
الدكتورة فاطمة العقاربة : الهوية الوطنية بين الثابت الديني والانتماء السيادي
" قراءة في شعار الدولة ومنظومتها العقدية"..
في خضم ما تشهده الساحة الإقليمية من تحوّلات متسارعة، ومع ما يطرأ على الداخل الأردني من استحقاقات مصيرية، تبرز الحاجة إلى التمسك العميق بالهوية الوطنية كمرجعية جامعة، تتجاوز التعريفات الجغرافية أو المصلحية، لتتجلى في ارتباط عقدي بين الإنسان الأردني ووطنه، يستمد مشروعيته من الإيمان بالله، والانتماء للأرض، والولاء للقيادة الهاشمية الشرعية. إن الهوية الوطنية في الأردن ليست حالة طارئة فرضتها الأحداث، بل هي ثمرة تاريخ ممتد وتجربة إنسانية ودينية وسياسية متكاملة، ارتكزت على شعار لم يكن يومًا شعارًا فارغًا، بل منظومة إيمانية متكاملة، هو شعار "الله، الوطن، الملك".
لقد تربى أبناء الأردن على هذا الشعار منذ نشأتهم، فكان الإيمان بالله هو المنطلق الأول، لا على هيئة تنظير حزبي أو شعارات دينية مستهلكة، بل كعقيدة صافية تنأى بالدين عن الاستغلال والتسييس. الدين في الأردن لم يُختزل يومًا في حزب أو جماعة، ولم يكن سلعة للمزاودة أو وسيلة للوصول إلى السلطة، بل هو منطلق للسلوك القويم، ومصدر للرحمة، ودافع للدفاع عن الوطن. فحب الوطن من الإيمان، والذود عنه من صميم العقيدة، والحرص على استقراره مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سياسية.
وقد أثبتت الدولة الأردنية، بقيادتها ومؤسساتها، أن المرجعية الدينية الحقيقية لا تُمنح لجماعة أو تيار، بل هي ملك للأمة، تحميها الدولة وتحفظ نقاءها من كل استغلال. وفي هذا السياق، جاء قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين كتعبير عن موقف وطني يرفض اختطاف الدين وتجييره لخدمة أجندات خارجية، تؤمن بالتنظيم قبل الوطن، وتوالى الخارج قبل الداخل. هذا القرار لم يكن مواجهة للدين، بل حماية له من أن يُستغل في إنتاج خطاب الكراهية والانقسام، وتجنيب المجتمع ويلات التفرقة والتحريض.
إن الأردن بقيادته الهاشمية قدّم نموذجًا فريدًا في التعامل مع الدين، لم يتماهَ مع التيارات المتشددة، ولم ينخرط في مشاريع التسييس الديني، بل أطلق واحدة من أهم الوثائق الفكرية والدينية في العصر الحديث، وهي رسالة عمّان، التي عبّرت عن جوهر الإسلام الحقيقي، إسلام التسامح والتعايش والاعتراف بالمذاهب، ورفض التكفير والتحزب والتعصب، لتؤكد أن الدين في الأردن ليس أداة للفرقة، بل جسرًا للوحدة. وهذه الرسالة لم تكن مجرد إعلان، بل تمثلت في واقع الدولة، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون وغيرهم في نسيج وطني واحد، يعتنقون القيم ذاتها، ويتشاركون في صناعة المستقبل ذاته.
وما يلفت النظر أن هذا النموذج الأردني في التعايش لا يقطع مع الإرث الإسلامي، بل يستلهمه من الجذور، من وثيقة المدينة التي وضعها النبي العربي الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم، حين أسس دولة قائمة على المواطنة، والتعدد، والعيش المشترك، حيث كانت الذمة واحدة، والولاء للدولة، والحماية مسؤولية الجميع، بغض النظر عن الدين أو الانتماء. هذا هو الفهم الحقيقي الذي يتماهى مع الهوية الوطنية الأردنية، التي تجعل من الانتماء للأردن قيمة عليا، لا تنازعها جماعة، ولا تحتكرها أيديولوجيا.
وفي ظل ما تتعرض له المنطقة من محاولات تفكيك وتشظٍ، تبقى الهوية الوطنية هي خط الدفاع الأول عن المجتمع، فهي التي توحّد، وتحول دون الانزلاق في مستنقعات الاستقطاب. إنها ليست هوية مؤقتة، ولا حالة مزاجية، بل عقيدة سياسية وأخلاقية وثقافية، تعبر عن ارتباط وجداني وفكري وروحي بين المواطن والدولة. وحين نقول "الله، الوطن، الملك"، فنحن لا نردد شعارًا، بل نُجدد عهدًا، نؤمن فيه بالله الذي يأمر بالعدل والرحمة، وننتمي إلى وطن هو مصدر عزتنا وكرامتنا، ونُخلص لملك يمثل رمز وحدتنا وراية سيادتنا، ويحمل إرث الهاشميين في الدفاع عن الأمة ومقدساتها.
