logo
إماراتيون يُوثّقون «التاريخ».. بطابع بريد من «الزمن الجميل»

إماراتيون يُوثّقون «التاريخ».. بطابع بريد من «الزمن الجميل»

رحلة إلى الماضي من نافذة الطوابع البريدية، يرتحل إليها هواة جمعها، إذ يجدون فيها أكثر من مجرد عملية اقتناء للنوادر، والحنين إلى القديم، إذ يرونها بمثابة إسهام في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، بكل ما تحمله من معالم معمارية وإرث ثقافي، وكذلك أحداث شكلت علامات ومحطات فارقة في مسيرة البلاد.
وأكّد هواة جمع طوابع التقتهم «الإمارات اليوم»، أنه على الرغم من أن الحياة المعاصرة قلّصت أو كادت تُغيّب استخدامنا للطوابع البريدية على نحو كبير، وباتت ذات إصدارات محددة وفي مناسبات سنوية معينة، فإنها لن تختفي، مع أن دورها يتبدل، إذ ستبقى شاهدة على فصول من الزمن الجميل، لتروي الكثير عن معالم وأحداث ومناسبات مهمة.
وقال خبير المسكوكات الإسلامية ومقتني العملات والطوابع، عبدالله المطيري، عن هذه الهواية: «أُحيي كل من يتجه إلى جمع الطوابع، لاسيما في عصر التكنولوجيا والحداثة، إذ إن معظم الجيل الجديد لا تعنيه هذه الهواية، فاقتناء الطوابع وجمعها وتقديمها في معارض يُشكّل رسالة من الآباء إلى الأبناء، لأن من ليس له ماضٍ ليس له حاضر، ومن ليس له تاريخ سيضيع».
وأعرب عن أسفه لأن دور البريد الحقيقي والفعلي كاد ينتهي في الوقت الحالي، مشيراً إلى أنه يمتلك صندوقَي بريد، وكل يومين يفتحهما ولا يجد أي رسالة فيهما، لكن بسبب شغفه يدفع إيجاراً سنوياً لهما، وأضاف المطيري: «الطوابع البريدية باتت تُطبع في مناسبات محددة، كما أن الكميات التي تُطبع بها انخفضت كثيراً، إذ كانت تُطبع بمئات الآلاف، وذلك بخلاف الكثير من الدول»، مستشهداً بحادثة مرّ بها أثناء زيارته إلى مالطا، حيث دخل إلى مكتب البريد واشترى مجموعة من الطوابع الخاصة الصادرة عن المواصلات، مبيناً أنه حتى اليوم يتلقى من المكتب إشعارات بالإصدارات الجديدة من الطوابع، تقديراً لقيامه بشراء مجموعة واحدة منها.
وأعرب عن أمله في أن تستمر المؤسسات في إصدار الطوابع، لربط أبناء اليوم بجيل الأمس، ولكي لا تكون الطوابع مجرد إرث نراه في المعارض الخاصة بها فقط.
ولفت المطيري أيضاً إلى العملات التي لم تعد تستخدم في حياتنا كثيراً، والبعض يتعامل بالدفع الإلكتروني ولا يحمل النقود الورقية من الأصل، علماً بأن العملات ليست للتداول فحسب، بل هي تاريخ وإرث، معتبراً أن دور الإعلام أساسي ومهم في الإضاءة على أهمية هذا الإرث والتاريخ.
إصدارات مهمة
من جهته، قال أمين سر جمعية الإمارات لهواة الطوابع، عمر محمد أحمد معلمي، إن الجيل الجديد قد لا يعرف الكثير عن الطوابع التي تبدّل دورها بالفعل مع الزمن، لكنها في الواقع تُشكّل جزءاً من تاريخ الدولة ومعالمها ومناسباتها العالمية والمحلية، ومن المفترض أن يدرك الشباب أهميتها، مشيراً إلى أن الإمارات شهدت الكثير من الإصدارات المهمة، ويُعدّ الإصدار الأول هو الأهم في أي مجموعة، كونه يحمل معالم كل إمارة.
وأضاف معلمي أن الطوابع التي تحتوي على أخطاء تُعدّ مهمة، إذ قد تشتمل على أخطاء في السعر أو التصميم أو قص في الزوايا، فهذه تُوصف بأنها نادرة، لأنها تكون قليلة، ففي كل مجموعة مكونة من 100 ألف طابع قد يكون هناك 20 طابعاً يتضمن أخطاء، وهذا ما يمنح تلك الطوابع الندرة، وأشار إلى أن إصدار الطوابع اليوم بات محدوداً، إذ لم تعد تستخدم كثيراً، خصوصاً في زمن المراسلات التي أصبحت إلكترونية.
