logo
سويسرا تبحث عن سبل مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية

سويسرا تبحث عن سبل مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية

الرأيمنذ 3 أيام
أثار فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية نسبتها 39 في المئة على سويسرا، صدمة في البلد الصغير الباحث عن سبل مواجهة إجراء قد يكلّف اقتصاده خسارة آلاف الوظائف.
وتعقد رئيسة الكونفدرالية وزيرة المال كارين كيلير-سوتر ووزير الاقتصاد غي بارمولان اجتماعا طارئا مع الأعضاء الخمسة الآخرين في الحكومة الفدرالية، بعيد عودتهما الخميس من زيارة الى واشنطن، اعتبرت بمثابة الفرصة الأخيرة لدفع الأميركيين إلى العدول عن قرارهم.
وجاء في منشور مقتضب على اكس أن "المجلس الفدرالي سيعقد جلسة استثنائية في مطلع فترة بعد الظهر. وسيبلغ بالتطوّرات في أعقابها"، في حين لم يرشح أيّ تفصيل عن المحادثات التي أجراها الوفد السويسري.
وفي واشنطن، تسنّى للوفد لقاء وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لكن ليس ترامب الذي يحرّك دفة التعرفات الجمركية كما يشاء، ويرى فيها وسيلة لدفع الشركاء الاقتصاديين للولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات.
وفي ختام اجتماع الأربعاء، أبلغت وزيرة المال عن "نقاش وديّ جدّا ومنفتح على القضايا ذات الاهتمام المشترك".
وفي ظل التداعيات المقلقة للرسوم على الاقتصاد السويسري، صدرت دعوات لتدخل رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جاني إنفانتينو نظرا للعلاقة الوثيقة التي تربطه بالرئيس الأميركي.
وقال النائب عن الاتحاد الديموقراطي الوسطي رينو بوشيل إن رئيس الفيفا هو "رجل المرحلة" و"المفتاح المباشر" للمكتب البيضوي في البيت الأبيض.
وحذّرت الجمعية المهنية لشركات قطاع الميكانيك والإلكترونيات والمعادن "سويسميم" من أنه "في حال الإبقاء على هذه الرسوم الجمركية الطائلة، ستدخل أنشطة التصدير لقطاع التكنولوجيات السويسري مرحلة الاحتضار بحكم الأمر الواقع، نظرا خصوصا للتعريفات الأدنى بكثير التي تستهدف الجهات المنافسة من الاتحاد الأوروبي واليابان".
ودعت "سويسميم" السلطات إلى "مواصلة التفاوض مع الولايات المتحدة، حتى لو كانت فرص النجاح تبدو راهنا ضعيفة" باعتبار أنه "من الملحّ اتّخاذ تدابير لتحسين القواعد الأساسية المنظّمة لقطاع التصدير برمّته".
- فائض تجاري -
وباتت سويسرا تخضع لرسوم جمركية أميركية مرتفعة بشكل خاص دخلت حيّز التنفيذ الخميس عند الساعة 4,01 بتوقيت غرينيتش، حالها كحال السلع الواردة من عشرات الدول الأخرى. وبعدما كان البيت الأبيض حدد سقف الرسوم على سويسرا عند 31 في المئة في نيسان/أبريل، قام الأسبوع الماضي برفعها الى 39%.
ولن تتعرّض شركات الاتحاد الأوروبي المنافسة لتلك السويسرية سوى لتعرفات بنسبة 15 %، في مقابل 10 % للمنتجات البريطانية.
وتعدّ نسبة 39% من أعلى النسب المفروضة على البلدان التي تقيم مبادلات تجارية مع الولايات المتحدة وهي تهدّد أجزاء كاملة من الاقتصاد السويسري الذي يرتكز على الصادرات، خصوصا في مجال الساعات والآلات الصناعية والشوكولا والجبنة. وتلقي هذه التعرفات الجمركية بظلالها على عشرات آلاف الوظائف في سويسرا.
وبرّر ترامب قراره الذي شكّل صدمة للسلطات السويسرية بعدما اعتقدت أنها توصّلت إلى اتفاق إطاري أفضل لها، بحجّة أن لبرن فائض تجاري بعشرات مليارات الدولارات مع واشنطن.
وبحسب البيانات الجمركية، كانت 18,6 % من صادرات البضائع السويسرية موجّهة إلى الولايات المتحدة عام 2024 وهي شملت خصوصا أدوية ما زالت حتّى الساعة معفية من الزيادات لكنّها قد تقع بدورها ضحية الحرب التجارية.
وبقيت سويسرا من جهتها تشدّد على أن الميزان التجاري للخدمات مؤاتٍ جدّا للولايات المتحدة ما يساهم في توازن التبادلات، وأن شركاتها هي من كبار المستثمرين في الولايات المتحدة، لا سيّما في مجال البحث والتطوير. كما أكدت أن الجزء الأكبر من المنتجات الصناعية الأميركية لا يخضع لرسوم استيراد إلى سويسرا.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

القوة تقوض الحق: الانهيار الكارثي للمعايير التي تعارض استخدام القوة
القوة تقوض الحق: الانهيار الكارثي للمعايير التي تعارض استخدام القوة

