
باكستان والصين.. تحالف دفاعى لمواجهة الإرهاب وتحديات الإقليم
هذا التعاون لم يعد خيارًا تكتيكيًا، بل تحول إلى ضرورة تفرضها الجغرافيا، وتشكلها المصالح المشتركة، وتقودها التحديات المتصاعدة التى تضرب استقرار باكستان وتهدد الاستثمارات الصينية الهائلة فى البلاد.
الأمن الإقليمى فى الصدارة
خلال الزيارة، عقد رئيس أركان الجيش الباكستانى اجتماعات مكثفة مع عدد من كبار المسئولين الصينيين، من بينهم نائب الرئيس هان تشنغ ووزير الخارجية وانغ يى.
وركزت هذه اللقاءات على جملة من القضايا الاستراتيجية، فى مقدمتها الأمن الإقليمى والديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة فى جنوب ووسط آسيا، إضافة إلى التعاون المتنامى ضمن مشروع الممر الاقتصادى الصيني-الباكستانى (CPEC)، الذى يُعد ركيزة اقتصادية أساسية فى العلاقات بين البلدين.
وفى بيان مشترك، أعرب الجانبان عن «ارتياحهما العميق لوتيرة ومستوى التعاون الثنائي»، مؤكدين التزامهما بمبادئ السيادة المتساوية، والشراكة الاستراتيجية الشاملة، والتنسيق فى المحافل الإقليمية والدولية، لا سيما فى ظل بيئة أمنية تتسم بعدم الاستقرار فى آسيا الوسطى وأفغانستان.
تصاعد مقلق للإرهاب.. تهديد متعدد الأبعاد
شهدت باكستان فى السنوات الأخيرة موجات متكررة من العمليات الإرهابية، تصاعدت بشكل لافت منذ استيلاء طالبان على الحكم فى أفغانستان عام ٢٠٢١. وبحسب تقارير معهد الدراسات الأمنية فى إسلام آباد، فقد زادت وتيرة الهجمات بنسبة ٦٠٪ خلال عام ٢٠٢٣، وشهد عام ٢٠٢٤ معدلات مروعة فى عدد الضحايا، خصوصًا فى إقليم خيبر بختونخوا وبلوشستان.
وتتنوع خلفيات الجماعات المنفذة لتلك الهجمات، بين حركة طالبان الباكستانية (TTP)، وتنظيم «داعش-خراسان»، والانفصاليين فى بلوشستان، والذين ركزوا بشكل متزايد على استهداف العمال والمشروعات الصينية. هذه التهديدات الإرهابية لا تنبع فقط من دوافع أيديولوجية، بل تحركها عوامل إقليمية معقدة، منها هشاشة الوضع الأمنى فى المناطق الحدودية مع أفغانستان، وتراخى الحكومة الأفغانية فى لجم تحركات الجماعات المسلحة التى تتخذ من الأراضى الأفغانية ملاذًا آمنًا. كما أن بعض تلك الجماعات تستغل الخطاب المناهض للتدخلات الأجنبية فى البلاد، وتستثمر فى حالة الاستياء الشعبى المحلى تجاه بعض مشروعات CPEC، التى يعتبرها البعض تهميشًا للمجتمعات المحلية. هذه الديناميكيات الداخلية المعقدة تجعل من محاربة الإرهاب فى باكستان معركة طويلة الأمد، تتطلب شراكات أمنية أوسع، لا سيما مع قوى دولية لها مصالح مباشرة مثل الصين.
ما الذى يمكن أن تقدمه الصين؟
لم تكن الصين تقليديًا لاعبًا نشطًا فى الشئون الأمنية خارج حدودها، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا تدريجيًا فى عقيدتها الأمنية، خاصة فى ضوء توسع استثماراتها الخارجية عبر مبادرة «الحزام والطريق».
وتعد باكستان من أهم حلفاء الصين، وأكثرهم اعتمادًا على الدعم الاقتصادى والأمنى الصينى، مما يبرر اهتمام بكين المتزايد بدعم الجهود الباكستانية لمكافحة الإرهاب.
تقدم الصين دعمًا استخباراتيًا متطورًا، وقد زادت من مستوى التنسيق الأمنى مع باكستان عبر آلية «الاجتماع المشترك لمكافحة الإرهاب»، الذى يُعقد دوريًا بين وزارتى الدفاع والداخلية فى البلدين.
