هل تنجح الولايات المتحدة وأوروبا في تفادي "الحرب التجارية"؟
تشهد العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي حالة من التوتر المتصاعد والمتشابك، الذي يعكس خلافات عميقة في السياسات الاقتصادية والتنظيمية لكلا الطرفين. وتأتي هذه التوترات في ظل محاولات متكررة لإعادة التفاوض على قواعد التجارة الثنائية، حيث يصر كل طرف على حماية مصالحه الاقتصادية والتجارية وسط اختلافات جذرية في المعايير واللوائح التي تحكم الأسواق.
وفي هذا السياق، باتت التهديدات بفرض تعريفات جمركية مرتفعة على واردات الاتحاد الأوروبي من قبل واشنطن تهدد بإشعال حرب تجارية قد تؤثر بشكل مباشر على الأسواق العالمية والاقتصاد الدولي.
في المقابل، تسعى الدول الأوروبية إلى حماية سوقها الداخلية مع الحفاظ على علاقات تجارية قوية ومتوازنة مع الولايات المتحدة، مؤمنة بأهمية التفاهم والتفاوض للوصول إلى حلول وسط تحقق مصالح الجانبين.
وتأتي آخر التطورات في هذا الملف مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأجيل فرض تعريفات جمركية كانت مقررة على الاتحاد الأوروبي، في خطوة تزامنت مع اتصالات مكثفة بين المسؤولين في الطرفين، تعكس رغبة متبادلة في التهدئة ومنح الوقت لمواصلة الحوار رغم التحديات والصعوبات العديدة التي تعترض طريق التوصل إلى اتفاق نهائي.
المحطات الرئيسية
الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد هدد في وقت سابق بفرض هذه التعريفات على واردات الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من يونيو.
ترامب اعتبر أن المفاوضات التجارية مع الاتحاد "غير مثمرة". ووصف الاتحاد الأوروبي بأنه "صعب التعامل معه" عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. وجاء هذا الإعلان وسط تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لكن في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الأميركي يوم الأحد تأجيل بدء فرض تعريفات جمركية بنسبة 50 بالمئة على واردات الاتحاد الأوروبي إلى 9 يوليو المقبل، بعد اتصال هاتفي جمعه مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
على إثر تأجيل التعريفات، شهدت الأسواق الأوروبية ارتفاعاً في جلسة بداية الأسبوع الجديد، وعودة المؤشرات إلى المنطقة الإيجابية.
من جانبها، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في منشور على منصة X (تويتر سابقًا) استعداد الاتحاد الأوروبي للتقدم السريع والحاسم في المفاوضات، مشددة على أهمية العلاقة التجارية القوية بين الجانبين. وأوضحت أن الوقت المتاح حتى 9 يوليو ضروري للتوصل إلى اتفاق جيد.
كما أكد المفوض الأوروبي للتجارة ماروس سيفكوفيتش في منشور لاحق على نفس المنصة إجراءه مكالمات جيدة مع وزير التجارة الأميركي هوارد لوترك، مع التزام الطرفين بالبقاء على اتصال مستمر لمتابعة سير المفاوضات.
وكان مسؤولين من كلا الجانبين (الأميركي والأوروبي) قد أقروا بعدم إحراز تقدم في المحادثات، إذ يتمسّك المفاوضون بمواقفهم الراسخة.
وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، فإنه في حال نفذ ترامب تهديده، فقد أعد الاتحاد الأوروبي حزمة من الرسوم الجمركية بقيمة 21 مليار يورو على سلع أميركية مثل الذرة والقمح والدراجات النارية والملابس، كما يناقش قائمة إضافية بقيمة 95 مليار يورو من الأهداف الأخرى بما في ذلك طائرات بوينغ والسيارات ويسكي بوربون.
مفاوضات صعبة
من برلين، يقول خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه "رغم تمديد المهلة بين واشنطن وبروكسل؛ للتوصل إلى اتفاق تجاري فإن الطريق ما زالت محفوفة بتعقيدات جوهرية تعكس اختلافاً بنيوياً في السياسات الاقتصادية والتنظيمية بين الطرفين.
ويضيف: "من أبرز العقبات ملف الزراعة، إذ يرفض الاتحاد الأوروبي فتح أسواقه أمام المنتجات المعدلة وراثياً أو التي تستخدم مبيدات محظورة في أوروبا بينما تُعتبر الولايات المتحدة أكبر مصدر عالمي للذرة المعدلة وراثيا وتشكل صادراتها الزراعية إلى أوروبا أقل من 2 بالمئة من إجمالي صادراتها في هذا القطاع بسبب القيود التنظيمية الصارمة.
كذلك في ملف حماية البيانات يصر الاتحاد الأوروبي على تطبيق اللائحة العامة لحماية البيانات مما يعيق شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة مثل ميتا وغوغل من نقل بيانات المستخدمين بحرية، وقد سبق أن فرضت بروكسل على ميتا غرامة بقيمة 1.2 مليار يورو في 2023 لانتهاكها هذه القواعد
ويضيف الخفاجي: "أما في ملف المشتريات الحكومية فتطالب بروكسل بفتح السوق الفيدرالية الأميركية أمام الشركات الأوروبية في وقت يتمتع فيه الأميركيون بأفضلية واضحة بموجب قوانين اشترِ المنتج الأميركي".
