logo
باريس.. وتقرير الإخوان المسلمين

باريس.. وتقرير الإخوان المسلمين

جريدة الوطنمنذ يوم واحد

لا حديث في باريس منذ صدور التقرير الأمني الذي طلبته الحكومة إلا عن «الاختراق» أو «التسلل» وهو المصطلح الجديد الذي يعمل وزير الداخلية «روتايو» على فرضه على الساحة السياسية والإعلامية. يمثل التقرير الذي يخص جماعة الإخوان المسلمين جولة جديدة من جولات الهجوم على المسلمين في فرنسا باعتبارهم الحلقة الأضعف وشماعة كل الحملات الانتخابية.
بقطع النظر عن سطحية التقرير الذي يعكس جهلا فاضحا بتاريخ التنظيم والمنعطفات الفكرية والتنظيمية والسياسية التي عرفها فإن التوظيف السياسي والحزبي له ظاهر بشكل فاضح حتى إلى أبسط المراقبين والملاحظين. الكل يعلم أن الوزير الفرنسي قد بدأ حملته الانتخابية مبكرا عبر استعمال نفس الأوراق التي يستعملها اليمين المتطرف عادة لكن حزب الجمهوريين الذي انتخب مؤخرا وزير الداخلية زعيما له إنما يحاول سحب ورقة عداء الإسلاميين من خصمه اليميني.
أما مضامين التقرير فقد افتقرت إلى أبسط المعايير الموضوعية عندما خلصت إلى خلاصات تأويلية مثل كون التنظيم السري يحاول اختراق الجمهورية وفرض الشريعة بل وإقامة الخلافة وهي خلاصات جمعها الوزير الفرنسي في قوله إن التنظيم «تهديد للحمة الوطنية وقيم الجمهورية».
تراوحت ردود الأفعال الفرنسية بين السخرية من ضحالة التقرير وبين اتهام الوزير بالاستثمار في عداء المسلمين لأسباب وغايات حزبية ورأى آخرون أن موجة الإسلاموفوبيا التي تضرب فرنسا متزامنة مع الإبادة في غزة هي التي تشكل خطرا على الجمهورية وعلى وحدة الشعب الفرنسي. وهو الأمر الذي يفسر عجز التقرير على إحداث الهدف من كتابته وسقوطه مبكرا في دائرة الاستهجان والسخرية حتى على مواقع التواصل الاجتماعي.
رغم ذلك يحاول الوزير الفرنسي المواصلة في استثمار الحملة التي أطلقها عبر وعود بتفعيل حزمة من القوانيين الجديدة التي تستهدف المسلمين والمنظمات الإسلامية العاملة في فرنسا رغم سعيه إلى التنصل من تهمة عداء الإسلام والمسلمين. يبقى خطر استهداف الجالية المسلمة قائما خاصة بعد تصاعد جرائم الكراهية ضدهم كما حدث من خلال عملية اغتيال الشاب المالي «أبو بكر سيسي» داخل مسجد بأكثر من ستين طعنة غادرة.
هذا الخطر هو الذي يؤرق الجالية المسلمة في فرنسا وهي ترى يوميا حجم التشويه والاستهداف على المنابر الإعلامية لكنها رغم كل الهجومات تبقى جالية عاجزة عن تنظيم نفسها للردّ على الهجمات التي تستهدفها. لن تكون هذه الحملة الموجة الأخيرة في مسار شيطنة الإسلام والمسلمين لكنها تؤكد قبل كل شيء فشل السياسة الفرنسية في تحقيق الإخاء والعدالة التي تطالب بها قيم الجمهورية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

القسطل قرية فلسطينية دمرتها العصابات الصهيونية لتفتح الطريق إلى القدس
القسطل قرية فلسطينية دمرتها العصابات الصهيونية لتفتح الطريق إلى القدس

