logo
الدولار في مرمى النيران.. هل يفقد سلاح أميركا الناعم بريقه؟

الدولار في مرمى النيران.. هل يفقد سلاح أميركا الناعم بريقه؟

ففي النصف الأول من عام 2025، تراجع مؤشر الدولار الأميركي بنسبة بلغت نحو 11 بالمئة، وهو الهبوط الأسوأ منذ أكثر من خمسة عقود، مما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية، خصوصًا مع ازدياد الحديث عن مستقبل العملة الأميركية كـ"سلاح ناعم" لطالما استخدمته واشنطن في معاركها الاقتصادية والجيواستراتيجية حول العالم.
السبب؟ سلسلة من الأزمات المتشابكة تبدأ من الديْن العام الأميركي الذي تجاوز 37 تريليون دولار، ولا تنتهي عند الحرب التجارية التي يخوضها الرئيس دونالد ترامب مع الشركاء التقليديين والحلفاء الاقتصاديين، ولاسيما رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول.
أزمة ثقة؟ أم تحوّل بنيوي؟
يرى محللون أن ما يمر به الدولار ليس تراجعًا تقنيًا أو طارئًا عابرًا، بل يعكس تحولًا بنيويًا عميقًا في مكانة العملة داخل النظام العالمي. يقول جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، خلال مداخلة على برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، إن "الضغوط على الدولار بدأت منذ مطلع العام، لكنها تسارعت في الأسابيع الأخيرة، لدرجة أن الانخفاض بلغ 11 بالمئة، بينما شهد المؤشر العام للعملة تراجعًا يقترب من 8 بالمئة في أسبوعين فقط".
ويضيف يرق أن مؤشرات البنوك الكبرى توحي بإمكانية استمرار هذا المسار، حيث "ترى مؤسسات مثل جي بي مورغان ومورغان ستانلي أن الدولار قد يتراجع بين 5 بالمئة و10 بالمئة إضافية خلال 12 شهرًا"، مما يسلّط الضوء على حجم القلق المتنامي في السوق.
ترامب في مواجهة الفيدرالي
من أبرز المحركات لهذا التراجع، بحسب يرق، تصاعد الحرب الكلامية والضغوط السياسية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الفيدرالي جيروم باول. فترامب الذي يسعى لتحفيز الصادرات الأميركية وتقليل عجز الميزان التجاري يدفع نحو إضعاف مقصود للدولار بهدف تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الأميركية في الخارج.
هذا التوجه يتعارض مع مسار الاحتياطي الفيدرالي الساعي إلى إبقاء العملة مستقرة ومحاربة التضخم ، وهو ما جعل العلاقة بين المؤسستين تصل إلى نقطة الغليان. يقول يرق: "ترامب يريد دولارًا ضعيفًا ولكن ليس منهارًا، لأنه يعتقد أن ذلك يعطيه قوة تفاوضية في الاتفاقيات التجارية، ويحفّز النمو الاقتصادي عبر التصدير".
لكن ما يثقل كاهل الدولار أكثر هو تسارع نمو الدين العام الأميركي. بحسب تصريحات يرق، ارتفع الدين الأميركي من 23 تريليون دولار عام 2020 إلى أكثر من 37 تريليونًا اليوم، وهو رقم صادم يعكس اختلالات بنيوية في المالية العامة الأميركية.
ويرى يرق أن جزءًا من هذا التصاعد مرتبط بقرارات سياسية مباشرة، مثل الحوافز الضريبية التي أقرّها الكونغرس بمباركة الرئيس ترامب، والتي قد تُضيف بين 3.6 و5 تريليونات دولار إلى الدين في العقد المقبل.
المؤشر الأخطر بحسب يرق هو بلوغ نسبة الدين إلى الناتج القومي حوالي 100 بالمئة مع نهاية السنة، ما يعني أن كل دولار يدخل إلى الاقتصاد الأميركي بات يقابله دولار من الديْن، في صورة تبدو أكثر شيوعًا في الاقتصادات الناشئة لا في أكبر اقتصاد عالمي.
هروب تدريجي من الدولار
الأرقام وحدها لا تكشف الصورة الكاملة. ففي خلفية هذا المشهد، يجري تحول استراتيجي في سلوك البنوك المركزية العالمية التي بدأت تخفّض تدريجيًا احتياطاتها الدولارية. يشير يرق إلى أن هذه الاحتياطات تراجعت بنسبة 20 بالمئة في العقدين الأخيرين، بينما تتجه الاقتصادات الناشئة الكبرى مثل الصين والهند والبرازيل نحو تنويع سلال احتياطاتها بالذهب واليوان واليورو.
