logo
في "المسألة الشرقية 2"

في "المسألة الشرقية 2"

العربي الجديدمنذ 5 أيام
بعد مرور قرنٍ ونيّف على نجاح الغرب في إنهاء ما سُمّيت "المسألة الشرقية"، عبر تفكيك الإمبراطورية العثمانية وإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم مصالحه، يبدو أننا نعيش اليوم على أعتاب نسخة محدّثة من هذه المسألة، قد نسمّيها "المسألة الشرقية 2"، تتضّح ملامحها في حرب الإبادة والتطهير العرقي على غزّة، وتكثيف الاستيطان، وفرض الأمر الواقع في الضفة الغربية المحتلة، في محاولةٍ واضحةٍ لإنهاء القضية الفلسطينية تماماً بوصفها قضية تحرّر وطني، وفي ما تبعها من تصعيد في الجبهة الشمالية مع حزب الله، واستخدام فائق القوة الإسرائيلية لإنهاء وجود أيّ تهديد في الحدود الشمالية، والعدوان السافر على سورية بعد سقوط نظام الأسد، واستمرار العدوان واحتلال مباشر لأراضي سورية، واستخدام الحجّة الممجوجة "حماية الأقليات"، وصولاً إلى الضربات العدوانية التي طاولت العمق الإيراني، وذلك كلّه بغطاء أو شراكة أميركية مباشرة.
كانت المسألة الشرقية الأولى، التي شغلت أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تتمحور حول سؤال: "ماذا نفعل بالإمبراطورية العثمانية المحتضرة؟"، وعبّر رئيس وزراء بريطانيا اللورد بالمرستون عن الرؤية الاستعمارية المبكّرة بقوله: "لا نريد أن نرى تركيا قويةً، بل نريد أن نراها قائمةً، ولكن عاجزةً"، وترجم انتصار بريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الأولى بتقسيم تركة "الرجل المريض" من خلال اتفاقيات استعمارية شهيرة، أبرزها سايكس بيكو (1916)، التي رسمت حدود النفوذ بين فرنسا وبريطانيا، ووعد بلفور (1917) الذي مكّن لاحقاً من إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، باعتبار المشروع الصهيوني جزءاً من أدوات السيطرة الغربية. لخّص المؤرّخ والمفكّر الفرنسي غوستاف لوبون هذا المنطق الاستعماري بعبارة لاذعة: "لم تكن مطامع أوروبا في الشرق لأجل التمدين، بل كانت غطاءً للنهب والسيطرة وتقسيم الغنائم". والحرب الإسرائيلية على غزّة والضفة الغربية، ومسار تفكيك الإقليم، ليسا معزولين عن هذا السياق الاستعماري المتجدّد، إنها في جوهرها محاولة لإعادة إنتاج الشرق في صورة تلائم إسرائيل والغرب، فالضربات على لبنان، وسورية، والعراق، وإيران، تجري كلّها تحت مظلّة واحدة، تفكيك القوى التي تشكّل محور مقاومة وممانعة للمشروع الغربي الإسرائيلي في المنطقة. لم يتوقّف سلوك الغرب الاستعماري لحظةً خلال القرن الذي انقضى، والجديد هو القناعة التي نجحت إسرائيل في ترويجها أن اللحظة مواتية، وهي فرصة سانحة، لحسم ملفّات عديدة سويةً، تشكّل المسألة الشرقية الجديدة.
الحرب الإسرائيلية على غزّة والضفة، ومسار تفكيك الإقليم، محاولة استعمارية متجدّدة لإعادة إنتاج الشرق بما يلائم إسرائيل والغرب
