logo
تصريح النتن اختبار للمواقف

تصريح النتن اختبار للمواقف

وطنا نيوزمنذ يوم واحد
د. هاني العدوان
تصريح النتن رئيس وزراء الكيان أمام الكاميرات وقوله إنه في مهمة روحانية لتحقيق حلم كيانه لا يمكن وصفه جنون عظمة أصابه بل يدخل في باب الكشف عن جوهر المشروع الصهيوني الذي ظل لعقود يتوارى خلف لغة الواقعية السياسية حتى بلغ اللحظة التي رأى فيها أن ميزان القوى الإقليمي والدولي يسمح بطرح ما كان في الأمس حديثا خلف الأبواب المغلقة
كلماته هذه جس نبض وتخطيط ممنهج يختبر به ردود الفعل العربية والدولية
التصريح في مضمونه استفزاز مباشر لكل ما رسخته معاهدات السلام واتفاقيات الحدود منذ سبعينيات القرن الماضي، فهو يتجاوز فلسطين التاريخية إلى أجزاء من الأردن وسيناء مصر، في تلميح صريح بضم أراض عربية إلى ما يسميه إسرائيل الكبرى
هذا الخطاب يرفع سقف الطموح الأيديولوجي إلى أقصى حد ويحول أي تسوية محتملة إلى خيانة من وجهة نظر جمهوره، موضحا أن الصراع مع العرب والإقليم أصبح مسألة وجود لا حدود وأن أي تراجع عن الحلم التوسعي سينظر إليه على أنه ضعف أو خيانة
لكن لماذا الآن، في الداخل الإسرائيلي النتن يواجه أزمة شرعية وضغطا سياسيا وقضايا فساد تهدد إرثه وحكومة ائتلافية يمينية متطرفة لا تكتفي بالحرب على غزة أو التصعيد مع لبنان بل تريد خطوات جذرية ترضي قاعدتها العقائدية
وفي مثل هذه الأجواء يلجأ الزعيم الشعبوي إلى رفع راية الأيديولوجيا ليظهر في صورة القائد الرسولي الذي يقود شعبه في معركة قدرية، الحرب المستمرة على غزة والتوتر المتصاعد على الجبهة الشمالية والمواجهة المستترة مع إيران كلها تمنح بعدا توراتيا في خطابه، ليصبح الصراع مع العرب والإقليم صراع وجود لا صراع حدود
وعلى المستوى الدولي فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض منحت النتن نافذة لرفع سقف التصريحات مدركا أن الإدارة الجديدة أقل حساسية تجاه التلميحات التوسعية وأكثر انحيازا لخطاب أمن إسرائيل حتى لو تجاوز القانون الدولي
هذه الحسابات تأتي في وقت يتخبط فيه الموقف العربي بين الإنقسام وعواصم غارقة في أزماتها الداخلية وهو ما يغريه بالمضي أبعد في اختبار ردود الفعل
لكن إذا كانت الأيديولوجيا تسمح بالتوسع في الحلم فإن القانون الدولي يضع قيودا صارمة على الواقع
فميثاق الأمم المتحدة يحظر استخدام القوة أو التهديد بها لتغيير الحدود، والقرار 242 يكرس مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، واتفاقيتا السلام مع مصر والأردن ملزمتان قانونيا وسياسيا، نسفهما يجعله في مواجهة مع نظام إقليمي ودولي كامل
يضاف إلى ذلك أن إسرائيل تواجه ملفات مفتوحة في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وأي خطوة نحو ضم أراض جديدة ستضاعف عزلتها القانونية والسياسية
أما ميزان القوى العسكري فلا يمنحه المغامرة فجيشه اليوم منهك بجبهات متعددة استنزاف في غزة، استعدادات قتالية عالية في الشمال، تهديدات من إيران وأذرعها في المنطقة،
أي محاولة لفتح جبهة مع الأردن أو مصر ستكون مقامرة خاسرة منذ اللحظة الأولى، فهاتان الدولتان تملكان جيوشا مدربة وعقيدة دفاعية واضحة ومعرفة دقيقة بطبيعة الأرض فضلا عن دعم إقليمي ودولي لأي تحرك دفاعي مشروع
