
السوريون في مواجهة خطاب الكراهية
يواجه السوريون تصعيداً في خطاب الكراهية؛ حيث تتكرر حالات التنمر، واتهامات التخوين والتشكيك، ودعوات النبذ والتدمير، والحض على سلوكيات الاستهانة بالآخرين وانتهاك حقوقهم، وجميعها تعزز التناقضات، وتنمي الصراعات داخل المجتمع؛ سواء في مستوى الأفراد أو الجماعات، وتهدد السلم الاجتماعي من جهة، وتعيق فرص المصالحة المستقبلية. وتبدو مؤشرات التصعيد واضحة على الإعلام، كما على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، عبر منشورات وتعليقات السوريين على «فيسبوك» وشقيقاتها -مثل «واتساب»- وأقوالهم على «اليوتيوب»، بصورة تتقارب مع واقع الحال على منصة «إكس» الأقل استخداماً من جانب السوريين.
صعود خطاب الكراهية ليس معزولاً عما خلَّفته سنوات الصراع السوري في العقد ونصف العقد الماضيين، وقد شهدت متغيرات كثيرة، أصابت السوريين بكوارث على مختلف الأصعدة، أبرزها مقتل مئات الآلاف من السوريين، وأكثر منهم لحقتهم إصابات وأمراض، وتعرضوا لإخفاء قسري، وأغلب السوريين دُمرت بصورة ما حياتهم وممتلكاتهم. ومن إجمالي السكان البالغ نحو 27 مليون نسمة، تحول أكثر من 10 ملايين إلى لاجئين في نحو مائة دولة، ونحو 5 ملايين آخرين صاروا نازحين داخل سوريا، كما أصاب الدمار الكلي أو الجزئي معظم المدن والقرى، وبعضها صار جبالاً من ركام، وكلها بعض نتائج الصراع.
لقد ضربت آلام السوريين ومعاناتهم الناتجة عن الصراع معاني الشعارات والهتافات عن الحرية والعدالة والمساواة ووحدة السوريين، التي كان يرددها المتظاهرون في مواجهة نظام الأسد وضد حربه عليهم، وعملت سياسة النظام وحلفائه على تكريس الانقسامات والصراعات الدينية والطائفية والمناطقية إلى جانب الانقسامات السياسية، فزادت الأحقاد في القول والفعل، مما عزز انطلاق خطاب الكراهية، وسهَّل انتشاره في كثير من البيئات.
وقادت التطورات السابقة إلى مزيد من الانقسامات والتشظي في المستويات الإثنية والدينية والطائفية والمناطقية وغيرها، وقد صارت أكثر وضوحاً في الخطاب والسلوك السوري في الإعلام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تؤكده منشورات وتعليقات السوريين في الإعلام وفي الفضاء الإلكتروني؛ حيث تظهر موجات من الكراهية المتبادلة، والاتهامات التي لا نهاية لها.
ويؤشر حجم الخطاب ومحتوياته ومدى انتشاره إلى أنه لا يقتصر على جهود أنصاره من مختلف الأطراف؛ بل هناك أطراف تدعمه، وتشارك في تحويله إلى تيار واسع لتحقيق الحد الأقصى من أهدافه في إثارة البلبلة والفتن، وتوسيع حدود الصراعات البينية في مستوى الأفراد والجماعات على السواء، وهذا على الأقل ما حصل في حالات مماثلة، بينها نشاط الجيش الإلكتروني السوري الذي شكَّله نظام الأسد بداية ثورة عام 2011، ولعب دوراً واسعاً في شيطنة معارضي النظام، وخصوصاً الفصائل، وتشويه نشاطاتهم بما فيها النشاطات السلمية.
إن أطرافاً مختلفة محلية وخارجية من تشكيلات أمنية وسياسية وميليشيات، تعمل في الخفاء تحت أسماء مستعارة وحسابات وهمية، على إذكاء الكراهية عبر آلاف الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، والمجموعات التي تنشر وتكرِّس انقسام السوريين، مما يحمل إمكانية تحول تعليق بسيط إلى ساحة حرب إلكترونية بين السوريين المختلفين، يتم فيها وصف المعارض بـ«الخائن» والمؤيد بـ«القاتل» دون تدقيق أو إثباتات، ويجري تبادل الاتهامات بألفاظ تفتقر لأي مصداقية وحسٍّ إنساني سليم.