ويعتقد بأن "كل هذه الملفات إلى جانب الخلافات القديمة مثل القيود البيئية المفروضة على السيارات تجعل من الاتفاق مسألة سياسية بقدر ما هي اقتصادية وتتطلب توافقا مرنا وإرادة مشتركة لتجاوز المصالح الضيقة".
تقلبات محتملة
وفي السياق، نقل تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، تحذيرات محللين من أن المستثمرين يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد لمزيد من التقلبات، حيث إن احتمال اندلاع حرب تجارية لم يتبدد تماما على الرغم من تأخير الرئيس ترامب في فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي.
ونقل التقرير عن كبير الاقتصاديين في Berenberg، هولغر شمييدينغ، قوله:
فترة الستة أسابيع قبل فرض التعريفات الجمركية غير كافية لحل كل التفاصيل، لكنها قد تكون كافية لوضع إطار اتفاق تجاري.
الأمر يعتمد على الإرادة السياسية خاصة من الجانب الأميركي، وإذا توفرت يمكن التوصل لاتفاق شبيه باتفاقية بين أميركا وبريطانيا مع تعريفات مخفضة حوالي 10 بالمئة وردود أفعال محدودة من الاتحاد الأوروبي.
إذا فرضت أميركا تعريفات مرتفعة (20-30%)، سيلجأ الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات مضادة كبيرة.
ترامب كمفاوض يعتمد على تكتيكات الصدمة لإجبار الطرف الآخر على التنازل، لكن الاتحاد الأوروبي لن يستسلم لذلك ويجب أن تتفاوض الأطراف كمتساوين.
فيما قال الباحث الأول في Bruegel، جونترام وولف، إنه لا تزال هناك حالة كبيرة من عدم اليقين حول ما تريده إدارة ترامب من أوروبا، وهو ما يؤثر سلباً على الأعمال والمستهلكين.
ويضيف: "الاتحاد الأوروبي قدم عروضاً لكنه لا يعرف بالضبط مطالب ترامب، وهذا أكبر عقبة في المفاوضات"، مشيراً إلى أن التكتل يتبع نهجاً وسطياً بين تنازلات بريطانيا وتصعيد الصين. ويشدد على ان الاتحاد الأوروبي قادر على الرد على تعريفات مرتفعة، خاصة عبر قطاع الأدوية والخدمات، لكنه يحاول الحفاظ على مناخ هادئ للتفاوض، وقد لا يكون ذلك كافياً في النهاية.
عقبات وخلافات
من بروكسل، يشير خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية تشتكي من وجود خلل في ميزان المبادلات التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، حيث يميل الميزان لصالح الاتحاد الأوروبي، وتطالب واشنطن بتعديل المعايير الأوروبية التي تُستخدم في استيراد البضائع، بما يسمح بنفاذ المنتجات الأميركية إلى الأسواق الأوروبية".
ويضيف: "من الأمثلة الواضحة على هذا الخلاف، رفض دول الاتحاد الأوروبي استيراد الدجاج الأميركي، بسبب استخدام مواد حافظة أثناء التخزين يعتبرها الأوروبيون مضرة بصحة المواطنين.. وهذا يعكس الفرق الكبير في المعايير، حيث تتسم المعايير الأوروبية بصرامة أكبر مقارنة بنظيرتها الأميركية، ما يعيق دخول العديد من المنتجات الأمريكية إلى الأسواق الأوروبية".
ويوضح أن "المشكلة لا تقتصر على المنتجات الغذائية فقط، بل تشمل كذلك المنتجات الصناعية؛ فالسيارات الأميركية، على سبيل المثال، تحتاج إلى تعديلات تقنية لتتوافق مع شروط الاتحاد الأوروبي قبل السماح بدخولها إلى السوق".
كما يشير إلى أن "الولايات المتحدة تضغط أيضاً من أجل تعديل قوانين حماية المستهلك الأوروبية، لا سيما أن هناك استخداماً واسعاً لهرمونات ومواد زراعية في أميركا تُمنع تماماً في دول الاتحاد الأوروبي، مما يشكل عائقاً إضافياً أمام الصادرات الأميركية".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة النبأ
منذ 40 دقائق
- شبكة النبأ
اليمن يحاصر ميناء حيفا.. ماذا بعد؟
سيواجه الكيان مشاكل كبيرة مع اليمن، فالحصار على مطار بن غوريون وميناء حيفا، سيشكل عامل ضغط كبير على حكومة نتنياهو على إيقاف العدوان على غزة ورفع الحصار، وإذا قرر نتنياهو المضي بعيداً ومقاومة الحصار، فإن اليمن سينتقل بالتأكيد إلى خطوة أكبر في التصعيد من الكيان المؤقت... يتجاوز اليمن واقع الجغرافيا البعيدة، ويحقق انتصارات نوعية في معركة اسناده لغزة، في حالة استثنائية لا مثيل لها في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. في العقود الماضية كان اليمن هامشاً، أو ملحقاً خلف قوى عربية في الصراع مع كيان العدو، كما هو الحال في السبعينيات من القرن الماضي عندما كان منفذاً للأجندة المصرية، لكن اليوم الواقع مختلف تماماً، فاليمن الجريح، قد