logo
باريس وبرلين تسقطان أطناناً من المساعدات على غزة جواً رغم الانتقادات

باريس وبرلين تسقطان أطناناً من المساعدات على غزة جواً رغم الانتقادات

العربي الجديدمنذ 6 أيام
بدأت
فرنسا
وألمانيا، اليوم الجمعة، إسقاط مساعدات إنسانية جواً على قطاع غزة المحاصر، رغم انتقادات المنظمات الأممية التي أشارت إلى أنّ هذه الخطوة "غير فعّالة". وأسقطت فرنسا 40 طناً من المساعدات الإنسانية جواً على غزة، وحثت إسرائيل على السماح بالوصول الكامل إلى القطاع الذي قالت إنه على حافة مجاعة. وكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على منصة إكس "في مواجهة الضرورة الملحة للغاية، نفذنا للتو عملية إسقاط جوي للمساعدات الغذائية في غزة. نشكر شركاءنا الأردنيين والإماراتيين والألمان على دعمهم، وأفراد جيشنا على التزامهم". وأضاف "عمليات الإسقاط الجوي ليست كافية. يجب على إسرائيل أن تفتح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل للتصدي لتهديد المجاعة".
وقال مكتب ماكرون إن فرنسا شاركت ست مرات في الجسر الجوي الإنساني الأوروبي الذي أقامه الاتحاد الأوروبي في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى الأردن ومصر لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة. ووفقاً لمكتب ماكرون، ساعد الجسر الجوي الأوروبي في تنظيم أكثر من 60 رحلة جوية حملت ما يزيد على 3350 طنا من الإمدادات الإنسانية، ودخلت معظم شحنات المساعدات عبر مصر والأردن. وذكر مكتب الرئيس الفرنسي أن جزءاً من هذه المساعدات لم يدخل غزة حتى الآن بسبب رفض السلطات الإسرائيلية.
أخبار
التحديثات الحية
ماكرون: الحصار الإسرائيلي على غزة فاضح وعار
من جهته، قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الجمعة، إن باريس سترسل أربع رحلات جوية محملة بعشرة أطنان من المساعدات الإنسانية إلى غزة من الأردن. وقال بارو لشبكة فرانس إنفو "هذه مساعدات طارئة، لكنها لا تزال غير كافية" في مواجهة هذا الوضع المروع.
الجيش الألماني يسير أول طلعاته الإغاثية إلى غزة
في الشأن ذاته، بدأ الجيش الألماني أول عملياته الإغاثية للمعوزين في قطاع غزة. وأعلنت وزارة الدفاع الألمانية، اليوم الجمعة، أن طائرات النقل الألمانية أسقطت أولى شحنات المواد الغذائية والطبية هناك. وذكرت الوزارة أن طائرات نقل ألمانية أسقطت 34 منصة نقالة تحتوي على ما يقرب من 14 طناً من المواد الغذائية والإمدادات الطبية فوق غزة.