logo
ترمب في السعودية.. الدلالات والمآلات الاستثمارية

ترمب في السعودية.. الدلالات والمآلات الاستثمارية

سعورس١٢-٠٥-٢٠٢٥

تُستهل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة غدًا بقدر كبير من الرمزية السياسية والديناميات الاقتصادية، في وقت تشهد فيه العلاقات بين الرياض وواشنطن مرحلة جديدة من التمكين المتبادل والانفتاح الاستثماري الطموح، وأن يبدأ ترمب جولته الخليجية من الرياض ، فهي -في رأيي- رسالة سياسية واقتصادية واضحة تعكس إدراكاً أميركيًا لأهمية بلادنا كمركز ثقل إقليمي ومحور استثماري عالمي ناشئ.
منذ إطلاق "رؤية السعودية 2030" تحولت المملكة إلى فاعل اقتصادي عالمي يتجاوز دورها التقليدي كمصدر للطاقة؛ لأنها أعادت هيكلة المنظومة الاستثمارية من خلال صندوق الاستثمارات العامة، وتشريعات تمكينية، وتحفيز بيئة ريادية تستقطب كبرى الشركات العالمية، وفي هذا السياق، تأتي زيارة ترمب كفرصة لتعزيز الاستثمارات الثنائية، خاصة وأن الرياض تُعِدّ العدة لتكون منصة انطلاق لصناعات المستقبل، من الذكاء الاصطناعي إلى الاقتصاد الأخضر.
الزيارة تأتي في لحظة محورية، فعلى الصعيد الأميركي، تسعى إدارة ترمب لإعادة هندسة السياسة الاقتصادية الأميركية بما يُعيد التوازن لسلاسل التوريد، ويعزز من مكانتها كمنافس استثماري في مواجهة الصعود الآسيوي، وأما على الجانب السعودي، فالمملكة تدخل مرحلة تنفيذية عميقة في مشاريع نيوم ، وتروج لفرص تمويل واعدة في البنية التحتية والتقنية والطاقة النظيفة، وهذا التقاطع بين الطموحين يفسر جزئياً الدفع القوي باتجاه عقد منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي بحضور نخبة من كبار التنفيذيين الأميركيين.
لا يمكن فصل الأسماء المشاركة عن مضمون الزيارة، فحضور لاري فينك (بلاك روك)، وجاين فريزر (سيتي غروب) وآرفيند كريشنا (آي بي إم) وستيفن شوارزمان (بلاكستون) وروث بورات (غوغل وألفابت) يعني أن الزيارة تتجاوز اللقاءات البروتوكولية إلى تعاقدات استراتيجية في قطاعات المال والتقنية والطاقة والاستثمار في البنية التحتية الرقمية، ما يعني أن هذه التركيبة تُشير إلى أن واشنطن تنظر إلى الرياض بوصفها شريكًا في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، لا مجرد سوق مستهدفة.
التأكيد السعودي على أهمية عقد اللقاءات الثنائية بين شركات القطاعين الخاصين من الجانبين ينسجم مع فلسفة "المملكة المُضيفة للمستقبل" الرياض لم تعد تبحث عن شراكات تجارية تقليدية، بل عن تكامل نوعي في سلاسل الابتكار والتصنيع والتقنية، وهو ما يعكسه انخراط شركات مثل كوالكوم وآي بي إم في المنتدى.
بلغة الأرقام، تتطلع المملكة إلى توسيع نطاق الاستثمارات الأميركية فيها إلى أكثر من 600 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة، بحسب التصريحات الأخيرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ما يهم الالتفات إليه هنا، هو أن ترمب أشار مؤخراً إلى رغبة بلاده في إنشاء صندوق سيادي قوي يُحاكي صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ورغم الطابع الإعلامي لهذا التصريح، إلا أنه يكشف إدراكاً أميركيًا أن أدوات القوة الاقتصادية قد تغيّرت، وأن صناديق الثروة السيادية باتت تؤدي دوراً محورياً في إعادة توزيع النفوذ، والمملكة اليوم، من خلال ذراعها السيادي، تجاوزت فكرة مُستقبل للاستثمار، إلى فاعل دولي يمول، ويوجه، ويبتكر.
إن بدء جولة ترمب من السعودية، يمكن قراءته أيضاً في إطار رغبة واشنطن إعادة تثبيت حضورها الاقتصادي في منطقة الخليج، لا كمنافس للصين فقط، بل كصانع ائتلافات تجارية جديدة في عالم متعدد الأقطاب، ومن هنا، فإن التحركات الأميركية تُقرأ بعين استثمارية لا تقل أهمية عن التقييمات الجيوسياسية.
زيارة الرئيس الأميركي إلى السعودية لا تقتصر على توقيع مذكرات تفاهم أو لقاءات منتدى اقتصادي، بل تعبّر عن هندسة جديدة لمسار الشراكة بين أكبر اقتصادين في العالمين العربي والغربي، لماذا؟ لأن المملكة تُقدم اليوم نموذجًا ناضجًا لعولمة جديدة تُدار من الجنوب العالمي لا تُفرض عليه، بينما تأتي واشنطن بتوجه واقعي يعترف بحجم التغيير، وإذا كانت الرؤية السعودية تَسعى لإعادة تعريف التموضع الجيو-اقتصادي للمملكة، فإن زيارة ترمب تُعد أحد أبرز مشاهد تحقق هذا التغيير على المسرح الدولي.. دمتم بخير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فانس: ترمب سيتجنب الحروب المفتوحة وسيستخدم القوة العسكرية بحسم
فانس: ترمب سيتجنب الحروب المفتوحة وسيستخدم القوة العسكرية بحسم