خرج من ركام الحرب، ليفاجئ العالم بقدراته العسكرية الهائلة، وقراره الشجاع في إسناد غزة التي يتعرض سكانها لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة من قبل الكيان، وبالعمليات اليمنية المتدرجة، يعيد اليمن الكرامة للأمة العربية المسحوقة، التي وصلت إلى حالة فظيعة من الهوان والانحدار في مواجهة العدو الإسرائيلي. وتأتي العمليات اليمنية بشكل تصاعدي، فالقيادة اليمنية لم ترمِ كل أوراقها دفعة واحدة على الطاولة، وإنما تمارس سياسية "الخطوات التدريجية المتصاعدة"، وهي استراتيجية أثبتت نجاعتها في الميدان، حيث بدأ اليمن فرض حصار خانق على العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر، مانعاً السفن الإسرائيلية من العبور في البحر الأحمر، وهذا أثمر في فرض حصار خانق على ميناء [ايلات] الواقع جنوبي فلسطين المحتلة، ومع مرور الأشهر تعطل الميناء بالكامل، وبات خاوياً. لم تأتِ فكرة الحصار البحري على كيان العدو من خارج الصندوق، وإنما كان قراراً شجاعاً وحكيماً، فقد استثمر اليمن موقعه الجغرافي في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وأعاق وصول السفن إلى موانئ الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، ولخطورة هذه الورقة على كيان العدو، حركت أمريكا أساطيلها البحرية وحاملات الطائرات والقطع الحربية إلى البحر الأحمر، بغية فك الحصار البحري عن الكيان، لكن اليمن استطاع وبعد ثلاثة أشهر من المواجهة هزيمة أمريكا في البحر، في مشهد لم يستوعبه المراقبون ولا حتى الأمريكيين أنفسهم، واضطر الرئيس الأمريكي ترامب للنزول من الشجرة، وتوقيع اتفاقية مع أنصار الله، يترجى فيها القوات المسلحة اليمنية بعدم المساس أو التعرض للسفن الأمريكية مقابل صمت أمريكا وعدم مساندتها للعدو الإسرائيلي، وبهذه الطريقة تمكنت اليمن من تحييد أمريكا بشكل لا يصدق. حصار مطار بن غوريون انتقل اليمن بعد ذلك إلى خطوة أخرى، ذات تأثير وفاعلية ومزعجة للكيان المؤقت، تمثلت في فرض حصار جوي على مطار اللد المسمى اسرائيلياً [بن غوريون]، وقد أسفرت هذه العمليات عن إلغاء الكثير من شركات الطيران لرحلاتها من وإلى المطار، وكبدت الكيان الكثير من الخسائر الاقتصادية. ويأتي الحصار اليمني مقابل تحقيق هدف واحد لا أكثر وهو [وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ورفع الحصار]، وإذا ما أوقف العدو الإسرائيلي عدوانه وحصاره على غزة، فإن اليمن سيتجه على الفور إلى رفع الحصار في البحر والجو، ما لم فإن الخيارات اليمنية كثيرة ومتعددة، وقد تصل إلى ما لا يمكن أن يتوقعه العدو. حصار ميناء حيفا ونظراً، لأن العدو الإسرائيلي لم يستجب للضغوط اليمنية الهائلة عليه، وفضل المضي قدماً في تكثيف عدوانه وحصاره على قطاع غزة، ومنها توسيع العمليات فيما يسمى [عربات جدعون] فقد تحتم على اليمن الانتقال إلى استخدام ورقة أخرى أكثر ألماً على الكيان المؤقت، وتمثلت هذه بالإعلان مساء الثلاثاء عن فرض حصار بحري على ميناء حيفا شمالي فلسطين المحتلة. وباستثناء تهديدات حزب الله اللبناني، لم تتعرض حيفا، وكذلك موانئها، ومنشآتها الاقتصادية والحيوية لأية مخاطر، ولهذا يأتي قرار الحظر اليمني ليضع "إسرائيل" في قلب العاصفة، ويجعلها تعمل ألف حساب للعواقب والتداعيات، لا سيما وأن القرار يأتي في ذروة التخلي الأمريكي عن حكومة المجرم نتنياهو ، وفي ظل تصاعد المواقف الأوروبية الساخطة من الكيان بسبب توسيع عملياته في قطاع غزة. وما يميز قرارات اليمن أنها ليست للاستعراض أو الاستهلاك الإعلامي، فالأفعال تسبق الأقوال، وصرامة الموقف اليمني المساند لغزة بات يعرفها الجميع، بما فيهم الأمريكيون أنفسهم الذين فشلوا عن إيقاف مساندة اليمن لغزة، ولهذا فقد كان حصار ميناء "أم الرشراش" جنوبي فلسطين المحتلة، والذي يطلق عليه العدو تسمية "ميناء ايلات" خير تجربة عملية على نجاح اليمن في فرض الحصار على كيان العدو، فالميناء توقف عن العمل بالكامل، والسفن لم تعد تصل إليه، والخسائر الاقتصادية للعدو لا يمكن حصرها. ويوصف ميناء حيفا بأنه "بوابة التجارة الإسرائيلية"، حيث تنقل حوالي 99% من جميع البضائع من وإلى كيان العدو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عن طريق البحر، والميناء يمر من خلاله نحو ثلث التجارة الخارجية للاحتلال من تصدير واستيراد، كما تنتشر بالقرب