
هل تؤثر آلية الزناد على صادرات النفط الإيرانية؟
تُعدّ آلية الزناد (سناب باك) جزءاً من آلية تسوية الخلافات في الاتفاق النووي، أي أنها تعني عمليًا إعادة العقوبات الأممية السابقة بموجب قرارات مجلس الأمن ما قبل القرار 2231، وقد تحولت هذه الأيام إلى أداة بيد بعض الدول الأوروبية للضغط والابتزاز السياسي.
وبعيدًا عن مسألة عدم امتلاك أوروبا أي حق قانوني لتفعيل هذه الآلية ضد إيران، يبقى السؤال: إذا ما تم تفعيلها، هل سيكون لذلك تأثير فعلي على صادرات النفط الإيرانية؟.
حالياً، وكما أكد وزير النفط الإيراني، فإن صادرات النفط تجري وفق ما هو مخطط له. ووفق بيانات شركة "ورتكسا"، بلغ متوسط صادرات النفط الخام الإيراني خلال الفترة من 1 إلى 20 يونيو/حزيران 2025 نحو 1.8 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى مسجَّل حتى الآن.
بمعنى أن إيران تبيع نفطها بأقصى طاقتها الإنتاجية، رغم أن أشد العقوبات الأميركية مطبقة بالفعل على قطاع النفط الإيراني، وتشمل جميع جوانب التجارة النفطية. ومع ذلك، ما زالت صادرات النفط الإيرانية مستمرة بقوة.
وفي حال تفعيل آلية الزناد، فلن تكون هناك عقوبات جديدة يمكن فرضها على تجارة النفط الإيراني تتجاوز الوضع القائم، لأن كل ما يمكن فرضه من عقوبات قد فُرض بالفعل من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها.
لذلك، فإن تفعيل آلية الزناد لن يضيف قيوداً أو عراقيل جديدة على صادرات النفط الإيرانية. فحتى الآن، جميع الكيانات والأشخاص المرتبطين بقطاع النفط الإيراني، بمن فيهم وزير النفط ومدير الشركة الوطنية للنفط، خاضعون للعقوبات. ولطالما حاولت الولايات المتحدة خفض أو حتى تصفير صادرات النفط الإيرانية، لكن طهران نجحت في إيجاد طرق متعددة للاستمرار في البيع رغم أقسى الظروف، مستندة إلى خبرة طويلة في الالتفاف على العقوبات وإبطال مفاعيلها.
صحيح أن العقوبات، في منطق التجارة الحرة العالمية، تسببت في تكاليف إضافية وأحياناً عراقيل للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكنها لم تكن يوماً عائقاً أمام استمرار تدفق عوائد النفط، ولن تكون كذلك مستقبلاً.
فما كان بوسع الغرب بقيادة الولايات المتحدة أن يفعله من أجل وقف أو تقييد صادرات النفط الإيرانية، قد نفّذه بالكامل، ولم يعد هناك مجال لإجراءات جديدة يمكن أن يضيفها تفعيل آلية الزناد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اذاعة طهران العربية
منذ 6 ساعات
- اذاعة طهران العربية
موسكو: لا يحق للترويكا الأوروبية اللجوء إلى آلية "سناب باك"
وجاء ذلك في تصريحه اليوم السبت حيث قال: يدين الاتحاد الروسي بشدة استخدام (الكيان) الإسرائيلي وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية الخاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأغراض عسكرية؛ مضيفا: هذه الأعمال هي انتهاك صارخ ل ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية ونظام الوكالة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية ذات الصلة. وتابع الممثل الدائم ل روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا: هذا العمل غير مقبول ولا يمكن تبريره وهذه الإجراءات لا تمثل سوى ضربة أساسية لآلية عدم انتشار الأسلحة النووية في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) وتضعف مصداقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفيما يتعلق بإدانة المجتمع الدولي للهجمات على إيران، أضاف هذا الدبلوماسي الروسي: بالطبع، يعود الأمر لكل دولة لتقرر بشكل مستقل إدانة هذه الهجمات وخلال الاجتماعين الخاصين ل مجلس محافظي الوكالة اللذين عقدا في شهر حزيران/يونيو، اتخذ العديد من الأعضاء هذا الموقف ولكن بينما اعتبر عدد كبير من الدول أن أفعال (الكيان) الإسرائيلي غير مقبولة، للأسف، كان عدد أقل بكثير منها مستعدا لإدانة أمريكا بعد انضمامها إلى الهجمات الإسرائيلية. وتابع: في الوقت نفسه، بما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كمنظمة دولية، هي المرجع الأنسب لاتخاذ موقف بشأن مثل هذه القضية، فمن المتوقع أن تدين بوضوح الهجمات على المنشآت النووية