ووجّه معلمي رسالة إلى الشباب الإماراتي بضرورة حضور المعارض المتخصصة، لأنها السبيل للتعرّف إلى أهمية الطوابع وما تحمله من تاريخ، كما أنه على وزارة التربية والتعليم أن تقوم ببعض الفعاليات المتخصصة بالطوابع لفئة الصغار، لما لذلك من دور في بلورة ثقافتهم.
شغف في الثامنة
أما جامع الطوابع وعضو مجلس إدارة جمعية الإمارات لهواة الطوابع، ناصر بن أحمد بن عيسى السركال، فبدأ شغفه وهو في الثامنة من عمره، مشيراً إلى أنه يمتلك مجموعة واسعة تعود إلى عام 1840، حيث تضم أول طابع صدر في العالم ببريطانيا، كما أنه يمتلك مجموعة دبي التي تعود إلى الفترة من عام 1909 إلى 1973، والتي عرضها في مكتبة محمد بن راشد، وتُصنّف مجموعة طوابع دبي بكونها تقليدية.
وأوضح أن مجموعته تغطي الفترة الممتدة منذ تأسيس بريد دبي، وكيف مرّ بالعديد من الإدارات، بدءاً من الإدارة الهندية، مروراً بالباكستانية لفترة وجيزة، ثم الإدارة البريطانية، ثم الإدارة المستقلة (عام 1963)، مشيراً إلى أنها تحتوي على عدد من الطوابع النادرة وبعض الأظرف المختلفة.
وأكّد بأنه بدأ بشغف جمع الطوابع في سن الثامنة، لأنه ورث هذه الهواية عن والده أحمد بن عيسى السركال، وكذلك جده عيسى بن ناصر السركال، وجد والده ناصر بن عبداللطيف السركال، فجميعهم كانوا من هواة جمع الطوابع.
ورأى أن الطوابع ليست مجرد صور وشعارات توضع على الرسائل، بل إنها تُعرّف الدول الأخرى ببلدنا، مستشهداً بطوابع صدرت في عام 1964، وهي مجموعة خاصة بالفضاء وتُبرز نظرة دبي السبّاقة للفضاء، وكيف تحقق هذا الحلم مع انطلاق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ.
ليتها تعود
من ناحيته، أكّد العضو في جمعية الإمارات لهواة الطوابع، محمد خميس محمد، أن جمع الطوابع هواية تقدم فرصة للجمهور للاطلاع على تاريخ لا يعرفونه، لاسيما من خلال المعارض، مضيفاً أن الطوابع تمثّل تاريخ الإمارات، وتروي قصصاً من حول العالم، فكل طابع يحمل دلالته ورمزيته، وبعضها يحمل مؤشرات عن طبيعة الاقتصاد في هذا البلد أو ذاك، فهي تحكي الكثير.
وعبّر عن أسفه لعدم وجود الطوابع في تعاملات اليوم، معرباً عن أمله في أن تكون في حياتنا تعاملات تتطلب استخدام الطوابع مجدداً.
إصدارات مميّزة
أصدرت الإمارات، على مر السنين، العديد من الطوابع البريدية والتذكارية المميّزة، ومنها الطوابع التذكارية لـ«كوب28»، والخاصة بـ«إكسبو 2020 دبي»، للاحتفاء باستضافة المعرض العالمي، وكذلك المجموعات الخاصة بعيد الاتحاد، وتحمل تصميمات مستوحاة من شعاره.
واحتفالاً باليوبيل الذهبي لدولة الإمارات، أصدرت مجموعة بريد الإمارات، الطابع الأول إقليمياً وفق تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال (إن إف تي). وتستخدم المجموعة تقنية «بلوك تشين» لمقتنيات الطوابع الرقمية، ويُعدّ هذا الإصدار إنجازاً نوعياً يجعل منها الأولى إقليمياً على صعيد تبني التقنية المتقدمة في إصدار الطوابع. وعرضت هذه الطوابع للبيع، باعتبارها مقتنيات رقمية مرتبطة بنظيراتها من الطوابع التقليدية.
• الطوابع باتت تُطبع في مناسبات محددة، كما أن كمياتها انخفضت كثيراً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجناح الوطني في بينالي البندقية يستقبل طلبات التدريب حتى 12 أغسطس
الجناح الوطني في بينالي البندقية يستقبل طلبات التدريب حتى 12 أغسطس