لم تكن إسرائيل مجرّد أداة استعمارية، بل أداةً ومشروعاً في آن. إنها مشروع استعمار استيطاني يسعى إلى التمدّد، ويدير مشروعاً طويل الأمد لتفكيك العالم العربي من الداخل. الحروب المتكرّرة، واتفاقيات التطبيع بما فيها اتفاقيات أبراهام، والتحالفات الأمنية والاقتصادية، ليست سوى أدوات تنفيذية لتحقيق هذا الهدف. الغاز والنفط هما خطوط الدم الجديدة، فبات من الواضح أن أمن الطاقة هو المحرّك الخفي خلف كثير من هذه السياسات. إسرائيل، والولايات المتحدة، وشركات الطاقة العالمية، تسعى إلى السيطرة على ثروات شرق المتوسّط والخليج، وتأمين طرق الإمداد نحو أوروبا، خاصّة بعد حرب أوكرانيا. وكما قال هنري كيسنجر مرّةً: "من يسيطر على النفط يسيطر على الأمم". ولهذا، القضاء نهائياً على القضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرّر وطني، وتقسيم لبنان، وفي الحدّ الأدنى نزع سلاح حزب الله، وتحجيم سورية، بل وتقسيمها بين دويلات إذا أمكن، وإشعال حرب أهلية في العراق، كلّها تخدم هدفاً واحداً: هندسة شرقٍ أوسط جديد بلا قوى إقليمية منافسة.
لم يمت الاستشراق، تغيّرت صورته فقط، وكما قال إدوارد سعيد: "الاستشراق وسيلة لتبرير السيطرة من خلال إعادة إنتاج الشرق كائناً غير عقلاني يجب حكمه". ما نراه اليوم "استشراق عسكري أمني" يرى في كلّ مقاومة من الشعوب "الأصلانية" مشروعاً إرهابياً، وفي كلّ تطلّع للسيادة تهديداً لمصالح الغرب. كتب الصحافي البريطاني باتريك سيل في كتابه عن الأسد: "سورية حجر الزاوية في النظام الإقليمي، والسيطرة عليها تعني التحكّم في الشرق بأكمله". وإسرائيل تدرك ذلك جيّداً، وتسعى إلى تفكيك ما تبقّى من هذا "الحجر" التاريخي، حتى لا تقوم له قائمة.
وماذا بعد؟... ما يجري اليوم تجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم. والغرب، كما في القرن الماضي، يوظّف أدواته العسكرية والمعرفية والاقتصادية لإعادة رسم خريطة الشرق. لكن هل سينجح هذا المشروع؟ هل نحن أمام بداية الجولة الأخيرة أم في النهاية؟ وما هو دور الصمود والمقاومة ومعناهما في هذا السياق؟ التاريخ لا يعيد نفسه بالطريقة نفسها، والشعوب التي قاومت الاستعمار الأول، قادرة على إفشال مشروعه في نسخته الثانية.
لماذا لن تنجح "المسألة الشرقية 2"؟ قد يبدو للمراقب أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يحاول تكرار نجاحه في "حلّ" المسألة الشرقية قبل قرن من خلال التفكيك، والهيمنة، وتقسيم النفوذ، وتوظيف المشروع الصهيوني رافعةً استعماريةً في قلب المنطقة. لكن ما يغيب من هذا المشروع، وما يجعله قابلاً للفشل رغم التفوق العسكري والتكنولوجي، هو تغيّر السياقات التاريخية والمعرفية والاجتماعية بشكل جذري، فأولاً، لم تعد الشعوب مُستعمَرةً، بل مدركة ورافضة في مطلع القرن العشرين، وكانت المجتمعات العربية تفتقر إلى أدوات التعبير الذاتي، ولم تكن تمتلك تنظيماتٍ جماهيريةً أو خطاباً تحرّرياً جامعاً. أمّا اليوم، فإن وعي الشعوب بمصالحها وبالهيمنة الخارجية أعمق بكثير، والدليل أننا من لبنان إلى العراق إلى غزّة نرى محاولات "إدارة الصراع" تفشل في إخماد جذوة المقاومة.
