
الانتحار والاضطرابات النفسية خطر صامت يجتاح الجيش الإسرائيلي
وتقول دراسات إسرائيلية حديثة إن الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي تحول إلى ظاهرة، لا سيما بعد معركة طوفان الأقصى، نتيجة ما تعرض له الجيش من كمائن وعبوات وقنص أثناء معاركه مع المقاومة الفلسطينية في غزة.
وفي محاولة للحد من الانتحار والأزمات النفسية، وفّر الجيش الإسرائيلي لجنوده عددا من مراكز الصحة النفسية، ويعمل على زيادة أعداد الأطباء النفسيين في وحداته المختلفة.
الانتحار في الجيش الإسرائيلي
شهد الجيش الإسرائيلي تصاعدا ملحوظا في حالات الانتحار بين جنوده، بسبب عوامل نفسية معقدة مرتبطة بالخدمة القتالية المرهقة والاضطرابات العقلية المتزايدة، وأبرزها اضطراب ما بعد الصدمة.
ففي عام 2024، كشفت دراسة أجريت على 695 جنديا سابقا في الجيش الإسرائيلي تلقوا علاجا نفسيا، أن أعراضا نفسية مركبة من الإدراك السلبي والحالة المزاجية المتدهورة أسهمت في توليد أفكار انتحارية لديهم.
كما أظهرت دراسة أخرى تابعت 374 جنديا على مدى خمس سنوات، أن بعضهم أظهر شعورا متناميا بالذنب تجاه ما مرّ به أثناء العمليات القتالية، مما أدى إلى ارتفاع خطر الإقدام على الانتحار.
ومنذ عام 2005، ارتفعت وتيرة هذه الحالات، وسُجّلت أعداد متفاوتة سنويا، فقد انتحر 202 جنديا في الفترة الممتدة حتى نهاية 2013، تلتها موجات سنوية راوحت بين 9 و21 حالة سنويا حتى عام 2024، بينما وصل عدد المنتحرين منذ بداية عام 2025 وحتى يوليو/تموز من العام نفسه إلى 18 جنديا.
تأثير عملية طوفان الأقصى
كشفت دراسة صادرة عن برنامج الوقاية من الانتحار التابع لوزارة الصحة الإسرائيلية أن الهجوم المفاجئ الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسهم في تآكل الثقة بين صفوف الجنود الإسرائيليين.
وأوضحت الدراسة، التي نُشرت في مايو/أيار 2024، أن الهجوم ولّد لدى الجنود شعورا بالفشل في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وإحساسا بالذنب لعدم قدرتهم على منعها، ما زاد من احتمالات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة والانتحار. كما أشارت إلى أن طول أمد الحرب على غزة راكم الضغوط النفسية، مضاعفا خطر الانتحار.
وفي 2 يناير/كانون الثاني 2025، أعلن الجيش الإسرائيلي أن آلاف الجنود توقفوا عن أداء المهام القتالية نتيجة الضغوط النفسية، مؤكدا ارتفاع حالات الانتحار بين صفوفهم بسبب اضطراب ما بعد الصدمة ومشاكل الصحة العقلية المرتبطة بالحرب. ووفق بيانات الجيش، أصبح الانتحار ثاني أسباب الوفاة الأكثر شيوعا بعد القتال المباشر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
كما أفاد الجيش بأن جناح إعادة التأهيل استقبل منذ بدء الحرب عشرات الآلاف من الجنود الذين يعانون من ردود فعل نفسية حادة، من بينها مستويات مرتفعة من الضيق، وأعراض شديدة لاضطراب ما بعد الصدمة، وذكريات مؤلمة متكررة وكوابيس واكتئاب وقلق واضطرابات نوم خطيرة.
وفي السياق ذاته، ذكر موقع "والا" أن خط المساعدة النفسية التابع لشبكة "إران" تلقى في يونيو/حزيران 2025 أكثر من 6 آلاف مكالمة من جنود؛ 28% منها كانت لحالات تعاني ضائقة نفسية حادة، و20% من القلق والصدمات والفقد، في حين أبلغت نسبة مماثلة تقريبا عن شعور شديد بالوحدة، و10% عن مشكلات جدية في العلاقات الاجتماعية.
