logo
شبح الموت يلاحق مرضى الكلى شمال سوريا

شبح الموت يلاحق مرضى الكلى شمال سوريا

الجزيرةمنذ يوم واحد

شمال سوريا- لم تسعف مريم السعيد خطواتها المتعبة الثقيلة، وهي تبحث عن مركزٍ لغسْل الكلى يستقبل والدتها التي تصارع من أجل البقاء، مناشدة كل المنظمات الطبية ووزارة الصحة السورية تقديم حلول لمئات المرضى الذين ينتظرون الموت. وكانت مريم قد فقدت والدها للسبب ذاته قبل سنوات.
يقول المدير الإداري لمركز ابن سينا الدكتور طه طقيقة، للجزيرة نت، إن الأعداد الكبيرة التي أنتجتها حركة الهجرة العكسية من داخل سوريا وخارجها مثل دول (تركيا ولبنان والخليج) أثرت سلبا على زيادة الأعداد التي تحتاج جلسات غسْل الكلى.
وأضاف أن مركز ابن سينا يُعد أكبر المراكز في منطقة إدلب ويقدم خدماته لـ 250 مريضا تم جدولتهم خلال شهر مايو/أيار الماضي بمعدل 2500 جلسة شهريا، ولا يمكنه استقبال عدد أكبر من ذلك لأن المرضى يحتاجون الغسْل ثلاث مرات في الأسبوع الواحد.
أنماط المرضى
ولفت المتخصص إلى أن المرضى ينقسمون إلى ثلاثة أنماط:
المرضى الدائمون، وهؤلاء لهم جلسات غسْل مؤمّنة في مركز ابن سينا أو غيره.
مرضى اعتمدوا على تأمين الجرعات من مراكز أو منظمات أو دعم شخصي مقدم لهم.
المرضى الجُدد، وهؤلاء يشترون جرعاتهم على حسابهم الخاص، وتبلغ قيمة تكلفة الجلسة ما يقارب 20 دولار.
وأشار إلى أن الضغط الأكبر هو من المناطق التي تحررت حديثا من النظام السابق، وشهدت عودة الأهالي إليها وكانوا في مناطق خارج سوريا، أو في مناطق أخرى.
ونوه طقيقة إلى أن الحلول المقترحة والتي يجب العمل عليها بسرعة قصوى، بحسبه، هي:
إعلان
افتتاح مراكز غسْل كلى في المناطق التي عاد إليها الأهالي، وهذا يخفف الضغط على المراكز التي تعمل الآن، لوجود مراكز توقف عنها الدعم ما تسبب في ضغط أكبر.
زيادة الدعم للمراكز العاملة في الوقت الحالي لتعمل بطاقة عمل أكبر بزيادة الأجهزة والمواد اللازمة للغسْل.
وشدد المتحدث ذاته على أن مرضى غسْل الكلى المصابين بالفشل الكلوي مصيرهم الموت، إذا لم تؤمن لهم الجرعات والمراكز التي يغسلون بها، وإذا لم تُجر لهم عمليات الغسْل في موعدها المحدد.
يشار إلى أن تكلفة عملية الغسْل للمرضى الذين يجرونها على حسابهم الخاص تصل إلى 40 دولارا في الجلسة الواحدة.
توقف الدعم
تقول فدوى مشنتل، للجزيرة نت، إنها تقطع مسافة 60 كيلومترا لتصل من جبل الزاوية إلى مدينة إدلب ، لتحصل على غسْل الكلى ثلاث مرات خلال الأسبوع الواحد.
و مع توارد معلومات عن تجفيف الدعم على مراكز غسْل الكلى، أصبح الخطر يهدد حياتها، وهي لا تستطيع أن تُؤمن ثمن جرعة واحدة، بسبب الفقر والنزوح الذي كانت تعيش فيه مدة ثمانية أعوام قبل تحرير سوريا من النظام السابق.
