logo
الذهب يعود بقوة إلى الواجهة وسط تنامي أزمة الثقة العالمية

الذهب يعود بقوة إلى الواجهة وسط تنامي أزمة الثقة العالمية

البيانمنذ 5 ساعات

جيليان تيت
المطالب الأوروبية باسترجاع الذهب من الولايات المتحدة مؤشر لتحول استراتيجي كبير
قبل عقد من الزمن، طلبت من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إلقاء نظرة على احتياطياتهم من الذهب، فقوبل طلبي بالرفض القاطع. ويفخر مسؤولو البنك منذ زمن طويل بامتلاكهم أكبر خزنة ذهبية في العالم، محفورة على عمق 80 قدماً في صخور مانهاتن الصلبة، وهم حريصون كل الحرص على إبقائها بعيدة عن الأضواء، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن العديد من سبائك الخزنة البالغ عددها 507 آلاف سبيكة تعود ملكيتها لدول عدة، خصوصاً ألمانيا وإيطاليا.
في هذه الحالة، يصدق تماماً القول إن «الصمت من ذهب»، لكن أخيراً، ظهرت نبرة مختلفة؛ فقد طالب سياسيون في ألمانيا وإيطاليا باستعادة سبائكهم الذهبية التي تقدر قيمتها بنحو 245 مليار دولار، وحذا حذوهم آخرون. كما أعربت جمعية الدفاع عن دافعي الضرائب الأوروبيين عن قلقها العميق إزاء تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في استقلالية الاحتياطي الفيدرالي.
ولا تظهر الحكومات الأوروبية ولا الاحتياطي الفيدرالي أي استعداد لاتخاذ خطوات عملية، ولا توجد مؤشرات على نقل السبائك الذهبية إلى أوروبا. بل على العكس، تدفقت كميات كبيرة من الذهب إلى الولايات المتحدة منذ فوز ترامب، ما أثار تكهنات بأن الوكالات الحكومية الأمريكية، كحال المستثمرين من القطاع الخاص، ربما تعمد إلى تكديس الذهب، رغم غياب أدلة رسمية تؤكد ذلك.
وثمة حقيقة لا تقبل الجدل وهي أن هذه الدعوات المتزايدة لاسترداد الذهب تعكس تفاقماً لأزمة ثقة عميقة. والدافع الأساسي وراء إيداع تلك السبائك في قلب مانهاتن منذ البداية هو اقتناع حلفاء أمريكا الراسخ بأن واشنطن كانت ولا تزال راعي المنظومة الغربية والنظام المالي العالمي المرتكز على الدولار.
من جانبهم، عبر كبار مسؤولي الفريق الاقتصادي للرئيس ترامب، وفي مقدمتهم ستيفن ميران رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين، وسكوت بيسنت وزير الخزانة، عن امتعاضهم العلني من «أعباء» هذا النظام، ما يثير تساؤلاً جوهرياً لدى المستثمرين: كيف سترد الدول الأخرى إذا انتقلت المواجهات من الحروب التجارية إلى صدامات تشمل حركة رؤوس الأموال؟
وفي آسيا، بدأت هذه النقاشات تأخذ منحى عملياً، مع سعي المستثمرين نحو تنويع أصولهم، وهو ما يتجلى في الطفرة المتسارعة في مشتريات الذهب، والتقلبات السعرية غير المسبوقة التي شهدتها أسواق هونغ كونغ أخيراً والتي تعكس عزوفاً متزايداً عن الأصول المقومة بالدولار الأمريكي.
في الأثناء، رحب المسؤولون الصينيون بالتوسع المطرد لاستخدام الرنمينبي في تسوية المعاملات التجارية الدولية، وذلك في إطار جهود بكين لتطوير نظام مدفوعات مصرفية عبر الحدود كبديل منافس لنظام سويفت العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن.
ويتعين على المستثمرين أيضاً متابعة تطورات مبادرة «إم بريدج» - مشروع العملات الرقمية للبنوك المركزية عبر الحدود الذي أطلقه بنك التسويات الدولية عام 2023. ففي العام الماضي، مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً كبيرة أجبرت بنك التسويات على الانسحاب من المشروع، ما أتاح للصين الاستفراد بزمام القيادة فيه، وهي خطوة أعتقد أنها قد تكون بمثابة هدف ذاتي سجلته واشنطن في مرماها.