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

القسطل قرية فلسطينية دمرتها العصابات الصهيونية لتفتح الطريق إلى القدس

القسطل قرية فلسطينية مهجرة شكلت البوابة الغربية لمدينة القدس، وهي ذات موقع غير تاريخ النكبة الفلسطينية، إذ كان لها دور مهم بالتحديد في حرب عام 1948م، وكانت تقطع طريق الإمدادات والمعونات الإسرائيلية إلى القدس، وشكلت بذلك خطا حصينا للدفاع القوي عن المدينة من ناحية الغرب. وتم تدمير القرية ولم يبق منها سوى بيت واحد على التل، وتحولت إلى محمية طبيعية أطلق عليها اسم الموقع الوطني اليهودي (الكاستل). الموقع تتميز قرية القسطل بموقع إستراتيجي، إذ تتربع على قمة تل مرتفع يطل على مساحات شاسعة من الجهات الأربع، تقع على بُعد 10 كيلومترات إلى الغرب من مدينة القدس، وتشرف على طريق القدس – يافا الرئيسية المعبّدة من الجهة الجنوبية الغربية. وتقع الطريق المذكورة على ارتفاع 525 مترا عن سطح البحر، في حين ترتفع القسطل نحو 725-790 مترا. وكانت مساحتها المبنية تُقَدَر بنحو 5 دونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع) من مجمل مساحة أراضيها البالغة 1446 دونما. تحدها قرية بيت سوريك شمالا، وقرية بيت إكسا من الشمال الشرقي، وقرية قالونيا شرقا، وقرية عين كارم من الجنوب والجنوب الشرقي، وقرية صوبا من الجنوب الغربي، وقرية عين نقوبا غربا، وبيت نقوبا من الشمال الغربي. السكان بلغ عدد سكان القسطل عام 1922م نحو 43 نسمة، وزاد عام 1931م إلى 59 نسمة، كانوا يقيمون في 14 بيتا، وقدر عددهم بنحو 90 نسمة عام 1945م. إعلان كان لسكان القرية، ومعظمهم من المسلمين، مقام لوليّ محلي يدعى الشيخ كركي، وذلك في الطرف الغربي من القرية. قرية تاريخية تقع القسطل على بقعة مرتفعة، وعندما أنشئت اشتق اسمها من كلمة "كستلّوم" (castellum) اللاتينية، والتي كانت تشير إلى القلعة الرومانية القائمة في الموقع ضمن نظام حماية الطرق الرومانية، والذي كان يسهّل مراقبة القوافل والتحكم بالحركة إلى مدينة القدس. في العصر الأموي والعباسي، كانت تابعة إداريا للقدس واستخدمت محطة عسكرية تحيط بها أراض زراعية، فقد رمم القائمون عليها آنذاك الحصن الروماني وطوروه ليخدم الأغراض الدفاعية وأنشؤوا بجواره حركة زراعية منتجة. في العهد الأيوبي، وخصوصا في ولاية صلاح الدين الأيوبي، استُخدمت بعض الحصون والمواقع المرتفعة حول القدس -مثل القسطل- في إطار الجهود الدفاعية ضد الصليبيين. وفي الحروب الصليبية، أدرك المسيحيون أهمية الموقع فرمموا الحصن القديم وعززوا دفاعاته، لأنه يتحكم بطريق الإمداد نحو القدس، واستخدموه نقطة مراقبة عسكرية، وكذا لحماية القوافل الصليبية، وبعد انتصارات صلاح الدين، عادت القسطل للسيطرة الإسلامية. في أواخر القرن الـ19، كانت القسطل قائمة على قمة تل صخري، ويحيط بها من جهة الشرق عدد من الينابيع. وقد صنَّف معجم فلسطين الجغرافي المفهرَس -الذي وضعته حكومة الانتداب البريطاني – القسطل مزرعة، وامتدت الأبنية الأحدث عهدا على طول المنحدرات الشرقية لتلتف حول تل القسطل. يجري وادي قالونيا، وهو الجزء الأعلى من مجرى وادي الصرار، على مسافة كيلومترين إلى الشرق من القسطل، وفي طرفها الغربي يقع مقام الشيخ الكركي. بيوت القرية مبنية من الحجر، واتخذ البناء حول التلة شكلا دائريا أو شبه دائري. ورغم امتدادها العمراني على طول المنحدرات