ورغم فشل أنظمة الدول القومية الناشئة على كلّ الأصعدة، وعجزها أو تهاونها في بناء دول مواطنين ديمقراطية، ورغم أنها حكمت شعوبها بالحديد والنار... رغم ذلك، نشأت طبقاتٌ وسطى حديثة ذات نُخب غير مندمجة في المشروع الغربي كما كانت قبل قرن، وكان جزءٌ كبير من النُّخب السياسية والثقافية العربية إمّا مندمجاً في المشروع الغربي أو متردّداً في مواجهته. اليوم، حتى النُّخب المُطبِّعة تجد نفسها في حالة قطيعة معرفية وشعبية، والخطاب السياسي الغربي فقد شرعيّته الأخلاقية. والتكنولوجيا ممكن أن تكون اليوم ضدّ الاستعمار، لا في خدمته فقط. في السابق، كانت أدوات السيطرة والتضليل الإعلامي حكراً على القوى الغربية. أمّا اليوم، فوسائل التواصل الاجتماعي، والفضاء الرقمي، والإعلام البديل، مكّنت الشعوب من فضح الأكاذيب وتشكيل سردياتها البديلة.
ما يجري اليوم تجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم. والغرب، كما في القرن الماضي، يوظّف أدواته العسكرية والمعرفية والاقتصادية لإعادة رسم خريطة الشرق
لم تعد الهيمنة الغربية مطلقةً. حلّت المسألة الشرقية الأولى في ظلّ تفوّق استعماري أوروبي كاسح، أمّا اليوم، فالعالم يشهد صعود قوى منافسة مثل الصين وروسيا، وتراجعاً في قبضة الغرب على النظام الدولي، ليس في مصلحة هذه الدول الصاعدة تقسيم الدول وخلق دويلات طائفية غير مستقرّة، بل بالعكس تماماً، ما يجعل فرض الحلول من جانب واحد مستحيلاً أو باهظ الكلفة. يعاني مشروع إسرائيل نفسه تناقضاً داخلياً، فرغم استعراض القوة، تعيش إسرائيل أزمةً استراتيجيةً غير مسبوقة، لأول مرّة تعتبر دولياً دولةً مارقةً، وتحاكم في محكمة العدل الدولية وزعماؤها مطلوبون لمحكمة الجنايات الدولية، هناك مأزق غزّة، وفقدان الردع، والاحتقان الداخلي، والفشل في التطبيع الشعبي رغم الاتفاقات الرسمية. والمقاومة اليوم ليست ظاهرةً محليةً، بل إقليميةً وعابرةً للحدود، لم تعد المقاومة محصورةً بجغرافيا واحدة. فالتحالفات الإقليمية بين قوى المقاومة تشكّل اليوم نقطة قوة تمتدّ من فلسطين إلى لبنان وسورية والعراق واليمن وإيران، وهي عصيّة على الاحتواء.
"قل لمن يدّعي في العلم معرفةً/ حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء"... ما يحاوله الغرب اليوم تكرار وصفة قديمة في زمن جديد. لكن "المسألة الشرقية 2" لا يمكن أن تُحل بذات العقلية الاستعمارية التي وضعت خرائط سايكس بيكو ووعد بلفور. لأن التاريخ لا يعيد نفسه إلا مهزلةً، ولأن شعوب هذه المنطقة دفعت ثمناً باهظاً لتكون اليوم أكثر وعياً واستعداداً، فإن الطريق لن تُفتح من جديد لمن أراد أن يعيدنا إلى زمن الوصاية والتقسيم والهيمنة، ولكن هذا يتطلّب استراتيجيات صمود ومقاومة، وهذا يعني تطبيق سياسات تنمية اقتصادية محلّية، وإتاحة التعليم، واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان ومساواة المرأة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