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإنّ قطاع غزة على شفا مجاعة. وتسيطر إسرائيل على جميع المنافذ المؤدية إلى القطاع المطل على البحر المتوسط، ولم تسمح بوصول المساعدات، أو سمحت بدخول قليل منها فقط على مدار عدة أشهر. ووسعت ألمانيا نطاق مساعداتها لسكان قطاع غزة الذين يعانون من الجوع. وأعلن وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، اليوم الجمعة، خلال زيارته لإسرائيل عن تمويل إضافي بقيمة خمسة ملايين يورو لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وقال: "سيدعم هذا، من بين أمور أخرى، المخابز ومطابخ الحساء لتوفير الخبز والوجبات الساخنة لسكان غزة على المدى المتوسط". كما تُموّل الحكومة الألمانية مستشفى مالتيزر الميداني. وسيوفر هذا المستشفى، بحسب البيانات، الرعاية الصحية الأساسية التي تشتد الحاجة إليها في غزة.
وطالب فاديفول الحكومة الإسرائيلية بالعودة سريعاً إلى التعاون الوثيق مع الأمم المتحدة ومؤسساتها بشأن المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، مضيفاً أن موظفيها "أثبتوا بوضوح قدرتهم على توفير إمدادات كافية لجميع سكان غزة، إذا سُمح لهم بذلك، وإذا تمكنوا من العمل بأمان". ولم يستبعد وزير الخارجية الألماني "إمكانية تسرّب بعض المساعدات إلى حركة حماس"، ومع ذلك قال: "الكارثة الإنسانية في قطاع غزة باتت الآن جسيمة لدرجة أنه لا مبرر لإقامة المزيد من العراقيل هنا". علاوة على ذلك أشار الوزير إلى أن أفضل سبيل لمنع إساءة استخدام المساعدات هو السماح بدخول أكبر قدر ممكن من المواد الغذائية وبضائع الإغاثة إلى قطاع غزة.
ووفقاً لوزارة الخارجية الألمانية، تجاوزت قيمة المساعدات الإنسانية الألمانية للأراضي الفلسطينية 330 مليون يورو منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويُخصص أكثر من 95% من هذه المساعدات لسكان قطاع غزة. وزادت المساعدات بمقدار نحو 31 مليون يورو في مايو/أيار الماضي.
سياسي ألماني يستبعد أن تفرض برلين عقوبات على إسرائيل بسبب غزة
إلى ذلك، استبعد الأمين العام للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، مارتن هوبر، فرض الحكومة الألمانية عقوبات على إسرائيل بسبب حرب غزة. وقال هوبر في تصريحات لصحف شبكة "دويتشلاند" الألمانية الإعلامية: "من الوارد انتقاد الحكومة الإسرائيلية، لكن فرض عقوبات بين الأصدقاء غير وراد بالتأكيد". وكانت المفوضية الأوروبية أوصت بتعليق بعض جوانب مشاركة إسرائيل في برنامج تمويل الأبحاث "هورايزون أوروبا" على نحو فوري. وقد أبدت ألمانيا تحفظها حتى الآن بشأن هذه المسألة، لكن الحكومة الألمانية تُبقي هذا الخيار مفتوحاً.
كما استبعد هوبر حظر دخول وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف إلى ألمانيا، على غرار ما فعلته عدة دول من بينها بريطانيا وكندا في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، وقال: "لا أستطيع تصور أننا نفرض حظر دخول على حكومة إسرائيل الشرعية ديمقراطيا. بمثل هذه الإجراءات سنضر بشدة العلاقات الألمانية-الإسرائيلية".