ويقول جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets،: "نشهد منذ بداية 2025، تزايد المطالبات من بنك الشعب الصيني بزيادة حصة اليوان في الاحتياطات العالمية، رغم أن نسبته الحالية لا تتعدى 2.3 بالمئة. هذا التحرك الصيني ليس منفردًا، فمجموعة بريكس أيضًا تسعى إلى تطوير بدائل للدولار في التجارة والاستثمار".
الصدمة الكبرى لا تكمن فقط في الاقتصاد ، بل في السياسة. إذ يكشف يرق أن من أهم أسباب تراجع الثقة بالدولار هو الإفراط الأميركي في استخدام العملة كأداة عقوبات وضغط سياسي، خصوصًا تجاه روسيا والصين وإيران.
يقول: "رأينا كيف تسببت العقوبات في رد فعل معاكس؛ فبدلاً من إخضاع الأنظمة المستهدفة، دفعتها للبحث عن بدائل من خارج النظام المالي الأميركي. وشهدنا ارتفاعًا في الطلب على الذهب بنسبة 27 بالمئة في 2024، واستمرارًا في اتجاه تنويع الأصول بعيدًا عن الدولار".
هذا الاستخدام السياسي للدولار، بحسب يرق، أضر بسمعة العملة وجعلها سلاحًا مزدوج الحدين. ويضيف: "بعض الدول باتت تنظر للدولار كتهديد وليس كملاذ، مما يسرّع اتجاهها لتقليل الاعتماد عليه".
الدولار لا ينهار.. لكنه يضعف
رغم الصورة القاتمة، لا يرى يرق أن الدولار على وشك الانهيار، بل يشدد على أن الولايات المتحدة ما تزال أكبر اقتصاد في العالم، بقدرات مالية وتقنية هائلة، وأسواق استثمار جذابة.
لكن في المقابل، فإن التحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على مكانة الدولار وسط تغيرات بنيوية في الاقتصاد العالمي، وتحولات في موازين القوة الجيوسياسية.
ويقول: "أحد أهم عوامل قوة الدولار في 2023 و2024 كان الخوف من الأزمات، ولجوء المستثمرين إلى السندات والأسهم الأميركية. اليوم، مع تزايد العوائد على الأصول الأخرى، وتراجع الثقة بالاستقرار السياسي، قد نرى خروجًا تدريجيًا من الدولار على المدى القصير والمتوسط".
في خضم هذا التحوّل، يبدو أن الملاذات الآمنة بدأت تتعدد، ولم يعد الدولار هو الخيار الوحيد. الذهب يشهد صعودًا متسارعًا، واليوان الصيني يفرض نفسه ولو ببطء، واليورو يعود تدريجيًا للواجهة كخيار احتياطي معقول.
ويرى يرق أن دول الخليج والدول العربية التي ترتبط عملاتها بالدولار، عليها أن تبدأ بوضع خطط تنويع تدريجي، سواء في احتياطاتها أو في تسعير بعض العقود الكبرى، خصوصًا في ظل تقلبات الدولار وارتباطه المباشر بالسياسة الأميركية.
ويختم بالقول: "لا نريد انهيار الدولار، لكن الضعف المدروس قد يكون مصلحة أمريكية، لأنه يفتح فرصًا جديدة للصادرات، ويمنح مرونة تفاوضية. التحدي الآن هو كيف تدير واشنطن هذا التراجع دون فقدان السيطرة".
الدولار يترنح، لكنه لم يسقط. النزيف مستمر بفعل الدين العام، والسياسات التجارية، وسلاح العقوبات، وتراجع الثقة العالمية. وبينما يراهن ترامب على ضعف العملة لتعزيز الصادرات، يرى الفيدرالي الخطر في تضخم غير قابل للسيطرة. وبين هذا وذاك، يتجه العالم نحو واقع مالي جديد يتطلب من الجميع – خصوصًا في المنطقة العربية – إعادة التفكير في سلالهم الاستثمارية وارتباطاتهم النقدية.
فهل يدخل العالم عصر ما بعد الدولار؟ أم أنّ الإمبراطورية الخضراء لا تزال قادرة على الدفاع عن تاجها؟
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يقلّص المهلة لبوتين.. وموسكو تعتبرها خطوة للحرب
ترامب يقلّص المهلة لبوتين.. وموسكو تعتبرها خطوة للحرب