الخاضعة للضمانات على مستوى قيادة الأمانة العامة والهيئات المسؤولة عن اتخاذ القرارات؛ مشيرا إلى أن هذا الأمر لم يتحقق بعد في الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى الآن. وعن العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد الهجمات الأمريكية والصهيونية على إيران؛ قال هذا المسؤول الروسي: الوقت سيخبرنا بكل شيء. ومع ذلك، يمكننا القول حتى اليوم إن العلاقات بين إيران وأمانة الوكالة دخلت على الأرجح في مرحلة جديدة. فمنذ شهرين، لم يتم تطبيق الضمانات في إيران ولم يتم تنفيذ أي نشاط للتحقق، بينما لا تزال إيران عضوا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT). وأضاف: بشكل عام إن طهران، بعد ما حدث، تسعى لضمان أمنها وحماية مصالحها وهذا أمر مفهوم تماما ويجب الاعتراف به بلا شك. ومن ناحية أخرى، وكما قلت، إيران عضو في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ولديها اتفاقية ضمانات شاملة سارية المفعول مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبالتالي فهي ملزمة بضمان تنفيذها. وحول حق إيران في اتخاذ نهج جديد تجاه نشاطات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقال "أوليانوف": هذا سؤال دقيق جدا وحساس؛ مضيفا: على إيران والوكالة أن يقوما بصياغة أسلوب تعاون مقبول للطرفين في ظل الظروف الراهنة كما تم اتخاذ الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف بزيارة الفريق الفني للوكالة إلى طهران في 11 آب/أغسطس. ويبدو أن الطرفين مستعدان لمواصلة المفاوضات. وعن موضوع "سناب باك" قال الممثل الدائم ل روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا: موقفنا هو أنه لا يحق للدول الأوروبية الثلاث اللجوء إلى آلية "سناب باك"؛ مردفا بالقول: ادعاءات فرنسا وألمانيا وبريطانيا بقدرتها على القيام بذلك لا أساس قانوني لها والدول الأوروبية الثلاث لا تزال تنتهك الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن رقم 2231، وما لم تعد إلى التنفيذ الصادق لالتزاماتها، فلا يمكنها اللجوء إلى أحكام أخرى من الاتفاق. وأضاف: تستند هذه التقييمات إلى رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري في عام 1971 بشأن التداعيات القانونية لاستمرار وجود جنوب أفريقيا في ناميبيا؛ مردفا بالقول: بالمناسبة، يؤكد هذا الرأي مبدأ أساسيا وهو أن الطرف الذي لا يلتزم بالتزاماته لا يمكن أن يعترف بأنه يمتلك الحقوق التي يدعي أنها تنشأ من هذه العلاقة. واستطرد "أوليانوف" قائلا: الاتحاد الروسي يدرك أن هذه الدول الثلاث، في سعيها لتفعيل "سناب باك"، تتأثر باعتباراتها السياسية قصيرة النظر وليس لديها استراتيجية خروج أو أي استراتيجية بشأن الهدف النهائي لأفعالها. وتابع: نأمل أن يسود المنطق السليم والشعور بالمسؤولية، وأن تمتنع الأطراف الغربية في النهاية عن هذا الإجراء. وإلا، فإن هذا النهج غير البناء سيعطل المسار الدبلوماسي بين إيران والغرب. وحول مسار التعاون بين إيران و روسيا والصين فأوضح هذا المسؤول الروسي" أننا نؤمن بأن التعاون الثلاثي بين روسيا وإيران والصين ذو قيمة كبيرة. ويجب تشجيعه وتعزيزه وتوسيعه ويجب علينا توسيع تعاوننا في مختلف القضايا على الساحة الدولية." وعن المفاوضات المحتملة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، قال "أوليانوف": المفاوضات بين إيران وأمريكا يمكن أن تكون ذات أهمية قصوى ولكن هذه المفاوضات ممكنة فقط عندما لا تتجاهل واشنطن ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التزامات إيران بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بل تضمن وتحترم حقوقها أيضا. وأضاف الممثل الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا: أولا وقبل كل شيء، يتعلق هذا الأمر بحق تخصيب اليورانيوم تحت رقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو حق ينبع بوضوح ودون أي لبس من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)؛ مؤكدا : إذا اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بذلك فسيصبح التوصل إلى اتفاق في إطار منطقي أمرا ممكنا.