في المقابل، دعا المدير التنفيذي لشؤون الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، ديرك فيزه، إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، وذلك في ضوء زيارة وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول للشرق الأوسط. وقال فيزه في تصريحات لشبكة "دويتشلاند": "انتهى وقت المناشدة - هناك حاجة إلى ضغط سياسي وإحراز تقدم ملموس"، واصفاً الوضع الإنساني في قطاع غزة بأنه كارثة من صنع الإنسان، متهماً الحكومة الإسرائيلية بعدم الإيفاء بالتزاماتها التي ينص عليها القانون الدولي، وقال: "يجب إتاحة إيصال المساعدات دون عوائق وبشكل دائم عبر ممرات برية آمنة بتنسيق دولي".
واعتبر فيزه تصدير أسلحة ألمانية لإسرائيل أمراً جائزاً بغرض حماية الأخيرة، لكنه أضاف: "يجب ألا تُستخدَم هذه في عمليات تنتهك القانون الدولي". تجدر الإشارة إلى أن الائتلاف الحاكم في ألمانيا يضم التحالف المسيحي (المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشار فريدريش ميرز والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري) والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
لازاريني: إسقاط المساعدات فوق غزة غير كاف ومكلف
في المقابل، قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني، الجمعة، إن عمليات إسقاط المساعدات جوا لغزة "غير كافية" وتكلف ما لا يقل عن 100 ضعف مقارنة بالشحن البري. وفي منشور عبر منصة إكس، أوضح لازاريني أن "عمليات الإسقاط الجوي أكثر تكلفة بما لا يقل عن 100 مرة من إرسال المساعدات عبر الشاحنات، التي تحمل ضعف كمية الإمدادات التي تنقلها الطائرات".
وأضاف: "إذا توفرت الإرادة السياسية للسماح بإسقاط المساعدات جواً، رغم كلفتها الباهظة وعدم كفايتها وفعاليتها، فيجب أن تتوفر الإرادة ذاتها لفتح المعابر البرية". أكد المسؤول الأممي أن "الطريقة الوحيدة لمواجهة المجاعة في غزة هي إغراق القطاع بالمساعدات"، مشيراً إلى أن أونروا تملك نحو 6 آلاف شاحنة محملة بالمساعدات تقف خارج القطاع بانتظار السماح لها بالدخول.
ومنذ 2 مارس/ آذار الماضي، تغلق إسرائيل كافة المعابر المؤدية إلى غزة، مانعة عبور أي مساعدات إنسانية، ما أدخل القطاع في حالة مجاعة، رغم تكدس شاحنات المساعدات على حدوده. وذكر لازاريني أنه خلال الهدنة السابقة (19 يناير/ كانون الثاني الماضي استمرت نحو 3 شهور)، تمكنت الأمم المتحدة، بما في ذلك أونروا وشركاؤها، من إدخال ما بين 500 و600 شاحنة يومياً، وصلت إلى جميع المواطنين في غزة "بأمان وكرامة"، وساهمت في كبح تفاقم الجوع دون تسجيل أي حالات سرقة أو تحويل للمساعدات.
وشدد لازاريني على أن "التنسيق الذي تقوده الأمم المتحدة، وتكون فيه أونروا هي العمود الفقري، لا بديل له ولم تحقق أي آلية أخرى نتائج مماثلة". وقال: "دعونا نعد إلى ما نجح، دعونا نقم بعملنا، هذا ما يحتاجه المواطن بغزة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى جانب وقف إطلاق نار دائم".
(رويترز، أسوشييتد برس، الأناضول، العربي الجديد)
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