وللحق، فإن الإعلام -وخصوصاً إعلام نظام الأسد وحلفائه وما يتصل بهم من وسائل التواصل- ساهم في تصعيد خطاب الكراهية، وتعميمه بكل الطرق وعلى مختلف المستويات، عبر التغطيات المنحازة، وحملات التشهير. وكان من نتائج حملات الكراهية بالقول والحض على الفعل، تعميق الشرخ المجتمعي، وتكريس انقسامات من كل نوع ومستوى، وتغذية العنف والتطرُّف في مختلف الأوساط، وإعادة إنتاج الخوف داخل المجتمعات السورية، وكلها مجريات تجعل من الصعب الوصول إلى تسويات سياسية عادلة ومقبولة في المستوى الوطني، أو في مستوى مكونات محددة.
وسط خطورة ازدياد الكراهية، يكون من الضروري طرح الأسئلة عن الحل، وعن الخطوات الإجرائية المطلوبة في مواجهة الكراهية، والتي لا بد من أن تتقدمها حملات التوعية عبر الإعلام والهيئات المجتمعية، من أجل تعداد وشرح أخطار خطاب الكراهية، ودعم وإشاعة خطاب المصالحة والسلم الاجتماعي، وخصوصاً بين أطراف التوتر، وتعزيز دور النشطاء والمؤثرين في كسر دائرة الكراهية، وكلها إجراءات لا يمكن أن تكون فاعلة خارج أمرين ينبغي التركيز عليهما: الأول: إشاعة إدانة اجتماعية وأخلاقية لخطاب الكراهية، والثاني: إقرار قوانين تجريم خطاب الكراهية، وإيقاع العقاب بأصحابه.
خطاب الكراهية ليس مجرد خطابات ودعوات إلى سلوكيات؛ بل هو سلاح يلحق الضرر بالمواطنين، وأولهم أصحابه؛ لأنه ينزع إنسانيتهم، ويدمرهم، وهو في الأبعد مما سبق، يهدد ما تبقى من أمل للسوريين في إصلاح وطن مدمَّر، مما يعني أن مسؤولية السوريين اليوم -أفراداً ومؤسسات- أن يعيدوا النظر في خطابهم وسلوكهم، وأن يبحثوا عن المشترَك، ويجعلوا الخير فيه غاية وهدفاً، وأن يسعوا من أجل المستقبل المشترك والأفضل، لا أن يكونوا أولياء لما مضى، وأسرى إرث خلَّفه الاستبداد والديكتاتورية ونظام الاستغلال والنهب تحت شعارات وأهداف كاذبة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 2 ساعات
- العربية
شيخ العقل للطائفة الدرزية: ملتزمون بقرارات الدولة السورية وسيادتها
أكد شيخ العقل للطائفة الدرزية ، اليوم الأحد، الالتزام بقرارات الدولة السورية وسيادتها. وقال حمود الحناوي/ لـ "العربية/الحدث"، "ملتزمون بقرارات الدولة السورية وسيادتها". وكان المجلس الأعلى للإفتاء في سوريا أصدر فتوى مهمة تُحرّم جميع أشكال القتل خارج نطاق القضاء، بما في ذلك ما يُسمى بجرائم الشرف، والانتقام القبلي أو الثأر. كما شدد المجلس على أن هذه الأفعال غير مسموح بها، وأن العدالة يجب أن تُطبّق من قِبل الدولة وحدها، في إطار القانون الرسمي والمؤسسات القضائية. بدوره، علق المبعوث الأميركي، توماس برّاك، على إصدار مجلس الإفتاء الأعلى السوري بياناً حرم فيه القتل خارج إطار القانون، ووصفه بأنه "خطوة عظيمة". وأوضح براك في تغريدة على حسابه في منصة "إكس"، أمس الجمعة، أنها خطوة مهمة من الحكومة نحو بناء سوريا الجديدة.


