logo
ترامب يحتاج إلى زنزانات إضافية... فهل أوروبا على استعداد للمقايضة؟

ترامب يحتاج إلى زنزانات إضافية... فهل أوروبا على استعداد للمقايضة؟

يورو نيوز١٢-٠٥-٢٠٢٥

صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا لهجته بشأن التعامل مع المجرمين العنيفين، معلنًا أنه "يحب" فكرة ترحيل المتورطين في جرائم عنف إلى سجون أجنبية، وعلى رأسها سجن ضخم سيء السمعة في السلفادور.
وفي مقابلة أجراها مع مجلة "تايم"الشهر الماضي، قال ترامب: "أحب أن أفعل ذلك إذا سمح القانون... نحن ندرس هذا الخيار".
لكن هذا "الدراسة القانونية" لا يبدو أنها أسفرت عن نتيجة واضحة حتى الآن، خاصة وأن ترامب يبحث بالتوازي عن مساحات إضافية داخل الولايات المتحدة لاحتجاز المجرمين الخطرين.
وأضاف ترامب خلال لقائه بالرئيس السلفادوري ناييب بوكيلي في المكتب البيضاوي قبل أسابيع: "أنا أتحدث عن الأشخاص العنيفين... عن الأشخاص السيئين حقًا. أشخاص سيئون جدًا".
وتدير حكومة بوكيلي مركز احتجاز الإرهابيين (CECOT)، وهو سجن ضخم يُعدّ من أكثر السجون قسوة في نصف الكرة الغربي. وقد أصبح هذا السجن رمزًا لنهج بوكيلي المتشدد في مكافحة الجريمة، ولا يخفي ترامب إعجابه به.
فترامب، الذي سبق أن رحّلت إدارته مئات المهاجرين غير النظاميين إلى هذا السجن المحصّن، يبدو أنه لا يكتفي بإعجابه، بل يطمح لنقل بعض نهجه إلى الولايات المتحدة، لكن بطريقته الخاصة. إذ يرى أن سجن "سيكوت" لم يعد كافيًا، ويريد توسعة أكبر لقدرات أميركا على احتجاز المجرمين.
ومن هنا، جدّد ترامب قبل أسبوعين اقتراحًا مفاجئًا بإعادة فتح سجن "الكاتراز" الشهير في خليج سان فرانسيسكو، بل وتوسيعه، رغم أنه مكوّن من مبانٍ شبه متهالكة.
لكن في حال لم تسعفه الجغرافيا الأمريكية، ربما يجد ضالته في أرخبيلات أوروبية... فالاتحاد الأوروبي يضمّ جزرًا تاريخية كانت تُستخدم كسجون وتتميّز بطابع معماري وثقافي قد يروق لذوق ترامب.
ولنبدأ مع واحدة من أشهر هذه الجزر: "شاتو ديف" قبالة سواحل مرسيليا في البحر الأبيض المتوسط، والتي قد تكون -من باب المزاح أو التفاوض- أول عرض مقايضة أوروبية للرئيس الأمريكي.
حتى وإن كانت شخصية "كونت مونت كريستو"، أشهر سجين في "شاتو ديف"، خيالية ومن وحي روايات ألكسندر دوما، إلا أن الجزيرة نفسها كانت مسرحًا حقيقيًا لمعاناة العديد من السجناء، أغلبهم من رجال الدين، منذ القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر.
وتُعرف "شاتو ديف" بأنها قلعة منيعة، إذ رغم أن الرواية صوّرت هروب أحد أبطالها منها، إلا أن التاريخ الحقيقي للجزيرة لا يذكر أي حالة فرار ناجحة.