وأشارت فدوى إلى أن منطقة جبل الزاوية، التي تضم أكثر من خمسين قرية وبلدة، لا يوجد بها أي مركز لغسْل الكلى، ما يزيد مشقة المرضى المتعبين بعد إجراء عملية الغسْل.
وتأتي سحر أبو حجر إلى مركز مدينة إدلب من مدينة معرة النعمان ، لتجري غسْل الكلى مرتين أسبوعيا، وأكثر ما يؤرقها السفر الطويل الذي يزيد من تدهور حالتها الصحية، إضافة إلى التهديد بتوقف الدعم والذي سيسبب توقف عملية الغسْل لعدم قدرتها المالية، حسب حديثها للجزيرة نت.
وناشدت سحر المنظمات الطبية الدولية والجمعيات المحلية والحكومة السورية بفتح مراكز لغسْل الكلى في مدينة معرة النعمان التي بدأ سكانها بالعودة إليها.
بدوره أكد جهاد الأصفر، القادم من مدينة معرة النعمان أيضا، على ضرورة فتح مراكز لغسْل الكلى في مناطق ريف إدلب الجنوبي والشرقي بسبب العدد الكبير من المرضى في تلك المنطقة، والذين يعانون من تكاليف السفر والمشقة الجسدية من أجل الوصول إلى مركز المدينة للقيام بعملية الغسْل.
وأضاف محذرا، في حديث للجزيرة نت، من توقف الدعم عن بعض المراكز ما سيسبب كارثة صحية للمرضى الذين لا يجدون شاغرا للغسيل.
زيادة الضغط
يقول مدير الإنشاءات الصحية في محافظة إدلب الدكتور إبراهيم الويس، للجزيرة نت، إن القطاع الطبي يشهد توقف عدد من المنشآت الطبية بسبب توقف الدعم، على رأسها المشافي التي توقف أكثر من 20 مشفى منها، 18 مشفى توقف عنها الدعم كُليا واثنان جزئيا.
وأضاف أن نسبة الوافدين على المشافي والمراكز الطبية ارتفع بعد التحرير إلى 25% بسبب الهجرة العكسية إلى المنطقة من داخل سوريا أو خارجها وهذا سبب زيادة في الضغط على المنشآت الصحية التي جفف الدعم عنها قبل التحرير.
ولفت إلى أن من أهم المراكز التي تأثرت بقطع الدعم هي مراكز غسْل الكلى.
وأشار إلى أن هناك 14 مركزا لغسْل الكلى مهددة بتوقف الدعم خلال الفترة القصيرة القادمة، وقال إن قسما من هذه المراكز يتكلف فيه المريض بإحضار المستلزمات للغسْل على حسابه الخاص، وهي مكلفة جدا وخاصة للسكان في هذه المنطقة التي عاشت الحرب على مدى 14 عاما، وعاشت في مخيمات النزوح والتهجير.
ولفت إلى أن مديرية الصحة وجهت بعد التحرير المراكز للعمل بالطاقة القصوى وزيادة المناوبات في عمليات الغسْل، ولكن زيادة هذه المناوبات لم تستوعب كل الأعداد من المرضى، إضافة إلى أن المستهلكات اللازمة في جلسات الغسْل غير كافية.
وأشار المسؤول نفسه، إلى أن الاعتماد الأكبر، في الوقت الحالي، على المنظمات الطبية الدولية والمحلية لدعم هذا القطاع، لأن مقدرات الحكومة شبه معدومة بعد سنوات الحرب والإرث المدمر في قطاع الصحة الذي تركه النظام السابق خلفه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحسكة بين التهميش والنضال من أجل العدالة
الحسكة بين التهميش والنضال من أجل العدالة