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

فانس: ترمب سيتجنب الحروب المفتوحة وسيستخدم القوة العسكرية بحسم

قال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، لخريجي أكاديمية عسكرية، اليوم الجمعة، إن الرئيس دونالد ترمب يعمل على ضمان إرسال القوات المسلحة الأميركية إلى مناطق الخطر فقط في حال وجود أهداف واضحة، وليس في «المهام غير المحددة» و«الصراعات المفتوحة»، كما حدث في الماضي. وأوضح فانس، في خطابٍ ألقاه خلال حفل التخرج بالأكاديمية البحرية الأميركية، أن نهج ترمب «لا يعني تجاهل التهديدات، بل يعني التعامل معها بانضباط، وإذا أرسلناكم إلى الحرب، فإننا سنفعل ذلك مع وضع مجموعة محددة للغاية من الأهداف في الحسبان»، وفق ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية للأنباء. وتابع فانس أن البديل في عهد إدارة ترمب سيكون تنفيذ ضربات عسكرية بشكل أسرع، مشيراً إلى القصف الذي أمر به ترمب مؤخراً - ثم أوقفه دون نتائج واضحة - ضد المسلّحين الحوثيين في اليمن. واستطرد قائلاً: «هكذا يجب استخدام القوة العسكرية، بشكل حاسم وبهدف واضح».

ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية
ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية

Independent عربية

timeمنذ 4 ساعات

  • Independent عربية

ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية

وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس الجمعة، أربعة أوامر تنفيذية تهدف، بحسب مستشاره، إلى إطلاق "نهضة" الطاقة النووية المدنية في الولايات المتحدة، مع طموح بزيادة إنتاج الطاقة النووية أربع مرات خلال السنوات الـ25 المقبلة. ويريد الرئيس الأميركي الذي وعد بإجراءات "سريعة للغاية وآمنة للغاية"، ألا تتجاوز مدة دراسة طلب بناء مفاعل نووي جديد 18 شهرا، ويعتزم إصلاح هيئة التنظيم النووي، مع تعزيز استخراج اليورانيوم وتخصيبه. وصرح ترمب للصحافيين في المكتب البيضوي: "الآن هو وقت الطاقة النووية"، فيما قال وزير الداخلية دوغ بورغوم إن التحدي هو "إنتاج ما يكفي من الكهرباء للفوز في مبارزة الذكاء الاصطناعي مع الصين". وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض طلب عدم الكشف عن هويته للصحافيين: "نريد أن نكون قادرين على اختبار ونشر المفاعلات النووية" بحلول يناير (كانون الثاني) 2029. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتظل الولايات المتحدة أول قوة نووية مدنية في العالم، إذ تمتلك 94 مفاعلاً نووياً عاملاً، لكن متوسط أعمار هذه المفاعلات ازداد حتى بلغ 42 سنة. ومع تزايد الاحتياجات على صعيد الكهرباء، والتي يحركها خصوصاً تنامي الذكاء الاصطناعي، ورغبة بعض البلدان في الاستغناء عن الكربون في اقتصاداتها، يزداد الاهتمام بالطاقة النووية في جميع أنحاء العالم. والعام 2022، أعلنت فرنسا التي تبقى صاحبة أعلى معدل طاقة نووية للفرد بواقع 57 مفاعلا، برنامجا جديدا يضم ستة إلى 14 مفاعلا. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل أول هذه المفاعلات العام 2038. وتظل روسيا المصدر الرئيسي لمحطات الطاقة، إذ لديها 26 مفاعلا قيد الإنشاء، بينها ستة مفاعلات على أراضيها.

بعد التقارب الأميركي السوري.. مستقبل "قسد" بين ضمانات واشنطن وضغوط أنقرة
بعد التقارب الأميركي السوري.. مستقبل "قسد" بين ضمانات واشنطن وضغوط أنقرة