وبالنسبة لأوروبا، فلا يزال موقفها يتسم بالسلبية والتردد، غير أن شخصيات نافذة مثل فرانسوا هايسبورغ - المستشار الأوروبي البارز - بدأت تدعو بإلحاح إلى ضرورة الاستعداد لمرحلة «أوروبا ما بعد أمريكا». وبينما أفضت هذه الدعوات بالفعل إلى تعهدات بزيادة الإنفاق العسكري، فإن بوصلة الاهتمام تتجه الآن نحو مفهوم «الاقتصاد الجيوسياسي» - أي فكرة أن الاعتبارات الاستراتيجية ينبغي أن تشكل المحرك الأساسي للسياسات الصناعية.
من جانبهم، يطالب محللون مثل إلمار هيلندورن في المجلس الأطلسي بالمضي قدماً نحو آفاق أبعد، مع تبني سياسة «التمويل الجيوسياسي» أيضاً. وحسب تحليله، تعاني أوروبا من نقطة ضعف جوهرية لا تقتصر على اعتمادها على التمويل بالدولار فحسب، بل تمتد لتعرضها لتقلبات تدفقات رأس المال المضاربة بفعل تنامي الطابع المالي لاقتصادها.
وأعرب هيلندورن عن قلقه قائلاً: «باتت قطاعات واسعة من الاقتصاد الأوروبي تخضع لنفوذ قوي، إن لم يكن لسيطرة مباشرة، من مؤسسات وول ستريت التي تخضع في نهاية المطاف للقوانين الأمريكية وللتوجهات المالية الاستراتيجية لواشنطن». ويذهب إنريكو ليتا - رئيس الوزراء الإيطالي السابق - إلى أبعد من ذلك، معرباً عن مخاوفه من تحول القارة العجوز إلى مجرد «مستعمرة مالية» للولايات المتحدة الأمريكية. فهل يمكن تغيير هذا الواقع؟
تتخذ المفوضية الأوروبية خطوات متواضعة في هذا الاتجاه، من خلال تسريع مساعيها لإنشاء سوق رأس مال أوروبية موحدة، كما تنكب البنوك المركزية في مختلف أنحاء القارة على تطوير عملات رقمية عابرة للحدود، ويعكف البنك المركزي الأوروبي ذاته على بناء اليورو الرقمي، مما يؤسس لمنافسة سياسية مثيرة مع واشنطن التي تفضل احتضان العملات المستقرة المرتبطة بالدولار - ويعزى ذلك جزئياً لقناعة وزير الخزانة بيسنت بأن هذا النهج سيخلق طلباً جديداً بقيمة تريليونات الدولارات على سندات الخزانة الأمريكية.
غير أن هذه المساعي الأوروبية لا تزال محاطة بقدر كبير من التردد والحذر، مما يجعلها قاصرة عن تحقيق «لحظة عالمية لليورو» - على حد تعبير كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي. ولا يبدو أن هذا الوضع سيشهد تحولاً جذرياً ما لم تضرب أزمة حادة النظام القائم، سواء بانهيار ثقة الأسواق في الدولار (ربما بفعل المخاوف المالية المتصاعدة) أم في انتهاج واشنطن سياسات عدوانية متطرفة تجاه أوروبا.
من هنا تبرز أهمية خزائن الذهب في مانهاتن، حيث إنه إذا تجسدت مثل هذه الأزمات، يسهل تصور سيناريو تصر فيه القيادة الأمريكية - في أفضل التقديرات - على استخدام ذلك الرصيد الذهبي كضمان لمبادلات الدولار، أو - في أسوأ الاحتمالات - كأداة للضغط والإكراه السياسي.
من جانبه، ينفى البنك المركزي الألماني (البوندسبانك) وجود مثل هذه المخاطر - علناً على الأقل - إذ صرح لصحيفة فاينانشال تايمز: «لا يساورنا أدنى شك في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك شريك جدير بالثقة ويعتمد عليه في حفظ احتياطياتنا الذهبية». وهذا صحيح على الأرجح، لكن النقاش الدائر يكشف أن سيناريوهات كانت تعتبر مستحيلة في السابق أصبحت الآن محل تفكير وتدبر، ومن ثم فإن المطالبة باستعادة الذهب تمثل خطوة عقلانية بامتياز.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب يجتاز «العقبة الأولى» في مجلس الشيوخ
مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب يجتاز «العقبة الأولى» في مجلس الشيوخ