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

الحسكة بين التهميش والنضال من أجل العدالة

الخلفية التاريخية والموقع الجغرافي تقع محافظة الحسكة في شمالي شرقي سوريا، وهي من كبرى المحافظات مساحةً، حيث تبلغ مساحتها حوالي 23.334 كيلومترًا مربعًا، وتتميز بموقعها الجغرافي الإستراتيجي على الحدود مع العراق وتركيا. تاريخيًّا، تعاقبت على الحسكة حضارات عديدة، حيث كانت جزءًا من بلاد ما بين النهرين، وشهدت وجود السومريين والأكاديين والآشوريين والبابليين، وكانت لاحقًا جزءًا من الدول: الأيوبية، والمملوكية، والعثمانية. في العهد العثماني، كانت الحسكة تابعة لولاية الموصل إداريًّا، وكانت تعتبر امتدادًا طبيعيًّا لها من حيث الجغرافيا والتكوين القبلي والاجتماعي. ولكن بعد اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916، تم فصلها عن الموصل وضمها إلى الأراضي السورية، التي كانت تحت الانتداب الفرنسي. هذا التقسيم المصطنع أدى إلى تغيير كبير في التركيبة الإدارية والاقتصادية للمنطقة، وبدأت مرحلة جديدة من التهميش والإهمال، استمرت حتى عهد النظام البعثي، وكذلك بعد الثورة السورية. الأهمية الاقتصادية والزراعية والمائية لطالما كانت الحسكة حجر الزاوية في الاقتصاد السوري، حيث تعد من كبرى المناطق المنتجة للقمح والشعير والقطن، وتسهم بنسبة 60% من إنتاج سوريا من القمح، كما تمتلك موارد مائية هائلة من نهرَي الفرات ودجلة، فضلًا عن مخزونها الجوفي الغني. إعلان وإلى جانب الزراعة، تتمتع الحسكة بثروات نفطية وغازية ضخمة، خاصة في رميلان والشدادي والهول، ما يجعلها من أهم مصادر الطاقة في سوريا. لكن رغم هذه الثروات، لم ينعكس هذا الازدهار على أهلها، بل كانت خيراتها تُنهب لصالح النظام الذي عمد إلى توظيف أبناء الساحل السوري في قطاعات النفط والغاز، بينما حُرم أبناء الحسكة من هذه الفرص رغم مؤهلاتهم العلمية. كان النظام يجلب موظفين من خارج المحافظة، لا يحملون إلا شهادات ثانوية أو إعدادية، في حين أن خريجي الحسكة في الهندسة والاقتصاد كانوا يعانون من البطالة والتهميش. على الرغم من ثرواتها الهائلة، بقيت الحسكة تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والطرق، وظلت البنية التحتية فيها مهملة لعقود. كما حُرم أهلها من التوظيف في المؤسسات الحيوية التهميش الثقافي والتعليمي إحدى أبرز صور الإقصاء الذي تعرضت له الحسكة كان التهميش الثقافي والتعليمي، حيث لم يكن فيها جامعة حتى عام 2006، ما أجبر الطلاب على السفر إلى المحافظات الأخرى لمتابعة تعليمهم. رغم ذلك، أثبت أبناء الحسكة تفوقهم الأكاديمي، فبرز منهم أطباء ومهندسون وأكاديميون في مختلف المجالات، وهو ما يدل على إصرارهم على كسر حاجز التهميش الذي فرضه النظام عليهم لعقود. الإقصاء السياسي واختزال التمثيل بشيوخ العشائر عمد النظام إلى تهميش الحسكة سياسيًّا من خلال فرض تمثيلها عبر شيوخ العشائر، الذين لم يكونوا سوى أدوات بيده، يفتقر معظمهم إلى أي تأثير حقيقي، بل كان كثير منهم أميين أو مجرد وسطاء لتنفيذ سياسات النظام. في المقابل، تم استبعاد الكفاءات السياسية والفكرية القادرة على إحداث تغيير حقيقي في واقع المحافظة، ما جعلها غائبة عن دوائر صنع القرار. التهميش الخدمي والإقصاء من الوظائف الحكومية على الرغم من ثرواتها الهائلة، بقيت الحسكة تعاني من نقص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والطرق، وظلت البنية التحتية فيها مهملة لعقود. كما حُرم أهلها من التوظيف في المؤسسات الحيوية، خاصة في قطاع النفط، حيث فضّل النظام توظيف الموالين له من أبناء الساحل، تاركًا أبناء الحسكة بلا فرص عمل تتناسب مع إمكاناتهم العلمية. سياسة زرع الفتن بين القبائل العربية اتبع النظام البعثي سياسة "فرق تسد" داخل الحسكة، حيث تعمّد إثارة النزاعات بين القبائل العربية التي كانت في الأصل