
هل يكتوي شمال أفريقيا بنار مسيرات دول الساحل؟
أثار إعلان الجيش الجزائري عن إسقاط طائرة مسيرة في منطقة تين زاوتين اخترقت أجواء جنوب البلاد قادمة من مالي، تساؤلات حول ما إذا كانت منطقة شمال أفريقيا ستدفع فاتورة الاستخدام المتزايد لتلك الطائرات في منطقة الساحل الأفريقي.
ورغم أن الأنظار توجهت خلال الساعات الماضية إلى التوتر الدبلوماسي الذي أفرزته هذه الحادثة، فإن التساؤلات التي تخامر أذهان كثر تتمحور حول الخطر الذي تمثله المسيرات، التي باتت بيد الجيوش والجماعات المسلحة على حد سواء في منطقة الساحل الأفريقي، على دول الجوار.
ولجأت الأنظمة التي تحكم دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر وهي أنظمة منبثقة عن انقلابات عسكرية إلى اقتناء مسيرات تركية من طراز "بيرقدار"، ومن روسيا أيضاً، وذلك ضمن مساعيها المكثفة لتطوير ترسانتها العسكرية بهدف كسب الحرب ضد الجماعات المسلحة سواء تلك المتشددة أو المتمردة.
قادرة على التصدي
هذا الإعلان يزيد الشرخ في العلاقات بين الجزائر ومالي المتوترة أصلاً منذ أشهر، إذ استدعت باماكو ونيامي وواغادوغو، في وقت مبكر من صباح اليوم الإثنين، سفراءها من الجزائر.
وتنضوي مالي والنيجر وبوركينا فاسو تحت لواء "تحالف الساحل" الذي استدعى سفراءه من الجزائر احتجاجاً على إسقاط الأخيرة طائرة مسيرة مالية، مما يفتح الباب واسعاً أمام التكهنات في شأن تداعيات هذه الحادثة. وتسلط هذه الحادثة الضوء على الرهان المتزايد على الطائرات من دون طيار في دول الساحل الأفريقي، التي تعاني اضطرابات أمنية مزمنة، إذ أبرمت هذه الدول صفقات مهمة لتعزيز أسطولها العسكري بهذا النوع من الأسلحة.
وكانت مالي آخر من تسلم دفعة جديدة من الطائرات المسيرة قبل أشهر، عندما أشرف رئيسها الانتقالي آسيمي غويتا بنفسه على استقبال ست طائرات "بيرقدار" تم اقتناؤها من تركيا.
وقال الباحث العسكري الجزائري المتخصص في الشؤون الأفريقية، أكرم خريف، إن "دول شمال أفريقيا قادرة على التصدي للمسيرات القادمة من الساحل الأفريقي، لأن دول المغرب العربي تملك أنظمة دفاع جوي وخصوصاً المغرب وتونس والجزائر وليبيا لها قدرة على رصد الأهداف الجوية ما وراء حدودها والتعامل معها عسكرياً". وأردف خريف "إن استعمال المسيرات من طرف الجيش المالي بدأ تزامناً مع تدخل قوات فاغنر الروسية وبداية العمليات ضد مدنيين في شمال مالي، في أبريل (نيسان) من عام 2022 أي بعد الانقلاب الذي قاده آسيمي غويتا آنذاك، وقصف الجيش المالي عديداً من الأهداف المدنية والعسكرية طوال الأعوام الماضية". وذكر أن "هناك مواطنين سقطوا ضحايا قصف المسيرات في مالي من بينهم أجانب من التشاد والنيجر والجزائر نفسها، وهنا يكمن خطر هذه الطائرات التي بات اللجوء إليها متزايداً في غرب أفريقيا، لكن الجزائر تملك قدرة على اعتراض المسيرات".
وشدد المتحدث على أن "المسيرات أصبحت لعبة تستعملها بعض الجيوش مع الأسف رغم أن حصيلة الضحايا من مواطنين وغير ذلك كبيرة، والجزائر نفسها عانت ذلك، لاسيما أخيراً من جانب مالي، وتعاملت مع ذلك الآن من خلال تحطيم هذه المسيرة".