الصفقة المحتملة ستكون مباشرة مع صديقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متجاوزًا تعقيدات بيروقراطية بروكسل و"الألمان المزعجين" كما يراهم ترامب.
ثم نصل إلى جزيرة الشيطان، وهي أيضًا تحت السيادة الفرنسية، لكن على الضفة الأخرى من المحيط: قبالة سواحل غويانا الفرنسية، أكبر أقاليم فرنسا ما وراء البحار، والمطلة على شمال شرق أمريكا الجنوبية.
اشتهرت هذه المستعمرة الجزائية، التي كانت تعمل بين عامي 1852 و1952، بظروفها القاسية ومناخها الاستوائي القاسي، فضلاً عن تفشي الأمراض، ما أدى إلى معدلات وفيات مروعة وصلت إلى 75% في أسوأ فتراتها.
خلّد الكاتب هنري شاريير، أحد نزلاء جزيرة الشيطان السابقين، قصة فراره الأسطوري في كتابه الشهير "بابيون"، الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعًا عند صدوره عام 1969.
أما بالنسبة لجاذبية ترامب؟ يكفي أن نشير إلى ما سبق ذكره بشأن "شاتو ديف".
ننتقل الآن إلى "غولي أوتوك"، الجزيرة المهجورة الواقعة قبالة الساحل الأدرياتيكي لكرواتيا، والتي كانت ذات يوم أحد أكثر السجون ومعسكرات العمل سريةً في يوغوسلافيا السابقة.
وقد استُخدمت "غولي أوتوك" كسجن ومعسكر عمل شديد الحراسة بين عامي 1949 و1989، وكانت بمثابة منفى للشيوعيين المعارضين لحكم تيتو، أو حتى لستالين. أما في زمن أسبق، خلال الحرب العالمية الأولى، فقد كانت الإمبراطورية النمساوية المجرية ترسل أسرى الحرب الروس إلى هذه الجزيرة النائية.
واسمها، الذي يعني "الجزيرة القاحلة" بالكرواتية، يعكس واقعها الجغرافي بدقة: تضاريسها شبه خالية من أي غطاء نباتي.
وقد اكتسبت شهرة أكبر بعد وفاة تيتو في عام 1980، حين نشر الكاتب الصربي أنطونيو إيساكوفيتش روايته ترين (اللحظة)، التي وثّقت ظروف الاعتقال فيها، وتحولت بسرعة إلى واحدة من أكثر الكتب مبيعًا.
ما الذي قد يجذب ترامب؟ ببساطة، الجزيرة ما زالت مهجورة منذ عام 1989، وكأنها تنتظر مستثمرًا بطموحات "الكاتراز" جديدة.
وإذا لم تنجح صفقة "السجون مقابل التعريفات الجمركية"، يمكن لأوروبا أن تعرض على ترامب نموذجًا بديلًا: النظام الإصلاحي في هولندا، حيث انخفض عدد السجناء من 94 إلى 51 لكل 100 ألف نسمة بين عامي 2005 و2016، بفضل برامج التأهيل وإعادة الإدماج.
والنتيجة؟ بعض السجون الفارغة تحوّلت إلى فنادق أو مراكز ثقافية.
وقد تكون هذه الفكرة مغرية لرجل أعمال مثل ترامب، يجمع بين الهوس بالعقاب... والشغف بالعقار.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على المنتجات الأوروبية اعتبارا من الأول من يونيو
ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على المنتجات الأوروبية اعتبارا من الأول من يونيو

