
لهذا السبب قامت إسرائيل بضرب سوريا
وبحسب الموقع، 'بحلول الثاني عشر من تموز، أشارت التسريبات إلى أن الاتفاق أصبح أقرب، إذ ورد أن الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، اللذين اضطرا إلى التحرك بسرعة مقابل الضمانات الأمنية الضرورية للغاية، ومساعدات إعادة الإعمار والاستثمار، التقيا بشكل مباشر مع مسؤولين إسرائيليين في أذربيجان. وفي سعيه المستمر للحصول على جائزة نوبل للسلام، التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيا بالشرع في الرياض، وبدأ بعد ذلك في تفكيك عقود من العقوبات، مراهناً بشكل كبير على إعادة تأهيل سوريا والإندماج الإقليمي. كان ترسيخ دولة سورية مستقرة وموحدة محوريًا في هذه الرؤية الأميركية، ويقود برّاك هذه المهمة الشاقة، ساعيًا إلى تفكيك مصادر التشرذم المحتملة. وفي الوقت الحالي، تتمثل مهمته الأكثر أهمية وإثارة للجدل في دمج قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في الجيش الوطني السوري الناشئ. وكانت رسالة برّاك إلى قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي خلال الاجتماعات المتوترة في دمشق في وقت سابق من هذا الشهر حازمة: 'بلد واحد، جيش واحد، شعب واحد'.'
وتابع الموقع، 'رفض برّاك بشكل قاطع المطالب الكردية بالفيدرالية أو الهياكل العسكرية المستقلة باعتبارها غير قابلة للتطبيق ومزعزعة للاستقرار، قائلاً: 'في كل هذه البلدان ما تعلمناه هو أن الفيدرالية لا تنجح'. ويشكل هذا الدافع نحو قيادة عسكرية موحدة الأساس لاستراتيجية الولايات المتحدة لمنع تقسيم سوريا وخلق شريك قابل للتطبيق من أجل السلام الإقليمي، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل. وقد وفر اندلاع العنف في معقل الدروز في محافظة السويداء في سوريا في الحادي عشر من تموز لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المحفز المثالي لعرقلة هذا التقدم الهش'.
وأضاف الموقع، 'عندما اندلعت الاشتباكات بين الفصائل الدرزية والقبائل البدوية، تدخلت الحكومة السورية لاستعادة النظام، حيث أخطرت إسرائيل مسبقاً بتحركات القوات، موضحة أن هذه الخطوة لم تكن تهدف إلى تهديد جارتها الجنوبية. ووفقًا للتقارير، أخطأت الحكومة السورية في فهم الوضع، ظانةً أنها حصلت على الضوء الأخضر من كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل لنشر قواتها، مدفوعةً برسالة أميركية مفادها أن سوريا يجب أن تُحكم كدولة مركزية، ومتأثرةً بالمحادثات الأمنية الناشئة مع إسرائيل. إلا أن إسرائيل اعتبرت الوضع دعوةً للتصعيد. ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الغارات الجوية المدمرة على الدبابات السورية، ثم على دمشق، بأنها ضرورة أخلاقية بهدف حماية الأقلية الدرزية المضطهدة، وهي مجموعة ذات حضور كبير وواضح في إسرائيل، بما في ذلك في الجيش الإسرائيلي'.
وبحسب الموقع، 'إن تصرفات إسرائيل تقوض السياسة الأميركية بشكل مباشر من خلال منع ترسيخ سوريا موحدة ذات سيادة وقادرة على استعادة جنوبها وتصبح شريكا لرؤية الولايات المتحدة. الأهم من ذلك، أن الطائفة الدرزية التي يدّعي نتنياهو حمايتها ترفض بشدة هذه الرعاية المفروضة. اثنان من الزعماء الروحيين الثلاثة للطائفة الدرزية في سوريا، الشيخان حمود الحناوي ويوسف جربوع، يؤكدان على هويتهما السورية ويطالبان بالحماية من الدولة السورية، لا من القوى الخارجية. وأكد الشيخ جربوع، على خلفية الأحداث الأخيرة في السويداء، أن الحلول يجب أن تأتي من داخل سوريا، موجهاً رسالة إلى إسرائيل مفادها أن 'أي هجوم على الدولة السورية هو هجوم علينا… نحن جزء من سوريا'. ومن بين القيادات الدرزية في سوريا، فإن الشيخ حكمت الهجري هو الوحيد الذي يؤيد تدخل إسرائيل، واصفاً الحكومة بأنها 'عصابات إجرامية إرهابية'، وهي وجهة نظر يرفضها كثيرون داخل مجتمعه'.