كما ساعدت بكين فى توفير تكنولوجيا متقدمة للمراقبة الجوية والبرية، تشمل طائرات مسيرة وأنظمة مراقبة إلكترونية عالية الدقة، جرى استخدامها فى مناطق القبائل وبلوشستان.
وتشير تقارير غير معلنة إلى أن الصين قد خصصت ميزانية خاصة لدعم العمليات الأمنية حول مشروعات CPEC، فضلًا عن قيامها بتدريب وحدات خاصة من الشرطة الباكستانية، تعرف باسم «قوة الحماية الخاصة»، والتى تتولى تأمين المشاريع الصينية والعاملين فيها. كما تسعى بكين إلى تعزيز التعاون الثلاثى مع باكستان وأفغانستان لتضييق الخناق على الجماعات العابرة للحدود.
جدير بالذكر أن الصين تمتلك خبرة قوية فى محاربة الحركات الانفصالية داخل حدودها، خاصة فى إقليم شينجيانغ، وقد طورت نموذجًا متكاملًا فى التعامل مع التهديدات الداخلية، يجمع بين الوسائل الأمنية الصارمة والتكنولوجيا والرقابة المجتمعية.
وتسعى بعض الدوائر الأمنية الباكستانية للاستفادة من هذه التجربة، خاصة فى مناطق التوتر كبلوشستان.
أمن CPEC أولوية استراتيجية
يشكل مشروع الممر الاقتصادى الصيني-الباكستانى (CPEC) حجر الزاوية فى العلاقات بين البلدين. ويمتد هذا المشروع من إقليم شينجيانغ الصينى شمالًا، حتى ميناء غوادر الباكستانى جنوبًا، متضمنًا استثمارات تزيد عن ٦٢ مليار دولار فى البنية التحتية والطاقة والنقل.
تدرك باكستان أن تحقيق الاستقرار الأمنى هو شرط أساسى لجنى ثمار هذا المشروع، لا سيما أن الجماعات المسلحة أصبحت تركز فى عملياتها على استهداف مشروعات CPEC، فى محاولة لتعطيلها وكسب اهتمام إعلامى ودولى.
وقد شهد العامان الأخيران استهداف عدد من المهندسين والعاملين الصينيين، ما دفع بكين إلى توجيه تحذيرات صارمة لإسلام آباد بضرورة تأمين هذه المشاريع.
وتعتبر الصين أن حماية CPEC لا تخدم فقط المصالح الباكستانية، بل هى قضية أمن قومى بالنسبة لها، لأن الممر يمثل أحد أهم منافذها إلى المحيط الهندى، ويقلص اعتمادها على الممرات البحرية التقليدية المعرضة للتهديد الأمريكى.
ولذلك، فإن بكين مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى لحماية هذا الاستثمار، بما فى ذلك الضغط لتغيير السياسات الباكستانية تجاه الجماعات المسلحة، أو التدخل المباشر عبر أدواتها الاستخباراتية.
وتفكر باكستان من جانبها فى تخصيص وحدات عسكرية مستقلة لحماية الممر الاقتصادى، كما تسعى للحصول على دعم مالى وتقنى من الصين لتعزيز قدراتها على مراقبة وتأمين خطوط الإمداد، خاصة فى المناطق الصحراوية والجبال الوعرة التى يسهل استخدامها كملاذات آمنة للمسلحين.
تعاون ثلاثى مرتقب
من أبرز النقاط التى ظهرت مؤخرًا فى النقاشات الأمنية بين الصين وباكستان، هو الدفع نحو إنشاء آلية ثلاثية مع أفغانستان لمواجهة التهديدات العابرة للحدود.
تدرك بكين أن تجاهل الوضع الأمنى فى أفغانستان يعنى بقاء خاصرتها الغربية مكشوفة، وأن استقرار باكستان لن يتحقق بالكامل إلا بضبط الحدود بين البلدين.
وقد عُقدت عدة اجتماعات ثلاثية على مستوى وزراء الخارجية خلال العامين الماضيين، وأُطلقت مبادرات لبناء الثقة وتبادل المعلومات الأمنية.
وتطمح الصين لأن تساهم هذه الآلية فى استقرار المناطق الحدودية، خاصة أن لطالبان بعض النفوذ على الجماعات المسلحة الباكستانية، وقد تمارس ضغوطًا لضبط سلوكها، مقابل حوافز اقتصادية أو دبلوماسية من بكين.