صحيفة الخليج

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الخليج

الجناح الوطني في بينالي البندقية يستقبل طلبات التدريب حتى 12 أغسطس

يستقبل الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية، عبر موقعه الإلكتروني، طلبات المشاركة في برنامج التدريب اعتباراً من 12 أغسطس/آب، للإماراتيين والمقيمين الذين عاشوا في الإمارات فترة طويلة ويبلغون 21 عاماً فما فوق. ويقام البرنامج من مايو/أيار إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2026، وذلك ضمن فعاليات المعرض الدولي الحادي والستين للفنون في بينالي البندقية. وقالت ليلى بن بريك، مديرة الجناح: إنه يحرص على تمكين الشباب وتزويدهم بالأدوات والفرص التي يحتاجونها للنجاح في عالم الفن والعمارة الذي يتطور باستمرار، فضلاً عن تسليط المزيد من الضوء على القصص غير المروية عن الإمارات في المحافل الدولية. وأضافت أن «برنامج الجناح الوطني في بينالي البندقية أصبح منصة رئيسية لتنمية مهارات الشباب، وأن مهتمه لا تقتصر على عرض ما لدى الإمارات من فنون وابتكارات على منصة عالمية، بل تمتد لتشمل جانباً تعليمياً وتدريبياً أساسياً». وأوضحت أن العمل مع الجناح يكسب المتدربين الشباب خبرة عملية لا مثيل لها في مجالات مثل تنظيم المعارض، وإدارة المشاريع الفنية الدولية، والتعامل مع الأعمال الفنية، والتواصل الثقافي، وهي فرصة فريدة للتعلم من الخبراء، والعمل جنباً إلى جنب مع فريق متخصص، واكتساب فهم عميق لكواليس أحد أهم الأحداث الفنية في العالم. وأشارت إلى أن «الجناح درب حتى الآن، 328 شاباً وشابة، منهم إماراتيون وآخرون ممن يعيشون منذ فترة طويلة في الدولة، بحيث أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من عائلة الجناح، يمتلكون مهارات جديدة، وأيضاً بشبكة علاقات دولية، وثقة بالنفس، وشغفاً أكبر بمستقبل الفن والثقافة والعمارة، ما يمثل دليلاً حياً على التزام الإمارات بتمكين جيل جديد من المعماريين والفنانين والعاملين في قطاع المعارض الذين سيقودون دفة الابتكار والإبداع في الدولة وخارجها». وأكدت أن الاستثمار في مهارات الشباب هو استثمار في مستقبل مزدهر ودائم، وأن الجناح الوطني سيواصل توفير هذه الفرص انطلاقاً من أن تمكينهم مفتاح بناء مستقبل ثقافي أكثر إشراقاً يسهم في التطور المتسارع للدولة في المجالات المختلفة. ويستقبل الجناح الوطني للإمارات زواره في بينالي البندقية في معرضه «على نارٍ هادئة» منذ العاشر من مايو/أيار الماضي، فيما يستمر المعرض حتى الثالث والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ويمثل بينالي 2025 المشاركة الرابعة عشرة للإمارات في المعارض الدولية للفنون والعمارة التي ينظمها بينالي البندقية، ومشاركتها السادسة في معرض العمارة الدولي. (وام).