وحتى الولايات المتحدة التي تحمي إسرائيل سياسيا لن تسمح بانهيار منظومة الاستقرار التي بنتها عبر كامب ديفيد ووادي عربة
ردود الفعل الإقليمية بدأت مبكرا ففي الأردن ارتفعت لهجة الحزم وتضاعفت الجاهزية السياسية والعسكرية مع حشد الموقف الشعبي خلف الدولة في حماية الحدود والسيادة
وفي مصر كان التصريح فرصة لتأكيد أن سيناء خط أحمر ولتعزيز الوجود العسكري والأمني فيها وتذكير العالم بأن العبث بالمعاهدات سيجر المنطقة إلى فوضى
أما في الخليج فقد وجد الخطاب الإسرائيلي نفسه أمام إعادة طرح شروط القانون الدولي وحل الدولتين كمدخل لأي علاقة، فيما استغلت إيران وحزب الله هذا الموقف لتعزيز سردية العدوان التوسعي في خطابها الإعلامي وإن كانت الأطراف كلها تدرك أن الحرب الشاملة ليست خيارا مفضلا الآن
في الغرب يراقب الأمريكيون والأوروبيون الموقف بحذر مدركين أن أي تحرك إسرائيلي نحو الحدود الأردنية أو المصرية سيشعل سلسلة من التحالفات الجديدة وقد يمنح روسيا والصين فرصة أعمق للتمدد في الشرق الأوسط على أنقاض الثقة بالغرب هذا يجعلهم يمارسون ضغطا صامتا على نتنياهو ليبقي خطابه في إطار الدعابة السياسية الثقيلة دون أن يتحول إلى سياسة ميدانية
السيناريو الأقرب وفق المعطيات أن يبقى تصريح نتنياهو أداة تعبئة داخلية وورقة ضغط خارجية، وأن يترجم عمليا في الضفة الغربية عبر توسيع المستوطنات وتشديد السيطرة وفي غزة بمزيد من الحصار والمناورات السياسية دون أن يفتح جبهة مباشرة مع الأردن أو مصر
لكن الخطر الحقيقي ليس في ما سيفعله غدا بل في ما يمكن أن يتأسس من صمت العرب اليوم لأن الكلمات إذا لم تكسر هيبتها عند صدورها تتحول بمرور الوقت إلى سياسات ثم إلى حقائق على الأرض
لم يجرؤ نتنياهو على إطلاق هذا التصريح إلا بعد أن اختبر المواقف العربية في حربه على غزة فرأى الصمت المطبق وشهد الجبن السياسي الذي شل العواصم خوفا من أميركا ولمس العزلة والفرقة التي مزقت جسد الأمة وفقدان القرار الموحد والخطاب الرسمي العربي الصارم
رأى التزاحم المحموم نحو التطبيع مع كيان ما زال يقتل ويدمر ويحاصر فأدرك أن ما أمامه ليس جدارا صلبا بل هالة كرتونية هشة تسمى الأمة العربية بصمتها وخنوعها ورضوخها
واليوم إن لم تستفق هذه الأمة من غفلتها وسباتها فإن كلمات هذا المعتوه ستتحول إلى خرائط وخطابه الاختباري الى خطة تنفيذية
المطلوب عاجلا إجماع عربي حقيقي تحت غطاء الجامعة العربية وصولا إلى مجلس الأمن وتحرك دولي قانوني صارم وإظهار قوة الإرادة الجمعية عبر التهديد بالمقاطعة الشاملة ووقف المعاهدات مهما كانت كلفتها، وعزل هذا الكيان وحصره في حدوده
فإما أن نثبت الآن أن لدينا القدرة على حماية أوطاننا أو نتهيأ غدا لسماع خطاب أكثر وقاحة ورؤية استفزاز أكبر، حين يجدنا مرة أخرى كما نحن الآن ضعفاء، متفرقين، مكممي الأفواه
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نادي الأسير الفلسطيني: التنديد الأممي لم يعد كافياً
نادي الأسير الفلسطيني: التنديد الأممي لم يعد كافياً