صحيفة الخليج

timeمنذ 15 دقائق

  • صحيفة الخليج

ترامب يقلّص المهلة لبوتين.. وموسكو تعتبرها خطوة للحرب

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقليص المهلة التي منحها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، محدداً إياها ب«10 أو 20 يوماً» فقط، في موقف قوبل بترحيب فوري من كييف بالموقف الأمريكي «الحازم». وجاء ذلك فيما لم يستبعد الكرملين عقد لقاء بين بوتين وترامب في الصين خلال قمة مرتقبة في أيلول/سبتمبر المقبل، بينما شهدت العاصمة الأوكرانية كييف هجوماً جوياً جديداً أسفر عن إصابة ثمانية أشخاص، بحسب السلطات المحلية. وقال ترامب، خلال تصريحات صحفية أدلى بها من اسكتلندا قبيل لقائه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إنه يشعر ب«خيبة أمل شديدة» تجاه بوتين، مشيراً إلى أنه لم يعد يرى جدوى من الانتظار بعد فشل موسكو في إظهار تقدم على مسار إنهاء الحرب. وأضاف: «سأُخفض مهلة الخمسين يوماً التي منحتها له إلى 10 أو 12 يوماً... لا داعي للانتظار». وأشار الرئيس الأمريكي إلى أنه يدرس فرض عقوبات «ثانوية» تستهدف الدول التي تشتري النفط والغاز الروسيين، بهدف تجفيف موارد التمويل التي يعتمد عليها الكرملين في مواصلة الحرب. وتفاعلت كييف بسرعة مع تصريحات ترامب، ووصفتها بأنها تعكس «رسالة حازمة» في وقت تشهد فيه الجبهات الأوكرانية تصعيداً يومياً، وجموداً في المسار الدبلوماسي. في المقابل، أعلن الكرملين، الاثنين، أنه لا يستبعد عقد لقاء بين الرئيسين بوتين وترامب على هامش قمة مرتقبة في الصين خلال أيلول/سبتمبر المقبل. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: «إذا قرر الرئيس الأمريكي زيارة الصين في هذه الفترة، فلا يمكن نظرياً استبعاد عقد اجتماع من هذا النوع». ومن المقرر أن يزور بوتين الصين مطلع أيلول/سبتمبر للمشاركة في الاحتفالات بذكرى مرور 80 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية. وتتباين المواقف بين موسكو وكييف بشأن المفاوضات بشكل حاد، إذ تتهم أوكرانيا روسيا بإرسال وفود تفاوضية من «الصف الثاني» لا تملك صلاحيات اتخاذ القرار. في المقابل، يتمسك الكرملين بمطالب تشمل تخلي أوكرانيا عن مساعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والاعتراف بسيادة موسكو على أربع مناطق تحت سيطرتها، إلى جانب شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014. وترفض كييف هذه المطالب بشدة، مؤكدة أن نحو 20% من أراضيها لا تزال تحت الاحتلال الروسي، وأن موسكو تسعى لتوسيع نفوذها في أراضي الجمهورية السوفييتية السابقة. ميدانياً، أعلنت أوكرانيا أن روسيا شنت، ليل الأحد-الاثنين، هجمات مكثفة باستخدام مئات المسيّرات والصواريخ استهدفت غرب البلاد، وتحديداً مدينة ستاروكوستيانتينيف، التي تضم قاعدة جوية يحتمل أن تستضيف مقاتلات «إف-16» الغربية. وأكد سلاح الجو الأوكراني، أن روسيا أطلقت 324 مسيّرة، وسبعة صواريخ، بينها صواريخ كروز وصواريخ باليستية، وقال إنه أسقط 309 من تلك المسيّرات وصاروخين، مضيفاً أن الهدف الرئيسي للهجوم كان قاعدة ستاروكوستيانتينيف الواقعة على بعد نحو 225 كيلومتراً من كييف. وأسفرت الهجمات عن إصابة ثمانية أشخاص في أنحاء متفرقة من البلاد، بينهم خمسة في العاصمة، وفقاً للسلطات المحلية. وسُمعت انفجارات في كييف فجر أمس الاثنين، بحسب مراسلي وكالة «فرانس برس»، فيما ناشدت السلطات الأوكرانية شركاءها الغربيين تقديم مزيد من أنظمة الدفاع الجوي لمواجهة الهجمات المتكررة. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «نُعزّز بشكل دائم الدرع الجوية الأوكرانية... من الحيوي الإبقاء على فهم واضح لدى شركائنا لكيفية مساعدتنا بدقة».

