمية لتصنيف المجاعات أنّ "واحداً من كل خمسة أشخاص في غزة مهدد بالمجاعة"، وهو ما كان يتطلب تدفقاً عاجلاً وكبيراً للمساعدات. لكن مع استمرار منع المساعدات، واستهداف الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول عليها، تراجعت التغطية مجدداً، ولم تعاود الظهور بقوة إلا في موجة الأخبار التي بدأت في 21 تموز/يوليو. منظمة "FAIR" انتقدت مراراً هذه التغطية، التي غسلت أيدي "إسرائيل" من مسؤولية التجويع القسري، وهو ما وصفته "هيومن رايتس ووتش" بأنه "أداة إبادة"، ونُفذ بدعم أميركي مباشر. تكشف العناوين الرئيسية الحالية أنّ التغطية الإعلامية لا تزال تُصرف الانتباه إلى حد كبير عن مسؤولية "إسرائيل" (ناهيك عن الولايات المتحدة)، ولكن من التطورات الإيجابية أنّ وسائل الإعلام الأميركية الكبرى بدأت تُكرّس تغطية جادة لهذه القضية. تخيّلوا كم كان سيبدو الأمر مختلفاً لو أنها أولته الاهتمام الذي يستحقه، والمساءلة التي طالب بها، عندما أُطلقت التحذيرات لأول مرة! نقلته إلى العربية: بتول دياب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store