logo
فتاوى الذكاء الاصطناعي.. هل نذير خطر أم أداة مساعدة للمفتي والمستفتي؟

فتاوى الذكاء الاصطناعي.. هل نذير خطر أم أداة مساعدة للمفتي والمستفتي؟

الزمانمنذ يوم واحد
أحدث التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تحولات كبيرة في مناحي الحياة، إذ تهافت الكثير من الناس لاستشارته والاعتماد عليه في الكثير من المجالات «الطب – التعليم - الصناعة.. وغيرهم»؛ عله يساعدهم في تحسين جودة حياتهم، لكن تحولت مسارعة الناس لاستشارة الذكاء الاصطناعي في الأمور الحياتية إلى استفتائه فيما يخص أمور الشريعة الإسلامية، هو ما اعتبره البعض نذير خطر على مستقبل المستفتي الذي يستقي فتواه من الذكاء الاصطناعي، واعتبره آخرون أنه أداة مساعدة يسمح باستخدامها لكن بضوابط شرعية.
ولدفع هذا التعارض وحسم الجدال الذي سببته فتاوى الذكاء الاصطناعي، احتضنت أرض الكنانة على مدار يومي أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء، فعاليات المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، برعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي».
- المفتي: الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة للمفتي
المؤتمر الذي افتتحه الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية، بطرح مجموعة من الأسئلة الفقهية الجوهرية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى، مثل قدرة الآلة على فَهْم تعارض النصوص، ومراعاة النيات الإنسانية، والسياقات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وأثر اختلاف الزمان والمكان في صياغة الفتاوى، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أداة مساعدة للمفتي لا بديلا عنه، بحيث يظل المفتي هو صاحب الرؤية المسئولة.
وأكد أن هذه التطورات التقنية تستوجب توظيفا مسئولا يخدم الإنسانية، خصوصا في مجال الفتوى التي تتطلب توازنا دقيقا بين المرجعية الشرعية وأدوات العصر الرقمي، مشيرا إلى الخطر يكمن في برمجة الفتوى دون ضوابط دقيقة؛ ما قد يحوّل الدين من خطاب هداية إلى خطابٍ مادي جامد، ينفصل عن روحه وأهدافه.
- الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدا في المراحل التحضيرية
وبين أهمية تطوير الفتوى لتواكب تحولات العصر الرقمي، إذ لا يكفي أن تكون دقيقة فحسب بل يجب أن تحمل ضميرا حيا ووعيا أخلاقيا، مؤكدا دور المؤسسات الدينية في وضع أطر رقابية وأخلاقية صارمة لإدارة نظم الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى، عبر إشراف هيئات علمية متخصصة تضم علماء شرعيين وخبراء تقنيين وفلاسفة الشريعة، لضمان شرعية المخرجات وموثوقيتها.
وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدًا في المراحل التحضيرية للعملية الإفتائية، لا سيما في تصوير المسائل، وتحليل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وجمع النصوص وتنظيمها، لكنه لا يملك صلاحية إصدار الحكم الشرعي الذي يظل منوطًا بالمجتهد الرشيد القادر على الترجيح بين الأدلة، ومراعاة سياقات النوازل.
وأشار إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه الفتوى في هذا العصر الرقمي هو ما يُعرف بـ"هلوسة الذكاء الاصطناعي"، حيث قد تنتج هذه النماذج فتاوى مختلقة بصياغة مقنعة، ما يُظهر ضرورة أن تظل المؤسسات الدينية حارسة لشرعية الوعي، وقائدة لعلاقة واعية بين النص والآلة.
- بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية مدربة
ودعا إلى ضرورة بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية، مدربة على قواعد الاستنباط، والضوابط اللُّغوية، وفهم المقاصد الشرعية، مع ضرورة إخضاعها لإشراف علمي مشترك بين علماء الشريعة وخبراء الذكاء الاصطناعي وفلاسفة المقاصد، مشيرًا إلى أهمية إنشاء مِنصات رقمية موثوقة للفتوى تخضع لمراجعة مستمرة من لجان شرعية مؤهلة، ويحدد لعملها ميثاق أخلاقي خاص، على غرار ما هو معمول به في المجالات الطبية والقضائية.
- الذكاء الاصطناعي يهمش دور المفتي لصالح نماذج خوارزمية
وفي طيات نقاشات الجلسة العلمية التي تخللها المؤتمر، قدمت الأستاذة الدكتورة مؤمنة حمزة عبد الرحمن عون وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، بحثًا بعنوان «تفكيك النص الديني من القراءة الأدبية إلى خوارزميات الفتوى»، تناولت فيه أثر المناهج الحداثية على المرجعية الدينية مركزة على تطبيق منهج التفكيك الذي نشأ في النقد الأدبي الغربي على النصوص الشرعية، واعتبرت أن هذا المنهج أدى إلى إضعاف مرجعية النص وفتح الباب أمام تأويلات نسبية تهدد وحدة الأحكام.
وناقشت الباحثة، محاولات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد الفتاوى دون تأصيل شرعي، مؤكدة أن هذا النهج ينتج فتاوى آلية غير نابعة من اجتهاد بشري واع، ولا تراعي المقاصد ولا فقه الواقع، محذرة من تحول الفتوى إلى منتج رقمي؛ الأمر الذي يفقدها صفتها الاجتهادية ويهمش دور المفتي لصالح نماذج خوارزمية لا تملك الحس الفقهي.
وفي ختام عرضها، أوصت بوضع ضوابط شرعية دقيقة للتعامل مع الخوارزميات الإفتائية، مع ضرورة تعزيز الدراسات النقدية التي ترصد تأثير المناهج الحداثية على المرجعية الدينية، مؤكدة أن صيانة الفتوى مسئولية جماعية ينبغي أن تضطلع بها المؤسسات العلمية والإفتائية.
- الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة وليس بديلا عن المفتي البشري
ومن زاوية بحثية أخرى، تناول الدكتور وليد السيد محمد مرعي مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف دقهلية، في بحثه المعنون بـ«أثر استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في الإفتاء الافتراضي»، أبعاد ما يُعرف بالمفتي الذكي ومدى قدرته على أداء الوظيفة الإفتائية في ظل التحديات المعاصرة وضغوط العمل على مراكز الفتوى الرسمية.
وطرح إشكالية مشروعية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الرد على تساؤلات المستفتين، موضحًا أن هذه التقنية تحلل الأسئلة وترجع إلى قواعد بيانات ضخمة لإنتاج ردود فورية، لكنه أكد أن هذا النوع من الفتوى يظل محدودًا ولا يمكنه الاستقلال في المسائل الاجتهادية التي تتطلب اجتهادًا بشريًّا مركبًا ونظرًا مقاصديا دقيقًا.
وبين أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة فعالة في المسائل الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، مثل أحكام المواريث والزكاة، لكنه غير مؤهل للتعامل مع الأسئلة المتجددة التي تتطلب فقه الواقع والمعرفة بظروف السائل والسياق الاجتماعي المحيط.