الدستور

timeمنذ ساعة واحدة

  • الدستور

نادي الأسير الفلسطيني: التنديد الأممي لم يعد كافياً

قال نادي الأسير الفلسطيني، مؤخرا، إن استمرار المنظومة الحقوقية الدولية في الاكتفاء بتوجيه التحذيرات والتعبير عن القلق إزاء جرائم الاحتلال، لم يعد كافيًا، وذلك في تعقيبه على رسالة التحذير الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف الجنسي بحق المعتقلين الفلسطينيين. وأوضح النادي أن المطلوب هو استعادة المنظومة الدولية لدورها اللازم، الذي فقدته بفعل حالة العجز الممنهجة منذ بدء الإبادة. وأكد أن الشهادات التي حصلت عليها المؤسسات، وتحديدًا من معتقلي غزة، تمثل أدلة دامغة على الجرائم التي تعرضوا لها، ومنها الجرائم الجنسية. وأشار إلى الفيديو المسرب الذي يظهر جنود الاحتلال وهم يغتصبون أحد معتقلي غزة في معسكر «سديه تيمان»، والذي شكّل أحد أبرز مراكز ارتكاب جرائم التعذيب. ولفت إلى أن شهادات عديدة وثّقت مستوى مماثلًا من الجرائم التي أدت إلى استشهاد 76 سجينًا ومعتقلًا منذ بدء حرب الإبادة، فيما لا يزال العشرات من المعتقلين الشهداء ضحايا للاختفاء القسري. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وجّه تحذيرًا لدولة الاحتلال الإسرائيلي بشأن ما وصفه بـ»معلومات موثوقة» حول ارتكاب قوات جيشها أعمال عنف جنسي ضد أسرى فلسطينيين. وقال غوتيريش في رسالة موجهة إلى سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون: «أنا قلق بشدة من معلومات موثوقة عن انتهاكات ارتكبتها القوات المسلحة والأمنية الإسرائيلية بحق فلسطينيين في عدة سجون ومركز احتجاز وقاعدة عسكرية». بدوره نشر دانون مضمون الرسالة، في منشور عبر منصة «إكس»، وزعم أن الاتهامات قائمة على «معلومات منحازة». وكانت الرسالة قد أُرسلت، الاثنين الماضي، قبيل نشر التقرير السنوي للأمم المتحدة بشأن العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات. وأوضح غوتيريش فيها أنه «بسبب الرفض المتكرر للسماح لمراقبي الأمم المتحدة بالوصول، كان من الصعب تحديد أنماط واتجاهات ومنهجية العنف الجنسي بشكل قاطع». وأضاف: «مع ذلك، أضع القوات المسلحة والأمنية الإسرائيلية تحت المراقبة تمهيدًا لاحتمال إدراجها في دورة التقرير القادمة، نظرًا للمخاوف الكبيرة من أنماط بعض أشكال العنف الجنسي التي وثقتها الأمم المتحدة باستمرار». ودعا غوتيريش الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة «لضمان الوقف الفوري لجميع أعمال العنف الجنسي»، مؤكدًا أنه يتوقع من إسرائيل أيضا «وضع وتنفيذ التزامات محددة زمنيًا»، بما في ذلك إصدار أوامر ضد العنف الجنسي والتحقيق في جميع الادعاءات الموثوقة. ومنذ حرب الإبادة، وصل عدد الأسرى الشهداء إلى 76، وهم فقط المعلومة هوياتهم. ووثقت مؤسسات الأسرى الفلسطينية العديد من الشهادات عن الجرائم الوحشية التي ترتكب بحق الأسرى في سجون الاحتلال، خصوصًا في المعتقلات السرية ومن بينها معتقل سديه تيمان الذي يُعقتل فيه أسرى من غزة. وفي أحدث التوثيقات، نشرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، أواخر الشهر الماضي، شهادات جديدة لمجموعة من معتقلي قطاع غزة الذين تمت زيارتهم خلال شهر تموز/يوليو 2025، تُظهر جرائم «غير مسبوقة»، بالإضافة إلى ظروف احتجاز صعبة وجرائم طبية وتجويع ممنهج. وقدمت الشهادات من أسرى في معتقلات النقب، وعوفر، وسديه تيمان، والمسكوبية. وقالت الهيئة، إن هذه «الشهادات المستمرة تمثل جزءًا من مئات الإفادات التي وثقها معتقلو غزة، ممن تعرّضوا لجرائم تعذيب وتنكيل وإذلال، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية، ما أسفر عن استشهاد العشرات، بينما لا يزال عدد آخر منهم رهن الإخفاء القسري». وأضافت أن واحدة من «الشهادات تضمنت قيام السجّانين بسكب الماء الساخن على جسد أحد المعتقلين، وأخرى تحدثت عن إجبار معتقلين على خلع ملابسهم والاعتداء عليهم بالضرب المبرّح». ‏»PPN»