الإمارات اليوم

timeمنذ 2 ساعات

  • الإمارات اليوم

مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب يجتاز «العقبة الأولى» في مجلس الشيوخ

اجتاز مشروع القانون الشامل للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتعلق بخفض الضرائب والإنفاق، العقبة الأولى في مجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، وذلك عبر تصويت إجرائي محوري،‭ ‬في ساعة متأخرة أول من أمس. وتزيد هذه الخطوة من احتمالية إقرار المشرّعين لمشروع القانون في الأيام المقبلة، بعد تجاوزه أول عقبة إجرائية له بأغلبية 51 صوتاً مقابل 49 صوتاً، مع تصويت عضوين جمهوريين في مجلس الشيوخ ضده. وجاءت هذه النتيجة بعد ساعات من المداولات، حيث سعى زعماء الجمهوريين، ونائب الرئيس جاي دي فانس، إلى إقناع المعارضين المترددين في اللحظات الأخيرة بسلسلة من الاجتماعات المغلقة. وبعد ساعات من التأخير، بدأ التصويت الإجرائي الذي يعد إيذاناً بفتح باب النقاش حول مشروع القانون المؤلف من 940 صفحة، لتمويل أولويات ترامب الرئيسة في مجالات الهجرة والحدود وخفض الضرائب والجيش. وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن ترامب كان يتابع التصويت من المكتب البيضاوي، حتى وقت متأخر من الليل. ويهدف مشروع القانون الضخم إلى تمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017، التي كانت أبرز إنجاز تشريعي لترامب في ولايته الأولى، إضافة إلى تقليص ضرائب أخرى، وزيادة الإنفاق على الجيش وأمن الحدود. وتشير تقديرات لمحللين مستقلين إلى أن نسخة مشروع القانون قد تضيف تريليونات الدولارات إلى الدَّين العام الأميركي، الذي يبلغ حالياً 36.2 تريليون دولار. وعارض الديمقراطيون المشروع بشدة، قائلين إن بنوده الضريبية ستفيد الأثرياء بشكل غير متناسب على حساب البرامج الاجتماعية التي يعتمد عليها الأميركيون من ذوي الدخل المحدود، وطالب زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، بقراءة نص المشروع بصوت عالٍ قبل بدء النقاش، قائلاً إن «الجمهوريين في مجلس الشيوخ يسابقون الزمن لتمرير مشروع قانون متطرف». وأضاف شومر، وهو ديمقراطي من ولاية نيويورك: «إذا كان الجمهوريون في مجلس الشيوخ لا يريدون إخبار الشعب الأميركي بما يتضمنه هذا المشروع، فسنرغمهم على قراءته من البداية حتى النهاية». وفي أول تعليق له، أبدى ترامب سعادته بنتيجة التصويت، قائلاً: «رأينا انتصاراً كبيراً في مجلس الشيوخ لمشروع القانون الكبير والجميل». وأثنى على عدد من الأعضاء، قائلاً: «إن هذا الانتصار ما كان ليتحقق من دون جهودهم».

من الحروب الصغيرة إلى الحرب الكبرى!!
من الحروب الصغيرة إلى الحرب الكبرى!!

البيان

timeمنذ 3 ساعات

  • البيان

من الحروب الصغيرة إلى الحرب الكبرى!!

وقتها استعاضت تلك الدول التي خرجت من الحرب العالمية الثانية منتصرة، استعاضت من الاشتباك المباشر، إلى الاشتباك بالوكالة، في حروب صغيرة اشتعلت في أكثر من مكان، مع توافق تلك القوى على تقسيم العالم ما أمكن، بين المصالح المختلفة للقطبين، الغربي والشرقي. لم تكن هذه الفكرة الأخيرة هي فكرة الرئيس دونالد ترامب، بل بدأت قبل ذلك، وإنما عمقها الرئيس ترامب، بالطلب من الأوروبيين مباشرة رفع الإنفاق في ميزانياتهم المختلفة على العسكرة أو تهديدهم بالخروج من المادة الخامسة من اتفاقية الحلف الأطلسي، ومبرر ذلك التكاليف الباهظة العسكرية على ميزانية الدولة الأمريكية.