- غياب الضبط المؤسسي يشوش الخطاب الديني
وقدم الدكتور محمد محمود عبودة، المدرس بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة وعضو مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، بحثًا بعنوان «الفتوى المؤسسية في مواجهة التحديات الرقمية نحو تجديد منهجي واستجابة رشيدة» تناول فيه التحديات التي تواجه المؤسسات الإفتائية في العصر الرقمي.
وأبرز الدكتور محمد عبودة، مشكلة الفتاوى الرقمية غير المنضبطة التي تنتشر عبر المنصات الإلكترونية، مشيرًا إلى غياب الضبط المؤسسي في كثير من هذه الفتاوى ما يؤدي إلى تشويش الخطاب الديني ويقوِّض الثقة بالمرجعية الشرعية.
- احتمالية المساهمة في انتشار فوضى الفتاوى
وأظهر تقرير للمؤشر العالمي للفتوى التابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بعنوان «الذكاء الاصطناعي وأثره في خدمة المجال الديني وصناعة الفتوى»، أن المرصد حلل ما يقرب من 300 مادة من الفتاوى والآراء والدراسات حول الذكاء الاصطناعي في مختلف النطاقات الجغرافية.
وأكد تحليل مؤشر الفتوى لأبرز تأثيرات الذكاء الاصطناعي على المجال الإفتائي، أن دخول الذكاء الاصطناعي في العمل الإفتائي قادم لا محالة، ولكنه يظل بحاجة إلى تدخل وإشراف بشري؛ لضمان توافق الفتاوى مع الأحكام الشرعية الصحيحة والسياقات الدينية والثقافية من خلال عمليتي التصوير والتكييف البشريتين، وذهب إلى تضمن ذلك المجال عددا من نقاط القوة والضعف.
- نقاط قوة
وتتمثل أبرز نقاط القوة في إمكانية الاستفادة به في تحسين الأداء والعملية الإنتاجية الإفتائية، وتطوير وتحسين تطبيقات التعلم الديني الإلكتروني، والترجمة الآلية للنصوص الدينية، وتحليل القرآن وتفسيره بتقنيات معالجة اللغة الطبيعية، وتطوير الخوارزميات لتحليل البنية اللغوية والنحو والعلاقات الدلالية في الآيات القرآنية وكشف المعاني، وتوسيع نطاق الفتوى وتشعُّب موضوعاتها ومجالاتها والقضايا التي ترتبط بها؛ لتضم عددا كبيرا من الأحداث والقضايا الجديدة والمعقدة داخل المجتمعات وكشف علاقتها بالفتوى وكيفية التعامل معها.
- نقاط ضعف
أما عن نقاط الضعف فلخصها مؤشر الفتوى، في احتمالية المساهمة في انتشار السطحية والأمية الفكرية والدينية، والانفصال الفكري والروحي نتيجة غياب التفاعل بين المفتي والمستفتي؛ مما سيؤدي لغياب التفاعل الحي.
وبالتالي الانفصال الفكري والمشاعري، وعدم إصدار الفتاوى الدقيقة التي تتلاءم مع حال المستفتي والظروف المحيطة، فأخذ العلم لا بد أن يكون على يد شيخ عالم.
وأشار إلى احتمالية التأثير السلبي في تراجع الذهاب لدور العبادة، وسهولة تعرض تلك الآلات للاختراق من قبل أصحاب الرؤى غير المنضبطة والتنظيمات المتطرفة، والتبعية وعدم الاعتماد على الاجتهاد والبحث والدراسة، وتنوع الثقافات بين مؤسسي تلك التقنيات والمجتمعات المسلمة قد يتسبب في عدد من الإشكاليات الأخلاقية وتحريف المعنى وعدم فهم السياق الكامل، وإغفال العوامل الاجتماعية والنفسية للمستفتين، وعدم مراعاة القواعد الأصولية في الفتوى، واحتمالية المساهمة في انتشار «فوضى الفتاوى».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تفاصيل نظام البكالوريا الجديد في قانون التعليم 2025
تفاصيل نظام البكالوريا الجديد في قانون التعليم 2025