هل نستطيع مواجهة إسرائيل فعلًا؟؟
هل نستطيع مواجهة إسرائيل فعلًا؟؟

الانباط اليومية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الانباط اليومية

هل نستطيع مواجهة إسرائيل فعلًا؟؟

الأنباط - مثّل رفض الأردن عام 2016 لصفقة القرن دلالة واضحة على قوة ديبلوماسية واختبارًا مهمًا للعلاقات الأردنية الأمريكية بعد فترة استقرار نسبي منذ معاهدة وادي عربة التي وُقعت عام 1994 بين الأردن وإسرائيل. وتبلورت القوة الديبلوماسية الأردنية أكثر عندما رفضت عمّان فكرة تهجير الفلسطينيين بشكل قاطع على لسان جلالة الملك في البيت الأبيض، ورافق ذلك تلويح من قبل وزارة الخارجية بخيار الحرب في حالة أقدمت إسرائيل على هذه الخطوة. هذه القوة الدبلوماسية لم تأتي صدفة، بل هي نتاج خبرة سياسية أسس لها الهاشميون منذ ما قبل الثورة العربية الكبرى، وتوجت اليوم بذكاء وديناميكية الملك عبد الله الثاني وقدرته على تغيير التصورات الغربية المشوهة عن مشاكل المنطقة، وقد ظهر ذلك مكثفًا من خلال التعامل الأردني مع العدوان الإسرائيلي على غزة. هذه القدرة الأردنية الديبلوماسية العالية تستند أيضًا إلى رواسخ عسكرية واجتماعية، فالأردن تاريخيًا يتبنّى عقيدة دفاعية عسكرية تقوم على الردع الدفاعي أكثر من الهجوم، والمعروف أن السياسة الدفاعية توفر مساحة أكبر للحركة الديبلوماسية، إذ لا يمكن أن تكون هجوميًا وتحصّل على هذا المستوى المرتفع من القبول الدولي. أما الرواسخ الإجتماعية الداعمة لهذه الديبلوماسية فتتمثل بوقوف العشيرة الأردنية بثبات خلف القيادة كإسناد قوي لديه خبرة في الدفاع عن الأرض مند مئات السنين، إضافة إلى أن العشائر الأردنية ترتبط بعلاقة متينة "باتجاهين" مع الجيش، وهذا يجعلها أحد نقاط الارتكاز في معادلة الردع الأردنية التي تدعم السياسي والدبلوماسي. وللتوضيح، يجب أن نتحدث عن عناصر القوة والضعف في أي مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل، فرغم أن الأردن يملك قوة جوية جيدة ودفاعات جوية ممتازة، إلا أنه لا يمتلك تفوقًا جوّيًا أو ترسانة صاروخية هجومية كبيرة كالتي لدى إسرائيل، لكن في المقابل فأن لديه قوة ردع معتبرة مبنية على أربعة محاور رئيسية: أولًا، الدفاع الأرضي المعتمد على الطبوغرافيا والجغرافيا، حيث يشكل وادي الأردن والجروف الغربية مسرحًا لصد أي هجوم بري بالمدفعية والدروع وغيرها من وسائل الدفاع والتخفي. كما تشكل المسافات بين الحدود الغربية وأقاصي