
أكبر الأكاذيب المؤسسة لإسرائيل
فمن المعلوم أن تأسيس دولة إسرائيل، كما مر معنا، لم يكن نتاج أحداث سياسية مباشرة، بقدر ما كان نتيجة لتراكمات تاريخية لخطاب استشراقي يمتد بجذوره إلى القرن السابع عشر، حيث تم إنتاج وتسويق تصورات غربية عن الشرق، بما يشمل الهند والصين، وعموم العرب والمسلمين.
وهي تصورات نفت المنطق والعقل والعقلانية عنه، بمقابل انفراد الغرب بالحضارة والعقلانية، وهو ما سيشكل الأساس الإبستيمي (المعرفي) لخطاب الاستشراق، ولعلنا نجد في كتابات جاك غودي، وخاصة كتاب: "الشرق في الغرب"، خير تفكيك لهذه الأسس.
لكن التركيز الاستشراقي، كما الأنثروبولوجي، كان من نصيب العرب والمسلمين، ومن بينهم طبعا الفلسطينيون، الذين شكلوا هذا الآخر المعاكس والمناقض للذات الغربية، حيث شكلت هذه الصور والرؤى والتصورات المنافية للعقل والعقلانية والحضارة والمدنية عن هذا الآخر الأساس المرجعي للجهاز المعرفي للغرب عن الشرق، وبالتماثل إسرائيل عن العرب والمسلمين والفلسطينيين.
وهي رؤية لا يخفيها القادة الإسرائيليون باختلاف انتماءاتهم السياسية، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو في أحدث طبعة لسيرته الذاتية "مكان تحت الشمس".
ففلسطين في الخطاب الاستشراقي كانت أرضا خلاء، استوطنها بعض من البدو العرب الرحّل في سياق البحث عن الكلأ والمراعي، ولا تربطهم أية صلة بها، وهم متخلفون حضاريا، وهو عين خطاب ما يسمى بالاستشراق المساند للصهيونية، خاصة في أواخر القرن التاسع عشر.
الخطاب الاستشراقي من المعرفة إلى الاستعمار الاستيطاني
إذا كان رواد الاستشراق يعتبرون الخطاب الاستشراقي مشروعا معرفيا وفكريا، وكان مثقفو الغرب الديكولونياليون يعتبرون أن هذا الخطاب سقط، دون قصد، في إنتاج أنماط ونماذج جاهزة مؤسسة على أحكام قيمة، وسرعان ما تم تجاوزها، فإن واقع الحال يقول العكس تماما.
فهذا الخطاب بالرغم من الانتقادات التي وجهت إليه، كما حدث مع الأنثروبولوجيا، ما زال يتأسس على أحكام القيمة التغريضية والتنقيصية من الشرق، خاصة من العرب والمسلمين، بعد أن فندت الصين وكافة نمور آسيا مقولة الاستشراق الغربي، وأصبحت من البلدان الأكثر تقدما في العالم، بل وصارت الصين المنافس الذي يهدد عرش الولايات المتحدة الأميركية ذاتها، ويهدد هيمنة الغرب على العالم.
ذلك أن الاستشراق لم يكن مجرد دراسات حول الشرق، بقدر ما هو بنية معرفية لا تنفصل عن السيطرة الاستعمارية والهيمنة الرأسمالية الاحتكارية الغربية، وهو ما شكل جوهر كتاب المفكر الأميركي من أصول فلسطينية إدوارد سعيد: "الاستشراق" الذي صدر في طبعته الإنجليزية سنة 1978، حيث وضّح هذا الأخير كيف أنتجت أميركا وعموم الغرب تمثلات وصورا نمطية ومشوهة عن العرب والمسلمين وعموم الشرق الذي بات يمثل في الاستشراق الآخر المتخلف البربري وغير العقلاني، بمقابل الذات الغربية المالكة حصرا للعقل والعقلانية والحداثة والمدنية.
ولذلك، فهي تملك حق تمدين العالم ومساعدة الشعوب المتخلفة في نظرها على التحضر والتمدن عبر الاستعمار والاستيطان.
على المستوى الفلسطيني، وبالرجوع إلى الكتابات التاريخية الغربية، يتضح أن الخطاب الاستشراقي بدأ في بلورة تصور عن الإنسان الفلسطيني منذ القرن التاسع عشر، قبل وعد بلفور، وحتى قبل المؤتمر الأول للصهيونية في مدينة بازل السويسرية في أغسطس/ آب 1897 برئاسة وإشراف ثيودور هرتزل، والداعي لتشكيل وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، التي يعتبرها هذا الخطاب أرضا بلا شعب، أرضا خلاء.
كما تحضر في السيرة الذاتية لنتنياهو، وفي كتابات منظري الصهيونية بشكل عام والمستوحاة من الخطاب الاستشراقي، عبارة عن "أرض مقدسة ضائعة"، و"أرض ضاع مجدها ويجب إحياؤه"، و"الإحياء المقدس لأرض فلسطين"… إلخ، وأن الفلسطينيين هم مجرد عرب بدو أجلاف استقر بعضهم في مرحلة تاريخية مؤقتة في سياق الترحال والبحث عن المراعي، دون أن تكون لهم أية صلة تاريخية وشرعية بالأرض.