الدستور

timeمنذ 15 ساعات

  • الدستور

تفاصيل نظام البكالوريا الجديد في قانون التعليم 2025

يرغب الملايين في الاطلاع على تفاصيل نظام البكالوريا الجديد في قانون التعليم 2025 والذي تسعى وزارة التربية والتعليم إلى تطبيقه وذلك لإعداد طلاب قادرين على مواكبة متطلبات سوق العمل، عبر تعزيز التفكير الابتكاري وتطبيق المعرفة بشكل عملي في مختلف التخصصات. تفاصيل نظام البكالوريا الجديد في قانون التعليم 2025 تفاصيل نظام البكالوريا الجديد في قانون التعليم 2025 والذي يحمل رقم 169 لسنة 2025 الذي صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يُعدّل قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، ويُضيف فصلين جديدين ضمن الباب الثالث: "التعليم بنظام البكالوريا" أصبح نظام البكالوريا اختياريًا ومجانيًا لمن يحمل شهادة إتمام التعليم الأساسي، ولا يجوز التحول منه أو إليه خلال سنوات الدراسة تمتد الدراسة على مدار ثلاث سنوات، ويوفّر للطالب شهادة تعادل الثانوية العامة عند إتمام المسار بنجاح. حافظ النظام على الفصل التقليدى بين القسمين «العلمي» و«الأدبي»، مع الإبقاء على تدريس المواد العامة الأساسية مثل «اللغة العربية»، و«اللغة الأجنبية الأولى»، و«التربية الدينية»، و«التاريخ»، لضمان تكوين معرفي متوازن لدى جميع الطلاب. ويختار في الصفين الثاني والثالث أحد المسارات التالية الأول: الطب وعلوم الحياة ويدرس خلاله (كيمياء، أحياء) الثاني: الهندسة والحسابات ويدرس خلاله (رياضيات متقدمة، فيزياء) والثالث: قطاع الأعمال ويدرس خلاله (اقتصاد، رياضيات تطبيقية) والرابع: الفنون والآداب ويدرس خلاله (أدب، جغرافيا). وأكد القانون رقم اقرار 169 لسنة 2025 على استمرار أعضاء هيئة التعليم الذين يبلغون سن التقاعد أثناء العام الدراسي حتى نهاية العام، ضمانًا للاستقرار التعليمي. منح رئيس مجلس الوزراء سلطة إنشاء برامج دراسية تعادل الثانوية العامة أو الفنية تحت أي تسمية (مثل البكالوريا)، وفق قواعد تنظيمية محددة، مقابل رسوم لا تتجاوز 1000 جنيه، و500 جنيه عند إعادة الامتحان لكل مادة، مع جواز مضاعفة الرسوم حتى الحد الأقصى. اقرأ أيضًا: المنيا تعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 خلال ساعات.. استعلم برقم الجلوس استعلم بالمجان.. نتيجة الصف الثالث الإعدادى محافظة القاهرة 2025 برقم الجلوس ظهرت الآن.. نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة القاهرة برقم الجلوس

فتاوى الذكاء الاصطناعي.. هل نذير خطر أم أداة مساعدة للمفتي والمستفتي؟
فتاوى الذكاء الاصطناعي.. هل نذير خطر أم أداة مساعدة للمفتي والمستفتي؟

