
الابتزاز الناعم: كيف تحولت مراكز تأشيرات فرنسا إلى بوابات للإذلال والربح؟
من المفترض أن تكون الرقمنة وسيلة للشفافية والنجاعة الإدارية، لكن الواقع يثبت مرة أخرى أن التكنولوجيا، حين توضع بين أيدٍ لا ضمير لها، قد تتحول إلى أداة للابتزاز المقنّع. هذا ما يكشفه واقع مراكز خدمات التأشيرة الفرنسية، وعلى رأسها الشركة الوسيطة 'TLS Contact'، التي تدير مواعيد واستقبال طالبي التأشيرة بطرق تثير أكثر من علامة استفهام.
عند الدخول إلى المنصة الإلكترونية لحجز المواعيد، يبدو للوهلة الأولى أن كل شيء يسير وفق معايير الكفاءة والتنظيم. يحصل طالب التأشيرة على موعد محدد، وتُرسل له رسالة إلكترونية تؤكد ذلك. غير أن المفاجأة المربكة تنتظره عند الوصول إلى مركز الاستقبال، حيث يُفاجأ بالعشرات ممن حُددت لهم المواعيد في نفس الساعة. أي جدوى إذًا من تخصيص توقيت إلكتروني إذا كان الجميع سيُكدّسون أمام أبواب المركز في لحظة واحدة؟
هذا التكديس المتعمّد يُفرغ فكرة المواعيد الرقمية من أي معنى، ويفتح الباب أمام الشكوك حول نوايا الشركة التي تدير المركز. إذ يصبح الاكتظاظ وسيلة ضغط نفسي واقتصادي تدفع طالب التأشيرة إلى خيارٍ وحيد: الدفع مقابل 'موعد مميز'، يُمنح له خارج طوابير الذلّ، بكلفة تتجاوز 300 درهم. إنه ابتزاز ناعم يرتدي لبوس الخدمة الإضافية.
إلى جانب الاكتظاظ غير المبرر، يشكو المئات من طالبي التأشيرة من الإهانات وسوء المعاملة التي يتعرضون لها داخل هذه المراكز، خاصة في مدن كبرى مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة. يسود أسلوب تعالٍ في التعامل، يتجلى في نبرة الأوامر، وغياب أي حسّ إنساني تجاه كبار السن أو الحالات الخاصة. أما الاحتجاج أو الاستفسار، فقد يُواجه بالإقصاء أو التعطيل المتعمد.
إن التعامل البيروقراطي داخل مراكز TLS يُذكّر بزمن ما قبل التحديث، حيث تسود عقلية الموظف 'الوصي' لا 'الخادم العمومي'، وتضيع كرامة المواطن أمام نزوات تنظيمية مشبوهة.
لا أحد يجادل في حق فرنسا كدولة ذات سيادة في تنظيم دخول الأجانب إلى أراضيها، لكن ما يُطرح بإلحاح هو مسؤولية الدولة المغربية في حماية كرامة مواطنيها أمام ممارسات شركات مفوضة لا تحترم لا أبسط معايير المهنية، ولا أبجديات الكرامة الإنسانية.
كيف يُعقل أن تتفرج القنصليات الفرنسية، وحتى وزارة الخارجية المغربية، على هذا المشهد البئيس دون أي تدخل لحماية مئات الآلاف من المواطنين الذين يُضطرون، بحكم الواقع، للسفر والدراسة والعلاج والتواصل العائلي في فرنسا؟
لقد آن الأوان لفتح نقاش رسمي وجاد حول طريقة تدبير خدمات التأشيرة الفرنسية في المغرب، ليس فقط من زاوية التنظيم الإداري، بل أيضًا من باب احترام الإنسان المغربي في كينونته وحقوقه الأساسية. فالتأشيرة، وإن كانت من حق الدولة المانحة، إلا أن طلبها لا ينبغي أن يكون مرادفًا للإذلال، ولا أن يتحول إلى سوق سوداء مقنّعة تتحكم فيها شركات جشعة بمنطق الربح الأقصى.