لهذا، فإن مسؤولية صيانة الهوية الوطنية تقع على عاتق الجميع، ولا تتحقق إلا بالوعي، والانتماء الصادق، ورفض المزاودات، وتجذير قيم المواطنة، والإيمان بأن هذا الوطن، بما فيه من تنوع، وما لديه من ثوابت، هو نعمة يجب الحفاظ عليها، وإرث يجب صونه، ومستقبل يجب أن نبنيه بإخلاص ويقين. فالأردن ليس محطة عابرة في التاريخ، بل هو نموذج للاستقرار في إقليم مضطرب، ومخزن للقيم في زمن الاضطراب، وتجسيد عملي لهوية تُحيا… لا تُدّعى.
علاقات دولية وادارة سياسية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 44 دقائق
- عمون
استكمالاً لمبادرة خليفات .. الشيخ القطاونة يقيم مأدبة غداء في لقاء وطني حاشد .. فيديو وصور
*خليفات : التأكيد على الدور التاريخي والوطني للعشائر الأردنية في بناء الدولة وترسيخ أمنها واستقرارها . *الحضور يجمع في كلماتهم على أهمية العشائر باعتبارها الركن الأساسي للنسيج الاجتماعي الأردني. عمون - استكمالا لمبادرات الخير الوطنية والتي بدأها الدكتور عوض خليفات ، وجال من خلالها مختلف أنحاء الأردن، أقام الشيخ محمد صبري منيزل القطاونة مأدبة غداء في منطقة المزار بمحافظة الكرك بحضور جمع من الشخصيات والوجهاء من مختلف المناطق في اردننا العزيز . ويأتي هذا اللقاء الوطني الجامع في ظل ظروف محلية واقليمية تستدعي الاستمرار في مثل هذه الحوارات الوطنية التي تهدف بالدرجة الأولى حماية الوطن والمحافظة على أمنه واستقراره وتأكيد المواقف الثابتة للاردن بقيادة جلالة الملك حفظه الله . ورحب المعزب الشيخ محمد صبري القطاونة بالحضور الكريم شاكرا للدكتور خليفات هذه المبادرة الطيبة التي تؤكد معدنه الوطني الأصيل، وحكمته السياسية التي نقدمها جميعا مشيدا بالحضور الكريم الذي يضع نصب عينيه مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ، مشددا على أهمية استمرار مثل هذه اللقاءات الوطنية والتي تمتاز بحوار وطني عقلاني وهاديء . وبدوره عبر الدكتور عوض خليفات عن امتنانه لهذه الدعوة بوجود هذا الجمع الطيب من أبناء الأردن الأعزاء الذين يدركون معنى هذه اللقاءات والحوارات، مشيدا بمواقف الأردن المبدئية تجاه قضايا العرب المختلفة وخاصة القضية الفلسطينية، ورفض كل مؤامرات تهجير الشعب الفلسطيني الذي بجد دائما المساندة من شقيقه الأردني. واستنكر الدكتور خليفات كل الأصوات النشاز التي تشكك بمواقفنا كأردنيين تجاه الاهل في فلسطين، مؤكدا أن الأردن لا يلتفت لكل هذه الاصوات الناعقة بالسموم ، والاردن سيبقى على عهده في دعم الاهل في غزة والضفة الغربية رافضا في الوقت نفسه فرض السيادة الاسرائيلية على الضفة والتي هي أرض محتلة باعتراف الشرعية الدولية . وكما تطرق الدكتور خليفات لمختلف الأوضاع على الساحة المحلية ، داعيا إلى ضرورة إعادة وإحياء خدمة العلم لأهميتها في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به بلدنا والمنطقة بصورة عامة . وخلال هذا اللقاء تحدث العديد من الحضور الذين عبروا عن سعادتهم لمثل هذه اللقاءات الوطنية التي باتت مطلبا ملحا، وعلى الجميع أن يقوم بمسؤولياته تجاه الأردن الذي يتعلق ض للكثير من حملات التشكيك من أفراد وجهات لا يروق لها هذه المواقف الوطنية الأصيلة، في حين أشاد الحضور الكريم بهذا اللقاء الذي دعا إليه الدكتور خليفات مثمنين مثل هذه الدعوات التي تجمع الأردنيين على مختلف أطيافهم مؤكدين الحرص على أمن الوطن واستقراره ودعم جهود جلالة الملك ومواقفه اتجاه القضيةالفلسطينية. ودار حوار وطني بين الحضور الذين عبروا عن الولاء للقيادة الهاشمية الحكيمة والمضي على درب الهاشميين الاخيار الأطهار وعميد آل البيت جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الأمين.