وتابع الموقع، 'انكشف عجز إسرائيل عن التصرف كضامن وحيد لأمن الطائفة الدرزية في سوريا يوم الجمعة عندما اعترف مسؤول إسرائيلي ضمناً بأن دمشق وحدها قادرة على تأمين الاستقرار. وقال المسؤول الذي لم يكشف عن هويته لرويترز 'في ضوء حالة عدم الاستقرار المستمرة، ستسمح إسرائيل الآن بدخول محدود لقوات الأمن الداخلي السورية إلى محافظة السويداء خلال الـ48 ساعة المقبلة'. وقد كان هذا التراجع بمثابة اعتراف ضمني بأن الحكومة السورية تظل الطرف الفاعل الذي لا غنى عنه لاستعادة النظام والعمل كحاجز بين القبائل البدوية المتحاربة والفصائل الدرزية. في الواقع، كانت هذه الاشتباكات المحلية هي المحفز الأساسي الذي اجتذب قوات الحكومة السورية، التي أصبح تدخلها آنذاك ذريعة لإسرائيل للقصف'.
وأضاف الموقع، 'سارعت الإدارة الأميركية، التي فوجئت بالقصف الإسرائيلي، لاحتواء تداعياته، وكشف مسؤولون أنهم 'أمروا الإسرائيليين صراحةً بالتراجع والهدوء'، وحثّوا على إجراء محادثات مباشرة مع دمشق بدلًا من القصف. وتكشف ضربات إسرائيل عن نمطٍ ساخرٍ يُحاكي تخريبها للمحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. فكما ضغط نتنياهو بلا هوادة ضد الدبلوماسية الأميركية الإيرانية، مُهيئًا بذلك الظروف لضربات إسرائيل الأحادية الجانب التي نجحت لاحقًا في جرّ واشنطن إلى صراع، فإنه يُقوّض الآن التقارب الأميركي السوري. إن التناقض هنا صارخ بشكل خاص: فقد أمضت إسرائيل الأسابيع القليلة الماضية في حث سوريا علناً على الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم، ومع ذلك فهي تهاجم أيضاً بنشاط القوات الحكومية ذاتها التي تدعي أنها تريد ابرام الاتفاق معها'.
وبحسب الموقع، 'كان ساعر قد دافع علناً عن فكرة الفيدرالية في سوريا في شباط 2025، وأصر على تقسيم البلاد على أسس طائفية لضمان احترام 'طرق الحياة المختلفة'. إن هذه الرؤية، التي تضمنت الضغط على واشنطن للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها على ساحل البحر الأبيض المتوسط في سوريا لمواجهة نفوذ تركيا والحفاظ على اللامركزية في سوريا، تتعارض بشكل مباشر مع الدولة الموحدة والمستقرة التي يعمل السوريون والدول المجاورة وإدارة ترامب على بنائها. إن التصعيد الإسرائيلي في سوريا، والذي يتزامن بشكلٍ مُحرج مع جهود الولايات المتحدة لرفع العقوبات وفرض سيطرة عسكرية موحدة على الأراضي السورية، يضع إدارة ترامب في مأزقٍ حرج. فمن خلال مناوراتها الأخيرة، أشارت إسرائيل إلى نيتها السيطرة على مصير سوريا، بغض النظر عن الضرر الذي قد يلحق بالاستراتيجية الأميركية'.