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
الرئيس الشرع يزور «درعا» مهد الثورة السورية
زار الرئيس السوري أحمد الشرع، أمس مدينة درعا الجنوبية، مهد الانتفاضة في البلاد، وذلك للمرة الأولى منذ إطاحة بشار الأسد قبل نحو ستة أشهر. ونشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا لقطات تظهر حشوداً تحيي الشرع الذي شوهد وهو يحيي الناس ويصافحهم خلال الزيارة التي جاءت في عطلة عيد الأضحى. وأفادت سانا بأنه التقى مسؤولين محليين مدنيين وعسكريين، إضافة إلى وفد من الأقلية المسيحية. وقال محافظ درعا أنور الزعبي في بيان: "تُثمن محافظة درعا، الزيارة الكريمة التي قام بها السيد الرئيس أحمد الشرع إلى محافظة درعا، مهد الثورة السورية، والتي شكّلت محطة مهمة في مسار التعافي الوطني، ورسالة واضحة بأن درعا كانت وستبقى في قلب الوطن وموضع اهتمام القيادة". في العام 2011 اعتقل فتية في درعا بسبب رسم غرافيتي ضد الأسد، ما أثار احتجاجات في مختلف أنحاء البلاد. بعد اندلاع الحرب إثر قمع وحشي للاحتجاجات، سيطرت فصائل مسلّحة معارضة على درعا حتى العام 2018 حين استعادت قوات الأسد المدينة باتفاق أبرم بوساطة روسية أتاح للمقاتلين الاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة.


عكاظ
منذ 7 ساعات
- عكاظ
تركيا والكيان الصهيوني.. !
لا شك أن الجمهورية التركية دولة إسلامية كبرى. فهي بموقعها، ومساحتها الممتدة 783,562 كم2، وعدد سكانها البالغ 85 مليون نسمة، تشكل إحدى أكبر دول الإقليم العربي. وكونها «إسلامية»، يجعلها إحدى أكبر الدول الإسلامية، وأقرب للشرق، ولعالمها العربي، والإسلامي، منها للغرب. غير أن ميل الحكومات التركية المتعاقبة نحو الغرب، وعضويتها في حلف «ناتو» دفعها للتهدئة مع إسرائيل. ولكن، حصل في الفترة الأخيرة، تدهور ملحوظ في العلاقات التركية- الإسرائيلية، بسبب رفض تركيا لعمليات الإبادة الجماعية، التي ترتكبها إسرائيل، ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني. كما أن فصلاً جديداً في هذه العلاقات قد فتح، اعتباراً من يوم 8 ديسمبر 2024م، يوم هروب بشار الأسد من سوريا، بلور عقدين من التوتر، فيما بينهما. وربما سيسجل في هذا الفصل، تدهور أكثر، كما سوف نوضح. **** إذ يبدو الآن أن خلافاً حاداً سينشب بين الطرفين حول سوريا، والوضع المضطرب فيها. فمنذ انهيار نظام بشار الأسد، طفت على السطح المصالح المتضاربة بين الجانبين في سوريا. فكما هو معرف، تسعى إسرائيل بقوة لإضعاف سوريا، تمهيداً لتقسيمها الى دويلات وكيانات، طائفية، ومذهبية، وعرقية، متنافرة. وهنا لا بد أن نعود لبداية تأسيس الكيان الصهيوني، وقادتها الأوائل. فهناك تصريح شهير لـ(ديفيد بن جوريون)، أول رئيس للوزراء بإسرائيل، قال فيه حرفياً: «لا يمكن ضمان أمن إسرائيل، إلا بتدمير ثلاث دول عربية مجاورة، هي العراق، وسوريا، ومصر». وقد تم تدمير العراق وسوريا. وبما أن إسرائيل تهدف لإضعاف سوريا، عبر تقسيمها، فإنها ترى بأنه ليس من الضروري القلق على من سيحكم سوريا، بعد نظام بشار الأسد، المهم