اذاعة طهران العربية
منذ 10 ساعات
- اذاعة طهران العربية
هل تؤثر آلية الزناد على صادرات النفط الإيرانية؟
لوّحت بعض الدول الأوروبية خلال الشهر الماضي مرارًا بأنها تعتزم، رداً على ما تصفه بـ"انتهاك إيران لتعهداتها النووية"، تفعيل آلية "العودة التلقائية للعقوبات" (المعروفة بـ"سناب باك" أو آلية الزناد)، وهي جزء من الاتفاق النووي. تُعدّ آلية الزناد (سناب باك) جزءاً من آلية تسوية الخلافات في الاتفاق النووي، أي أنها تعني عمليًا إعادة العقوبات الأممية السابقة بموجب قرارات مجلس الأمن ما قبل القرار 2231، وقد تحولت هذه الأيام إلى أداة بيد بعض الدول الأوروبية للضغط والابتزاز السياسي. وبعيدًا عن مسألة عدم امتلاك أوروبا أي حق قانوني لتفعيل هذه الآلية ضد إيران، يبقى السؤال: إذا ما تم تفعيلها، هل سيكون لذلك تأثير فعلي على صادرات النفط الإيرانية؟. حالياً، وكما أكد وزير النفط الإيراني، فإن صادرات النفط تجري وفق ما هو مخطط له. ووفق بيانات شركة "ورتكسا"، بلغ متوسط صادرات النفط الخام الإيراني خلال الفترة من 1 إلى 20 يونيو/حزيران 2025 نحو 1.8 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى مسجَّل حتى الآن. بمعنى أن إيران تبيع نفطها بأقصى طاقتها الإنتاجية، رغم أن أشد العقوبات الأميركية مطبقة بالفعل على قطاع النفط الإيراني، وتشمل جميع جوانب التجارة النفطية. ومع ذلك، ما زالت صادرات النفط الإيرانية مستمرة بقوة. وفي حال تفعيل آلية الزناد، فلن تكون هناك عقوبات جديدة يمكن فرضها على تجارة النفط الإيراني تتجاوز الوضع القائم، لأن كل ما يمكن فرضه من عقوبات قد فُرض بالفعل من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها. لذلك، فإن تفعيل آلية الزناد لن يضيف قيوداً أو عراقيل جديدة على صادرات النفط الإيرانية. فحتى الآن، جميع الكيانات والأشخاص المرتبطين بقطاع النفط الإيراني، بمن فيهم وزير النفط ومدير الشركة الوطنية للنفط، خاضعون للعقوبات. ولطالما حاولت الولايات المتحدة خفض أو حتى تصفير صادرات النفط الإيرانية، لكن طهران نجحت في إيجاد طرق متعددة للاستمرار في البيع رغم أقسى الظروف، مستندة إلى خبرة طويلة في الالتفاف على العقوبات وإبطال مفاعيلها. صحيح أن العقوبات، في منطق التجارة الحرة العالمية، تسببت في تكاليف إضافية وأحياناً عراقيل للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكنها لم تكن يوماً عائقاً أمام استمرار تدفق عوائد النفط، ولن تكون كذلك مستقبلاً. فما كان بوسع الغرب بقيادة الولايات المتحدة أن يفعله من أجل وقف أو تقييد صادرات النفط الإيرانية، قد نفّذه بالكامل، ولم يعد هناك مجال لإجراءات جديدة يمكن أن يضيفها تفعيل آلية الزناد.