التلفزيون السوداني: مقتل 40 مرتزقاً كولومبياً في تدمير طائرة إماراتية
التلفزيون السوداني: مقتل 40 مرتزقاً كولومبياً في تدمير طائرة إماراتية

العربي الجديد

timeمنذ 3 ساعات

  • العربي الجديد

التلفزيون السوداني: مقتل 40 مرتزقاً كولومبياً في تدمير طائرة إماراتية

أعلن التلفزيون الرسمي السوداني، أمس الأربعاء، أنّ الجيش دمّر "طائرة إماراتية تحمل مرتزقة كولومبيين" أثناء هبوطها في مطار يقع غربي البلاد تسيطر عليه قوات الدعم السريع ، ما أسفر عن سقوط 40 قتيلاً على الأقلّ، وأوضح أنّ الطائرة أقلعت من إحدى القواعد الجوية في منطقة الخليج وكانت تنقل "شحنات من العتاد والسلاح" إلى قوات الدعم السريع. وأشار التلفزيون إلى أنّ "الغارة الجوية أسفرت عن هلاك ما لا يقل عن 40 مرتزقاً كولومبياً كانوا على متن الطائرة". بدوره، قال مصدر عسكري، طالباً عدم كشف هويته، إنّ الطائرة العسكرية الإماراتية "تعرضت للقصف ودُمّرت بالكامل" في مطار نيالا بدارفور الذي شهد أخيراً غارات جوية متكررة للجيش السوداني في خضمّ حربه المستمرة ضدّ قوات الدعم السريع منذ إبريل/ نيسان 2023. ولم يعلّق الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان ولا قوات الدعم السريع بقيادة حليفه السابق محمد حمدان دقلو على الواقعة، كما لم يصدر في الحال أيّ ردّ فعل من الإمارات. وفي بوغوتا، قال الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو إنّ حكومته تسعى لمعرفة عدد الكولومبيين الذين قضوا في الغارة. وكتب بيترو على منصة إكس للتواصل الاجتماعي "سنرى إن كان بإمكاننا استعادة جثثهم". تقارير عربية التحديثات الحية السودان: معارك عنيفة في الفاشر يؤججها مقاتلون أجانب ودأب الجيش السوداني على اتهام الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بأسلحة، وخصوصاً مسيّرات، عبر مطار نيالا في دارفور، لكنّ أبوظبي نفت بشدة هذا الأمر رغم تقارير عدّة لخبراء في الأمم المتحدة ومنظمات دولية أكّدت هذه المعلومات. وأظهرت صور نشرها معهد الأبحاث الإنسانية التابع لجامعة ييل مسيّرات عدة بعيدة المدى صينية الصنع تنتشر في مطار المدينة. والاثنين، اتهمت الحكومة السودانية المتحالفة مع الجيش الإمارات بتجنيد وتمويل مرتزقة كولومبيين للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع، مؤكدة أن لديها وثائق تثبت ذلك. وتعود أول التقارير التي تحدثت عن وجود مقاتلين كولومبيين في دارفور إلى نهاية 2024، وقد أكدها خبراء في الأمم المتحدة. وهذا الأسبوع، أفادت القوات المشتركة، وهي تحالف مسلح في دارفور موال للجيش، بوجود أكثر من ثمانين من المرتزقة الكولومبيين يقاتلون إلى جانب الدعم السريع في مدينة الفاشر، آخر عواصم ولايات دافور التي لا يزال الجيش يسيطر عليها. ولفتت القوات المشتركة إلى أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء المرتزقة قُتلوا خلال عمليات لمسيّرات وقصف مدفعي شهده الهجوم الأخير للدعم السريع. بدوره، نشر الجيش السوداني مقاطع مصورة قال إنها تظهر "مرتزقة أجانب يشتبه بأنهم كولومبيون". وفي ديسمبر/ كانون الأول، أورد السودان أن وزارة الخارجية الكولومبية أبدت أسفها حيال "مشاركة بعض مواطنيها في الحرب". وسبق أن شارك مرتزقة كولومبيون، غالباً ما يكونون جنوداً سابقين، في نزاعات عدة في أنحاء العالم، وقد استعانت الإمارات ببعض منهم لتنفيذ عمليات في اليمن والخليج. (فرانس برس)