سوبرمان يحلق بدبي: الأيقونة الخارقة تضيء برج خليفة وتذهل الزوار
سوبرمان يحلق بدبي: الأيقونة الخارقة تضيء برج خليفة وتذهل الزوار

خليج تايمز

timeمنذ ساعة واحدة

  • خليج تايمز

سوبرمان يحلق بدبي: الأيقونة الخارقة تضيء برج خليفة وتذهل الزوار

عاد سوبرمان بشكل ملحمي إلى الشاشة الكبيرة نهاية هذا الأسبوع، مع إعادة إطلاق من جيمس غان أعادت الروح إلى قصة "الرجل الفولاذي". وبينما لاقت القصة استحسانًا حول العالم - وحصلت على تقييم 83% على Tomatometer - احتفلنا في الإمارات العربية المتحدة ببداية عالم جديد كما نفعل دائمًا، بكل ما أوتينا من قوة. سيطرت الفعاليات الترويجية على النقاط الساخنة مثل سكي دبي وشلال دبي مول ، وحتى أن أحد المسارح في دبي أقام عرضًا سمح للحيوانات الأليفة بدخول قاعة السينما لمشاهدة "كريبتو"، الكلب الخارق وهو يحلق في السماء (وينقذ البطل الخارق). View this post on Instagram A post shared by Warner Bros Middle East (@warnerbrosme) إليكم نظرة على جميع العروض الترويجية الرائعة في المدينة: برج خليفة، داون تاون دبي لقد ترك سوبرمان - و ديفيد كورينسويت - انطباعًا كبيرًا في المدينة عندما عُرضت لقطات من الفيلم على أطول مبنى في العالم. بدأ العرض بكلمات "دبي، انظروا إلى الأعلى" وهي تومض على الواجهة العملاقة. تبع ذلك لقطات من الفيلم الجديد ونظرة جيدة على "الرجل الفولاذي" ونسخته الأخرى، كلارك كينت. العرض كان من تنظيم "ريل سينما". وقد وصف مستخدم إنستغرام brown_beast_uk هذا العرض بأنه "أفضل ترويج لفيلم على الإطلاق". Superman left his mark at Ski Dubai 🧊🦸‍♂️ See the legend and his best friend in action, book tickets now at #VOXCinemas July 10! #GreatMoments @MajidAlFuttaim — VOX Cinemas (@voxcinemas) July 8, 2025 سكي دبي، مول الإمارات قد يحصل باتمان على إشارة ضوئية خفاشية في سماء مدينة جوثام، لكن سوبرمان حصل على ترحيب أروع بكثير نهاية هذا الأسبوع في دبي عندما روجت "فوكس سينما" لقصة الرجل الذي لديه مهمة عن طريق نحت الحرف "S" المميز على كتلة من الجليد. كان تعليق قصة الإنستغرام: "سوبرمان ترك بصمته في سكي دبي." من المؤكد أنك ستلاحظ أشياء جديدة ومثيرة للاهتمام في دبي مول في كل مرة تذهب فيها. إنه مساحة ديناميكية لدرجة أن العلامة التجارية المحلية للجولات السياحية "فرايينغ بان أدفنشرز" (Frying Pan Adventures) لديها جولة طعام مخططة حول المكان. في نهاية هذا الأسبوع، كان هناك شعور أقوى بالأبطال الخارقين، خاصة عند الشلال، حيث إذا نظرت إلى الأعلى، ستجد أنه وسط تماثيل الغواصين كان هناك تمثال لسوبرمان. وكتبت صفحة المول على وسائل التواصل الاجتماعي بمرح: "سوبرمان حلق للتو في دبي مول". View this post on Instagram A post shared by Dubai Mall by Emaar (@thedubaimall) (The Springs Souk) بصفتك والدًا أو والدة لحيوان أليف، فإن أحد أصعب الأشياء التي يجب عليك فعلها هو ترك حيوانك الأليف الرائع في المنزل خلال عطلة نهاية الأسبوع بينما تستكشف المدينة أو تذهب لمشاهدة فيلم. هذا الأسبوع، لم يحتج بعض الآباء والأمهات للحيوانات الأليفة إلى ذلك - فقد تمكنوا من رؤية "الرجل الفولاذي" وجروه اللطيف على الشاشة جنبًا إلى جنب مع كلابهم الخاصة. تعاونت "بيتوورلد الإمارات" (PetWorld UAE) مع "ريل سينما" من إعمار، و"السبرينغز سوق"، و"إعمار دبي" لتقديم متعة حقيقية في 9 يوليو. تم توفير ثلاثين تذكرة مجانية على أساس الأولوية بالحضور، وقد تمكنت الكلاب ذات العيون اللامعة والذيل الكثيف من الذهاب مع أصحابها. إذا لم يكن ذلك متعة خارقة، فلا نعرف ما هي. View this post on Instagram A post shared by 𝗙𝘂𝗿𝗿𝗮𝗿𝗶 #FurHavingFun (@furrariworld) فنادق فيدا (Vida Hotels) هل شعرت يومًا وكأنك في قصة مصورة؟ بعض الأشخاص بالتأكيد شعروا بذلك - في فندق فيدا في وسط مدينة دبي، عندما رأوا سوبرمان يرتدي زيًا خاصًا ويتجول في الصالة، تعلمون، فقط يسترخي. هناك صور تثبت ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، وعنوانها: "سوبرمان في المدينة". View this post on Instagram A post shared by Vida Hotels and Resorts (@vidahotels)