السيطرة الأمنية على قطاع غزة بعد تقليصه
السيطرة الأمنية على قطاع غزة بعد تقليصه

العربي الجديد

timeمنذ 6 ساعات

  • العربي الجديد

السيطرة الأمنية على قطاع غزة بعد تقليصه

يبدو التوجّه العام؛ بعد اللقاءات الأخيرة في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، ورئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو ، ينحو نحو صفقةٍ شاملةٍ لإنهاء الحرب على قطاع غزّة ، وإعادة ترتيب الأولويّات الأميركية الصهيونية في الشرق الأوسط، بما ينسجم مع التغيرات السياسية والعسكرية، التي أعقبت "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأبرزها إضعاف حزب الله في لبنان، والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، وعرقلة البرنامج النووي الإيراني لأشهرٍ عدّةٍ، ولعل أبرز ملامح المرحلة المقبلة، من وجهة نظر ترامب ونتنياهو، لمستقبل قطاع غزّة، بعد نهاية الحرب بصيغتها الحالية، ولمكانة دول الكيان الجيوسياسية والإستراتيجية، مع توسع مساحات التطبيع مع دولٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ أخرى، هي: وضع نهايةٍ شاملةٍ للمنظومة الإدارية التي تدير قطاع غزّة، التابعة ل حركة حماس ، وإنهاء حالة المقاومة، بإمكاناتها البشرية والمادية والمعنوية، وببنيتها التحتية، وكلّ ما له علاقة بها، وتقليص مساحة قطاع غزّة بما لا يقل عن 33% من مساحته الكلية (365 كم2 )، عبر شريطٍ على طول حدود القطاع، وبعمقٍ من 1 – 2 كيلو متر، مع إفساح المجال لما يُسمى بـ"الهجرة الطوعية"، لتقليص عدد سكان القطاع بحدود 50% خلال سنواتٍ عدّةٍ من نهاية الحرب، وفتح المعابر، كما تشمل فرض آلية حكمٍ وإدارةٍ مرحليةٍ بمشاركة دولٍ إقليميةٍ عدّة، وبإشرافٍ أميركيٍ، بما يضمن عدم إعادة بناء المقاومة نفسها مرّةً أخرى، والأهمّ القدرة على التدخل العسكري والأمني عند الحاجة، بما يشمل اغتيالاتٍ محددةً، وربما توغلاتٍ من دون غطاءٍ ناريٍ كثيفٍ، كما يحدث في الضفّة الغربية، ولبنان حاليًا، وهو ما يُسمّيه نتنياهو "السيطرة الأمنية". إضافةً إلى ترسيخ حالة الفصل الكامل بين القطاع والضفة الغربية ومدينة القدس، والتي تتعرّض هي الأخرى تتعرض لمشروعٍ استعماريٍ استيطانيٍ متكاملٍ، سيفضي إلى ضمّها رسميًا إلى دولة الكيان، بعد تقليص عدد سكانها، وإقامة إداراتٍ محليةٍ ذات طابعٍ عشائريٍ وجهويٍ ومناطقيٍ. من نافل القول؛ الإشارة إلى أنّ المخطط الأميركي الصهيوني لمستقبل قطاع غزّة يأتي في سياقٍ أعم وأشمل، كي يعيد رسم الشرق الأوسط، بما يخدم المصالح الأميركية الصهيونية بعيدة المدى، مع إعطاء أولويّةٍ لمركزية ومكانة دولة الكيان إقليميًا، بالمحصلة فإن المخطط تجاه قطاع غزّة، في الأمد المنظور، يتمثّل في إعادة إنتاج واقع غزّة السياسي والأمني والاستراتيجي، بمساحةٍ وعدد سكانٍ أقلّ، وسلطةٍ بواجهةٍ فلسطينيةٍ بإشرافٍ إقليميٍ ومتابعةٍ أميركيةٍ، بحيث لا يمثّل القطاع تهديدًا مستقبليًا لدولة الكيان، مع ضمان السيطرة الأمنية الجزئية، بما يفسح المجال لتدخل الجيش الصهيوني بريًا أو جويًا حين "الضرورة"، مع استمرار حالة الحصار، ربما بصيغٍ وطرقٍ مختلفةٍ، مع عرقلة عملية إعادة الإعمار، التي تحتاج إلى إمكاناتٍ ماديةٍ وبشريةٍ وإسنادٍ إقليميٍ ودوليٍ، للحيلولة دون عودة الحياة الطبيعية، وخلق بيئةٍ طاردةٍ، بما يخدم مخطط التهجير المُسمى صهيونيًا "هجرةً طوعيةً". من نافل القول؛ الإشارة إلى أنّ المخطط الأميركي الصهيوني لمستقبل قطاع غزّة يأتي في سياقٍ أعم وأشمل، كي يعيد رسم الشرق الأوسط، بما يخدم المصالح الأميركية الصهيونية بعيدة المدى، مع إعطاء أولويّةٍ لمركزية ومكانة دولة الكيان إقليميًا، بأبعادها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، على أرضية توسع مساحات التطبيع، وتشبيك مزيدٍ من العلاقات الدبلوماسية مع أنظمةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ أخرى في الفضاء الإقليمي الواسع، والحيلولة دون تغلغل النفوذ الصيني في المنطقة، في سياق الصراع الصاعد ببعده الدولي الأعم والأشمل بين الولايات المتّحدة والصين. ملحق فلسطين التحديثات الحية سلخ الفلسطينيين عن امتدادهم الطبيعي لكن بالمحصلة؛ فإنّ هذا المخطط الأميركي الصهيوني للمنطقة ولقطاع غزّة والقضية الفلسطينية، والذي ما زال في إطار التبلور، يقوم على فرضياتٍ عدّة، لعل أبرزها ثبات الواقع الإقليمي والدولي، على الأقلّ في الأمد المنظور، وإعلان المقاومة الفلسطينية استسلامها، وبقاء الائتلاف الصهيوني القومي الفاشي في الحكم لسنواتٍ قادمةٍ، وهي فرضياتٌ قد لا تكون دقيقةً، أو مُسلمًا بها، مع السيولة شبه الدائمة في الحالة الفلسطينية، والصهيونية الداخلية، والإقليم المضطرب على رماله المتحركة.