منه مواقع إنتاج النفط والغاز القريبة من حيفا وتلك الواقعة في شرقي البحر المتوسط، ومنها [تمار] و[ليفياثان]. بطبيعة الحال، فإن التداعيات ستكون كبيرة على العدو الإسرائيلي إذا تم قصف الميناء من اليمن، حيث سيسبب أزمة كبيرة للكيان واقتصاده وأسواقه وقطاعه الإنتاجي والتصديري، وحتى في حال لجوء الكيان المؤقت إلى موانئ دولة مجاورة فإن لهذا تكلفته العالية على الاقتصاد والأسواق والمستهلك. وكما مثلت حيفا نقطة قوية للاحتلال وأسواقه وصناعته، ورئة حيوية لتجارته الخارجية وصادراته طوال السنوات الماضية، يمكن أن تتحول إلى نقطة ضعف في حال نجاح الحصار اليمني. ومن أبرز التداعيات للحصار على الميناء، هو أن الكيان يعتمد على أكثر من 35% من حجم الاستيراد والتصدير الإسرائيلي، حيث يأتي البترول، والمواد الخام، والمنتجات الصناعية والحبوب على رأس الواردات، وإذا ما تم تفعيل الحصار، فهذا يعني حدوث أزمة مشتقات نفطية خانقة في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أن الحصار سيهدد إمدادات السلع الأساسية للكيان، ولن يجد أي منفذ آخر لدخول السلع إليه، لا سيما بعد تعطل ميناء أم الرشراش على البحر الأحمر. سيواجه الكيان مشاكل كبيرة مع اليمن، فالحصار على مطار [بن غوريون] وميناء حيفا، سيشكل عامل ضغط كبير على حكومة نتنياهو على إيقاف العدوان على غزة ورفع الحصار، وإذا قرر نتنياهو المضي بعيداً ومقاومة الحصار، فإن اليمن سينتقل بالتأكيد إلى خطوة أكبر في التصعيد من الكيان المؤقت.


شبكة النبأ
منذ 40 دقائق
- شبكة النبأ
كيف أضاعت أمريكا لحظة القطب الواحد
لم تكن الصين هي التهديد الأكبر للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة، بل رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ عليه. فالأحادية الأمريكية ألقت بعبء كبير على عاتقها، مما أثار ردود فعل رجعية لدى شعبها. وإذا سعت أي إدارة أمريكية بعد ترامب إلى إنقاذ ما تبقى من النظام الليبرالي، فلن يكون لديها النفوذ... لقد ثبت أن النظام الدولي الذي لا يرتكز على المؤسسات بل على الإحسان المهيمن أمر مستحيل البقاء. مع توجيه إدارة ترامب ضربة قاضية للنظام الدولي الذي بنته الولايات المتحدة، ليس من الواضح ما الذي سيصمد منه. يجدر بنا أن نتأمل في سبب هشاشة هذا النظام. بعد الحرب الباردة، امتلكت الولايات المتحدة القوة والشرعية لإعادة تشكيل العالم، لكنها أهدرت لحظة القطب الواحد. كررت أمريكا، بأثر رجعي، الأخطاء التي ارتكبتها بعد الحرب العالمية الأولى. في كلتا الحالتين، لم تسعَ إلى بناء نظام دولي ليبرالي ومأسسته، مفضلةً البقاء دون قيود. في نظام ما بعد الحرب الباردة، سيطرت واشنطن على العالم. وقد عادت هذه السيطرة بفوائد جمة على الولايات المتحدة، وبصراحة، على العالم أجمع. لكن النظام الدولي اعتمد على انخراط أمريكي مفرط وروح هيمنة ثبت صعوبة الحفاظ عليها. في نهاية المطاف، فإن التحدي الأكبر للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة ليس الصين، بل الولايات المتحدة المنهكة. يصعب صياغة مفهوم النظام الدولي الليبرالي، وبالتالي الدفاع عنه. بالنسبة للمدرسة الواقعية في السياسة الخارجية، يدور النظام العالمي حول القوة، وهو فوضوي بطبيعته؛ وبالتالي تُستبعد أحلام نظام تحكمه القواعد. ولكن على مدار القرن الماضي، وتحت قيادة الولايات المتحدة، تم ترويض الفوضى، نشأ نظام وضع قيودًا واضحة على الدول القومية، مع قواعد ومعايير تنظم سلوكها. كان هناك ميثاق للأمم المتحدة يحظر على الدول غزو بعضها البعض، ومعاهدة لمنع الانتشار، بالإضافة إلى معاهدة للأسلحة الكيميائية والبيولوجية حدّت بشكل كبير من تطوير الأسلحة الخطيرة. وحكمت القواعد والمعايير ومدونات السلوك كيفية تفاعل الدول والشعوب مع بعضها البعض، وتعاملت مع قضايا من السفر إلى اللاجئين إلى الصحة إلى الحرب. وكان هناك نظام تجاري عالمي وضع معايير وقواعد واضحة. وأصبح العالم أقل فوضوية بكثير، وأكثر قابلية للتنبؤ، وأكثر تنظيمًا. وكان كل هذا مدعومًا بالقوة الأمريكية. هل كان هذا مستدامًا؟ جادل الباحث في العلاقات الدولية، ج. جون إيكينبيري، في كتابه الصادر عام ٢٠٠١ بعنوان "بعد النصر"، بأن أمريكا بحاجة إلى تقبّل مصالحها الذاتية المستنيرة وقبول بعض القيود على قوتها من أجل "ترسيخ نظام مناسب لما بعد الحرب". وبإظهار ضبط النفس الاستراتيجي، كانت الولايات المتحدة أكثر قدرة على "كسب رضا الدول الأضعف"، والاستعداد لليوم الذي تنتهي فيه لحظة القطب الواحد. هكذا اقتربت الولايات المتحدة من النصر بعد الحرب العالمية الثانية. كانت إدارة روزفلت مصممة على عدم تكرار أخطاء فترة ما بين الحربين، عندما رفضت واشنطن عصبة الأمم ومكّنت سياسات إفقار الجار الاقتصادية. قبل حتى الانتصار في الحرب، عُقدت محادثات عام ١٩٤٤ في دمبارتون أوكس بواشنطن، أفضت إلى تأسيس الأمم المتحدة، وفي بريتون وودز بنيو هامبشاير، التي أسست النظام الاقتصادي لما بعد الحرب. عندما تحول السوفييت من حلفاء إلى أعداء، وظهرت الحرب الباردة، رُميت نزعات أمريكا الانعزالية جانبًا، حيث دخل الرئيسان هاري ترومان ودوايت د. أيزنهاور في تحالفات في أوروبا وآسيا، وقدّما مساعدات عسكرية وتنموية ضخمة، وأصرّا على تكامل أوروبا. ومع ذلك، بعد الانتصار في الحرب الباردة، لم تكن هناك جهود أمريكية مماثلة لتحويل النظام المؤسسي الدولي على غرار ما اقترحه إيكينبيري. لم تكن هناك جهود لتعزيز الأمم المتحدة بشكل كبير، أو إصلاح مجلس الأمن، أو إنشاء مؤسسات جديدة قوية. ونظرًا لعدم تمكنها من التصديق على الاتفاقيات الدولية في مجلس الشيوخ، وقفت الولايات المتحدة خارج الساحة بينما كانت المعاهدات، بما في ذلك اتفاقية قانون البحار؛ ونظام روما الأساسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية؛ ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية؛ وبروتوكول كيوتو بشأن المناخ، تتقدم. قاد السيناتور جيسي هيلمز جهودًا لحجب التمويل الأمريكي عن الأمم المتحدة، على الرغم من حقيقة أن عشرات الآلاف من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة كانت تُنشر بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم للسيطرة على الصراعات. وسرعان ما أهملت الولايات المتحدة المؤسسات العالمية التي تم تشكيلها - مثل مجتمع الديمقراطيات الذي تأسس في نهاية إدارة كلينتون، بهدف ربط الديمقراطيات وتنظيمها في جميع أنحاء العالم. إن التطور الأكثر أهمية في البنية السياسية العالمية لم يكن له علاقة بالولايات المتحدة على الإطلاق، بل جاء على المستوى الإقليمي، مع تشكيل الاتحاد الأوروبي، وميركوسور، والاتحاد الأفريقي. على النقيض من ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز نظام اقتصادي ليبرالي عالمي. دافعت عن تحرير التجارة، وساعدت في عام ١٩٩٥ على إنشاء منظمة التجارة العالمية لإدارة التجارة العالمية. أطلق هذا العنان لحقبة من العولمة والترابط الاقتصادي. كان افتراض واشنطن أن الديمقراطية والرأسمالية ستعززان بعضهما البعض وتتقدمان عضويًا. أما شرور كتابي "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكوياما و"الليكزس وشجرة الزيتون" لتوماس ل. فريدمان، فتمثلت في إعفائهما صانعي السياسات من المسؤولية. فلماذا نبني مؤسسات جديدة، أو نعهد بالأمم المتحدة، أو نوقع على معاهدات تُقيد نفوذ الولايات المتحدة، في حين أن الديمقراطية والرأسمالية حتمية؟ وهكذا، أصبحت رؤية النظام ليبرالية للغاية. ومع ذلك، ومع امتداد الأزمة الاقتصادية من دولة إلى أخرى بسرعة، اتضح أن عالمًا أكثر ترابطًا يحتاج أيضًا إلى مزيد من التعاون الدولي. وقد تشكلت مجموعة العشرين عام ١٩٩٩ بعد الأزمة المالية الآسيوية لمعالجة هذه المشكلة إلى حد ما. ولكن مع تزايد عجز الدول القومية عن مواجهة القوى العالمية، برز غياب الحوكمة العالمية بشكل متزايد في تسعينيات القرن الماضي. مع ذلك، كانت الولايات المتحدة آنذاك منقسمة سياسيًا بشأن التعددية. كان هذا في الواقع الصراع الرئيسي على السياسة الخارجية في التسعينيات. آمنت إدارة كلينتون بالأممية الويلسونية والتعددية، لكنها كانت في موقف دفاعي سياسي. اعترض الجمهوريون بشدة على القيود المفروضة على النفوذ الأمريكي، وهاجموا المؤسسات الدولية بشدة. كان التوافق هو أن أمريكا لا غنى عنها، ويجب أن تقود العالم. بالنسبة لإدارة كلينتون، كانت المنظمات الدولية والحوكمة العالمية مبررة لأسباب تكتيكية، لأن كليهما كان في مصلحة الولايات المتحدة. لقد جاهدوا لتقديم رؤية شاملة لعالم مُعاد تنظيمه، لكنهم ركزوا بدلاً من ذلك على قيادة الولايات المتحدة لحل المشكلات وما بدا وكأنه تدخلات مُضللة في الصومال وهايتي