وفي مقابل ذلك، يتم تصوير اليهودي بوصفه "الابن الأصلي والشرعي لأرض كنعان"، وأن "اليهود طُردوا منها ظلما وجورا، وأن لهم دوما الحق في العودة، وهي عودة مقدسة".
وقبيل وعد بلفور أسهم الضابط والمؤرخ البريطاني لورنس العرب في تقوية الفصل بين الشرق والغرب، بين الإسرائيلي والعربي، معتبرا أن العرب غير قادرين على إدارة أمورهم. ولذلك كان يرى أنهم في حاجة إلى الوصاية حتى يتم ترقيتهم حضاريا ومدنيا، وهي مهمة الغرب بامتياز.
وعلى هذا المستوى، لم يكن وعد بلفور سوى الترجمة الحرفية لهذه المهمة الغربية، ولهذا الخطاب الاستشراقي، فإسرائيل تمثل تجمعا ليس لليهود، من منظور الدولة الدينية التي أساسا تتناقض مع الحداثة الغربية، فحسب، بل تمثل شعبا أوروبيا سُلبت الأرض من أجداده، وهو شعب منسجم يمتلك حضارة وعقلانية ومنطقا، بمقابل العرب الفلسطينيين الذين ليسوا سوى مجرد بدو رحّل في الأصل، لا تجمعهم وحدة ولا رابط، لكونهم طوائف وعشائر، وهو ما يعكس انحيازا استشراقيا لا تخطئه العين من أول سطر في هذا الخطاب الذي شكل الخلفية المرجعية للدعم البريطاني للمشروع الصهيوني قبل أن تصبح أميركا عرّابه الأكبر.
فإذا كان الاستشراق ظاهرة فكرية وسياسية ظهرت قُبيل بداية الغزو الاستعماري الأوروبي، جوهرها الخطابي هو إنتاج معرفة إمبريالية عن الشرق بغية تبرير الاستعمار وتسويغه، فإن بروز المشروع الصهيوني جعل هذا الاستشراق يتخذ من العالم العربي وفلسطين تحديدا موضوعه الأهم، بالنظر إلى ارتباط هذا المشروع باحتلال واستيطان أرض فلسطين، التي تحولت بفضل هذا الخطاب إلى بلاد كنعان، وأرض الميعاد، ومملكة إسرائيل التاريخية، بعدما أُفرغت تخييليا من سكانها الأصليين.
حيث تعاونت مراكز أبحاث وجامعات وباحثون غربيون مع نظرائهم من إسرائيل لإنتاج دراسات وأبحاث وكتابات تُعنى بالمنطقة العربية والإسلامية تكون في خدمة الأهداف الأيديولوجية والسياسية للحركة الصهيونية. وهو ما تولد عنه الاستشراق الصهيوني الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بإسرائيل كدولة استعمار استيطاني.
لقد ظل هذا المشروع الأيديولوجي المغرض بعيدا عن المساءلة عربيا وإسلاميا إلى أن جاء إدوارد سعيد، حيث أظهر بجلاء في كتابه "الاستشراق" كيف أن بعض المستشرقين اليهود استخدموا أدوات الاستشراق الغربي لخدمة أهداف صهيونية، أبرزها تقديم العرب كتهديد دائم لمشروع الدولة اليهودية.
ومن هذا المنطلق، كثرت وازدهرت الكتابات من هذا النوع، خاصة من قِبل مؤرخين إسرائيليين حاولوا تزوير الأحداث التاريخية وابتكار أخرى واستدعاء ثانية من وحي الخيال والأساطير لصناعة سردية غربية إسرائيلية مُخصبة باليورانيوم الاستشراقي، حيث العرب والفلسطينيون تهديد قائم لليهود ولدولة إسرائيل، بالنظر إلى أنهم مجبولون بالفطرة على الإرهاب والغلو والتطرف والبربرية، وهم، كما باقي الشرق، لا يتوفرون على شروط ومقومات العقلانية والحداثة بالنظر إلى توغلهم في حياة البداوة وتخلف دينهم، خاصة فيما يتعلق بكل نشاط فكري إسلامي.
ولعلنا نجد في البريطاني برنارد لويس خير مؤشر مرجعي على الاستشراق الصهيوني، فيما كتبه من كتب ومنشورات تفيد تخلف العرب وعداءهم المرضي لليهود، وضمن هذا السياق التأسيسي، يمكن اعتبار إسرائيل شاحاك أحد أهم الباحثين الذين أسسوا اللبنات الأولى للاستشراق الصهيوني، حيث كان هدفه إنتاج معرفة استشراقية من أجل تيسير التحكم في العرب وقيادتهم وإقناع نخبهم بمهمة إسرائيل الحضارية في المنطقة.
وهنا أعتقد أن شاحاك، بالرغم من أنه انقلب فيما بعد منتقدا الصهيونية، فدوره تاريخي في التأسيس للاستشراق الصهيوني. وكما هو شأن الاستشراق الغربي، ليس فقط نزعة فكرية ومعرفية فردية مرتبطة بأشخاص معينين، ما دام أنه بنية بحثية وفكرية مؤسساتية، يُعد الاستشراق الصهيوني بنية مؤسساتية قائمة الذات، ترتكز على مؤسسات جامعية ومعاهد ومراكز أبحاث.
ولهذا، نجد الجامعات الإسرائيلية، مثل الجامعة العبرية وتل أبيب، قد أنشأت أقساما متخصصة بالدراسات الشرقية، مرتبطة بالمؤسسة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية.
ومثلما يشير إلى ذلك عدد من المفكرين المنتقدين للصهيونية، من قبيل إيلان بابيه ونعوم تشومسكي، وزيجمونت باومان، وحنة أرندت، وأبرهام ملتسر، وغيرهم كثر، سعى المشروع الاستشراقي الصهيوني إلى توفير معرفة إستراتيجية لتوجيه السياسات الإسرائيلية في التعامل مع العرب، وتشويه صورتهم وصورة المسلمين بشكل عام بوصفهم غير عقلانيين، متخلفين، وعدوانيين، لتبرير سياسات الاحتلال.
ومن ثم نزع الشرعية عن الثقافة العربية، عبر تزييف الوقائع والأحداث للبرهنة على أن العرب لا يتوفرون على أي إرث حضاري، والهدف من ذلك هو إعادة كتابة التاريخ الفلسطيني، وتصوير فلسطين كأرض بلا شعب قبل مجيء الصهاينة، وهنا يمكن إدراج تهويد الأماكن والفضاءات والأسماء ومنحها هوية يهودية وإسرائيلية، والسعي نحو إقناع العالم بذلك.
لهذا، في الحقيقة، لا ينفصل المشروع الاستشراقي الصهيوني عن "الهاسبارا"، أي جهاز الدعاية الإسرائيلية الموجهة إلى الغرب، خاصة أن الكتابات والدراسات الجامعية والأكاديمية تُوجّه تحديدا إلى الغرب والنخب الحاكمة في العالم العربي لتبرير الاستيطان وتزييف الرواية الفلسطينية.
بيد أنه في السنوات الأخيرة باتت هذه الكتابات تُوجّه أيضا إلى النخب العربية من مختلف التوجهات، خاصة الحداثية، من أجل تعبئة هذه النخب خدمة للصهيونية الوظيفية، بتعبير عبدالوهاب المسيري.
الاستشراق الصهيوني والتقابل الانحيازي
تأسيسا على ما سبق، سوف ينحو الاستشراق الصهيوني منحى الدعم المباشر لقيام دولة إسرائيل، وفيما بعد لدعم حروبها وتبريرها بدعاوى حضارية ومدنية، من خلال إعادة إنتاج وتحيين التصورات والتمثلات الاستشراقية، خاصة بعد أن تعرض الاستشراق نفسه لضربات موجعة من قبل الدراسات الثقافية وما بعد الكولونيالية.
هذا الخطاب الاستشراقي الصهيوني، والذي تطور على يد باحثين ينتمون أساسا إلى جيش الاحتياط الإسرائيلي، يصور الجندي الإسرائيلي كرجل غربي جديد يعيد التمدن لمنطقة مقدسة مهملة، ويصور الجيش كمجموعة من الرجال والنساء الذين يقومون بمهام مقدسة جليلة.
وبما أن هذا الخطاب تواضع على مزاعم أن فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وهي مقولة استشراقية بامتياز، فإن الفلسطينيين ليسوا سوى إرهابيين يحاربون المدنية والحضارة، ويقوضون أسس القداسة في أرض الميعاد.
وهو ما عملت على ترويجه ومأسسته وترسيمه الجامعات الغربية والإسرائيلية على حد سواء، كشكل من أشكال الدعم الصريح لإسرائيل، فمنذ أوائل القرن العشرين لم تتوانَ المؤسسات الأكاديمية والجامعية ومراكز الدراسات والأبحاث في إغناء وتكريس هذا الخطاب الاستشراقي المؤيد للرواية الإسرائيلية، حتى صارت مصطلحات مثل "الدراسات الشرق أوسطية" مقابلا موضوعيا للسردية الصهيونية الاستشراقية.
إن هذا الخطاب الاستشراقي الصهيوني ليس خطاب نخبة، بل خطاب المدرسة، والإعلام، والأسرة، والجامعة، والجيش، وخطاب الحاخامات على حد سواء.