الزمان

timeمنذ يوم واحد

  • الزمان

فتاوى الذكاء الاصطناعي.. هل نذير خطر أم أداة مساعدة للمفتي والمستفتي؟

أحدث التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تحولات كبيرة في مناحي الحياة، إذ تهافت الكثير من الناس لاستشارته والاعتماد عليه في الكثير من المجالات «الطب – التعليم - الصناعة.. وغيرهم»؛ عله يساعدهم في تحسين جودة حياتهم، لكن تحولت مسارعة الناس لاستشارة الذكاء الاصطناعي في الأمور الحياتية إلى استفتائه فيما يخص أمور الشريعة الإسلامية، هو ما اعتبره البعض نذير خطر على مستقبل المستفتي الذي يستقي فتواه من الذكاء الاصطناعي، واعتبره آخرون أنه أداة مساعدة يسمح باستخدامها لكن بضوابط شرعية. ولدفع هذا التعارض وحسم الجدال الذي سببته فتاوى الذكاء الاصطناعي، احتضنت أرض الكنانة على مدار يومي أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء، فعاليات المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، برعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي». - المفتي: الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة للمفتي المؤتمر الذي افتتحه الدكتور نظير عياد مفتي الديار المصرية، بطرح مجموعة من الأسئلة الفقهية الجوهرية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى، مثل قدرة الآلة على فَهْم تعارض النصوص، ومراعاة النيات الإنسانية، والسياقات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وأثر اختلاف الزمان والمكان في صياغة الفتاوى، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أداة مساعدة للمفتي لا بديلا عنه، بحيث يظل المفتي هو صاحب الرؤية المسئولة. وأكد أن هذه التطورات التقنية تستوجب توظيفا مسئولا يخدم الإنسانية، خصوصا في مجال الفتوى التي تتطلب توازنا دقيقا بين المرجعية الشرعية وأدوات العصر الرقمي، مشيرا إلى الخطر يكمن في برمجة الفتوى دون ضوابط دقيقة؛ ما قد يحوّل الدين من خطاب هداية إلى خطابٍ مادي جامد، ينفصل عن روحه وأهدافه. - الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدا في المراحل التحضيرية وبين أهمية تطوير الفتوى لتواكب تحولات العصر الرقمي، إذ لا يكفي أن تكون دقيقة فحسب بل يجب أن تحمل ضميرا حيا ووعيا أخلاقيا، مؤكدا دور المؤسسات الدينية في وضع أطر رقابية وأخلاقية صارمة لإدارة نظم الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى، عبر إشراف هيئات علمية متخصصة تضم علماء شرعيين وخبراء تقنيين وفلاسفة الشريعة، لضمان شرعية المخرجات وموثوقيتها. وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدًا في المراحل التحضيرية للعملية الإفتائية، لا سيما في تصوير المسائل، وتحليل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وجمع النصوص وتنظيمها، لكنه لا يملك صلاحية إصدار الحكم الشرعي الذي يظل منوطًا بالمجتهد الرشيد القادر على الترجيح بين الأدلة، ومراعاة سياقات النوازل. وأشار إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه الفتوى في هذا العصر الرقمي هو ما يُعرف بـ"هلوسة الذكاء الاصطناعي"، حيث قد تنتج هذه النماذج فتاوى مختلقة بصياغة مقنعة، ما يُظهر ضرورة أن تظل المؤسسات الدينية حارسة لشرعية الوعي، وقائدة لعلاقة واعية بين النص والآلة. - بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية مدربة ودعا إلى ضرورة بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية، مدربة على قواعد الاستنباط، والضوابط اللُّغوية، وفهم المقاصد الشرعية، مع ضرورة إخضاعها لإشراف علمي مشترك بين علماء الشريعة وخبراء الذكاء الاصطناعي وفلاسفة المقاصد، مشيرًا إلى أهمية إنشاء مِنصات رقمية موثوقة للفتوى تخضع لمراجعة مستمرة من لجان شرعية مؤهلة، ويحدد لعملها ميثاق أخلاقي خاص، على غرار ما هو معمول به في المجالات الطبية والقضائية. - الذكاء الاصطناعي يهمش دور المفتي لصالح نماذج خوارزمية وفي طيات نقاشات الجلسة العلمية التي تخللها المؤتمر، قدمت الأستاذة الدكتورة مؤمنة حمزة عبد الرحمن عون وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، بحثًا بعنوان «تفكيك النص الديني من القراءة الأدبية إلى خوارزميات الفتوى»، تناولت فيه أثر المناهج الحداثية على المرجعية الدينية مركزة على تطبيق منهج التفكيك الذي نشأ في النقد الأدبي الغربي على النصوص الشرعية، واعتبرت أن هذا المنهج أدى إلى إضعاف مرجعية النص وفتح الباب أمام تأويلات نسبية تهدد وحدة الأحكام. وناقشت الباحثة، محاولات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد الفتاوى دون تأصيل شرعي، مؤكدة أن هذا النهج ينتج فتاوى آلية غير نابعة من اجتهاد بشري واع، ولا تراعي المقاصد ولا فقه الواقع، محذرة من تحول الفتوى إلى