وتابع الموقع، 'مع كل قنبلة تُسقط على دمشق، لا تكتفي إسرائيل بمهاجمة البنية التحتية السورية فحسب، بل تُفكّك أيضًا الركائز الأساسية لنظام إقليمي مُحتمل لدول ذات سيادة، قائم على الاستقرار والتكامل، كاشفةً عن تباين جوهري يزداد تكلفةً على واشنطن، وعلى المنطقة ككل. إن الاختبار النهائي لإدارة ترامب هو ما إذا كانت قادرة على كبح جماح النهج العدواني لإسرائيل والسماح لرؤيتها الخاصة لسوريا موحدة ومستقرة بأن تتجذر'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


لبنان اليوم
منذ ساعة واحدة
- لبنان اليوم
فشل وساطة برّاك… ولبنان على أبواب أيلول أسود؟
لفتت أوساط دبلوماسية واكبت محادثات الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك، لصحيفة 'نداء الوطن'، إلى أنه لم تعد هناك حاجة لزيارة رابعة أو خامسة أو سادسة يقوم بها الموفد إلى لبنان، معتبرة أن الحديث عن زيارة جديدة لبرّاك هو مجرد 'تمديد لآمال وهمية'. وقالت: 'الصورة باتت جلية بعد فشل وساطة برّاك، ومن أفشل هذه الوساطة عليه أن يتحمّل التبعات'. وأشارت الأوساط إلى أن موقف 'حزب الله' تبيّن خلال محادثات الموفد الأميركي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي طالب باسم 'الحزب' بالحصول على ضمانات، فردّ عليه برّاك بأنه غير قادر على تقديم مثل هذه الضمانات. وقالت: 'إن موضوع الضمانات أصبح الذريعة الجديدة بعد أحداث سوريا، لعدم تسليم 'الحزب' سلاحه، الذي يجب أن يُسلَّم بمعزل عن أي حجج. علمًا أن برّاك كان صريحًا عندما أكد أنه مجرد وسيط، وأن إسرائيل تريد نزع سلاح 'الحزب'، فإذا كانت الدولة لا ترغب في تنفيذ هذه المهمة، فعليها تحمّل المسؤولية'. وأبدت الأوساط خشيتها من أن تكون واشنطن قد تخلّت عن وساطتها، ما يجعل الوضع مكشوفًا أمام إسرائيل. وتساءلت: 'هل نحن مقبلون على أيلول أسود وجولة جديدة من العنف، قبل هذا الشهر أو بعده؟'. وأضافت: 'من خلال ورقة برّاك يتضح أن هناك تصلبًا إسرائيليًا، وقد أبلغ بذلك حين قال إن إسرائيل لا تريد إبقاء أي بنى عسكرية لـ 'حزب الله' في لبنان'. وتابعت: 'في الواقع، إن مطلب نزع سلاح 'الحزب' لم يعد إسرائيليًا فقط، بل هو مطلب لبناني، فالشعب اللبناني هو من يحتاج إلى ضمانات من 'الحزب'، الذي تجاوز السيادة، وجرّ البلاد إلى حروب، وأوصلها إلى ما هي عليه. لذلك فإن مطالبة 'الحزب' بضمانات غير مبرّرة'. وشدّدت الأوساط على أنه لا بدّ أن تتحمّل الدولة مسؤولياتها في تفكيك البنى العسكرية لـ 'حزب الله'، لكي تصبح مسؤولية الأمن في لبنان منوطة فقط بالجيش اللبناني، الذي عليه أن ينتشر على الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية، وعندها، إذا ما أقدمت إسرائيل على أي اعتداء في لبنان، تصبح في مواجهة الدولة اللبنانية، لا في مواجهة الحزب كما هو الحال اليوم. ورأت الأوساط الدبلوماسية أن الصورة قاتمة، والدولة لا تريد الاصطدام بـ 'حزب الله'، وكأنها تنتظر ضربة إسرائيلية جديدة ضد الحزب. وأضافت: 'في حال زار توم برّاك لبنان مجددًا، فزيارته لن تتعدى كونها استطلاعية أو ذات طابع علاقات عامة'. في المقابل، ووفق الأوساط نفسها، 'إذا كان هناك من يراهن على فوضى في سوريا، فالوضع هناك يسلك مسارًا مختلفًا، في ظل الدعم الاقتصادي والمالي السعودي، حتى لو كان هذا الدعم متفقًا عليه مسبقًا، ما يدلّ على أن سوريا تُعتبر خطًا أحمر. وأشارت إلى أنه، بمعزل عما جرى في اللقاء الأول بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والوزير الإسرائيلي، فإن سوريا تسير باتجاه ترتيبات جديدة مع إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى عبر الإمكانات الاقتصادية، لمنع إيران من استغلال أي فراغ داخلي. وبالتالي، فإن أي رهان لـ 'الحزب' على فوضى في سوريا يصطدم بالمعطيات الجديدة'. وختمت الأوساط الدبلوماسية بالقول: 'نحن أمام مرحلة إعادة ترتيب وتثبيت الوضع في سوريا، بينما يبقى لبنان عرضة لكل السيناريوهات'.