فهل تتحرك الجهات المعنية لوقف هذا النزيف الأخلاقي والإداري؟ أم أن كرامة المواطن المغربي ستظل رهينة باب صغير في أحد المراكز، يتسابق نحوه المئات، ليحظوا بلحظة 'رحمة' من موظف بلا وجه ولا ضمير؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كش 24
منذ 8 ساعات
- كش 24
ارتفاع أسعار البيض يسائل وزير الفلاحة
وجهت النائبة البرلمانية فاطمة التامني عن حزب فيديرالية اليسار الديمقراطي سؤالا كتابيا لوزير الفلاحة والصيد البحري احمد البواري حول ارتفاع أسعار البيض وتأثيره على القدرة الشرائية للمواطنين. وأوضحت النائبة البرلمانية أن أسعار البيض شهدت في الآونة الأخيرة ارتفاعا ملحوظا بعدد من الأسواق الوطنية، حيث انتقل ثمن البيضة الواحدة من درهم إلى درهمين ونصف وثلاثة دراهم في بعض المدن، الامر الدي أثار موجة استياء واسعة وسط المستهلكين، باعتبار هدا المنتوج من المواد الأساسية ضمن النظام الغذائي اليومي للمستهلك المغربي خاصة دوي الدخل المحدود. وأضافت التامني أن هذا الارتفاع يأتي في سياق عام يتسم بتزايد أسعار عدد كبير من المواد الأساسية، مما فاقم الوضع على الفئات الهشة والمتوسطة. وقد فسر بعض المهنيين هذا الارتفاع بزيادة كلفة الأعلاف والنقل، فيما يرى آخرون أن تزايد الطلب بعد عيد الأضحى وقلة العرض ساهم في هذا الوضع. وأكدت المتحدثة بات من الضروري تسليط الضوء على هذا الموضوع حمايةً للقدرة الشرائية للمواطنين وضمانا لعدالة الأسعار في الأسواق، وذلك في ظل غياب معطيات دقيقة واضحة لكيفية تحديد الأسعار ومسار سلسلة الإنتاج والتوزيع. و ساءلت النائبة البرلمانية الوزير عن الإجراءات التي تعتزم وزارة الفلاحة و الصيد البحري اتخاذها لضبط ومراقبة أسعار البيض و تقييد المضاربات في السوق الوطنية، وعن ما إذا كانت هنالك استراتيجية لدعم المنتجين ومربي الدواجن للتخفيف من كلفة الإنتاج دون أن يتحمل المواطن تداعيات ذلك وحده. كما استفسرت كذلك عن مدى فعالية آليات المراقبة والتدخل المعمول بها حاليا في الحفاظ على استقرار أسعار المواد الأساسية، مثل البيض، خصوصا في فترات التقلبات الموسمية. ياسمين أحديدو ـ صحفية متدربة.


المغرب الآن
منذ 9 ساعات
- المغرب الآن
'تشغيل على الورق': 14 مليار درهم في مهب الوعود… فأين ذهبت مناصب الشغل؟
أرقام تصعد، وثقة تنكمش بين خطاب حكومي يَعِد بإحداث 1.45 مليون منصب شغل جديد، وواقع اجتماعي تتصدره مؤشرات بطالة متصاعدة، يقف الرأي العام المغربي أمام معادلة عسيرة الفهم: كيف لحكومة تملك أغلبية برلمانية ومالية، وتضخ 14 مليار درهم في برامج التشغيل، أن تعجز عن وقف نزيف البطالة؟ بل أن تُسجَّل زيادات في المعدلات الوطنية بدل تراجعها؟ سؤالٌ يفرض نفسه بإلحاح في ظل تجدد الخطاب الرسمي حول ما سُمي 'الخطة الشاملة لتقليص البطالة إلى 9٪ في أفق 2030″، كما قدمها رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال جلسة المساءلة الشهرية في مجلس المستشارين. لكن هذا الخطاب لم يكن كافيًا لتبديد الشكوك، بل زاد من حدة الجدل، خاصة مع الانتقادات التي صدرت من داخل الأغلبية نفسها. وعد طموح… وواقع متدهور في الجلسة المذكورة، كشف رئيس الحكومة عن خطة طموحة تقوم على ضخّ غلاف مالي يقارب 14 مليار درهم، موزع بين تحفيز الاستثمار (12 مليار درهم)، دعم الشغل في الفلاحة (1 مليار)، وتوسيع البرامج النشطة للتشغيل (1 مليار درهم)، إضافة إلى تكوين 100 ألف شخص في التدرج المهني بحلول 2025، واستهداف فئة غير الحاصلين على شهادات. لكن المعطيات الميدانية تكذّب هذا التفاؤل. ففي الفصل الأول من سنة 2025، كشفت