الشرقية لجبل القسطل، لم تتجاوز مساحتها عام 1945 خمسة دونمات، كما كانت شبه خالية من المرافق والخدمات العامة، وكانت معتمدة على مدينة القدس. إعلان يغطي المنحدرات الجنوبية الشمالية والشرقية لموقع القرية ركام المنازل وأنقاض المصاطب الحجرية، التي تكاد الأعشاب البرية تحجبها. أمّا أنقاض القلعة القديمة فلا تزال قائمة على قمة الجبل، كما أنشئ في الموقع ملجأ تحت الأرض جنوب غربي القلعة. وفي شمالي القلعة وشرقيها توجد الخنادق العسكرية، وتنبت أشجار الخروب والتين والزيتون على الطرفين الشمالي والغربي للموقع، بينما ينبت الصبّار في طرفه الجنوبي. الاقتصاد كان سكان القسطل يعتمدون على مدينة القدس المجاورة لتلبية معظم حاجاتهم، كما اعتمدوا على زراعة الحبوب البعلية والخضروات والثمار وأشجار الزيتون. وكانت أراضيهم الزراعية تتركز في شريط مستطيل يمتد إلى الجنوب الشرقي من القرية. في 1944 و1945، كان ما مجموعه 42 دونما مزروعة بالحبوب، و169 دونما مروية أو مستخدَمة للبساتين؛ منها 50 دونما من أشجار الزيتون. وقعت القسطل في قبضة الاحتلال قبل الشروع رسميا في عملية نحشون، وهي العمليّة الأولى من خطة التطهير العرقي للفلسطينييّن الّتي وضعتها قيادة منظمة الهاغاناه العسكرية الصهيونية، وعُرفت باسم " خطة دالت". وكان هدف عمليّة نَحْشون احتلال القرى الفلسطينيّة الواقعة على طرفي طريق يافا-القدس و"تطهيرها" من سكانها الفلسطينييّن، بما يضمن إمكان وصول قوات العصابات الصهيونية من السّاحل إلى القدس، وفي الوقت نفسه شقّ الجزء الأوسط من الـأراضي التي حددها "للدولة الفلسطينية" قرار تقسيم فلسطين. وفي يوم احتلال القرية ذهب القائد عبد القادر الحسيني إلى دمشق ليجتمع بقادة الدول العربية والعسكريين، وطلب منهم دعما عسكريا لاسترداد القسطل، فطلبوا منه أن يترك القدس ويدعهم هم يقاتلون ويدافعون عن المدينة. وعاد بدون أسلحة ولا عتاد، واندلعت المعارك في أبريل/نيسان 1948 في منطقة باب الواد، وبدأت بالاستيلاء على قرية بيت محسير وتوجت بالاستيلاء على القسطل ضمن عملية نحشون التي تهدف للاستيلاء والسيطرة على كافة القرى المقدسية الموجودة بجوار طريق الواد من أجل إزالة الخطر عن القوافل العسكرية الإسرائيلية لاحتلال القدس. وقد هاجمت العصابات الصهيونية قرية القسطل وسيطرت عليها بسبب نفاذ الذخيرة لدى المجاهدين الفلسطينيين، فشنت القوات العربية بقيادة عبد القادر الحسيني هجوما مضادا في السابع من أبريل/نيسان، ونجح الجيش العربي في تحرير القسطل واستشهد الحسيني في العملة في الثامن من أبريل/نيسان. وعندما خرج المقاتلون الفلسطينيون لتشييع جثمانه في اليوم الموالي لاستشهاده سيطرت العصابات الصهيونية من جديد على القرية لأهميتها الإستراتيجية، ولأنها تعلم أنها لن تستطيع حسم معركة القدس إلا بالسيطرة على القسطل. ولم يكتف اليهود بالسيطرة على القرية بل طوقوها بالآليات العسكرية لمنع الجيش العربي من الوصول إليها، وفجروا بيوتها لمنع السكان من العودة إليها. بعد الاحتلال وقيام دولة إسرائيل، تحولت القسطل، بما فيها أجزاء من القلعة، إلى مركز سياحي تابع للسلطات الإسرائيلية. وفي سنة 1951، أُنشئت مستعمرة معوز تسيون على أراضي القرية. وفي وقت لاحق ضُمت إلى مستعمرة مفسيرت يروشلايم، التي أُسست سنة 1956 على أراضي قالونيا، لتشكلا معا ضاحية القدس المعروفة باسم مفسيرت تسيون.