هلا اخبار
منذ ساعة واحدة
- هلا اخبار
افتتاح دورة القيادة والأركان 66 المشتركة 30
هلا أخبار – مندوباً عن رئيس هيئة الأركان المشتركة، افتتح المساعد للعمليات والتدريب اليوم الأحد، دورة القيادة والأركان 66 المشتركة 30 في كلية القيادة والأركان الملكية الأردنية، بحضور المفتش العام، وآمر الكلية، وعدد من كبار ضباط القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والملحقين العسكريين للدول الشقيقة والصديقة المشاركة في الدورة. ونقل المساعد للعمليات والتدريب للمشاركين، تحيات ومباركة رئيس هيئة الأركان المشتركة بالتحاقهم بهذا الصرح الأكاديمي المتميز وتمنياته لهم بالتوفيق في الدورة التي تستمر لمدة عام، بإشراف نخبة مميزة من أعضاء هيئة التدريس وبمتابعة من القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، بما يسهم بشكل فعال في تطوير معرفتهم بكل ما هو جديد ومهم من العلوم العسكرية والأكاديمية وبما يزيد قدراتهم الفكرية والمعرفية ويخدم القوات المسلحة. وأضاف المساعد أن دورة القيادة والأركان تعتبر محطة رئيسية وهامة في مسار خدمة الضباط ونقطة انطلاق جديدة نحو آفاق أرحب للعمل القيادي وتولي وظائف الركن المختلفة في وحدات وتشكيلات القوات المسلحة، وحثهم على العمل بروح الفريق والتفاعل الإيجابي مع مجريات الدورة والحرص على الاستفادة القصوى من هذه التجربة الغنية وعلى تبادل الخبرات والمعرفة. وألقى مفتي القوات المسلحة كلمة قال فيها:' إن من أشرف العلوم التي تميزت بها حضارتنا هو العلم العسكري الذي يجمع بين شرفين عظيمين العلم والرباط في سبيل الله والذي أصبح ضرورة ملحة لاسيما في هذا العصر الذي يتسم بالتحديات الكبيرة والمخاطر الجسيمة'، مؤكداً أن الجيش العربي هو امتداد للجيش المصطفوي وبقية له، وهو مثال يحتذى به في القيادة والشجاعة والتضحية والانضباط العسكري والالتزام بمبادئ الإسلام العظيمة. يشار إلى أن كلية القيادة والأركان الملكية الأردنية تأسست عام 1954، لرفد القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي وجيوش الدول الشقيقة والصديقة بالقادة وضباط الركن المؤهلين وتمنحهم درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية.


خبرني
منذ 2 ساعات
- خبرني
حسان و الصفدي يقدمان العزاء إلى المغفور له بإذن الله (الحاج علي بن محمد المعايطه)
خبرني - من لا يشكر الناس لا يشكر الله الحمد لله الذي أعطانا فشكرنا، ثم أخذ منا فصبرنا قدم رئيسا مجلسي الوزراء جعفر حسان والنواب أحمد الصفدي ومدير مكتب الأمير حسين زيد بقاعين، واجب العزاء إلى الدكتور محمد علي المعايطة وذويه و عموم عشائر المعايطه و عشائر الكرك بفقيدهم الحاج علي بن محمد المعايطة وقدم الدكتور جعفر حسان والصفدي واجب العزاء للفقيد ولكافة إخوانه وأسرة آل المعايطة في وفاة فقيد الأردن الكبير. وتقدم الدكتور حسان و الدكتور الصدفي باسمه وباسم وزراء و نواب الأردن كافة بعظيم المواساة لآل المغفور له الحاج علي المعايطة. وأشاد الدكتور حسان و الصدفي بمناقب الفقيد ودوره العسكري و القبلي البارز في المملكة الأردنية الهاشمية. بدوره توجه الدكتور محمد علي المعايطه بعظيم الشكر و والامتنان للدكتور حسان و الدكتور الصدفي ولكافة الشعب الأردني وللعاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين المفدى حفظه الله و ولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبد الله على ما حظي به المرحوم من عناية ورعاية خاصة خلال فترة علاجه، والاهتمام الخاص الذي أبدته قيادة وشعب و عشائر المملكة و بشكل خاص عشائر الكرك. نسأل الله تعالى ان يتغمد الفقيد بواسع رحمته و يسكنه فسيح جناته. لا أراكم الله مكروهاً بعزيز وشكر الله سعيكم وجعلها في ميزان حسناتكم ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون... وجزاكم الله خير الجزاء.