ما الغرب؟ وماذا تبقى منه؟ وأسئلة أخرى
ما الغرب؟ وماذا تبقى منه؟ وأسئلة أخرى

العربي الجديد

timeمنذ 8 ساعات

  • العربي الجديد

ما الغرب؟ وماذا تبقى منه؟ وأسئلة أخرى

ثمّة تطورات تاريخية وفكرية حولت دلالة "الغرب" الجغرافية مقابل "الشرق" إلى مفهوم يشير إلى أوروبا اللاتينية الكاثوليكية المرتبطة بالإمبراطورية الرومانية وعاصمتها روما، مقابل "الشرق" البيزنطي الأرثوذكسي المرتبط بالإمبراطورية الرومانية وعاصمتها القسطنطينية، فبدأ بانقسام ثقافي ولغوي وديني (لاتيني كاثوليكي/ يوناني أرثوذكسي). ومع الحروب الصليبية رسخت فكرة أوروبا المسيحية في مواجهة الشرق الإسلامي، ثم بدأت تتشكل معالم تصوّر "الغرب" بوصفه حضارة بعد النهضة الأوروبية والإصلاح الديني، وبعد الاستكشافات الجغرافية الكبرى في القرنين 15-16، لكن المعنى السياسي والفلسفي والثقافي لمصطلح "الغرب" لم يتبلور إلا مع الحداثة الأوروبية، لا سيما بعد القرن 18، فمع الاستعمار الأوروبي، بدأ الغرب يُعرّف ذاته نقيضاً للآخر الشرقي، وساهم تدريجيّاً فلاسفة ومفكرون ومؤرّخون مثل هيغل، وشبنغلر في كتابه "تدهور الغرب"، وتوينبي، في بلورة معناه الفلسفي وتأصيله في الفكر الحديث، وأصبح يظهر بوضوح في أدبيات القرن العشرين، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، حيث صار "الغرب" يعني الحضارة الأوروبية – الأميركية الحديثة. لا يعكس هذا التواتر في استعمال مفهوم الغرب بحال وحدة في تصوره وتعريفه، إذ تتنازع توصيفه اتجاهاتٌ بعضها يحدّده بأبعاد ثقافية وحضارية، فهو منظومة تقوم على مجموعة من المبادئ والقيم (العقلانية، الفردانية، حقوق الإنسان، العلمانية، الديمقراطية، التنوير، السوق الحرّة، العلم والتقنية)، تستند جذورها إلى التراث اليوناني والروماني، والمسيحية الغربية (الكاثوليكية والبروتستانتية)، وعصر النهضة، والثورة العلمية، وعصر التنوير. واتجاه آخر واقعي يربطه بأبعاد جغرافية سياسية واقتصادية، فهو تكتل يتألف من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، والتي تتشارك في التحالفات السياسية والاقتصادية. المهام القذرة التي كان الغرب ولا يزال يديرها في العالم ستحدّد تصورات الغرب عن نفسه، أخلاقيّاً على الأقل وثمة اتجاه ثالث نقدي يرى الغرب مشروعاً قهرياً يرتكز على الاستعمار، والعنصرية، وتفوّق العرق الأبيض، وكان لهذا الاتجاه أثره في إعادة إحياء سؤال الغرب، ليصبح موضوعًا للجدل الداخلي الذي سيتصاعد مع مآلات التحولات التي مرّ بها الغرب نفسه عبر مراحل (ما قبل الاستعمار -مرحلة الاستعمار - ما بعد الحرب العالمية الثانية - ثنائية الغرب الليبرالي مقابل الشرق الشيوعي - ما بعد الكولونيالية والعولمة - ظهور قوى جديدة)، وصولًا إلى ما انتهى إليه الحال في الجغرافيا السياسية الغربية نفسها من تناقضات تتصاعد يوماً بعد آخر (الديمغرافيا الغربية - قضايا الهجرة وصعود اليمين المتطرّف، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – الحرب الروسية الأوكرانية – قضايا الطاقة والمناخ - قضايا الدفاع والوحدة الأوربية - ترامب وابتزاز أوروبا- ...)