أن يكون تحت هيمنة إسرائيل. كانت إسرائيل، كما هو معروف، تؤيد نظام الأسد بقوة، وتعتبره كنزاً استراتيجيا لإسرائيل؛ لأنه كان يمنع مهاجمة الكيان الصهيوني من سوريا. والمهم، بالنسبة لإسرائيل، أن يكون النظام السياسي بعد نظام بشار، ضعيفاً، ومفتوحاً للعربدة الإسرائيلية، متى وجدت ذلك ضرورياً. والواقع، أن إسرائيل استباحت أراضي سورية جديدة، واحتلت مناطق في الحدود الجنوبية لسوريا، كما هو معروف. **** ومن ضمن الوسائل القذرة التي تتبعها إسرائيل لتفتيت سوريا، هي دعم بعض الأقليات، وفي مقدمتها الأقلية الكردية. ووعد الأكراد بمساعدتهم في إقامة دولة خاصة بهم.. في إطار تقسيم سوريا، وابتزاز تركيا. وكما ذكرنا، فإن تعداد سكان تركيا حوالى 85 مليون نسمة، حوالى 20% منهم من الاكراد، الطامحين لإقامة دولة خاصة بهم، تضمهم وبقية الأكراد، المتواجدين في كلٍّ من العراق، وسوريا، وإيران، وغيرها. ويبلغ تعداد الأكراد، في هذه الدول، حوالى 34 مليون نسمة (15 في تركيا، 10 في إيران، 5 في العراق، 2.5 في سوريا، 1.5 في دول أخرى). يعتبر الأكراد أكبر أقلية في تركيا، وتمثلهم جماعة معارضة مسلحة محظورة، تسمى (حزب العمال الكردستاني) (PKK) تسعى لأن يكون لهم دولة مستقلة خاصة بهم. وفي القرن العشرين، بدأت محاولة إقامة دولة (كردستان) المستقلة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضع التصور الذي أصبحت عليه الدولة التركية، والذي أدى إلى إجهاض قيام دولة كردية. وذلك إثر توقيع معاهدة لوزان، سنة 1923م. وما زالت (المسألة الكردية) معلقة، كالقنبلة الموقوتة. أخبار ذات صلة هذا التطلع يفزع تركيا، ويجعلها تحاول إيقافه. فتنامي سلطان الأكراد في سوريا، يهدد وحدة وتماسك الجمهورية التركية، في المدى الطويل. ويعد ذلك من أخطر ما يواجه الدولة التركية، بوضعها الحالي، ومنذ استقلالها عام 1923م. إن بتركيا حوالى 15 مليون كردي، يتمتعون بالجنسية التركية. وقيام دولة كردية في سوريا، سيصاعد من تطلع الأكراد الملح، لضمها، وإقامة الدولة الكردية المنتظرة. **** وحاولت تركيا إجراء انتقال سلس للسلطة، بعد انهيار نظام بشار الأسد. فعدم استقرار سوريا يهدد أمن واستقرار تركيا. وسوريا مقسمة تعيق طموحات تركيا. فأطماع إسرائيل في تركيا تتقاطع مع الأهداف التركية. إسرائيل تخشى تكوّن هلال سني، يمتد من الأردن حتى تركيا، وعبر سوريا. لكل ذلك، يتوقع أن يتصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل، حول سوريا. وهذا التوتر يميل للتطور إلى وضع من الأوضاع الثلاثة التالية: - نشوب حرب غير مباشرة بين الطرفين: حيث تساعد إسرائيل الميليشيات المتمردة على دمشق، بينما تدعم تركيا الأطراف المؤيدة للنظام السوري الجديد. - الصدام المباشر: وهذا يعني دخول الطرفين في حرب مباشرة. وهذه الحرب، إن حصلت، ستعني دخول دولة عضو في حلف ناتو، في حرب مع إسرائيل، ربيبة الولايات المتحدة. - التفاوض لتقاسم السيطرة والنفوذ في سوريا: وقد يستلزم ذلك تدخل وسيط، مقبول من الجانبين. ومن المتوقع، أن يحصل أحد هذه الاحتمالات، في المدى القريب.