والبوسنة وكوسوفو. أثار هذا انتقادات من الولايات المتحدة لدورها كـ"شرطي العالم"، وانتقاد جورج دبليو بوش خلال حملة عام 2000 للإفراط في "بناء الأمم" الليبرالي. كان على أمريكا أن تقود لأنها لا غنى عنها، لكن هذا يعني أيضًا أنها تُبالغ في بذل الجهود. كشف أكبر إنجاز لإدارة كلينتون - توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) - عن هذا التوتر. مكّن توسع الناتو من توحيد أوروبا، لكنه عزز أيضًا مكانة أمريكا في أوروبا، إذ كان الناتو يدور حول الولايات المتحدة. ولكن عندما وُجدت إدارة كلينتون أمام خيار دعم بروز الاتحاد الأوروبي كفاعل مستقل في الدفاع والسياسة الخارجية، ترددت خوفًا من فقدان نفوذها. صحيح أن واشنطن أرادت من أوروبا "مشاركة العبء" في الدفاع، لكنها في النهاية أعطت الأولوية للسيطرة. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أُتيحت للولايات المتحدة فرصة أخرى لإعادة تشكيل العالم. ولكن بدلًا من ذلك، أُطلق العنان للأحادية الأمريكية. شهدت التسعينيات صعود المحافظين الجدد الذين شاركوا على نطاق واسع الأهداف الليبرالية للأمميين الويلسونيين، لكنهم اعتقدوا أن السبيل إلى ذلك هو الانفراد من خلال القوة الصلبة الأمريكية. وكما كتب روبرت كاجان وويليام كريستول في مقال مؤثر عام ١٩٩٦ يدافعان فيه عن سياسة خارجية ريغانية جديدة، فإن "الهدف المناسب للسياسة الخارجية الأمريكية، إذن، هو الحفاظ على تلك الهيمنة لأبعد مدى ممكن في المستقبل". ودعوا إلى زيادة الإنفاق الدفاعي ومواجهة أكثر قوة مع الأنظمة المعادية. وقد ساهمت الحرب العالمية على الإرهاب، وحملات الطائرات بدون طيار، وغزو العراق في السخرية من مفاهيم النظام الدولي القائم على القواعد، وتآكل الثقة العالمية في الهيمنة الأمريكية بشكل كبير، مما أتاح المجال للمنافسين للظهور والرد. غيّرت حرب العراق الحزب الجمهوري. فقد حوّلت العديد من الأمريكيين الأكثر وطنية، أولئك الذين تطوعوا لخدمة وطنهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر - مثل جيه دي فانس وبيت هيغزيث، اللذين أدارا منظمة للمحاربين القدامى لدعم الحرب - ليس ضد الحرب نفسها، بل ضد الليبرالية المستخدمة لتبرير شنّها، إلى جانب فكرة استخدام القوة والقيادة الأمريكية لتعزيز عالم ليبرالي. لكن كارثة العراق غيّرت الديمقراطيين أيضًا. كان من الصعب صياغة رؤية ليبرالية للعالم في ظل استخدام القيم الليبرالية لتبرير غزو العراق. تبنى الرئيس باراك أوباما رؤية أكثر واقعية، وهي "لا ترتكب حماقات". وهذا يعني أيضًا تراجعًا في التزامه بدعم النظام الدولي. كان عدم استعداد أوباما لاستخدام القوة المباشرة ضد نظام الأسد السوري لاستخدامه الأسلحة الكيميائية علامة على ضبط النفس. لكنه أظهر أيضًا أن الولايات المتحدة لن تُحافظ على النظام العالمي تلقائيًا حتى عندما يكون معيار حاسم على المحك. لم تشعر أمريكا بنفس "مسؤولية الحماية" التي شعرت بها في التسعينيات. في نهاية المطاف، لا تزال الإدارات الديمقراطية تدافع علنًا عن المؤسسات الدولية. ولكن عندما كانت تكاليف تجاوز المعايير الدولية غير ملموسة وطويلة الأمد، نادرًا ما كانت تفوز في نقاشات الأمن القومي في البيت الأبيض. وقد أثر هذا تدريجيًا على مكانة أمريكا. فقد أضعف مصداقيتها في المحافل متعددة الأطراف، حيث استُخدم النفاق الأمريكي كأداة ضغط، ودفعها إلى تقليل مشاركتها. نادرًا ما تُناقش الأمم المتحدة في واشنطن اليوم. ولكن مع تراجع اهتمام الولايات المتحدة، ازداد اهتمام الصين، مما جعل المؤسسات العالمية وسيلة صعبة للدفع بعالم أكثر ليبرالية. لا توجد الآن سوى جهود قليلة للتوصل إلى اتفاقية دولية بشأن الفضاء الإلكتروني، أو الفضاء، أو أشكال جديدة من أنظمة الأسلحة. عندما انهار الاقتصاد العالمي عام ٢٠٠٨، خلق شعورًا بانحدار الولايات المتحدة، وزعزع الشعور بحتمية الليبرالية. ثم هبت رياح معادية لليبرالية. انتهزت الصين الفرصة، ووسعت شراكتها الاقتصادية مع دول الجنوب العالمي، بينما سعى مستبدون، مثل فلاديمير بوتين، بشكل متزايد إلى تحدي الهيمنة الأمريكية. من المثير للدهشة أن انهيار عام 2008 لم يُحوِّل العالم في نهاية المطاف ضد النظام الاقتصادي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولكنه حَوَّل الأمريكيين ضده. إن رفض مجلس الشيوخ بقيادة