فرانس 24

timeمنذ 23 دقائق

  • فرانس 24

ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على المنتجات الأوروبية اعتبارا من الأول من يونيو

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتحاد الأوروبي الجمعة إنه يوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على المنتجات الأوروبية المستوردة إلى الولايات المتحدة اعتبارا من الأول من حزيران/يونيو، قائلا إن المفاوضات الجارية "تراوح مكانها". وكتب ترامب في منشور على منصته الاجتماعية تروث سوشال "من الصعب جدا التعامل مع الاتحاد الأوروبي الذي أُنشئ في المقام الأول لاستغلال الولايات المتحدة تجاريا (...) مناقشاتنا تراوح مكانها. وفي ظل هذه الظروف، أوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على الاتحاد الأوروبي، اعتبارا من الأول من حزيران/يونيو. وما من رسوم جمركية على المنتجات المصنعة في الولايات المتحدة". ومن جملة الأمور التي ندد بها الرئيس الأمريكي، "الحواجز الجمركية والضريبة على القيمة المضافة والعقوبات السخيفة على الشركات والحواجز غير الجمركية والمضاربات المالية والملاحقات غير المبررة والمجحفة في حق الشركات الأمريكية"، ما تسبب في "عجز تجاري بأكثر من 250 مليون دولار في السنة، وهو أمر غير مقبول بتاتا". وأشار ترامب مرارا إلى العجز التجاري للولايات المتحدة في المبادلات الثنائية مع أوروبا والذي يراوح بين 300 و350 مليار دولار بحسب تقديره. وبناء على معطيات ممثل البيت الأبيض لشؤون التجارة، يقدّر العجز التجاري للولايات المتحدة في هذا المجال بحوالى 235 مليار دولار لسنة 2024، لكن المفوضية الأوروبية تعترض على هذا المجموع وتفيد من جانبها بعجز يبلغ 150 مليار يورو (حوالى 160 مليار دولار) للسلع فحسب وينخفض إلى 50 مليار يورو بعد حساب الفائض التجاري الأمريكي من حيث الخدمات. وفي المعدل، تبلغ الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الأوروبية حاليا 12,5 %، مع نسبة 2,5 % كانت معتمدة قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أضيفت إليها 10 % منذ مطلع نيسان/أبريل إثر إقرار رسوم جمركية "متبادلة". وأراد البيت الأبيض في بادئ الأمر فرض رسوم بنسبة 20 % على المنتجات الأوروبية، قبل الإعلان عن فترة سماح لتسعين يوما للرسوم الجمركية التي تتخطى نسبتها 10 % ريثما تمضي المفاوضات قدما. ومن حيث المبدأ، تنتهي هذه الفترة مطلع تموز/يوليو. وخلال الأسابيع الأخيرة، أجرى المفوض الأوروبي لشؤون التجارة ماروس سيفكوفيتش عدة محادثات مع وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك وممثل التجارة جيميسون غرير، لكن من دون إحراز تقدم يُذكر. وفور تهديد الرئيس الأمريكي بالرسوم الجديدة بنسبة 50 % على المنتجات الأوروبية، هبطت البورصات في أوروبا وتراجعت خصوصا أسهم شركات السلع الفاخرة والسيارات. كما تكبدت بورصة وول ستريت خسائر. واعتبرت برلين أن تهديدات ترامب "لا تخدم أحدا"، إذ انتقدها وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول محذرا من أن مثل هذه الإجراءات ستكون ضارة على جانبي الأطلسي. وقال فاديفول في مؤتمر صحافي في برلين "مثل هذه الرسوم الجمركية لا تخدم أحدا، بل تضر فقط باقتصادات السوقين". وأضاف "نواصل الاعتماد على المفاوضات" التي تجريها المفوضية الأوروبية، في حين اعتبر الرئيس الأمريكي أن المناقشات الحالية "تراوح مكانها". فرانس24/ رويترز / أ ف ب

آخر حلقة في مسلسل التعريفات: ترامب يفرض رسوما على آبل بنسبة 25% و50% للاتحاد الأوروبي
آخر حلقة في مسلسل التعريفات: ترامب يفرض رسوما على آبل بنسبة 25% و50% للاتحاد الأوروبي

يورو نيوز

timeمنذ 40 دقائق

  • يورو نيوز

آخر حلقة في مسلسل التعريفات: ترامب يفرض رسوما على آبل بنسبة 25% و50% للاتحاد الأوروبي

هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على كل هاتف "آيفون" يُباع داخل الولايات المتحدة دون أن يُصنع فيها. ويُشار إلى أن أكثر من 60 مليون هاتف يُباع سنويًا في السوق الأميركية، رغم أن الولايات المتحدة لا تضم أي منشآت لصناعة الهواتف الذكية. كما أعلن عزمه التوصية بفرض تعريفة جمركية بنسبة 50% على واردات الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من الأول من يونيو، ما قد يؤدي إلى فرض رسوم باهظةعلى السلع الفاخرة والأدوية وغيرها من المنتجات الأوروبية. وتفاعلت الأسواق فورًا مع هذه التصريحات، حيث انخفضت العقود الآجلة لمؤشر S&P 500 بنسبة 1.5% قبل افتتاح السوق، وتراجع مؤشر Eurostoxx 600 الأوروبي بنسبة 2%. أما أسهم شركة "آبل"، فقد انخفضت بنسبة 3.5% في تداولات ما قبل السوق، إلى جانب انخفاض أسهم شركات تكنولوجيا كبرى أخرى. ولم يحدد ترامب جدولًا زمنيًا لتطبيق تهديده تجاه "آبل". وكتب ترامب على منصته "تروث سوشيال": "لقد أبلغتُ تيم كوك منذ فترة طويلة بأنني أتوقع أن يتم تصنيع هواتف آيفون المخصصة للبيع في الولايات المتحدة داخل الأراضي الأميركية، وليس في الهند أو أي مكان آخر". وأضاف: "إذا لم يتم تحقيق ذلك، فعلى شركة آبل دفع تعريفة جمركية لا تقل عن 25% للولايات المتحدة". ورغم استمرار مفاوضات البيت الأبيض مع عدد من الدول حول قضايا تجارية، فإن التقدم ما يزال هشًا ومتقلبًا. وكانت التعريفات الجمركية الصارمة التي فرضها ترامب في أبريل -والتي رفعت كلفة الواردات بنسبة تصل إلى 25% على المستهلكين والشركات- قد أدت إلى موجة بيع حادة في الأصول الأميركية، شملت الأسهم والدولار وسندات الخزينة، قبل أن تشهد الأسواق انتعاشًا لاحقًا. ولم يتضح بعد ما إذا كان ترامب يملك صلاحية قانونية لفرض تعريفة جمركية على شركة بعينها، ولم تصدر "آبل" أي تعليق فوري على طلب وكالة "رويترز". وكانت الإدارة الأميركية قد قررت في وقت سابق من أبريل، بعد ارتفاع التعريفات على الواردات الصينية إلى أكثر من 100%، التراجع عن بعض الإجراءات عقب اضطرابات في الأسواق، حيث استثنت الهواتف الذكية وبعض الأجهزة الإلكترونية الأخرى من الرسوم المرتفعة، في خطوة صبت في مصلحة "آبل" وشركات تكنولوجية أخرى تعتمد على المنتجات المستوردة. وتسعى "آبل" إلى تصنيع معظم أجهزتها المخصصة للسوق الأميركية في مصانعها بالهند بحلول نهاية عام 2026، وفقًا لما كشفه مصدر لـ"رويترز". كما سرعت الشركة من وتيرة هذا التحول بهدف تفادي رسوم مرتفعة محتملة على المنتجات المصنعة في الصين، قاعدتها الصناعية الأساسية. وقد بدأت الشركة في تعزيز الهند كمركز بديل للإنتاج، وسط الضغوط الناتجة عن سياسات ترامب تجاه بكين، والتي أثارت مخاوف بشأن سلاسل التوريد وارتفاع محتمل في أسعار أجهزة "آيفون"، بحسب ما أوردته الوكالة الشهر الماضي. ودعا ترامب، يوم الجمعة، إلى فرض تعريفة جمركية قاسية بنسبة 50% علىواردات الاتحاد الأوروبي، متهماً بروكسل بالتعنت وصعوبة التعامل خلال المفاوضات الجارية. وأعلن ترامب عن هذه الخطوة عبر منصته "تروث سوشيال"، حيث صبّ جام غضبه على تعثّر المحادثات، مشيرًا إلى أن "المناقشات لا تصل إلى أي مكان"، ومعلناً أن التوصية بفرض الرسوم الجديدة ستدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من 1 يونيو 2025، أي في غضون أقل من شهر. وقال ترامب إن الاتحاد الأوروبي، الشريك التقليدي للولايات المتحدة، يستفيد من شروط غير عادلة مقارنة بالصين، الخصم الجيوسياسي لواشنطن. ففي الوقت الذي خفّضت فيه إدارته الرسوم الجمركية على بكين إلى 30% هذا الشهر لتسهيل التفاوض، يصرّ الأوروبيون، حسب وصفه، على خفض الرسوم إلى الصفر، بينما يتمسك هو بفرض ضريبة أساسية بنسبة 10% على معظم الواردات. وأضاف ترامب في منشوره: "لقد طالبت منذ زمن طويل بمعاملة تجارية عادلة مع أوروبا، ولكنهم يصرون على المكاسب الأحادية. لذلك أوصي الآن بفرض تعريفة جمركية مباشرة بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، بدءًا من 1 يونيو. بطبيعة الحال، لن تُفرض أي تعريفة إذا كان المنتج مصنوعًا في الولايات المتحدة." تأتي هذه التهديدات في وقت حساس تشهده الأسواق الدولية، وسط محاولات مستمرة من واشنطن لعقد صفقات تجارية متوازنة مع شركائها التقليديين، مع الحفاظ على نهج ترامب الحمائي الذي لطالما شكل سمة بارزة في سياساته الاقتصادية. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تهدف إلى ممارسة ضغط أكبر علىالمفوضية الأوروبية للرضوخ لشروط تفاوضية أكثر ملاءمة لواشنطن، لكنها قد تفتح الباب أمام رد أوروبي بالمثل، ما يُنذر بجولة جديدة من حرب تجارية لا تحمد عقباها بين الحليفَين التاريخيَّين.