الغد

timeمنذ 5 ساعات

  • الغد

القوة تقوض الحق: الانهيار الكارثي للمعايير التي تعارض استخدام القوة

اضافة اعلان أونا أ. هاثاواي؛ وسكوت ج. شابيرو* - (الإندبندنت) 13/7/2025تعكس تهديدات ترامب بالاستيلاء على أراض، كغزة وغرينلاند، تحولاً خطيراً نحو إحياء شرعية الغزو وإضعاف حظر استخدام القوة، وهو ما يهدد بانهيار النظام الدولي الذي رسخته معاهدة كيلوغ-بريان وميثاق الأمم المتحدة. وقد يعيد استمرار هذا التآكل العالم إلى عصر تفصل فيه المدافع النزاعات وتُفرض فيه الاتفاقات بالقوة.***في الأشهر الأولى من عودته إلى البيت الأبيض، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستخدام القوة العسكرية للسيطرة على جزيرة غرينلاند وقناة بنما، وأشار إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تستولي على غزة بعد طرد مليوني فلسطيني، وطالب أوكرانيا بالتخلي عن أراضيها لمصلحة روسيا مقابل وقف إطلاق النار. قد تبدو هذه التصرفات والتصريحات مجرد أمثلة أخرى على خطاب ترامب المعتاد، المتسم بالمبالغة والتوسع في إطلاق التصريحات، لكنها في الواقع، تشكل جزءاً من هجوم منسق على مبدأ راسخ في القانون الدولي: أن على الدول الامتناع عن التهديد باستخدام القوة العسكرية أو استخدامها فعلياً ضد دول أخرى لحل النزاعات.قبل القرن العشرين، كان الفقهاء القانونيون يرون أن من حق الدول شن حرب للاستيلاء على أراضي الآخرين ومواردهم، بل وكان ينظر إليه في بعض الحالات على أنه واجب مشروع. واعتُبرت الحرب قانونية ووسيلة رئيسة لفرض الحقوق الوطنية وحل النزاعات بين الدول. لكن كل ذلك تغير في العام 1928، عندما وقعت غالبية دول العالم على "معاهدة كيلوغ-بريان"، متفقة على أن الحروب العدوانية يجب أن تكون غير قانونية، وأن غزو الأراضي يجب أن يكون محظوراً. وقد أعاد ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945 تأكيد هذا الالتزام وتوسيعه، وجعل حظر "التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي دولة أخرى أو استقلالها السياسي" مبدأ أساسياً. وبعد أن اكتشفت الدول أن مجرد الاتفاق على حظر الحرب لم يكن كافياً في حد ذاته، بذلت جهوداً استثنائية لتصميم أطر ومؤسسات لترسيخ هذه القاعدة الأساسية، مما أدى إلى إنشاء نظام قانوني جديد أعطى الأولوية للأدوات الاقتصادية على حساب القوة العسكرية لضمان السلام.ونتيجة لذلك، أصبحت الحروب بين الدول أقل شيوعاً بكثير. ففي الأعوام الـ65 التي أعقبت التسويات الأخيرة للحرب العالمية الثانية، انخفضت المساحات التي استولت عليها دول أجنبية سنوياً إلى أقل من ستة في المائة مما كانت عليه على مدى أكثر من قرن قبل تجريم الحرب لأول مرة على مستوى العالم. وتضاعف عدد الدول ثلاث مرات منذ العام 1945 وحتى اليوم، إذ لم تعد الدول تخشى أن تبتلعها جاراتها الأقوى. وتاجرت الدول بين بعضها بعضا بحرية أكبر، مع إدراكها أن الثروات التي تجنيها أقل عرضة للنهب من جانب دول أخرى. وهكذا أصبح العالم أكثر سلاماً وازدهاراً.لكن تأثير حظر استخدام القوة بدأ يضعف حتى قبل عودة ترامب إلى السلطة. في العام 2003، غزت الولايات المتحدة العراق، مبررة الحرب بادعائها أن البلاد تمتلك أسلحة دمار شامل لم تكن موجودة؛ وعلى مدى العقد الماضي، كانت الصين تبني قواعد عسكرية في مناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي؛ وتسبب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في العام 2022 في اندلاع أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. لكن ترامب يحطم ما تبقى من هذا المبدأ الراسخ ضد استخدام القوة. حتى الآن، لعبت الولايات المتحدة دوراً حاسماً، وإن كان غير مثالي، في الحفاظ على النظام القانوني لما بعد الحرب العالمية الثانية والدفاع عنه. ولم يكن صمود هذا النظام مرهوناً بالامتثال التام للقانون الدولي، بقدر ما كان معتمداً على وجود مجموعة من التوقعات المشتركة حول كيفية تصرف الدول الأخرى: فحتى لو لم تكن دولة ما ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة لحظر استخدام القوة، فإنها كانت تدرك أن خرق هذا المبدأ سيقابَل غالباً بالإدانة والعقوبات -وربما حتى بتدخل مشروع من الولايات المتحدة وحلفائها.أما الآن، فقد تبدد هذا التوقع. لا يكتفي ترامب بالتخلي عن الدور التقليدي للولايات المتحدة في الدفاع عن مبدأ حظر الحرب والغزو، بل يبدو أنه يطمح إلى ما هو أبعد: إعادة الحرب أو التهديد بها كوسيلة رئيسة لحل خلافات الدول والسعي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية. وقد بدأت دول أخرى بالفعل تبدي قبولاً لفكرة تغير القواعد. بدا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يؤيد تأملات ترامب بشأن غزة. وبطريقة موازية، اختارت بنما استرضاء الرئيس الأميركي عن طريق قبولها رحلات ترحيل لأشخاص غير بنميين وتوقيع اتفاق يسمح للولايات المتحدة بنشر قوات عسكرية على طول قناة بنما. وفي ظل تهديدات ترامب بالسماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضم أجزاء من أوكرانيا، وقعت كييف اتفاقية مع واشنطن تمنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى مواردها الغنية من المعادن. وإذا لم يوضع حد لتآكل الحظر المفروض على استخدام القوة، ستعود الجغرافيا السياسية إلى صراع بدائي يستند إلى القوة العسكرية. وستكون العواقب وخيمة: سباق تسلح عالمي، وحروب غزو متجددة، وانكماش التجارة، وانهيار في التعاون الدولي الضروري لمواجهة التهديدات العالمية المشتركة.