الجمهوريين لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ في صيف عام 2016، وما تلاه من معارضة إدارتي ترامب وبايدن لمنظمة التجارة العالمية، يعني أن الولايات المتحدة قد انقلبت على المحور الرئيسي لبناء نظامها المحدود بعد الحرب الباردة. تخيل الديمقراطيون خلال إدارة ترامب الأولى أن البلاد ستصد المد غير الليبرالي من خلال اتباع استراتيجية "العالم الحر" أو "إعادة توازن الديمقراطية" لإنشاء كتلة ديمقراطية. لكن في منصبه، لم ينتهج الرئيس جو بايدن هذا النهج بشكل كامل. أصبحت قمة الديمقراطية التي تعهد بعقدها منتدى حواريًا للمنظمات غير الحكومية "متعددة الأغراض" بدلاً من جهد لربط الديمقراطيات وتنظيمها في كتلة جديدة؛ وقد تم التخلص منها بسرعة من قبل البيت الأبيض في عهد بايدن. وللإنصاف، ربما كانت الولايات المتحدة تفتقر بالفعل إلى المصداقية اللازمة للقيام بمثل هذا الجهد. سعت إدارة بايدن إلى إعادة "أمريكا" من خلال احتضان الحلفاء والهياكل المألوفة، وإحياء مجموعة الدول السبع القديمة، وإعادة احتضان حلف الناتو، وتعزيز الحوار الأمني الرباعي في آسيا. ومع ذلك، عادةً ما كان كل هذا يدور حول المشاركة المفرطة للولايات المتحدة. في نهاية المطاف، لم تكن الصين هي التهديد الأكبر للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة، بل رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ عليه. فالأحادية الأمريكية ألقت بعبء كبير على عاتقها، مما أثار ردود فعل رجعية لدى شعبها. وإذا سعت أي إدارة أمريكية بعد ترامب إلى إنقاذ ما تبقى من النظام الليبرالي، فلن يكون لديها النفوذ أو المصداقية أو الفرصة للقيام بذلك بمفردها. لقد ولّى زمن الأحادية القطبية. * ماكس بيرجمان، مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا ومركز ستيوارت للدراسات الأوروبية الأطلسية ودراسات شمال أوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
انتقاد المستشار الألماني لإسرائيل بسبب حرب غزة يمثل تحولاً كبيراً
يعلق مستشار ألمانيا الجديد فريدريش ميرتس على جدار مكتبه صورة فوتوغرافية لشاطئ زيكيم في جنوب غرب إسرائيل بالقرب من غزة والذي تعرض لهجوم مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) الذين قدموا على متن قوارب في حرب عام 2014 والحرب الدائرة بالقطاع. تشير الصورة الشاعرية، لصف من الأكواخ الشاطئية التي أعيد ترميمها بعد مداهمات حماس للشاطئ، إلى أن المستشار المحافظ من أشد الموالين لإسرائيل، وهو ما يتماشى مع تضامن ألمانيا معها منذ زمن طويل بسبب المحرقة النازية (الهولوكوست). لذا فإن انتقاد ميرتس لإسرائيل أمس الثلاثاء، بسبب توسيع عملياتها العسكرية في غزة، مثَّل للكثيرين تحولا ملحوظا. وقال ميرتس: "لم أعد أفهم الهدف مما يفعله الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة... إلحاق الأذى بالسكان المدنيين على هذا النحو، كما يحدث بشكل متزايد في الأيام الماضية، لم يعد من الممكن تبريره على أنه محاربة للإرهاب". ثم قال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إنه قد تكون هناك "عواقب" غير محددة، في سلسلة من تصريحات المحافظين المنسقة مع شركاء الائتلاف من الحزب الديموقراطي الاجتماعي، مما يمثل تحولا في الخطاب بعد دعم ألماني غير مشروط لإسرائيل على مدى عقود بسبب شعور برلين بأنها عليها التزاما بحكم التاريخ تجاه إسرائيل. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، زميلة ميرتس المحافظة الألمانية، في سياق منفصل إن مقتل الأطفال في حرب غزة أمر "بغيض"، مما يعكس اتساع نطاق الاستياء في أوساط النخبة الألمانية. وإلى جانب العضوية في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، مثَّل دعم إسرائيل الركيزة الثالثة في سعي ألمانيا للعودة إلى المجتمع الدولي بعد المحرقة التي تعرض لها يهود أوروبا في الحرب العالمية الثانية. ورغم استمرار بعض وقائع معاداة السامية، تشكلت أجيال من الساسة الألمان الملتزمين تجاه أمن إسرائيل. وبرر كونراد أديناور، وهو أول مستشار ألماني بعد الحرب، دفع تعويضات لإسرائيل بالحاجة إلى استرضاء "قوة اليهود"، مما أرسى أساسا للعلاقات الألمانية الإسرائيلية. لكن شدة الحرب الإسرائيلية على غزة ساهمت في حدوث تحول واضح في الرأي العام الألماني. وبحسب مسؤولي الصحة الفلسطينيين، أودى