باريس.. وتقرير الإخوان المسلمين
باريس.. وتقرير الإخوان المسلمين

جريدة الوطن

timeمنذ يوم واحد

  • جريدة الوطن

باريس.. وتقرير الإخوان المسلمين

لا حديث في باريس منذ صدور التقرير الأمني الذي طلبته الحكومة إلا عن «الاختراق» أو «التسلل» وهو المصطلح الجديد الذي يعمل وزير الداخلية «روتايو» على فرضه على الساحة السياسية والإعلامية. يمثل التقرير الذي يخص جماعة الإخوان المسلمين جولة جديدة من جولات الهجوم على المسلمين في فرنسا باعتبارهم الحلقة الأضعف وشماعة كل الحملات الانتخابية. بقطع النظر عن سطحية التقرير الذي يعكس جهلا فاضحا بتاريخ التنظيم والمنعطفات الفكرية والتنظيمية والسياسية التي عرفها فإن التوظيف السياسي والحزبي له ظاهر بشكل فاضح حتى إلى أبسط المراقبين والملاحظين. الكل يعلم أن الوزير الفرنسي قد بدأ حملته الانتخابية مبكرا عبر استعمال نفس الأوراق التي يستعملها اليمين المتطرف عادة لكن حزب الجمهوريين الذي انتخب مؤخرا وزير الداخلية زعيما له إنما يحاول سحب ورقة عداء الإسلاميين من خصمه اليميني. أما مضامين التقرير فقد افتقرت إلى أبسط المعايير الموضوعية عندما خلصت إلى خلاصات تأويلية مثل كون التنظيم السري يحاول اختراق الجمهورية وفرض الشريعة بل وإقامة الخلافة وهي خلاصات جمعها الوزير الفرنسي في قوله إن التنظيم «تهديد للحمة الوطنية وقيم الجمهورية». تراوحت ردود الأفعال الفرنسية بين السخرية من ضحالة التقرير وبين اتهام الوزير بالاستثمار في عداء المسلمين لأسباب وغايات حزبية ورأى آخرون أن موجة الإسلاموفوبيا التي تضرب فرنسا متزامنة مع الإبادة في غزة هي التي تشكل خطرا على الجمهورية وعلى وحدة الشعب الفرنسي. وهو الأمر الذي يفسر عجز التقرير على إحداث الهدف من كتابته وسقوطه مبكرا في دائرة الاستهجان والسخرية حتى على مواقع التواصل الاجتماعي. رغم ذلك يحاول الوزير الفرنسي المواصلة في استثمار الحملة التي أطلقها عبر وعود بتفعيل حزمة من القوانيين الجديدة التي تستهدف المسلمين والمنظمات الإسلامية العاملة في فرنسا رغم سعيه إلى التنصل من تهمة عداء الإسلام والمسلمين. يبقى خطر استهداف الجالية المسلمة قائما خاصة بعد تصاعد جرائم الكراهية ضدهم كما حدث من خلال عملية اغتيال الشاب المالي «أبو بكر سيسي» داخل مسجد بأكثر من ستين طعنة غادرة. هذا الخطر هو الذي يؤرق الجالية المسلمة في فرنسا وهي ترى يوميا حجم التشويه والاستهداف على المنابر الإعلامية لكنها رغم كل الهجومات تبقى جالية عاجزة عن تنظيم نفسها للردّ على الهجمات التي تستهدفها. لن تكون هذه الحملة الموجة الأخيرة في مسار شيطنة الإسلام والمسلمين لكنها تؤكد قبل كل شيء فشل السياسة الفرنسية في تحقيق الإخاء والعدالة التي تطالب بها قيم الجمهورية.