ساحة التحرير
منذ 2 أيام
- ساحة التحرير
قمة ألاسكا: مصير أوكرانيا على جليد هش!سعيد محمد
قمة ألاسكا: مصير أوكرانيا على جليد هش! تتجه الأنظار إلى أنكوريج في أقصى شمال العالم حيث يسعى ترامب لعقد صفقة شخصية مع بوتين تنهي حرب أوكرانيا، فيما يتوجس الأوروبيون والأوكران من تسوية تتم على حسابهما. سعيد محمد* تتجه أنظار العالم غداً الجمعة إلى أنكوريج، في ولاية ألاسكا، حيث اكتملت الاستعدادات لقمة ثنائية طارئة تجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في أحدث محاولة للتوصل إلى تسوية تنهي الحرب في أوكرانيا. وبينما يلوّح ترامب بـ 'عواقب وخيمة جداً' إذا رفض بوتين وقف القتال، يسود قلق عميق في العواصم الأوروبية وكييف من أن هذه القمة، التي تم ترتيبها على عجل وبغياب الخبراء وبمعزل عن الحلفاء الرئيسيين، قد تتحول إلى 'يالطا جديدة' – تربط يالطا في الذاكرة السياسية بتقسيم العالم بين القوى الكبرى إشارة إلى قمة 1945 التي جمعت ستالين وروزفلت وتشرشل (بريطانيا) لمناقشة ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية -، يبرم فيها مصير أوكرانيا، ومستقبل أمن أوروبا كلها دون حضورهما. وتأتي القمة في لحظة تقاطع حرجة، حيث يتبنى الرئيس الأمريكي نهجاً دبلوماسياً شخصياً ومتقلباً، ويواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أزمات داخلية وعسكرية خانقة، بينما يحقق الجيش الروسي تقدماً بطيئاً لكن مضطرداً على الأرض ويجد القادة الأوروبيون أنفسهم محشورين في دائرة انعدام التأثير، ويكاد دورهم يقتصر على الجعجعة بشروط انتصار موهوم للغرب. من وجهة نظر الإدارة الجمهورية في البيت الأبيض، تمثل القمة فرصة لإثبات فعالية أسلوب الرئيس القائم على عقد الصفقات الشخصية. فبعد أشهر من التعبير عن الإحباط من استمرار الحرب، يعتقد ترامب أن لقاءً وجهاً لوجه مع بوتين قد يكسر الجمود. وقد صرح للصحفيين بأنه سيعرف 'في أول دقيقتين' ما إذا كان التوصل إلى اتفاق ممكناً، واصفاً الاجتماع تارة بأنه 'جلسة استكشافية'، وتارة أخرى مهدداً بعواقب لم يحددها إذا لم يحصل على ما يريد. وتتلخص رؤية الرئيس الأمريكي في أن استمرار الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا عبء يجب التخلص منه، وأن الحل يكمن في جلوس الأطراف المتصارعة على طاولة المفاوضات، حتى لو كان الثمن تنازلات مؤلمة. وهو لا يرى في بوتين العدو الذي يتحدث عنه الكثيرون في الغرب، بل يعتبره لاعباً براغماتياً يمكن التوصل معه إلى تفاهمات. وفي حساباته الذاتية، فإن تحقيق السلام، حتى لو كان منقوصاً، سيقدمه للناخب الأمريكي كـ 'صانع سلام' قوي، على نقيض الإدارات السابقة التي اتهمها بإطالة أمد الصراعات. على أنّ هذا النهج يثير قلقاً بالغاً في دوائر السياسة الخارجية التقليدية في واشنطن. فالقمة تفتقر إلى التحضير الدبلوماسي المعتاد الذي يقوده مجلس الأمن القومي، بل وشهد المجلس ووزارة الخارجية موجة من عمليات التسريح والاستقالات التي أفرغت الإدارة من المتخصصين في الشأن الروسي والأوكراني. ويقود المفاوضات من الجانب الأمريكي شخصيات مثل ستيف ويتكوف، سمسار العقارات المفتقر للخبرة في السياسة الخارجية، ما يترك ترامب معزولاً عن المشورة المتخصصة في مواجهة مفاوض