المندوبية السامية للتخطيط أن معدل البطالة بلغ 12.8%، مقابل 12.3% في نفس الفترة من السنة الماضية، بزيادة واضحة. بل الأخطر أن بطالة الشباب وصلت إلى 29.2%، فيما بلغت نسبة النساء العاطلات 19.8%. وكل هذا في ظل تفاوتات مجالية صارخة، تعمق التهميش في جهات كدرعة-تافيلالت والشرق. التمويل حاضر، لكن الأثر غائب رغم حجم التمويلات المعلنة، يظل الأثر الفعلي لهذه البرامج ضعيفًا. إذ لا توفر الخطة الحكومية مؤشرات تقييم مرحلية، ولا آليات رقابة صارمة لضمان الأثر التنموي للغلاف المالي. فمثلاً، مبلغ 12 مليار درهم المخصص لتحفيز الاستثمار لا يرتبط بشروط واضحة تضمن خلق فرص شغل فعلية. بل يُقدَّم كتحفيز عام، دون توجيه للقطاعات أو الجهات أو الفئات المستهدفة. أما قطاع الفلاحة، فيظل هشًا وموسميًا، ومناصب الشغل فيه ظرفية، كما أشار إلى ذلك أكثر من تقرير رسمي، منها تقارير مجلس المنافسة و المندوبية السامية للتخطيط . برامج قديمة بمضمون ضعيف البرامج النشطة للتشغيل، من قبيل 'إدماج' و'تحفيز'، رغم قدمها وتكرارها، لا تزال تعاني من الإشكالات ذاتها. دراسة منشورة في مجلة Formation Emploi أبرزت أن 'إدماج'، رغم الإعفاءات الضريبية التي يمنحها للمشغلين، لم يُفضِ إلى توظيف دائم، بل إلى عقود مؤقتة تنتهي بانتهاء الدعم، دون تحسين في الأجور أو استقرار مهني. أما تقرير Policy Center for the New South ، فقد أكد أن هذه البرامج تعاني من ضعف في التتبع الفردي للمستفيدين، وغياب التنسيق المؤسساتي، وتفتقر لأدوات تقييم آثارها طويلة الأمد. وهو ما يفسر استمرار البطالة العالية في صفوف الشباب، رغم مرور أكثر من عقد على إطلاق هذه البرامج. 'أوراش' و'فرصة': ما بعد الضجة الإعلامية؟ برنامج 'أوراش'، الذي أطلق سنة 2022، وُصف بأنه حجر الزاوية في سياسة التشغيل، لكنه بقي حبيس العقود المؤقتة (6 إلى 9 أشهر)، مع غياب تكوين مواكب أو إدماج دائم. وانتهى المطاف بآلاف المستفيدين إلى العودة إلى البطالة. أما برنامج 'فرصة'، فرُوّج له كاستراتيجية جديدة لدعم ريادة الأعمال، لكنه اصطدم بعدة عراقيل: غموض في المعايير، ضعف في التتبع، غياب مواكبة مالية وتجارية. ورغم تمويل آلاف المشاريع، لم تُعلن الحكومة عن نسبة المشاريع التي استمرت بعد السنة الأولى، أو عدد مناصب الشغل الفعلية. والأسوأ أن عددًا من المستفيدين وجدوا أنفسهم عاجزين عن سداد القروض، في غياب تكوين أو دعم فعلي. تكوين بالتدرج: حل استراتيجي أم بطالة مقنّعة؟ الخطة الحكومية الجديدة أولت أهمية لتكوين غير الحاصلين على شهادات عبر التكوين بالتدرج، وهي فكرة قد تبدو ملائمة لطبيعة سوق الشغل المغربي. لكن من دون تنسيق مع القطاع الخاص، ومن دون التزامات واضحة من أرباب العمل، هناك خشية من أن يتحول هذا التكوين إلى محطة إضافية من الانتظار والإقصاء، وليس إلى فرصة فعلية للاندماج. خلل في المقاربة لا في التمويل فقط الإشكال الأكبر لا يكمن فقط في تفاصيل البرامج، بل في غياب تصور شامل ومتكامل لمعضلة الشغل. إذ لا تزال الحكومة، كما الحكومات السابقة، تُقارب التشغيل كوظيفة للدعم المباشر أو للاستثمار العمومي، دون العمل على إصلاح المنظومة الاقتصادية الكلية التي تعاني من بيروقراطية معطلة، وبيئة أعمال غير جاذبة، وتراجع ثقة المستثمرين، وقطاع غير مهيكل يشغل الملايين بلا حماية. انتقادات من الداخل: فشل جماعي؟ اللافت أن الانتقادات هذه المرة لم تأتِ فقط من المعارضة أو الصحافة، بل من داخل الأغلبية. إذ اعتبر المستشار البرلماني عبد اللطيف الأنصاري ، عن الفريق الاستقلالي، أن مؤشرات التشغيل 'غير مرضية'، وأنها 'لا تتناسب مع حجم الجهود التنموية'. وهو تصريح يحمل في طياته إقرارًا ضمنيًا بالفشل الجماعي للتحالف الحكومي في ملف يُعد من أولويات البلاد، في ظل تنامي الهجرة السرية، والاحتقان الاجتماعي، وانكماش ثقة الشباب في مؤسسات الدولة. النتيجة: تشغيل بلا جودة، وشباب بلا أمل ليست المشكلة في عدد مناصب الشغل فقط، بل في جودتها وهشاشتها، وتزايد نسبة العاطلين من حاملي الشهادات العليا، وغياب حماية اجتماعية حقيقية. أكثر من 1.5 مليون مغربي يشتغلون في ظروف غير رسمية، دون تأمين أو تغطية صحية أو أجر قار، في ظل غياب أي سياسات مندمجة لإدماجهم في الاقتصاد الرسمي. خلاصة: نموذج بلا فعالية… ومقاربة بحاجة لمراجعة رغم ضخامة الغلاف المالي، وعناوين الخطط المعلنة، يظل الواقع المعيشي للعاطلين جامدًا، بل آخذ في التدهور. فالمشكل ليس في عدد البرامج، بل في غياب التقييم، وفي الانفصال المزمن بين السياسات العمومية وسوق الشغل الحقيقي. لقد آن الأوان للانتقال من المقاربات الظرفية إلى سياسة تشغيل حقيقية، تبدأ بإصلاح مناخ الاستثمار، وتربط التكوين بالتشغيل، وتمنح الأولوية لحكامة البرامج، وتستثمر في بناء الثقة بدل تسويق الأرقام.


بلبريس
منذ 11 ساعات
- بلبريس
البواري يعطي انطلاقة تشغيل شبكة الري بسد قدوسة في الرشيدية
أشرف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، أمس الأربعاء 16 يوليوز2025 بإقليم الرشيدية، على إعطاء الانطلاقة الرسمية لتشغيل شبكة الري لسد قدوسة، في إطار مشروع يهدف إلى تنمية الري وتكييف الزراعة المسقية مع التغيرات المناخية. ويعد هذا المشروع خطوة استراتيجية لدعم الفلاحة الواحية وتحسين تدبير الموارد المائية في منطقة تواجه تحديات مناخية متزايدة. المشروع تطلب استثمارا يفوق مليار درهم بتمويل مشترك من الوكالة الفرنسية للتنمية والصندوق الأخضر للمناخ وميزانية الدولة، ويروم تعبئة 30 مليون متر مكعب من المياه سنويا لتأمين السقي على مساحة 5000 هكتار تشمل الواحات التقليدية والأراضي السلالية. ومن شأن هذا الورش الكبير أن يحسن الظروف الاقتصادية والاجتماعية لفائدة أزيد من 16.600 نسمة، من خلال دعم 299 مشروعا فلاحيا و37 استثمارا خاصا، مع خلق فرص جديدة لأنشطة مدرة للدخل لفائدة الشباب المحلي. الزيارة شملت تفقد البنيات التحتية المرتبطة بالمشروع، من بينها قنوات الري وإطلاق عملية تزويد المستفيدين بالمياه، إضافة إلى الاطلاع على أشغال تأهيل الواحة التقليدية الطاوس التي تضمنت ترميم حوالي 43 كيلومتراً من السواقي و7.5 كيلومترات من الخطارات وإنجاز 12 مأخذ ماء و7 آبار، بغلاف مالي يناهز 62.7 مليون درهم. كما تم تدشين أحد السدود التحويلية الأربعة المنجزة في إطار هذا المشروع، والذي يهدف إلى تعبئة مياه الأحواض الوسيطة وتطعيم الفرشة المائية الجوفية. ويهدف المشروع كذلك إلى تقليص الضغط على الموارد الجوفية وتعزيز التدبير المستدام للمياه، في انسجام مع برنامج الجيل الأخضر وخطط التكيف مع التغيرات المناخية، إضافة إلى المساهمة في رفع الإنتاجية الفلاحية وتنويع المزروعات بالمنطقة. وتضمن المشروع تجهيز شبكة حديثة من القنوات بطول يفوق 127 كيلومترا، إلى جانب منشآت مائية أخرى، بما يعكس توجها نحو حلول أكثر نجاعة لضمان استدامة النشاط الفلاحي في المناطق الواحية. وتشير المعطيات الرسمية إلى أن تنزيل هذا الورش يواكب ببرامج دعم وتكوين موجهة للفلاحين، تروم تطوير الممارسات الزراعية وتحقيق قيمة مضافة محلية، بما يسهم في تعزيز صمود الفلاحة أمام التغيرات المناخية وضمان تدبير متوازن للموارد المائية.