تهديد حقيقي
ويطرح تزايد عمليات الكر والفر بين جيوش الساحل الأفريقي التي تسعى إلى بسط سيطرتها على أراضيها من جهة، والجماعات المسلحة من جهة، مخاوف جدية من اتساع رقعة الصراع نحو دول الجوار خصوصاً مع تسجيل حوادث لافتة.
وقال رئيس تحرير مجلة "لوديبلومات ميديا"، المؤرخ والباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، رولان لامباردي، إن "جيوش منطقة الساحل، فضلاً عن بعض الجماعات المسلحة غير الحكومية الموجودة في هذه المنطقة، تملك بصورة متزايدة طائرات من دون طيار خفيفة ووسائل للمراقبة أو الهجوم الدقيق".
وأوضح لامباردي أن "إعلان الجيش الجزائري إسقاط طائرة من دون طيار قادمة من مالي يوضح التطور التكنولوجي لمسرح العمليات في منطقة الساحل ومدى التسلل الحدودي في هذه المنطقة".
وفي رأيه فإن "المسيرات في الساحل الأفريقي تشكل تهديداً حقيقياً لكنه محدود إذ غالباً ما تظل الطائرات من دون طيار التي تنشرها جيوش دول الساحل، صغيرة الحجم وتتمتع باستقلالية متوسطة. وتعتمد قدرتها على التأثير في أمن دولة مجاورة على مدى تطور الطائرة وقدرة حمولتها الهجومية وغير ذلك".
ولفت لامباردي إلى أن "الجماعات الإرهابية والإجرامية في المنطقة أيضاً تهتم بهذه التقنيات، لكن مواردها تبقى محدودة نسبياً لاقتناء المسيرات".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إمكانات عسكرية مختلفة
في خضم ذلك، تبقى التساؤلات ملحة حول قدرة دول المغرب العربي وشمال أفريقيا على التصدي لهذا التهديد الأمني الجديد.
وقال رولان لامباردي، "من أجل تعزيز قدرات الاستجابة في دول شمال أفريقيا لهذا التهديد، هناك إمكانات عسكرية مختلفة لهذه الدول، فالجزائر على سبيل المثال، بفضل موازناتها الدفاعية الكبيرة ومعداتها الحديثة بما في ذلك أنظمة الدفاع المضادة للطائرات والطائرات من دون طيار، فإنها قادرة على مراقبة حدودها بشكل فعال والتدخل بسرعة، ويؤكد مثال الطائرة المسيرة التي أُسقطت على اليقظة العالية". وتابع أن "المغرب يستثمر أيضاً في تقنيات الدفاع، بما في ذلك أنظمة مكافحة الطائرات من دون طيار، بالاعتماد على الشراكات الدولية مثل الولايات المتحدة، وإسرائيل، وغيرهما".
وأشار إلى أن "الدول المغاربية الأخرى تكتسب مزيداً من الكفاءة، لكن بشكل غير متساو، ومع ذلك يتزايد الوعي الجماعي بالأخطار المرتبطة بالطائرات من دون طيار، مما يدفع إلى تحديث الدفاعات".
توازن القوة الرادع
وبالفعل، كثفت دول مثل الجزائر والمغرب من إنفاقها العسكري في الأعوام الأخيرة بشكل يعكس حجم توجسها من تطورات المنطقة لا سيما اضطرابات الساحل الأفريقي حيث تتزايد حركات التمرد وأنشطة الجماعات المتطرفة.
وتتخذ دول شمال أفريقيا مواقف متضاربة من الوضع في الساحل، فبينما تنتقد الاستعانة بالمرتزقة وشركاء أجانب جدد تراقب المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا بحذر الواقع الجديد في الساحل الأفريقي.
وقال لامباردي، "في منطق الواقعية السياسية، تسعى دول المغرب العربي إلى الحفاظ على توازن القوة الرادع: فإظهار القدرات المضادة للطائرات من دون طيار يشكل ضرورة أمنية بقدر ما هو رسالة سياسية".
وأبرز أنه "من المؤكد أن الطائرات من دون طيار في منطقة الساحل (أو تلك التي تستخدمها الجماعات المسلحة) تشكل تهديداً، ولكن لا يزال محصوراً، بالنسبة إلى الدول المجاورة".