غير أن مستقبل هذا التعاون يظل مرهونًا بعدة عوامل، منها قدرة طالبان على ضبط الأمن الداخلى، ومدى تجاوبها مع الشروط الصينية، فضلًا عن مدى قدرة باكستان على التنسيق الفعّال فى الملفات الاستخباراتية الحساسة.
لكن على المدى الطويل، فإن التعاون الثلاثى قد يشكل ركيزة لاستراتيجية أمنية إقليمية أكثر شمولًا.
دلالات التوقيت ورسائل إقليمية
تحمل زيارة رئيس الأركان الباكستانى إلى بكين دلالات متعددة فى توقيتها ومضمونها. فهى تأتى فى وقت تواجه فيه باكستان تحديات أمنية متزايدة على جبهتها الغربية، خاصة بعد تصاعد الهجمات فى إقليمى بلوشستان وخيبر بختونخوا، إلى جانب التوترات المتكررة على الحدود مع أفغانستان.
فى المقابل، تتصاعد التنافسات الإقليمية فى منطقة آسيا الوسطى والمحيط الهندى، حيث تسعى القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والهند، إلى تعزيز نفوذها فى مواجهة الصين.
ومن هنا، فإن تكثيف التنسيق الأمنى بين بكين وإسلام آباد يُعد رسالة واضحة بأن البلدين يعتزمان الدفاع عن مصالحهما المشتركة فى وجه أى تهديدات محتملة.
ويرى مراقبون أن باكستان، من خلال هذه الزيارة، تبعث برسالة طمأنة إلى بكين مفادها أنها لن تسمح بتهديد المصالح الصينية على أراضيها، فى ظل تصاعد استهداف المشاريع الصينية من قبل جماعات انفصالية ومسلحة.
فى المقابل، تعيد الصين التأكيد على دعمها الثابت لباكستان، ليس فقط على الصعيد الأمنى، بل فى جميع المحافل الإقليمية والدولية.
توازن استراتيجى فى بيئة متغيرة
الزيارة تمثل أيضًا تأكيدًا على استراتيجية باكستان فى الحفاظ على توازن دقيق فى علاقاتها مع القوى الكبرى، إذ ترى إسلام آباد أن علاقتها مع بكين لا تتعارض مع انفتاحها على قوى أخرى مثل الولايات المتحدة ودول الخليج.
ومع ذلك، فإن عمق التعاون العسكرى مع الصين، والاستمرار فى التنسيق الأمنى رفيع المستوى، يعكس إدراكًا باكستانيًا لأهمية الاعتماد على شريك موثوق فى بيئة إقليمية غير مستقرة.
وفى ضوء هذه التطورات، يبدو أن التحالف الباكستانى الصينى يشهد مرحلة جديدة من التبلور، لا تقتصر فقط على الدعم السياسى أو المشاريع الاقتصادية، بل تتوسع لتشمل التعاون الدفاعى والتنسيق الاستراتيجى، فى مواجهة تهديدات لا تفرق بين حدود الجغرافيا وأيديولوجيات الأطراف.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 2 أيام
- البوابة
باكستان والصين.. تحالف دفاعى لمواجهة الإرهاب وتحديات الإقليم
فى ظل تزايد العمليات الإرهابية فى باكستان، وتنامى التهديدات التى تواجه مشروع الممر الاقتصادى الصيني-الباكستانى (CPEC)، تتعزز الحاجة إلى تعاون استراتيجى أكثر عمقًا بين بكين وإسلام آباد فى مجال مكافحة الإرهاب. هذا التعاون لم يعد خيارًا تكتيكيًا، بل تحول إلى ضرورة تفرضها الجغرافيا، وتشكلها المصالح المشتركة، وتقودها التحديات المتصاعدة التى تضرب استقرار باكستان وتهدد الاستثمارات الصينية الهائلة فى البلاد. الأمن الإقليمى فى الصدارة خلال الزيارة، عقد رئيس أركان الجيش الباكستانى اجتماعات مكثفة مع عدد من كبار المسئولين الصينيين، من بينهم نائب الرئيس هان تشنغ ووزير الخارجية وانغ يى. وركزت هذه اللقاءات على جملة من القضايا الاستراتيجية، فى مقدمتها الأمن الإقليمى والديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة فى جنوب ووسط آسيا، إضافة إلى التعاون المتنامى ضمن مشروع الممر الاقتصادى الصيني-الباكستانى (CPEC)، الذى يُعد ركيزة اقتصادية أساسية فى العلاقات بين البلدين. وفى بيان مشترك، أعرب الجانبان عن «ارتياحهما العميق لوتيرة ومستوى التعاون الثنائي»، مؤكدين التزامهما بمبادئ السيادة المتساوية، والشراكة الاستراتيجية الشاملة، والتنسيق فى المحافل الإقليمية والدولية، لا سيما فى ظل بيئة أمنية تتسم بعدم الاستقرار فى آسيا الوسطى وأفغانستان. تصاعد مقلق للإرهاب.. تهديد متعدد الأبعاد شهدت باكستان فى السنوات الأخيرة موجات متكررة من العمليات الإرهابية، تصاعدت بشكل لافت منذ استيلاء طالبان على الحكم فى أفغانستان عام ٢٠٢١. وبحسب تقارير معهد الدراسات الأمنية فى إسلام آباد، فقد زادت وتيرة الهجمات بنسبة ٦٠٪ خلال عام ٢٠٢٣، وشهد عام ٢٠٢٤ معدلات مروعة فى عدد الضحايا، خصوصًا فى إقليم خيبر بختونخوا وبلوشستان. وتتنوع خلفيات الجماعات المنفذة لتلك الهجمات، بين حركة طالبان الباكستانية (TTP)، وتنظيم «داعش-خراسان»، والانفصاليين فى بلوشستان، والذين ركزوا بشكل متزايد على استهداف العمال والمشروعات الصينية. هذه التهديدات الإرهابية لا تنبع فقط من دوافع أيديولوجية، بل تحركها عوامل إقليمية معقدة، منها هشاشة الوضع الأمنى فى المناطق الحدودية مع أفغانستان، وتراخى الحكومة الأفغانية فى لجم تحركات الجماعات المسلحة التى تتخذ من الأراضى الأفغانية ملاذًا آمنًا. كما أن بعض تلك الجماعات تستغل الخطاب المناهض للتدخلات الأجنبية فى البلاد، وتستثمر فى حالة الاستياء الشعبى المحلى تجاه بعض مشروعات CPEC، التى يعتبرها البعض تهميشًا للمجتمعات المحلية. هذه الديناميكيات الداخلية المعقدة تجعل من محاربة الإرهاب فى باكستان معركة طويلة الأمد، تتطلب شراكات أمنية أوسع، لا سيما مع قوى دولية لها مصالح مباشرة مثل الصين. ما الذى يمكن أن تقدمه الصين؟ لم تكن الصين تقليديًا لاعبًا نشطًا فى الشئون الأمنية خارج حدودها، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا تدريجيًا فى عقيدتها الأمنية، خاصة فى ضوء توسع استثماراتها الخارجية عبر مبادرة «الحزام والطريق». وتعد باكستان من أهم حلفاء الصين، وأكثرهم اعتمادًا على الدعم الاقتصادى والأمنى الصينى، مما يبرر اهتمام بكين المتزايد بدعم الجهود الباكستانية لمكافحة الإرهاب. تقدم الصين دعمًا استخباراتيًا متطورًا، وقد زادت من مستوى التنسيق الأمنى مع باكستان عبر آلية «الاجتماع المشترك لمكافحة الإرهاب»، الذى يُعقد دوريًا بين وزارتى الدفاع والداخلية فى البلدين. كما ساعدت بكين فى توفير تكنولوجيا متقدمة للمراقبة الجوية والبرية، تشمل طائرات مسيرة وأنظمة مراقبة إلكترونية عالية الدقة، جرى استخدامها فى مناطق القبائل وبلوشستان. وتشير تقارير غير معلنة إلى أن الصين قد خصصت ميزانية خاصة لدعم العمليات الأمنية حول مشروعات CPEC، فضلًا عن قيامها بتدريب وحدات خاصة من الشرطة الباكستانية، تعرف باسم «قوة الحماية الخاصة»، والتى تتولى تأمين المشاريع الصينية والعاملين فيها. كما تسعى بكين إلى تعزيز التعاون الثلاثى مع باكستان وأفغانستان لتضييق الخناق على الجماعات العابرة للحدود. جدير بالذكر أن الصين تمتلك خبرة قوية فى محاربة الحركات الانفصالية داخل حدودها، خاصة فى إقليم