، وأخيراً تحوّلات الرأي العام الغربي تجاه ثوابت سياسية داخلية وخارجية أبرز عناوينها "إسرائيل"، التي أصبح رئيس وزرائها مطلوباً من أهم محكمة دولية شاركت الدول الغربية بشكل أساسي في تأسيسها ورعايتها. "ما الغرب؟" عنوان كتاب للفيلسوف الفرنسي فيليب نيمو، صدرت طبعته الثانية 2013 وترجمته عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2023)، اعتصر فيه مؤلفه ما يمكن أن يحصِّن به الغرب المهدد، فعكف على تأصيل فكرة الغرب في التاريخ، وتعداد القواسم المشتركة للدول الغربية (سيادة القانون – الديمقراطية – الحرية الفكرية – العقلانية النقدية- العلم – الاقتصاد الحر)، فهذه "ثقافة حملها العديد من الشعوب تباعًا"، بدءًا من المدينة الإغريقية والحرية والعلوم، فالقانون الروماني والملكية الخاصة والمذهب الإنساني، فثورة الكتاب المقدّس الأخلاقية والأخروية، فالثورة البابوية (القرن: 11-13) التي آلفت بين أثينا وروما والقدس، وأخيرًا ثورات الديمقراطية الليبرالية. هذه الأحداث الخمسة "قد ائتلفت في ما بينها لتكون شكل الغرب"، وستكون عناوين خمسة فصول من الكتاب، وهي الأشياء التي سيتجاهلها الشرق. هذا الإسقاط القسري لأفكار حديثة على مراحل تاريخية معزولة من سياقها مع تجاهل لتناقضاتها، وإنكار قاطع لأية تأثيرات عربية أو إسلامية في مسارها، يهدف منه المؤلف (كما يلاحظ المترجم) إلى الوصول إلى نتيجة أن الديمقراطية الليبرالية ظاهرة غربية من الصعب نقلها أو ترسيخها في مناطق غير غربية، ليس لأن هذه الأخيرة ليست جديرة بها، إنما لأن تطوّرها التاريخي لا يؤهلها لذلك، وليؤكد فضل هذا الغرب على العالم حتى "إن الخمسة مليارات نسمة الذين ظهروا على وجه الأرض منذ عام 1750 هم أبناء الرأسمالية وبناتها، وبهذا المعنى هم أبناء الغرب وبناته"، لكن الفيلسوف لا يحدثنا عن الملايين من ضحايا الحروب والاحتلالات ونحوها في الفترة نفسها، وفي بلاد الغرب نفسه، من هم جزَّاروهم؟ اتجاه نقدي يرى الغرب مشروعاً قهرياً يرتكز على الاستعمار، والعنصرية، وتفوّق العرق الأبيض جواب المؤلف عن سؤال عنوان كتابه "ما الغرب؟" يشبه خطبة واعظ قوم يحكي أمجادهم عبر التاريخ، ويسدل الستار عما عداها، بما في ذلك أدوار الأقوام الآخرين في صناعة تلك الأمجاد والبطولات، وأن يحتاج فيلسوف فرنسي أمضى عقوداً في تدريس الفلسفة السياسية والاجتماعية إلى هذا التنظير التلفيقي للبرهنة على تماسك فكرة الغرب، لهو أكبر دليل على تمزّق الفكرة وتشظيها، ومحاولة بثّ الحياة فيها أمام "مخاطر التفكّك عبر تصاعد الطائفيات أو التهجين الثقافي". "ماذا تبقّى من الغرب؟" عنوان كتاب آخر صدر عام 2014 وترجمه مراد دياني، صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2023)، يتضمن رسائل متبادلة بين مثقَّفَين فرنسيين متباينين، أحدهما ريجيس دوبريه الذي كان أول من طَرَق إشكالية "نهاية الغرب"، والذي لا يعني بالنسبة له سوى اسم مستعار لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهو "وحده يمكنه التحدّث بصوت واحد مع خط قيادة غير متنازع عليه وتوافق عقائدي"، ويرى أن هذا التماسك والصوت الواحد يوحيان للغرب باحتكار ما هو كوني، وأنه مركز العالم وأن مصالحه هي مصالح الإنسانية بأسرها، فيما يرد عليه الكاتب الآخر رينو جيرار بأن الغرب يجمع بلدانًا قائمة على سيادة القانون، في حين أن باقي العالم يعيش في