وأكد لامباردي أن "دول شمال أفريقيا، وخصوصاً الجزائر، تملك جيوشاً مجهزة تجهيزاً جيداً نسبياً وقادرة على مواجهة هذا النوع من التوغل. ومع ذلك فإن فعالية هذه الدفاعات تعتمد على التحديث المستمر للتكنولوجيات ومبادئ الاستخدام".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
تركيا تعزز حضورها في أفريقيا بالأسلحة والتجارة
في الوقت الذي تتراجع فيه فرنسا في أفريقيا وتدخل فيه قوى عالمية أخرى مثل روسيا والصين معركة النفوذ، لا تهدأ الدبلوماسية التركية في مسعى إلى ترسيخ حضور أوسع لأنقرة في القارة السمراء الغنية بثرواتها، وذلك من خلال كثير من الأسلحة. وقد نجحت تركيا أخيراً في بناء شراكات عسكرية مُثمرة من خلال تزويد دول أفريقية بمعدات عسكرية تركية مثل مسيرات "بيرقدار"، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد إذ اضطلعت أنقرة بوساطات نزعت فتيل أزمات حادة في مناطق مثل القرن الأفريقي. وفي إطار هذه الجهود استقطب منتدى أنطاليا الذي عُقد أخيراً كثيراً من المسؤولين الأفارقة يتقدمهم الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، وعلى رغم الأدوار المتقدمة التي باتت تضطلع بها، فإنه من غير الواضح قدرة أنقرة على الحلول محل قوى أخرى مثل فرنسا. شريك إستراتيجي وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024 أعلنت تركيا عن توسطها بين إثيوبيا والصومال في خطوة قادت إلى إنهاء الخلافات بين البلدين، ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاتفاق بـ"التاريخي". وعززت تركيا بشكل كبير حضورها الدبلوماسي في أفريقيا، فبحسب بيانات وزارة الخارجية فقد ارتفع عدد سفاراتها من 12 سفارة في 2002 إلى 44 سفارة وقنصلية عام 2022، فيما زادت التمثيليات الدبلوماسية الأفريقية في أنقرة من 10 في 2008 إلى 38 ممثلية عام 2023. واعتبر الباحث السياسي، طه عودة أوغلو، أن "تركيا نجحت في تعزيز وجودها في القارة الأفريقية كشريك إستراتيجي على خلاف الدول الاستعمارية الأخرى كفرنسا، واستفادت من موقعها الجغرافي والخبرات في كثير من المجالات لتنمية علاقات طويلة الأمد، وأصبحت أفريقيا تشكل العمق الحيوي لمصالح تركيا الجيوإستراتيجية". وتابع أوغلو "لاحظنا أيضاً أن تركيا سعت إلى توسيع نفوذها من خلال كثير من القنوات مثل أمن الطاقة واستكشاف النفط في الصومال، التي أنشأت فيه قاعدة عسكرية. وواجهت تركيا تحديات صعبة لبناء نفوذ في أفريقيا، خصوصاً أنها اصطدمت بقوة أخرى كبيرة على الساحة الدولية هي فرنسا، التي كانت منزعجة بصورة كبيرة من الدور التركي". واستدرك بالقول "تركيا نجحت من خلال الدبلوماسية الناعمة، لذلك أعتقد أن العلاقة التركية – الأفريقية ستحتل حيزاً مهماً في السياسة الخارجية لأنقرة خصوصاً في ظل النجاحات التي حُققت في القارة، ولن يقتصر الأمر على التقارب السياسي والاقتصادي، بل سيشمل مجالاً حساساً ومهماً وهو الصناعات الدفاعية". وبالفعل زودت تركيا دولاً كثيرة في أفريقيا بمعدات عسكرية مثل مسيرات "بيرقدار" التي باتت تجوب سماء القارة السمراء، وذلك في خطوات تستهدف على الأرجح تعويض فرنسا التي اضطرت إلى سحب قواتها ومعداتها العسكرية من القارة. تعاون