
دروس تاريخية من قرنين.. هكذا يمكن لاتفاق سلام في أوكرانيا أن يدوم
على مدى القرنين الماضيين، شهد العالم العديد من الصراعات الكبرى التي انتهت باتفاقات سلام، بعضها صمد لعقود، فيما انهار البعض الآخر سريعًا، ممهّدًا الطريق لنزاعات جديدة.
فمن مؤتمر فيينا بعد هزيمة نابليون إلى معاهدات ما بعد الحربين العالميتين، شكلت هذه التسويات النظام الدولي وأرست توازنات القوى.
واليوم، ومع ملامح التوصل لاتفاق سلام في أوكرانيا، يطرح السؤال نفسه: كيف يمكن التوصل إلى اتفاق سلام مستدام يمنع تجدد النزاع؟..
وهنا يقدم التاريخ دروسًا ثمينة يمكن أن تساعد في صياغة تسوية قادرة على الصمود أمام التحديات السياسية والأمنية، وفق تحليل لـ«فورين أفيرز».
ملامح من اليوم
واليوم، قد لا تؤدي مفاوضات إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية إلى إنشاء كيان أمني عالمي جديد، لكنها قد تشكل مستقبل التعاون الدولي.
فالعالم يعيش حالة من الاضطراب، إذ قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتقويض المؤسسات الدولية التي قادت النظام العالمي لعقود، وتسببت سياساته الجمركية في اضطرابات اقتصادية واسعة.
كما أدى صدامه العلني مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى إضعاف ثقة الحلفاء التقليديين في أمريكا كشريك موثوق.
في الوقت ذاته، تسعى أوروبا إلى تحقيق استقلالية أمنية أكبر، بينما تتجه العديد من الدول نحو نظام عالمي أكثر توازناً، لا تهيمن عليه القوى الغربية.
ووسط هذه التغيرات، يبدو التوصل إلى اتفاق شامل في أوكرانيا مستحيلاً في ظل التباين الحاد بين مواقف كييف وموسكو، والانقسام العميق في المشهد الدولي.
حتى في حال التوصل إلى اتفاق، فإن استدامته تظل موضع شك. فالتاريخ مليء بمحاولات سلام فاشلة، كما حدث في 1938 و1939، عندما لم تمنع التسويات آنذاك اندلاع الحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك، قد تكون هناك إمكانية لاتفاق عملي يضم القوى العظمى والأطراف المعنية مباشرة، مستفيدًا من التجارب التاريخية السابقة.
ما الذي يمكن أن يقدمه التاريخ؟
بعد هزيمة نابليون بونابرت، اجتمع القادة الأوروبيون في مؤتمر فيينا (1814-1815) لإعادة ترتيب الحدود وتحقيق توازن مستقر للقوى في القارة.
وبعد الحرب العالمية الأولى، أسفر مؤتمر باريس للسلام (1919) عن تأسيس عصبة الأمم، التي كُلّفت بالحفاظ على السلام العالمي.
أما في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد اجتمع ممثلو 50 دولة عام 1945 لصياغة ميثاق الأمم المتحدة، المنظمة التي حلت محل عصبة الأمم بعدما أثبتت الأخيرة فشلها في منع اندلاع نزاعات كبرى.
ورغم أن بعض الاتفاقات لم تحقق السلام الدائم، إلا أن هناك أمثلة على حلول جزئية نجحت في وقف القتال لفترات طويلة.
على سبيل المثال، تمكنت اتفاقيات وقف إطلاق النار في كوريا في الخمسينيات من إنهاء الأعمال العدائية رغم غياب اتفاق سلام رسمي.
كما أدى تقسيم قبرص في السبعينيات إلى تجميد الصراع، فيما وفرت تسوية فنلندا مع الاتحاد السوفياتي في الأربعينيات نموذجًا للمحافظة على الاستقلال مقابل تنازلات إقليمية محدودة.