«الرحيل».. قصة تؤسس للسرد النسوي
«الرحيل».. قصة تؤسس للسرد النسوي

صحيفة الخليج

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الخليج

«الرحيل».. قصة تؤسس للسرد النسوي

الشارقة: علاء الدين محمود بعض الأعمال الأدبية تكون بمثابة علامات بارزة في مسيرة أي كاتب، هي لحظة إبداعية لها بريقها الخاص وأثرها في تجربة المؤلف، سواء كانت قصة أو قصيدة أو رواية وغير ذلك من أنماط الكتابة الإبداعية، بحيث لا يشار إلى كاتب معين إلا ويتذكر له الناس النص الأكثر مركزية في مؤلفاته، وذلك ما يسمى بالنصوص الأساسية. قصة «الرحيل»، للكاتبة الرائدة شيخة الناخي، وهي من الأعمال الأكثر شهرة في الإمارات، وربما الخليج، كانت بمثابة بداية قوية للمؤلفة، حيث يعد هذا النص هو التأسيسي في مجال السرد القصصي بالنسبة للنساء الكاتبات، إذ إن شيخة الناخي هي أول امرأة تقوم بنشر قصة قصيرة في الدولة، وهي هذا النص «الرحيل»، ومن هنا فهو يمتلك خصوصية بالنسبة للكاتبة وللقراء في ذات الوقت، ولئن كانت بعض الأعمال تشكل محطة ومنعطفاً مهماً للمؤلف، فإن «الرحيل» كانت نقطة الانطلاق الأولى، لكن أهمية هذا العمل القصصي لا تُختزل فقط في كونه مثل نقطة البداية للسرد النسائي في الإمارات، بل للقيم والأبعاد الجمالية، والأسلوبية اللافتة للكاتبة في توظيف العديد من التقنيات السردية، وكذلك في الفكرة نفسها التي تشير إلى قوة الالتقاط عند الكاتبة. *فكرة منذ الوهلة الأولى جاء العمل منسجماً مع عنوانه الذي صمم كعتبة نصية تسعى لتهيئة القارئ لفكرة وموضوع السرد وهو «الرحيل»، الذي يتضمن مشاعر الوداع والفقد وغير ذلك من أحاسيس طغت على روح النص وتسللت إلى المتلقي، وعمقت الكاتبة هذه الفكرة من خلال مقدمة العمل التي جاء فيها: «الحياة سفينة تعوم فوق بحر غامض عجيب، لا أمان له، يصوّر لك الأحلام حلوةً كخيوط أشعة شمس الغروب الذهبيّة اللامعة المرسلة عبر أطياف الشفق الأحمر الخلّاب، يدغدغ قلوب العاشقين، ويزيد من هيامهم، ويصوّر لهم الأحلام في إطار من خيال متجدّد، كلّما غاب عنهم عاد حاوياً أحلامهم العذبة.. وتارةً تجد هذه السفينة في يمّ هادر ثائر، يأتي على كلّ شيء، يجرفه بتياره الغاضب، لا يرحم ركّابها»، ولعل هذا المقطع يعطي القارئ تلخيصاً لفكرة الحياة نفسها كسفينة تمضي بنا في بحر الحياة كرحلة يخوضها الجميع، حيث إن فكرة الفراق والرحيل أساسية في مسيرة البشر وتفاصيلهم اليومية. تتحدث القصة عن حكاية حب جمعت بين علياء وسعيد، عشق مختلف فلا سبيل للقاء غير لحظات عابرة، وذلك بسبب الواقع الاجتماعي في ذلك الوقت؛ حيث العادات