الحرب المتجذرةعلى مدى قرون عدة قبل الحرب العالمية الأولى، كانت الحرب وسيلة قانونية لحل النزاعات بين الدول. لم يكن اندلاع حرب انهياراً للنظام الدولي، بل كان هو النظام نفسه. وفي ظل غياب محكمة عالمية للفصل في النزاعات الدولية، كانت الدول ذات السيادة تملك الحق في فرض حقوقها كما تشاء، أي من خلال اللجوء إلى الحرب. وكانت الدول تقدم مبرراتها القانونية لشن الحروب على دول أخرى في ما يعرف بـ"بيانات الحرب". وكان ينظر إلى أي تظلم قانوني على أنه سبب مشروع لاستخدام القوة العسكرية، سواء تعلق الأمر بأضرار مادية، كإلحاق الضرر بالسفن، أو ديون غير مسددة، أو انتهاكات للمعاهدات، أو بطبيعة الحال، الدفاع عن النفس. وكما كتب الفيلسوف والفقيه الهولندي في القرن السابع عشر، هوغو غروتيوس، الملقب غالباً بـ"أبو القانون الدولي"، في كتابه "حول قانون الغنائم": "تعد الحرب عادلة إذا كانت تنفيذاً لحق مشروع".وبما أن الحرب كانت تعد وسيلة لفرض الحقوق، اعترف القانون الدولي بحق الغزو، وكان يسمح للدول بالاستيلاء على الأراضي والممتلكات كوسيلة لتعويض المظالم التي أدت إلى اندلاع النزاع. وأوضح غروتيوس أن الدول، "عند الاستيلاء على الغنائم أو الممتلكات المصادرة"، تنال "من خلال الحرب ما هو حق لها". صحيح أن القوى الكبرى كانت تطالب أحياناً بما لا يحق لها، ولكن في ظل غياب سلطة عليا تحكم على شرعية الحروب، كان النظام الدولي يفترض عملياً أن كل غزو هو مشروع. كانت القوة هي التي تصنع الحق. وعندما شنت الولايات المتحدة حرباً على المكسيك في العام 1846، كان أحد المبررات القانونية الأساسية هو الديون غير المسددة. وفي مقابل وقف الحملة العسكرية، أجبرت الولايات المتحدة المكسيك على توقيع معاهدة تنازلت بموجبها عن 525 ألف ميل مربع من أراضيها، وهي المنطقة التي أصبحت لاحقاً جنوب غربي الولايات المتحدة، مقابل 15 مليون دولار وشطب الديون.ولم يكن هذا المثال استثنائياً، إذ كثيراً ما لجأت الدول إلى ما عرف لاحقاً بـ"دبلوماسية الزوارق الحربية"، أي استخدام التهديد العسكري لفرض مطالب سياسية أو اقتصادية لإرغام الدول الأضعف على توقيع معاهدات غير متكافئة. وإذا كان من المشروع أن تشن دولة حرباً دفاعاً عن حقوقها، كان من المشروع أيضاً أن تهدد بشن حرب للغرض نفسه. وقد جسد الضابط البحري الأميركي، ماثيو بيري، هذا المنطق في مطلع العام 1854، حين أبحر بأسطول من السفن الحربية الأميركية إلى خليج إيدو (طوكيو حالياً) مدعياً أن للولايات المتحدة حقاً قانونياً في التجارة مع اليابان، موضحاً أنه في حال رفضت اليابان فتح موانئها، فسوف يقوم بفرض ذلك بالقوة العسكرية. وقد أثمر هذا الضغط: في 31 آذار (مارس) 1854، وقعت الدولتان معاهدة كاناغاوا التي فتحت ميناءين يابانيين أمام السفن الأميركية.ونظراً إلى أن الحرب كانت تعد وسيلة تسعى من خلالها الدول إلى نيل حقوقها القانونية، لم يكن خوضها يعد جريمة، بل شكلا من أشكال إنفاذ القانون. عندما خسر نابليون "حرب التحالف السادس" في العام 1814، لم تعامله القوى الأوروبية المنتصرة كمجرم حرب، بل نُفي إلى جزيرة إلبا حيث سمح له بالاحتفاظ بلقب الإمبراطور ومُنح حق السيادة على الجزيرة. وحتى بعد عودته إلى أوروبا وهزيمته مجدداً في معركة واترلو، لم ينظر إلى نفيه إلى جزيرة سانت هيلينا في جنوب المحيط الأطلسي كعقوبة جنائية، بل كإجراء وقائي -كنوع من الحجر السياسي الذي يهدف إلى منعه من إشعال حرب جديدة في أوروبا.ولم تقتصر امتيازات الدول على حقها في غزو أراضي دول أخرى وممارسة دبلوماسية الزوارق الحربية، والتمتع بالحصانة من الملاحقة الجنائية بسبب شن الحروب، بل كانت أيضاً ملزمة بواجب التزام حياد صارم تجاه الأطراف المتحاربة. ولم يكن يُسمح للدول المحايدة بفرض عقوبات على المتحاربين، حيث كان ذلك يعد تدخلاً في مساعي كل طرف لانتزاع حقوقه القانونية. وإذا انتهكت دولة ما هذا الحياد، كان ذلك سبباً مشروعاً لإعلان الحرب عليها. كان الغزو مشروعاً، أما فرض العقوبات الاقتصادية على المتحاربين فكان محظوراً.في ظل ذلك النظام القانوني الذي استمر حتى أوائل القرن العشرين، كانت الدول القوية تلجأ بحرية إلى الحرب لفرض مطالبها، بينما لم يكن أمام الدول الضعيفة سوى الخضوع أو مواجهة خطر الفناء. وكانت النتيجة حالة شبه دائمة من الصراعات. ومع غياب أي حظر على الغزو، كانت الحدود الوطنية تتبدل باستمرار بفعل العنف. وكانت الإمبراطوريات تتوسع بالقوة، مما رسخ انعدام المساواة على المستوى العالمي. وكانت طرق التجارة تفتح بالقوة وتُفرض السيطرة عليها بالمدافع، في حين كانت المستعمرات تُكسب وتُفقد كما لو كانت تعويضات في دعاوى قضائية. وفي ظل هذا الواقع، ظل الاقتصاد العالمي مكبلاً بسبب التهديد الدائم بالحرب.من الحرب إلى السلامأدخلت الحرب العالمية الأولى تقنيات جديدة مدمرة إلى ساحة المعركة، وفاقت أهوالها ما شهدته الحروب السابقة. وشاركت أكثر من 20 دولة في القتال، وقدر عدد القتلى بنحو 20 مليون شخص، نصفهم تقريباً من المدنيين. وبمجرد أن هدأت وتيرة القتل، بدأ البحث بشكل يائس عن وسيلة تحول دون تكرار كارثة مماثلة. مثلت عصبة الأمم، التي تأسست في العام 1920 للحفاظ على السلام من خلال الأمن الجماعي، أحد الحلول المطروحة. لكن مجلس الشيوخ الأميركي، الذي كان يتحسب من الانجرار مجدداً إلى الحروب الأوروبية، رفض انضمام الولايات المتحدة إليها، الأمر الذي قوض قدرة المنظمة الدولية على تنفيذ قراراتها.وفي الفترة نفسها تقريباً، برزت فكرة أكثر جرأة: حظر الحرب نهائياً. في أواخر العام 1927، اقترح وزير الخارجية الأميركي فرانك كيلوغ على رئيس الوزراء الفرنسي أريستيد بريان إبرام معاهدة عالمية تضفي الطابع الرسمي على هذا المفهوم. وفي أقل من عام، حصدت "معاهدة كيلوغ-بريان للعام 1928، التي عرفت رسمياً باسم "المعاهدة العامة لنبذ الحرب كأداة للسياسة الوطنية"، توقيع 58 دولة، وهي الغالبية العظمى من الدول في ذلك الوقت. ورسخت هذه المعاهدة مبدأ أن الحرب العدوانية أصبحت غير قانونية، واتفقت الدول الموقعة على "إدانة اللجوء إلى الحرب لحل النزاعات الدولية، والتخلي عنها كأداة للسياسة الوطنية في علاقاتها المتبادلة"، وتعهدت بتسوية أي خلافات "بالوسائل السلمية".