متقاربة ومترابطة عبر علاقات الدم والمصاهرة. استخدم النظام هذه الفتن لضمان انشغال العشائر بخلافاتها الداخلية، ما سهل عليه التحكم بها وإضعاف أي محاولة لتمرُّدها عليه. رغم الثروات النفطية الهائلة في محافظة الحسكة، فإن أهلها لا يشعرون بأي فائدة منها؛ حيث تشهد المنطقة واقعًا مريرًا من حيث البطالة والفقر الحسكة في الثورة السورية: استمرار التهميش والظلم رغم اندلاع الثورة السورية وسقوط النظام في معظم المناطق، فإن الحسكة لم تنل نصيبها من التحرير، إذ بقيت تحت حكم مليشيات "قسد"، التي استبدلت بقمع النظام قمعًا آخر أكثر وحشية. لم يتوقف الظلم عند هذا الحد، بل استمر إغفال تضحيات أبناء الحسكة الذين قدموا شهداء في مختلف المحافظات السورية منذ الأيام الأولى للثورة. كما أن المطالبات بتحريرها كانت دائمًا تهمّش واقعها المعقد، متجاهلة أن المليشيات تحكمها بالحديد والنار، وأن ضباط النظام لا يزالون متغلغلين في مؤسساتها. هل النفط لعنة على أهل الحسكة؟ رغم الثروات النفطية الهائلة في محافظة الحسكة، فإن أهلها لا يشعرون بأي فائدة منها؛ حيث تشهد المنطقة واقعًا مريرًا من حيث البطالة والفقر. العديد من المناطق الغنية بالنفط في الحسكة تعيش في ظروف قاسية، بينما تسهم ثرواتها في تمويل الحروب والمعارك في المناطق الأخرى. إضافةً إلى ذلك، العديد من أهل الحسكة يعانون من الأمراض، ومنها أمراض السرطان التي تتفشى بسبب التلوث الناجم عن استخراج النفط وتكريره. كذلك، يعاني أهل الحسكة من نقص حاد في الوقود والموارد الأساسية، رغم أنهم يزوّدون سوريا بالكامل بالكهرباء والغاز. الآن، يتم نقل النفط السوري إلى العراق عبر معبر سيملكا بواسطة القوات الأميركية، ما يترك أهل الحسكة دون ما يكفيهم من الوقود للتدفئة أو لأغراض الزراعة. التهميش الاقتصادي والبطالة على الرغم من كون الحسكة واحدة من أغنى المناطق في سوريا، من حيث الموارد الطبيعية والزراعية، فإن أهلها يعانون من أعلى معدلات البطالة في البلاد. ووفقًا لمسح أجراه مكتب العمل في عام 2011، فإن محافظة الحسكة تتصدر المحافظات السورية بنسبة 38.8% من المتعطلين عن العمل. إعلان هذا الرقم يعكس حجم التهميش الذي تعرضت له المنطقة، حيث كان يتم توظيف أشخاص من خارج المحافظة في قطاعات النفط والغاز والزراعة، بينما كانت الفرص المتاحة لأبناء الحسكة قليلة جدًّا. التهميش الإعلامي والتغطية على الفقر والجوع تتعرض محافظة الحسكة لتهميش إعلامي ممنهج، حيث تتم التغطية على الحالة المزرية التي يعيشها سكانها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. وكان من اللافت انتشار مقاطع فيديو مؤلمة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، تُظهر نساءً وأطفالًا في الحسكة يتقاتلون على بقايا طعام القاعدة الأميركية في منطقة حقول رميلان، وهو ما يعكس حجم المعاناة، والفقر المدقع الذي يعاني منه أبناء المحافظة في ظل التهميش والبطالة في عهد قوات "قسد". هذه المقاطع، التي تم تداولها بشكل واسع على منصات مثل يوتيوب وفيسبوك، تُبرز التهميش المستمر للمحافظة، وتكشف عن الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها أهلها في ظل التدهور الاجتماعي والاقتصادي الحاصل. لم يكن تهميش الحسكة مجرد صدفة أو سوء إدارة، بل كان سياسة ممنهجة هدفها إبقاؤها خارج الحسابات السياسية والاقتصادية. ومع استمرار هذا التهميش حتى بعد الثورة، يصبح السؤال الأهم: متى ستحصل الحسكة على حقوقها في التمثيل العادل والعدالة والحرية؟ إن تحرير الحسكة لا يعني فقط إنهاء سيطرة "قسد" أو طرد ضباط النظام منها، بل يعني إعادة الحقوق لأهلها، ووقف استنزاف ثرواتها، وتمكين كفاءاتها من قيادة مستقبلها. وحتى يتحقق ذلك، ستظل الحسكة نموذجًا صارخًا للمظلومية المستمرة، وساحةً للنضال من أجل الحرية والعدالة، التي لطالما حُرمت منها رغم دورها المحوري في سوريا.