ويمكن إجمال أبرز أسباب الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي بعد معركة طوفان الأقصى في التالي:
الفشل في التصدي لعناصر المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الخوف من كمائن المقاومة الفلسطينية أثناء المعارك في قطاع غزة.
عدم استجابة قادة الجيش لرفض قطاعات واسعة من الجنود العودة للقتال في غزة.
شعور بعض الجنود بتأنيب الضمير تجاه ما يرتكبونه من قتل ودمار في غزة.
العسكرية التي زادت صرامتها في العدوان على غزة.
الإهمال الشديد للجنود وشعورهم بالتخلي عنهم بعد إرسالهم إلى غزة.
إجراءات الدعم النفسي
اتخذ الجيش الإسرائيلي سلسلة من الإجراءات لتعزيز منظومة الدعم النفسي لجنوده والحد من معدلات الانتحار في صفوفهم، شملت:
تخصيص خط مساعدة هاتفي يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.
زيادة أعداد ضباط الصحة النفسية بشكل كبير.
نشر فرق الدعم النفسي في مناطق القتال بقطاع غزة.
إقامة عيادات للصحة النفسية في جميع المدن الإسرائيلية.
تشكيل فرق متنقلة من معالجين نفسيين مدنيين لتقديم العلاج للجنود في منازلهم.
وأقر الجيش بصعوبة احتواء موجة الانتحار والأزمات النفسية التي تضرب صفوفه، موضحا أنه منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى يوليو/تموز 2025، تم تجنيد نحو 800 أخصائي نفسي مدني بموجب "الأمر 8" بهدف الوصول إلى جميع الجنود المتضررين نفسيا.
مراكز الدعم النفسي
يبذل الجيش الإسرائيلي جهودا واسعة لعلاج الجنود الذين يعانون من صدمات واضطرابات نفسية ناجمة عن مشاركتهم في الحروب والعمليات العسكرية، ويخصص مسؤولا للصحة النفسية في كل وحدة عسكرية متاحا للتواصل مع الجنود في أي وقت، إضافة إلى توفير العلاج عبر أقسام ومراكز صحية متعددة.
في المقابل يحظر الجيش على أفراده تلقي العلاج النفسي في المراكز المدنية دون إذن مسبق، إذ تنص التوجيهات العسكرية على أن الجندي الذي يلجأ إلى عيادة مدنية للعلاج النفسي من تلقاء نفسه يُعرض نفسه للمساءلة لانتهاكه أوامر الجيش.
وبموجب الأمر 44 من قانون هيئة الأركان العامة "لا يجوز للجندي طلب العلاج النفسي من جهة مدنية لا تعمل ضمن إطار الجيش أو بالنيابة عنه"، فيما يسمح الأمر 74 من القانون نفسه بتلقي هذا العلاج من جهة مدنية بشرط الحصول على موافقة إدارة الصحة النفسية في الهيئة الطبية العسكرية.
كما تنص القوانين العسكرية الإسرائيلية على أنه في حال تشخيص إصابة أي جندي باضطراب نفسي، يُمنح تصنيفا يطلق عليه (صعوبات التكيف)، وهو ما يعني تخفيض مستوى أدائه العسكري، حتى منحه الإعفاء من الخدمة.
وتتوزع خدمات الدعم النفسي المخصصة للجنود الإسرائيليين عبر عدد من المراكز والجهات المتخصصة، أبرزها:
وحدة الصحة النفسية
تأسست عام 1967، وتضم نحو 250 ضابطا، وهي المرجع المهني والعلاجي الرئيسي لتشخيص وتقييم الاضطرابات النفسية لدى جنود الجيش الإسرائيلي، وتقدم الوحدة الرعاية النفسية للجنود في الخدمة النظامية والدائمة والاحتياطية.