اقتصادي والاهتمام التركي بأفريقيا ليس وليد اللحظة، إذ حصلت أنقرة عام 2005 على صفة مراقب دائم في الاتحاد الأفريقي، ومنذ ذلك الوقت سعت إلى ترسيخ نفسها في المعادلة الأفريقية الصعبة، ومنذ 2008 زار الرئيس التركي نحو 30 دولة أفريقية، وحاول توجيه الاستثمارات نحو هذه الدول الغنية بثرواتها حيث تختزن دول أفريقية معادن ثمينة مثل الكوبالت واليورانيوم. وقال أوغلو إن "تركيا نسجت ورسخت علاقات في أفريقيا من باب التعاون الاقتصادي، ففي الأعوام الماضية زادت استثماراتها في الطاقة والبنية التحتية واضطلعت بدور دبلوماسي واسع، إذ دشنت قنصليات جديدة وقدمت مساعدات إنسانية كبيرة للدول الأفريقية مع تنامي التعاون الأمني والعسكري"، وارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا من 3 مليارات دولار عام 2003 إلى نحو 35 مليار دولار في 2023. نفوذ مترامٍ ومن جانبه، قال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين إن "النفوذ التركي في أفريقيا بدأ يترامى على غرار كثير من القوى الإقليمية، وأنقرة بنت هذا النفوذ عبر أعوام طويلة مستغلة الدبلوماسية الناعمة من خلال المنح الدراسية والمساعدات والمشاريع الخيرية وتقديم الدعم للمجتمعات المدنية". وأردف تورشين أن الدبلوماسية الناعمة نجحت بالفعل في تعزيز وتوطيد النفوذ التركي في أفريقيا، وأخيراً أصبحت تركيا تستخدم الشراكات العسكرية وتزود الدول الأفريقية بمنظومة أسلحة متطورة مثل "بيرقدار". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويعتقد المتحدث أن "الإستراتيجية التركية كانت تعتمد البعدين العسكري والاقتصادي، وفي كثير من الأحيان استخدمت الدبلوماسية الناعمة، وأنقرة لديها توجهات إقليمية تختلف مع كثير من القوى الدولية وهي دائماً ما تضع مصلحتها ومصلحة الدول التي دخلت معها في شراكات كأولوية". وتحاول تركيا استغلال الانسحاب الفرنسي من دول مثل بوركينا فاسو والنيجر ومالي، إذ قدمت عروضاً لتزويد هذه الدول بمعدات عسكرية، وأبرمت صفقات بالفعل مع بعضها مثل مالي التي تسلمت مسيرات "بيرقدار". قدرات محدودة وأعرب أردوغان عن سعي بلاده إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع أفريقيا في مرحلته النهائية إلى 75 مليار دولار، لكن في ظل تهافت قوى إقليمية أخرى على غرار روسيا والصين فإنه من غير الواضح قدرة أنقرة على القيام بذلك. وتملك تركيا نحو 71 مكتباً عسكرياً في أفريقيا، وقد ارتفعت مبيعاتها العسكرية إلى نحو 328 مليون دولار تشمل المسيرات ومعدات أخرى. وقال الباحث السياسي النيجري محمد أوال، إن "قدرات تركيا تعد محدودة بالنظر إلى دول أخرى انخرطت بشكل مباشر في النزاعات مثل روسيا، لكن سياسة أنقرة تحمل أمراً إيجاباً ألا وهو تقليل الأخطار عند التدخل". وأضاف أوال أن "اقتصار تركيا على الجانبين الاقتصادي والتجاري كان يشكل نقطة إيجابية لصالحها، لكن مرورها إلى ترويج معداتها العسكرية قد يثير حفيظة دول أفريقية أخرى تخشى بالفعل تداعيات ذلك على أمنها القومي"، وشدد على أن "تركيا عليها التعامل بحذر مع المتغيرات السياسية والاقتصادية التي تعرفها أفريقيا، خصوصاً مع صعود جيل جديد من الحكام لا سيما في منطقة الساحل".