شينجيانغ، وقد طورت نموذجًا متكاملًا فى التعامل مع التهديدات الداخلية، يجمع بين الوسائل الأمنية الصارمة والتكنولوجيا والرقابة المجتمعية. وتسعى بعض الدوائر الأمنية الباكستانية للاستفادة من هذه التجربة، خاصة فى مناطق التوتر كبلوشستان. أمن CPEC أولوية استراتيجية يشكل مشروع الممر الاقتصادى الصيني-الباكستانى (CPEC) حجر الزاوية فى العلاقات بين البلدين. ويمتد هذا المشروع من إقليم شينجيانغ الصينى شمالًا، حتى ميناء غوادر الباكستانى جنوبًا، متضمنًا استثمارات تزيد عن ٦٢ مليار دولار فى البنية التحتية والطاقة والنقل. تدرك باكستان أن تحقيق الاستقرار الأمنى هو شرط أساسى لجنى ثمار هذا المشروع، لا سيما أن الجماعات المسلحة أصبحت تركز فى عملياتها على استهداف مشروعات CPEC، فى محاولة لتعطيلها وكسب اهتمام إعلامى ودولى. وقد شهد العامان الأخيران استهداف عدد من المهندسين والعاملين الصينيين، ما دفع بكين إلى توجيه تحذيرات صارمة لإسلام آباد بضرورة تأمين هذه المشاريع. وتعتبر الصين أن حماية CPEC لا تخدم فقط المصالح الباكستانية، بل هى قضية أمن قومى بالنسبة لها، لأن الممر يمثل أحد أهم منافذها إلى المحيط الهندى، ويقلص اعتمادها على الممرات البحرية التقليدية المعرضة للتهديد الأمريكى. ولذلك، فإن بكين مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى لحماية هذا الاستثمار، بما فى ذلك الضغط لتغيير السياسات الباكستانية تجاه الجماعات المسلحة، أو التدخل المباشر عبر أدواتها الاستخباراتية. وتفكر باكستان من جانبها فى تخصيص وحدات عسكرية مستقلة لحماية الممر الاقتصادى، كما تسعى للحصول على دعم مالى وتقنى من الصين لتعزيز قدراتها على مراقبة وتأمين خطوط الإمداد، خاصة فى المناطق الصحراوية والجبال الوعرة التى يسهل استخدامها كملاذات آمنة للمسلحين. تعاون ثلاثى مرتقب من أبرز النقاط التى ظهرت مؤخرًا فى النقاشات الأمنية بين الصين وباكستان، هو الدفع نحو إنشاء آلية ثلاثية مع أفغانستان لمواجهة التهديدات العابرة للحدود. تدرك بكين أن تجاهل الوضع الأمنى فى أفغانستان يعنى بقاء خاصرتها الغربية مكشوفة، وأن استقرار باكستان لن يتحقق بالكامل إلا بضبط الحدود بين البلدين. وقد عُقدت عدة اجتماعات ثلاثية على مستوى وزراء الخارجية خلال العامين الماضيين، وأُطلقت مبادرات لبناء الثقة وتبادل المعلومات الأمنية. وتطمح الصين لأن تساهم هذه الآلية فى استقرار المناطق الحدودية، خاصة أن لطالبان بعض النفوذ على الجماعات المسلحة الباكستانية، وقد تمارس ضغوطًا لضبط سلوكها، مقابل حوافز اقتصادية أو دبلوماسية من بكين. غير أن مستقبل هذا التعاون يظل مرهونًا بعدة عوامل، منها قدرة طالبان على ضبط الأمن الداخلى، ومدى تجاوبها مع الشروط الصينية، فضلًا عن مدى قدرة باكستان على التنسيق الفعّال فى الملفات الاستخباراتية الحساسة. لكن على المدى الطويل، فإن التعاون الثلاثى قد يشكل ركيزة لاستراتيجية أمنية إقليمية أكثر شمولًا. دلالات التوقيت ورسائل إقليمية تحمل زيارة رئيس الأركان الباكستانى إلى بكين دلالات متعددة فى توقيتها ومضمونها. فهى تأتى فى وقت تواجه فيه باكستان تحديات أمنية متزايدة على جبهتها الغربية، خاصة بعد تصاعد الهجمات فى إقليمى بلوشستان وخيبر بختونخوا، إلى جانب التوترات المتكررة على الحدود مع أفغانستان. فى