لقد بات بفضل الدعاية والترويج والتسويق للسردية الغربية، ذاكرة جماعية تأبى أن تتفكك على وقع الأحداث اليومية التي تكشف زيفه وتسقط أقنعته، وإذا كانت أحداث الانتفاضة الأولى 1987، أو ما سُمي بأطفال الحجارة، والانتفاضة الثانية 2015، قد أسهمت في إعادة إحياء القضية الفلسطينية، على الأقل إعلاميا ومؤسساتيا: (الأمم المتحدة، مجلس الأمن، مجلس الاتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية)، وفكريا من خلال (الكتب والإصدارات… إلخ)، فإن أحداث طوفان الأقصى قد كشفت، بشكل غير مسبوق في تاريخ الكيان، زيف أقنعة الحداثة والمدنية والحضارة، وأظهرت للعالم وجه الإبادة الحقيقية التي تمارسها إسرائيل في حق أرض بشعب وشعب بأرض.
بيد أن الدعاية الغربية ما تزال مستمرة في تبرير حروب إسرائيل الاستيطانية والإحلالية في فلسطين، وحروبها التوسعية في المنطقة: لبنان، سوريا، إيران… إلخ.
إن الحروب الإسرائيلية المستديمة في منطقة الشرق الأوسط، منذ حروب: 1948، و1956، و1967، و1973، ومنذ قصفها المفاعل النووي السلمي العراقي 1981، إلى حرب لبنان الأولى 1982، وحرب لبنان الثانية 2006، مرورا بحروب غزة المتكررة: 2006، 2012، 2014، 2016، 2021، 2022، 2023، 2025، انتقالا إلى حرب إيران في يونيو/ حزيران 2025، وهي سلسلة طويلة ولا تنتهي، وإن كان جوهرها الأساس هو الغارات الجوية كل مرة على بلدان المنطقة، ليس آخرها قصف العاصمة دمشق في يوليو/ تموز 2025، تُعد بمثابة امتداد لمشروع استعماري طويل الأمد، يجد تبريراته في التمثلات الاستشراقية التي تسبق وتصاحب كل حرب من حروبها.
ولعلنا نجد في التبرير الإعلامي، سواء الغربي أو الإسرائيلي، للحروب المرتبطة بالمستوطنات والتهويد الذي طال الذاكرة الفلسطينية المادية والرمزية على حد سواء، ما يعكس بجلاء هذه التصورات الاستشراقية، وأن أعداء الحضارة والتقدم والازدهار يرفضون إسرائيل فقط؛ لأنها ممثل الحضارة الغربية والمدنية التي جاءت من أجل مهمة حضارية، وإعادة إحياء أرض مقدسة طُرد منها يهود بني إسرائيل ظلما وعدوانا.
على سبيل الختم
إذا كان المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد قد أبرز كيف يتم استخدام الاستشراق من أجل صياغة سياسات الهيمنة، وجعل العالم ينتبه للاستشراق الصهيوني، وكشف عبدالوهاب المسيري البنية الاستعمارية للخطاب الصهيوني، فإن المؤرخين الجدد في إسرائيل، مثل إيلان بابيه، قد فضحوا الطابع الأيديولوجي للتاريخ الاستشراقي الإسرائيلي.
في حين أسقط المفكر نعوم تشومسكي ألاعيب وإستراتيجيات الاستشراق الصهيوني الساعية إلى استلاب العالم وإخضاعه لمشيئة الصهيونية من خلال شيطنة العرب والفلسطينيين وسلبهم تاريخهم الحضاري والمدني العريق، بينما أبرز المفكر جوزيف مسعد كيف أن أحداث غزة كشفت زيف الغرب وأوهام الحداثة، فيما أظهره من كراهية عرقية للفلسطينيين.
ومن هذا المنطلق، يجب على النخب في العالم العربي والإسلامي أن تعي جيدا أن الحروب الدائرة في الميدان في غزة والضفة الغربية، وفي لبنان وسوريا، وفي اليمن وإيران… إلخ، ليست سوى الترجمة الحرفية لحرب تتم بعُدة وعتاد مختلفين، أساسهما المعرفة والتاريخ والأيديولوجيا.
إن الاستشراق الصهيوني ليس مجرد معرفة محايدة، كما هو حال الاستشراق الغربي عامة، بل هو أداة سياسية وأيديولوجية، وجزء من الحرب المعلنة على العرب والمسلمين، تخدم مشروعا استعماريا استيطانيا وإحلاليا.