والتقاليد، وهو حب حكم عليه بالموت لأن سعيد، على خلاف علياء، من أسرة فقيرة فكان مصيره الرفض، وكان لذلك أثره في علياء التي عاشت في ظل الكآبة حتى مماتها المروع، لتضعنا الكاتبة أمام رحيل مركب، الأول هو المتعلق بوداع الحبيب الذي أعلن استسلامه وخروجه من حياة محبوبته، والثاني قصة رحيل علياء نفسها عن الدنيا، ولئن كانت هذه الفتاة هي من تجرعت مرارة الفقد في الحالة الأولى، فإن بطل المأساة الثانية هو الأب الذي فجع برحيل ابنته في مشهد مؤثر، فالقصة تقودنا عبر طرق سهلة ولطيفة نحو قضايا النساء بعقد مثل هذه المواجهة المأساوية الملحمية بين الأب وابنته. *أسلوب سردي على الرغم من أن النص هو الأول للكاتبة، فإنه حمل العديد من التقنيات التي أكدت تمكن المؤلفة من أدواتها، خاصة فيما يتعلق بالاختزال والتكثيف، فعلى الرغم من أن الحكاية محرضة على ذكر الكثير من التفاصيل وتوظيف المشهديات والصور وربما الحواريات كذلك، فإن المؤلفة نجحت في عملية التكثيف وصولاً إلى المعنى عبر لحظات وومضات محتشدة بالمعاني الإنسانية، ما جعل السرد يحتفظ بالأبعاد الجمالية والفكرية معاً، حيث مرت الكاتبة من ثقل لحظة موت بطلة الحكاية بحادثة سير وهي تحاول اللحاق بمحبوبها، عبر دعوة المتلقي إلى التأمل في الدوافع الإنسانية وفي الأقدار التي تحكم مصير البشر. كذلك برعت الكاتبة في رسم الشخصيات ومنها شخصية البطلة نفسها التي تقاتل من أجل حبها رغم القهر والظروف، بالتالي هي نموذج إيجابي لم يستسلم، وفي المقابل كانت هناك شخصية سلبية وهي التي جسدها سعيد الذي لم يفعل الكثير من أجل محبوبته فقد أعلن الرحيل، بينما هناك شخصية هي الأكثر تعقيداً تجمع بين المحبة والتسلط في ذات الوقت، وهي التي جسدها الأب، كما نجحت الكاتبة في توصيل المشاعر المتناقضة عبر وصف أحاسيس علياء وتصوراتها عن الحياة، ما يخلق نوعاً من التعاطف مع قضيتها وموقفها، ولعل النقطة الأكثر إشراقاً في النص تطور القصة نفسها من لحظات هادئة إلى قمة الصراع الذي أخذ أشكالاً وأبعاداً متنوعة. *سيرة كتبت شيخة الناخي قصة الرحيل عام 1970، وشاركت بها في مسابقة للكتابة الإبداعية التي نظمتها وزارة الشباب والإعلام حينها لتشجيع الأقلام الناشئة على الكتابة، ففازت هذه القصة بالمركز الأول، وكان ضمن لجنة تحكيم المسابقة الراحل الدكتور نجيب الكيلاني، ونشر النص في عدد من المجلات مثل «أخبار دبي»، و«صوت المرأة»، في الشارقة، وترجمت إلى العديد من اللغات، ثم نشرت القصة ضمن مجموعة قصصية تحمل ذات الاسم عام 1992 صدرت عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store