ضمانات النجاح
ولضمان نجاح أي اتفاق في أوكرانيا، لا بد من تحقيق توازن بين ثلاثة عوامل رئيسية:
أولاً، ينبغي تجنب فرض شروط مذلة على أي طرف، كما حدث مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، مما ساهم لاحقًا في نشوب الحرب العالمية الثانية.
ثانيًا، يجب توفير ضمانات أمنية حقيقية لأوكرانيا مدعومة بقوة عسكرية، وليس مجرد وعود فارغة كما حصل مع دول أوروبا الشرقية بين الحربين العالميتين.
وأخيرًا، ينبغي صياغة تسوية جيوسياسية تستطيع الصمود أمام الضغوط الداخلية والخارجية، بحيث لا تؤدي إلى جولة جديدة من الصراع.
قد لا يكون أي اتفاق مثاليًا، لكنه قد يحافظ على الاستقرار حتى تصبح الظروف مواتية لحل دائم، كما يمكن أن يكون نموذجًا جديدًا للتعاون الدولي في ظل عالم مضطرب.
لماذا يصعب التوصل لـ«صفقة كبرى»؟
يرى البعض أن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية يجب أن يكون جزءًا من تسوية أوسع تشمل قضايا دولية أخرى، خاصة مع تداخل النزاع مع أزمات عالمية كبرى.
فإيران وكوريا الشمالية تزودان روسيا بالأسلحة، وفق الاتهامات الغربية، والحرب تؤثر على استقرار أوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا.
في الماضي، نجحت تسويات شاملة مثل معاهدة فرساي (1919)، التي هدفت إلى كبح النزعة العسكرية الألمانية، والاتفاقات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية (1945)، والتي فرضت استسلامًا غير مشروط على ألمانيا واليابان، في إعادة تشكيل النظام العالمي.
لكن الوضع في أوكرانيا مختلف تمامًا، إذ لا يوجد طرف مهزوم بوضوح يمكن فرض الشروط عليه كما حدث مع ألمانيا واليابان.
فوجهة نظر أوكرانيا حول الحرب واضحة: روسيا ضمت القرم في 2014، ثم دعمت الانفصاليين في دونباس، وأخيرًا شنت غزوًا شاملًا في 2022.
وبالنسبة لكييف، فإن الحل يكمن في تغيير القيادة الروسية، وهو سيناريو غير واقعي.
في المقابل، ترى موسكو أن أوكرانيا «دولة غير شرعية» يديرها «النازيون»، وتزعم أن ضمانات الناتو الأمنية لأوكرانيا كانت السبب الرئيسي للصراع.
وفي ظل هذا التباين في الرؤى، يبدو التوصل إلى تسوية شاملة أمرًا صعبًا للغاية.
ما البديل؟
ووفق «فورين أفيرز»، فإن البدائل تشمل:
تسوية جزئية
إذا كانت التسوية الشاملة غير ممكنة، فقد يكون الحل الجزئي الخيار الأكثر واقعية.
فهناك تجارب تاريخية تدعم هذا النهج، مثل الهدنة الكورية (1953)، التي أوقفت القتال بين الكوريتين رغم عدم توقيع اتفاق سلام رسمي.
كما أن اتفاق القوى الأربع حول برلين (1971) ساعد في تقليل التوترات رغم استمرار الانقسام، بينما أدى تقسيم قبرص عام 1974 إلى استقرار نسبي دون استئناف القتال.
في أوكرانيا، قد يكون الحل العملي هو اتفاق هدنة مشابه لما حدث في كوريا أو برلين، يهدف إلى وقف الحرب دون إعادة رسم النظام العالمي بالكامل.
تنازلات إقليمية
التاريخ يُظهر أن التنازل عن الأراضي كان دائمًا سلاحًا ذا حدين.
ففي اتفاق ميونخ (1938)، تخلت تشيكوسلوفاكيا عن أراضٍ لصالح ألمانيا النازية، مما شجع هتلر على غزوها بالكامل لاحقًا.
بالمقابل، قبلت فنلندا في معاهدة موسكو (1940) بالتنازل عن أراضٍ للاتحاد السوفياتي لكنها حافظت على استقلالها.