المسلمون في فرنسا بين مبادئ العلمانية وسياسات التمييز
المسلمون في فرنسا بين مبادئ العلمانية وسياسات التمييز

الجزيرة

timeمنذ 4 أيام

  • الجزيرة

المسلمون في فرنسا بين مبادئ العلمانية وسياسات التمييز

منذ ستينيات القرن الـ20 أصبح الإسلام ثاني ديانة في فرنسا من حيث الانتشار السكاني، متقدما على البروتستانتية واليهودية. وينتشر المسلمون في الحواضر والأرياف الفرنسية، وأغلبهم ينحدرون من الطبقة العاملة الوافدة، خاصة من دول المغرب العربي. وتُشكل الجالية الجزائرية النسبة الأكبر (35%)، تليها المغربية (25%)، ثم التونسية (10%). كما تضم فرنسا مسلمين منحدرين من الدول الأفريقية التي استعمرتها سابقا مثل مالي و السنغال و النيجر وساحل العاج، إضافة إلى مهاجرين من المشرق العربي مثل سوريا و مصر و العراق و فلسطين ، فضلا عن أكثر من 360 ألف مسلم من أصول تركية. عوامل صعود الإسلام في فرنسا كشفت بيانات كل من معهد الدراسات الديموغرافية "إيناد" والمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية "إينسي"، ارتفاعا ملحوظا في نسبة النساء المسلمات المرتديات للحجاب بين عامي 2008 و2020، خصوصا بين القادمات من المغرب العربي و تركيا. وقد أسهمت الهجرة الاقتصادية، منذ منتصف القرن الـ20، في ترسيخ الوجود الإسلامي في فرنسا، وكان له دور محوري في إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية. وبحسب مرصد "الهجرة والسكان"، فإن تزايد تدفقات الهجرة يُعد من أبرز العوامل التي فسّرت تنامي حضور الإسلام في المشهدين الاجتماعي والثقافي. فقد تضاعف عدد الحاصلين على أول ترخيص إقامة بنسبة 172% بين 1997 و2023، معظمهم من دول مسلمة. كما أظهرت إحصائيات عام 2021 أن 72% من المهاجرين الجدد و61% من طالبي اللجوء ينتمون إلى دول ذات غالبية مسلمة، مما عزز الحضور الديمغرافي المتنامي للأقلية المسلمة في فرنسا. الهجرة وتحوّل الهوية على مدى عقود، ظلّ المسلمون المهاجرون يعانون في بناء علاقة مستقرة مع فرنسا، فقد كانت بالنسبة لهم مستعمرا قديما، ثم وجهة اقتصادية مؤقتة. إعلان في مطلع القرن الـ20، تدفّق آلاف الجزائريين إلى فرنسا، مدعومين بقانون 1904، الذي سهّل التنقل بين البلدين. وبحلول عام 1926، أصبح الجزائريون يشكلون أكبر جالية مهاجرة في البلاد. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت فرنسا تستقدم العمال مجددا لإعادة الإعمار، ووقّعت اتفاقيات مع المغرب وتونس، وكان يُطلق عليهم "العمال المتخصصون"، وكان كثير منهم يعتبر إقامته في فرنسا مؤقتة، وينوي العودة إلى بلده لاحقا. غير أن قانون لمّ الشمل العائلي في الفترة بين 1974 و1982 غيّر المشهد جذريا، إذ أدى إلى تحوّل الهجرة من مؤقتة إلى إقامة دائمة. ومع قدوم الزوجات والأطفال، بدأت تظهر الحاجة لتنظيم الممارسات الدينية، ما فتح المجال لما سمي "الإسلام القنصلي"، الذي تولّت تنظيمه القنصليات الأجنبية ضمن احترام مبدأ العلمانية الفرنسية. وفي الثمانينيات، برز الجيل الأول من الفرنسيين ذوي الأصول المهاجرة، ممن وُلدوا في فرنسا ويحملون جنسيتها. وعلى عكس آبائهم، أعادوا تعريف هويتهم ضمن إطار القانون وشاركوا في الحياة العامة بفعالية. المسلم الفرنسي منذ ثمانينيات القرن العشرين أصبح الإسلام مرجعا جماعيا لهوية جديدة، فعوض أن يكون وسيلة للحفاظ على الجذور فقط، بدأ يُمارَس