مخضرم مثل بوتين. ويشير دبلوماسيون سابقون إلى أن الرئيس الروسيّ، المعروف بتمكنه من التفاصيل وقدرته على استغلال نقاط ضعف محاوريه، قد يجد في ترامب خصماً سهل الإقناع. وتزيد من هذه المخاوف سابقة قمة هلسنكي عام 2018، حين بدا أنه يتبنى رواية بوتين بشأن عدم تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية على نقيض استنتاجات أجهزته الاستخباراتية – ثبت لاحقاً أنها استنتاجات مسيسة ولا أساس لها من الصحة -. ويزعم الساسة الديمقراطيون في واشنطن أن الجمع بين حاجة وشهيّة ترامب لتحقيق 'نصر' دبلوماسي سريع تزامناً مع فراغ الخبرة المحيط به يخلق وصفة مثالية لمخاطرة كبرى قد تكون نتائجها عكسية على المصالح الأمريكية والأوكرانية. من الجانب الآخر، يدخل فلاديمير بوتين القمة في موقع قوة تكتيكي. فالرئيس الروسي ليس يائساً لإنهاء الحرب، بل يريد حسمها سلماً أو حرباً وفق شروطه التي تضمن له مكاسب استراتيجية دائمة. ولعل هدفه الأول من قبول المشاركة في القمة كسر العزلة الدولية التي فُرضت على روسيا، والظهور بمظهر الند للرئيس الأمريكي، متجاوزاً بذلك أوروبا وأوكرانيا. ويبدو أن عقد القمة على أرض أمريكية يعد بالفعل وبغض النظر عن نتائجها انتصاراً دعائياً بالنسبة لموسكو. ويقدّر الخبراء بأن بوتين سيسعى إلى تثبيت مكاسبه العسكرية على الأرض. إذ يسيطر الجيش الروسيّ على مساحات واسعة من شرق وجنوب أوكرانيا، وأي اتفاق يجمّد خطوط التماس الحالية، أو يعترف بـ 'الواقع على الأرض'، سيكون بمثابة إعلان نصر للكرملين. وسيهدف إلى الحصول من ترامب على ضمانات أمنية طويلة الأمد، وعلى رأسها حياد أوكرانيا ومنع انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يعتبر توسعه شرقاً تهديداً وجودياً لروسيا. ومن المرجح أن استراتيجية بوتين التفاوضية ستتركز على محاولة تقديم صفقة ترضى غرور ترامب. وتشير تسريبات عشية القمة إلى أن موسكو طرحت أفكاراً مثل 'تبادل الأراضي' ووقف إطلاق النار مقابل انسحاب القوات الأوكرانية بالكامل من منطقة دونيتسك الشرقية. وبذلك سيحاول بوتين تصوير نفسه على أنه الطرف الراغب في السلام، وأن نظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي هو العقبة أمام فرص التسوية بسبب 'تشدده' ورفضه تقديم تنازلات. ويأمل بوتين أن يضع ملف أوكرانيا ضمن سلة تشمل مسائل اقتصادية واستثمارية ودبلوماسية عدة بحيث يمكن إغواء ترامب بصفقة يمكن فرض خلاصتها الأوكرانية لاحقاً على كييف، أو على الأقل دق إسفين بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين من بوابة فرص الاستثمار والتعاون الروسي- الأمريكي في التجارة وإدارة الموارد. في برلين وباريس ولندن، أثارت القمة المرتقبة حالة من الاستنفار الدبلوماسي. حيث يخشى القادة الأوروبيون من صفقة متسرعة تتجاهل مصالح أوكرانيا وأمن القارة ككل. وقد سارع المستشار الألماني فريدريش ميرتز، بالتعاون مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقادة آخرين، إلى تنظيم مكالمة فيديو عاجلة مع ترامب قبل القمة في محاولة لتوحيد الموقف ووضع 'خطوط حمراء'. ووفقاً لمصادر أوروبية، فقد تم التأكيد في المكالمة على مطالبات يراها الأوروبيون أساسية بما في ذلك أولوية وقف شامل للقتال قبل مناقشة