النقاط الحدودية باتجاه الشرق عمقًا استراتيجيًا، حيث يتراوح هذا العمق بين 250 كم في المنطقة الجنوبية و340 كم في المنطقة الشمالية، وهذا ما لا تملكه إسرائيل بالمناسبة؛ فأكبر مسافة كعمق بين الحدود الشرقية لإسرائيل والبحر الأبيض لا تتجاوز 120 كم. والعمق الاستراتيجي هذا مفيد للأردن، إذ يوفر خطوطًا وطرقًا داخلية تمنحه قدرة على التحشيد السريع والدفاع النقطي، بالإضافة إلى ميزة الاستفادة من الوقت في حال وقع هجوم. ثانيًا، القوات الخاصة، إذ أصبح الأردن أحد أهم الدول في مجال تدريب العمليات الخاصة، وتحول مركز الملك عبدالله لتدريب العمليات الخاصة (KASOTC) في عمّان إلى مرجع عالمي في إعداد قوات قادرة على التسلل، والاستطلاع الخاص، وتعطيل مراكز الثقل خلف الخطوط. وهذا مهم في إدارة أي مواجهة مع إسرائيل. ثالثًا: إلى جانب ذلك كله، يستند الأردن إلى شبكة تعاون عسكري وثيق مع الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاء آخرين. فلديه اتفاقية التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة، ولديه وبرنامج دائم من التدريبات والمناورات العسكرية تشارك فيها عشرات الدول جعلت القوات المسلحة الأردنية والاستخبارات في تطور دائم. ورغم الانتقادات لهذا التحالف، إلى أن نجاح الأردن في جَمع كل هذه الخيوط في ظل التغير الواضح في المواقف الدولية إزاء سلوك إسرائيل يعتبر إنجازًا مهمًا. رابعًا: الخبرة التاريخية والذاكرة العملياتية من حروبٍ سابقة ومعارك وقعت ما بين 1948 و1967 ومعركة الكرامة 1968، دعك من المردود المعنوي لهذا التاريخ المشرّف من الانتصارات والذي يستثمر في سياق تعزيز الروح الوطنية ورفع الثقة بالقدرات. هذا المزيج يجعل أي محاولة لفرض أمر واقع على الأردن مغامرة محفوفة بالخسائر؛ فلدينا قيادة سياسية ذكية تدرك الإمكانيات الذاتية للجيش والقوى الأمنية وتؤمن بقدرته على استغلال عناصر قوة إضافية مثل الجغرافيا الوعرة، والتاريخ المُشرِّف، والتركيبة العشائرية. لا بد لنا أن ندرك قدراتنا وإمكانياتنا كما هي، فقد شاهدنا وتابعنا كيف حاول البعض تصغير أكتاف الأردن عسكريًا وسياسيًا على وقع إعلان نتنياهو لأحلامه في إقامة إسرائيل الكبرى، وتابعنا أن هناك من اعتبر طموحاته قدرًا لا مفر منه، وكأن الأردن دولة ضعيفة. نعم، هناك من فَرح بتصريحات نتنياهو في سبيل النكاية بالأردن ومواقفه وليس في سبيل دعوة الأردن لتطوير جاهزيته العسكرية والسياسية من باب الخوف عليه.