بشكل أكثر وعيا وتأمّلا، خاصة بين الشباب المتعلّم الذي أعاد قراءة النصوص الدينية بشكل تأويلي حديث. لم يعد الحجاب مجرد رمز تقليدي، بل أصبح عند الجيل الجديد تعبيرا عن الاستقلال والاختيار الحر بين الانتماء الثقافي والدستور الجمهوري. وقد انعكس ذلك في ردود الفعل على "قضية الحجاب" عام 1989؛ فبينما اختار الآباء الحذر، رفض الأبناء الانصياع. حتى تسعينيات القرن الـ20، افتقر الوجود الإسلامي في فرنسا إلى بنية مؤسساتية واضحة، وظلّ حضوره يبدو كأنه طارئ تاريخي مرتبط بفكرة "العودة المؤجلة"، غير أن أبناء جيل السبعينيات وما بعدها تخلّوا عن هذا التصور، وبدأوا يطالب بحضور علني للإسلام ينسجم مع مبادئ الجمهورية. وتبلورت بذلك هوية مزدوجة تجمع بين الانتماء الفرنسي والمرجعية الإسلامية. العلمانية الفرنسية من الناحية الدستورية، تُعد فرنسا دولة علمانية منذ عام 1905، ولا تعترف رسميا بأي دين ولا تعاديه. ووفق ما ينص عليه الدستور في مادته الثانية فإن "الجمهورية علمانية، لكنها تحترم جميع الأديان". وعلى هذا الأساس، يُفترض أن يُعامل الإسلام كما تُعامل باقي الأديان، ومن ضمنها الكاثوليكية التي كانت تعتبر "الدين الأم" قبل الثورة الفرنسية. وكثيرا ما يتذرع قادة فرنسا بشعار "الحفاظ على العلمانية" لتبرير ممارسات تمييزية ضد المسلمين، وتحويلها إلى سياسات ممنهجة ذات غطاء قانوني. وفي هذا السياق أعلنت الحكومة الفرنسية نيتها إعداد مشروع قانون لمواجهة ما تسميه "الإسلام السياسي"، ضمن سلسلة من التدابير التي أعلنها الرئيس إيمانويل ماكرون ، لمحاربة ما وصفه بـ"الانفصال الإسلامي". ورغم تمسك فرنسا بخطابها الديمقراطي الذي يضمن حرية المعتقدات وحقوق الإنسان، فإنها توصف بأنها من أكثر الدول الأوروبية التي تشهد حملات معاداة للإسلام. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2019، وافق مجلس الشيوخ الفرنسي على مقترح قانون يمنع الأمهات من ارتداء رموز دينية -خاصة الحجاب- أثناء مرافقة أطفالهن في الرحلات المدرسية. وعلى صعيد الممارسات شهدت فرنسا في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حادثة مثيرة للجدل عندما طلب النائب جوليان أودول من امرأة مسلمة نزع الحجاب أثناء لقاء عام، مصحوبا باعتداء لفظي أثار موجة استنكار. ويعزو مراقبون هذا التصعيد إلى تحوّل ماكرون نحو خطاب أقصى اليمين ، الذي يتبنى مواقف عدائية تجاه الإسلام، ويمارس ضغوطا متكررة ضد بناء المساجد وارتداء الحجاب، في محاولة لربط الدين الإسلامي بالإرهاب بشكل متعمد. الإسلاموفوبيا وسياسات ماكرون تبنّت حكومات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء ولايتيه الأولى والثانية، سياسات رفعت منسوب الإسلاموفوبيا في الدولة والمجتمع إلى مستويات غير مسبوقة. كما أسهمت خطاباته وإجراءاته التشريعية والتنفيذية في توسيع رقعة العداء للمسلمين، وتعميق جذوره، وإضفاء طابع قانوني وممنهج عليه، ما جعل منه سياسة اضطهادية مُعلنة. ومع أن الظاهرة لا يمكن اختزالها في عهد ماكرون وحده، فهي سابقة له وتعود إلى قرون، بدءا من الحملات الصليبية في القرن الحادي عشر، مرورا بالاستعمار الفرنسي للجزائر وما رافقه من تعامل ذي طابع عنصري، وصولا إلى الخطاب المعاصر المتمثل في "الحرب على الإسلاموية" أثناء حكم ماكرون. ورث ماكرون بنية معقّدة من الإسلاموفوبيا التاريخية والسياسية، لكنه