شبكة النبأ
منذ 2 ساعات
- شبكة النبأ
مناورات باكستان بين واشنطن وطهران في ظل الصراع الإسرائيلي-الإيراني
وفي منطقة تتسم بعدم الاستقرار، وتصاعد التنافس بين القوى العظمى، يمكن لباكستان أن تقدم الشيء الكثير للولايات المتحدة؛ فهي ليست الدولة الإسلامية الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الشرق الأوسط الكبير فحسب، بل تمتلك أيضًا أقوى جيش في المنطقة، وهي القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي، وقد أعادت حرب إسرائيل وإيران... بقلم: مارفن وينباوم، نادي علي- معهد الشرق الأوسط ترجمة: د. لطيف القصاب/ مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية استقبل الباكستانيون بارتياح إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل الذي دام اثني عشر يومًا، فمع تصاعد التوترات بين الخصمين اللدودين، لاسيما عقب الغارات الجوية الأمريكية في الحادي والعشرين من حزيران ضد المنشآت النووية الإيرانية، ارتفعت وعلى نحو مفاجئ الأهمية الجيوسياسية لباكستان. لقد كانت كلًا من طهران وواشنطن تتوقعان من إسلام آباد الانحياز إلى موقفيهما، فالولايات المتحدة تأمل في أن تتفهم باكستان قرارها باستخدام القوة لتدمير برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، في حين كانت إيران تعوّل على وقوف باكستان إلى جانبها في متابعة ما تزعم أنه برنامج طاقة سلمي، وقد وضع هذا الوضع الحكومة الباكستانية في موقف حساس سياسيًا ودقيق دبلوماسيًا. فمن جهة، كانت بصدد تعزيز علاقاتها الستراتيجية مع الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، لم تكن ترغب في التخلي عن مبدأ دعم تقرير المصير لدولة إسلامية مجاورة، على أن أي هجوم يؤدي إلى زعزعة استقرار إيران يهدد في الوقت نفسه بإشعال أزمة داخل باكستان؛ إذ قد تستغل الجماعات الإرهابية الناشطة في إقليم بلوشستان المتوتر والممتد على الحدود الإيرانية-الباكستانية، قد تستغل الوضع الخارج عن السيطرة لتكثيف الهجمات أو الاستحواذ على مناطق حدودية رخوة. وعلى الرغم من كل هذه الاعتبارات، فإن الصراع الطويل بين إيران وإسرائيل لم يشكل من قبل تحديًا داخليًا بالغًا للمؤسسة العسكرية- المدنية الباكستانية كما فعل في هذه المرة، فقبل يوم واحد فقط من الضربات الأمريكية أقدمت باكستان على ترشيح الرئيس دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام لعام 2026، مشيدةً بـما سمته (تدخله الدبلوماسي الحاسم وقيادته المحورية) خلال الحرب الأخيرة التي دامت أربعة أيام بين الهند وباكستان، وقد كان هذا التوقيت سيئا للغاية فقد انتقدت أطياف سياسية واسعة المؤسسة الحاكمة لظهورها وكأنها تُرضي الولايات المتحدة، وتتخلى عن دولة إسلامية مجاورة! وهنا سارعت الحكومة الباكستانية إلى إدانة الضربات، ووصفتها بأنها (مقلقة بشدة) وانتهاك للمعايير الدولية، كما أعربت وزارة الخارجية عن قلقها العميق من احتمالات التصعيد، وتواصل رئيس الوزراء شهباز شريف مع الرئيس الإيراني بزشكيان مؤكدا دعم باكستان لإيران. لكن هذا الدعم من إسلام آباد كان محسوبًا بدقة؛ إذ تجاهلت الضغوط المحلية التي تطالب بتقديم دعم أمني لإيران مقتصرة على إبداء الدعم الخطابي والرمزي، فعلى الرغم من حالة التهدئة الأخيرة في علاقات إيران مع بعض جيرانها، فإنه من المرجح -واقعيا- أن لا ترحب أي دولة في المنطقة بفكرة وجود إيران نووية، ويُعتقد أن بعض القادة في باكستان يدعمون سرًا الإجراءات الأمريكية، أما الانتقادات العلنية، فيبدو أنها