ترامب يحوّل الجيش إلى خشبة مسرح: استعراض دبابات في عيد ميلاده يثير الجدل!
ترامب يحوّل الجيش إلى خشبة مسرح: استعراض دبابات في عيد ميلاده يثير الجدل!

يورو نيوز

timeمنذ 4 ساعات

  • يورو نيوز

ترامب يحوّل الجيش إلى خشبة مسرح: استعراض دبابات في عيد ميلاده يثير الجدل!

أحيانًا يخلق التاريخ لحظات تبدو سريالية لدرجة يصعب معها التمييز بين الواقع والخيال. في الولايات المتحدة، يحل يوم 14 يونيو كواحد من تلك اللحظات. فهو الذكرى السنوية الـ250 لتأسيس الجيش الأمريكي، وهو حدث تاريخي يستحق الوقوف عنده. فقد كان للجيش منذ تأسيسه الرسمي في 14 يونيو 1775 – أي قبل عام من إعلان الاستقلال – دور محوري في بناء الأمة وتطورها عبر القرون الماضية. ويصادف هذا اليوم أيضًا عيد ميلاد الرئيس دونالد ترامب الذي يكمل عمره الـ79، وهي المصادفة التي لم يتأخر البيت الأبيض في استغلالها لتحويل رغبة ترامب الطويلة في تنظيم عرض عسكري كبير في شوارع واشنطن إلى حقيقة. فقد سبق أن انبهر ترامب بالعروض العسكرية خلال ولايته الأولى، خصوصًا عندما شارك كضيف شرف في موكب الباستيل بباريس بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو الحدث الذي غرس فيه فكرة تنظيم عرض عسكري أوسع وأكثر تأثيراً على جادة بنسلفانيا. على الرغم من أن الاستعراضات العسكرية كانت تُعد تقليدًا يحتفي بالإنجازات العسكرية الأمريكية في الماضي، فإن عظمة تلك الاستعراضات التي كانت تُقام في نيويورك، مسقط رأس دونالد ترامب، قد باتت من الماضي منذ ستينيات القرن الماضي، مع ظهور وسائل الإعلام الحديثة مثل التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر التي غيّرت طريقة نقل الأخبار والتواصل. وبالنسبة للاحتفال بعيد ميلاد الجيش الأمريكي الـ250، فقد لم تكن المخططات الأولية للمهرجان تتضمن تنظيم استعراض عسكري. كان الحدث قيد الإعداد منذ أكثر من عام، ويشمل عروضاً لعرض المعدات العسكرية وعروضًا موسيقية، بالإضافة إلى مسابقة للياقة البدنية تُقام في الحديقة الوطنية. لكن قبل شهرين فقط، دخل ترامب على الخط، ومنذ ذلك الحين أصبح العرض العسكري حاضرًا وبقوة على جدول الفعاليات. وصرّح البيت الأبيض بأن الاحتفال ليس مرتبطًا بأي شخصية سياسية بعينها، وإنما هو احتفاء "بأجيال من الأمريكيين الذين ضحوا بكل شيء من أجل حريتنا". إلا أن هذا الموقف الرسمي لا يتناسب مع سجل ترامب السابق، الذي أظهر فيه عدم احترامه للجنود، وفقاً للتقارير التي أفادت بأنه وصفهم في الماضي، خلال زيارته لمقبرة أمريكية بالقرب من باريس، بأنهم "خاسرون" و"مغفلون". كما أنه تجنب الانضمام إلى صفوف الجيش خلال حرب فيتنام بعدة إعفاءات متتالية، ما يطرح تساؤلات حول التزامه بالخدمة العسكرية. لكن الماضي قد ولّى، والآن هو الحاضر. وفي الوقت الحالي، يعني ذلك أن العرض العسكري يجب أن يكون كبيرًا وبهيبٍ يليق بالمناسبة. وبحسب وثائق التخطيط الرسمية، فإن الاحتفال المزدوج سيتضمن مشاركة ما يقارب 7000 جندي، وأكثر من 120 مركبة عسكرية، إلى جانب 25 دبابة أبرامز و50 طائرة هليكوبتر. كما سيتخلل الفعاليات عرض "مذهل" للألعاب النارية ومهرجان يستمر على مدار اليوم في الحديقة الوطنية، وفقًا لما أكده المتحدث باسم الجيش في بيان رسمي. ورغم استمرار التحضيرات وتبقى بعض الجوانب قابلة للتغيير، إلا أن الصورة العامة تبدو واضحة. غير أن هذا التوجه لم يلقَ قبولًا عامًا. فقد أعرب إيان ليسر، نائب رئيس صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، والمدير التنفيذي للمكتب في بروكسل، عن رأيه في مقابلة مع "يورونيوز"، قائلاً: "بشكل عام، تكون الولايات المتحدة أكثر ارتياحًا للتعبير عن الوطنية مقارنة بأوروبا"، وأضاف: "لكن الاحتفال لا ينبغي أن يدور حول ترامب، بل حول الجيش الأمريكي نفسه". كما أشار ليسر إلى مخاوف لوجستية تتعلق باستخدام الدبابات في العاصمة، موضحًا أن "البنية التحتية في واشنطن ليست مصممة لتحمل وزن المعدات العسكرية الثقيلة". وهي مخاوف تشاركه فيها رئيسة بلدية مقاطعة كولومبيا، موريل باوزر، التي عبرت هي الأخرى عن قلقها من الآثار المترتبة على هذه الفعاليات على البنية التحتية للمدينة. فقد صرّحت باوزر، في أبريل/نيسان الماضي: "إذا كانت هناك نية لاستخدام الدبابات العسكرية، فعليهم أن يأتوا مع عدة ملايين دولار لإصلاح الطرق المتضررة". تجدر الإشارة إلى أن خطة العرض العسكري التي أراد ترامب تنفيذها خلال ولايته الأولى تم التخلي عنها في النهاية بسبب التكاليف المتوقعة الباهظة، والتي بلغت نحو 92 مليون دولار. أما في هذه المرة، فإن تقديرات التكلفة أقل نسبيًا، لكنها لا تزال تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات. وهو ما يتناقض مع الرؤية التي يتبناها ترامب وإدارته الجديدة، بما في ذلك وزارة كفاءة الحكومة (DOGE) التي أسسها إيلون ماسك، والهادفة إلى تقليص الوكالات الفيدرالية وعدد الموظفين والبرامج الحكومية بهدف اقتطاع الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام. في المقابل، تتزايد وتيرة المعارضة الشعبية لمشروع العرض العسكري. ففي أكثر من 100 موقع عبر الولايات المتحدة، ينظم ائتلاف من المنظمات، من بينها "ثورتنا" -وهي مجموعة شعبية قريبة من السيناتور الليبرالي بيرني ساندرز- يومًا من الاحتجاجات الوطنية تحت عنوان "يوم لا للملوك". وجاء في رسالة بريد إلكتروني دعَت إلى التبرع لتمويل الاحتجاجات:"من المقرر أن يكرّم دونالد ترامب نفسه باستعراض عسكري مهيب تموّله خزينة الدولة، وبمشاركة دبابات تجوب شوارع واشنطن العاصمة، وذلك في يوم يصادف عيد ميلاده. إنها مشهدية تليق أكثر بالملوك والديكتاتوريين منها برئيس منتخب في جمهورية ديمقراطية". وأضافت الرسالة: "نحن في أمريكا نرفض الاستبداد أو الاحتفال النرجسي بالنفس". كما تحولت خطط ترامب الاستعراضية إلى مصدر رئيسي للدعابة والسخرية في البرامج الليلية. فعلى سبيل المثال، قال الممثل والمقدم جيمي فالون في برنامجه "ذا تونايت شو" على شبكة "إن بي سي": "ترامب يريد استعراضًا عسكريًا كاملًا في عيد ميلاده، لذلك سيكون هناك دبابات وطائرات مقاتلة، وأخطر سلاح لدينا... سيارة تسلا ذاتية القيادة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store