ولذلك، فتفكيك هذا الخطاب وإسقاط أقنعته وفضح تحيزاته تُعد ضرورة معرفية وأخلاقية لمواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة وفي العالم ككل من منظور نقدي ومعرفي. وهو ما يشكل إحدى مهام الجامعات والمفكرين والباحثين في العالمين العربي والإسلامي بشكل خاص، وكل المفكرين الأحرار في العالم بشكل عام.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
إدارة ترامب تخفف انتقاداتها الحقوقية لإسرائيل ودول صديقة
أجرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغييرات كبيرة على تقرير رئيسي للحكومة الأميركية عن حقوق الإنسان في أنحاء العالم، إذ خففت بشكل ملحوظ انتقاداتها لبعض الدول التي ترتبط بشراكة قوية مع ترامب مثل إسرائيل والسلفادور. وأطلقت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي لحقوق الإنسان لعام 2024 تحذيرا بشأن تراجع حرية التعبير في أوروبا، وصعّدت انتقاداتها للبرازيل وجنوب أفريقيا اللتين تصادقهما واشنطن بشأن مجموعة من القضايا. وبدا أن أي انتقاد للحكومات بشأن تعاملها مع حقوق الشواذ جنسيا، التي ظهرت في التقارير الصادرة خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، قد حُذف إلى حد كبير. وأشارت واشنطن إلى غزو روسيا لأوكرانيا بشكل رئيسي باسم " الحرب الروسية الأوكرانية"، وكان الجزء المخصص لإسرائيل في التقرير أقصر بكثير من إصدار العام الماضي ولم يتضمن أي ذكر للأزمة الإنسانية الحادة في قطاع غزة أو عدد الشهداء هناك. وقال مسؤولون حكوميون رفضوا الكشف عن هوياتهم إن صدور التقرير تأخر لأشهر، إذ أجرى مسؤولون معينون من قبل ترامب تعديلات جوهرية على مسودة سابقة لوزارة الخارجية لتتماشى بشكل كبير مع قيم "أميركا أولا"، وأضاف التقرير فئات جديدة مثل "الحياة" و"الحرية" و"الأمن الشخصي". وفيما يتعلق بالسلفادور، ذكر التقرير أنه "لم ترد تقارير موثوقة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، في تناقض صارخ مع تقرير عام 2023 والذي أشار إلى "مشكلات كبيرة في مجال حقوق الإنسان"، وسرد تقارير موثوقة عن عمليات قتل غير قانونية أو تعسفية وتعذيب وظروف قاسية في السجون تشكل تهديدا للحياة. وتعززت العلاقات الثنائية بين واشنطن والسلفادور منذ تولي ترامب منصبه، حيث رحّلت الإدارة الأميركية أشخاصا إلى السلفادور بمساعدة الرئيس نجيب أبو كيلة الذي تتلقى بلاده 6 ملايين دولار من الولايات المتحدة لإيواء المهاجرين في سجن ضخم شديد الحراسة. وتخلت إدارة ترامب عن النهج الأميركي التقليدي في الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان، معتبرة ذلك تدخلا في شؤون الدول الأخرى، لكنها في الوقت نفسه تنتقد البلدان بشكل انتقائي بما يتماشى مع سياستها الأشمل تجاه كل دولة بعينها. وتم إعداد تقرير هذا العام بعد عملية تجديد شاملة للوزارة، شملت فصل مئات الأشخاص، كثير منهم من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل التابع للوزارة، والذي يتولى زمام المبادرة في كتابة التقرير. وفي أبريل/نيسان الماضي، كتب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مقال رأي قال فيه إن المكتب أصبح منبرا "للنشطاء اليساريين"، مشيرا إلى أن إدارة ترامب ستعيد توجيه المكتب للتركيز على "القيم الغربية".


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
نتنياهو يلوح مجددا بتهجير الفلسطينيين وجنوب السودان وجهة مقترحة
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الثلاثاء أن إسرائيل "ستسمح" لسكان قطاع غزة الذين يريدون الفرار من الحرب المستمرة بالمغادرة إلى الخارج، في حين تجري إسرائيل محادثات لتهجير فلسطينيي قطاع غزة إلى جنوب السودان. وقال نتنياهو، في مقابلة مع قناة "آي 24" الإسرائيلية، إنه يريد تحقيق رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتمثلة في نقل جزء كبير من سكان غزة من خلال ما سماها بـ"الهجرة الطوعية". وأضاف نتنياهو "أعتقد أن الشيء الصائب، حتى وفقًا لقوانين الحرب كما أعرفها، هو السماح للسكان بالمغادرة، ثم تدخل بكل قوتك ضد العدو الذي يبقى هناك". وأوضح "نمنح سكان غزة الفرصة لمغادرة مناطق القتال في المقام الأول، ومغادرة القطاع عموما، إذا رغبوا في ذلك"، مشيرا بهذا الصدد إلى مغادرة لاجئين خلال الحروب في سوريا وأوكرانيا و أفغانستان. وأشار نتنياهو إلى أن "إسرائيل تتحدث إلى العديد من الدول التي يمكن أن تكون مضيفة، وعلى جميع من يبدون قلقهم على الفلسطينيين ويريدون مساعدتهم أن يفتحوا أبوابهم لهم". وكانت دعوات سابقة لترحيل الغزيين إلى خارج القطاع بما فيها التي أطلقها ترامب، أثارت مخاوف لدى الفلسطينيين، واستدعت إدانات دولية. وكان نتنياهو قد صرح في وقت سابق بأن حكومته تعمل على إيجاد دول ثالثة تستقبل سكان قطاع غزة، وذلك عقب اقتراح ترامب تهجيرهم وتطوير القطاع كوجهة سياحية. ودعا وزراء اليمين المتطرف في ائتلاف نتنياهو إلى رحيل "طوعي" لفلسطينيي غزة. وفي سياق متصل، تجري إسرائيل محادثات مع جنوب السودان بشأن إمكانية تهجير فلسطينيين من قطاع غزة إلى أراضيها. وأكد 6 أشخاص مطلعين على الأمر هذه المحادثات لوكالة أسوشيتد برس، دون أن يتضح بعد مدى التقدّم في هذه المفاوضات. وامتنعت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن التعليق، ولم يرد وزير خارجية جنوب السودان على أسئلة حول هذه المفاوضات. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الوزارة لا تعلق على المحادثات الدبلوماسية الخاصة. وقال جو سلافِك، مؤسس شركة ضغط أميركية تعمل مع جنوب السودان، إنه أُبلغ من قبل مسؤولين في جنوب السودان بهذه المحادثات، مضيفا أن وفدًا إسرائيليا يخطط لزيارة البلاد لبحث إمكانية إنشاء مخيمات للفلسطينيين هناك، دون تحديد موعد معروف للزيارة. وأشار إلى أن إسرائيل قد تدفع تكاليف هذه المخيمات المؤقتة. وقال مسؤولان مصريان لوكالة أسوشيتد برس إنهما على علم منذ أشهر بمحاولات إسرائيل إيجاد دولة تقبل الفلسطينيين بما في ذلك تواصلها مع جنوب السودان، مضيفين أنهما ضغطا على جنوب السودان لرفض قبولهم. وتعترض مصر بشدة على أي خطط لنقل الفلسطينيين خارج قطاع غزة خوفًا من تدفق اللاجئين إلى أراضيها. وكانت أسوشيتد برس قد أوردت سابقًا أن إسرائيل والولايات المتحدة أجرتا محادثات مماثلة مع السودان و الصومال ، وكذلك مع إقليم "أرض الصومال" الانفصالي، لكن لا يُعرف ما آلت إليه تلك المباحثات. وأي مسعى بالنسبة للفلسطينيين لإجبارهم على مغادرة أراضيهم سيُعيد إلى الأذهان ذكرى النكبة عام 1948. وقد رفض الفلسطينيون ومنظمات حقوق الإنسان ومعظم المجتمع الدولي هذه المقترحات، واعتبروها مخططًا للتهجير القسري في انتهاك للقانون الدولي.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
حزب الله وضربات "لئيمة" من إسرائيل
خياران أحلاهما مر بانتظار حزب الله؛ كلفة الاحتفاظ بالسلاح باهظة للغاية، عليه وعلى لبنان، والتخلي عنه، يكاد يكون انتحارا سياسيا، يُخرج الحزب من ثوبه، ومن كل ما نشأ عليه ومن أجله، فيما الرهان على "عامل الوقت"، أو البحث عن مخرج، يبدو معلقا على المجهول. في لبنان، ثمة أغلبية سياسية وشعبية، تبلورت في ضوء نتائج "حربي الإسناد" و"أولي البأس"، باتت تنظر للسلاح باعتباره فاقدا القدرة على الحماية والردع والتحرير في مواجهة إسرائيل، وهي الوظائف الثلاث التي تراكم السلاح من أجلها، وشكلت المبرر لانفراد الحزب طوال أكثير من أربعة عقود، بحمله وتخزينه وتطويره واستخدامه. اليوم، يجد الحزب صعوبة في تسويق هذه الوظائف على جمهور متزايد من اللبنانيين، لا سيما من خارج بيئته الشيعية الحاضنة. غالبية مسيحية وسُنية ودرزية، وأقلية شيعية، باتت تدعم توجه الدولة الجديد، والجريء، في معالجة قضيتي؛ "حصرية السلاح"، و"قرار الحرب والسلم". وحتى من بين الشيعة أنفسهم، فإن ثمة فريقا لا بأس به – من داعمي احتفاظ الحزب بسلاحه- ينطلق في مواقفه من اعتبارات داخلية، ومخاوف (مشروعة أو غير مشروعة) على مستقبل الطائفة ومكانتها، أو يتحسب لتداعيات الحدث السوري على لبنان وتوازنات القوى فيه، منذ سقوط نظام الأسد 8 ديسمبر الفائت. بهذا المعنى، لم يعد هذا الفريق يربط السلاح بمقاومة إسرائيل أو تحرير ما تبقى من أراضي الجنوب، بل