ترمي إلى إدارة الرأي العام الداخلي والحفاظ على خيارات دبلوماسية مفتوحة. لقد أجرى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مؤخرا مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء شهباز شريف، اتفقا خلالها على العمل المشترك لتحقيق سلام دائم بين إيران وإسرائيل، وفي الوقت ذاته، اتصل القائد العسكري الإيراني اللواء عبد الرحيم موسوي، برئيس أركان الجيش الباكستاني المشير عاصم منير ليشكره على موقف باكستان الشجاع ودعمها لإيران خلال حربها التي استمرت اثني عشر يومًا مع إسرائيل. إن قدرة باكستان على الحفاظ على علاقات بناءة مع كل من إيران والولايات المتحدة تضعها في موقع استراتيجي مهم لتجسير الفجوة والعمل بوصفها وسيطا موثوقا بين الطرفين، ولطالما برعت باكستان في هذه المناورات الدبلوماسية الدقيقة، وتمكنت على مدى عقود بالحفاظ على علاقة متوازنة بين خصمين كبيرين هما إيران والسعودية، مثلما تمكنت من البقاء على علاقات ودية مع دول عربية متعارضة بعضها مع البعض الآخر في كثير من الأحيان. لقد دعمت الحكومات الباكستانية العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان لمدة عشرين عامًا، في حين احتفظت أيضا بعلاقات أو تحالفات مع قسم من المتمردين الأفغان، كما انها رفضت ضمنيًا، ولكن دون إنكار صريح، فكرة تصنيف برنامجها النووي بوصفه برنامجا إسلاميا، وفي التوتر الذي نشب مؤخرا بين الولايات المتحدة والصين، أظهرت إسلام آباد مهارة دبلوماسية في تجنب الانحياز لطرف ضد آخر، مستعيدةً لدورها المحوري في التقارب الأمريكي-الصيني عام 1971. وعلى الرغم من تجذّر مشاعر العداء لأمريكا في الوجدان الشعبي الباكستاني الذي تغذيه المعارضة السياسية منذ سنوات تحت بند نظرية المؤامرة، لاسيما مع التوافق الأمريكي مع السياسات الإسرائيلية في غزة، فإن السلطات المدنية والعسكرية في إسلام آباد عملت على تطبيع العلاقة مع واشنطن قدر الإمكان، وفي عهد الرئيس الامريكي جو بايدن شعرت الحكومة الباكستانية بالضيق من سياساته التي همّشت باكستان إقليميا فضيّقت من مفهوم العلاقات الثنائية، وقد شعر كثير من الباكستانيين بالإهانة الشخصية بسبب رفض بايدن التواصل مع قادة بلدهم، ومع هذا ظل رادار واشنطن يقظا تحسبا من تجدد خطر الإرهاب العالمي في المنطقة. في المقابل، ترى باكستان إدارة الرئيس دونالد ترامب مناسبة لبداية جديدة للعلاقات الباكستانية-الأمريكية، فقد أبدت إسلام آباد سرورها عندما خصّ الرئيس ترامب باكستان بالثناء في خطابه أمام الكونغرس في نيسان الماضي على خلفية مساعدتها في اعتقال أحد الإرهابيين، وقد استندت الحكومة والجيش الباكستاني إلى تصريحات ترامب لتصور إدارته في هيأة من يستعد للعب دور فعال في حل قضية كشمير، كما عبّر آخرون عن أملهم في أن تستغل واشنطن نفوذها لدى صندوق النقد الدولي لتخفيف شروطه الصارمة على البلد، لاسيما مع رحيل بايدن الذي منح باكستان فرصة للتخلص من الانتقادات الأمريكية المتواصلة بخصوص سجلها الخاص بحقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية. وعلى الرغم من أن جدول أعمال ترامب الخارجية القائمة على عقد صفقات ناجحة تعزز مصالح أمريكا أولا قد خففت قليلًا من آمال باكستان بخصوص عقد علاقات دافئة مع واشنطن، فإن رد فعلها بقي هادئًا، بل عرضت على الولايات المتحدة امتيازات في المعادن النادرة وفرصا استثمارية تعزيزا لروابط البلدين بصرف النظر عن تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية عالية وقيود سفر، خاصة بعد الحرب