أسهم في تحديثها، وتعزيز حضورها عبر أدوات ووسائل جديدة، ما عمّق أثرها في الحياة العامة. وتُعد فرنسا موطنا لإحدى أكبر الجاليات الإسلامية في أوروبا، غير أن معدلات العداء للمسلمين فيها من بين الأعلى في القارة. ووفق بيانات وزارة الداخلية الفرنسية، سُجّلت عام 2024 نحو 173 حادثة معادية للمسلمين، معظمها هجمات استهدفت أشخاصا، مقارنة بـ242 حالة عام 2023. وفي هذا السياق، قال المفكر الفرنسي فرانسوا بورغا إن تغذية الإسلاموفوبيا جاءت إثر قرار ماكرون في مطلع عام 2018 بالتوجه نحو اليمين وأقصى اليمين، بعدما أدرك أنه لن يتمكن من الفوز مجددا بأصوات ناخبي الوسط و اليسار الفرنسي كما فعل في انتخابات 2017. سياسات الاضطهاد للأقلية المسلمة تواجه الأقلية المسلمة في فرنسا سلسلة من السياسات التي تُسهم في تعميق التمييز وتقنين أشكال الاضطهاد تحت ذرائع قانونية وتنظيمية. ومن أبرز تلك السياسات، قانون تجريم ارتداء النقاب في الأماكن العامة والمرافق الحكومية، والذي يعاقب بالغرامة في المرة الأولى، ويتدرج إلى الحبس في حال التكرار. كما سنّت الدولة قانونا يحظر ارتداء الحجاب داخل المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية. وتشمل الإجراءات كذلك حظر أداء الصلاة في الشوارع والساحات العامة، بما في ذلك محيط المساجد، وهو ما فُسّر على نطاق واسع بأنه استهداف مباشر للممارسات الدينية الإسلامية. أما على صعيد الهجرة والإقامة، فقد رُبط منح أو تجديد الإقامة باجتياز اختبار يثبت إتقان اللغة الفرنسية، واحترام "القيم الجمهورية"، بما في ذلك عدم تغليب المعتقدات الإسلامية على القواعد الفرنسية. هذه التدابير وغيرها ساهمت في تضييق الحيّز العام للمسلمين، وفرضت تحديات يومية تتراوح بين التمييز والعنصرية والعنف اللفظي والمادي. وقد صنّف تقرير عن الإسلاموفوبيا في أوروبا لعام 2022 فرنسا واحدة من أكثر الدول الأوروبية عداء للمسلمين، في ظل تفشي خطاب الكراهية وتراجع مظلة الحماية القانونية لهذه الأقلية. يُجمع عدد من الخبراء على أن قانون "مناهضة الانفصالية"، الذي قدمته الحكومة الفرنسية عام 2021، يقيّد بشكل منهجي الحريات الدينية، ويستهدف بشكل خاص الممارسات الإسلامية. وقد تبنت الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة الأولى في البرلمان)، في يوليو/تموز من العام نفسه، هذا القانون تحت مسمى "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية"، بعد أن عُرف بداية باسم "مكافحة الانفصالية الإسلامية"، ما أثار جدلا واسعا في فرنسا وخارجها. ينص القانون على فرض عقوبات تصل إلى السجن خمس سنوات، وغرامات مالية قد تبلغ 75 ألف يورو، على كل من يُدان بارتكاب "جريمة الانفصالية"، والتي تشمل التهديد أو الاعتداء على موظفين عموميين بسبب رفضهم الامتثال لقيم الجمهورية، مثل الحالات التي يُرفض فيها الخضوع لفحص طبي من قِبل طبيبة. وقد ترتبت على تطبيق هذا القانون سلسلة من الإجراءات الصارمة ضد المسلمين، تمثّلت في إغلاق عدد كبير من المساجد والمدارس الإسلامية ومضايقة الأئمة، فضلا عن إغلاق متاجر ومؤسسات يديرها مسلمون. ووفقا للبيانات الرسمية، أخضعت الدولة آلاف المؤسسات الإسلامية لتحقيقات، ما أسفر عن إغلاق 900 مؤسسة بالقوة، ومصادرة أكثر من 55 مليون يورو من أموالها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store