ولكن، بسبب فشل المعاهدة في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية، أصبحت محط سخرية واسعة ووصفت بأنها ساذجة وعديمة الجدوى. غير أنها أطلقت في الحقيقة مساراً قاد إلى نشوء النظام القانوني الدولي الحديث. لم يدرك واضعو المعاهدة، على الرغم من طموحهم، حجم التحول الذي أطلقوه. فبمجرد أن أصبحت الحرب محظورة، بات من الضروري إعادة تصور كل جانب تقريباً من جوانب القانون الدولي. عندما غزت اليابان منشوريا في العام 1931، استغرق الأمر من وزير الخارجية الأميركي هنري ستيمسون عاماً كاملاً لصياغة رد يتماشى مع مبادئ المعاهدة. وقرر ستيمسون أن الولايات المتحدة سترفض الاعتراف بحق اليابان في الأراضي التي استولت عليها بشكل غير قانوني، وسرعان ما حذت دول عصبة الأمم حذوها. وشكل هذا المبدأ الجديد لعدم الاعتراف، الذي أصبح يعرف لاحقاً بـ"عقيدة ستيمسون"، نقطة تحول تاريخية. الغزو، الذي كان يوماً ما قانونياً، لم يعد يتمتع بالاعتراف. وحتى لو أجبرت اليابان الصين على توقيع معاهدة تتنازل بموجبها عن الأراضي المغتصبة، لم يكن ليتم الاعتراف بتلك الاتفاقية كاتفاق قانوني. ولم تعد دبلوماسية الزوارق الحربية تنتج التزامات قانونية معترفاً بها.وعلى الرغم من أن ألمانيا واليابان، وهما من الدول الموقعة على ميثاق "كيلوغ-بريان"، انتهكتا المعاهدة بشنهما الحرب العالمية الثانية، إلا أنهما دفعتا ثمناً باهظاً: فقد خسرتا كل الأراضي التي احتلتاها بالقوة، وخضع قادتهما للمحاكمة أمام محاكم جرائم الحرب. وكانت أولى التهم في لائحة الاتهام خلال محاكمات نورمبرغ تنص على أن "الحرب العدوانية التي خطط لها المتآمرون النازيون مسبقاً... جرت في انتهاك لمعاهدة كيلوغ-بريان للعام 1928".كما أعادت مبادئ المعاهدة تعريف مجالات أخرى من القانون الدولي. فقد دافع المدعي العام الأميركي روبرت جاكسون عن قانون الإعارة والتأجير للعام 1941، الذي مكن الولايات المتحدة من تزويد الدول المحاربة لألمانيا النازية بالأسلحة من دون إعلان حرب رسمي، مستنداً إلى أن "معاهدة كيلوغ-بريان" غيرت القوانين التي تنظم مبدأ الحياد. وبما أن الدول الموقعة كانت قد "نبذت الحرب كأداة للسياسة"، أوضح جاكسون "أن الدولة التي تلجأ إلى الحرب في انتهاك لالتزاماتها لا يحق لها المطالبة بالمساواة في المعاملة من قبل الدول الأخرى"؛ أي أن الحياد لم يعد يتطلب من الدول أن تظل محايدة تماماً في مواجهة العدوان.بعبارة أخرى، بدأت المعايير بالتغير في العام 1928. لكن زعماء العالم أدركوا أن المثل وحدها لا تكفي، وأنهم في حاجة إلى قواعد قانونية ومؤسسات جديدة تمنح هذه المبادئ قوة إلزامية. وبعد الحرب العالمية الثانية، أسست الدول المنتصرة "منظمة الأمم المتحدة" لتكريس التحول الذي أطلقته "معاهدة كيلوغ-بريان". ونص "ميثاق الأمم المتحدة" على حظر "التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة". وبهذا، أصبحت المعاهدات المبرمة بالإكراه باطلة قانونياً، ولم يعد الحياد يعني الحياد التام، كما أصبح من الممكن محاسبة قادة الدول الذين يرتكبون أعمالاً عدوانية جنائياً.شكل هذا التحول، الذي قادته الولايات المتحدة، أحد أعمق التحولات القانونية في التاريخ العالمي. فمنذ دخول "ميثاق الأمم المتحدة" حيز التنفيذ قبل نحو ثمانية عقود، أصبحت الحروب بين الدول، والغزوات الإقليمية التي كانت تعيد رسم الحدود الوطنية على مدى قرون، أحداثاً نادرة. لم تخض القوى الكبرى حرباً مباشرة ضد بعضها بعضا منذ العام 1945، ولم تختف أي دولة عضو في الأمم المتحدة نهائياً نتيجة للغزو. ولم تختف الصراعات بطبيعة الحال، لكنها باتت أقل شيوعاً بكثير. في القرن الذي سبق الحرب العالمية الثانية، وقع أكثر من 150 غزواً إقليمياً ناجحاً؛ أما في العقود التالية، فلم يتجاوز العدد 10.يرى بعض المحللين أن السلام الذي أعقب الحرب يعزى إلى الردع النووي، فيما يرجعه آخرون إلى انتشار الديمقراطية أو ازدهار التجارة العالمية. لكن هذه التفسيرات تغفل أهمية القرار بحظر الحرب. عندما غزا الرئيس العراقي صدام حسين الكويت في آب (أغسطس) 1990، في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة، طالب مجلس الأمن بانسحاب فوري للقوات العراقية. وعندما لم تتم تلبية المطالبة، أجاز المجلس للدول الأخرى "استخدام جميع الوسائل الضرورية" لـ"استعادة السلام والأمن الدوليين". وعليه قادت الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً دولياً لطرد القوات العراقية من الكويت. وبذلك، أدركت الدول المراقبة أن خرق الحظر المفروض على استخدام القوة سيقابَل بعواقب. لم تشكل القوانين سلوك الدول لأنها اعتنقتها أخلاقياً بالضرورة، بل لأنها غيرت من توقعاتها إزاء ردود أفعال الدول الأخرى، لا سيما الولايات المتحدة.علاوة على ذلك، غير حظر الغزو الإقليمي الطرق التي يمكن للدول من خلالها اكتساب الثروة. فقبل ترسيخ هذه القاعدة، كانت قدرة الدول على تكديس الثروات تعتمد في الغالب على مدى ما يمكنها انتزاعه من أراض وموارد وتنازلات من دول أخرى. وكانت الحرب والغزو مسارين معترفاً بهما لتحقيق الازدهار. وبإلغاء حق الغزو، أجبر النظام القانوني الذي نشأ بعد الحرب الدول على السعي إلى تحقيق النمو الاقتصادي بوسائل سلمية، وعلى رأسها التجارة. وارتبط توسع التجارة ارتباطاً وثيقاً بحظر الحرب، إذ لم يعد بمقدور الدول إثراء نفسها من خلال الغزو. وبدلاً من ذلك، بات عليها الاعتماد على التعاون الاقتصادي، والتنافس في الأسواق، والتدفق الحر للسلع ورؤوس الأموال.