ويتلقى أطباء الصحة النفسية في الجيش الإسرائيلي دورات مختلفة للتعامل مع الجنود، ويمنحون رتبة ضابط.
ويعمل ضباط المركز في عيادات مخصصة منتشرة في جميع أنحاء إسرائيل ، ويتمثل دورهم في:
تقديم المشورة النفسية والتدريب للقيادات العسكرية والجنود.
معالجة الجنود الذين يواجهون صعوبة في التكيف مع الخدمة في الجيش.
معالجة الجنود نفسيا في حالة الحروب.
تقديم العلاج النفسي للقادة والجنود.
مراقبة الجنود الذين يهددون بالانتحار وسحب أسلحتهم.
عيادة الصدمة القتالية: تديرها وزارة الجيش الإسرائيلي، وهي مخصصة لعلاج الجنود المشاركين في المعارك.
مركز "ناتال": يقدم رعاية نفسية مجانية للجنود والجرحى منهم وعائلاتهم، بصفته مركزا مختصا بضحايا الصدمات ذات الأسباب الوطنية.
دار المحارب: توفر خدمات الدعم النفسي للجنود المسرحين من الخدمة العسكرية.
قسم إعادة التأهيل: يتبع وزارة الجيش، ويقدم خدمات الصحة الطبية والنفسية للجنود.
المعهد الإسرائيلي لإعادة التأهيل العصبي والنفسي: تعاون معه الجيش بعد معركة طوفان الأقصى لإعادة تأهيل الجنود الذين يعانون من إصابات دماغية أو من ردود فعل نفسية حادة نتيجة ما تعرضوا له في المواجهات مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 11 دقائق
- الجزيرة
العلم يوضح كيفية هبوط القطط دائما على أقدامها
من أكثر المشاهد إذهالا في عالم الحيوان ومن أكثرها إثارة لفضول العلماء رؤية قطة تسقط من ارتفاع ثم تقوم بالتواء سريع في الهواء وتهبط على أقدامها وكأنها تتحدى قوانين الفيزياء. هذه القدرة العجيبة ليست خرافة، وليست مجرد حظ، بل هي نتاج عملية عصبية وميكانيكية دقيقة تُعرف باسم "منعكس تعديل وضعية الجسم"، وهو قدرة فطرية تمتلكها القطط لتعديل وضعية أجسامها أثناء السقوط، بحيث تهبط على أقدامها بأمان. ويظهر هذا المنعكس لدى الهررة الصغيرة في عمر 3 إلى 4 أسابيع، ويكتمل تماما في عمر 6 إلى 7 أسابيع، واللافت أن هذه القدرة لا تعتمد على الرؤية، إذ أظهرت الدراسات أن القطط العمياء تطور المنعكس ذاته، مما يشير إلى أنه مبرمج عصبيا في الجسم. وفي جوهره، يعتمد هذا المنعكس على تناغم مذهل بين حاسة التوازن (الجهاز الدهليزي) ومرونة العمود الفقري والسيطرة العضلية الدقيقة، مما يسمح للقط بأن يدور في الهواء دون أن يخالف قانون حفظ الزخم الزاوي. ولكن كيف يحدث هذا الأمر؟ أولا: عندما تبدأ القطة في السقوط يلتقط جهاز التوازن في أذنها الداخلية اتجاه الجاذبية، وهنا يعرف الجهاز العصبي تلقائيا نقطة مرجعية يتوجه إليها. والجهاز الدهليزي عبارة عن قنوات مليئة بالسوائل وشعيرات حسية تستشعر الحركة والاتجاه، وترسل هذه الإشارات إلى الدماغ الذي يصدر أوامر للعضلات لتعديل الوضعية فورا حتى بدون الرؤية، وفي الواقع فإن هذه تعد حاسة معادلة للرؤية بشكل أو بآخر. ثانيا: بعد ذلك تلتف القطة برأسها نحو الأرض، ثم تنثني عند الخصر ويدور النصف الأمامي من جسدها بشكل مستقل، أما النصف الخلفي فيدور في الاتجاه المعاكس، للحفاظ على الزخم العام ثابتا. وفي هذه