الدرس المستفاد هنا هو أن التنازلات يجب أن تكون مدعومة بضمانات أمنية قوية، مع تجنب فرض شروط مهينة على أي طرف، لأنها قد تؤدي إلى تصعيد جديد.
ما هي ضمانات استدامة الاتفاق؟
لضمان استدامة السلام، يجب التركيز على إعادة الإعمار الاقتصادي، كما فعلت خطة مارشال (1947)، التي ساعدت في إنعاش أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
على العكس، فشلت معاهدة فرساي لأنها فرضت تعويضات ساحقة على ألمانيا، مما أدى لاحقًا إلى صعود النازية.
كذلك، ينبغي أن تكون هناك قوة عسكرية لحفظ السلام، لأن الوعود الفارغة وحدها لا تكفي.
ووفق المجلة فإن أي اتفاق سلام في أوكرانيا لن يكون مثاليًا، لكنه قد يكون الخطوة الأولى نحو استقرار طويل الأمد.
وإذا كان الهدف هو منع تصعيد جديد، فإن الحل العملي هو وقف إطلاق نار مدعوم بقوة عسكرية حقيقية، مع ضمانات أمنية قوية لمنع العدوان المستقبلي، إضافة إلى خطة لإعادة الإعمار الاقتصادي.
وأشارت المجلة إلى أنه قد لا يكون هذا السلام النهائي، لكنه قد يضع الأساس له.
aXA6IDQ2LjIwMi43NC4zNyA=
جزيرة ام اند امز
US
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ ساعة واحدة
- الاتحاد
التعاون الخليجي- الأميركي..آفاق تنموية
التعاون الخليجي- الأميركي..آفاق تنموية مما لا شك فيه أن القمة الأخيرة التي جمعت دول الخليج العربية بالولايات المتحدة الأميركية، وانعقدت في الرياض، وما أعقبها من زيارات قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أسفرت عن اتفاقيات وتفاهمات تُحقق الكثيرَ من المكاسب والمصالح المشتركة لجميع الأطراف. لقد كانت قمة ناجحة بامتياز، بل تكاد تكون من أنجح القمم، وذلك بالنظر لما حققته من نتائج إيجابية جمة تخدم شعوب منطقة الخليج في المقام الأول، كما تخدم المركز الاقتصادي لدول المنطقة خلال السنوات والعقود القادمة، بل لفترة أجيال وحقب ممتدة قادمة. وقد شهدت قمة الرياض كلمةً مهمةً لأمير دولة الكويت تضمنت نقاطاً حيوية على صعيد تعزيز الشراكة والتطلع لإطلاق المبادرات المشتركة، من أجل الاستثمار في مجالات البنى التحتية الذكية ودعم الابتكار وريادة الأعمال وتعزيز التجارة الحرة العادلة وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وزيادة حجم الاستثمار المتبادل مع الولايات المتحدة الأميركية. ولا شك في أن الميزانيات المرصودة من قبل دول الخليج تصب في الطريق الذي يخدم اقتصاداتها بالدرجة الأولى، وهي تؤسس لمستقبل على درجة كبيرة من الأهمية في العديد من المجالات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وغيرها من المشاريع التي تتطلبها المرحلة المقبلة من عمر دول الخليج العربي ككل. إنها بحاجة لمثل هذه المشاريع، بغية الانطلاق نحو المستقبل القادم، لا سيما أنها مشاريع تؤسس لموقف اقتصادي صلب على طريق تطوير وتعزيز التنمية والاستفادة من خبرات الولايات المتحدة. ومما تضمنته تلك الاتفاقيات، على سبيل المثال لا الحصر، تطوير أسطول شركة الخطوط الجوية القطرية من الطائرات، من خلال صفقة تم توقيعها مع الولايات المتحدة، سيتم تنفيذها على مدى السنوات القادمة لتعزيز أداء الرحلات الجوية للشركة، وذلك وفق أحدث الطائرات المصنّعة أميركياً. بالإضافة إلى ذلك، فقد مثّل تحديث الصناعات العسكرية