في المقابل، اضطرت القوى العظمى، التي كانت تعتمد على "دبلوماسية الزوارق الحربية" لفرض إرادتها، إلى استبدالها بـ"دبلوماسية دفتر الشيكات". وحلت العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية محل الحرب كأداة رئيسة لإنفاذ القانون الدولي. ومع تعاظم الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول، طورت الدول أساليب متزايدة الدقة والتعقيد لـ"الإقصاء"، أي حرمان الدول من مزايا التعاون الدولي. وأصبحت العقوبات التجارية إحدى الأدوات الرئيسة التي تلجأ إليها الدول للرد على طيف واسع من الأفعال غير القانونية، مثل انتهاكات حقوق الإنسان، أو دعم الإرهاب، أو شن حروب عدوانية. في العام 1945، كانت التجارة الدولية (الواردات والصادرات) تمثل نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ أما بحلول العام 2023، فقد بلغت نسبتها 58 في المائة. وإلى جانب ذلك، ظهرت عشرات الآلاف من المنظمات الدولية، وأبرمت أكثر من 250 ألف معاهدة للمساعدة في تنظيم هذا المستوى غير المسبوق من الترابط. وأصبح خطر الاستبعاد من هذا التعاون الدولي مكلفاً للغاية.وبفضل حصتها الكبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومكانة الدولار الأميركي كعملة احتياط عالمية، اكتسبت الولايات المتحدة قدرة استثنائية على فرض القواعد. وبالنسبة لمعظم الدول، كان الحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن ضرورة مالية لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، لم يكن دور الولايات المتحدة في الحفاظ على النظام القانوني لما بعد الحرب مثالياً: من حرب فيتنام، إلى غزو العراق في العام 2003، إلى حملات مكافحة الإرهاب التي امتدت لعقود في الشرق الأوسط، اعتمدت هذه العمليات على تبريرات فضفاضة للغاية لمبدأ الدفاع عن النفس. لكنها، في الوقت نفسه، لم تنتهك الحظر الجوهري على الغزو الإقليمي، ولعبت دوراً محورياً في دعم النظام، متعهدة بالدفاع عن الدول الأوروبية المنضوية تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، والدول الأميركية المشمولة بمعاهدة "ريو" (التي تربط بين دول الأميركتين في اتفاق دفاع مشترك)، إضافة إلى أستراليا، واليابان، ونيوزيلندا، والفلبين، وكوريا الجنوبية، وتايلاند، إذا ما تعرض أي منها لهجوم غير قانوني. وأوضح قرار واشنطن قيادة التدخل العسكري ضد غزو العراق للكويت أن أي دولة تحاول غزو دولة أخرى قد تواجه مقاومة تقودها الولايات المتحدة، حتى وإن لم تكن واشنطن مرتبطة بالتزام تعاهدي بالرد. هذا النظام العملي، وإن لم يكن مثالياً، ساعد في تجنب نشوب صراعات كبرى، وضمان ألا ينحدر العالم، على الرغم من توتراته، نحو عنف منفلت لا رادع له. وأصبح بإمكان الدول بناء اقتصادات مزدهرة من دون الخوف من أن تغزوها قوة عسكرية أكبر، أو ترغمها على توقيع معاهدات غير متكافئة تتخلى بموجبها عن مكاسبها.أخطار قانونيةقد يكون كل ذلك على وشك أن يتغير. يمكن انتقاد الإدارات الأميركية السابقة على نفاقها، لكن استعداد إدارة ترامب للتخلي كلياً عن مبدأ حظر الحرب يظل أكثر خطورة بكثير. إن مجرد طرح فكرة أن الولايات المتحدة قد تستولي بالقوة على كندا أو غرينلاند أو قناة بنما، أو تطالب بملكية غزة، لا يعكس براغماتية واقعية أو شكلاً جديداً من السياسات التبادلية القائمة على عقد الصفقات، بل هو ارتداد إلى حقبة سابقة كانت فيها القوة تشرعن المطالب. وتعيد خطابات ترامب وأفعاله إحياء الفكرة التي سبقت "معاهدة كيلوغ-بريان"، التي مفادها بأن التهديد بالحرب أو السعي إلى غزو أراض هو وسيلة مشروعة لحل النزاعات وإرغام الدول الأخرى على تقديم التنازلات.إلى جانب التهديد بشن غزواته الخاصة، يبدو ترامب مستعدًا أيضاً للتخلي عن الدفاع عن حق الدول الأخرى في عدم التعرض للغزو. في نيسان (أبريل)، وبعد أن هدد بسحب المساعدة العسكرية الأميركية من أوكرانيا، حذر ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أنه إذا لم يقبل بخطة سلام بوساطة أميركية، قد تتضمن، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، التنازل عن 20 في المائة من أراضي أوكرانيا لصالح روسيا، فإنه قد يواجه خطر "خسارة بلاده بأكملها". وقد أعاد ترامب بالفعل إحياء دبلوماسية الزوارق الحربية، مستخدماً التهديد بالقوة لإجبار دول أخرى على توقيع معاهدات بشروطه؛ وكان للتهديدات العسكرية دور في انتزاع تنازلات من كندا والمكسيك.علاوة على ذلك، تقوض سياسة الرسوم الجمركية التي اتبعها ترامب مبدأ حظر الغزو لأنها تضعف فاعلية العقوبات الاقتصادية كوسيلة لإنفاذ القانون الدولي. فالعقوبات لا تؤتي ثمارها إلا إذا استخدمت بشكل محدود وفي مواجهة انتهاكات واضحة للقانون الدولي. أما فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على دول أخرى بشكل اعتباطي، كما فعل ترامب مع كندا والمكسيك، فيفرغ العقوبات الاقتصادية من قوتها الرادعة ويقوض قدرتها على التصدي للسلوكيات غير القانونية الحقيقية.في الواقع، شن ترامب هجوماً مباشراً على قوة العقوبات كآلية إنفاذ عندما وقع أمراً تنفيذياً يهدد بفرض عقوبات على القضاة والمحامين المرتبطين بالمحكمة الجنائية الدولية. هذه الخطوة حولت أداةً لإنفاذ القانون الدولي إلى سلاح لتقويضه. وعلى نطاق أوسع، فإن السياسات الاقتصادية الانعزالية التي ينتهجها ترامب، من خلال تقويضها لترابط الدول واعتمادها المتبادل، تضعف قدرة تلك الدول على "إقصاء" المخالفين للقانون، مما يتركها أمام خيار ضيق: إما اللجوء إلى القوة العسكرية، أو التغاضي عن الانتهاكات من دون محاسبة.