ما تأثير دمج "الخوذ البيضاء" في الحكومة السورية الجديدة؟
ما تأثير دمج "الخوذ البيضاء" في الحكومة السورية الجديدة؟

الجزيرة

timeمنذ 11 ساعات

  • الجزيرة

ما تأثير دمج "الخوذ البيضاء" في الحكومة السورية الجديدة؟

دمشق- أعلنت منظمة الدفاع المدني السوري، المعروفة بمسمى " الخوذ البيضاء"، اندماجها الكامل ضمن الحكومة السورية، ونقل برامج الاستجابة الطارئة إلى وزارة الطوارئ والكوارث، كما أُعلن نقل الملفات الأخرى التابعة للمنظمة -ومنها ملفات العدالة والمحاسبة والمناصرة- إلى الوزارات والهيئات المختصة، بحسب طبيعة كل ملف. وأشارت المنظمة في مؤتمر صحفي إلى أن تنفيذ الإجراءات القانونية والإدارية المرتبطة بعملية الاندماج سيتم خلال فترة انتقالية، "وفق أعلى درجات المهنية"، وبما يتماشى مع القوانين السورية والدولية والالتزامات السابقة، حيث أعلنت المنظمة تشكيل لجان قانونية وتقنية متخصصة لقيادة المرحلة الانتقالية. ويأتي هذا القرار بعد انعقاد الاجتماع السنوي العاشر للمنظمة في العاصمة دمشق ، حيث اتُّخذ باتفاق أغلبية أعضاء الهيئة العامة، وهي الهيئة التشريعية العليا في المؤسسة. واعتبرت المنظمة أن هذا الاندماج خطوة نحو توحيد الجهود وتطوير الاستجابة للطوارئ على المستوى الوطني، ضمن إطار مؤسساتي حكومي. استمرارية المهام أكد مدير الدفاع المدني السوري منير مصطفى، في حديث للجزيرة نت، أن القرار لا يتضمن إنشاء كيان جديد، بل يعني استمرار العمل الإنساني والإغاثي الذي قامت به المنظمة سابقا، ولكن ضمن وزارة الطوارئ والكوارث السورية، وهي الجهة الرسمية التي باتت مسؤولة عن برامج الاستجابة الطارئة. وأضاف أن مهام مثل الإنقاذ، والإطفاء، والإغاثة، التي كانت تُدار سابقا بصفتها أنشطة منبثقة عن المجتمع المدني، ستُنفّذ الآن ضمن إطار حكومي موحد وبسياسات وطنية شاملة. أما الملفات التي كانت تمثل جانبا أساسيا من عمل "الخوذ البيضاء" -ولا سيما العدالة والمناصرة- والتي تضمنت توثيق جرائم الحرب، والانتهاكات بحق المدنيين، وجمع الأدلة حول المقابر الجماعية والمفقودين، فستُنقل إلى الهيئات المختصة، مثل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية التي أُنشئت بمرسوم رئاسي مؤخرا، و"هيئة المفقودين" التي ستعمل بالتنسيق المباشر مع فرق الدفاع المدني السابقة. وأشار مصطفى إلى أن المنظمة تمتلك أرشيفا غنيا من الأدلة الموثقة، يتضمن شهادات ومقاطع فيديو مُصوّرة بكاميرات صغيرة، مما يجعلها طرفا فاعلا في توثيق الجرائم والانتهاكات، بما فيها الهجمات الكيميائية والمجازر. وأكد المسؤول أن هذا الدور سيتواصل، ولكن ضمن الإطار المؤسسي الحكومي، لضمان المساءلة وفق آليات عدالة وطنية، بدلا من العمل بشكل مستقل عن الدولة كما كان سابقا. المرحلة الانتقالية وفي سياق متصل، أكد مصدر في وزارة الطوارئ والكوارث السورية للجزيرة نت أن الوزارة بدأت بالفعل