المبعوث برّاك مكملاً «الفيلم الأمريكي الطويل»: تصريحات الحكومة اللبنانية عن احتكار السلاح غير كافية
المبعوث برّاك مكملاً «الفيلم الأمريكي الطويل»: تصريحات الحكومة اللبنانية عن احتكار السلاح غير كافية

القدس العربي

timeمنذ 6 ساعات

  • القدس العربي

المبعوث برّاك مكملاً «الفيلم الأمريكي الطويل»: تصريحات الحكومة اللبنانية عن احتكار السلاح غير كافية

بيروت – «القدس العربي»: لم يكن الحدث في لبنان في نهاية الاسبوع سياسياً ولا أمنياً بل كان حدث الرحيل المفاجئ للفنان زياد الرحباني ابن المدرسة الرحبانية والأيقونة فيروز والذي أجمعت المواقف على وصفه بالحالة الفنية والثقافية الخاصة وبالفنان المتمرد والعبقري الذي غادر إلى دنيا الحق فيما لبنان لم يُسدل الستارة بعد عن 'فيلم أمريكي طويل' ولم يستطع أحد بعد الاجابة عن السؤال 'بالنسبة لبكرا شو؟'. وضمن سياق 'الفيلم الأمريكي'، موقف جديد عبّر عنه السفير توم براك عبر منصة 'إكس' حول موضوع احتكار الدولة للسلاح، كاتباً: 'تعتمد مصداقية الحكومة اللبنانية على قدرتها على التوفيق بين المبادئ والتطبيق. وكما أكد قادتها مرارًا وتكرارًا، من الضروري أن 'تحتكر الدولة السلاح'. وأضاف 'ما دام 'حزب الله' يحتفظ بالسلاح، فلن تكفي الكلمات. على الحكومة و'حزب الله' الالتزام التام والتحرك فورًا لتجنب بقاء الشعب اللبناني في حالة من الركود'. وجاء موقف براك بعد أيام على مغادرته العاصمة اللبنانية وإطلاقه تصريحات مثيرة للجدل بينها ما يتعلق بالتقليل من أهمية مزارع شبعا ودعوته إلى تبادل أراض محيطة بهذه المزارع. وفي انتظار رد الولايات المتحدة على المذكرة التي سلّمتها الدولة اللبنانية لبراك، حضرت هذه التطورات في لقاء جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام في عين التينة في وقت يستعد رئيس الجمهورية جوزف عون لزيارة الجزائر في إطار تحركه باتجاه الدول العربية على أن يطلق قريباً مواقف في مقابلة يحدد فيها رؤيته وكيفية تعاطيه مع الملفات الشائكة وفي طليعتها موضوع سلاح 'حزب الله'. وفي هذا المجال، رأى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أنّ 'على حزب الله الاقتناع بأن احتفاظه بسلاح ثقيل سيجلب الويلات على لبنان'، مشيراً إلى 'أن ترسانة حزب الله لم تُجدِ أمام إسرائيل'. وأوضح 'أنّ الحكومة اللبنانية فككت الجزء الأكبر من ترسانة الحزب في الجنوب، فيما الأمن لا يستطيع حتى الآن تفكيك سلاح حزب الله بشمال الليطاني وغير مناطق'. موقف «الحزب» وفي 4 يوليو/ تموز الجاري، قال الأمين العام لـ'حزب الله' نعيم قاسم: 'على مَن يطالب المقاومة (حزب الله) بتسليم سلاحها، المطالبة أولا برحيل العدوان (إسرائيل)، لا يُعقل ألا تنتقدوا الاحتلال، وتطالبوا فقط من يقاومه بالتخلي عن سلاحه'. ويأتي تصريح باراك في وقت يتصاعد فيه التوتر على جبهة جنوب لبنان، وتكرار الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مناطق مدنية رغم اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ أواخر 2024. وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف شهيد ونحو 17 ألف جريح. وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بدأ سريان اتفاق لوقف لإطلاق النار بين 'حزب الله' وإسرائيل، لكن تل أبيب خرقته أكثر