قد تبدو تصريحات ترامب النارية وتحولاته السياسية عشوائية، لكنها في جوهرها تمثل جزءاً من محاولة منهجية أوسع لتفكيك النظام القانوني العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية. وتكمن خطورة هذا الهجوم في كونه صادراً عن الدولة التي أنشأت ذلك النظام، والتي على الرغم من إدارتها غير المثالية له، ظلت الضامن الأبرز لاستمراره على مدى عقود. وربما لا يمضي ترامب في تنفيذ جميع تهديداته، إذ قد تعترضها المحاكم أو تواجه معارضة سياسية داخلية، وقد يتردد قادة آخرون في اتباع خطاه. لكن مجرد إطلاق هذه التهديدات يقوض على نحو خطر منظومة الافتراضات التي تنظم سلوك الدول، وتكرس الالتزام بالقواعد، وتشكل رادعاً للتجاوزات، وهي المنظومة التي يقوم عليها مبدأ حظر الغزو.هذه الافتراضات التي تستند إلى الإيمان بأن معظم الدول ستتصرف، في معظم الأحيان، كما لو أن احترام القواعد أمر جدي وملزم، هي ما يتيح للدول الأضعف وضع خطط طويلة الأمد، ويمكن المستثمرين من ضخ رؤوس أموالهم عبر الحدود، ويوفر للحكومات القدرة على الاستجابة الجماعية لانتهاكات القانون. فإذا استطاعت الدولة الأقوى في العالم أن تنتهك هذه التوقعات المستقرة من دون أن تواجَه بعواقب، فمن المرجح أن تغري دولاً أخرى بأن تحذو حذوها. وحين تتلاشى توقعات التزام الدول بالقواعد، يبدأ النظام الذي يقوم على تلك التوقعات في التفكك، ليس دفعة واحدة وإنما تدريجياً إلى أن ينهار تماماً.المعركة العادلةإذا انهار الحظر المفروض على استخدام القوة، فقد يتفق بوتين وترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ، ببساطة، على تقاسم العالم إلى مناطق نفوذ. وستكون بلدانهم حينئذ حرة في ترهيب الدول الواقعة ضمن مجالات نفوذها، وانتزاع تنازلات من الدول الأضعف مقابل توفير الحماية. وعلى الرغم من أن مثل هذا العالم قد يبدو هادئاً نسبياً بشكل مؤقت، فإنه سيكون أيضاً أقل حرية بكثير. والأرجح أن تعود الصراعات المستمرة التي منعها مبدأ حظر الحرب، مما يفضي إلى عالم يسود فيه منطق كلمات ثيوسيديدس الشهيرة: "الأقوياء يفعلون ما يستطيعون، ويتحمل الضعفاء ما لا خيار لهم فيه".هناك مسار بديل ممكن، لكنه يتطلب شجاعة وتحركاً سريعاً. في العام 2022، انضمت 142 دولة إلى الولايات المتحدة في دعم قرار صادر عن "الجمعية العامة للأمم المتحدة" يدين محاولة روسيا ضم الأراضي الأوكرانية بوصفها غير قانونية. ويمكن لتلك الدول أن توحد جهودها لإعادة تأكيد الحظر على الغزو الإقليمي، من دون الاعتماد على الولايات المتحدة كجهة إنفاذ رئيسة. وقد ظهرت بعض المؤشرات إلى أن أوروبا تعتزم سد الفراغ الذي خلفته واشنطن. فبعد اجتماع كارثي في البيت الأبيض في آذار (مارس)، بدا فيه ترامب ونائبه جي دي فانس وكأنهما يهددان بالتخلي عن أوكرانيا ويستخفان بزيلينسكي، تحركت أوروبا دعماً لحق أوكرانيا في السيادة. وتعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن تزيد الدول الأوروبية إنفاقها العسكري، وأن تشكل "تحالفاً من الراغبين" للدفاع عن أوكرانيا، فيما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي سيطرح خطة دعم لأوكرانيا.لكن أوروبا غير قادرة على أن تحل محل الولايات المتحدة بوصفها القوة الضامنة للنظام الدولي. فهي لا تملك القدر الكافي من القوة العسكرية، ولا النفوذ الاقتصادي، ولا التماسك السياسي الضروري للاضطلاع بهذا الدور. وحتى لو أمكنها ذلك، فإن الركون إلى قوة بديلة واحدة سيكون خطأ في حد ذاته. ولا بد لأي جهد جاد للحفاظ على مبدأ حظر استخدام القوة أن ينطلق من الاعتراف بنواقص النظام الذي أرساه. عند تأسيس الأمم المتحدة، منحت خمس قوى كبرى -الصين، وفرنسا، والاتحاد السوفياتي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة- نفسها موقعاً مميزاً كأعضاء دائمين في مجلس الأمن يتمتعون بحق النقض ضد أي إجراء إنفاذ. وبالإضافة إلى ذلك، جعلت الهيمنة الأميركية على النظام من غير الممكن عملياً مساءلتها عند خرق القواعد، كما حدث مع غزوها للعراق في العام 2003.قوضت هذه الثغرات شرعية النظام القانوني الذي يحظر استخدام القوة، لا سيما في أعين الدول المنتمية إلى الجنوب العالمي. وهذا الشك العميق قد يدفع بعض الدول إلى تجاهل أهمية ما ستخسره إذا قام ترامب بتفكيك ذلك الحظر. إن الاعتراف العلني بعيوب النظام القانوني لما بعد الحرب العالمية الثانية، وبفشل حماته المتكرر في الوفاء بمثلهم الخاصة، هو خطوة أولى ضرورية نحو بناء نظام أكثر صلابة. ويتطلب الحفاظ على الحظر المفروض على استخدام القوة تفكيراً جديداً بشأن المؤسسات الدولية: ينبغي لأي نظام متجدد لضمان السلام والأمن الدوليين أن يوسع دائرة الدول المساهمة في حماية القواعد القانونية، بما يعزز شرعيتها ويزيد قدرتها على الصمود في وجه التحولات السياسية داخل أي دولة بمفردها.وعلاوة على ذلك، تحتاج الدول المتوسطة والصغيرة إلى بناء تحالفات واسعة للدفاع عن حظر استخدام القوة. ويفترض كثير من المحللين أن السلام النسبي الذي استمر طوال ثمانية عقود ما كان ليصمد من دون وجود دولة ضامنة قوية تتولى القيادة. لكن هذا التصور يقلل من حجم القوة التي تستطيع الدول حشدها عندما تعمل بشكل منسق. ويعد الاتحاد الأوروبي مثالاً على ذلك: لا تمتلك أي من دوله الـ27 نفوذاً عظيماً بمفردها، لكنها تشكل مجتمعة قوة لا يستهان بها.