المقابل، تتصاعد التنافسات الإقليمية فى منطقة آسيا الوسطى والمحيط الهندى، حيث تسعى القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والهند، إلى تعزيز نفوذها فى مواجهة الصين. ومن هنا، فإن تكثيف التنسيق الأمنى بين بكين وإسلام آباد يُعد رسالة واضحة بأن البلدين يعتزمان الدفاع عن مصالحهما المشتركة فى وجه أى تهديدات محتملة. ويرى مراقبون أن باكستان، من خلال هذه الزيارة، تبعث برسالة طمأنة إلى بكين مفادها أنها لن تسمح بتهديد المصالح الصينية على أراضيها، فى ظل تصاعد استهداف المشاريع الصينية من قبل جماعات انفصالية ومسلحة. فى المقابل، تعيد الصين التأكيد على دعمها الثابت لباكستان، ليس فقط على الصعيد الأمنى، بل فى جميع المحافل الإقليمية والدولية. توازن استراتيجى فى بيئة متغيرة الزيارة تمثل أيضًا تأكيدًا على استراتيجية باكستان فى الحفاظ على توازن دقيق فى علاقاتها مع القوى الكبرى، إذ ترى إسلام آباد أن علاقتها مع بكين لا تتعارض مع انفتاحها على قوى أخرى مثل الولايات المتحدة ودول الخليج. ومع ذلك، فإن عمق التعاون العسكرى مع الصين، والاستمرار فى التنسيق الأمنى رفيع المستوى، يعكس إدراكًا باكستانيًا لأهمية الاعتماد على شريك موثوق فى بيئة إقليمية غير مستقرة. وفى ضوء هذه التطورات، يبدو أن التحالف الباكستانى الصينى يشهد مرحلة جديدة من التبلور، لا تقتصر فقط على الدعم السياسى أو المشاريع الاقتصادية، بل تتوسع لتشمل التعاون الدفاعى والتنسيق الاستراتيجى، فى مواجهة تهديدات لا تفرق بين حدود الجغرافيا وأيديولوجيات الأطراف.


صحيفة الخليج
منذ 5 أيام
- صحيفة الخليج
الأمم المتحدة: طالبان ترتكب «انتهاكات لحقوق الإنسان» بحق الأفغان العائدين
كابول-أ ف ب أفاد تقرير للأمم المتحدة نشر الخميس بأن سلطات طالبان ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان تشمل عمليات تعذيب واحتجازا تعسفيا بحق أفغان أجبرتهم إيران وباكستان على العودة إلى بلدهم. وقالت الأمم المتحدة في بيان مصاحب للتقرير «كان الأشخاص العائدون إلى البلاد، خصوصا الذين كانوا معرضين لخطر الانتقام وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان من سلطات طالبان، نساء وفتيات وأفرادا مرتبطين بالحكومة السابقة وقواتها الأمنية، وعاملين في وسائل الإعلام ومن المجتمع المدني». وأضافت «شملت هذه الانتهاكات عمليات تعذيب وسوء معاملة واعتقال واحتجاز تعسفي وتهديدات للسلامة الشخصية».


صحيفة الخليج
منذ 6 أيام
- صحيفة الخليج
لافروف يبحث مع نظيره الأفغاني مكافحة الإرهاب
قالت وزارة الخارجية الروسية: إن الوزير سيرجي لافروف أجرى اتصالاً هاتفياً الأربعاء، مع القائم بأعمال وزير الخارجية في حكومة حركة «طالبان» الأفغانية أمير خان متقي، لمناقشة مجموعة قضايا، من بينها التعاون الاقتصادي ومكافحة الإرهاب. وأصبحت روسيا هذا الشهر أول دولة تعترف بحكومة «طالبان» في أفغانستان. وسيطرت الحركة على السلطة في أغسطس/ آب 2021 مع انسحاب القوات التي تقودها الولايات المتحدة بشكل فوضوي من البلاد. وذكرت الوزارة في بيان أن لافروف ومتقي «أكدا على اهتمامهما المتبادل بزيادة التعاون بين البلدين في المجالات التجارية والاقتصادية والإنسانية، وتعزيز أمن المنطقة بطرق تشمل مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات».