
مآسي مخيم طولكرم ورحلة المفاتيح
في البداية كان الأمر مداهمات، اعتقالات متكررة، إنذارًا بالدخول إلى المخيم؛ ليوم، يومين، ثلاثة.. من غير المنطقي فرض حظر تجوال داخل المخيم، وإخلاء السكان من منازلهم في ساعات متأخرة من الليل! مع أن الأمر ليس عاديًا، فإنهم صبروا.
تشتد الاشتباكات، وبمجرد أن تتعالى الأصوات في المئذنة صباحًا نزف إليكم خبر استشهاد شاب.. لا، إن العدد أكبر من ذلك بكثير.
الغريب في الأمر أننا نتحدث هنا عن مخيم طولكرم، وهو أحد مخيمات مدينة طولكرم، حيث كان أغلب سكانه قبل الحرب يعملون داخل الخط الأخضر بأجور تكفل لهم حياة كريمة.
يظل السؤال معلقًا: ما الذي يدفع شبابًا كهؤلاء منخرطين في العمل إلى أن يختاروا طريق الفداء؟
عليك أن تجمع ثيابك وثلاجتك وملابسك، وتضعها داخل كيس بلاستيكي خلال لحظات، تضع الذكريات.. في غضون لحظات يسقط المنزل على الأرض قطعًا من الخراب
مصادرة الحق
هي مصادرة الحق.. علمت أن نداء الوطن فوق أي نداء؛ إذ لا يمكنك أن تسلب أرضًا وتهجر سكانها، ثم تروّضهم لخدمتك ظنًا منك أنهم عاجزون؛ فالوطن يعني لهم الكثير! أحيانًا تغدو مصادرة الحق في العيش كأي شعب من الشعوب، أمرًا مفروغًا منه، يتلذذ الغريب بإنزال أقصى العقوبات على الحجارة والحيوان، فكيف الإنسان؟
قيل عنه إنه محطة انتظار، بيد أن تلك المحطة دُمرت.. ترى، ما ذنب الطفل والطفلة، والشجر والورقة، حتى يكابدوا عناء التنقل من مكان إلى آخر، مع خسارة المنازل والعمل؟ وحتى إن وجد العمل فهو بأجور متدنية، بالكاد تكفي لدفع إيجار المنزل، أو شراء القليل.
يتقاسم الإخوة الشجار حتى يسود الألم كليهما، كما هو الحال في مخيم نور شمس في مدينة طولكرم، الذي هُدمت أغلب منازله وتُرك ساكنوه بلا مأوى، فاضطر بعضهم لافتراش الأرض، والمضحك أن أصحاب المنازل هم آخر من يتم تبليغهم، إذ لا يملكون سلطة الرفض أو التعبير، كحال كثيرين ممن أثقلت كاهلهم الحياة.
عليك أن تجمع ثيابك وثلاجتك وملابسك، وتضعها داخل كيس بلاستيكي خلال لحظات، تضع الذكريات.. في غضون لحظات يسقط المنزل على الأرض قطعًا من الخراب.
تروي (س)، امرأة في الخمسين من عمرها: "فقد ابني القدرة على المشي بعد سماع أصوات التفجير داخل المخيم، وضع ابني خاص فهو من ذوي الهمم، بالكاد يكون تكيفه مع الأوضاع العادية مقبولًا، فكيف وأصوات إطلاق النار والتفجير من كل جانب؟ نطالع على الجهة المقابلة للمخيم، فيظهر الدخان من بعيد، وتُسقط المنازل أحمالها بعدما كانت ملاذًا لأهلها.
خرجت (ص) واضعة مفتاح المنزل في العنق، ويبقى السؤال: هل ستقوى تلك الحاجة على حمل مفتاح ثالث؟
وتضيف (س): "كنا -نحن ونساء الحي- نتقاسم الخبز مناصفة، ونمرره خلسة خوفًا من الإصابة بعيار ناري، لم نكن نتوقع أن نخرج من المخيم دون عودة، ليس من السهل أن تبدأ من جديد، بمنزل، وأثاث، وحياة مغايرة".
تقول (ص): "عندما غادرت المخيم حملت معي حقيبتي فقط، وبعضًا من الملابس. لم أكن أعلم بالخراب الذي سيعم، ولو لم يخرجوني بالإكراه ما خرجت، كابدنا عناء الشوارع المدمرة داخل المخيمات، وانقطاع المياه، وشح الموارد، لكن ما باليد حيلة".
كثيرات من أمثالهما، ممن فقدن منازلهن، عندما تم سؤالهن قلن: "لا نريد حمل صندوق مساعدات فيه مواد تموينية، ولا منازل بديلة، لا صندوق إغاثة يفرض علينا لجوءًا ثالثًا، نريد العودة إلى المخيم".
(ص) حاجة ستينية سكنت في المخيم، هُجّرت كثيرًا قبل أن تستقر في المخيم طويلًا، حين سُئلت عما تريد أجابت قائلة: "لا أريد سوى العودة إلى المنزل، وارتشاف فنجان من القهوة الساخن مع الجيران والأبناء".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
إسرائيل تستهدف صيادين حاولوا دخول بحر غزة
أطلقت الزوارق الحربية الإسرائيلية النار بشكل مباشر تجاه مراكب الصيادين الفلسطينيين في عرض بحر مدينة غزة ، قبل أن تحاصرهم وتعتقل عددا منهم. ووفقا لشهود عيان، وقع الحادث أمس السبت بينما كان الصيادون يحاولون ممارسة مهنتهم لتأمين الطعام لهم ولعائلاتهم، في ظل المجاعة المتفاقمة التي تعصف بالقطاع منذ عدة أشهر. واضطر كثير من السكان مؤخرًا إلى التوجه نحو البحر بحثًا عن مصادر بديلة للغذاء. ووثّق الشهود مشاهد تظهر لحظات اقتراب الزوارق الحربية من مراكب الصيادين، حيث أطلقت النار بكثافة لترهيبهم، قبل أن تقوم بمحاصرتهم واعتقال عدد منهم. واليوم، لم يعد بمقدور الفلسطينيين توفير الحد الأدنى من مقومات البقاء، حيث فقد غالبيتهم الدقيق اللازم لصناعة الخبز، بينما ترتفع أسعار الكميات القليلة المتوفرة منه في السوق السوداء، بشكل لا يمكن الفلسطينيين المجوعين الحصول عليه. ومنذ الثاني من مارس/آذار 2025، تغلق إسرائيل جميع المعابر مع القطاع وتمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، مما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع. ويمنع الجيش الإسرائيلي الصيد في مياه غزة، ويستهدف بالرصاص أو الاعتقال من يحاول النزول للبحر، رغم أن الصيد بات وسيلة شبه وحيدة للحصول على الغذاء في ظل الانهيار الإنساني الواسع. ورغم التحذيرات والمخاطر، لا يزال بعض الصيادين يخوضون البحر لمسافات قصيرة لا تتجاوز أمتارًا معدودة، في محاولات محفوفة بالخطر والموت، لتأمين الحد الأدنى من الغذاء لعائلاتهم. كما شكل البحر على مدار أشهر الإبادة متنفسا وحيدا لفلسطيني قطاع غزة، حيث لجؤوا إليه خاصة في أوقات ارتفاع درجات الحرارة. إعلان والسبت الماضي، توعد الجيش الإسرائيلي بالتعامل مع أي انتهاك للقيود المفروضة على المنطقة البحرية المحاذية للقطاع. وقال متحدث الجيش أفيخاي أدرعي في بيان: "نذكركم أنه فرضت قيود أمنية صارمة في المنطقة البحرية المحاذية للقطاع حيث يحظر الدخول إلى البحر، وقوات جيش الدفاع ستتعامل مع أي انتهاك لتلك القيود". والجمعة، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إن عدد الأطفال الذين استشهدوا بسبب سوء التغذية ارتفع إلى 69 طفلا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وأضاف أن عدد الوفيات في صفوف الفلسطينيين بسبب نقص الغذاء والدواء ارتفع أيضا إلى 620 شخصا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
التطورات في سوريا مباشر.. توقف الاشتباكات في السويداء وإسعاف أكثر من ألف شخص
أعلنت وزارة الداخلية السورية أنه تم إيقاف الاشتباكات داخل مدينة السويداء وإخلاء أحيائها من مقاتلي العشائر. وذلك تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
لهذه الأسباب تبدو الهدنة في غزة قريبة جدا