إدارة المرحلة الانتقالية، عبر تشكيل لجان تقنية مختصة تشرف على نقل برامج الاستجابة الطارئة من منظمة الدفاع المدني إلى الوزارة. وأشار المصدر إلى أن العملية تسير بسلاسة، دون تحديات تُذكر، مع ضمان استمرارية الخدمات الطارئة، مؤكدا أن مديريات الدفاع المدني المنتشرة في المحافظات السورية ستُدمج مباشرة ضمن الهيكلة الجديدة للوزارة، بكوادرها ومتطوعيها، مما يضمن الحفاظ على الخبرات وتوظيفها بشكل فعّال. أما بخصوص الكوادر العاملة، فقد شدد المصدر على عدم وجود نية للاستغناء عن أي من العاملين أو المتطوعين، موضحا أن "جميع الكفاءات التي اكتسبت خبرات ميدانية خلال السنوات الماضية ستستمر في أداء دورها ضمن الوزارة الجديدة". وأضاف أن عملية الاندماج لا تقتصر على وزارة الطوارئ والكوارث فقط، بل تأتي ضمن إطار أوسع لدمج الدفاع المدني في هيكل الحكومة السورية بالكامل، مع إحالة ملفات مثل العدالة والمحاسبة والمناصرة إلى الجهات المختصة بحسب طبيعة كل ملف. وأوضح المصدر أن اللجان القانونية والتقنية ستقوم بدراسة كل برنامج أو ملف على حدة، لتحديد الجهة الحكومية الأنسب لتسلّمه، مؤكدا أن "ملف المفقودين مثلا قد يُحال إلى هيئة متخصصة بذلك الشأن". رسائل طمأنة وأكّد المصدر أن هذا الدمج سيُعزز من مستوى الاستجابة الطارئة على مستوى البلاد، لا سيما في ظل تولي الوزارة مسؤوليات شاملة تشمل الكوارث الطبيعية، والحرائق، وحالات الطوارئ المتنوعة. كما نوّه إلى أن دمج الدفاع المدني مع أفواج الإطفاء والكوادر الحكومية سيؤدي إلى رفع كفاءة العمل الوطني. وعن مستقبل التعاون مع الشركاء والداعمين الدوليين، أشار المصدر إلى أن جميع المشاريع ومذكرات التفاهم الموقعة مع الدفاع المدني السوري ستُستكمل حتى نهاية مدتها، موضحا أن الوزارة -بالتنسيق مع الحكومة- ستكون الجهة الراعية لهذه الاتفاقات، مع الحفاظ على إمكانية التعاون مع مختلف الجهات الدولية مستقبلا. كما وجّه المصدر رسالة طمأنة إلى المواطنين السوريين، قائلا إن "الخدمات ستستمر كما هي، ولن يطرأ أي تغيير على مستوى أو نوعية الخدمات التي كانت تقدمها منظمة الدفاع المدني، وأن ما حدث هو مجرد اندماج إداري وهيكلي، يهدف إلى ضمان استدامة العمل وتحسين الأداء في المستقبل". مخاوف وتحفظات من جانبه، يرى الخبير السياسي عبد الله الخير أن القرار "متسرع" إلى حد ما، لكون وزارة الطوارئ والكوارث تفتقر في الوقت الراهن إلى الإمكانيات المالية اللازمة لمواصلة العمل الذي كانت تقوم به "الخوذ البيضاء"، خصوصا أن المنظمة كانت تتلقى دعما أوروبيا سنويا بمبالغ كبيرة. وأضاف الخير، في حديث للجزيرة نت، أن المانحين قد يتوقفون عن دعم المنظمة بعد حلّها ودمجها ضمن الحكومة السورية، التي تعاني أصلا من أزمة مالية حادّة نتيجة التضخم وآثار الحرب ودمار البنية التحتية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store