من 3 آلاف مرة، ما أسفر عن 262 شهيداً و563 جريحاً، وفق بيانات رسمية. وفي تحدٍ لاتفاق وقف إطلاق النار، نفذ الجيش الإسرائيلي انسحاباً جزئياً من جنوب لبنان، بينما يواصل احتلال 5 تلال لبنانية سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة استهداف سيارة ومنزل. «تزايد الضغوط الأمريكية» في المواقف، وجد عضو كتلة 'الوفاء للمقاومة' النائب حسن عز الدين 'أن الضغوطات الأمريكية تزداد يومًا بعد يوم، سواء من خلال الضغط النفسي والتضليل والحرب الناعمة لجعلنا نستسلم وتكسر إرادتنا'، وقال 'دعونا نقوم بجردة سريعة حول ما قدمه الأمريكيون للبنان، فهل قدموا أموالًا للبنان؟ وهل قدموا سلاحًا للجيش اللبناني الوطني ليدافع عن نفسه وعن أرضه؟ وهل قدموا دعمًا سياسيًا أو دبلوماسيًا لموقف لبنان في المحافل الدولية؟ ما الذي قدّمه الأمريكي؟ هو يتدخل في شؤون لبنان الداخلية في الصغيرة والكبيرة، ويملي إرادته على السياسيين وغير السياسيين بشكل فج ووقح أيضاً'. وفي احتفال نظمه 'حزب الله' في بلدة الطيري الجنوبية، أكد 'أن المقاومة التي تمتلك الأبطال الشهداء، لا يمكن أن تكون قابلة للانكسار في إرادتها أو قابلة للهزيمة ورفع راية الاستسلام، مهما فعل الأمريكيون والإسرائيليون'. وتساءل عز الدين 'لماذا لا تساعد أمريكا لبنان في الضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمسة التي تحتلها؟ ولماذا لا تمنع العدو من انتهاك السيادة اللبنانية؟ ولماذا لا تمنعه عن الإغارة التي ينفذها على البنى التحتية التي يدعي استهدافها؟'. وختم 'أن المقاومة باقية ومستمرة طالما أن هؤلاء الشهداء قدموا دماءهم وبقيت أمانتهم في أعناقنا، وخاصة عائلاتهم التي تتقدم مسيرة رفع رايتهم لإكمال الطريق على نهجهم.. ولن نتراجع'. خليل: أعقد المراحل من ناحيته، اعتبر المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل خلال لقاء عام لرؤساء ونواب رؤساء وأعضاء البلديات في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون 'ان هذه المرحلة قد تكون من أعقد المراحل التي مررنا بها خلال العقود الماضية'. ولفت إلى 'ان الكثير من التحديات تفرض نفسها على الواقع السياسي والامني والعسكري والجيوسياسي على مستوى كل المنطقة، وهناك الكثير من العناوين الكبرى تشكل واجهة الأحداث لما يمكن ان يحدث على مستوى كل المنطقة وانعكاسه على الواقع الداخلي في لبنان'. بدوره، أكد عضو كتلة 'التنمية والتحرير' النائب هاني قبيسي في احتفال نظمته حركة 'أمل' في بلدة أنصار 'أن كل ما نسعى إليه ان يكون وطننا موحداً بوجه ما تقوم به اسرائيل من اعتداءات، مع سعيها الدائم لتفريق اللبنانيين بفتح مشاكل وحروب تكرسها يومياً من خلال اعتداءاتها على قرانا وبلداتنا وتغتال من خلالها شباباً مقاومين آمنوا بحقهم بالدفاع عن لبنان وسيادته'. وقال 'ما نشهده من إجرام متكرر يومي يؤكد هوية اسرائيل بأنها دولة مجرمة معتدية، ويثبت هويتنا بأننا شباب مقاوم كنا وما زلنا نؤمن بأن الأوطان لا تتحرر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء'. وختم: 'لن نتوقف عند احداث تسعى لتركيعنا ولا نتوقف عند سياسات تريد إذلال لبنان، بل نريد لوطننا أن يبقى عزيزاً أبياً ذات سيادة موحد نحافظ على سيادته وعلى استقلاله وعلى العيش المشترك فيه'.