Independent عربية
٠٨-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
هل يكتوي شمال أفريقيا بنار مسيرات دول الساحل؟
أثار إعلان الجيش الجزائري عن إسقاط طائرة مسيرة في منطقة تين زاوتين اخترقت أجواء جنوب البلاد قادمة من مالي، تساؤلات حول ما إذا كانت منطقة شمال أفريقيا ستدفع فاتورة الاستخدام المتزايد لتلك الطائرات في منطقة الساحل الأفريقي. ورغم أن الأنظار توجهت خلال الساعات الماضية إلى التوتر الدبلوماسي الذي أفرزته هذه الحادثة، فإن التساؤلات التي تخامر أذهان كثر تتمحور حول الخطر الذي تمثله المسيرات، التي باتت بيد الجيوش والجماعات المسلحة على حد سواء في منطقة الساحل الأفريقي، على دول الجوار. ولجأت الأنظمة التي تحكم دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر وهي أنظمة منبثقة عن انقلابات عسكرية إلى اقتناء مسيرات تركية من طراز "بيرقدار"، ومن روسيا أيضاً، وذلك ضمن مساعيها المكثفة لتطوير ترسانتها العسكرية بهدف كسب الحرب ضد الجماعات المسلحة سواء تلك المتشددة أو المتمردة. قادرة على التصدي هذا الإعلان يزيد الشرخ في العلاقات بين الجزائر ومالي المتوترة أصلاً منذ أشهر، إذ استدعت باماكو ونيامي وواغادوغو، في وقت مبكر من صباح اليوم الإثنين، سفراءها من الجزائر. وتنضوي مالي والنيجر وبوركينا فاسو تحت لواء "تحالف الساحل" الذي استدعى سفراءه من الجزائر احتجاجاً على إسقاط الأخيرة طائرة مسيرة مالية، مما يفتح الباب واسعاً أمام التكهنات في شأن تداعيات هذه الحادثة. وتسلط هذه الحادثة الضوء على الرهان المتزايد على الطائرات من دون طيار في دول الساحل الأفريقي، التي تعاني اضطرابات أمنية مزمنة، إذ أبرمت هذه الدول صفقات مهمة لتعزيز أسطولها العسكري بهذا النوع من الأسلحة. وكانت مالي آخر من تسلم دفعة جديدة من الطائرات المسيرة قبل أشهر، عندما أشرف رئيسها الانتقالي آسيمي غويتا بنفسه على استقبال ست طائرات "بيرقدار" تم اقتناؤها من تركيا. وقال الباحث العسكري الجزائري المتخصص في الشؤون الأفريقية، أكرم خريف، إن "دول شمال أفريقيا قادرة على التصدي للمسيرات القادمة من الساحل الأفريقي، لأن دول المغرب العربي تملك أنظمة دفاع جوي وخصوصاً المغرب وتونس والجزائر وليبيا لها قدرة على رصد الأهداف الجوية ما وراء حدودها والتعامل معها عسكرياً". وأردف خريف "إن استعمال المسيرات من طرف الجيش المالي بدأ تزامناً مع تدخل قوات فاغنر الروسية وبداية العمليات ضد مدنيين في شمال مالي، في أبريل (نيسان) من عام 2022 أي بعد الانقلاب الذي قاده آسيمي غويتا آنذاك، وقصف الجيش المالي عديداً من الأهداف المدنية والعسكرية طوال الأعوام الماضية". وذكر أن "هناك مواطنين سقطوا ضحايا قصف المسيرات في مالي من بينهم أجانب من التشاد والنيجر والجزائر نفسها، وهنا يكمن خطر هذه الطائرات التي بات اللجوء إليها متزايداً في غرب أفريقيا، لكن الجزائر تملك قدرة على اعتراض المسيرات". وشدد المتحدث على أن "المسيرات أصبحت لعبة تستعملها بعض الجيوش مع الأسف رغم أن حصيلة الضحايا من مواطنين وغير ذلك كبيرة، والجزائر نفسها عانت ذلك، لاسيما أخيراً من جانب مالي، وتعاملت مع ذلك الآن من خلال تحطيم هذه المسيرة". تهديد حقيقي ويطرح تزايد عمليات الكر والفر بين جيوش الساحل الأفريقي التي تسعى إلى بسط سيطرتها على أراضيها من جهة، والجماعات المسلحة من جهة، مخاوف جدية من اتساع رقعة الصراع نحو دول الجوار خصوصاً مع تسجيل حوادث لافتة. وقال رئيس تحرير مجلة "لوديبلومات ميديا"، المؤرخ والباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، رولان لامباردي، إن "جيوش منطقة الساحل، فضلاً عن بعض الجماعات المسلحة غير الحكومية الموجودة في هذه المنطقة، تملك بصورة متزايدة طائرات من دون طيار خفيفة ووسائل للمراقبة أو الهجوم الدقيق". وأوضح لامباردي أن "إعلان الجيش الجزائري إسقاط طائرة من دون طيار قادمة من مالي يوضح التطور التكنولوجي لمسرح العمليات في منطقة الساحل ومدى التسلل الحدودي في هذه المنطقة". وفي رأيه فإن "المسيرات في الساحل الأفريقي تشكل تهديداً حقيقياً لكنه محدود إذ غالباً ما تظل الطائرات من دون طيار التي تنشرها جيوش دول الساحل، صغيرة الحجم وتتمتع باستقلالية متوسطة. وتعتمد قدرتها على التأثير في أمن دولة مجاورة على مدى تطور الطائرة وقدرة حمولتها الهجومية وغير ذلك". ولفت لامباردي إلى أن "الجماعات الإرهابية والإجرامية في المنطقة أيضاً تهتم بهذه التقنيات، لكن مواردها تبقى محدودة نسبياً لاقتناء المسيرات". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) إمكانات عسكرية مختلفة في خضم ذلك، تبقى التساؤلات ملحة حول قدرة دول المغرب العربي وشمال أفريقيا على التصدي لهذا التهديد الأمني الجديد. وقال رولان لامباردي، "من أجل تعزيز قدرات الاستجابة في دول شمال أفريقيا لهذا التهديد، هناك إمكانات عسكرية مختلفة لهذه الدول، فالجزائر على سبيل المثال، بفضل موازناتها الدفاعية الكبيرة ومعداتها الحديثة بما في ذلك أنظمة الدفاع المضادة للطائرات والطائرات من دون طيار، فإنها قادرة على مراقبة حدودها بشكل فعال والتدخل بسرعة، ويؤكد مثال الطائرة المسيرة التي أُسقطت على اليقظة العالية". وتابع أن "المغرب يستثمر أيضاً في تقنيات الدفاع، بما في ذلك أنظمة مكافحة الطائرات من دون طيار، بالاعتماد على الشراكات الدولية مثل الولايات المتحدة، وإسرائيل، وغيرهما". وأشار إلى أن "الدول المغاربية الأخرى تكتسب مزيداً من الكفاءة، لكن بشكل غير متساو، ومع ذلك يتزايد الوعي الجماعي بالأخطار المرتبطة بالطائرات من دون طيار، مما يدفع إلى تحديث الدفاعات". توازن القوة الرادع وبالفعل، كثفت دول مثل الجزائر والمغرب من إنفاقها العسكري في الأعوام الأخيرة بشكل يعكس حجم توجسها من تطورات المنطقة لا سيما اضطرابات الساحل الأفريقي حيث تتزايد حركات التمرد وأنشطة الجماعات المتطرفة. وتتخذ دول شمال أفريقيا مواقف متضاربة من الوضع في الساحل، فبينما تنتقد الاستعانة بالمرتزقة وشركاء أجانب جدد تراقب المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا بحذر الواقع الجديد في الساحل الأفريقي. وقال لامباردي، "في منطق الواقعية السياسية، تسعى دول المغرب العربي إلى الحفاظ على توازن القوة الرادع: فإظهار القدرات المضادة للطائرات من دون طيار يشكل ضرورة أمنية بقدر ما هو رسالة سياسية". وأبرز أنه "من المؤكد أن الطائرات من دون طيار في منطقة الساحل (أو تلك التي تستخدمها الجماعات المسلحة) تشكل تهديداً، ولكن لا يزال محصوراً، بالنسبة إلى الدول المجاورة". وأكد لامباردي أن "دول شمال أفريقيا، وخصوصاً الجزائر، تملك جيوشاً مجهزة تجهيزاً جيداً نسبياً وقادرة على مواجهة هذا النوع من التوغل. ومع ذلك فإن فعالية هذه الدفاعات تعتمد على التحديث المستمر للتكنولوجيات ومبادئ الاستخدام".