ظل دكتاتوريات تتّخذ صوراً وأشكالاً عدة، مع تأكيده على البعد المسيحي بوصفه من أهم السمات المميزة للغرب. ويتوافق الكاتبان على أن الغرب لا يزال قائماً وثابتاً، وإن كان تفوّقه بدأ يترنح قليلًا، مع خلاف بينهما في توصيف هذه الاستمراية الراجعة لقوته العسكرية والتكنولوجية وفقا لريجيس دوبريه، أو لكون وجوده السياسي لا ينفصل عن جذوره الثقافية الراسخة والوطيدة وفقًا لرينو جيرار. في عرضه "البيانات السريرية" للغرب يعدّد دوبريه خمسة عوامل لنجاح الغرب وقوته (التماسك منقطع النظير، احتكار ما هو كوني، مدرسة أُطر العالم، تنسيق الحساسيات الإنسانية، الابتكار العلمي والتقني) وخمس نقاط لضعفه (الغطرسة العالمية المفرطة، عقدة التفوق المسببة للعمى، إنكار التضحية بالتخلص من المقدّس، سجن الزمن القصير والنتائج السريعة، تناثر العامل المخل بالنظام)، ولكل منها تفاصيل مهمّة لا يتّسع المقام لعرضها، فيما يلخص رينو جيرار المشكلة بقوله "وليست لدى أوروبا مشكلة رقم هاتف فحسب، بل لديها مشكلة الميكرفون. والحالة هذه أشد إزاء مواطنيها مما هي عليه إزاء الأجانب"، يقصد بذلك التشتت وتعدد المتحدثين باسم أوروبا، وأنه "إذا لم يفلح الغرب في أن يجد في داخله الموارد اللازمة للعلاج السريع لأفضل ابتكار أحدثه -الاتحاد الأوروبي- فإنه محكوم في النهاية بالتفكّك السياسي". المعنى السياسي والفلسفي والثقافي لمصطلح "الغرب" لم يتبلور إلا مع الحداثة الأوروبية، لا سيما بعد القرن الثامن عشر ما هو مؤكّد أن الغرب وفق منظِّريه في مآزق تتسع يوماً بعد آخر، لكن حسب دوبريه "إن معرفة كيفية اكتساب المناعة ضد السم من خلال الابتلاع المنظم للسلبية النقدية هي عبقرية الغرب، وهي، في الآن ذاته، ديناميته ودرعه الواقي"، وهذا ما يستند إليه رينو بوصفه "أفضل شاهد على أن الغرب السياسي ليس سيئاً، أو محتضراً، وأنه بالفعل وليد الغرب الثقافي"، هذا التشخيص الدفاعي والنقدي كما عرض أعلاه من خلال الكتابين بما هو نموذج للنقاش الغربي حول نفسه كان قبل أكثر من عقد، ويبدو أن هذا العِقد قد اشتمل من الأحداث ما يضاعف الأسئلة والمراجعات، فهل سيبقى فيليب نيمو بعد ظاهرة الترامبية متمسكًا بقوله "فلا توجد على وجه التأكيد هوية أوروبية يمكن معارضتها بالهوية الأميركية"، وهل لا يزال لتساؤله مكان فيما يخص الوضع الجيوسياسي المستقبلي لدولة إسرائيل نسبة إلى الدول الغربية، إذ رأى أنه يتوقّف من وجهة نظره على اختياراتها الفلسفية والدينية، وبالأخص: هل سيتفادون أن تتحوّل الصهيونية إلى قومية عادية؟ وهل ستكون دولة قانون على النمط الغربي، أم أنهم سوف يتركون البلاد تتحوّل إلى نوع جديد من الثيوقراطية؟ المهام القذرة التي كان الغرب ولا يزال يديرها في العالم، كما أوضحها الكاتب في مقال سابق، ستحدّد تصورات الغرب عن نفسه، أخلاقيّاً على الأقل، فالتطور التقني أصبح في وجه منه مرآة تكشف عوراته التي كان يخفيها الإعلام، والعولمة والاقتصاد الحر كانت مقدمات لتمكين الخصوم من أسباب القوة المحتكرة غربيّاً، والحروب "لأسباب الإنسانية" أو عدم خوضها لهذه الأسباب وطَّنت ضحاياها في بلدان الغرب ليعيدوا تشكيل هويته المستقبلية، وأمور أخرى كثيرة سيكون أدنى أثر لها المزيد في اتساع الخرق على الراقع.