في باريس لم تقم دولة فلسطينية… لكن خطوة ماكرون لا تزال تاريخية
في باريس لم تقم دولة فلسطينية… لكن خطوة ماكرون لا تزال تاريخية

القدس العربي

timeمنذ 16 ساعات

  • القدس العربي

في باريس لم تقم دولة فلسطينية… لكن خطوة ماكرون لا تزال تاريخية

النتيجة النهائية واضحة حتى للرئيس الفرنسي: ماكرون، لم يؤسس الدولة الفلسطينية، لكن إعلانه الخميس الماضي عن اعتراف بالدولة الفلسطينية، لا شك أنه إنجاز حقيقي للحركة الوطنية الفلسطينية في إحدى أدنى لحظاتها التاريخية. لماذا اختار ماكرون خطوة تبدو احتمالية تحققها صفراً؟ يمكن تقديم أربعة أسباب متكاملة لخطوة فرنسا: السبب الأول، أن إعلان ماكرون يأتي رغبة من فرنسا للوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ. الدولة الكولونيالية السابقة والمسؤولة، هي وبريطانيا، عن ترسيم حدود الشرق الأوسط في القرن العشرين (اتفاق سايكس بيكو 1916)، تشعر بمسؤولية أخلاقية عن مصير الفلسطينيين ومصير الإسرائيليين أيضاً. كان هذا صحيحاً عندما ساعدت فرنسا في بناء المفاعل النووي في ديمونا، ووفرت طائرات ميراج قبل حرب الأيام الستة. كان ميتران دعا من فوق منصة الكنيست إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في آذار 1982، وأما جاك شيراك فاعتبر ياسر عرفات صديقاً شخصياً، والآن يأتي ماكرون في السنتين الأخيرتين في ولايته ويحاول ترك بصماته على مكانة فرنسا الفريدة في تاريخ المنطقة المعقد. هذا قرار يعتبره أخلاقياً وتاريخياً ويتنبأ بالمستقبل. السبب الثاني، أن ماكرون في نهاية ولايته التي ستنتهي في 2027، يبقى سياسياً في نهاية المطاف، وإعلانه غير موجه فقط للجالية المسلمة الكبيرة في الاتحاد الأوروبي التي تعيش في فرنسا، بل إلى كل الرأي العام الفرنسي الذي أصبح يميل لصالح الفلسطينيين بشكل متزايد. بسبب استمرار الحرب في غزة، بصورة أبعد من كل التنبؤات، ها هو المنحى قد تغير؛ فصور الأطفال الفلسطينيين الجائعين تملأ الشبكات الاجتماعية والصفحات الأولى في الصحف والقنوات الإخبارية في فرنسا، ويريد ماكرون أن يظهر في المقام الأول في الداخل، كمن يقوم بعمل حتى ولو كان رمزياً. بعد وقوفه إلى جانب إسرائيل في 7 أكتوبر، كان ماكرون هو الزعيم الأجنبي الوحيد الذي طالب بتشكيل تحالف دولي ضد حماس، لذا غير الرئيس الفرنسي توجهه بشكل واضح؛ هو الآن مصمم على الظهور بأن لفرنسا أداة ضغط على إسرائيل، وأن قلبها ليس فظاً تجاه معاناة الفلسطينيين. وباستثناء الجالية اليهودية التي ردت بخيبة أمل وباستثناء اليمين المتطرف (جزء منه وليس جميعه)، الذين انتقدوا ماكرون، فإن خطوته هذه تشكل إجماعاً في فرنسا وتمنحه دعماً من المعسكرات المختلفة. وثمة مبرر آخر للقرار، وهو مبرر دبلوماسي. ففرنسا الآن بعد وقت طويل من كونها دولة عظمى، لاعبة مؤثرة في الساحة الدولية. أمام التحدي الذي تضعه أيضاً أمامها ولاية ترامب الثانية، فإن الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكنها من إسماع صوت مختلف. يريد ماكرون بذلك ترسيخ مكانة فرنسا كمحور لسياسة دولية مختلفة عن سياسة الرئيس الأمريكي الانعزالية والاستفزازية. إضافة إلى ذلك، تسلح ماكرون قبل هذه الخطوة بدرع واق يتمثل بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. مبادرة باريس تعرض كتعاون بين السعودية وفرنسا. ربما يتعرض الرئيس الفرنسي لوابل من الازدراء من قبل ترامب، لكن احتراماً لداعميه السعوديين الذين تعهدوا بضخ مئات المليارات في الاقتصاد الأمريكي، سيكون الرئيس الأمريكي أكثر حذراً. بهذا المعنى، لماكرون فرصة لا بأس بها في هذه الخطوة المنسقة، وليست إخطاراً فقط. إذا أدت إلى موجة اعتراف بالدولة الفلسطينية، ستسجل فرنسا لنفسها نجاحاً غير مسبوق في الساحة الدولية والادعاء 'كنا هناك أولاً'. في نهاية المطاف، تصعب رؤية رد على سياسة نتنياهو في قرار فرنسا، الذي أثبت بشكل واضح أنه لا ينوي وقف الحرب في غزة، وليكن ما يكون إلا إذا أمره ترامب بفعل ذلك. إسرائيل في عهد نتنياهو، عزلت نفسها بشكل متعمد عن الحلفاء والشركاء التجاريين والعلميين الرئيسيين لصالح حرب أبدية على أنقاض غزة. الأوروبيون والمصريون والسعوديون والحلفاء في الخليج، جميعهم توسلوا لإسرائيل لخلق 'اليوم التالي' في القطاع، الذي لا يرتكز إلى القوة فقط، بل إلى حل يوفر أفقاً للفلسطينيين. ولكن كل من له عقل يدرك أن بيبي وسموتريتش وبن غفير لا ينوون إجراء أي تحسين في ظروف حياة الفلسطينيين، مع بنية تعايش تحتية، وهو الحل المحتمل الوحيد، بل تدمير ما بقي من سلطة أبو مازن وحلم الترانسفير وريفييرا غزة. بناء على ذلك، قرر ماكرون الرد على هذا التحدي الذي يضعه تحالف نتنياهو والمتطرفين أمام المجتمع الدولي، وإثبات أن الدبلوماسية الدولية ليست فرعاً لمركز الليكود. جوقة الإدانات المعادية في إسرائيل وفرت الدليل على من يتعامل معه ماكرون. لقد كان فيها انشغال قليل بالجوهر وانشغال كثير بالصرخات الارتدادية على 'أسلمة' فرنسا، التي تقف كما يبدو من وراء هذا القرار. الإجابات المختلطة والمضحكة، من ماي غولان وحتى عميحاي شكلي، أثبتت بأن وزن إعلان ماكرون التاريخي ربما أكبر مما تحاول إسرائيل تسويقه. ميري ريغف حصلت على التاج، وكيف لا وهي التي تقول 'انظر إلى دولتك، باريس تظهر مثل كابول'. وزيرة المواصلات الأكثر فشلاً في تاريخ إسرائيل، معروفة كهاوية رحلات 'مهنية' في أرجاء العالم. وصلت إلى فرنسا في السابق. ويجدر أن تقضي نهاية الأسبوع في فرنسا، وتتعلم فيها شيئاً عن شبكة المواصلات العامة في العاصمة الفرنسية، التي هي من الشبكات المتطورة والودية في العالم. يجب قول الحقيقة: في ظل ريغف ونتنياهو وكل حكومة 7 أكتوبر، اقتربت إسرائيل من حالة كابول أكثر ما اقتربت إليها فرنسا، سواء من حيث الأمن أو التعليم والمواصلات أيضاً. هذا الأمر حتى ألف صرخة من صرخات 'اللاسامية' لن تغيره. سيفي هندلر 'يديعوت أحرونوت' 27/7/2025

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store