في المملكة العربية السعودية إنجازاً آخر في غاية الأهمية سيتحقق من وراء الاتفاقيات الموقعة خلال قمة الرياض. أما الاتفاقيات التي وقعتها دولة الإمارات العربية المتحدة مع الولايات المتحدة خلال زيارة ترامب، فتضمنت بناء أكبر قاعدة للذكاء الاصطناعي خارج حدود الولايات المتحدة نفسها، باستثمار يزيد على تريليون دولار وخلال مدة عشر سنوات. وهو أمر غير مسبوق على صعيد العالم بأكمله، ويمثل هذا المشروع أهمية حيوية كبرى بالنسبة لدولة الإمارات، لا سيما بالنظر إلى خططها التنموية المستقبلية. وبناءً عليه نقول بأن الاتفاقيات الموقعة خلال القمة الخليجية الأميركية وما تلاها من زيارات للرئيس الأميركي، سوف تسهم، وبشكل كبير للغاية، في تعزيز الموقف الاقتصادي لمنطقة الخليج العربي، وستعزز المشاريع التنموية فيها. كما نقول إن اتفاقيات من هذا النوع تحتاجها منطقة الخليج والعالم بشكل ملح.. فشكراً جزيلا لقادة الخليج على جهودهم، بغية توفير أفضل السبل لضمان التطور الاقتصادي لدولهم في المستقبل القادم. *كاتب كويتي


العين الإخبارية
منذ 2 ساعات
- العين الإخبارية
الصين وإندونيسيا.. شراكة اقتصادية ركيزتها «التعددية الحقيقية»
تم تحديثه السبت 2025/5/24 11:27 م بتوقيت أبوظبي قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ اليوم السبت إن الصين وإندونيسيا ستشجعان «التعددية الحقيقية»، وفق ما أوردت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا). وقد وصل رئيس مجلس الدولة الصيني إلى جاكرتا في زيارة تستغرق يومين لأكبر اقتصادات جنوب شرق آسيا. وكثفت الصين من تعاملاتها مع دول المنطقة منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية شاملة على الواردات على شركائها التجاريين العالميين. وجرى تأجيل فرض بعض الرسوم بعد اتفاق بين الصين والولايات المتحدة خلال الشهر الجاري. وعرضت جاكرتا -التي تعد الصين أكبر شريك تجاري لها- على الولايات المتحدة عدداً من التنازلات في محاولة لتخفيف وطأة الرسوم الجمركية على إندونيسيا. وفي فعالية لقادة الأعمال اليوم السبت، حضره لي، قال الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو إن العلاقات بين بكين وجاكرتا أساسية للاستقرار الإقليمي، مضيفا أن إندونيسيا تعتبر الصين شريكاً مهماً في تطوير الصناعة والتكنولوجيا. وأشاد بدور الصين في الدفاع عن مصالح الدول النامية ووقوفها ضد "الإمبريالية" و"الاستعمار". وأشارت "شينخوا" إلى أنه بعد زيارة جاكرتا، سيسافر "لي" إلى ماليزيا لحضور قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي والصين. aXA6IDI2MDI6ZmFhNTpiMTc6MjM6OjYg جزيرة ام اند امز US


العين الإخبارية
منذ 2 ساعات
- العين الإخبارية
رسوم ترامب على أوروبا.. عقاب لا تفاوض
أشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجدداً التوترات التجارية أمس الجمعة، بعدما هدد بفرض رسوم جمركية حادة على الواردات الأوروبية. وتطال التهديدات منتجات شركة أبل وكافة السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي. وقد أطلق تصريحاته عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي في وقت مبكر من صباح الجمعة الموافق 23 مايو/أيار الجاري، مما أثار قلق الأسواق العالمية وزاد من المخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية المحتملة لتصعيد جديد في الحرب التجارية. ووفقا لترامب، فإذا لم تقم شركة أبل بنقل تصنيع هواتف آيفون من الهند ودول أخرى إلى الولايات المتحدة، فسيتم فرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على منتجاتها. كما أعلن الرئيس الأمريكي عن نية فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على جميع السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي، اعتبارًا من الأول من يونيو/حزيران. ولاحقًا، صرح ترامب من المكتب البيضاوي أن الضرائب المقترحة لن تقتصر على أبل، بل ستشمل سامسونغ وشركات تكنولوجيا أخرى أيضًا. خطوة جريئة ووفقاً لتحليل نشرته صحيفة "فاينشيال تايمز"، فإن الخطوة تعتبر من بين الأكثر جرأة، كما تمثل هذه التهديدات تحولًا كبيرًا بعد أسابيع من الهدوء النسبي في الجبهة التجارية. وعلى الرغم من أن الأسواق المالية لم تشهد انهيارًا، حيث أغلق مؤشر S&P 500 منخفضًا بأقل من 1%، إلا أن محللين حذروا من أن تنفيذ تلك الرسوم قد يكون له عواقب اقتصادية جسيمة. وتمثل هذه التهديدات تحولًا كبيرًا بعد أسابيع من الهدوء النسبي في الجبهة التجارية. وعلى الرغم من أن الأسواق المالية لم تشهد انهيارًا، حيث أغلق مؤشر S&P 500 منخفضًا بأقل من 1%، إلا أن محللين حذروا من أن تنفيذ تلك الرسوم قد يكون له عواقب اقتصادية جسيمة. وقالت ويندي كاتلر، وهي مفاوضة تجارية أمريكية سابقة ونائبة رئيس معهد آسيا للسياسات: "التهديدات لم تعد تحمل نفس الوزن كما كانت سابقًا، لكن من المرجح أن الأمور مع الاتحاد الأوروبي ستزداد سوءًا قبل أن يتم التوصل إلى مخرج". وأكد وزير الخزانة سكوت بيسنت أن تصريحات الرئيس تهدف إلى دفع الأوروبيين نحو التفاوض بجدية أكبر، مضيفًا أن الاتحاد الأوروبي يعاني من "مشكلة في اتخاذ القرار الجماعي"، حيث يمثل مجموعة من 27 دولة ولكن يتفاوض كجسم واحد من بروكسل. لكن تقريرا نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية ذكر إن إدارة ترامب تسعى لإقناع الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم على الواردات الصينية، لكنها لم تنجح حتى الآن بسبب تباين الأولويات التجارية بين الدول الأوروبية. وأوضحت الصحيفة أن مستشاري ترامب أعربوا عن استيائهم من بطء التقدم في المحادثات، مشيرين إلى أن واشنطن لم تتلقَّ أي تأكيد من قادة الاتحاد حول نية فرض رسوم جديدة على السلع الصينية. كما أبدى الاتحاد تمسكه بمواقفه إزاء قضايا مثل ضريبة القيمة المضافة وتشريعات الصحة والتكنولوجيا. ورغم تبادل الوثائق المتعلقة بالتفاوض، لا تزال المفاوضات دون نتائج ملموسة. من جهتها، أبدت بريطانيا، في محادثات منفصلة، استعدادها للمضي في فرض رسوم على الصلب الصيني. كما وجهت الولايات المتحدة طلبات مماثلة لشركاء آخرين مثل اليابان وكوريا الجنوبية. استهداف أبل وأوروبا في منشوراته، وجّه ترامب انتقادات حادة للرئيس التنفيذي لشركة أبل، تيم كوك، كما وصف مفاوضي الاتحاد الأوروبي بأنهم "عنيدين"، واشتكى من أن المحادثات التجارية "لا تسير إلى أي مكان". كما زعم أن العجز التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتجاوز 250 مليون دولار سنويًا، وهو رقم خاطئ في الواقع. تشير بيانات