الشرق السعودية

timeمنذ 4 ساعات

  • الشرق السعودية

بعد التقارب الأميركي السوري.. مستقبل "قسد" بين ضمانات واشنطن وضغوط أنقرة

لم يكن لقاء الرئيسين السوري أحمد الشرع والأميركي دونالد ترمب في 18 مايو الجاري، وما رافقه من إعلان رفع العقوبات الأميركية عن دمشق، مجرد تحول في سياسة واشنطن تجاه الحكومة السورية الجديدة، بل شكّل منعطفاً مهماً يفتح باب التساؤل حول مستقبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أحد أبرز التشكيلات العسكرية المحلية التي نشأت خلال الأزمة السورية. وعلى مدار 10 سنوات، لم تكن "قسد" مجرد قوة عسكرية مدعومة من واشنطن، بل كياناً عسكرياً إدارياً مدعماً بشرعية الحرب على تنظيم "داعش" ومحاطاً بشبكة من التوازنات المعقدة. لكن اليوم، وفي ظل تغير التموضع الأميركي في العلاقة مع السلطة السورية الجديدة، تجد "قسد" نفسها أمام سؤال خطير: هل تتحول إلى مكوّن أساسي داخل الدولة.. أم كيان مهمش؟ ولأكثر من عقد، تجنبت واشنطن فتح قنوات مباشرة مع القيادة السورية، حتى جاء اللقاء الذي رعته الرياض وشاركت فيه أنقرة، حيث أعلن الرئيس الأميركي رفع جميع العقوبات المفروضة على دمشق، مؤكداً "اتخاذ الخطوات الأولى باتجاه استعادة العلاقات الطبيعية بين الولايات المتحدة وسوريا". موقف دمشق: لا شرعية وفي 10 مارس الماضي، وقّعت الحكومة السورية و"قسد" اتفاقاً يقضي بإعادة دمج الأخيرة ضمن مؤسسات الدولة ورغم أن التفاصيل لا تزال غامضة، فإن المعطيات تشير إلى نهاية زمن "الإدارة الذاتية" ككيان مستقل وبداية مرحلة من الدمج التدريجي. وأكد مصدر حكومي سوري لـ"الشرق"، أن "الاتفاق يضمن عودة وحدات "قسد" إلى صفوف الدولة، تحت إطار أمني غير سياسي"، مشدداً على أن "ما جرى هو تسوية مرحلية لبسط السيادة، لا اعتراف بشرعية موازية". وأضاف المصدر أن "التواصل الثلاثي الأخير بين أنقرة وواشنطن ودمشق يعكس إدراكاً متزايداً لدى مختلف الأطراف بأن استمرار الوضع القائم لم يعد قابلاً للاستدامة"، مشيراً إلى أن هذا التقارب إذا تطور إلى تنسيق فعال "فقد يوفر البيئة السياسية والأمنية اللازمة لترجمة الاتفاق بين الحكومة السورية وقسد إلى خطوات تنفيذية على الأرض". ولفت إلى أن هذه المرحلة "ليست مجرد تفاهم عابر، بل لحظة اختبار حقيقية لمفهوم الدولة الواحدة ولإمكانية بناء مشروع وطني يعيد سوريا إلى دورها الإقليمي من بوابة الاستقرار الداخلي أولاً". "قسد".. من قبول الدمج إلى رفض الإقصاء وفي 15 مايو الجاري، صرّح قائد "قسد" مظلوم عبدي لموقع "نورث برس" المحلي، بأن لقاء الشرع وترمب "يمهّد لمرحلة جديدة من الحوار البنّاء، بما يخدم إعادة الاستقرار والسلام إلى سوريا". وأضاف عبدي: "نؤمن بأن الشراكات الإقليمية والدولية تمثل ركيزة أساسية لضمان مستقبل مستقر وآمن لجميع السوريين، ونعرب عن استعدادنا للتعاون مع جميع الأطراف على هذا الأساس". وفي مقابلة مع "الشرق"، شدد رياض ضرار، الرئيس المشترك للمكتب الاستشاري لمجلس "سوريا الديمقراطية"، على أن الاتفاق بين الرئيس السوري وقائد "قسد" جرى بتنسيق مباشر مع الولايات المتحدة، التي يرى أنها تلعب دوراً في دعم "الدولة السورية الجديدة" لتصبح كياناً سياسياً قادراً على تجاوز الأزمات الداخلية. وشدد على أن واشنطن لا تستطيع الدفع بمفردها في هذا الاتجاه، وأن النجاح السياسي يتطلب من الحكومة السورية نفسها أن تتصرف "بمنطق وطني لا طائفي"، موضحاً أن "قسد" لا تخشى عملية الدمج بحد ذاتها، وإنما ما وصفه بـ"العقلية الإقصائية التي تحاول إدارة المرحلة بعقل أمني منفصل عن أي توافق سياسي حقيقي". وأضاف ضرار: "الاتفاق السياسي هو المدخل لأي عملية دمج. حتى الآن لا يوجد شكل