الحالة فإن القطة تثني أرجلها الأمامية لتجعل النصف الأمامي أخف وأسهل في الدوران، وتقوم في نفس الوقت بمد أرجلها الخلفية لزيادة وزن الجزء الخلفي (عزم القصور الذاتي). إعلان وبهذه الطريقة يستطيع النصف الأمامي أن يدور مثلا 90 درجة، في حين لا يحتاج النصف الخلفي سوى إلى دوران بسيط في الاتجاه المعاكس (مثلا 10 درجات)، مما يحافظ على التوازن الكلي للحركة. وتتمتع القطط بعمود فقري شديد المرونة يتكون من نحو 53 فقرة (مقارنة بـ33 عند البشر)، وهذا يسمح لها بالانثناء عند الخصر والتواء الجزأين الأمامي والخلفي بشكل منفصل، كما يساعدها الجلد الرخو والوزن الخفيف على الحركة السلسة، ويمنحها القدرة على امتصاص الصدمة عند الهبوط. ثالثا: بعد ذلك تمد القطة أطرافها الأربعة قبل الهبوط لزيادة مقاومة الهواء وتقليل الصدمة عند النزول. وتصل القطة أثناء السقوط إلى سرعة نهائية تبلغ نحو 96 كيلومترا في الساعة، وهي سرعة أقل من البشر بسبب وزنها الخفيف وبنيتها الديناميكية الهوائية. وفي عام 1969 حلل عالمان من جامعة ستانفورد هذه الظاهرة باستخدام نماذج رياضية وتصوير عالي السرعة، وخلصت دراستهما -التي جاءت تحت عنوان "تفسير ديناميكي لظاهرة سقوط القطة"- إلى أن القطط تدور بشكل لا ينتهك قوانين الفيزياء بفضل تقسيم أجسامها وتحكمها الدقيق بها. في 300 ملي ثانية كان العالم الفرنسي إتيان-جول ماري من أوائل من وثقوا هذه الظاهرة باستخدام التصوير الفوتوغرافي المتتابع في أواخر القرن الـ19، حيث التقط صورا لقطة تسقط من ارتفاع، وبيّنت الصور كيف تدور القطة وتستقيم وتهبط بأقدامها، مما أثار اهتمام الأوساط العلمية. ولاحقا، أجرت وكالة ناسا وعدد من الجامعات البيطرية دراسات أكثر تقدما باستخدام كاميرات فائقة السرعة، ووجدوا أن كل عملية الالتفاف تحدث خلال 300 ملي ثانية فقط، وهو ما يساوي أقل من ثلث ثانية. وفي دراسة مشهورة نُشرت عام 1987 في دورية "جورنال أوف أميركان فيريناري ميدسن أسوسيشن" تم تحليل 132 حالة سقوط لقطط من مبانٍ عالية في نيويورك، والمفاجأة كانت أن القطط التي سقطت من ارتفاعات أعلى من 7 طوابق عانت إصابات أقل من تلك التي سقطت من ارتفاعات متوسطة. والسبب في ذلك أنه بعد وصول القطة إلى السرعة النهائية يبدو أنها ترخي عضلاتها وتفرد جسمها لتوزيع الصدمة على مساحة أكبر كما لو كانت تنزلق في الهواء، وسُميت هذه الظاهرة أحيانا "متلازمة القطة الطائرة". وفي الواقع، بينما تملك بعض الحيوانات مثل السناجب أو بعض الزواحف قدرة محدودة على التوازن في الهواء فإن القطط لا مثيل لها من حيث الدقة والفعالية، فالكلاب مثلا لا تملك هذا المنعكس، وتتعرض لإصابات خطيرة عند السقوط. تطبيقات المحاكاة الحيوية لم تتوقف أهمية منعكس تعديل وضع الجسم لدى القطط عند حدود علم الأحياء أو الطب البيطري، بل امتدت لتلهم مجالات متنوعة مثل الهندسة والفضاء والروبوتات، فعلى سبيل المثال استفاد مهندسو الروبوتات من فهم آلية التواء القطة في الهواء لتطوير روبوتات قادرة على استعادة توازنها أثناء السقوط أو