منتج رقمي؛ الأمر الذي يفقدها صفتها الاجتهادية ويهمش دور المفتي لصالح نماذج خوارزمية لا تملك الحس الفقهي. وفي ختام عرضها، أوصت بوضع ضوابط شرعية دقيقة للتعامل مع الخوارزميات الإفتائية، مع ضرورة تعزيز الدراسات النقدية التي ترصد تأثير المناهج الحداثية على المرجعية الدينية، مؤكدة أن صيانة الفتوى مسئولية جماعية ينبغي أن تضطلع بها المؤسسات العلمية والإفتائية. - الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة وليس بديلا عن المفتي البشري ومن زاوية بحثية أخرى، تناول الدكتور وليد السيد محمد مرعي مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف دقهلية، في بحثه المعنون بـ«أثر استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في الإفتاء الافتراضي»، أبعاد ما يُعرف بالمفتي الذكي ومدى قدرته على أداء الوظيفة الإفتائية في ظل التحديات المعاصرة وضغوط العمل على مراكز الفتوى الرسمية. وطرح إشكالية مشروعية الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الرد على تساؤلات المستفتين، موضحًا أن هذه التقنية تحلل الأسئلة وترجع إلى قواعد بيانات ضخمة لإنتاج ردود فورية، لكنه أكد أن هذا النوع من الفتوى يظل محدودًا ولا يمكنه الاستقلال في المسائل الاجتهادية التي تتطلب اجتهادًا بشريًّا مركبًا ونظرًا مقاصديا دقيقًا. وبين أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة فعالة في المسائل الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، مثل أحكام المواريث والزكاة، لكنه غير مؤهل للتعامل مع الأسئلة المتجددة التي تتطلب فقه الواقع والمعرفة بظروف السائل والسياق الاجتماعي المحيط. - غياب الضبط المؤسسي يشوش الخطاب الديني وقدم الدكتور محمد محمود عبودة، المدرس بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة وعضو مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، بحثًا بعنوان «الفتوى المؤسسية في مواجهة التحديات الرقمية نحو تجديد منهجي واستجابة رشيدة» تناول فيه التحديات التي تواجه المؤسسات الإفتائية في العصر الرقمي. وأبرز الدكتور محمد عبودة، مشكلة الفتاوى الرقمية غير المنضبطة التي تنتشر عبر المنصات الإلكترونية، مشيرًا إلى غياب الضبط المؤسسي في كثير من هذه الفتاوى ما يؤدي إلى تشويش الخطاب الديني ويقوِّض الثقة بالمرجعية الشرعية. - احتمالية المساهمة في انتشار فوضى الفتاوى وأظهر تقرير للمؤشر العالمي للفتوى التابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بعنوان «الذكاء الاصطناعي وأثره في خدمة المجال الديني وصناعة الفتوى»، أن المرصد حلل ما يقرب من 300 مادة من الفتاوى والآراء والدراسات حول الذكاء الاصطناعي في مختلف النطاقات الجغرافية. وأكد تحليل مؤشر الفتوى لأبرز تأثيرات الذكاء الاصطناعي على المجال الإفتائي، أن دخول الذكاء الاصطناعي في العمل الإفتائي قادم لا محالة، ولكنه يظل بحاجة إلى تدخل وإشراف بشري؛ لضمان توافق الفتاوى مع الأحكام الشرعية الصحيحة والسياقات الدينية والثقافية من خلال عمليتي التصوير والتكييف البشريتين، وذهب إلى تضمن ذلك المجال عددا من نقاط القوة والضعف. - نقاط قوة وتتمثل أبرز نقاط القوة في إمكانية الاستفادة به في تحسين الأداء والعملية الإنتاجية الإفتائية، وتطوير وتحسين تطبيقات التعلم الديني الإلكتروني، والترجمة الآلية للنصوص الدينية، وتحليل القرآن وتفسيره بتقنيات معالجة اللغة الطبيعية، وتطوير الخوارزميات لتحليل البنية اللغوية والنحو والعلاقات الدلالية في الآيات القرآنية وكشف المعاني، وتوسيع نطاق الفتوى وتشعُّب موضوعاتها ومجالاتها والقضايا التي ترتبط بها؛ لتضم عددا كبيرا من الأحداث والقضايا الجديدة والمعقدة داخل المجتمعات وكشف علاقتها بالفتوى وكيفية التعامل معها. - نقاط ضعف أما عن نقاط الضعف فلخصها مؤشر الفتوى، في احتمالية المساهمة في انتشار السطحية والأمية الفكرية والدينية، والانفصال الفكري والروحي نتيجة غياب التفاعل بين المفتي والمستفتي؛ مما سيؤدي لغياب التفاعل الحي. وبالتالي الانفصال الفكري والمشاعري، وعدم إصدار الفتاوى الدقيقة التي تتلاءم مع حال المستفتي والظروف المحيطة، فأخذ العلم لا بد أن يكون على يد شيخ عالم. وأشار إلى احتمالية التأثير السلبي في تراجع الذهاب لدور العبادة، وسهولة تعرض تلك الآلات للاختراق من قبل أصحاب الرؤى غير المنضبطة والتنظيمات المتطرفة، والتبعية وعدم الاعتماد على الاجتهاد والبحث والدراسة، وتنوع الثقافات بين مؤسسي تلك التقنيات والمجتمعات المسلمة قد يتسبب في عدد من الإشكاليات الأخلاقية وتحريف المعنى وعدم فهم السياق الكامل، وإغفال العوامل الاجتماعية والنفسية للمستفتين، وعدم مراعاة القواعد الأصولية في الفتوى، واحتمالية المساهمة في انتشار «فوضى الفتاوى».