سياسي واضح للدولة، ولا روح دستورية جامعة. الإعلان الدستوري الحالي يعكس رؤية أحادية لا تصلح مرجعية لغالبية السوريين". وأشار الرئيس المشترك للمكتب الاستشاري لمجلس "سوريا الديمقراطية"، إلى أن الحوار الوطني الشامل هو الضامن الوحيد لأي تسوية مستدامة، منتقداً في المقابل ما وصفه بـ"الرؤية الفوقية" لدى الإعلام الرسمي الذي يستمر في تصوير الشمال الشرقي كمنطقة انفصالية، رغم أن الاتفاق الموقع يركز على المصالحة لا التقسيم. وعن الترتيبات العسكرية، انتقد ضرار هيكلية وزارة الدفاع الحالية، داعياً إلى الابتعاد عن الإدارة "بعقلية الميليشيات لا المؤسسات"، قائلاً إن الترقيات والتعيينات "تُمنح على أساس الولاء لا الكفاءة"، واستشهد بتعيين أحمد إحسان فياض الهايس المعروف باسم "أبو حاتم شقرة" قائداً لفرقة عسكرية في الشمال الشرقي، والذي كان قائداً لفصيل (أحرار الشرقية) السابق الموالي لتركيا، متسائلاً عن مصداقية هذا التعيين وغيره في ظل الحديث عن دمج "قسد" ضمن المنظومة الرسمية. وشدد ضرار على أن "قسد" ليست قوة كردية فقط، بل هي تشكيل مشترك يضم العرب والكرد ومكونات أخرى، وتمتلك تنظيماً وخبرة ميدانية تؤهلها لتكون شريكاً حقيقياً في أي هيكل عسكري جديد ورفض فكرة تسليم السلاح كشرط أولي معتبراً أن المسألة "يجب أن تُدار عبر تفاوض شفاف ومتكافئ". أما فيما يخص ملف الثروات، فأكد ضرار أن إدارة الموارد الطبيعية مسألة مركزية لا يمكن تجاوزها في أي تسوية، داعياً إلى إنشاء مؤسسات رقابية لضمان الشفافية في توزيع العوائد، لا سيما أن مناطق "الإدارة الذاتية كانت الأكثر تهميشاً واستنزافاً طوال السنوات الماضية". ووجّه ضرار تساؤلاً بشأن غياب التمثيل الفعلي لأبناء شمال شرق سوريا داخل الحكومة المركزية، معتبراً أن "التعيينات الحالية ذات طابع رمزي، ولا تعكس توازن القوى الفاعلة على الأرض". أنقرة: أمن الحدود أولاً ويرى الباحث في العلاقات الدولية والمستشار الإعلامي التركي طه عودة أوغلو، أن التحولات المتسارعة في الملف السوري، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي بنظيره السوري، فتحت الباب أمام تفاهمات جديدة، تتضمن على ما يبدو إعادة ترتيب العلاقة بين دمشق و"قسد"، وربما إشراكها في هياكل الدولة السورية الجديدة، وهو ما تتابعه أنقرة بحذر بالغ. وأكد عودة أوغلو لـ"الشرق"، أن مسار تسوية العلاقة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني يشهد تقدماً تدريجياً، لكن موقف أنقرة من "قسد" لا يزال يشكل عقدة أساسية أمام تقدم المفاوضات بشكل أكثر وضوحاً. وأشار إلى أن زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم كالن، إلى دمشق مؤخراً، حملت في طياتها رسائل واضحة تتعلق بمدى ارتباط "قسد" بالملف الكردي الأوسع، استعداد الحكومة السورية لمعالجة الهواجس التركية. وقال عودة أوغلو: "المسار يسير، لكن بحذر. أنقرة تضع في اعتبارها أولاً أمن حدودها، وإذا تم دمج قسد كأفراد أو كوحدات داخل مؤسسات الدولة السورية برعاية وضمان دوليين، فإن تركيا قد تنظر بإيجابية إلى هذا السيناريو شريطة ألا يبقى لقسد كيان مستقل أو مسلح". وشدد الباحث التركي على أن أنقرة بدأت خطوات داخلية لحل المعضلة الكردية، وقد لا تمانع في التعاون مع واشنطن أو دمشق إذا كان ذلك يضمن استقراراً طويل الأمد على حدودها الجنوبية، لكنه حذر من أن استمرار الغموض الحالي سواء في طبيعة الاتفاق أو في مصير السلاح بيد "قسد" قد يقود إلى سيناريوهات غير محسوبة التأثير. وأوضح أن ملف "قسد" لا يمكن عزله عن معادلة العلاقات التركية–الأميركية ولا عن ترتيبات ما بعد التقارب الأميركي–السوري، معتبراً أن الأمر بات يرتبط بإعادة