ترامب يُملي شروطه… وأوروبا تذعن تحت الضغط
ترامب يُملي شروطه… وأوروبا تذعن تحت الضغط

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 16 دقائق

  • سكاي نيوز عربية

ترامب يُملي شروطه… وأوروبا تذعن تحت الضغط

جاء ذلك وسط موافقة أوروبية على شراء منتجات طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار، وضخ استثمارات إضافية بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي ، تضاف إلى 5.7 تريليون دولار تمثل الحجم الإجمالي للاستثمارات الأوروبية الحالية في الولايات المتحدة. وبينما يتم الترويج لهذا الاتفاق على أنه تجنّب لحرب تجارية كانت ستهز الأسواق العالمية، يرى مراقبون أنه كشف بجلاء عن سطوة واشنطن وضعف القارة العجوز، بل وتبعيتها الاقتصادية المتزايدة لأميركا، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات داخل أوروبا حول مضمون الصفقة وأثرها طويل الأمد على الصناعات الأوروبية. وفي حديث لبرنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، وصف ناصر زهير، رئيس وحدة الشؤون الدبلوماسية والاقتصادية في المنظمة الأوروبية، الاتفاق بأنه أقرب إلى تسوية سياسية قسرية منه إلى تفاهم اقتصادي ناضج، مشيرًا إلى أن "الاتحاد الأوروبي خضع للضغوط الأميركية تحت ذريعة تجنّب التصعيد التجاري، ولكن الثمن كان باهظًا، خصوصًا بالنسبة للصناعات الألمانية". وأضاف: "نسبة الـ15 بالمئة وإن كانت أقل من التهديد السابق بـ30 بالمئة، إلا أنها لا تزال مرتفعة جدًا وتضر بالمصالح الصناعية الأوروبية، خاصة أن ألمانيا تعتبر الولايات المتحدة شريكها التجاري الأول". وأكد زهير أن المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عبّرا عن قبول مضطر للاتفاق، معتبرين أنه "أفضل الممكن"، في حين أعربت فرنسا واتحاد الصناعات الألماني عن استيائهما من تنازلات بروكسل. غاز أميركي بدل الروسي.. وتجميد لمشاريع السيادة الدفاعية ومن أبرز تبعات الاتفاق، التزام الاتحاد الأوروبي بشراء الطاقة الأميركية بشكل سنوي، ما يعني أن "عودة الغاز الروسي إلى السوق الأوروبية باتت شبه مستحيلة حتى لو انتهت الحرب في أوكرانيا"، بحسب زهير، الذي رأى في ذلك "تثبيتًا لتحول استراتيجي دائم في مصادر الطاقة الأوروبية". أما على المستوى الدفاعي، فقد اعتبر زهير أن خطة التصنيع العسكري الأوروبي المشترك التي أُقرت قبل شهرين بموازنة 500 مليار يورو أصبحت مهددة، لأن الاتفاق الجديد يفرض على دول الاتحاد شراء أسلحة أميركية بقيمة 600 مليار دولار، ما يعني عمليًا تبديد تمويل السيادة الدفاعية الأوروبية وإخضاعها لمنظومة الناتو بقيادة واشنطن. أدوات ضغط أميركية متجددة.. وغياب الثقة وفي نظرة أوسع، أشار زهير إلى أن الولايات المتحدة باتت تملك "أداة ضغط سياسية واقتصادية" تمكّنها من فرض تعديلات مستقبلية على الاتفاقات التجارية الأوروبية، كلما رأت ضرورة في ذلك، مستغلّة تشتت القرار الأوروبي وهشاشة موقف المفوضية. وأكد أن واشنطن ستضغط لاحقًا لفتح الأسواق الأوروبية بالكامل أمام المنتجات الأميركية دون قيود، بما فيها القطاع الزراعي، وهو ما قد يضرب القدرة التنافسية