القصيرة مع الهند، فقد وجدت إسلام آباد نفسها مسرورة بمعاملة الوسطاء الأمريكيين لها على قدم المساواة مع نيودلهي، وفي حين رفضت الهند الاعتراف بالدور الأمريكي في إنهاء النزاع، أثنت باكستان على ترامب وروبيو وغيرهما. وكان أوضح مؤشر على تغير الأجواء الأمريكية الباكستانية ما يتمثل بزيارة واشنطن من طرف المارشال عاصم منير الذي يُعد أقوى شخصية في باكستان، لاسيما أن زيارته سبقت بأيام قليلة الغارات الأمريكية على إيران، وقد استُقبل الضيف العسكري الباكستاني في البنتاغون بحفاوة، والتقى بالرئيس الأمريكي في غداء خاص، وقد جاءت زيارته على إثر زيارة وفد دبلوماسي باكستاني أجرى لقاءات ناجحة مع مسؤولي وزارة الخارجية بخصوص تقديم رواية باكستان عن الحرب الأخيرة مع الهند، لكن تلك الزيارة تحولت إلى مصدر حرج لباكستان بعد التدخل الأمريكي العسكري في إيران؛ إذ عُدّت نكسة سياسية للائتلاف الحاكم، وسرعان ما حاولت المعارضة استغلالها على هذا الأساس، ومع ذلك، فإن وقف إطلاق النار الذي توسط فيه ترامب بين إيران وإسرائيل، قدّم استراحة مؤقتة لكل من المؤسسة العسكرية، والمؤسسة المدنية في باكستان. إن الدفء الأخير في العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان قد يتطلب تفسيرًا أعمق من مجرد المصالح المتبادلة وإبرام الصفقات، وفي ضوء النظر إليه في سياق الانخراط الأمريكي المتزايد في الشرق الأوسط وجنوب آسيا خلال الأشهر الأخيرة، فقد تكون واشنطن بصدد إعداد باكستان لتضطلع ثانية بدور الشريك الأمني الإقليمي الوثيق، كما كان هو الحال في إطار سياسة الاحتواء خلال الحرب الباردة، والمساهمة في هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ثم في حملة مكافحة التمرد ضد حركة طالبان الأفغانية بعد عام 2001. وفي منطقة تتسم بعدم الاستقرار، وتصاعد التنافس بين القوى العظمى، يمكن لباكستان أن تقدم الشيء الكثير للولايات المتحدة؛ فهي ليست الدولة الإسلامية الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الشرق الأوسط الكبير فحسب، بل تمتلك أيضًا أقوى جيش في المنطقة، وهي القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي، وقد أعادت حرب إسرائيل وإيران تسليط الأضواء العالمية على باكستان، مما فاقم التحديات الكثيرة التي تواجهها أصلًا في سياستها الخارجية، وما يزال من غير الواضح تحديد الصورة التي ستتعامل باكستان بموجبها مع هذا المشهد الدولي المعقّد ودائم التغيّر. * مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2025 Ⓒ


الديار
منذ 3 ساعات
- الديار
التجديد «لليونفيل»؟
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب انتقل المبعوث الاميركي الى باريس، حيث يعقد لقاءات مع مسؤولين فرنسيين تتناول نتائج زيارته الى لبنان والرد الذي تسلمه من رئيس الجمهورية جوزاف عون على الورقة الاميركية. وفي السياق، يجتمع برّاك اليوم مع وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، ويلتقي ايضا، الموفد الفرنسي جان ايف لودريان لوضعه في حصيلة زيارته للبنان والبحث في مجمل الملفات التي تعنى بها باريس وواشنطن، ومن بينها ملف التجديد لقوات الطوارئ الدولية، في ظل وجود تباين في موقفي البلدين، اذ تسعى فرنسا للإبقاء على هذه القوات وفق ما هي حالياً، في حين تميل الولايات المتحدة الى الموقف الاسرائيلي الساعي الى تقليص عددها وحصر مهامها وصولا الى سحبها اذا امكن. ولا تستبعد مصادر مواكبة امكان عودة لودريان الى بيروت لمتابعة الأوضاع، في وقت غير بعيد.