رقمنة "ذاكرة الأمة".. رؤية رئاسية لحفظ التراث الإذاعي والمقروء وتعزيز الحضور الرقمي
رقمنة "ذاكرة الأمة".. رؤية رئاسية لحفظ التراث الإذاعي والمقروء وتعزيز الحضور الرقمي

تحيا مصر

timeمنذ يوم واحد

  • تحيا مصر

رقمنة "ذاكرة الأمة".. رؤية رئاسية لحفظ التراث الإذاعي والمقروء وتعزيز الحضور الرقمي

في خطوة استراتيجية تعكس وعي القيادة السياسية بقيمة الإرث الإعلامي المصري ودوره في تشكيل الهوية الوطنية، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة الإسراع في رقمنة الأرشيف الإذاعي والتلفزيوني المصري، وتحويله إلى وسائط رقمية تحفظ المحتوى للأجيال القادمة، مع استثماره عبر منصة رقمية حديثة تُنشئها الهيئة الوطنية للإعلام، لتصبح نافذة عالمية للتاريخ الإعلامي المصري. رؤية رئاسية لحفظ التراث الإذاعي والمقروء وتعزيز الحضور الرقمي يُعد التراث الإذاعي والتلفزيوني المصري من الكنوز الثقافية والإنسانية، إذ يوثق عقودًا من العمل الإعلامي منذ بدايات البث الإذاعي في ثلاثينيات القرن الماضي، هذا التراث يضم تسجيلات نادرة للأحداث التاريخية، والخطب الرئاسية، والبرامج الثقافية والفنية، والأعمال الدرامية، فضلًا عن إرث إذاعة القرآن الكريم التي تأسست عام 1964، والتي حفظت أصوات القراء والمبتهلين على مدى ستة عقود، وشدد الرئيس السيسي خلال اجتماعه مع الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وأحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، على أن هذه المادة ليست مجرد تسجيلات، بل هي "ذاكرة الأمة"، ويجب حمايتها من التلف المادي وفقدان الجودة الناتج عن تقادم الوسائط التقليدية. تتجاوز رؤية الدولة المصرية في رقمنة الإعلام فكرة الحفظ فقط، بل تمتد إلى استثمار المحتوى على منصات رقمية حديثة، تتيح للجمهور داخل مصر وخارجها الوصول السهل والآمن لهذا الإرث. المنصة الرقمية المزمع إطلاقها عبر الهيئة الوطنية للإعلام ستوفر خدمات مشاهدة واستماع أرشيفية متطورة، مع إمكانات البحث الذكي، وإعادة توزيع المحتوى بما يتوافق مع متطلبات سوق الإعلام الرقمي، وكان لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، برئاسة الدكتور عمرو طلعت، تضطلع بدور محوري في هذا المشروع الوطني، من خلال توفير البنية التحتية التكنولوجية، وحلول الحوسبة السحابية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُسهم في ترميم وتحسين جودة المواد الصوتية والمرئية القديمة، كما تعمل الوزارة على وضع معايير تقنية لضمان استدامة البيانات الرقمية، وحمايتها من القرصنة أو التلف، وهو ما يجعل المشروع ليس مجرد نقل للأرشيف، بل إعادة إحياء له بأعلى جودة ممكنة. استراتيجية أوسع للتحول الرقمي اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالإعلام الرقمي لم يكن وليد اللحظة، بل يندرج ضمن استراتيجية أوسع للتحول الرقمي في مختلف قطاعات الدولة، فقد سبق وأن وُجّهت الحكومة بإطلاق منصات رقمية لتوثيق التراث الثقافي والفني، وتطوير