Independent عربية
٢٣-٠٣-٢٠٢٥
- Independent عربية
مسيرات "أفريقية"... بين تقليص الكلف وتفاقم الأخطار
دخل عدد من الدول الأفريقية من ضمنها نيجيريا وكينيا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا نادي صناعة الطائرات المسيرة في تطور يكشف عن تزايد حاجة القارة السمراء التي تعرف اضطرابات شديدة إلى هذا السلاح. ويملك الآن نحو 31 جيشاً وطنياً في أفريقيا طائرات مسيرة، وهي سلاح صغير بإمكانه التواري عن أنظار الرادارات ولا يكلف موازنات الدول كثيراً من الأموال لاقتنائه، ويتيح ميزة أخرى وهي تعقب أية عناصر وشن هجمات من دون وقوع ضحايا في صفوف الجيش بخلاف الطائرات الحربية التقليدية. وتعد جنوب أفريقيا رائدة في صنع الطائرات المسيرة، إذ اشتهرت البلاد بطائرة "ميلكور 380"، وهي طائرة تمتاز بقدرة هائلة على الدقة والمناورة والسرعة، مما عزز من إمكاناتها كطائرة قتالية. وحلقت هذه الطائرة للمرة الأولى على سبيل المثال في الـ19 من سبتمبر (أيلول) 2023 في خطوة تكشف عن شغف دول القارة السمراء بصنع المسيرات بعد سنوات قضتها في اقتناء هذا النوع من الأسلحة من دول مثل تركيا التي اشتهرت هي الأخرى بطائرات "بيرقدار" وغيرها. الطفرة في صنع المسيرات محلياً تجعل الدول الأفريقية أقل اعتماداً على شراء هذا السلاح من الخارج (أ ف ب) عمود فقري اللافت في توجه عديد من الدول الأفريقية إلى المراهنة على صنع مسيرات تستخدمها في مجالات مثل تأمين الحدود ومواجهة الصيد الجائر وشن ضربات ضد الجماعات المسلحة هو أن دولاً مثل جنوب أفريقيا أو نيجيريا أو جنوب السودان تعتمد على مكونات محلية للقيام بذلك. وكشفت بيانات جمعها موقع "ميليتري أفريكا" في وقت سابق عن أن هناك ما لا يقل عن 13 شركة محلية في القارة السمراء تقوم بصنع الطائرات المسيرة. ويعزو كثر الطفرة التي يتم تحقيقها في صنع الطائرات المسيرة في أفريقيا إلى مساعي بلدان القارة السمراء لمواجهة التحديات الأمنية، وأيضاً دفع الشركات الأجنبية نحو خفض أسعار هذه الطائرات، فعلى رغم أن أسعارها رخيصة مقارنة بالطائرات التقليدية فإن عدداً من الدول يعمل على استغلال حاجة الدول الأفريقية للمسيرات من أجل الترويج لأسلحتها وبيعها بأسعار باهظة. الباحث العسكري المتخصص في الشؤون الأفريقية أكرم خريف قال إن "هناك بالفعل دولاً أفريقية كانت سباقة في صنع الطائرات المسيرة على غرار جنوب أفريقيا التي بدأت في التصنيع منذ بداية التسعينيات". وأضاف خريف أن "هناك مبادرات محلية في نيجيريا وجنوب أفريقيا وغيرهما لصنع الطائرات المسيرة، وهناك دول مثل مصر والجزائر والمغرب أيضاً تقوم بصنع هذا السلاح الذي أصبح العمود الفقري للجيوش البرية في أفريقيا"، وشدد أيضاً على أن "هذه الجيوش تستخدم هذه الطائرات للاستطلاع واستهداف العدو على مقربة، ونرى أنه في أفريقيا ظهرت المسيرات بيد حتى العصابات والجماعات المسلحة سواء كانت إرهابية أو غيرها". وبين خريف أن "هذا يدل إلى أن المسيرات ستصبح مع مرور الوقت تحدياً وتهديداً للجيوش الوطنية وقوى الأمن في أفريقيا". يملك الآن نحو 31 جيشاً وطنياً في أفريقيا طائرات مسيرة (أ ب) وعلى رغم زيادة وتيرة الصنع المحلي لهذه المسيرات فإن دولاً مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر لجأت إلى