ويجب أن تضطلع "الجمعية العامة للأمم المتحدة"؛ حيث تملك كل دولة من الدول الأعضاء الـ193 صوتاً متساوياً، بدور قيادي. فعلى الرغم من أنها لا تتمتع بصلاحيات التنفيذ التي يتمتع بها مجلس الأمن، فإنه يمكنها، بصفتها هيئة معنية بصون السلم والأمن الدوليين، أن تفرض مزيداً من النفوذ لتفعيل الحظر الوارد في ميثاق الأمم المتحدة على استخدام القوة. وقد أظهرت مبادرة إصلاحية حديثة تعرف بـ"مبادرة الفيتو" قدرة الجمعية العامة على توسيع هذا الدور. بعد غزو روسيا لأوكرانيا، باتت أي قرارات يستخدم فيها الفيتو داخل مجلس الأمن تحال إلى الجمعية العامة للنقاش. وقد مكنت القرارات التي اعتمدت في ظل هذه الآلية الدول من تنسيق العقوبات ضد روسيا، وتقديم الأسلحة والدعم المالي لأوكرانيا، وأدت أيضاً إلى إنشاء سجل دولي للأضرار تمهيداً لتسوية تعويضات ما بعد الحرب.كما ينبغي للدول أن تنسق جهودها من خلال عقد تحالفات إقليمية أو موضوعية لتحقيق أهداف مشتركة. وقد بدأت مثل هذه التحالفات بالتبلور. وأعلن مجلس أوروبا عزمه إنشاء محكمة لجمع الأدلة ضد بوتين ومسؤولين روس آخرين تمهيداً لمحاكمتهم بتهمة العدوان على أوكرانيا، فيما تعمل دول "مجموعة لاهاي"، وهي بوليفيا وكولومبيا وكوبا وهندوراس وماليزيا وناميبيا والسنغال وجنوب أفريقيا، على تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بشأن الحرب في غزة. وفي أيار (مايو)، تعهد وزراء خارجية الاتحادين الأفريقي والأوروبي بتعزيز شراكتهما في مجالات السلام والأمن والاقتصاد، مما يفتح الباب أمام تحالف من أجل السلام لا يعتمد على الولايات المتحدة.من الناحية الرسمية، يظل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حالياً، الجهة الوحيدة المخولة بالسماح للدول باستخدام القوة العسكرية من أجل إنفاذ القانون. ولكن لا شيء يمنع الدول من إنشاء "مجلس للنبذ" (الإقصاء)، أي هيئة جماعية تجيز فرض عقوبات مشتركة على الدول التي تنتهك حظر استخدام القوة أو تخل بقواعد أساسية من القانون الدولي. صحيح أن العقوبات لم تنجح دائماً في كبح السلوك غير المشروع، في ما يعود جزئياً إلى بطء التنسيق بين الدول وافتقاره للاتساق. ولكن إذا اتفقت الدول على استجابات آلية ومنسقة تجاه أفعال محددة تعد انتهاكاً للقانون، فقد تصبح هذه الأداة أكثر فاعلية بكثير.قبل كل شيء، يبقى الحفاظ على مبدأ حظر استخدام القوة رهناً بوعي الدول بحجم المكاسب التي أتاحها هذا المبدأ، ومدى الصعوبة التي اكتنفت ترسيخه، وما قد يترتب على انهياره من فوضى عارمة. وإذا اختارت الدول الرد على انسحاب الولايات المتحدة من دورها التنفيذي في هذا المجال عبر إنشاء مؤسسات بديلة تضطلع بمسؤولية الإنفاذ، فإنها توجه بذلك رسالة سياسية قوية. قد يروج بعض القادة الأميركيين لفكرة أن "القوة تصنع الحق"، لكنهم سيكونون عندئذ في موقع الأقلية، وسينظر إلى موقفهم كخروج عن الإجماع الدولي. وإذا مضت واشنطن، على سبيل المثال، في تهديدها بالاستيلاء على قناة بنما، فإن بمقدور الدول الأخرى أن تتكاتف لعزلها، سواء من خلال فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، أو حتى بسحب التصاريح التي تتيح وجود قواعد عسكرية أميركية على أراضيها. إن إثبات أن دولاً متعددة قادرة ومستعدة لتوحيد جهودها من أجل تحميل الولايات المتحدة كلفة قانونية وسياسية عند انتهاكها للقواعد، من شأنه أن يخفف من الأضرار العميقة التي ألحقتها إدارة ترامب بالنظام الدولي، ويؤكد أن مزيداً من الدول بات بوسعها أداء دور أكثر توازناً في صياغة القانون الدولي وتطبيقه.لكن تهديد ترامب ليس الخطر الوحيد الذي يواجه مبدأ حظر استخدام القوة؛ فالصين وروسيا تسعيان، بدورهما، إلى إعادة تشكيل المعايير الدولية بما يتماشى مع مصالحهما. ومع ذلك، إذا تولت مزيد من الدول مسؤولية جماعية في إنفاذ القواعد الجوهرية للنظام الدولي، فسيضطر هذان البلدان أيضاً إلى التعامل مع واقع جديد. ما يزال من غير الواضح ما إذا كانت دول، مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، التي لطالما احتكرت تحديد شروط المشاركة في النظام الدولي، مستعدة لتقاسم هذه السلطة. كما لا يعرف بعد ما إذا كانت الدول التي طالما استبعدت من صنع القرار العالمي قادرة على وضع ثقتها في نظام قانوني دولي يقوم على حظر استخدام القوة. ومع ذلك، فإن دعم هذا النظام يبقى ذا أهمية حاسمة. قد يبدو استغلال التنافس بين الصين وروسيا والولايات المتحدة خياراً مغرياً لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل في نظر الدول النامية، لكن هذه الدول تخاطر على المدى البعيد بأن تتحول إلى مجرد غنائم في صراعات القوى الكبرى، مع هامش محدود لتقرير مصيرها أو توجيه مستقبلها.في الحقيقة، ليس النظام الذي حافظ على سلام وازدهار نسبيين لما يقرب من ثمانية عقود قادراً على الاستمرار من تلقاء نفسه، بل يجب الدفاع عنه بقوة. عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، أدرك صناع القرار في الولايات المتحدة أن فشلهم في إنشاء نظام دائم لما بعد الحرب العالمية الأولى قد زرع بذور الفوضى المستقبلية. والدرس المستفاد من التاريخ هو أن انتظار مرور الأزمة قبل البدء في التخطيط للمستقبل هو وصفة للفشل المؤكد. وكما سعى صانعو السياسات في أربعينيات القرن الماضي إلى بناء سلام دائم من قلب الفوضى، على قادة اليوم أن يصوغوا مؤسسات وتحالفات واستراتيجيات جديدة تحفظ السلام، لا أن يقفوا مكتوفي الأيدي ويشاهدوا ترامب وهو يعيد عقارب الساعة إلى الوراء.*أونا أ. هاثاواي: أستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة ييل، وباحثة غير مقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، والرئيسة المنتخبة للجمعية الأميركية للقانون الدولي. سكوت ج. شابيرو: أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة ييل وأستاذ الفلسفة في جامعة ييل. وهما مؤلفا كتاب "الأمميون: كيف أدت خطة جذرية لحظر الحرب إلى إعادة تشكيل العالم". المقال مترجم عن "فورين أفيرز" حيث نشر في 24 حزيران (يونيو) 2025.