فقدان الاستقرار. ومن خلال محاكاة حركة العمود الفقري للقط صمّم الباحثون أنظمة تسمح للروبوت بتقسيم جسمه إلى أقسام أمامية وخلفية تدور بشكل منفصل للمساعدة على تصحيح الوضعية في الجو، تماما كما تفعل القطة. وفي مجال رحلات الفضاء، درس العلماء كيف تتفاعل القطة مع تغير الاتجاه أثناء السقوط، رغم أن هذا المنعكس لا يعمل في بيئة انعدام الجاذبية. هذه الأبحاث ألهمت تطوير برامج تدريب رواد الفضاء على الإدراك الجسدي والتوازن في الفضاء، حيث لا توجد "أعلى" أو "أسفل" كما نعرفهما على الأرض، وقد استعانوا بنماذج حركية مستوحاة من القطط لتعليم الرواد كيفية استخدام أجسامهم لتوجيه أنفسهم في الفضاء الضيق داخل المحطات الفضائية. كما ساهمت دراسة ردود فعل القطط في تغذية خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تتحكم في المسيّرات، إذ تساعد النماذج المستوحاة من القطة في التعامل مع الحركات غير المتوقعة، مثل السقوط المفاجئ أو فقدان التوازن عبر اتخاذ قرارات لحظية تعيد التوازن بدقة عالية.


الجزيرة
منذ 41 دقائق
- الجزيرة
أبرز الصور في أسبوع.. غزة تحت حصار الموت ومظاهرات العالم تفضح التجويع
شهد الأسبوع الأخير تصاعدا حادا في المأساة الإنسانية ب قطاع غزة ، إذ تواصلت هجمات جيش الاحتلال على المدنيين المتجمعين قرب نقاط توزيع المساعدات، بينما وثقت تقارير أممية ومنظمات إغاثة دولية اتساع رقعة المجاعة، تزامنا مع خروج مظاهرات حاشدة في سيدني وعدة مدن عالمية للمطالبة بإنهاء الحصار ووقف سياسة التجويع. مظاهرات في سيدني ومدن عالمية نصرة لغزة وسط تصاعد المأساة الإنسانية شهدت سيدني ومدن عالمية أخرى، في نهاية هذا الأسبوع، مظاهرات حاشدة منددة بالحصار الإسرائيلي على غزة ومُطالبة بوقف سياسة التجويع، في وقت تواصلت فيه حوادث القتل على الباحثين عن الغذاء، وسط تحذيرات أممية من كارثة إنسانية غير مسبوقة. مأساة التوزيع الميداني .. حصيلة الجوع إلى 217 شهيدا في 9 أغسطس/آب، استشهد طفل فلسطيني لمّا سقط عليه صندوق مساعدات أثناء عملية الإسقاط الجوي للمساعدات، في حادثة تعكس فوضى الإغاثة وخطورة أوضاع السكان. وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن عدد ضحايا عمليات الإنزال الجوي الخاطئ للمساعدات، ارتفع إلى 23 شهيدا و124 مصابا منذ بدء الحصار المشدد، ليرتفع إجمالي شهداء لقمة العيش ممن نقلوا إلى المستشفيات إلى 1743 شهيدا وأكثر من 12 ألفا و590 مصابا. المجاعة تفتك بكبار السن والأطفال وسلطت تقارير إنسانية الضوء على أوجه المجاعة في غزة، موثقة حالات حرجة بين كبار السن والأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد. كما أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن انقطاع المساعدات ومنع الإمدادات الغذائية الأساسية يفاقم معدلات الوفيات يوما بعد يوم، وأن عدد ضحايا الجوع ارتفع بذلك إلى 217 منهم 100 طفل منذ بدء الحصار المشدد. غزة.. جرح مفتوح ومعاناة متفاقمة ووثقت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد عشرات الفلسطينيين خلال هذا الأسبوع، منهم عدد كبير من المدنيين الذين كانوا ينتظرون المساعدات الغذائية، في مشهد يجسد قسوة الحصار واستمرار استهداف المدنيين. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 61 ألفا و369 شهيدا، 152 ألفا و850 مصابا معظمهم نساء وأطفال. تصريحات سياسية مثيرة للجدل على الصعيد السياسي، قارن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صور الأسرى الإسرائيليين في غزة بمجاعة اليهود خلال الهولوكوست، في تصريحات أثارت ردود فعل غاضبة داخل إسرائيل. ومرّ أسبوع جديد في غزة مثقلا بالمآسي، من استهداف المدنيين الباحثين عن الغذاء، إلى الحوادث المأساوية أثناء توزيع المساعدات، بينما يتواصل الحراك الشعبي عالميا للمطالبة بإنهاء الحصار، وسط تحذيرات من أن القادم قد يكون أشد فتكا إذا لم تتحرك القوى الدولية سريعا.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
غزة تموت جوعا.. فأين ضمائركم؟!
في مشهد يجسد أبشع صور الإجرام والإبادة الصامتة التي يرتكبها الاحتلال "الإسرائيلي"، تتصاعد التحذيرات من داخل قطاع غزة وخارجه بشأن تدهور الأوضاع الصحية نتيجة الجوع الذي بات سلاحا فتاكا بيد الاحتلال "الإسرائيلي" لإخضاع المقاومة والسكان. تسجل المستشفيات ارتفاعا غير مسبوق في حالات الإعياء الشديد، بينما أكدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أن العالم يقف شاهدا صامتا على واحدة من أكثر الفصول دموية ومهانة في التاريخ الإنساني الحديث، في مأساة جماعية تتكشف فصولها في قطاع غزة، حيث يُقتل الجوعى في طوابير المساعدات، ويُحاصر الأطفال والنساء والشيوخ بالموت البطيء، وتتراكم جثثهم أمام الشاحنات بدلا من أن يتلقوا سلال الغذاء. الجوعى المتكدسون في طوابير طويلة يتعرضون لإطلاق نار مباشر، في مشهد يومي مأساوي لم يحرك ساكنا في ضمائر العالم، على الرغم من توثيقه ونشر بعض تسجيلاته أكدت المنظمة أن المجاعة المفروضة حاليا على قطاع غزة ليست ناتجة عن ظروف طبيعية، بل هي سياسة متعمدة وممنهجة، تشكل فصلا من فصول جريمة الإبادة الجماعية وإذلال شعب بأكمله. وأشارت المنظمة إلى أن عدد الضحايا الذين قُتلوا أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء تجاوز 875 مدنيا منذ 27 مايو/أيار، من بينهم عشرات النساء والأطفال. وأضافت أن الجوعى المتكدسين في طوابير طويلة يتعرضون لإطلاق نار مباشر، في مشهد يومي مأساوي لم يحرك ساكنا في ضمائر العالم، على الرغم من توثيقه ونشر بعض تسجيلاته. هذا الصمت والشلل والإحجام عن اتخاذ أي إجراء حاسم، شجع كل ذلك حكومة نتنياهو على اتخاذ مزيد من الإجراءات القمعية، من خلال منع إدخال المواد الغذائية والطبية بشكل كامل، مما أدى إلى حرمان الأطفال والنساء والعائلات من أبسط مقومات الحياة، ونتج عنه وفيات مباشرة. وأشارت المنظمة إلى أن ذلك يتم عبر ما يسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، التي أوكل إليها الاحتلال، بدعم أميركي صريح، مهمة توزيع المساعدات بدلا