بديناميات العلاقة مع القوى والمكونات الأخرى، لبنانيا، وامتداداتها السورية. لا شك أن فريقا من اللبنانيين، لم ينظر يوما بعين الرضا عن المقاومة والحزب والسلاح، وهو سبق أن أشهر سلاحه في مواجهة المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ولم يتوانَ عن استدعاء مختلف أشكال الدعم والتدخل الإسرائيلية، لإنجاز الحسم في معركة الداخل. هذا الفريق، ما زال "وفيا" لمواقفه ونهجه، وهو بات أكثر جرأة في التصدي لمسألة السلاح، والتحريض عليه، والاستقواء بـ"الخارج" على الفريق الذي يحمله. و"الخارج" اليوم، لم يعد إسرائيل حصرا، فالولايات المتحدة، تقود أشد حملات التضييق والحصار على سلاح الحزب ومسلحيه، وتسعى في تقطيع شرايينه، وتجفيف موارده، من مالية واقتصادية، وتؤلّب عليه الدولة والمؤسسات والأحزاب وكل الحلفاء المحليين، وهي تستعجل إنجاز هذه المهمة من دون تردد. ومن ضمن تكتيكاتها، التلويح بورقة "بلاد الشام"، و"تلزيم" لبنان لسوريا، كما ورد على لسان توم باراك، الموفد الأميركي، الكاره سايكس بيكو، والمتحمس لفكرة إعادة ترسيم خرائط المنطقة، على خطوط الطوائف والمذاهب والأقوام، والداعم بشكل "مداهن" لنظرية جدعون ساعر حول "حلف الأقليات". وهي النظرية التي عبر مؤتمر الحسكة الأخير، عن خطوة عملية باتجاه ترجمتها، بدعم فرنسي، وضوء أخضر أميركي، وفي مواجهة النظام الجديد في دمشق، وأبعد منه، في مواجهة أنقرة وحلفائها السوريين. يشعر هذا الفريق المتسع من اللبنانيين، أن لبنان بانتظار "فرصة تاريخية" لإغلاق ملف مضى عليه مفتوحا أكثر من أربعة عقود، ودائما تحت شعار بناء الدولة القوية العادلة والضامنة للجميع. لكأن هذا الفريق، في سباق مع الزمن، حتى لا تفقد "الفرصة" زخمها وقواها الدافعة. رهانات الحزب لكن ثمة ما يجعل مهمة هذا الفريق، صعبة للغاية، فلا إسرائيل التزمت باتفاق 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، وأوقفت عدوانه المتكرر والمتمادي على لبنان، ولا الولايات المتحدة، بصدد تقديم ضمانات مقنعة للدولة اللبنانية، بأن مرحلة ما بعد تسليم السلاح، ستعيد للبنان أرضه وأسراه وسلامه واستقراره وازدهاره. حتى بلغ الأمر بأكثر المتحمسين لنزع السلاح، حد التعبير عن موقفه بلغة الاحتمالات والترجيحات، بلا أي ضمانة أو يقين، وهذا أمرٌ يدفع الحزب وأنصاره إلى التحذير من "قفزة في المجهول". وثمة عامل آخر، يلعب، وسيلعب دورا في حسم مسألة السلاح، وأعني به "العامل السوري"، إذ ربما يراهن الحزب على ما يمكن أن تأتي به التطورات المتلاحقة في المشهد السوري، ونشوء "مسألة درزية" إلى جانب "المسألة الكردية"، وربما بعد حين، "مسألة علوية"، من تحولات في مواقف الدولة والرأي العام اللبنانيين من الحزب والسلاح، ذلك أن الصور المبثوثة من سوريا عن صدامات و"جرائم" على خلفية طائفية ومذهبية، لا تساعد في طمأنة مكونات لبنانية عديدة إلى سلامة مستقبلها، ومن ضمنها جهات، لا تكنّ ودا ظاهرا أو مضمرا للحزب. على أن أسوأ ما يمكن أن يبني عليه الحزب من رهانات، هو الاعتقاد بأن إسرائيل سئمت الحرب وتستصعب العودة، سواء للإعياء الذي أصاب جيشها أو لانشغالاتها على جبهة غزة، أو الافتراض بأن مستقبل الحزب والسلاح، سيكون مطروحا على مائدة التفاوض بين إيران والولايات المتحدة، حين تلتئم. فلا إسرائيل بوارد التوقف عن استهداف لبنان، لا سيما أنها ترى في حربها عليه، حربا بلا كلفة.. ولا إيران، ستقدم مصلحة الحزب والسلاح، على حسابات أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية حال بدأت بحثا جديا حول هذه العناوين مع واشنطن والغرب. صدام مستبعد يخشى لبنانيون كثر، من مغبة تحول الخلاف بين الدولة والحزب، إلى صدام بين الأخير والجيش، وفي ظني أن لا الحزب ولا الجيش، لديهما الرغبة والإرادة والمصلحة في الوصول إلى صدام كهذا، ترفضه غالبية اللبنانيين، ولا تحرض عليه سوى أقلية منهم. وأحسب أن صداما كهذا، لن يترك الحزب معزولا في بيئته الوطنية والمذهبية فحسب، بل وقد يتهدد مصير الجيش ووحدته وتماسكه، وربما يعيد إنتاج سيناريو "الحرب الأهلية"، إذ انقسم الجيش إلى عدة جيوش على أساس