جيه.بي مورغان يتوقع خفض الفائدة الأميركية 4 مرات متتالية
جيه.بي مورغان يتوقع خفض الفائدة الأميركية 4 مرات متتالية

رؤيا نيوز

timeمنذ 6 ساعات

  • رؤيا نيوز

جيه.بي مورغان يتوقع خفض الفائدة الأميركية 4 مرات متتالية

ذكر بنك جيه.بي مورغان في مذكرة أنه يتوقع أن يتجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في كل اجتماع من اجتماعاته الأربعة المقبلة، ليصل معدل الفائدة إلى 3.5 بالمئة، إذ يظهر سوق العمل والاقتصاد الأوسع نطاقا مؤشرات على التباطؤ. وأشار البنك أيضا إلى تحول محتمل في قيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطط لترشيح الخبير الاقتصادي ستيفن ميران ليحل محل عضوة مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي أدريانا كوغلر. وقال محللو جيه. بي مورغان إن تعيين ميران يمكن أن يمهد الطريق لإجراء إصلاحات مؤسسية أعمق في البنك المركزي الأميركي. وكان البنك الأميركي قد توقع في وقت سابق خفضا واحدا للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر المقبل. على صعيد منفصل، ذكر بنك جيه.بي مورغان أن عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر يبرز كأوفر المرشحين حظًا لخلافة جيروم باول في رئاسة الفيدرالي، وهي خطوة من المرجح أن تلقى ترحيبًا في الأسواق المالية. وأعرب محللو 'باركليز' عن موقف مماثل، مشيرين إلى أن تعيين والر من شأنه تقليص حالة عدم اليقين بشأن كيفية تفاعل الفيدرالي مع البيانات الاقتصادية، وهو ما قد يدعم السندات طويلة الأجل. وبحسب أداة 'فيد ووتش' التابعة لمجموعة 'سي إم إي'، فإن المتعاملين يسعرون الآن احتمالية خفض الفائدة في سبتمبر بنسبة 91.4 بالمئة، مقارنة بـ 37.7 بالمئة فقط الأسبوع الماضي.

البيت الأبيض يدرس دعوة زيلينسكي إلى ألاسكا
البيت الأبيض يدرس دعوة زيلينسكي إلى ألاسكا

الرأي

timeمنذ 14 ساعات

  • الرأي

البيت الأبيض يدرس دعوة زيلينسكي إلى ألاسكا

أفادت "إن بي سي" نيوز، السبت، أن البيت الأبيض يدرس دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى ألاسكا، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس دونالد ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 آب. واستند التقرير إلى مسؤول أميركي رفيع وثلاثة أشخاص أطلعوا على المناقشات الداخلية. ونُقل عن أحد هؤلاء الأشخاص قوله: "يتم مناقشة الأمر". وأضاف التقرير أنه لم يتم تأكيد زيارة زيلينسكي بعد، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الزعيم الأوكراني سيكون في ألاسكا بالفعل لإجراء اجتماعات، لكن الأمر لا يزال وارداً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store