إبرام صفقات لافتة مع دول مثل تركيا وروسيا لاقتناء طائرات مسيرة من أجل استخدامها في المعارك مع الجماعات المسلحة التي ما انفكت تكبد الجيوش الوطنية والمدنيين خسائر فادحة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) تقليص الطلب الخارجي وتحدثت صحيفة "لوموند" الفرنسية عما سمته اجتياح الطائرات المسيرة التركية والروسية الأجواء في منطقة الساحل الأفريقي، فبعد طردها الحليف الفرنسي التقليدي لجأت بوركينا فاسو ومالي والنيجر إلى أنقرة وموسكو سعياً إلى تحقيق الأمن المفقود. وقال الباحث السياسي المالي المتخصص في القضايا الأمنية الأفريقية حمدي جوارا إن "أفريقيا حالياً تتطور سريعاً، ويرى أبناؤها أن هناك حاجة ماسة إلى الدخول في سوق صنع الطائرات المسيرة، ومع ذلك فإن هذه المبادرات التي نراها هنا وهناك لم تصل إلى درجة الاستقلال الكامل في هذا المجال". وتابع جوارا في تصريح خاص "بيد أن المؤشرات كلها تشير إلى أن صنع الطائرات المسيرة أصبح يثير ويغري المهندسين الأفارقة كي يفتحوا لبلدانهم المجال للدخول في عصر صناعة تكنولوجيا كهذه، خصوصاً في ظل الكلفة الباهظة التي تشتريها الدول الأفريقية للمسيرة، والتي تكون مكلفة جداً، ولا شك أن رواج هذه الصناعات سيكون من دوافعه السعي إلى التقليص من الطلب الخارجي للقارة". واستنتج أنه "مع تنامي صنع المسيرات ستكون الأمور أسهل بكثير بالنسبة إلى الدول الأفريقية في الاستجابة للتحديات الأمنية من أن يتم شراء هذه الأسلحة من دول مثل الصين أو تركيا أو دول أوروبية". أخطار عالية لكن مساعي الدول الأفريقية لتطوير صناعتها المحلية للطائرات المسيرة تصطدم بعائق آخر، ألا وهو الأخطار العالية التي ينطوي عليها استخدام هذا السلاح. وأظهر مشروع "بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه" أن عدد القتلى في صفوف المدنيين جراء الضربات بطائرات مسيرة في عام 2023 قفز إلى نحو 1400 شخص بعدما كان 149 قتيلاً في عام 2020. وفي إثيوبيا قتلت الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجيش ضد "جبهة تحرير شعب تيغراي" نحو 490 مدنياً في 26 غارة، في وقت قتلت فيه الطائرات نفسها 64 مدنياً في مالي. وفي أحدث مذبحة تشهدها أفريقيا باستخدام الطائرات المسيرة قتل ما لا يقل عن 100 شخص في بوركينا فاسو في غارة نفذتها ميليشيات متحالفة مع الجيش بمنطقة سولينزو في شمال البلاد. وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي جثثاً متنافرة في شوارع هذه المنطقة، ودعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى "فتح تحقيق نزيه ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم بالغة الخطورة". وقال الباحث السياسي محمد أوال "بالفعل هناك نوع من التجاهل من قبل الدول الأفريقية لاستخدامات الطائرات المسيرة، ليس العيب في أن تقوم بصنعها وتطويرها محلياً، بل بالعكس، هذا يفتح آفاقاً واسعة أمام دولنا، لكن في المقابل أخطار استخدامها عالية للغاية". وأوضح أوال أن "الجيوش المحلية بصورة خاصة تتجاهل هذه الأخطار وهي فوق المحاسبة، والأرقام أبرز دليل على حجم الخسائر التي بات يتكبدها المدنيون جراء هكذا ضربات، فعندما نتحدث عن 1400 قتيل في ضربات بطائرات مسيرة فإن الحصيلة ثقيلة جداً وتكشف عن استهتار بسلاح كهذا".