من الأمم المتحدة ووكالاتها، في خطة وصفتها الأمم المتحدة نفسها بأنها "بديل ساخر" و"مدمر لمبادئ العمل الإنساني". إعلان هذه المؤسسة، التي تدير أربع نقاط توزيع تتحول يوميا إلى ساحات إعدام ميداني، حيث يتم إطلاق الرصاص على الجموع في مشاهد تحاكي، بل وتفوق، الدراما الخيالية السوداء "ألعاب الجياع" في أحلك تجارب القمع. استمرار هذا الوضع دون مواجهة حقيقية من دول العالم، يعني أن المجتمع الدولي في أسوأ حالاته من العجز والخرس الأخلاقي، وأن كل البيانات الصادرة مهما بدت قوية، هي والعدم سواء وقد تأكد للمجتمع الدولي أن مسؤولي هذه المؤسسة والمتعاقدين معها، بمن فيهم شركات أمنية خاصة أميركية، هم شركاء مباشرون في فرض هذا الواقع الدموي. وأوضحت المنظمة أن فشل الأمم المتحدة في حماية النظام الإنساني، وخضوعها لإقصاء وكالاتها لصالح جهات متورطة في الانتهاكات، يمثلان عارا دوليا مدويا، ويكشفان عن مدى تدهور القيم الأخلاقية. أما الولايات المتحدة، فقد أظهرت في هذا الملف تبعية عمياء لا تقتصر على الصمت، بل تتعداه إلى التبرير والدعم المالي والعسكري والسياسي، وتوفير الغطاء لكل ما تقوم به إسرائيل على الأرض، بما في ذلك عسكرة توزيع الغذاء وقتل المحتاجين إليه. وأكدت المنظمة أن استمرار هذا الوضع دون مواجهة حقيقية من دول العالم، يعني أن المجتمع الدولي في أسوأ حالاته من العجز والخرس الأخلاقي، وأن كل البيانات الصادرة عن المنظمات والهيئات، مهما بدت قوية، هي والعدم سواء، حيث لا تُطعم جائعا ولا تحمي من رصاص. وجهت المنظمة نداء مفتوحا إلى شعوب العالم، ولا سيما شعوب الجنوب العالمي، وإلى الدول التي لم تشترَ مواقفها في سوق النفاق السياسي الدولي، من جنوب أفريقيا إلى أيرلندا، وتشيلي، والبرازيل، بألا تكتفي بالإدانة الأخلاقية، بل تتحرك بخطوات ملموسة على المستويين: القانوني والدبلوماسي. فما يجري في غزة من تجويع جماعي وقتل ميداني أمام شاحنات المساعدات لا يمكن تركه للمناشدات وحدها، بل يتطلب إجراءات سيادية تبدأ بسحب السفراء، وتجميد العلاقات، وتكوين كيانات دولية فاعلة قادرة على كسر هذا الحصار، وإنقاذ مئات الآلاف من الموت جوعا. وناشدت المنظمة النقابات والاتحادات المهنية والطلابية والأكاديمية حول العالم بتعظيم الجهود والضغط على حكوماتهم لاتخاذ الإجراءات اللازمة التي تؤدي إلى إدخال الغذاء والدواء بإشراف الأمم المتحدة دون أي شروط مسبقة. دعت المنظمة الشعوب العربية والإسلامية إلى الضغط على الأنظمة الرسمية التي تلتزم صمتا مطبقا إزاء الأحداث الجارية، فلا مؤتمرات تُعقد ولا بيانات تُصدر للتنديد بهذه الجرائم المستمرة، إن جريمة التجويع المرتكبة تستلزم التفكير بشكل استثنائي لمواجهة هذه الجريمة غير المسبوقة. يجب على الدول الأعضاء في الجمعية العامة عقد جلسة خاصة طارئة، ليس في نيويورك، بل على الحدود مع قطاع غزة في مدينة رفح المصرية، لاتخاذ قرارات وتدابير عجز مجلس الأمن عن اتخاذها، والشروع في تحرك قانوني لمحاكمة الاحتلال على جرائمه بحق شعب أعزل محاصر.