مذهبي وطائفي. استبعاد سيناريو الصدام بين الجيش والحزب، لا يعني أن لبنان سينجح في تفادي احتمال عودة الحرب من جديد، ولكن بين إسرائيل وحزب الله.. امتناع الحزب عن تسليم سلاحه للجيش، سيعطي إسرائيل مبررا لتوجيه ضربات "لئيمة" لمواقعه ومقدراته، وربما العودة إلى الاغتيالات "رفيعة المستوى". وقيام الحزب بالرد على العدوان الإسرائيلي، سيطلق يد إسرائيل في ترجمة سيناريو غزة في لبنان. ولا أحد يعرف حتى الآن، ما إذا كان الحزب قادرا على استعادة "معادلة التوازن والردع"، وفرض قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل. أغلب التقديرات، تقول إن الحزب ليس في وضع عسكري سيمكنه من فعل ذلك، والأهم أنه سيُحمل المسؤولية عن عودة التصعيد، وسط انكشاف في الغطاء اللبناني والعربي والدولي، ووسط ضعف قوى وأطراف ما كان "محورا للمقاومة والممانعة" ذات يوم. معنى أن يتخلى الحزب عن سلاحه مقابل ذلك، فإن قبول الحزب بتسليم سلاحه للجيش، والتحول كليا للعمل السياسي المحلي، يعني أنه فقد "فرادته"، وأنه سيكون حزبا من بين أحزاب أخرى عديدة، ليس أقواها بالضرورة، لا في الشارع ولا في البرلمان ولا في الحكومة. كما يعني أنه سيفتح فصلا من المراجعة والمساءلة، قد لا ينتهي لصالحه، لا سيما بوجود عشرات ألوف الشهداء والجرحى، وعوائلهم، الذين لم يقطعوا كل هذا الشوط مع الحزب، وقدموا كل هذه التضحيات على مذبح المقاومة، لينتهوا إلى "صناديق المعونة والإغاثة". حزب الله بلا سلاح، لن يبقى قوة مهيمنة حتى في الوسط الشيع، بل وقد لا يبقى الثنائي الشيعي متفردا بتمثيل الطائفة والنطق باسمها، وقد تنشأ تيارات واتجاهات داخلها، متصادمة مع الحزب والثنائي، ومصطرعة مع أطروحاتهما. والأخطر من كل هذا وذاك، وأهم، أن إسرائيل لن تدع الحزب وشأنه، حتى إن هو قرر تسليم سلاحه، وستواصل حكومة اليمين الفاشي،" أخذ زمام أمنها في لبنان بيدها"، وتحت شعار "يد طليقة في لبنان"، ستعمل على إذلال الحزب في كل مناسبة، وتذكيره بأنها هي من انتصر، وهو من هزم، كما ستعمل على "تسوية الحساب" مع كل من تورط بإراقة دماء إسرائيلية، وسيظل لبنان من منظورها الإستراتيجي، "مجالا حيويا" لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي. وتأسيسا على تجارب متراكمة للتعامل مع هذا الكيان، فإنه سيلجأ إلى ممارسة "التنمر" وطلب المزيد من الإذعان والتنازلات، كلما استشعر ضعفا وهوانا، وكلما أحسّ بأن الطرف المقابل، قد قرر الخروج من ميدان المواجهة. لقد فقد سلاح الحزب، "دورا إقليميا" لطالما اضطلع به من موقع قيادي، وفي ساحات عدة، وليس في سوريا وحدها، إثر النتائج الكارثية لحربي "الإسناد" و"أولي البأس". اليوم، يبدو هذا السلاح، مهددا بفقدان دوره الوطني، في ظل تفاقم مأزق الخيارات المطروحة، واشتداد مصاعب الاحتفاظ به أو التخلي عنه. لا خيارات سهلة أمام الحزب، والشيء ذاته، ينطبق بقدر أكبر على لبنان برمته. فالدولة اللبنانية، محاصرة بضغوط لا قبل لها بها، من أشقائها وأصدقائها، عربا وأوروبيين وأميركيين، وجميعها تندرج تحت عنوان "حصرية السلاح". فيما إعادة إعمار لبنان ووضعه على سكة التعافي المبكر وخروجه من شرنقة الحصار والعقوبات، تنتظر إنجازا سريعا على هذا الدرب.. والدولة، المتحمسة لسحب السلاح، تدرك أن استخدام القوة لفعل ذلك، هو "وصفة خراب" قد تقود إلى تجدد الحرب الأهلية من جديد، وهذا كابوس يسعى عقلاء لبنان لتفاديه. ترك المهمة لإسرائيل أمام هذا الاستعصاء المزدوج: استعصاء الدولة والحزب، فإن أكثر السيناريوهات ترجيحا، هو ترك المهمة لإسرائيل، ليس باتفاق "تآمري" مباشر وصريح بين الأطراف، بل من خلال "تقاسم موضوعي" للمهام والأدوار، كأن يعاود سلاح الجو توجيه ضربات نوعية تدميرية مكثفة للحزب وبيئته الاجتماعية في الجنوب والضاحية والبقاع على نطاق أوسع مما يفعله اليوم، وأن يعاود "الموساد" سياسة الاغتيالات ويتوسع بها، فلا تقتصر على الجناح العسكري فقط، كما هي جارية منذ وقف إطلاق النار، وبعدها يمكن معاودة النقاش المحلي حول السلاح في ظروف مختلفة، يكون فيها الحزب في موقع أضعف، أو هكذا يُراهن بعضهم على أقل تقدير. إعلان