يبدو أن التوصل لهدنة في غزة أصبح مرهونا برد الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على الخرائط المُحدَثة التي قدمها الوسطاء لانسحاب قوات الاحتلال من القطاع خلال وقف إطلاق النار ، بل إن وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت عن مفاوضات هي الأولى من نوعها لإنهاء الحرب. ففي الوقت الذي تتواصل فيه المفاوضات في الدوحة لحسم النقاط الخلافية بين الجانبين بشأن الخرائط الجديدة لانسحاب قوات الاحتلال، نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر أن إسرائيل تجري لأول مرة محادثات مع حماس تتناول إنهاء الحرب. وقد جاء هذا التطور بعد حديث صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل تدرس إرسال وفد آخر رفيع إلى العاصمة القطرية بهدف تسريع المحادثات. وعلى مدار 20 شهرا، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – مرارا وتكرارا رفضه أي حديث عن إنهاء الحرب دون القضاء على حماس سياسيا وعسكريا وجعل غزة منطقة منزوعة السلاح. ويجري الحديث حاليا عن خرائط قدمها الوسطاء وآلية جديدة لتبادل الأسرى تشمل إطلاق سراح 10 أحياء في أول يومين للهدنة. ووفقا ليديعوت أحرونوت، فإن تسريع المحادثات مرهون بقبول حماس ما أسمتها الصحيفة الإسرائيلية "مفاتيح التبادل". تقدم ملموس وهذه هي المرة الأولى التي ينتقل فيها الحديث من خرائط انسحاب قوات الاحتلال إلى آليات تبادل الأسرى، مما يعني ضمنيا وجود تقدم على الأرض. ويعود هذا التحول الجذري في موقف نتنياهو -غالبا- إلى حالة الاستنزاف التي دخلتها إسرائيل دون وجود هدف سياسي، لا سيما في ظل صعوبة تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين من الناحية التنفيذية، كما يقول الخبير بالشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى. فقد رجح مصطفى -خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"- أن يكون التوصل لهدنة مسألة وقت "لأن نتنياهو لم يعد قادرا على تبرير إفشال المفاوضات هذه المرة، فضلا عن أنه لن يكون قادرا على تحمل تداعيات مواصلة الحرب مع إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية". والأهم من ذلك أن هذه الفرصة الأخيرة على الأرجح لاستعادة الأسرى أحياء، ومن ثم فإن الإسرائيليين مستعدون لدفع أي ثمن واعتبار نتنياهو منتصرا في هذه الحرب. ولذلك، قد تطيل إسرائيل هذه المفاوضات عبر المماطلة ووضع مزيد من الشروط التي تعرف أنها لن تقبل، لكنها ستذهب للاتفاق نهاية المطاف، سيما وأنها أصبحت عبئا أخلاقيا على العالم بسبب تجويعها للمدنيين في القطاع الفلسطيني. قبول الخرائط يعني الاتفاق ومن الناحية العملية، تبدو خرائط الانسحاب النقطة الأساسية التي يختلف بشأنها الجانبان حاليا، ويمكن القول إن مسألة المساعدات ستجد طريقها إلى الحل بعدما فشلت إسرائيل تماما في القيام بها، كما يقول المسؤول السابق بالخارجية الأميركية توماس واريك. ولعل وجود عزم على إنهاء مسألة الخرائط وربما جسر الهوة بشأنها فعلا هو الذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحديث مجددا عن تفاؤله بقرب التوصل لاتفاق. ولكن الأكثر أهمية وتعقيدا -برأي واريك- هو مستقبل قطاع غزة ومن الذي سيحكمه لأن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تريدان لحماس الاستفادة من المساعدات خلال الهدنة ولا من عملية إعادة الإعمار مستقبلا. وقد تدخل المفاوضات مرحلة أكثر جدية في حال وافقت إسرائيل على الخرائط الجديدة التي تشمل الانسحاب من محور موراغ الذي استحدثته جنوب القطاع، بعدما قبلت المقاومة بتسليم 10 أسرى في أول يومين للهدنة، كما يقول المحلل السياسي أحمد الطناني. وتحمل هذه المرونة -التي قدمتها المقاومة بشأن تسليم الأسرى الذين سيفرج عن 8 منهم أول أيام الصفقة- مخاطرة كبيرة لكنها جاءت مدفوعة بالرغبة في الحد من معاناة السكان، كما يقول الطناني. ولا يقف الخلاف بشأن الخرائط على المساحات التي سيجري الانسحاب منها وإنما بشأن قدرة الناس على العودة لبيوتهم حتى لو كانت مدمرة، وأيضا حصولهم على المساعدات بكرامة ودون قتل. وحتى الآن، لم تقبل فصائل المقاومة بالخرائط الجديدة أيضا لأن الجناح العسكري الذي يقاتل على الأرض سيكون له رأي فيها، غير أن قبول إسرائيل بها قد يمهد الطريق أمام الاتفاق.