الذهب يعود بقوة إلى الواجهة وسط تنامي أزمة الثقة العالمية
الذهب يعود بقوة إلى الواجهة وسط تنامي أزمة الثقة العالمية

البيان

timeمنذ 5 ساعات

  • البيان

الذهب يعود بقوة إلى الواجهة وسط تنامي أزمة الثقة العالمية

جيليان تيت المطالب الأوروبية باسترجاع الذهب من الولايات المتحدة مؤشر لتحول استراتيجي كبير قبل عقد من الزمن، طلبت من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إلقاء نظرة على احتياطياتهم من الذهب، فقوبل طلبي بالرفض القاطع. ويفخر مسؤولو البنك منذ زمن طويل بامتلاكهم أكبر خزنة ذهبية في العالم، محفورة على عمق 80 قدماً في صخور مانهاتن الصلبة، وهم حريصون كل الحرص على إبقائها بعيدة عن الأضواء، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن العديد من سبائك الخزنة البالغ عددها 507 آلاف سبيكة تعود ملكيتها لدول عدة، خصوصاً ألمانيا وإيطاليا. في هذه الحالة، يصدق تماماً القول إن «الصمت من ذهب»، لكن أخيراً، ظهرت نبرة مختلفة؛ فقد طالب سياسيون في ألمانيا وإيطاليا باستعادة سبائكهم الذهبية التي تقدر قيمتها بنحو 245 مليار دولار، وحذا حذوهم آخرون. كما أعربت جمعية الدفاع عن دافعي الضرائب الأوروبيين عن قلقها العميق إزاء تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في استقلالية الاحتياطي الفيدرالي. ولا تظهر الحكومات الأوروبية ولا الاحتياطي الفيدرالي أي استعداد لاتخاذ خطوات عملية، ولا توجد مؤشرات على نقل السبائك الذهبية إلى أوروبا. بل على العكس، تدفقت كميات كبيرة من الذهب إلى الولايات المتحدة منذ فوز ترامب، ما أثار تكهنات بأن الوكالات الحكومية الأمريكية، كحال المستثمرين من القطاع الخاص، ربما تعمد إلى تكديس الذهب، رغم غياب أدلة رسمية تؤكد ذلك. وثمة حقيقة لا تقبل الجدل وهي أن هذه الدعوات المتزايدة لاسترداد الذهب تعكس تفاقماً لأزمة ثقة عميقة. والدافع الأساسي وراء إيداع تلك السبائك في قلب مانهاتن منذ البداية هو اقتناع حلفاء أمريكا الراسخ بأن واشنطن كانت ولا تزال راعي المنظومة الغربية والنظام المالي العالمي المرتكز على الدولار. من جانبهم، عبر كبار مسؤولي الفريق الاقتصادي للرئيس ترامب، وفي مقدمتهم ستيفن ميران رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين، وسكوت بيسنت وزير الخزانة، عن امتعاضهم العلني من «أعباء» هذا النظام، ما يثير تساؤلاً جوهرياً لدى المستثمرين: كيف سترد الدول الأخرى إذا انتقلت المواجهات من الحروب التجارية إلى صدامات تشمل حركة رؤوس الأموال؟ وفي آسيا، بدأت هذه النقاشات تأخذ منحى عملياً، مع سعي المستثمرين نحو تنويع أصولهم، وهو ما يتجلى في الطفرة المتسارعة في مشتريات الذهب، والتقلبات السعرية غير المسبوقة التي شهدتها أسواق هونغ كونغ أخيراً والتي تعكس عزوفاً متزايداً عن الأصول المقومة بالدولار الأمريكي. في الأثناء، رحب المسؤولون الصينيون بالتوسع المطرد لاستخدام الرنمينبي في تسوية المعاملات التجارية الدولية، وذلك في إطار جهود بكين لتطوير نظام مدفوعات مصرفية عبر الحدود كبديل منافس لنظام سويفت العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن. ويتعين على المستثمرين أيضاً متابعة تطورات مبادرة «إم بريدج» - مشروع العملات الرقمية للبنوك المركزية عبر الحدود الذي أطلقه بنك التسويات الدولية عام 2023. ففي العام الماضي، مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً كبيرة أجبرت بنك التسويات على