الأوروبية ، لا سيما أن "الولايات المتحدة تتفوق زراعيًا، بينما تعتمد أوروبا على دعم حكومي مستمر لهذا القطاع". تباين في قراءة البنود وتضارب في الروايات رغم توقيع الاتفاق، لا تزال التفاصيل قيد التفاوض بين اللجان المختصة، وسط تضارب في الروايات؛ فبينما يقول ترامب إن "الأدوية معفاة من الرسوم"، تشير مصادر أوروبية إلى أنها مشمولة بنسبة 15 بالمئة. وبحسب زهير، فإن الاتحاد الأوروبي يحاول تقليل الأضرار عبر خفض رسوم الصلب والألمنيوم من 50 بالمئة إلى 25 بالمئة، ومحاولة ضم طائرات وأشباه الموصلات وقطع الغيار إلى لائحة الإعفاء، لتفادي موجة تضخم جديدة، خصوصًا أن "أي زيادة بنسبة 15 بالمئة في الرسوم الجمركية قد تمحو كل الجهود المبذولة لتخفيض التضخم ضرب للصناعات الألمانية.. والقرار الأوروبي مرتهن يرى زهير أن الصناعة الألمانية ستكون المتضرر الأول، لكونها الأكثر تصديرًا للسلع الثقيلة إلى السوق الأميركية. وأضاف: "توقيع اتفاق تجاري باسم أوروبا جاء فعليًا على حساب الاقتصاد الألماني". ويتابع: "هذا الاتفاق أظهر أيضًا الفشل المؤسسي داخل الاتحاد الأوروبي، فخلافات باريس وبرلين، وامتلاك كل دولة من الدول الـ27 حق الفيتو، تعني غياب أي سياسة موحدة في مواجهة الولايات المتحدة". ويُحذر زهير من أن غياب التوافق الأوروبي قد يكرّس التبعية لواشنطن لعقود، مشيرًا إلى أن "دولًا عديدة داخل الاتحاد لا تزال تصر على البقاء تحت المظلة الأميركية سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، في حين تنادي دول أخرى، بقيادة فرنسا، ببناء استقلالية أوروبية حقيقية". اقتصاد أوروبي هش.. وغياب القدرة على المواجهة في ظل أزمة نمو اقتصادي صفرية في ألمانيا، وتراكم الديون في فرنسا ، وأزمة مالية متفاقمة في إيطاليا ، يرى زهير أن أوروبا لا تملك رفاهية خوض حرب تجارية مع الولايات المتحدة. وقال: "على عكس الصين، التي يمكنها الدخول في نزاع تجاري طويل، يعاني الاتحاد الأوروبي من ضعف داخلي يجعل المواجهة مكلفة للغاية... قد يكون الوقت المناسب لمثل هذه المواجهة لاحقًا، ولكن في الوقت الحالي، الوضع كارثي". نحو نظام حصص أميركي.. وضرب للعدالة التجارية في خلاصة تحليله، أشار زهير إلى أن ما حدث لا يمثل تصحيحًا للميزان التجاري، بل فرض أميركي لنظام حصص على المنتجات الأوروبية ، دون تنافسية حقيقية. واعتبر أن ما فرضه ترامب على أوروبا يفتقد العدالة ويضر بمبادئ التجارة الحرة ، مضيفًا: "نحن أمام اتفاق يُلزم أوروبا بفتح أسواقها دون ضمانات مقابلة... الأمر يشبه التبعية أكثر من الشراكة". أوروبا تشتري السلام الاقتصادي.. لكن بثمن السيادة يكشف الاتفاق الأخير بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن تحول في موازين القوة الاقتصادية والسياسية، حيث لم تعد بروكسل نداً لواشنطن، بل شريكًا تابعًا يرضخ لتوجيهاتها. وفي ظل ضعف القرار الأوروبي، وتشتت المواقف بين العواصم الكبرى، يبدو أن البيت الأبيض بقيادة دونالد ترامب قد نجح في توظيف الأزمة التجارية لفرض أجندته السياسية والاقتصادية، وهو ما سيتضح أكثر مع كشف تفاصيل الاتفاق خلال الأسابيع المقبلة.