مروان البرغوثي، ومتى يعلنون يوم القيامة؟
مروان البرغوثي، ومتى يعلنون يوم القيامة؟

الدستور

timeمنذ 2 ساعات

  • الدستور

مروان البرغوثي، ومتى يعلنون يوم القيامة؟

إنها إسرائيل. ولا يُعرف من أين تمتلئ تلك الرؤوس بنفايات أيديولوجية متطرفة؟ وزير الأمن القومي الإسرائيلي ظهر في فيديو، وهو يقتحم زنزانة الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي، ويقف أمام البرغوثي مطلقًا تهديدات رعناء أمام الكاميرات. ونشر بن غفير على وسائل التواصل الاجتماعي، كما لو أنه حقق نصرًا عسكريًا ضد سجين أعزل في زنزانة، وقد قضى أكثر من عقدين في الحبس الانفرادي. صورة لحالة الهذيان والهستيريا الإسرائيلية، وما نتوقعه وما لا نتوقعه يمكن أن يحصل. إنها إسرائيل المنهكة في رمال غزة ودماء غزة، ووزير أمنها القومي يواجه ويهدد أسيرًا في زنزانة. وإنها إسرائيل التي تهدد دول الإقليم، وتحلم في مشروعها التوراتي الكبير والعظيم، من النيل إلى الفرات. استعراض هستيري لوزير دولة تملك ترسانة نووية، وجيشًا وأجهزة أمنية وعسكرية، وأمريكا ودول الغرب تقدم لها دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا ولوجستيًا وسياسيًا مطلقًا وغير محدود. مروان البرغوثي رمز وطني فلسطيني، وله مكانة متقدمة في الوجدان الفلسطيني والعربي. بين جدران زنزانة البرغوثي ليس فراغًا، ولا جدارًا إسمنتيًا ونوافذ مغلقة، إنه مشروع لأمل وحلم شعب منكوب ومحاصر ومشرد وأرضه محتلة، ووطنه مسلوب. حاخامات أورشليم يعتقدون أن إسرائيل بحاجة إلى مزيد من الدماء والقتل والإبادة. ويقولون في التوراة: إن الله يغضب إن قُتل يهودي، ويفرح إن قتل يهودي «الأغيار»، ويعني الآخرين. القرنان العشرون والحادي والعشرون، هما قرنا اليهود. ولربما، ثمة سؤال مرير في فلسفة الأديان وتاريخ الأديان: ما هو المقدس، وأين الإنسان، وأين السماء؟ وهل حقيقي أن هذه الأسئلة باتت معطلة ولا جدوى من طرحها في زمن اليهود؟ وهل أن القوة هي الحقيقة المقدسة؟ من يملك السلاح النووي، ويملك طائرات أباتشي، ويملك الذكاء الاصطناعي، ويملك صواريخ عابرة للدول والقارات، هو الأقوى. في غزة تراجيديا للإبادة والموت والتجويع والحصار والتهجير. غطرسة لا متناهية، وبلغت في تعبير نتنياهو بصراحة أيديولوجية عن إيمانه أنه مرسل من الرب لتحقيق إسرائيل الكبرى. في الأمم المتحدة ظهر نتنياهو بخارطة لإسرائيل الكبرى، وتضم فلسطين والأردن وسورية، والعراق، ومصر، والسعودية، وأجزاء من تركيا. زمن الأنبياء والمرسلين انتهى. ولكن، نتنياهو عاد ليبشّر بالتكليف الرباني والسماوي!! نتنياهو وترامب لا يعملان فقط لتغيير المسارات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وتمزيق الخرائط وإعادة ترسيمها، وإنما لتغيير البنى اللاهوتية والفلسفية لشرق أوسط جديد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store