القتال بحياة ما يزيد على 53 ألفا من الفلسطينيين. واندلعت الحرب بعد هجوم قادته حماس على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أدى بحسب إحصاءات إسرائيلية إلى مقتل 1200 شخص. وأظهر استطلاع لمؤسسة برتلسمان أن 36 بالمئة فقط من الألمان ينظرون الآن بإيجابية إلى إسرائيل، بانخفاض 10 نقاط مئوية عما كان عليه الحال قبل أربع سنوات. ويعتبر الألمان الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما أنفسهم أقل معرفة بإسرائيل مقارنة بمن تزيد أعمارهم على 60 عاما، كما أنهم أقل اقتناعا على الأرجح بأن العلاقات يجب أن تتشكل من خلال ذكرى المحرقة. فرض هذا التحول معضلة على ميرتس الذي كان قد وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند فوزه في الانتخابات في شباط/ فبراير بأنه سيساعده في مواجهة مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية إذا زار ألمانيا. وقال موشيه زيمرمان المؤرخ الألماني البارز في الجامعة العبرية في إسرائيل: "هم يفهمون أن لديهم التزامين متعارضين وعليهم الاختيار بينهما... في الماضي كانوا سيقولون إن التزامنا تجاه إسرائيل هو الأساس. أما الآن فعليهم أن يوازنوا بين البدائل بشكل مختلف". نددت ألمانيا ودول أوروبية أخرى بغزو روسيا لأوكرانيا باعتباره انتهاكا للقانون الدولي وفرضت عقوبات لم يسبق لها مثيل على موسكو وسعت للحصول على دعم لعزلها عن دول منها جنوب أفريقيا والبرازيل والسعودية. ولم تتخذ قوى غربية نفس النهج تجاه إسرائيل وسط اتهامات مستمرة من منظمات حقوقية وإغاثية لإسرائيل بانتهاك القانون الدولي في إدارتها للحرب في غزة، مع سقوط العديد من القتلى المدنيين الفلسطينيين والدمار الواسع للبنية التحتية وتزايد خطر المجاعة في ظل الحصار الإسرائيلي. وقال زيمرمان: "الزمن يتغير". جاء الدافع وراء التحول الخطابي للقادة الألمان عندما انقضت مهلة حتى 25 أيار/ مايو دون أن تستجيب إسرائيل لدعوة أوروبية لرفع الحصار عن المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل كامل. وقال وزير الخارجية الألماني إنه لا يمكن أن يكون الآن "التضامن" مع إسرائيل "إلزاميا" بينما قال وزير المالية لارس كلينجبايل، زعيم الحزب الديموقراطي الاجتماعي، إن قطاع غزة الفلسطيني صار شاهدا على انتهاك معايير حقوق الإنسان. وبهذا التحول تتماشى ألمانيا مع شركاء أوروبيين رئيسيين كانوا مترددين أيضا في انتقاد إسرائيل بشكل واضح فيما يتعلق بالحرب على غزة. ووجهت فرنسا وبريطانيا، وانضمت إليهما كندا، رسالة مماثلة الأسبوع الماضي. وأيدتها إيطاليا اليوم الأربعاء. وردا على ذلك، اتهم نتنياهو القادة البريطانيين والفرنسيين والكنديين بأنهم "على الجانب الخطأ من التاريخ". وخلال مؤتمر حول معاداة السامية في القدس اليوم، قال وزير الخارجية جدعون ساعر إن إسرائيل "أكثر دولة تتعرض للهجوم والتهديد في العالم"، مضيفا: "محاولة حرمان إسرائيل من حقها في الدفاع عن نفسها أمر مروع". ونفت إسرائيل انتهاك القانون الدولي في غزة، وقالت إنها تستهدف فقط مقاتلي حماس وتتهمهم باستخدام مباني المدنيين غطاء لعملياتهم، وهو ما تنفيه الحركة. التغيرات الثقافية في ألمانيا يعكس هذا التغير في لهجة ألمانيا أيضا تغيرا في هذا البلد الذي صار أكثر تنوعا، عرقيا وثقافيا، مما كان عليه في العقود الماضية. وينحدر الآن نحو ربع سكان ألمانيا البالغ عددهم 80 مليون نسمة من أصول مهاجرة، أي أن أحد الوالدين على الأقل مهاجر، والكثير منهم من أصول شرق أوسطية أو مسلمة مع تقارب مع الفلسطينيين. وقال عومير بارتوف، وهو أحد مؤرخي المحرقة في جامعة براون بالولايات المتحدة: "سيكون من الغريب حقا أن تطلب من ألماني من أصل سوري أن يتصالح مع مسؤولية ألمانيا عن الهولوكوست". وأضاف بارتوف أن العواقب المترتبة على السياسة الألمانية غير واضحة. تواصل ألمانيا بيع الأسلحة لإسرائيل، ولا تزال أكبر شريك تجاري أوروبي لها، كما أنها تقف إلى جانب إسرائيل في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وقال بارتوف: "هذا تحول خطابي وربما يكون مهما جدا... لكن (عتاد) البحرية الإسرائيلية مصنوع في ألمانيا، ولا تزال البحرية الإسرائيلية تطلق القذائف على غزة". وأردف قائلا: "ما دامت (ألمانيا) لم تتخذ بعد أي خطوة (ملموسة)، فلا مبرر لقلق نتنياهو في الوقت الحالي".