خطة إسرائيلية لاحتلال غزة ومخيمات وسط القطاع: خمس فرق خلال خمسة أشهر
خطة إسرائيلية لاحتلال غزة ومخيمات وسط القطاع: خمس فرق خلال خمسة أشهر

العربي الجديد

timeمنذ 13 ساعات

  • العربي الجديد

خطة إسرائيلية لاحتلال غزة ومخيمات وسط القطاع: خمس فرق خلال خمسة أشهر

كشفت وسائل إعلام عبرية، مساء اليوم الأربعاء، بعض جوانب خطة احتلال قطاع غزة، قبيل المصادقة المتوقعة عليها في اجتماع المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية المقرر غدًا الخميس. وبحسب الخطة، سيقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بعمليات عسكرية في منطقتين، هما مخيمات الوسط ومدينة غزة، لمدة خمسة أشهر، وفق ما أفادت هيئة البث الإسرائيلية "كان". وأضافت الهيئة أنه جرت مناقشة خطة احتلال قطاع غزة بين المستويين السياسي والعسكري حتى قبل انطلاق عملية "عربات جدعون"، التي كانت بمثابة حل وسط بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان الجيش إيال زامير، الذي أبدى معارضة لاحتلال القطاع، لكنه قال في جلسة عقدها نتنياهو في الأيام الأخيرة: "سننفذ ما يقرره المستوى السياسي". من جانبها، أفادت القناة 13 العبرية بأن الجيش الإسرائيلي يستعد لعملية واسعة النطاق في غزة، من المتوقع أن تمتد على مدى خمسة أشهر، وتشمل توغّل خمس فرق عسكرية إلى داخل القطاع، والسيطرة على معسكرات وسط غزة ومدينة غزة نفسها. وكجزء من الخطة، يُتوقّع أن ينزح نحو مليون فلسطيني نحو الجنوب، مع إدخال مساعدات إنسانية إلى داخل القطاع. ووفقًا لتقديرات الجيش، فإن احتلال المدينة قد يستغرق وقتًا قصيرًا نسبيًا، لكن القضاء الكامل على حركة "حماس" لا يبدو قريب المنال. وتأتي هذه الخطة في ظل تباينات داخل دوائر الحكم والجيش الإسرائيلي بشأن جدوى السيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة. إذ عبّر عدد من كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين، وعلى رأسهم رئيس الأركان إيال زامير، عن تحفظهم على خطة الاحتلال، محذرين من تبعاتها الميدانية والسياسية والإنسانية، لا سيما في ظل غياب رؤية واضحة لليوم التالي. في المقابل، يضغط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه من "الليكود" والتيارات اليمينية الأخرى باتجاه المضي قدماً في العملية، معتبرين أن أي حل لا يتضمن اجتثاث حركة "حماس" من القطاع لن يكون كافياً. رصد التحديثات الحية واضع "خطة الجنرالات" يرى مشكلة نتنياهو في غزة نفسية وفي وقت سابق، رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإفصاح عمّا إذا كان يؤيد أو يعارض سيطرة إسرائيل المحتملة على قطاع غزة عسكرياً، مشيراً إلى أن تركيز إدارته ينصب حالياً على زيادة وصول الغذاء إلى القطاع. وقال ترامب في تصريحات للصحافيين أمس الثلاثاء: "في ما يتعلق ببقية الأمر، لا يمكنني القول حقاً. سيكون ذلك متروكاً إلى حد كبير لإسرائيل". وأضاف ترامب أن بلاده قدمت 60 مليون دولار لتأمين الغذاء لسكان غزة، مشيراً إلى أن سكان القطاع "لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء". وأضاف في تصريحات صحافية أن الولايات المتحدة تحاول ضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين، وأن إسرائيل ستساعد في عملية التوزيع. كذلك، أكد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس حق رئيس أركان الجيش إيال زامير في "إبداء رأيه" بشأن المرحلة المقبلة من الحرب في قطاع غزة، لكنه ملزم "تنفيذ" قرارات الحكومة بهذا الصدد. وقال كاتس عبر منصة إكس "من حق وواجب رئيس الأركان أن يعبّر عن موقفه في المنابر المختلفة، لكن بعد أن يتخذ المستوى السياسي القرارات، فإن الجيش سينفذها بحزم ومهنية، كما فعل على جميع الجبهات، حتى تحقيق أهداف الحرب".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store