الانسحاب من المشروع، ما أتاح للصين الاستفراد بزمام القيادة فيه، وهي خطوة أعتقد أنها قد تكون بمثابة هدف ذاتي سجلته واشنطن في مرماها. وبالنسبة لأوروبا، فلا يزال موقفها يتسم بالسلبية والتردد، غير أن شخصيات نافذة مثل فرانسوا هايسبورغ - المستشار الأوروبي البارز - بدأت تدعو بإلحاح إلى ضرورة الاستعداد لمرحلة «أوروبا ما بعد أمريكا». وبينما أفضت هذه الدعوات بالفعل إلى تعهدات بزيادة الإنفاق العسكري، فإن بوصلة الاهتمام تتجه الآن نحو مفهوم «الاقتصاد الجيوسياسي» - أي فكرة أن الاعتبارات الاستراتيجية ينبغي أن تشكل المحرك الأساسي للسياسات الصناعية. من جانبهم، يطالب محللون مثل إلمار هيلندورن في المجلس الأطلسي بالمضي قدماً نحو آفاق أبعد، مع تبني سياسة «التمويل الجيوسياسي» أيضاً. وحسب تحليله، تعاني أوروبا من نقطة ضعف جوهرية لا تقتصر على اعتمادها على التمويل بالدولار فحسب، بل تمتد لتعرضها لتقلبات تدفقات رأس المال المضاربة بفعل تنامي الطابع المالي لاقتصادها. وأعرب هيلندورن عن قلقه قائلاً: «باتت قطاعات واسعة من الاقتصاد الأوروبي تخضع لنفوذ قوي، إن لم يكن لسيطرة مباشرة، من مؤسسات وول ستريت التي تخضع في نهاية المطاف للقوانين الأمريكية وللتوجهات المالية الاستراتيجية لواشنطن». ويذهب إنريكو ليتا - رئيس الوزراء الإيطالي السابق - إلى أبعد من ذلك، معرباً عن مخاوفه من تحول القارة العجوز إلى مجرد «مستعمرة مالية» للولايات المتحدة الأمريكية. فهل يمكن تغيير هذا الواقع؟ تتخذ المفوضية الأوروبية خطوات متواضعة في هذا الاتجاه، من خلال تسريع مساعيها لإنشاء سوق رأس مال أوروبية موحدة، كما تنكب البنوك المركزية في مختلف أنحاء القارة على تطوير عملات رقمية عابرة للحدود، ويعكف البنك المركزي الأوروبي ذاته على بناء اليورو الرقمي، مما يؤسس لمنافسة سياسية مثيرة مع واشنطن التي تفضل احتضان العملات المستقرة المرتبطة بالدولار - ويعزى ذلك جزئياً لقناعة وزير الخزانة بيسنت بأن هذا النهج سيخلق طلباً جديداً بقيمة تريليونات الدولارات على سندات الخزانة الأمريكية. غير أن هذه المساعي الأوروبية لا تزال محاطة بقدر كبير من التردد والحذر، مما يجعلها قاصرة عن تحقيق «لحظة عالمية لليورو» - على حد تعبير كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي. ولا يبدو أن هذا الوضع سيشهد تحولاً جذرياً ما لم تضرب أزمة حادة النظام القائم، سواء بانهيار ثقة الأسواق في الدولار (ربما بفعل المخاوف المالية المتصاعدة) أم في انتهاج واشنطن سياسات عدوانية متطرفة تجاه أوروبا. من هنا تبرز أهمية خزائن الذهب في مانهاتن، حيث إنه إذا تجسدت مثل هذه الأزمات، يسهل تصور سيناريو تصر فيه القيادة الأمريكية - في أفضل التقديرات - على استخدام ذلك الرصيد الذهبي كضمان لمبادلات الدولار، أو - في أسوأ الاحتمالات - كأداة للضغط والإكراه السياسي. من جانبه، ينفى البنك المركزي الألماني (البوندسبانك) وجود مثل هذه المخاطر - علناً على الأقل - إذ صرح لصحيفة فاينانشال تايمز: «لا يساورنا أدنى شك في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك شريك جدير بالثقة ويعتمد عليه في حفظ احتياطياتنا الذهبية». وهذا صحيح على الأرجح، لكن النقاش الدائر يكشف أن سيناريوهات كانت تعتبر مستحيلة في السابق أصبحت الآن محل تفكير وتدبر، ومن ثم فإن المطالبة باستعادة الذهب تمثل خطوة عقلانية بامتياز.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store