هيكلة أولويات واشنطن في سوريا، خصوصاً أن البيت الأبيض أبدى التزاماً علنياً بدعم أي مسار يضمن انتقالاً سياسياً غير طائفي ويحول دون تجدد النزاعات. وأشار إلى أن دمشق قد تجد نفسها أمام ضرورة تهدئة المخاوف التركية وتقديم ضمانات أمنية كافية، إذا أرادت المضي قدماً في بناء الدولة السورية المستقبلية، مضيفاً أن قسد مطالبة بـ"إعادة تعريف دورها في إطار الدولة الواحدة لا كجسم مواز". من جهته، أكد المحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان، أنه بالرغم من التطورات السياسية الأخيرة في الملف السوري لا تزال أنقرة ترى في "قسد" وتحديداً وحدات حماية الشعب امتداداً مباشراً لحزب العمال المصنّف "منظمة إرهابية"، وهو ما يجعلها ترفض انضمامه إلى الحكومة السورية الجديدة أو أي دور مستقل لها في مستقبل البلاد. ورغم أن أنقرة لطالما طالبت بوقف الدعم الأميركي لـ"قسد"، فإنها اليوم تبدي ترحيباً متحفظاً بالتقارب الأميركي السوري، فقد أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع ثلاثي جمعه بوزيري خارجية سوريا والولايات المتحدة في أنطاليا أهمية استمرار الولايات المتحدة في الانخراط مع الإدارة السورية، مشدداً على ضرورة الحفاظ على قدرات الدولة السورية لمواصلة محاربة "داعش"، كما أشار إلى أن الشعب السوري "يطمح للعيش في بيئة يسودها الأمن والاستقرار والرفاهية"، داعياً إلى توجيه التطورات في سوريا نحو المسار الصحيح. لكن تركيا تراقب عن كثب تفاصيل الاتفاق بين واشنطن ودمشق وتخشى من ترتيبات تُبقي على نفوذ محدود لـ"قسد"، خاصة في المناطق الحدودية. وأوضح مصطفى أوزجان لـ"الشرق"، أن الموقف التركي "يستند إلى مقاربة أمنية صلبة"، تنظر إلى ما يجري في شرق الفرات من زاوية التهديدات المباشرة للأمن القومي التركي. وزاد: "أنقرة لا تقبل بأي صيغة تعيد إنتاج نفوذ حزب العمال الكردستاني تحت غطاء سوري داخلي.. ولهذا فإنها تتعامل بحذر شديد مع أي محاولة لإعادة دمج قسد من دون مراجعة عميقة لبنيتها". فرصة مشروطة للتفاهم رغم التحفظ التركي المعلن، أقر أوزجان بأن ثمة تعقيداً متزايداً في المشهد، خصوصاً في ظل تقارب واشنطن مع دمشق ومحاولات الأخيرة إيجاد آلية للتعامل مع "قسد" بصفتها قوة موجودة على الأرض. وأكد أن النظام السوري الجديد وإن كان يتفهم الهواجس التركية، إلا أنه يجد نفسه مضطراً للتعامل مع "قسد" سواء عبر احتوائها أو التفاوض معها. وقال أوزجان: "هذا التعامل محكوم باعتبارات عدة، أولها رغبة دمشق في استعادة السيادة الكاملة وثانيها ضرورة تجنب صدام مع قوى تمتلك بنية عسكرية منظمة، وثالثها ضغوط الحلفاء الدوليين وفي مقدمتهم واشنطن". واعتبر أوزجان أن الفرصة لا تزال قائمة للتوصل إلى صيغة تفاهم ثلاثية، بين دمشق وقسد وأنقرة، لكن ذلك مشروط بتراجع أي نوايا لتأسيس كيان كردي مستقل شرق الفرات أو استمرار نموذج الإدارة الذاتية الحالي الذي تعتبره تركيا "تهديداً غير مقبول". وشدد على أن الملف الكردي في سوريا "لم يعد ملفاً محلياً صرفاً، بل بات جزءاً من شبكة توازنات إقليمية ودولية معقدة حيث تلعب واشنطن دور الوسيط والموازن في آن واحد، بما يعزز أو يضعف فرص التفاهم حسب سلوك الأطراف". واعتبر أوزجان أن "الرهان على تصورات أيديولوجية أو انفصالية لم يعد واقعياً"، مضيفاً أن "العقلية التي تأسس عليها حزب العمال الكردستاني، لم تعد مناسبة لبناء مستقبل سياسي سوري جامع" في إشارة إلى ضرورة مراجعة هذه الأطروحات من قبل القوى الكردية، قائلاً: "ما تحتاجه هذه القوى هو مراجعة جدية تعترف بأن الحل الوحيد يمر عبر الدولة السورية، لا بتجاوزها".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store