أيّة تسوية سياسية، وعدم اتخاذ قرارات مصيرية بشأن أوكرانيا في غيابها، وأن يظل أي تفاهم حول 'تبادل الأراضي' قراراً سيادياً أوكرانياً بحتاً على أن يتضمن أي اتفاق سلام دائم ضمانات أمنية لأوكرانيا، مع عدم إغلاق الباب أمام طموحاتها المستقبلية في الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي. وكخط رجعة في حال فشل المفاوضات بسبب 'تعنت بوتين' يريد الأوروبيون أن تعمل الولايات المتحدة وأوروبا على تكثيف العقوبات لخنق روسيا اقتصادياً، بما في ذلك فرض عقوبات ثانوية على الشركاء التجاريين الرئيسيين لموسكو. وعلى الرغم من أن ترامب وصف المكالمة مع الزعماء الأوروبيين بال'جيدة جداً و 10/10″، وإعلانه رغبته في أن يتبع قمة ألاسكا لقاء ثلاثي يجمعه مع بوتين وزيلينسكي، مع التلويح ب'عقوبات وخيمة' إن لم يوافق الرئيس الروسي على وقف الحرب، إلا أن القلق في برلين وباريس ولندن لا يزال قائماً، إذ يعي الأوروبيون أن الرئيس الأمريكي قد يغير موقفه سريعاً بمجرد أن يكون في غرفة واحدة مع بوتين، فيما موقفهم ضعيف نسبياً، وهم يدركون أن قدرتهم على اسناد أوكرانيا عسكرياً ومالياً محدودة للغاية حال قررت واشنطن تغيير مسارها، ورهانهم يعتمد كليّة على حسن نية ترامب والتزامه بوعوده السائلة لهم. أما بالنسبة لزيلينسكي، فتأتي القمة في 'أحلك ساعة' على حد وصف نيويورك تايمز. فالرئيس الأوكراني يواجه ضغوطاً هائلة على جبهتين: عسكرياً، حيث تحقق القوات الروسية مكاسب بطيئة ولكن ثابتة على خطوط دفاعه المنهكة؛ وسياسياً، حيث تراجعت شعبيته محلياً بعد أزمة تتعلق بمحاولاته للحد من استقلالية هيئات مكافحة الفساد، وبدا حينها أن الأمريكيين قد لا يمانعون في رحيله عن السلطة. السيناريو الكابوسي لكييف أن يتم إجبارها على الاختيار بين أمرين: إما قبول صفقة غير عادلة وغير مستدامة تفرض عليها التنازل عن أراضٍ وسيادة، أو رفض الصفقة ومواجهة غضب إدارة ترامب التي قد تعاقبها بوقف المساعدات العسكرية والاستخباراتية التي لا يمكن عملياً للجيش الأوكراني الاستمرار بالقتال من دونها. ويحاول زيلينسكي، مستعيناً بالدعم الأوروبي، التأثير على ترامب من خلال التحذير المسبق من 'مخاتلة' بوتين الذي – وفق زيلينسكي دائماً – سيحاول التقليل من تأثير العقوبات الغربية على روسيا، والتأكيد على أن موسكو لا ترغب بتحقيق السلام بقدر ما تسعى لتفكيك أوكرانيا بالكامل ونزع سيادتها. كما يكرر خطوطه الحمراء بأن الدستور الأوكراني يمنعه من التنازل عن الأراضي، وأن أي اتفاق يجب أن يحظى بموافقة البرلمان والشعب، وهو أمر شبه مستحيل في ظل الرفض الشعبي والعسكري الواسع لأي تنازلات إقليمية. سيحدد نجاح هذه القمة – أو فشلها – ليس مصير أوكرانيا فحسب، بل أيضاً مستقبل التحالف عبر الأطلسي، وربما شكل النظام العالمي لعقود قادمة. ولعل التحدي – والفرصة في ذات الآن – الذي يواجه الزعيمين يكمن في جسر الهوة السحيقة بين تصوراتهما للتسوية. فترامب يريد حلاً سريعاً يريحه من 'العبء الأوكراني'، بينما يسعى بوتين إلى إعادة تعريف النظام الأمني في أوروبا بما يحفظ مصالح روسيا. وفي المدرجات عن بعد، تقف أوكرانيا وأوروبا، بلا حول ولا قوة، يتغشاهما القلق من أن يأتي نجاح القمة على حسابهما. – لندن 2025-08-15