التاريخ في قبضة السياسة: الغرب بين إرث الاستعمار ومطالب التعويض
التاريخ في قبضة السياسة: الغرب بين إرث الاستعمار ومطالب التعويض

صحيفة الخليج

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الخليج

التاريخ في قبضة السياسة: الغرب بين إرث الاستعمار ومطالب التعويض

تتصاعد في الغرب اليوم دعوات تطالب بمحاسبة تاريخية عن العبودية والاستعمار، تتراوح بين المطالبة بالتعويضات وفرض الاعتذار الرمزي. لكن وسط هذا الزخم، يبرز تساؤل جوهري: هل يمكن إنصاف الماضي بمعايير الحاضر؟ وهل تكفي التعويضات لتسوية إرث معقد تتداخل فيه الأخلاق بالسياسة والذاكرة؟ في خضم الجدل العالمي المتصاعد حـــول العدالــــة التاريخية والإرث الاستعماري، يأتي كتاب الفيلسوف البريطانــي نايجل بيغــار الجديد «التعويضـــات: استبـــــداد الذنــــب المتخيل» ليضع علامات استفهام جريئة حول مطالب إعادة الاعتبار والتعويضات المالية التي تُوجّه إلى الدول الغربية، خاصة تلك التي كانت في صلب المشروع الاستعماري العالمي. الكتاب، الصادر عن دار نشر جامعة أكسفورد في 2025، هو امتداد فكري لعمله السابق «الاستعمار: مراجعة أخلاقية» ويشكّل حلقة جديدة في مسار فكري يسعى إلى تفكيك ما يراه بيغار «روايات أخلاقية انتقائية تُبنى على شعور تاريخي غير مدقق بالذنب». ينطلق الكتاب من تساؤل مركزي: لماذا تُطرح اليوم، بإلحاح متزايد، دعوات تطالب الدول الغربية بتقديم تعويضات عن أفعال وقعت قبل قرون؟ ويرى المؤلف أن هذا الحراك الجديد لا يمكن فصله عن اللحظة السياسية الراهنة، التي تتسم بتجدد الخطاب الهوياتي وتصاعد مطالب مراجعة الماضي الكولونيالي، لا سيما في بريطانيا والولايات المتحدة. لكنه، في المقابل، لا يتعامل مع هذه المطالب بوصفها بديهية أخلاقية، بل يخضعها لتحليل نقدي صارم، يجمع بين السياق التاريخي والنظر الأخلاقي المقارن. بيغار، المعروف بدفاعه عن قراءة متوازنة لتاريخ الإمبراطورية البريطانية، لا ينكر وقوع مظالم في حق شعوب المستعمرات، بل يُقر بذلك بوضوح، لكنه يرفض تحويل الماضي إلى منصة أخلاقية مطلقة تعفي الحاضر من مسؤولية الفهم التاريخي المعقّد، فهل من المنطقي -يتساءل- أن تُحمَّل أجيال اليوم وزر أفعال ارتكبتها نخب سياسية واقتصادية في عصور مختلفة؟ وهل يمكن تسوية حسابات التاريخ عبر تحويلها إلى تعويضات مالية وكأنها دعاوى قانونية في محكمة معاصرة؟ يتحدى الكتاب المفهوم السائد حول «الذنب التاريخي»، واصفاً إياه بـ«الذنب المتخيل» حين يُستثمر كأداة ضغط سياسي لا كمنطلق لفهم عقلاني للتاريخ، فوفقاً لبيغار، ليس من العدل ولا من الحكمة أن يتم احتكار السردية الأخلاقية لماضي الاستعمار والعبودية من طرف واحد، بل يجب الاعتراف بتعقيدات هذا الماضي، بما فيها العوامل المحلية وأدوار بعض النخب في المجتمعات المستعمَرة ذاتها. وفي الجانب الأخلاقي، يُقدّم الكتاب ما يشبه الرد الفلسفي المضاد على تيارات العدالة التصالحية، فبدلاً من التركيز فقط على تصحيح الأذى، يدعو بيغار إلى التفكير في المسؤولية المشتركة والزمن السياسي للفعل وحدود التعويض كأداة للمصالحة. قد لا يكون كتاب «التعويضات» الصادر عن دار «فورم» في 224 صفحة باللغة الإنجليزية، مريحاً للقارئ المتعاطف تلقائياً مع قضايا ما بعد الاستعمار، لكنه ضروري في أي نقاش جاد حول التاريخ والسياسة والأخلاق، لأنه يحاول إعادة تعريف العلاقة بين الذاكرة والمسؤولية، بين الماضي والحاضر، بين التوبة السياسية والتبصّر التاريخي. وفي عالم تزداد فيه المطالب بإصلاح التاريخ، يقدم نايجل بيغار عملاً يُذكِّر بأن العدالة لا تتحقق بالشعارات ولا بالثأر الرمزي، بل بالفهم النقدي المتوازن، حتى عندما يكون هذا الفهم مزعجاً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store