البنية الإعلامية بما يتواكب مع الثورة التكنولوجية العالمية، هذا الاهتمام يعكس إدراك القيادة لأهمية الإعلام الرقمي في تعزيز القوة الناعمة المصرية، وتقديم صورة حضارية عن مصر للعالم، فضلًا عن حفظ الهوية الوطنية في ظل التغيرات الإعلامية المتسارعة. تولي الدولة اهتمامًا خاصًا بإذاعة القرآن الكريم، التي تمثل أيقونة إذاعية مصرية وعربية. وقد وجّه الرئيس بإنشاء موقع عالمي خاص بالإذاعة، ليكون مركزًا رقميًا لحفظ تراث القراء والمبتهلين، وإتاحة الأرشيف الكامل للبرامج التي بثتها الإذاعة منذ تأسيسها، مما يفتح المجال أمام الأجيال الجديدة للاستفادة من هذا الإرث الروحي والفني، ورغم ضخامة المشروع، فإن التحديات التقنية واللوجستية يمكن تجاوزها بفضل التعاون بين المؤسسات الإعلامية والتكنولوجية، والدعم السياسي الواضح، ويتوقع خبراء الإعلام أن تسهم هذه المبادرة في فتح آفاق اقتصادية جديدة عبر تسويق المحتوى الأرشيفي، وجذب الجمهور العالمي، ودعم صناعة المحتوى المحلي، وبهذه الخطوة، تضع مصر نفسها في مصاف الدول التي تدرك قيمة الماضي وتستثمر فيه لصناعة المستقبل، مؤكدة أن الإعلام الرقمي ليس فقط أداة للتواصل، بل جسرًا لحفظ الذاكرة الوطنية وتعزيز الهوية الثقافية في العصر الرقمي. ويرى خبراء الإعلام أن خطوة رقمنة الأرشيف الإذاعي والتلفزيوني المصري تمثل نقلة نوعية في الحفاظ على التراث الوطني، إذ يحذر الدكتور محمود خليل، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، من أن: "الأشرطة القديمة عرضة للتلف وفقدان الجودة مع مرور الزمن، وأي تأخير في نقلها إلى وسائط رقمية يعني فقدان جزء من ذاكرة مصر الإعلامية"..ويضيف أن المشروع لا يقتصر على الحفظ، بل يفتح الباب أمام "اقتصاد المحتوى"، حيث يمكن إعادة استخدام المواد الأرشيفية في الإنتاجات التلفزيونية، والتعليم الإلكتروني، وصناعة الأفلام الوثائقية. وترى الدكتورة ليلى عبد المجيد، عميدة كلية الإعلام الأسبق، أن المشروع يعزز القوة الناعمة المصرية، موضحة أن "الإعلام المصري كان على مدار عقود منصة العرب الأولى، وأرشيفه يحوي لحظات فارقة من التاريخ العربي، من خطب الزعماء إلى الأعمال الفنية التي شكلت وجدان أجيال"..وتؤكد أن رقمنة هذا المحتوى وإتاحته عالميًا سيعيد لمصر دورها الثقافي والإعلامي الرائد، خاصة في ظل المنافسة الشرسة على الفضاء الرقمي. ومن الناحية الاقتصادية، يفتح المشروع أبوابًا جديدة لصناعة الإعلام الرقمي، عبر بيع أو ترخيص استخدام المواد الأرشيفية للمنصات العالمية، أو إدماجها في إنتاجات جديدة، كما يمكن استهداف أسواق الجاليات المصرية والعربية بالخارج، التي تبحث دائمًا عن محتوى يوثق جذورها الثقافية، وبهذه الخطوة، تؤكد مصر أن حماية التراث الإعلامي ليست رفاهية، بل واجب وطني واستثمار في المستقبل، وأن الرقمنة ليست خيارًا، بل ضرورة لحفظ الماضي وتمهيد الطريق نحو إعلام حديث قادر على المنافسة عالميًا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store