وزارة التجارة الأمريكية إلى أن العجز التجاري مع الاتحاد الأوروبي يبلغ نحو 235 مليار دولار، وليس ملايين كما ذكر ترامب، كما أن الولايات المتحدة تحقق فائضًا كبيرًا في تجارة الخدمات مع أوروبا يتجاوز 70 مليار دولار. علاوة على ذلك، فإن ادعاء ترامب بأن الاتحاد الأوروبي "تأسس بهدف استغلال الولايات المتحدة في التجارة" يتعارض مع الحقيقة التاريخية، حيث نشأ الاتحاد في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتعزيز التعاون بين فرنسا وألمانيا ومنع نشوب الحروب مجددًا. ووفقا للتحليل، فقد فوجئ المسؤولون الأوروبيون بتصريحات ترامب، التي صدرت قبل ساعات فقط من مكالمة مرتقبة بين الممثل التجاري الأمريكي جيميسون غرير والمسؤول التجاري الأوروبي ماروش شيفشوفيتش. وفي وقت سابق، اقترح الاتحاد الأوروبي عدة تنازلات، منها تقليل الرسوم الجمركية على السلع الصناعية، وزيادة وارداته من الغاز الطبيعي الأمريكي المسال، والتعاون في قضايا مثل الذكاء الاصطناعي والقدرة الزائدة في صناعة الصلب. لكن إدارة ترامب واصلت الضغط من أجل تنازلات أكبر دون تقديم مقابل ملموس. ويخشى القادة الأوروبيون أن تؤدي مطالب ترامب الضاغطة والمهل الزمنية القصيرة إلى فشل المفاوضات، خاصة أن الاتفاقات التجارية السابقة بين الاتحاد ودول أخرى استغرقت سنوات من التفاوض، في حين منح ترامب الأوروبيين 90 يومًا فقط بعد تعليقه المؤقت لبعض الرسوم الجمركية. وفي حال مضت الولايات المتحدة قدمًا في تنفيذ تهديداتها، فإن الاتحاد الأوروبي قد يرد بالمثل. وقد أعد المسؤولون قائمة بأكثر من 100 مليار دولار من السلع الأمريكية -بما في ذلك الطائرات وقطع غيار السيارات ومنتجات زراعية- لفرض رسوم انتقامية عليها. كما أن حزمة من الرسوم على واردات أمريكية بقيمة 23 مليار دولار، كانت مؤجلة سابقًا، قد تُعاد إلى الواجهة. مخاطر اقتصادية أوسع ويحذر خبراء الاقتصاد من أن هذا النهج قد يضر بالاقتصاد الأمريكي. ووفقًا لتقديرات بنك باركليز، فإن تنفيذ الرسوم الجمركية على نطاق واسع قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي وارتفاع في معدلات التضخم، وقد يدخل الاقتصاد الأمريكي منطقة الركود خلال العام المقبل. وتتمثل الخطورة في أن هذه الرسوم ستستهدف مباشرة الإلكترونيات الاستهلاكية، وعلى رأسها الهواتف الذكية، التي تُعد من المنتجات الحساسة بالنسبة للمستهلكين. كما أن نقل سلاسل التوريد العالمية إلى داخل الولايات المتحدة -كما يقترح ترامب- سيستغرق سنوات ويتطلب استثمارات ضخمة. وتمثل تهديدات ترامب الأخيرة تصعيدًا كبيرًا في سياسات التجارة الأمريكية، وقد تؤدي إلى تقويض علاقات اقتصادية طويلة الأمد مع الحلفاء الأوروبيين. وبينما يؤكد ترامب أن موقفه المتشدد سيفضي إلى صفقة أفضل، يرى منتقدوه أن الآثار السلبية المحتملة -من ارتفاع الأسعار وتقلب الأسواق إلى إضعاف التحالفات- قد تكون أثقل كلفة من أية مكاسب محتملة. وفي حين أن المسؤولين الأوروبيين يفضلون تجنب حرب تجارية شاملة، إلا أنهم يتحضرون لأسوأ السيناريوهات. وبينما تتواصل المحادثات وسط حالة من الشك وانعدام الثقة، ستحدد الأسابيع القادمة ما إذا كانت الدبلوماسية ستنجح أم أن الأمور ستتجه نحو صدام اقتصادي حاد. aXA6IDQ1LjM4Ljk2LjEwMyA= جزيرة ام اند امز CZ